روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع والستون 64 بقلم نورهان آل عشري

موقع كتابك في سطور

رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع والستون 64 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الرابع والستون

رواية في قبضة الأقدار البارت الرابع والستون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الرابعة والستون

بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة الرابعة عشر 🎼💗
أن تنثر بذور الأمل في طريق أحدهم ثم تجنيها صبارًا قاسيًا تنغرز أشواكه في قلبك دون رحمة فـ تنزف العين ألمًا و يحترق الخَلَد قهرًا و انت مُكبلًا بأصفاد الكبرياء الموقدة التي تسلب روحك المذبوحة حقها أن ترفرف وهي تنازع أنفاسها الأخيرة. فتبدو من الخارج صلبًا ، شامخًا لا تتأثر بينما داخليًا تحتضر بصمت. فقارب نجاتك اتضح بأنه مثقوب و بيرق العشق انكسرت رايته من موضع ثقة اندثرت أمام خذلان عظيم لم تتوقعه يومًا….
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
دوائر مُفرغة و دوامات سحيقة ابتلعت ذلك القلب الذي ظن أنه نجى ! لكن الحقيقة أنه بكل مرة يتضح بأن ظنه لهو إثمٍ عظيم قِصاصه ذلك الألم الدامي الذي تغلغل في أعماق روحه و استوطن طيات فؤاده .
تنهيدة قوية خرقت جوفه المُحترق فألقى برأسه للخلف يستند على ظهر المقعد مغمضًا العينين وكأنه يخشى أن يُبصر الظلام كل هذا الألم بداخله ، و الذي لا يُمكن البوح به أو التخلص من تأثيره و مقاومته أشبه بمواجهة نوه بحر هائج يعتزم على الفتك بمن يقف أمامه .
اخترق مراسم الألم ضوء خافت تسلل من تلك الفتحة الصغيرة التي أطل منها رأس« مروان» الذي لم يستأذن بالدخول بل انساق خلف ذُعر كبير لامس قلبه بكل خطوة يتقدمها للداخل و عينيه تتلقفان هذا الألم الهائل الذي تبلور في ملامح ذلك التمثال الحجري الذي يجلس صامتًا دون حراك
_ سالم . انت كويس ؟
لأول مرة تخلو لهجته من السخرية التي كانت جزءً لا يتجزأ من شخصيته فقط القلق الذي كان يتبلور في عينيه وهو يرى حال «سالم» الذي جاءت لهجته جافة بقدر وجعه حين قال
_ كويس .
استشعر مدى سخافة سؤاله ولكنه خرج منه رُغمًا عنه فصححه قائلًا
_ انا عارف أنك بتتريق ، و انت عارف اني مبعرفش اذوق الكلام . انت تعبان يا سالم و أوي كمان ، وانا مش هتحمل أشوفك كدا .
«سالم» بفظاظة تتناسب مع مدى الألم المحفور فوق قسمات وجهه
_ يبقى تخرج بره .
عانده باستبسال
_ مش هخرج ، ولازم نتكلم .
لم يُعطيه فرصة للرد بل تابع بتعقل
_ الموقف اللي حصل يضايق بس خلاص خدت وقتك في الزعل والعصبية دلوقتي نتكلم بالعقل . في احتمالين أنها تبقى متفقة مع ناجي و دا مرفوض كلي و جزئي ، و الاحتمال التاني أن الكلب دا ضغط عليها أو هد،دها ، وهي بردو معذورة حتى لو اتهورت .
صمت مُطبق كان يُخيم على المكان حولهم فقط بضع أنفاس هائجة لم يفلح في التغلب عليها فقط كانت تتشاجر بداخل صدره بشراسة مؤلمة وبالرغم من ذلك هو صامت ولكن هذا الصمت لم يردع «مروان» الذي حاول استفزازه قائلًا بجفاء
_ سالم انت عندك شك في فر..
قاطعه مُحذرًا بشراسة
_ مروااان .
نجح في مسعاه فتابع بمبدأ الطرق على الحديد وهو يغلي
_ يبقى زي ما قولتلك الكلب دا هد،دها أو ضغط عليها .
مزق ثوب الصمت قائلًا بجفاء
_ و انا فين من الكلام دا ؟
«مروان» برزانة
_ دا مربط الفرس ايه اللي يخلي فرح القادرة اللي مبيهمهاش حد ترضخ لتهد،،يد كلب زي دا ؟
تشعب الغضب بصدره فصارت دماءه تغلي في مراجل و احتدت نظراته و شابهتها لهجته حين قال
_ السؤال دا هي رافضه تجاوب عليه ..
ضيق «مروان» حاجبيه و قال بترقب
_ بس انت اكتر واحد عارفها و عارف ايه اللي ممكن يخليها…
قاطعه «سالم» بقسوة
_ جنة . الحالة الوحيدة اللي فرح بتتصرف فيها من غير عقل لما الموضوع يكون بخصوص جنة
زوى ما بين حاجبيه قبل أن يقول بجفاء
_ سالم انت عارف فرح راحت قابلت ناجي ليه صح ؟
باغتته إجابته القاتلة حين قال
_ عارف
_ و ايه مشكلتك ؟
«سالم» بقسوة
_ مشكلتين مش مشكلة واحدة .
«مروان» باستفهام
_ ايه هما ؟
_ الغباء و الأنانية !
هب «مروان» مُدافعًا
_ بس فرح مش غبية و جنة مش أنانية .
«سالم» بغموض
_ هنشوف .
زفر« مروان» بتعب
_ طب و هتشوف ازاي ؟ فهمني يا سالم ؟
«سالم» بجفاء
_ مفيش حاجه تفهمها . ناجي كان بيهد،،د جنة و فرح عرفت و كالعادة اتصدرت هي فهد،،دها هي كمان علشان كدا راحت تقابله ، وانا مستني اشوف الخطوة الجايه هتكون ايه ؟
صاح «مروان» بحنق
_ الحيوان ! طب انت هتستنى تشوف هما هيعموا ايه مش هتساعدهم ؟
لونت معاملة ابتسامة ساخرة لم تصل إلى عينيه و أجابه بجفاء
_ اساعدهم ! مش بقولك مشكلتي الغباء .
«مروان» بعدم فهم
_ طب سالم انت عرفت ازاي أنه بيهد،،دهم ؟
ضيق عينيه وهو يتذكر ما حدث قبل عدة ساعات
عودة لوقت سابق
كان الألم الأشد والأقسى أن تكن هي ملاذه الوحيد في هذا العالم ولا يستطِع السكون بين ذراعيها ، يشاهد خروجها العاصف وهي تجر أذيال الوجع الذي كان أضعافه بقلبه الذي كان يصرخ مطالبًا بها حتى يهدأ ذلك الألم الذي يقتات على روحه .
تجاوز الأمر حدود استطاعته و كاد عقله أن يُجن من فرط الأسى للحد الذي جعل عروق يده تتجمد و أنفاسه تتسارع و كأن الآلام تتسارع لنهش ذلك الجبل الذي لم ينحني ألا لأجلها و لأجلها انهار جسده و تكالبت عليه الأوجاع فكاد أن يسقط لولا ذلك العقار المُذيب للجلطات الذي كان يحتفظ به دائمًا خوفًا على والدته خاصةً بعد موت شقيقه المزعوم و بعد وقت غير محسوب بدأت آلامه بالخمول تدريجيًا ولكن هناك آلام أخرى لا تهدأ لذا قرر العمل بمبدأ قطع العر،ق و إساله الد،،ماء فأخذ سلا،،حه و توجه إلى ذلك المكان الذي يكمُن به قرن الشيطان .
_ سالم بيه أخيرًا قرر يحن عليا و ييجي يشوفني ! والله تعبت نفسك .
تجاهل «سالم» سخريته و سحب أكبر قدر كافي من الأكسجين بداخله وهو يستجدي ثباته مُذكرًا نفسه بأنه جاء إلى هنا لتفريغ شحنات غضبه .
_ قلت آجي اطمن عليك . اخبار جرحك ايه ؟
«ناجي» باستخفاف
_ حتة الخربوش دا ميأثرش في ناجي الوزان .
ابتسامة جانبية ظهرت على ملامحه قبل أن يقول بفظاظة
_ اه . انت فهمتني غلط . انا بتكلم على الجرح التاني . بمعنى أوضح القلم اللي خدته على و،،شك لسه بيوجعك !
احتقن وجه« ناجي» بالدماء فأخذ يبتلع جمرات غضبه الحارقة فحر،،ب الأعصاب هي المُفضلة بالنسبة إليه لذا فلن يدعه ينتصر بها أبدًا
نجح و بصعوبه في السيطرة على غضبه و رسم ابتسامة ساخرة على محياه قبل أن يقول بتهكم
_ لا . بقى البسكوتة دي أيدها هتوجعني بردو ! ست زي فرح و في جمالها كل حاجه في الدنيا فداها .
بين غياهب ذلك الغضب الذي كان يغزو أوردته هناك عنق قام بن،حره و أعضاء قام ببت،رها و ج،ثة قام بالتم،ثيل بها ولكن على أرض الواقع كان صلبًا هادئًا حد الجنون الذي أصاب« ناجي» حين سمع كلماته الساخرة
_ اه . طبعًا بنت الأصول الدنيا كلها تحت رجليها . حتى كرامتك !
استقرت كلماته في الصميم ولكنه لم يعطيه الفرصه للحديث إذ تابع بتهكم
_ و بعدين انا عارف اني غالي عليك ، و غلاوة فرح من غلاوتي عندك
فطن «ناجي» إلى المغزى وراء حديثه فقهقه بصخب لم يُخفي اهتزاز حدقتيه ولا عروق يديه التي برزت دلالة على اقتراب البركان إلى الفوهة و سرعان ما ختم قهقهاته قائلًا بتخابث
_ دي حقيقة ، و عشان كدا مردتش ازعلها بالرغم من اني كنت اقدر . لكن أنا عتبان عليك . ياخي خفيفة كدا . هي حلوة اه لكن مش راسية . بحتة تهديد اهبل جبتها جري . مفروض مرات الباشا الكبير تبقى غير كدا . تليق عليه
بشق الأنفس تجاوز منحنى الغضب و واصل شن هجو،مه بلهجة ساخرة يلتمع بها التشفي
_ وهي لو خفيفة ولا متليقش لمرات الباشا الكبير كان صوابعها هتفضل معلمة في و،شك لحد دلوقتي ؟
بطريقة مسرحية نظر إلى ساعته قبل أن يتابع
_ بالرغم من أن مر على القلم حوالي اتناشر ساعه . لا غلطانه فرح . المرة الجاية هخليها تعلم عليك بس مش اوي كدا .
إلى هنا و لم يعُد يتحمل فصاح بانفعال
_ جاي تداري على كسفتك و اني قدرت اوصل لبيتك و اخلي مراتك تجيلي لحد عندي بحتة تهد،يد أهبل ميخوفش عيل صغير ! اعترف انك مش قادر تسيطر حتى على مراتك . اعترف اني ضر،بتك في مقتل من غير ولا رصا،صة واحدة .
لم تهتز ملامحه و كأن الحديث لم يكُن موجهًا إليه بل تابع بنبرة ساخرة
_ معقول الزمن جه عليك للدرجة دي ؟! انت معتقد أن فرح جت تقابلك عشان التهد،يد الأهبل بتاعك دا ؟ و لا معتقد أن مراتي هتنزل تروح مكان انا معرفوش ؟ ولا هسيبها فر،يسة للكلا،ب الضالة اللي زيك ؟
اعماه الغضب فصاح بدون احتراز
_ ايوا جت عشان تحمي البت اختها . اللي بكلمتين مني شقلبت حياتها و خليتها قلبت على اخوك الاهبل ، قال ايه بتحميه ! خايفة لا يق،تل اخوه بعد ما يشوف الفيديو وهي في حضنه
وصل إلى منتصف الطريق ، ولكنه تابع بتهكم
_ بلاش سليم عشان دا بييجي عالريحة و صدقني أبشع مو،ته ممكن تخطر على بالك هتكون حاجة بسيطة بالنسبة للي ناوي يعمله فيك . خلينا في تهد،يداتك العبيطة .
_ تهد،يداتي مش عبيطة يا سالم يا وزان بإشارة مني اقدر اخلي فضي،حتكوا في كل مكان . تخيل كدا ..
تفاجيء حين قاطعه «سالم» بجفاء
_ انا مش هتخيل حاجه . عشان قولتلك قبل كدا أن تهد،يداتك عبيطة . هو انت مُتخيل اني ممكن أسيب فيديو زي دا معاك ؟ دا لو كان موجود أصلًا !
صاح بغضب
_ أيوا موجود .
«سالم» بجمود
_ طلعه . عايز الناس كلها تشوفه . تحب اجبلك تليفون تكلم كلابك منه تقولهم ينشروه ؟
كاد أن يصل إلى حافة الجنون و احتدمت معالمه بشكل مُريع فتابع «سالم» بهسيس مُرعب
_ اه صحيح . انت مسألتش عن حازم خالص ؟ هو مش شريكك بردو ولا ايه ؟
«ناجي» بسخرية
_ ننوس عين الحاجه ! هتكون وديته فين يعني ؟ زمانه عايش سلطان زمانه .
قاطعه «سالم» حين قال بشراسة
_ نفيته ! وديته أسوأ مكان ممكن يتخيل أنه يروحه .
صُدِم «ناجي» بشدة من حديث «سالم» الذي تابع بلهجة تحمل أطنان من الوعيد
_ تخيل أخويا وعملت فيه كدا ! انت بقى هعمل فيك ايه ؟
بلل حلقه الذي جف من فرط الانفعال و ذلك الخوف الذي تسلل إلى قلبه للحظات ولكنه لم يُظهر شيء بل قال بشجاعه واهيه
_ ولا تقدر تعمل حاجة .
باغته «سالم» الذي قال بهدوء مُثير للقلق
_ انا فعلًا مش هعمل حاجه . دا انا كمان هسيبك تمشي لو حبيت يعني ! أما لو الأقامة بتاعتنا عجبتك . البيت بيتك .
لونت الدهشة معالمه فصاح حانقًا
_ انت بتقول ايه ؟ بتلعب بيا الكورة ؟
التفت «سالم» ليقوم بفتح باب الشقة وهو يقول ببساطة
_ لو الكلام قالقك اوي اديني فتحتلك الباب أهوه عشان تمشي .
تساقط الشك من بين نظراته فقال بريبة
_ انت فعلًا هتسبني أمشي ؟ طب ازاي و ليه ؟
اقترب «سالم» جالسًا على أقرب مقعد فاردًا قدميه براحه تجلت في نبرته حين قال
_ ازاي ؟ زي ما شفت فتحتلك الباب أما ليه بقى فعشان سببين
استمهل نفسه لكي يُزيد جُرعات القلق بداخله و تمهيدًا لإلقاء رصاصات مدرعاته فصبغ لهجته بالتأثر الزائف وهو يُتابع
_ أول سبب . بصراحة صعبت عليا. يعني سهام بهدلتك امبارح و بعد ما كنت رايح تتشفى فيهم و فارد عضلاتك اتهانت من اكتر انسانه حبيتها في حياتك
امتقع لونه وهو يُناظر «سالم» الذي لم يتوانى عن جلده بسو،ط كلماته حين تابع
_ و صعبت عليا اكتر و اكتر لما فكرت انك ممكن تلعب بمراتي و توصل لبيتي من غير ما أعرف و الحقيقة أننا اللي لعبنا بيك و النتيجة آثارها لسه معلمه على وشك .
بدأت أقدامه بالتلاشي و كأنه فقد كل اتصال له في هذا الحياة فتابع «سالم» بتشفي
_ و رصا،صة طارق اللي هيبقى جوز بنتك و ابو أحفادك في المستقبل . بس دا درس يعلمك متلعبش مع ولاد الوزان لإن كل واحد فيهم مجنون بس بطريقته .
صمت لثوان قبل أن يطلق آخر قذ،ائفه فنصب عوده وهو يتوجه إلى ذلك الذي أوشك الغضب على إصابته بنوبة قلبية
_ أما السبب التاني بقى . اني اكتشفت أننا ادناك حجم أكبر من حجمك . انت مبقتش تشكل أي خطر علينا . مجرد مريض مهو،وس أنه ينغص علينا عيشتنا . لو اتعاملنا معاك على انك مريض كل مشاكلنا هتتحل . عشان كدا هسيبك تمشي .
تعالت أنفاسه فباتت تتشاجر داخل صدره حد الألم فلم يرأف به« سالم» بل تابع بقسوة
_ أنت أضعف بكتير من أننا نعملك اعتبار . امشي .
قلعته الرملية انهارت بكلمات «سالم» التي وضعته أمام حقائق كثيرة أولها أن جميع مخططاته في احراقهم باءت بالفشل و آخرها انه كان مُجرد بيدق في تلك اللعبة التي ظن أنه يُمسك مقاليدها بين يديه.
أخذته قدماه لباب الشقة وهو شبه مُنعزل عن العالم و داخله أستفهامات كالطواحين فيما أخطأ ؟ لقد كان كل شيء يسير على هواه . جميع مخططاته كانت تنتهي نهاية واحدة وهي هلاكهم . ما الذي حدث
أوقفته كلمات« سالم» الذي بدأ و كأنه تذكر شيئا
_ اه ناجي استنى لسه في حاجه صغيرة نسيتها.
التفت يناظره فقابله «سالم» بل،كمة قويه نالت من فكه حتى حط،مته و أجهزت عليه كلماته التي تحمل الوعيد بين طياتها
_ دا ك،سر بسيط في الفك عشان متجبش سيرة مراتي على لسانك تاني و لو اتكرر الموضوع دا هتبقى المرة الجاية في نا،فوخك عشان أنا مبحذرش مرتين
عودة للوقت الحالي
اختصر حديثه مع« مروان» في عدة كلمات واهية فهم منها الأخير ما حدث فصاح بحنق
_ الراجل دا شيطان . ازاي سبته يمشي يا سالم ؟
«سالم» بنفاذ صبر
_ جه الوقت عشان يدفع تمن أخطاءه .
«مروان» بملل
_ طب و هتعمل ايه مع فرح ؟
زفر بقوة مُحاولًا الإفلات من بين براثن ذلك العشق الدامي الذي يجذبه من عنقه ليهرع إليها يطفيء بأحضانها نيران عشقه و غضبه فهدر بعنف
_ هستنى اشوف الهانم هتحل مشكلة اختها ازاي ؟
فزع «مروان» من عنفه فحاول تخفيف الأمر قليلًا حين قال ساخرًا
_ طب و حتة الأنانية اللي مش باينه من الأرض دي هتتصرف معاها ازاي ؟
«سالم» بجفاء
_ بردو هصبر و هشوف هتسمح لحياة اختها تتد،مر بسببها ولا هتحاول تتصرف .
تمتم بخفوت
_ يا خوفي لا تحاول تتصرف .
تجاهل «سالم» حديثه و قال بجفاء
_ جهز نفسك عشان كمان كام ساعة هنسافر .
«مروان» بصدمة
_ ايه دا هنسيب الحدث و نمشي ؟ افرض جينا لقينا الهوانم اتصرفوا و نيلوها اكتر ؟
«سالم» بجفاء
_ متقلقش . انا عامل حسابي لأي تصرف غير محسوب .
تمتم «مروان» بتهكم
_ ياخوفي لا نرجع نلاقيهم جلطوا نص العيلة ..
رغمًا عنه غافلت قلبه ابتسامة خافتة ارتسمت على ملامحه من حديث «مروان» ولكنه نصب عوده عازمًا على إتمام بعض الأمور قبل السفر
_ يالا جهز نفسك مش عايزين تأخير .
«مروان» بتحسر
_ هجهز نفسي هعمل ايه ؟ دانا بالهدوم اللي عليا بقالي يومين . اللي حتى ما عرفت احضن ولا اعمل اي حاجه ، و طارق الكلب ماشية معاه حلاوة . زمانه مفيش حاجه معملهاش . ولا المخفي سليم زمانه هايص في العسل وانا المغضوب عليا في البيت دا
زم شفتيه و صاح بحنق
_ واد انت هو انت كنت بتقعد تقُر عليا كدا بردو ؟
«مروان» بتهكم
_ الصراحة كنت بقر على فرح بس .
كاد أن يفتك به لولا اندفاع الأخير و إتقانه الهرب بعدما ألقي قذ،ائف كلماته ولكنه لا يُنكر أن الحديث معه بدل من حالته كثيرًا و استطاع تهدئة ثورته قليلًا
★★★★★★★★★
اخذت تُراقب خيوط الصباح الأولى و هي تغمر الليل الحالك لتبدد ظلمته الى نور مُشرق و كأن هذا وعد رباني بأن هناك دائما أمل ، ولكن بتلك الحالة التي تحياها فقد اندثرت تلك الكلمة من قاموسها فلن تتعلق بحبالها الدائبة مرة ثانيه و ستخضع و تقبل بقدرها و لن تُقاوم مرة أخرى
مسحت تلك الدمعة الغادرة التي تسللت من طرف عينيها تروي حكايات الوجع الذي كانت هي بطلتها إلى ما لا نهاية
_ صاحية بدري اوي ليه كدا ؟
شهقة قويه شقت جوفها حين عانقت يديه الحانية خصرها و اخترقت كلماته الدافئة برودة جسدها فاقترب يُشدد من احتوائه لها وهو يهمس بالقرب من أذنيها
_ بما انك اتخضيتي كدا يبقى كنتِ سرحانه .
نظفت حلقها قبل أن تقول بجفاء
_ لا مش سرحانه ولا حاجه بس مسمعتكش لما صحيت .
«سليم» بخفوت و هو يتفنن في مُمارسة طقوس العشق باحترافية على سائر جسدها
_ طب قلبك كمان محسش بيا لما صحيت ؟
هربت من الإجابة بأن قلبها كان ينعي قصة عشقهما فقالت بجمود
_ مكنتش مركزة معاه .
ادارتها يديه لتصبح في مواجهته حتى يتثنى له التنعم بمطالعه حُسنها عن قُرب ثم قال باستفهام أدهشها
_ لسه مفقدتيش الأمل بردو ؟
استفهمت قائلة
_ في ايه ؟
_ اني ممكن أسيبك في يوم من الأيام ؟
اخترقت كلماته جميع دفاعاتها و حصونها و بدل من أن ترتفع بها إلى السماء السابعة هوت بها إلى سبعين قاع فكيف يُمكن لها أن تُغادره بعد كل هذا العشق ؟
شعرت للحظة بأنها تتمنى لو تختطفه إلى ابعد مكان يُمكن الوصول إليه حتى لا تطالهم يد الغدر التي تنتظر بطشها في أي لحظة.
_ كل دا زعل عشان فرح ؟ ولا لسه زعلانه مني ؟
لم يكُن أمامها مفر من تلك الإجابة حين قالت بجفاء
_ الاتنين .
و كأنه يُريد الطرق على جراحها الساخنة بمطرقة كلماته اللاذعة حين قال
_ فرح غلطانه يا جنة و غلطها كبير و سالم في موقف لا يُحسد عليه قدامنا كلنا و قدام نفسه .
تساقط جمر كلماته على قلبها الذي بلحظة من اللحظات توسل إليها لإخباره و التخلص من هذا الحمل الماثل فوق صدرها و الآن سخر منه عقلها فهو يحقد على شقيقتها بتلك الهفوة فماذا سيفعل حين يعلم ما تُخفيه عنه ؟
استجمعت نفسها قبل أن تقول بغضب
_ فرح اختي مبتغلطش . و حتى لو غلطت مسمحش لحد يقول عنها كدا ، و بالنسبة لسالم فلو كان بيثق فيها مكنش هيعمل كل دا .
«سليم» باستنكار غاضب
_ و ايه اللي سالم عمله ؟
«جنة» بحنق
_ لو شفت منظر فرح هتعرف ،
ضاق ذرعًا من حديثها الأهوج فصاح غاضبًا
_ والله تستاهل . دا مش موقف تحط جوزها فيه ؟ دي صغرتنا كلنا ، كلنا لينا حق عندها مش سالم بس .
_ طب خلي بالك بقى عشان أنا و فرح واحد و لو شايفها عدوتك دلوقتي و ليك حق عندها يبقى نفس النظام معايا .
لم يُصدق حديثها الذي ضاعف غضبه فاقترب يضغط على رسغها بعنف وهو يُزمجر بوحشية
_ أنتِ ادلعتي زيادة عن اللزوم وانا زهقت . موضوع فرح دا ملكيش فيه ، هي غلطت و تتحمل نتيجة غلطها ، و خليكِ عارفه ان صبري قرب يخلص .
جذبت نفسها من بين ذراعيه وهي تقول بتحدي نابع من غضبها بسبب كلماته الناقمة على شقيقتها
_ يخلص . مبتهددش ، و زي ما قولتلك أنا و فرح واحد و مش هسمح لأي حد يفكر يجيب سيرتها و لو هخسر نفسي .
كاد يود لو يحطم رأسها اليابس فأي عقل تمتلك لتتفوه بتلك الحماقات ألا تعلم مدى فداحة هذا الخطأ الذي ارتكبته شقيقتها ؟ رغمًا عنه قام بلك،م الحائط خلفها عله يُفرغ من شُحنات غضبه الذي كاد أن يعميه فانتفض جسدها ذُعرًا و تبدد قناع القوة بفعل عبراتها التي تدافعت من مُقلتيها قبل أن تهرول من أمامه تنوي الخروج من باب الغرفة فإذا بيديه تجذبانها لترسو بثقلها فوق صدره الذي بدأ و كأن ضلوعه أطبقت عليها من فرط التصاقهم فحاولت الإفلات من بين يديه وهي تقول بصراخ
_ سيبني . بقولك سيبني . ابعد ايدك عني
كان ذُعرها أمرًا جلل بالنسبة إليه فأخذ يمتص ثورتها وهو يُشدد من احتوائها قائلًا بحنو
_ خلاص يا حبيبي اهدي . حقك عليا . مكنتش اقصد اخوفك .
حنانه يؤلمها و غضبه يُفزعها تُريد الصُراخ و التخلص من هذا الثُقل الجاسم فوق صدرها ولكنها تخشى عليه من هذا الألم الدامي الذي سيُنهيه أن علم ما تخبئه بجوفها . تُريد الهرب من أمامه خوفًا عليه و رأفةً بقلبه ولكنه لا يُساعدها أبدًا
تشعر بأن قدرتها على الإحتمال تتلاشى رويدًا رويدًا حتى أنها تستجدي الموت لأنقاذها و إنقاذ من حولها من هذا الجُرم الذي ما اقترفته طواعيه انما اُجبرت قسرًا عليه .
_ حبيبي . خلاص بقى . متزعليش.
همست بلوعة
_ سليم .
_ حياة سليم .
رفعت رأسها تستجدي ذلك اللين في قلبه فقالت بلوعة
_ اوعى تزعل من فرح . فرح دي أحسن أنسانة في الدنيا . لو بتحبني اوعى تزعل منها أو تلومها .
زفر بقلة حيلة قبل أن يقول بجفاء
_ حاضر يا جنة .
باغتته فعلتها حين اقتربت و وضعت قبلة دافئة فوق قلبه الذي ينبض بجنون تأثرًا بقربها و حين رفعت رأسها هالها كل هذا العشق الذي يتساقط من نظراته فحاولت الهرب قائلة
_ هنزل أشم شويه هوا على ما تلبس و تحصلني نفطر سوى.
لم تُعطيه الفرصة للإجابه بل انسلت من بين ذراعيه إلى الخارج .
★★★★★★★★★
أخذت تدور بغرفتها دامعه العينين مذبو،حة القلب الذي يتلظى بنيران الذنب و الغضب معًا . غاضبه من نفسها و من ذلك القلب الذي تهواه بكل جوارحهاا ولكنه أن قسى لا يلين يناطحه كبرياء أهوج يتحكم بها و يقف سدًا منيعًا أمامها من الانهيار بين أحضانه طالبه الصفح و الغفران .
تعلم أنه حتى لو علم دوافعها لن يصفح فجر،مها كبير ولكن أمومتها تجاه شقيقتها شيء ليس بالهين و أيضًا ذلك الجرح النازف نتيجة فرمانه الباتر حين قال بنبرة أحد من السيف
_ يبقى متلزمنيش !
عدة حروف بسيطة تنخر بقلبها دون رحمة . كان مطلبها الأول و مسعاها الدائم هو الأمان . تلك الكلمة التي لم تستشعر حروفها سوى بين طيات عشقه . تلك الأنثى المتمردة بداخلها لم يُروضها و يخضعها سوى ذلك الأمان الذي أحاطها به هل بهذه السهولة يُمكنه التخلي عنها؟
الاستفهامات تطن برأسها كالذُباب و الآلام تنخر عِظامها كالساس ولا تملك حتى رفاهية الصُراخ رافضة لكل ذلك الألم الذي يعصِف بها .
طرقات خافتة على باب الغرفة جعلتها تتجمد بمكانها لثوان و داخلها يبتهل لكي يكن هو الطارق على الرغم من علمها باستحالة هذا الاحتمال .
توجهت بخطٍ ثابتة لكي تفتح فإذا بها تتفاجيء ب«شيرين» التي تقف أمام الباب و وجهها مرآة تعكس تخبطها و قلقها و بعض الأسف الذي تجلى في صوتها حين قالت بتلعثم
_ فرح . هو . انا . انا . ينفع اخد كام . حاجه لسالم من . من الخزنة عشان مسافر ؟
كانت عينيها تخبران «فرح» بأن لا ذنب لي و لكنها لم تنتبه لأن كلماتها كانت كقطرات الوقود التي صبت بجوف بركان مُحترق فهاج مُعلنًا عن دمار هائل ولكن كبريائها حال دون صراخها في تلك اللحظة فحاولت الثبات قدر الإمكان حين قالت بقسوة
_ هتزعلي مني لو حملتك رسالة توصليهاله ؟
«شيرين» بتهكم
_ لا بصي هو انا عارفه اني هشوف ايام سودا من قبل ما اخبط على باب الأوضة . قولي يا فرح
«فرح» بجفاء
_ قولي للباشا فرح بتقولك اللي عايز ياخد حاجه يروح ياخدها بنفسه . انا مبدخلش حد غريب أوضتي ..
امتقع وجه «شيرين» فقالت «فرح» بثبات
_ انا مقصدكيش بأي حاجه وحشة بس ابن خالك اللي ابتدى الأسلوب دا و البادي أظلم .
تحمحمت «شيرين» بحرج قبل أن تُجيب بخفوت
_ تمام .
غادرت «شيرين» تاركه خلفها بُركان مُشتعِل بنيران الغضب و الغيرة بالرغم من كل شيء ففعلته بإرساله «شيرين» إليها لا تُغتفر و لن تمُر بسلام .
توجهت« شيرين» إلى غرفة «أمينة» التي قالت بلهفة
_ ها عملتي ايه ؟ طمنيني ؟
قصت لها «شيرين» ما حدث ثم أردفت بغضب
_ عاجبك كدا يا مرات خالي ؟ اديني اتهزقت بسببك .
«أمينة» بلطف
_ ولا تهزيق ولا حاجه . مش أنتِ قولتي انك عايزة تصححي غلطك قبل كدا . ادينا بنحاول نلم الدنيا بينهم ، و نحمي النار شويه يمكن يتحركوا .
«شيرين» بحنق
_ طب المفروض نعمل ايه دلوقتي ؟
«أمينة» بتفكير
_ هنقوله اللي قالتهولك . انا هقولهوله . و نخليه يطلع لها يمكن ربنا يهديهم لما يتواجهوا .
«شيرين» بحنق
_ دا دورك بقى انا هختفي عشان مش طالبه كلمتين في جنابي من ابنك كمان .
«أمينة» بحنق
_ طيب امشي من وشي
«شيرين» بخفوت
_ ملكيش أمان والله .
★★★★★★★★★
كان يُلملم أشياؤه فإذا بنعمة تفتح باب الغرفة وهي تتوجه إليه قائلة بلطف
_ سالم بيه . الحاجه أمينة بتقولك أن الست فرح تعبانه شويه وووو
برقت عينيه حين سمع كلمات نعمة و تقاذفت دقاته فصاح بلهجة يشوبها اللهفة
_ مالها فرح ؟
نعمة بتلعثم
_ الصراحة . معرفش . انا . مشوفتهاش دي الست أمينة اللي قالتلي .
أخذته أقدامه للأعلى يُحاول أن يتحكم بخطواته حتى لا يهرول إليها فقد نجحت« أمينة» في زرع القلق بقلبه الذي لم يكُن يحتمل أي مكروه قد يُصيبها
زفر بقوة محاولًا الثبات قدر الإمكان حين قام بإدارة مقبض الباب لينفتح فإذا به يجدها تقف أمامه بعينين يشع منهما الزيتون و كأن الشمس تعامدت فوقه فقد كانت شمس الغضب موقدة بداخلها فلم تستطِع منع نفسها حين قالت ساخرة
_ طب والله فاجأتني انك جيت بنفسك انا قولت هتقول في داهيه اي حاجه تخليني أشوف وشها .
تراقصت ألسنة اللهب بنظراته التي شملتها في البداية باهتمام لمعرفة إن كانت مُتعبة حقًا ام لا و سرعان ما تبدد هذا الإهتمام و تحول لجمود وهو يتفاداها ليصل إلى مكان الخزانة الخاصة به يجلب بعض الأوراق التي طلب من والدته إحضارها له منذ قليل فتمادى الغضب بداخلها حتى قارب على الجنون الذي تبلور في حركتها وهي تتجه خلفه قائلة بانفعال
_ انا بكلمك على فكرة .
لم يُجيبها فقد كان يحاول ابتلاع جمرات غضبه خوفًا عليها من جنونه ولكنها كانت كمن اشتهى الجحيم فصار يتراقص أمام شياطينه قاصدًا إغوائها
_ يااااه انت حتى مش طايق تبص في وشي . من شويه متلزمنيش و دلوقتي مبتبصش في وشي و كإني أجر،مت ؟
بكامل غروره و ثباته وضع الأوراق في إحدى الحقائب ثم التفت يناظرها بجمود كان كالوقود الذي يُغزي نيران غضبها أكثر و خاصةً حين قال بجفاء
_ كمان متملكيش من العقل اللي يخليكِ تعرفي مدى خطأك ؟ دا لوحده كارثة !
ابتلعت جمرات إهانته و اجابته بثبات يشوبه الغرور
_ لا عارفه ، وعقلي يوزن بلد . بس في حاجات تانيه بنحطها في حساباتنا لما نيجي نتصرف . حاجات معتقدش أنها مرت عليك اصلًا
رفع إحدى حاجبيه استخفافًا بحديثها فتابعت بنبرة جامدة تنافي احتراق نظراتها
_ المشاعر دي حاجه مامرتش على الباشا فمن العبث أن أنا اكلمك عنها اصلًا
كانت كلماتها خذلان من نوعٍ آخر فتلك المشاعر التي تدعي عدم وجودها بداخله لطالما اغدقها بها حتى الثمالة و الآن تُنكرها !
_ هو عبث فعلًا . اني اكون واقف بتكلم معاكِ دلوقتي بعد اللي عملتيه . دا منتهى العبث .
نفذت نظراته إلى أعماقها فأنبت نفسها على اندفاعها و رقت لهجتها حين قالت
_ انا عارفه اني غلطت..
قاطعها ساخرًا
_ غلطتي ! الموضوع بالنسبالك مجرد غلطه ! لما الست تخرج من بيت جوزها من وراه تروح تقابل راجل غريب لا و مُجر،م كل هدفه أنه يأذ،ي جو،زها دي تبقى مُجرد غلطه !
صياغته لأخطائها كانت كضربات السوط فوق قلبها الذي يؤنبها على غبائها تارة ، و يواسيها على مصابها تارة أخرى و بين هذة التخبطات خرجت لهجتها جريحة و تناثر الأسف و قلة الحيلة من بين عينيها على هيئة عبرات غزيرة
_ جر،يمة . بس ليها أسباب …
جاءت نبرته قاطعة كالسيف حين قال
_ خليهالك . مبقاش يلزمني اسمعها
التفت يوشك على المُغادرة فجن جنونها و صاحت بانفعال
_ وانا أصلًا مش هقولها حتى لو طلبت مني دا .
أخذ يستغفر سرًا حتى لا ينصاع لإستفزازها و يُلبي رغبة قلبه بتح،طيم رأسها الذي لا يُفكر ولكنه اكتفى قائلًا بتحذير قاسي
_ حذاري تحاولي تستفزيني عشان المرة دي عقابي هيزعلك اوي .
كل ما ترغبه في تلك اللحظة الا يرحل تشعر بأنها ستموت قهرًا ان غادر و تركها الآن لذا صاحت بانفعال
_ هتعمل ايه يعني هتمو،تني ؟ اتفضل لو دا هيريح سالم بيه الوزان !
ضاق ذرعًا بحديثها فصاح بصوت أرعدها
_ أنتِ عايزة مني ايه ؟
إن كان سابقًا يظن بأنها تُدهشه بجميع أفعالها فالآن تعدى الأمر حدود الانبهار حين صاحت بقهر
_ عايزة احضنك قبل ما تمشي ..
تجمد بمكانه يُطالعها بصدمة وهو يشاهدها تندفع بين أحضانه لتتعلق بعنقه بقوة وهي تبكي كما لم تبكي من قبل .
كان الأمر برمته صادمًا حتى أن مشاعره تخدرت من فرط الصدمة للحد الذي جعله يفقد القدرة على التحكم بجسده فلم يشعر بيديه التي طوقتها بقوة و كأن قلبه تسيد الأمر نافيًا عقله إلى أبعد زاوية ممكنة .
شهقاتها أعادت إليه وعيه و ملمس جسدها المُرتجف بداخل أحضانه أنفاسها المُلتهبه تطوق عنقه عبراتها الغزيرة تبلل صدره فقام بأغلاق عينيه هاربًا من كبرياء لعين يطارده يأمره بالإبتعاد عنها ولكنها كانت أضعف اللحظات التي مرت عليه بحياته لا يستطيع الانسلاخ عنها يود الصراخ لاعنًا كل شيء يحرمه لذة قربها . يتمنى لو أن الأمس لم يأتي حتى يتجنب ما حدث لتظل بين ذراعيه للأبد
بدأ جسدها بالهدوء كما خبت عاصفة انهيارها لتظل ساكنه لثوان تستمتع بدفء وجودها بين حنايا صدره الذي كانت تستشعر جنون دقاته فقد كان يتشاركا معًا الألم الذي تعاظم حين وجدت قدماها قد لامست الأرض فهذا يعني رحيله و لكنها تفاجئت حين وجدت يديه تتسلل أسفل ساقيها و الأخرى خلف ظهرها وهو يقوم بحملها كعروس ليتوجه بها إلى الفراش و قام بوضعها في منتصفه برقة تتنافى مع قساوة كلماته حين قال
_ خلي بالك من نفسك و من اللي في بطنك .
كانت تناظره و هو يُدثرها بالاغطية بحنو يتنافى مع نظراته الجافه و كذلك كلماته فعلمت أي جحيم ألقته به لذا اكتفت بهزة من رأسها دلالة على الموافقة بينما هو كان في حربًا طاحنة بين كبرياء يأمره بالرحيل و قلب يتوسل بالبقاء و عقل يُلِح عليه بالهرب حتى لا يسحقها بين ذراعيه معنفًا و عاشقًا و قد استمع لهذا الصوت و لأول مرة بحياته يهرُب !
★★★★★★★★
._ خلي بالك من نفسك . مش هتأخر عليكِ . هروح اجيب الديب من ديله و أجيلك
هكذا تحدث «مروان» بمزاح مع« سما» التي كانت على مشارف البُكاء تأثرًا بسفره ولكن كلماته رسمت الضحكه على ملامحها الجميلة فصاح بتهليل
_ اللهم صلي على النبي . ايه الحلاوة دي يا جدعان ؟ شوفي لما بتضحكي الدنيا بتضحك ازاي ؟ و العصافير بتشقشق . انما بوز البومة اللي بتضربيه دا هيجيبني في شوال وربنا .
لم تستطيع منع ضحكاتها وهي تؤنبه قائلة
_ اخس عليك يا مروان انا بومة ؟
«مروان» بغزل
_ أحلى بومة في حياتي . اومال انا مستحمل أمك ليه ؟
زجرته بعنف
_ اوعى تجيب سيرة ماما أنا بقولك اهوه .
_ يا بنتي هو أنا بجيب سيرة خضرا الشريفة . دي أمك دي يتفات لها النخل طارح .
«سما» بغضب
_ يكون في علمك لو مظبطتش أمورك معاها و سايستها مفيش جواز . انا قولتلك اهو
رفع أحد حاجبيه وهو يقول باستخفاف
_ على أساس إني هاخد رأي أمك في الحوار يعني ؟ يا ماما دانا اطلبك في بيت الطاعة الصبح . فوقي مش كل الطير اللي يتاكل لحمه.
اغناظت من حديثه فقالت بجفاء
_ مروان امشي يالا .
«مروان» بسخط
_ امشي ؟ كدا عادي .
_ اه عادي . امشي يالا
«مروان» بحنق
_ جاك مشش . بتكرريها كمان . طب مفيش بوسه ؟ حضن ؟ خلي بالك من نفسك يا حبيبي ؟ تروح و ترجع بالسلامه اي حاجه من اللي الحبيبة بيقولوها دي ؟
جاء صوت غاضب من خلفهم
_ ياخي حبك برص و عشرة خرس . انت ايه يا واد انت اللي موقفك مع البت ؟ انا زهقت منك .
ناظرها «مروان» بسخط وكانه يخبرها
_ أرأيتي
أتقنت رسم الحزن على معالمها فضاق ذرعًا مما يحدُث و لكنه فاجأها حين تقدم من« همت» بنظرات سمجة فضيقت الأخيرة عينيها وهي تراه يُقبل عليها ثم قام بجذبها ليحتضنها بقوة فصاحت باندهاش
_ انت بتعمل ايه يا واد انت ؟
لم يُجيبها ولكنها تسمع همهماته المتقطعه فرفعت رأسها فوجدته يغمض عينيه و هو يتلو كلمات غير مفهومة فقالت بحنق
_ انت بتدعي عليا يا زفت انت ؟
لم يُجيبها «مروان» بل أخذ يُتابع همهماته فاستكانت لثوان قبل أن تقول بنفاذ صبر و هي تدفعه بقوة
_ ما ترد عليا يا حيوان .
فاجأها حين قال بتحسر
_ والله يا عمتي انا كنت بقرأ المعوذتين عشان اطفش الشيا،طين اللي متسلطه عليكِ دي طلعت الشياطين بتلطم منك .
اندفعت «همت» بصياح
_ اه يا حيوان . انا الشياطين بتلطم مني . دانا اللي هخليك تلطم و تقول حقي برقابتي .
«مروان» بتهكم
_ لا متقلقيش انا شبعت لطم من الجو،ازة السودا دي . وربنا لهخطفها و امرمغ شرف العيلة في الوحل بس الصبر .
تدخلت« سما» لفض النزاع قائلة بنفاذ صبر
_ كفاية بقى انتوا الاتنين . انا تعبت منكوا . لو فعلا بتحبوني يبقى تلاقوا طريقة تتعاملوا بيها مع بعض احسن من كدا عشان أنا مش هتحمل عمايلكوا دي .
ألقت كلماتها ثم هرولت للأعلى و خلفها« همت» فتمتم «مروان» بحنق
_ انا قولتها قبل كده قليل البخت تطلعله همت في المولد . حسبي الله ونعم الوكيل الكل هايص وأنا لايص . دا حتى البيج بوص اللي كان مقموص من شويه طلع فوق بقاله ساعه منزلش . أكيد هايص هو كمان !
تفاجىء من «سالم» الذي كان يهرول إلى الخارج وكأن شياطين العالم أجمع تلاحقه فلم يُبالي بنداءات «جنة» التي كانت تنتظره أمام باب القصر من الخارج فاندفع الى السيارة ولم يستجيب لمحاولات« مروان» في الحديث بل اكتفى بالصمت و بداخله يحترق فقد قارب على الجنون من هول ما يشعر فأخذ يدعس على دواسة البنزين و كأنه يُريد التحليق في الهواء هربًا من هذا الجحيم الذي يحياه على الأرض ..
★★★★★★★★
تفاجئ «جرير» حين شاهد «حازم» مُلقى على الأرض غارقًا بدمائه فهرول إليه وهو يقول بجزع
_ يا ولد . إيش فيك ؟
لم يكد ينهي جملته حتى تفاجيء بذلك الذي انقض عليه بتلك الع،صاة حتى أفقد توازنه و صار يُكيل له الضر،بات و ما أن تأكد من فُقد،انه الوعي حتى تراجع للخلف و عينيه يلتمع بها وميض التشفي و الانتصار ثم ألقى بالعصا ليهرول إلى الخارج في طريقه لتلك السيارة التي كانت خلف أحد الصخور فقد التقمتها عينيه حين كان يُساعده في رعي الغنم قام بجذب الغطاء من فوقها و هو يضحك بانتصار ثم اندفع إلى الداخل ينوي الهرب و لكنه تفاجيء من عدم وجود المفتاح في السيارة أخذ يبحث كالمجنون بجميع أنحاء السيارة فلم يجد شيء فصاح بعنف و هو يركل إحدى العجلات بغضب ثم عاود إدراجه عند «جرير» الذي لايزال مُلقى فوق الأرض يتألم فلم يُبالي بألمه بل أخذ يبحث بملابسه و جيوب جلبابه عن المفتاح و هو يصرُخ بغضب
_ المفتاح فين ؟ انطق و ألا هخل،ص عليك .
«جرير» باحتقار من بين أنفاس مُتهدجة من فرط الألم
_ مافي مفتاح . لو بحثت اليوم بطوله ما راح تلاقي شي .
أخذ يصرخ كالمجنون وهو يقوم بتدمير كل ما يقابله في الغرفة صارخًا بجنون
_ كفايه . انا تعبت . انا لازم امشي من الجحيم دا . حرام عليكوا .
«جرير» بألم
_ بدوني راح تمو،ت اهني و ما حدا راح يدرى فيك . و الحقيقة انك بتستاهل .
تبلور الجنون بعيني «حازم» الذي انقض على «جرير» يوسعه ضر،بًا فما كان من الأخير سوى أنه قام بمبادلته الل،كمات رغمًا عن ألمه الذي في النهاية اجهز عليه فسقط أرضًا وهو يناظر «حازم» الذي تبلور الجنون بعينيه فقال بتشفي
_ بتمنى تشوف جهنم على عالأرض و تشوفها بالسما كمان .
★★★★★★★★
_ ممكن اعرف حضرتك زعلانه مني ليه ؟
هكذا تحدثت «همت» بحنق فصاحت «سما» بنفاذ صبر
_ عشان بجد تعبت حضرتك بتضغطي عليه من ناحيه و هو بيضغط عليا من ناحية تانية و أنا متقطعه بينكوا.
قالت جملتها الأخيرة تزامناً مع هطول العبرات من مقلتيها فرق قلب «همت» لحالها ولكنها هبت معاندة
_ الحق عليا اني خايفة عليكِ
_ خايفة عليا من مين و ليه ؟ و مخوفتيش عليا من« حازم» اللي لولا أني كان عندي شويه عقل و محافظة على نفسي كان زماني مكان جنة دلوقتي ؟
شهقت« همت» بصدمة
_ بتقولي ايه ؟
_ بقولك اللي سمعتيه يا ماما . متخافيش عليا من مروان
مروان جوزي ، و عمره ما فكر يأذيني بالرغم من غبائي و تصرفاتي الزفت كان جنبي . عمره ما تجاوز حدوده معايا . بيحبني اكتر من نفسه وانا كمان بحبه . انا مش ذنبي ادفع تمن أخطاء غيري . انا تعبت و عايزة ارتاح بقى .
شعرت« همت» بمدى معاناة ابنتها فاقتربت بخطوات حثيثة وهي تقول بضعف
_ انا مقصدش ادفعك تمن غلطي يا بنتي . بس غصب عني خايفه عليكِ . خايفة على قلبك لا يتوجع تاني . انا عشت بحسرة وجع قلبي العمر كله . مش عيزاكِ تجربي ولا تدوقي اللي انا دوقته .
«سما» بتوسل
_ مروان مش وحش و أنتِ عارفه . ارجوكِ متقفيش قدامنا ارجوكِ سبيني اعيش حياتي مع اللي اختاره قلبي .
لم تتحدث« همت» بل فتحت ذراعيها ل«سما» التي ما أن شاهدت تلك الابتسامة المعتذرة ترتسم على شفتي« همت» حتى اندفعت إلى داخل أحضانها وهي تقول من بين عبراتها
_ بالله عليكِ سبيني اعيش حياتي و اديني فرصتي انا وهو .
انصاعت خلف قلبها و قالت بحنو
_ ربنا يسعد قلبك يا بنتي . مش هقف في طريقك تاني أبدًا ..
★★★★★★★★★★
بعد مرور يومين كان يتجهز لحضور احد المؤتمرات الانتخابية فأخذ يُلملم أشياؤه للمغادرة فإذا بطرق خافت على باب الغرفة فقال دون أن يحيد بعينيه عن الاوراق أمامه
_ ادخل يا مروان و خلي بالك قدامنا خمس دقايق مفيش غيرهم عشان نطلع للناس
تفاجيء حين أتاه ذلك الصوت المُهتز من الخلف
_ مروان مش هنا ينفع انا ؟؟
تجمد بمكانه للحظات قبل أن يلتفت ليُصدم حين رأى …..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى