روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والستون 67 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والستون 67 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء السابع والستون

رواية في قبضة الأقدار البارت السابع والستون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة السابعة والستون

بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة السابعة عشر 🎼💗

تذوقت الكثير من الخيبات التي كُنت دائمًا ما اُقتنِع نفسي بأنها مُجرد خسائر لا أكثر . إلى أن أتت تلك الأخيرة لتصنع ثُقب كبير في مُنتصف قلبي عاجز لـ لآن على إصلاحُه …
5
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

بأقدام اثقلها الخوف و ارهقها كثرة الأحمال أخذت تدور بغرفتها و هي تتمنى لو أنها تطوي تلك الدقائق التي تفصلها عن عودته بعد تلك القنبلة التي فجرها علي مسامعها قبل ذهابه
2
_ مروة بتقولي الحقني يا سليم ، و صوت ضرب نار جنبها .
5
لم تستطِع منعه من الذهاب ولا التفريط به فهرولت إلى غرفة« مروان» لتخبره حتى يلحق به وها هي الآن تتجرع مرارة الإنتظار و داخلها يتضرع إلى الله كي يحفظه .
2
تعثرت نبضاتها حين سمعت قفل الباب يدور لينفتح وكأن الله يرسل غوثه في أشد اللحظات حلكة فأطلت «فرح» برأسها من الباب فحين شاهدتها «جنة» تقاذفت العبرات من مقلتيها تأثرًا و قادتها قدماها إلى أحضان شقيقتها و شهقاتها كدوي تردد صداه في أرجاء الغرفة فأخذت «فرح» تُشدد من عناقها تود لو تمتص كل هذا الحزن الماثل فوق قلبها الصغير الذي لم تنتهي الحياة منه بل أخذت توجه له الصفعة تلو الأخرى و كل صفعة أشد من سابقتها .
1
_ اهدي يا روح قلبي . متقلقيش . سليم زمانه جاي . سالم لسه قافل مع مروان و جايين دلوقتي.
رفعت رأسها بلهفة و عينيها تلتمع بوميض العبرات التي لازالت كشريان نازف لا ينضب أبدًا
_ بجد يا فرح ؟ طب هما فين ؟ حصل ايه ؟ طمنيني .
1
ذلك الألم في عيني شقيقتها و هذا الصمت المُميت لا يُبشران بالصمت فلم تستطِع «فرح» أن تخبرها بوفاة «مروة» والأصعب من ذلك تلك الحالة الشيطانية التي تلبست «سليم» جراء ما حدث .
2
قطع ذلك الحديث الدائر بين أعينهم صوت السيارات في الأسفل فلم تتوقف لسماع كلمات« فرح» التي ودت تحذيرها بل أطلقت العنان لقلبها ليسحبها للأسفل فتفاجئت بوجود كُلًا من «طارق» و «مروان» فقط فهوى قلبها ذعرًا جعل الحروف تخرج متقطعه من بين شفتيها حين قالت
_ س . سليم . فين ؟
نظر الشقيقان لبعضهم البعض بصمت قطعه صوت «سالم» الخشن الآتي من الخلف
_ سليم متضايق شويه يا جنة سبيه براحته ، وهو هيرجع من نفسه .
4
تجمدت أقدامها لثوان و كذلك علقت أنفاسها بصدرها الذي اجتاحته نوبة ألم عنيفة شوشت الرؤيه أمامها لثوان حتى ظنت بأن النهاية باتت قريبة فإذا بذراعين يحملان حنان العالم أجمع والذي التفَ حول بؤر الوجع المُتفشي بقلبها حتى سكن لثوان مع كلمات «فرح» الحنونة

_ جنة . خدي نفسك . كل حاجه هتبقى كويسه صدقيني .
استدارت داخل جوق ذراعي «فرح» التي كانت تذرف الحزن من بين عينيها بسخاء تعاظم حين سمعت كلمات «جنة» التي بدت ساكنة بطريقة تبعث على الريبة
_ بجد يا فرح ؟ هييجي يوم و تبقى كل حاجه كويسه ؟
5
لم تستطيع «فرح» مقاومة ذلك الألم الساكن بعيني شقيقتها فجذبتها بقوة داخل ذراعيها في مواساة صامتة أدمت قلوب الحاضرين و كان من بينهم هو .
ذلك الجبل الذي لا يهتز و لو عصفت ألف ريح فإذا بعدة قطرات من عبراتها تزعزع ثوابته و تجهز على شكيمته ليقاوم بشق الأنفس رغبة هوجاء في انتزاعها من براثن ذلك الحزن الدامي الذي يُحيط بها فينال من جنته الخضراء التي تترقرق بين جفونها
أخرجهم من حالة الشجن الذي يُحيط بهم ذلك الصوت المُمزق ل«شيرين» التي هرولت من الأعلى تسبقها عبراتها و استفهامها الذي تتمنى لو تجد إجابة تُهديء من وَصَب قلبها
_ مروة جرالها ايه ؟
2
طافت عينيها على الجميع إلى أن استقرت فوقه فوجدت نظراته تحمل الكثير من الاعتذارات التي لم يُفصِح اللسان عنها فأخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا حتى جاءت كلمات «مروان» الخانقة
_ الكلب كان مرتب لكل حاجه و قصد يقتلها قدام سليم عشان يضمن أنه يعيش الباقي من عمره حاسس بالذنب .
6
في تلك اللحظة سقط قلبان أحدهم في الهاوية و كان ل«جنة» التي اخترقت الكلمات قلبها فأرته صريعًا و السقوط الآخر كان ل«شيرين» التي لم تحتمل فجيعة خسارة صديقتها و تلاشت أقدامها لتسقط تفترش الأرض بينما تتردد صرخاتها في أرجاء القصر فسقط قلبه معها ليندفع تجاهها في محاولة لإحتوائها و تهدئة انهيارها و كذلك فعلت «همت» التي هرولت من الأعلى إثر كلمات «مروان» و انهيار طفلتها بينما كان هناك حزنًا من نوعٍ آخر حزن من فرط سطوته كمم الألسُن عن الصُراخ وأحجم اندفاع العبرات التي احتقنت بها عيني «جنة» الشاردة بطريقة توحي وكأنها معزولة عن هذا العالم فارتعب قلب «فرح» التي أرسلت نداءات استغاثة إلى «سالم» الذي لبى ندائها على الفور و اقترب من «جنة» يمسِك كلتا كتفيها بيديه وهو يهزها بطريقة مؤلمة نسبيًا حتى تستفيق من تلك الحالة التي لا تُبشر بالخير . اتبع حركته بصوته الفظ حين قال
3
_ جنة . فوقي اللي حصل دا حصل غصب عننا كلنا .
استجابت عينيها لكلماته و ارتفعت بنظراتها إليه و فجأة صرخت بقوة وهي تضع يدها فوق كتفها الأيمن فاندفعت «فرح» خائفة
1
_ جنة أنتِ كويسة ؟
لم تكد تُجيبها حتى صدح صوت هاتف« سالم» الذي أجاب على الفور لتمر ثوان قبل أن يزمجر بشراسة
_ انت بتقول ايه ؟ طب سليم كويس ؟
1
شهقات متتالية اندفعت من أفواه الجميع تلاها صوت «جنة» التي ناظرت «سالم» قائلة بذعر

_ سليم انضرب بالنار .
لم يكُن سؤالًا بقدر ماهو إقرار بما حدث و شعر به قلبها الذي يحمل من العشق ما يُمكنها من الشعور بالوجع لأجل ساكنه
هزة بسيطة من رأس «سالم» جعلت العالم ينطفيء من حولها و لم تُمانِع بالاستجابة لتلك الهوة السحيقة التي أغرتها لتنتشلها من بؤرة العذاب إلى حالة من اللاوعي .
5
أخذ يطلق أنفاسه الحارة و هو يمضغ أسنانه بغل و هناك رغبة مُلحة بالتقيؤ تتملكه كلما تذكر نفسه وهو يقوم بحلب هذا الحيوان الغبي و الآن يقوم بغلي حليبه لكي يطعم ذلك الرجل الذي يود أن يفتك به في الحال ولكن ما يمنعه كونه بمفرده في تلك الصحراء لا يعرف طريقة للفرار منها قبل أن تبتلعه دواماتها لينتهي به الحال هالكًا من الجوع و العطش و ربما الجنون
1
_ هِم شويه . ايش تسوي كل هالوجت ؟
هكذا صاح «جرير» الذي كانت نظرات الشماته تنبعث من عينيه وهو يراقب الغضب الذي يقطر من عيني «حازم» فحين تشاجروا ذلك اليوم القى جرير بسُم كلماته في وجهه الذي امتقع من شدة الصدمة
_ بتعرِف انا ما راح موت أهني . راح يچوا هلي و ناسي يدوروا علي بس انت ما حدا راح يفكر فيك . لأنك ما بتستاهل ، وخليك عارف اني لو متت راح تحصلني بالبطيء لإنك ما راح تعرِف تخرچ من هالمكان ولا راح تلاچي لا وكل ولا شُرب .
2
و بالفعل طوال اليومين المنصرمين وهو يُمارِس أعمال كليهما حتى يتمكن من حلب الماعز و غلي حليبها الذي لا يستسيغ طعمه ولكنه كان الغذاء الوحيد مع كسرات الخبز الذي تبقى معهم فهذا الوغد أخبره بأن كل أسبوع يذهب لجلب بعض المؤن من قبيلة يعرفها تسكن بالجوار ، ولكن اي جوار فكُل ما يُحيط بهم رمال !
زفر بقوة وهو يضغط على نفسه لمساعدة ذلك الوغد و بعدها سيتتبعه و يعرف من اين يأتي بالمؤن و حينها سيهرب من هذا الجحيم
2
_اتفضل اطفح .
رمقه «جرير» بسخرية قبل أن يتناول منه الطعام في صمت فأخذ «حازم» يناظره بحقد لم يُحاول إخفاءه ولكنه أجبر نفسه على فتح حديث مقتضب عله يصل لأي شيء قد يساعده في الهرب
_ هو انت ازاي قاعد هنا طول الوقت دا و مبتشوفش عيلتك ولا أهلك ؟
1
لم يُجبه« جرير» بل تابع الأكل في صمت فلم ييأس «حازم» الذي قال بضجر
_ اكيد عندك ولاد مش بيوحشوك ؟
فاجابه جرير حين قال ساخرًا
_ بدك اجعد جارهم كيف الحريم ؟ اني رجال اتخلجت عشان اشتغل و اصرِف على هلي
ابتلع غضبه الحارق و قال باستفهام
_ و المفروض تفضل هنا قد ايه ؟ يعني اقصد بتغيب عن ولادك قد ايه و ترجع تقعد معاهم قد ايه ؟
«جرير» بفظاظة
_ ليش تسأل أيش ودك بي و بعيالي ؟
«حازم» بسخرية
_ أبدا بطمن عليهم اصلك غالي عليا اوي .
«جرير» بسخط
_ شن عليي . جوم شوف المعزي ولا تكتر كلام . ما اكتفيت بالجعدة طول سنينك ؟
تعاظم غضب «حازم» ولكن بداخله شعر بوخزات الخزي من أن يكون هذا البغيض يعلم شيء عن ماضيه فقال بحنق
2
_ انت تقصد ايه بكلامك دا ؟ و بعدين انا مكنتش قاعد انا كنت بتعلم .
2
تشدق «جرير» ساخرًا و عينيه تطلقان أعيرة الاحتقار في وجه «حازم»
_ تتعلم ؟ واحد مبوقع (نصاب ) مثلك كيف بدو يتعلم . ليش سويت كذيه ؟ ليش ما كنت رجال مع عيلتك و هلَك ( أهلك )؟
انتفض« حازم» واقفًا وهو يزمجر بغضب يدعي عدم معرفته بلغة «جرير»
_ انا مش فاهم حاجه ما تكلمني زي ما بكلمك .
تفاجيء حين حادثه «جرير» بلغة قهراوية تضمنت اقسى درجات الإهانة حين قال
_ مش فاهم لهجتي ؟ حاضر هقولك بلهجتك ؟ ازاي كنت حقير مع أهلك و ناسك كدا؟ ازاي مكنتش راجل مع انك من عيلة كبيرة و اخواتك محاوطينك بـ حبهم و رعايتهم ؟
2
اغمض عينيه و لوهلة تمنى لو أنه لم يجعله يتحدث بلغتهم فقد أراد التحجج بعدم فهمه لما يقول حتى يخرج من هذا النقاش سالماً ولكن اتضح بأنه أغرق نفسه بالوحل أكثر
_ انت متعرفش حاجه يبقى متحكمش .
«جرير» بسخرية
_ مين قالك اني معرفش ؟ انا أعرف و اعرف كتير اوي و قبل ما اكون عارف اني بحس ، و حسيت من اخوك قد ايه انت خيبة أمل كبيرة ليهم و فرع شيطاني لابد بتره .
أراد سكب الوقود في كلماته حين قال مُستفهمًا
_ ما تقولي يا حازم . لو مكنتش عملت كل دا كان زمانك فين ؟ كان زمانك وسط أهلك و تحت حمايتهم . كان زمانك نايم في فرشتك متنعم في خيركوا و عزكوا .
صاح باندفاع
_ هرجع . قريب اوي هرجع و استرجع كل اللي خسرته .
2
«جرير» بتهكم
_ بتحلم . مش انك ترجع لا . انا ممكن ارجعك . بس بتحلم لو فكرت انك ممكن تستعيد مكانتك في قلوبهم الفلوس بتروح وتيجي عادي هيرموهالك بس محدش هيفتحلك حضنه .
3
استمهل نفسه قبل أن يُضيف مُشددًا على حروفه كي تنال من ذلك المتغطرس
_ هتعيش منبوذ . وحيد ملكش حد . عارف اخوك جابك هنا ليه ؟
لم يستطِع الرد فتولى «جرير» المهمة بدلًا عنه
_ عشان يحافظ عالباقي من عيلته . لو قتلك هيوسخ أيده ولو سلمك للشرطة هيضر ناس ملهاش ذنب . جه رماك هنا يا تعيش و تتعلم و تتربى بعيد عنهم كافيهم شرك يا تموت وتبقى جت من عند ربنا .
2
رغمًا عنه تألم . تجاهل سخطه و غضبه و شعر بالخزي و الألم و وخزان الندم فتابع «جرير» بجفاء
_ اني روحت انا و بوي الشيخ رفاعي ناخد عزاك و شوفت بعيني كيف كان سالم الوزان مدبوح و غرقان في الحزن و القهر عليك . كان لسه مخدوع فيك لو كان يقدر يفديك بروحه مكنش هيتأخر . كانت حياتك لسه غاليه اوي و ليهم تمن . لكن دلوقتي حياتك رخيصة .
1
صمت لثوان يتابع امتقاع وجه «حازم» الذي لم يفلح في إخفاء ألمه فتابع بقسوة
_ أفعالك الدنيئة قضت على غلاوتك في القلوب و خليت حياتك رخيصة عندهم و وجودك مالوش تمن . مجرد مجرم عايزين يتخلصوا منه عشان ميجبلهمش العار .
2
فرت دمعة قهر من عينيه سرعان ما محاها وهو يصيح بغضب
_ مش صح . هما فاكرين أنهم بيربوني . لكن سالم بنفسه هييجي ياخدني
_ الكلام دا قبل ما تبجح و تجهر بغلطك . رصيدك في قلوبهم خلص ، و حياتك بقت تهدد أمن عيلة كاملة وسلامتها . اتأقلم مع حياتك هنا دا لو لسه في قلبك ذرة حب ليهم وعايز تكفر عن سيئاتك معاهم .
1
كان قلبها يسبقها وهو يهرول عبر رواق المشفى باحثًا عن رجلًا لم يأتي الزمن بمثله ولو بحثت دهرًا فأخذت عينيها تطوف بالمكان حولها علها ترتوي برؤية وجهه الذي كان هو قمرها المُنير بعد أن اعتادت ظلمة أيامها
1
لم تكن وحدها بل رافقها الجميع و على رأسهم «سالم» الذي لولا حالتها لم يكُن يسمح بمجيئها على الرغم من خوفه الكبير مما هو آت ولكن لا مفر من المواجهة
_ سليم عامل ايه يا دكتور ؟
كان هذا استفهام« سالم» الذي شاهد الطبيب يخرج من غرفة خمسة التي اخبروهم بأن شقيقه متواجد بها فبادره بالسؤال ليجيبه الطبيب
_ بخير الحمد لله الطلقة كانت في كتفه اليمين ، والحمد لله مأثرتش على أماكن حيوية في جسمه .
2
صاح «طارق» بلهفه
_ طب هو فايق يا دكتور نقدر نشوفه و نطمن عليه .
_ اه طبعًا تقدروا تدخلوا عنده هو فايق و كويس .
ما أن سمعت كلمات الطبيب حتى اندفعت إلى الداخل بقلبًا لهيف و روح مُلتاعه لتتفاجيء بذلك الجالس فوق السرير يلف الضماد كتفه الأيمن في نفس المكان التي تألمت به منذ قليل فهاهي شعرت بألمه دون أن تعلم من فرط عشقها له ولكن هناك ألم آخر لم تكن تدري عنه شيء جعله في وادٍ آخر مليء بالظلام و الوحشة و العذاب الذي تبلور في عينيه المحترقة بنيران الجحيم و يديه التي كانت تقبض على شرشف السرير بقوة جلبت الذُعر إلى قلبها فجاء صوتها هامسًا حين نادته
_ سليم .
لأول مرة لم يكُن حضورها مُبهجًا لم ينتفض قلبه عشقًا و لم ترتوي عينيه برؤيتها بل على العكس ازدادت قتامة و سُرعان ما عادت ذاكرته إلى ما حدث قبل عدة ساعات
2
عودة لوقت سابق
أخذ يهرول إلى أن دلف إلى شقة «مروة» التي كانت تئن من فرط جراحها التي منعتها من الاستجابة لصوته حين أخذ يُناديها وهو ينهب درجات السُلم لكي يصعد إلى غرفتها ليهوي قلبه بين ذراعيه حين رآها وهي غارقة بدمائها تستجديه عينيها ليقترب يلبى ندائها بلهفة و قام بحمل جزءها العلوي بين ذراعيه وهو يقول بلوعة
_ حصل ايه ؟ و مين عمل فيكِ كدا ؟
تقاذفت الدماء من بين شفتيها بدلًا من الحديث وثقل لسانها حين قالت بحروف متقطعة
_ س . سل . سليم . أو . اول . مرة . اش . أشوفك . مل . ملهوف. عليا . كدا .
أخذ جسدها ينتفض بين ذراعيه فارتعبت لهجته حين قال
_ هششش . أسكتي عشان متتعبيش . الإسعاف جاية عالطريق و هتقومي و تبقي زي الفل .
«مروة» بابتسامة واهنه و حروف متقطعه تُعلِن عن بداية النهاية
1
_ هت. هتوحشني. خل . خلاص. دي . نه . نهايتي . وانا. راضيه . أموت . خلاص . امنيتي . اتحققت . و . أخر . حا . حاجه. هغمض . عيني . عل . عليها صورتك .
صاح بلوعة
_ بطلي الكلام دا . هتعيشي . و هجبلك حقك من الكلب اللي عمل فيكِ كدا .
_ اب. ابعد . عنه . نا . ناجي . دا . شي . شيطان .
تبلور الجحيم بنظراته حين ذكرت اسم ذلك الرجل فزمجر بشراسة
_ الكلب الحقير . ايه اللي جابه عندك ؟ و ليه يعمل فيكِ كدا ؟
_ عش . عشان . مك . مكذبتش . و . وقلت . أن . ان . محص . محصلش . حاجه . بي. بيني و بينك . كا . كان . عا . يزني اق . اقول . لجنة . انك . كن . كنت معايا.
6
امتدت يديه فوق شفتيها يمنعها من الحديث و قلبه ينتفض ألمًا و لوعه تجلت في نبرته حين قال
_ طب اسكتي متتعبيش نفسك . لما تقومي بالسلامه ابقي احكيلي كل حاجه .
حانت لحظة النهاية فلونت ثغرها ابتسامة هادئة و قالت بلهجة واهنة
_ سا. سامحني ، و افتكر . واحدة . عاشت تحبك و ماتت . تحبك .
6
في تلك الأثناء دلف «مروان» إلى الداخل و استمع الى كلمات «مروة» فاقترب منها فهاله مظهرها و علم أن النهاية حانت فقال بحشرجة
_ اتشاهدي يا مروة . قولي أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدًا رسول الله
1
همست «مروة» تردد الشهادة خلف «مروان» قبل أن يسكن جسدها فانفطر قلبه حين لاحت بوادر النهاية فهتف بحرقة
_ لا يا مروة خليكِ متمشيش . انا مش حمل ذنب جديد . بالله عليكِ فوقي . مش هقدر اعيش بذنبك . فتحي عنيكِ و ردي عليا . يا مروووة
4
عودة للوقت الحالي
اشتدت يديه التي تقبض على الشرشف و أخذ يمضغ أسنانه بغل بينما عينيه تخلت عنها إلى الجهة الأخرى و على صوت تنفسه وكأن الأنفاس تتشاجر بصدره فبدا مُخيفًا إلى حد كبير و لكن ذلك لم يمنعها من الاقتراب لتروي ظمأ قلبها من رؤيته فقد ظنت بأن غضبه ناتج عن حزنه لأجل تلك المسكينة فتقدمت بخطوات سُلحفية إلى حيث يجلس و دون أن تتفوه بحرف قامت باحتواء رأسه بين أحضانها و أسندت ذقنها فوق خصلات شعره وهي تُشدد من احتوائه ، وعلى الرغم من أنه ظاهريًا لم يستجيب لمواساتها الصامتة ولكن كل ما به سكن بوجودها و بين ذراعيها فظل الوضع لدقائق غير محسوبة إلى أن لامس أرض الواقع الأليم الذي يحياه فانتزع نفسه عنوة من ملاذه الآمن بأحضانها و قال بجفاء
2
_ جيتي ليه ؟
تحدثت ببراءة غافلة عن ذلك الجحيم الذي تعده بها عينيه
_ معقول أسيبك وانت في الحالة دي ؟ انا عارفه انك زعلان اوى عشان مقدرتش تلحقها . بس دا قدرها ! عمرها اللي ربنا كاتبهولها انت متقدرش تزود فيه لحظة واحدة . أرجوك متحملش نفسك فوق طاقتها .
2
التفت يُناظرها بغموض دام لثوان قبل أن يُفاجئها حين أطلق ضحكة صاخبة كانت آخر رد فعل يمكن أن تتوقعه منه و المُفزع أن ضحكته كانت مُرعبة تُشبه نظراته التي افزعتها و كلماته القاسية حين قال
_ قدرها ! ، و اللي ربنا كاتبهولها ، و محملش نفسي فوق طاقتها . اومال الكلام دا كله كان فين وأنتِ بتدوسي عليا وعلى قلبي و بتقوليلي خدلي حقي من اللي ظلمني ؟
3
تراجعت خطوتين إلى الخلف حين شاهدت معالمه المُرعبة و نبرته القاسية و تلك الكلمات التي كانت تنخر بقلبها الذي احتارت جراحه ايًا ينزف أولًا
نصب عوده وهو يشملها بنظرات قاسية تشبه معالمه و لهجته حين قال
_ لم أنتِ مؤمنة بالقدر و باللي ربنا كاتبه ليه دوستي على نعم ربنا عليكِ و مسكتي في انتقامك من حازم ؟
6
اشتدت لهجته و شابها النحيب وهو يقول بشراسة
_ ليه سبتي كل اللي عملته عشانك و جيتي عاللي مقدرش اعمله و مسكتي فيه ؟
3
كان يتقدم منها وهي تتراجع و عينيها تذرفان من الوجع أطنانًا فلم يهتز بل لم يكُن يراها من الأساس فهدر بكل ما يعتمل بقلبه من قهر
_ دلوقتي مش عايزاني أحمل نفسي فوق طاقتها بس أنتِ تدوسي على وجعى و عجزي عادي .
لم تستطع التفوه بحرف فقط عبرات صامتة و قلب ينتفض ألمًا ليتسلل من عمق ألمها همسًا خافت يستجديه
_ سليم .
صاح هادرًا بعنف
_ سليم و زفت . مروة ماتت بسببك . ناجي قتلها بسببك . بسببك بقيت حيوان عايز اي حاجه تنسيه كلامك اللي بيقتل . لو مكنتيش وجعتيني اليوم دا مكنتش شربت زفت ولا كنت روحت عندها . أنتِ السبب .
6
على نحيبها و هرع الجميع للداخل فـ هالهم ما رأوه فاقترب «سالم» من «جنة» التي كانت تنتفض ذُعرًا و ألمًا بينما اقترب «مروان» من« سليم» يحاول تهدأته فصاح الأخير بقهر
_ أنتِ اكبر غلطه غلطتها في حياتي . عملت كل حاجه في الدنيا عشان أرجعك للحياة تاني بس أنتِ كنتِ بتموتيني . مكنتيش شايفه غير نفسك و بس . ابعدي عني . مبقتش عايز اشوفك قدامي . اخرجي بره .
20
كان الألم أكبر من قدرتها على التحمل فصارت تنتفض بين يدي «سالم» الذي صاح بقسوة
_ اسكت يا سليم .
وجه نظراته إلى «مروان» وهو يسحب« جنة» التي كانت تنتفض بين يديه و قال بصرامة
_ خليك معاه هودي جنة و ارجعلك .
1
لم تفارقها عينيه وهي تغادر و من فرط الوجع لم ينتبه لكون فراقها أكثر من يُمزقه فقد كانت نيران الذنب تحرق أحشاءه من الداخل فسقط على الأرض بين يدي «مروان» الذي حاول تهدئته قائلًا
1
_سليم أهدى . متعملش كدا في نفسك . عمرها و خلص هتعمل ايه يعني ؟
هدر بعنف
_ انا تعبت . لحد امتى هفضل عايش و طوق الذنب ملفوف حوالين رقبتي ؟ مرة ذنب اخويا اللي فكرته ميت و هو زعلان مني و مرة ذنب جنة اللي كنت ظالمها بسببه و لا ذنب قلبي اللي مقدرش يتخلى عنها ولا عن ابنها بالرغم من رجوعه ، ولا ذنب مروة اللي ماتت بين ايديا و بسببي ! أنا تعبت . مبقاش فيا حيل لعذاب تاني .
8
هدأ صراخه و تحول لنحيب و لهجه متهدجة من فرط الألم
_ اروح فين من النار اللي جوايا دي ؟
«مروان» بتأثر
_ يا سليم انت ملكش ذنب في اي حاجه من اللي حصلت دي . حازم و قذر دا بعيد عنك . جنة و الكل كان ظالمها وهي نفسها ظلمت نفسها لما خبت اللي حصل حتى عن اختها . و انك تبقى متمسك بيها بعد ظهور حازم دا حقك . عشان دي مراتك محدش يقدر ياخدها منك ، ومروة دا قدرها . انت روحت لحد ناجي عشان تاخد تارها و موت عشرة من رجالته قصاد موت مروة و النتيجه اهو
3
قام «مروان» بالضغط بقوة على تلك البقعة الحمراء في كتف «سليم» لعل الوجع يعيد عقله إلى رأسه ثم تابع بحدة
_ الألم دا اكبر دليل إنك مسبتش حقها ، وكمان محدش طلب منها أنها تيجي تبرأك . على الاقل عملت الصح قبل ما تموت .
3
وضع «سليم» يديه فوق خصلات شعره يحاول تحجيم شياطين الجحيم التي تعصف برأسه فتكاد تصيبه بالجنون فهتف صارخًا
_ انا عايز انام يا مروان . خليهم يدوني أي حاجة تنيمني . مش قادر اتحمل الصداع دا .
أطاعه« مروان» على الفور و قام بإخبار الطبيب الذي أذن له بمخدر قوي ما أن أخذه حتى راح في سُبات عميق كان هو المُنقِذ الوحيد من تلك الآلام التي كادت أن تُرديه صريعًا .
كانت رحلة العودة صامته على عكس تلك الصرخات التي تتردد بصدرها فـ تؤلمه والحقيقة أن كل ما يحدُث يؤلمه حتى أنفاسها التي تود لو تتوقف حتى تُعلِن عن نهايتها ، ولأول مرة بحياتها تشعر بالغيرة من إحداهن في أعماقها تتمنى لو كانت هي من ماتت و ليس «مروة» على الأقل لن تكن فريسة لـ وطأة هذا الألم الدامي الذي لا يُنهيها بل بقدر ما يُهلكها .
صف «سالم» السيارة أمام باب القصر الداخلي و لجأ للصمت لثوان قبل أن يبدأ بالحديث و لكن باغتته «جنة» التي قالت بلهجة متحشرجة من فرط البكاء
_ عايزة امشي النهاردة .
4
لم يتفاجأ من حديثها فقد انهدم كل شيء بعينيها اليوم فبعد ان استشعر هدوئها و لامس وميض السعادة بعينيها فطن إلى أنها نفت فكرة المغادرة من رأسها ولكن الآن و بعد ما حدث فها هي تلك الفكرة تفرض نفسها و بقوة على ساحة تفكيرها و بالحقيقة هو لن يلومها
_ جنة ..
قاطعته حين التفتت تناظره بعيني ارتسم بهم التوسل الذي يتنافى مع حشرجة صوتها و ملامحها الجامدة حين قالت
_ وعدتني قبل كدا تقف جنبي . لو لسه عند وعدك ليا مشيني من هنا .
7
يعلم أنها مُحقة و يعلم أيضًا كم شقيقه مُمزق لذا حسم أمره سريعًا قبل أن يقول بجفاء
_ لسه عند وعدي . شوفي عايزة تمشي امتى وانا معاكِ .
_ دلوقتي . هطلع اخد محمود و اشوف فرح و امشي . مش هقدر اشوف حد من اللي في البيت ، و معنديش طاقه ارد على اي اسئلة
3
هكذا تحدثت بمرارة وكأن صبار نبت بجوفها فأجابها «سالم» بجمود
_ اللي أنتِ عايزاه .
★★★★★★★★

دلفت إلى داخل الغرفة فوجدت« فرح» نائمة على الكرسي مُلتحفة بأحد الشراشف فاقتربت بخطٍ سُلحفية إلى أن وقفت أمامها تناظرها بقلب ينفطر ألمًا و عينين تذرفان الوجع بسخاء و قلب ينزف شوقًا بدأ قبل أن تُفارقها فاقتربت تضع قبلة دافئة فوق جبهة «فرح» النائمة بهدوء و قامت بطئ ورقة صغيرة لتضعها بجانبها قبل أن تهمس بلوعة
_ سامحيني . بحبك اوي .
تراجعت الى الخلف وعينيها تتعلقان بشقيقتها تشتهي عناقًا قويًا بين ذراعيها لتمسح على قلبها النازفة جراحه ولكن كم كان التمني عظيمًا و الأمنية مستحيلة ، و كم كان الألم مُريعًا و قلوبنا ضعيفة . كانت الرحلة طويلة و بكل خطوة تبعدها عن احبائها يتضاعف عذابها و تتعاظم لوعة قلبها الذي لم يكُن ينقصه فراق آخر ولكن يبدو أن الفراق هو مصيرها فبكل مرة تظن أن الحياة سـ تبتسم لها تباغتها بـ صفعة أقوى من سابقتها لتقف الآن أمام حقيقة واحدة وهي أن السعادة لم تكُن يومًا من نصيبها و عليها تقبُل الأمر . سيكلفها ذلك أطنان من العبرات و مثلهم من الصرخات و لكن لا بأس ستعتاد .
هكذا كانت تُردد وهي تضع يدها فوق قلبها لتحاول تهدئه آلامه العظيمة و نبضاته الثائرة وهي تعده بأنه سـ يعتاد هذا الوجع يومًا .
6
العاشرة صباحًا توقفت السيارة أمام فيلا «صفوت» الوزان و ترجل «سالم» الذي التفت ليساعد «جنة» على الترجل من السيارة و بيدها محمود لتتحرك إلى الداخل بأقدام مُثقلة بخيبات عظيمة و آلام جسيمة لا تجروء على التحدُث عنها.
استقبلتهم «سهام» بحفاوة فقد أخطرهم «سالم» بمجيئهم و قد تفهمت كلماته المقتضبة حين رأت ملامح «جنة» الشاحبة فقامت باحتوائها بين أحضانها وهي تهمس بحنو
_ نورتينا يا جنة . هتتبسطي معانا اوى أنتِ و محمود
لك تقاوم «جنة» حنانها و رسمت ابتسامة هادئة على ملامحها فتقدمت« نجمة» لتحتضنها برفق و شفقة على حالها قبل أن تقول بمُزاح
_ هتنبسطي اوي و أنتِ شايفه نور الشريف بيچري ورا بوسي في الغيطان ، واني و الغلبان ابن عمك لو شاورنا لبعض يبجى ربنا كرمنا من وسع
3
اتسعت ابتسامة»«جنة» بعض الشيء على حديث «نجمة» التي أخذت «محمود» من بين يديها تقبله وهي تقول بمزاح_ كيف الجمر . الحمد لله مطلعه شبة المخفي أجله اللي اسمه مروان ده
اندهشت «جنة» من معرفتها ب«مروان» فقالت باستفهام
_ انتِ تعرفي مروان منين ؟
«نجمة» باندفاع
_ شفته كان بيحاول يجتل الكبير جبل سابج .
6
«جنة» بصدمة
_ ايه ؟
«نجمة» بلهفة
_ لاه دا موضوع طويل هبجى احكيهولك بعدين . تعالي دلوق عشان تريحي من السفر .
★★★★★★★★★★
في داخل غرفة المكتب الخاصة بصفوت هتف «صفوت» بغضب
_ الحقير دا زودها اوي يا سالم . مبقاش ينفع نسكت اكتر من كدا .

«سالم» بجفاء
_ احنا مش ساكتين يا صفوت . بس لازم اضمن المرة دي أنه مش مجهزلنا مصيبة تانية .
«صفوت» بتهكم مرير
_ مبقاش في أموات تاني يصحيهم .
2
تجاهل «سالم» غضبه وقال بفظاظة
_ ماهو عمال يخلص ع الأحياء .
«صفوت» بحنق
_ هتبدأ بالتنفيذ امتى ؟
«سالم» باختصار
_ آخر الأسبوع طارق هيسافر و هينفذ اللي اتفقنا عليه
«صفوت» بتفكير
_ طارق راجل و قدها بس مش خطر عليه .
«سالم» بغموض
_ متقلقش . كل حاجه متخططلها دا غير توفيق ربنا اللي بإذن الله مش هيتخلى عننا .
تمتم «صفوت» بخفوت
_ بإذن الله . هتعمل ايه ؟ هتروح تشوف حلا ؟
«سالم» بنفي
_ للأسف لا . مش هينفع حد يعرف اني جيت هنا و معايا جنة مش عايز الدنيا تتكركب على دماغ سليم اكتر من كدا . كمان هي كلمت ماما و قالت لها انها جايه قريب.
ربت «صفوت» على كتفه وهو يقول بمواساة
_ معلش يا سالم . انت الكبير و الكبير دائمًا بيشيل كل حاجه على دماغه
2
اومأ «سالم» برأسه قبل أن يقول بخشونة
_ مش هوصيك على حلا يا صفوت . انت مكاني هنا . لحد ما اخلص من كل العك دا . متتخيلش هي وحشاني قد ايه ؟
_ ولا يهمك حلا بنتي . ركز انت في اللي انت فيه .
نظر «سالم» إلى ساعته قبل أن يهب واقفًا وهو يقول بعُجالة
_ انا لازم امشي . ماما و فرح لوحدهم هناك و ميعرفوش حاجه مش عايز قلق و توتر.
اومأ «صفوت» بقلة حيلة
_ مش هقدر اقولك خليك . ربنا يكون في عونك .
2
★★★★★★★★★
_ انت كدا بتدمر مستقبلك عشان مين ؟
هكذا صاحت« نجلاء» والده «عُدي» التي لم يُرضيها كونه تزوج بتلك المشوهة وهو لايزال يدرُس لذا جاءت لتوها من المطار رأسًا على محل إقامته مع تلك الفتاة
_ مستقبلي وانا حر فيه . محدش له الحق يقرر عني ولا يخططلي حياتي .
3
هكذا تحدث «عُدي» بجفاء فلم يُعجبها حديثه فصاحت بانفعال
_ حر دي لما تبقى بتفكر بعقلك . مش سايق فيها زي المجانين و عايز تعملي شهم على حساب نفسك .
زمجر غاضبًا
_ تقصدي ايه بالكلام دا ؟
«نجلاء» بانفعال
_ اقصد اختيارك اللي زي الزفت . مين دي ؟ حتة بت مشوهه و معقدة متستاهلش حتى تاخد دقيقة من تفكيرك مش تديها اسمك يا بيه .
صاح «عدي» بوحشية
_ اسكتي . اوعي تجيبي سيرتها مرة تانيه . البنت اللي مش عجباكِ دي هي حب حياتي و مراتي و مسمحش لأي حد يجيب سيرتها على لسانه .
4
تجمدت« نجلاء» بمكانها وهي تستمع بصراخ ولدها لأجل تلك الفتاة فقالت بصدمة
_ انت بتعلي صوتك عليا يا عُدي عشان خاطرها. بتعلي صوتك على أمك !
«عُدي» بلهجة تقطُر ألمًا
_ يمكن عشان محستش يوم انك أمي ! كنتِ فين وانا طول حياتي لوحدي بتعب لوحدي و اخف لوحدي و أتوجه لوحدي و اداوي نفسي بردو لوحدي ؟ عارفه كام مرة احتاجتك و ملقتكيش ؟ عارفه كام مرة كان نفسي اترمي في حضنك و أعيط و ملقتكيش ؟ أنتِ مكنتيش موجودة قبل كدا ملكيش وجود في حياتي بعد كدا . ياريت ترجعي مكان ما كنتِ عشان أنا اختارت حياتي و مش هغيرها .
كلماته كانت كوخزات الإبر التي توغز بصدرها فهبت معترضة

_ انا و أبوك كنا متغربين و متبهدلين عشان نأمنلك مستقبلك مستقبل .
«عدي» بسخرية
_ وانا مش عايز اي مستقبل ساندي مش موجوده فيه . ولو الفلوس في نظرك هي اللي هتأمنلي مستقبلي تبقي غلطانه . انا مستقبلي مع واحدة تحبني و احبها و تعوضني عن كل اللي احتاجته منكوا و ملقتهوش .
«نجلاء» بغضب
_ دا آخر كلام عندك ؟
«عدي» بوضوح
_ ايوا آخر كلام .
«نجلاء» بسخرية
_ و ياترى هتصرف عليها منين ؟
«عدي» بهدوء
_ انا بشتغل كول سنتر الصبح و ويتر في مطعم اخر النهار و الحمد لله مكفي بيتي و مراتي متشغليش بالك أنتِ
3
كانت ملامحه توحي بمدى رضاه على ما بقوم به لذا استخدمت آخر ورقة رابحة تمتلكها حين قالت بتحذير
_ خلي بالك أن لو فضلت راكب دماغك حنفيه الفلوس اللي مفتوحة دي هتتقفل .
«عدي» بصدق و عينين تحكيان مدى رضاه
_ مش لازمني فلوسكوا قولت . خليهالكوا . انا عندي اللي اغلي منها الف مرة .

لم تستطِع الصمود في هذا النقاش الذي حتمًا ستخرج منه خاسرة لذا توجهت إلى باب الغرفة تنوي المغادرة تزامناً مع تلك الشهقة التي خرجت من فم تلك التي استمعت إلى هذا الحديث الدائر بينهم ولم تستطِع منع عبراتها التي لا تعلم سببها اهو ألمًا جراء إهانة والدته لها ؟ أم إمتنانًا لدفاعه عنها ؟ ألم تأثرًا بعشقه الضاري لها ؟
2
اخترقت شهقاتها صدره الذي يضج بعشقها فأخذته أقدامه ليهرول الى غرفتها يطرق الباب وهو يقول بلهفة
_ ساندي ؟ افتحي الباب ..
لم تكن في حالة تسمح لها بالمواجهة لذا هتفت بتوسل
_ سيبني يا عُدي مش قادرة اتكلم
صاح غاضبًا
_ مفيش حاجه اسمها سيبني . في حاجه اسمها انا تعبانه احضني . انا محتجالك خليك جنبي .
6
همست بألم
_ عُدي أرجوك ..
_ أرجوكِ أنتِ . متبعدنيش عنك ، و متفكريش أن في حد في الدنيا هيقدر يبعدني عنك أو يبعدك عني.
اسند رأسه فوق الباب الخشبي وهو يقول بألم
_ افتحي ارجوكِ مش هتجاوز حدودي معاكِ اقسم بالله . انا بس هاخدك في حضني .
لم تستطِع مقاومة إغراء وجوده و قامت بفتح باب الغرفة لترتمي بين جنبات صدره تبغي النجاة فقابل لهفتها باقوى منها وهو يُشدد من احتوائها دافنًا رأسه بين خصلاتها وهو يهمس بلوعة
_ بحبك لو كل الدنيا عاندتني هفضل أحبك . لو الناس كلها اتجمعت عشان تفرقنا بردو بحبك .
6
★★★★★★★★★

تململت في نومتها فقد اتعبها ذلك الوضع كثيرًا فشعرت بألم كبير في أنحاء جسدها فقاومته وهي تحاول أن تنصب عودها ليزداد الألم مصحوبًا بتيبُس في أطرافها فتوجهت إلى الحمام لتأخذ حمامًا مُنعشًا قبل أن تتوجه إلى غرفة شقيقتها
بعد مرور نصف ساعة قضتها أسفل المياة الدافئة علها تُريح عظامها المُتألمه خرجت وهي تلتحف بمنشفة تكاد تصل الي فوق ركبتها لتتوجه إلى غرفة الملابس تنتقي رداء يُناسب برودة الطقس الذي سُرعان ما أذابها دفء حضوره حين وجدته كان في طريقة للخروج من الغرفة باحثًا عنها فتفاجأ بمظهرها المُهلِك الذي انتشله من بؤرة غضبه و خفف وطأة ذلك الضغط الماثل فوق كتفه ليقترب منها بخطوات سُلحفية وعينيه تشملانها بنظرات مُشتعلة بعشق لم يُخلق لسواها فهتفت بلهفة
_ سالم . جيت امتى ؟
4
_ مش مهم المهم اني هنا و أنتِ معايا .
لوهلة فاتتها نظراته المشتعلة تجاهها ولكن ثُقل أنفاسه و كلماته الدافئة جعلتها تندثر خجلًا من عينيه التي تلتهم حسنها بنهم أيقظ نيران الرغبة بقلبها ولكن كان هناك ما يؤرق قلبها و يُنغص سعادتها بوجوده فهمست بتساؤل
_ جنة فين ؟ جت معاك ولا لا ؟
3
احتوا ذراعيها بحنو و امتدت أناملة تلامس خصلاتها المُبللة ليضعها خلف أذنيها فيما قال بخفوت أمام شفتيها
_ جنة في أمان . متقلقيش عليها . خليكِ معايا هنا
احتوت عنقه بذراعيها وهو تقول بهمس أصاب وترًا حساسًا بداخله
_ انا دايمًا معاك حتى لو مكنتش موجودة . قلبي و روحي معاك دايمًا يا سالم

همس بخشونة أذابتها
_ و سالم مش محتاج أكتر من كدا .
انتقلت يديها من عنقه لتحتوي وجهه وهي تقول بصدق لامس أوتار قلبه
_ أنا اسفة بجد . من كل قلبي أسفة لو وجعتك و حطيتك في موقف وحش و خضيتك عليا . انا متخيلتش أن البني آدم دا ممكن يكون وحش بالطريقة دي . النهاردة بس عرفت قد ايه انا غلطت .
4
أخذ يستنشق أنفاسها الدافئة لينشرِح صدره و ينتشي جسده برائحتها الجذابة فاقترب يرتشف اعتذارها و يقطف ثمار الحب من فوق شفاهها بتروي أصابها بالخدر و كأنه لم يكُن يملِك من الحروف ما قد يصِف ما بداخله فأراد أن تصف الأفعال ما يحمله لها من عشق خالص نمى بقلبه منذ أول يوم رآها به
شعرت بأن هناك الكثير مما لا يستطيع التعبير عنه فأخرت تقربها منه أكثر حتى تبثه اعتذارها و عشقها في آن واحد و داخلها يحمد الله أنه وقف بجانبها و حماها من هذا المجنون و إلا من يعلم لربما كانت الآن في عداد الأموات
فصل اقترابهم رأفة برأتيها التي طالبت ببعض الرحمة فرفع رأسه يناظرها بعيني داكنه من فرط ما يشتهيها ولكنها تحمل شيء آخر لم تخطيء في فهمه فهمست بتساؤل
_ سليم كويس ؟
أومأ بصمت يُشفِق عليها من ما يخبئه بجوفه من أحداث قد تُبدد صفاء ذلك الشعاع الأخضر الذي يطل من عينيها فيجعله يقع في عشقها كلما رآه
أخيرًا استطاع الحديث حين قال بخشونة
_ فرح أنتِ عارفه أنتِ ايه بالنسبالي ، وعارفه كويس اني شخص مبيتهاونش في الغلط ، ياريت بعد كدا تتصرفي على انك مرات سالم الوزان كبير العيلة دي

بالرغم من أنها لا تُحبذ تلك اللهجة ولكنها تعلم أنه مُحِق لذا اومأت بالموافقه وهي تهمس بخفوت
_ حاضر .
لم تنتهي أوامره بل تابع بتحذير لم تخطيء فهمه
_ و ياريت كمان تحطي جوازنا في أولوياتك . او بمعنى أدق يكون هو رقم واحد بالنسبالك .
5
فطنت إلى ما يرمي بحديثه و حين همت بالحديث شدد من جذبها اليه وهو يهمس أمام عينيها
_ و سيبي عليا كل حاجه بعد كدا .
2
هدأ الفؤاد بكلماته و شعرت بأنها تستند على كتف لا يميل و جبل لا يعرف الإنحناء لذا لم تُجادل بل اكتفت قائلة بهمس
_ ربنا ما يحرمني منك .
3
على حين غرة قام وضع يده أسفل ركبتها و الأخرى خلف ظهرها ليحملها فصاحت باندهاش
_ سالم بتعمل ايه ؟
قرب رأسه من رأسها قائلًا أمام شفتيها بلهجة محرورة
_ عايز اغرق في حضنك و انسى كل حاجه الا أنتِ .
شددت من احتواء عنقه وهي تشعر بحاجته المُلحة لوجودها بين ذراعيه
_ حضني مفتوحلك على طول يا حبيبي .
3
لم يُزيد حرفًا واحدًا بل اقترب يقطف ثمار العشق من فوق شفتيها المُغوية و قدماه تأخذه ليتوجه إلى مخدعهما ليبثها أشواقه العاتية ليشتعل بين ذراعيها و تنطفء موجات غضبه بين احضان عشقها فهي ترياقه من سموم و وخزات الحياة و بره الآمن بين كل تلك العواصف التي لم تشفِق ولو للحظة على رجل مثله لم يعتد على الإنحناء أو الشكوى يومًا
أخذ يعمق اقترابه منها و.شفاهه تفرق همساته العاشقة فوق شفاهها و ملامح وجهها و يديه التان و كأنهمَ يحويان حنان العالم أجمع تلثم كل ما تطاله من جسدها فقد كان وكأنه يغرقها في بحر من الدفء و الحنان و كانت تبادله بأضعاف ما يُعطيها و لأول مرة تُبادر الحديث وسط
ملحمتهم الرائعة
_ حقك علي قلبي يا روح قلبي .
7
لثمت كلماتها آثار ظلت عالقة بقلبه لـ تُشفى على يديها وبين ذراعيها فاقترب ينثر وروده الدافئة فوق جبهتها و قسماتها المُشتعله بلهيب العشق الذي انساب من بين شفاهه بعذوبة حين قال
_ قلبي معرفش الراحة غير في حضنك . اوعي تحرميه من راحته دا ما صدق لقاها .
باغتته حين ارتشفت شهد عشقه من فوق شفتيه بلهفة أيقظت جنون رغبته التي يُكللها شوقه الضاري لها و الذي تضاعف حين قالت بأنفاس متهدجة
_ انا كمان ملقتش راحتي و سعادتي غير وانا جنبك و صدقني مش هضيعها بايدي أبدًا . انت و ابننا اهم و اغلى حاجه عندي في الدنيا .
لطالما اشتهى سماع تلك الكلمات من بين شفاهها فأسند جبهته فوق جبهتها وهو يقول قاصدًا إثارتها
_ أحلى أم منصور في الدنيا .
15
سارت الخطة كما أراد تمامًا فقد اشتعلت جنتها الخضراء لتُصبِح مُشعة بغضب لم تستطِع الإفصاح عنه فأطلق
ضحكة قصيرة جذابة وهو يقول بعبث
_ حلو اوي كدا . أحبك وانت قايد نار كدا .
8
لم تستطِع السؤال ولا حتى الحديث فقد اختطفها معه في بحور العشق اللامتناهي و الذي لم تعُد تحتمله قلوبهم فأصبحت تطلقه على هيئة آنات مستمتعة من جانبها و آخرى خشنة من جانبه ليمتزجا في عزف أنشودة رائعة عنوانها العشق و محتواها اللهفة و الشوق الذي لا ينضب ولو احترق العالم من حولهم ..
6
★★★★★★★★★★
دلفت الداخل قاعة المحاضرات كما هي العادة لتتفاجئ بالجميع يناظرونها بغرابة فـ اندهشت قليلًا و ما هي إلا ثوان و تحولت دهشتها لصدمة عظيمة حين شاهدت …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى