رواية أغصان الزيتون الفصل الخامس 5 بقلم ياسمين عادل
رواية أغصان الزيتون الجزء الخامس
رواية أغصان الزيتون البارت الخامس
رواية أغصان الزيتون الحلقة الخامسة
“سيستحق كُل مُستحقٍ ما يستحقه.”
______________________________________
هل تجيبهُ؟.. أم تتجاهله ؟.. أم تركض فرارًا من أمامه؟. لا تدري ما الذي عليها فعلهِ بالتحديد، للتخلص من هذا المأزق اللعين، الذي حلّ عليها گالكارثة. كان بينها وبين مواجهته شعرة واحدة، شعرة وتنكشف بشكلها أمامه، لولا صديقتها التي كانت گالمنقذ بالنسبة لها، واستمعت لصوتها من الخلف وهي تردف بـ :
– أهلًا يافندم، أساعدك إزاي ؟.
التفت إليها “حمزة” وسأل بجمودٍ :
– عايز أقابل أستاذ عناني، قوليله حمزة القرشي.
قد تعرفت عليه “حنان” منذ الوهله الأولى، وبدون الحاجة لأن يعرّف نفسه، فـ ابتسمت إليه بتملقٍ وهي تشير إليه ليتفضل في مكتبها :
– للأسف مش موجود، أتفضل ارتاح وأنا هتواصل معاه حالًا.
كان جافًا حادًا في ردّه عليها :
– مش عايز أتفضل، بلغيه إني سألت عليه وهبقى آجي مرة تانية.
التفتت رأسه نحو تلك الفتاة التي لم يراها، فلم يجد سوى الخواء، كأنها اختفت تمامًا دون أن تترك أثرًا، لم يدعو الأمر إلى ارتيابه – حاليًا – ، ومضى يشق طريقه للمغادرة من هنا، بعدما لم يؤتي ذلك بنتيجةٍ ترضيه.
—على جانب آخر—
لا تعلم كيف أتتها القوة لتفر من هناك، وفي لمح البصر، بدون أن يشعر بها أحدًا أو تترك علامة استفهام من خلفها. طارت “سُلاف” بسيارتها طيرًا، للتخلص من تواجدها بهذا المحيط بينما هو يتواجد به، وفي أحد الشوارع الهادئة توقفت قبل أن ترتكب حادث مُريع، بعد أن وصلت إلى تلك النوبة التي تنتابها مجددًا. وضعت يدها موضع قلبها، وهي تُجاهد جهادًا قاسيًا للتغلب على مُتلازمة صعوبة التنفس وانقباضة الصدر تلك. لحظات طويلة للغاية، قضتها للتغلب على تلك الحالة الوهنة التي تبغضها، حتى بدأت تستعيد حالتها الطبيعية رويدًا رويدًا. لاحظت إضاءة هاتفها الذي تركته على وضعية – صامت – منذ وقت، فـ تناولته وأجابت عليه :
– ألو.. كارثة، حمزة جه مكتب عناني.. لأ لأ مشافنيش.
تنهدت بشئ من الأريحية، ثم تابعت :
– ربنا أنقذني بمعجزة.. لأ خليك عندك، أنا اللي جيالك.. سلام.
تركت الهاتف جانبًا، وبدأت قيادة السيارة من جديد، وعقلها المضطرب يسعى إلى لملمة شتاتهِ. ماذا لو إنه رآها!.. هل كان سيتعرف عليها؟ ، هل كانت ستقوده ذاكرتهُ لتلك الليلة؟.. هل كان عقله سيدرك إنه يعرفها من مكانٍ ما؟. يبدو أن القدر قد أنقذها من كارثة كانت سـ تُبدد كل ما سعت إليه، وكأنه يمنحها الفرصة الأخيرة، كي تخطو تلك الخطوة المصيرية، التي ستغير كل شئ.
*************************************
لا تعلم كمّ مرّ عليها من الوقت وهي واقفة بمكانها هكذا، تتأمل طفلها النائم، والذي سبح في نومه دون أرقٍ أو انزعاج. لوهله أحست بمزيج من الخوف والقلق بشأنه، خاصة وإن كان هو الوسيلة الأساسية التي تعتمد عليها في خطتها اللعينة؛ لكنها مجبرة على ذلك بكل الأحوال، حتى تأتي الخطة بثمارها. أطبقت “سُلاف” جفنيها، وشردت للحظة، لو إنها في ظروف أخرى، لو إنها تنعم بحياة طبيعية للغاية. تخرج مع زوجها وأطفالهم للتنزه أسبوعيًا، وبين كل حينٍ وآخر تغادر العاصمة وتسافر لأي بقعة من بقاع الأرض، للتغيير من كآبه الجو وملل الروتين المعتاد، تذهب للنادي وتتابع جيدًا دروس أبنائها في المجالات الرياضية المختلفة من سباحة وملاكمة.. إلى آخره. فتحت “سُلاف” عيناه لتسقط عبرة مقهورة لم تشعر بها، وهي تحس بصدرها گكتلة متوقدة من فرط الغضب، لقد حُكم عليها أن تعيش حياة تعيسة گهذه، بينما جلّادها يعيش وينعم هانئًا هادئًا. مدت طرف سبابتها لتمسح تلك الدمعة، لتسمع بعدها صوت “مصطفى” :
– سُلاف ؟.
برعت في إخفاء تلك التعابير التي أغرقت وجهها، والتفتت إليه تسأله :
– أيوة ياعمي.
قاد المقعد المتحرك نحوها، وعيناه تدرس بدقةٍ ما تواريه :
– مالك؟؟ شكلك متغير؟.
بطرفيها كانت ترمى نظرة نحو الصغير، ثم أردفت بصوت لم يخلو من الحزن :
– مش عايزة أدخل زين في اللي هيحصل!.. هو ضحية زيي بالظبط.
– وعشان هو ضحية فرض عليكي تجيبي حقه لأنك أمه.
التمعت عيناها بلمعةٍ مذعورة، وأفضت عما يجول بصدرها من مخاوفٍ تُعذب روحها :
– ولو آذاني فيه؟.. لو فكر ياخده مني؟.
تضرجت بشرتهِ بـ حُمرة منفعلة، وتطايرت شرارات الغضب المكتوم من عينيه وهو يتوعدهُ وعيدًا صارمًا :
– ورحمة إسماعيل ما هخليه يشوف نور الشمس تاني هو وأبوه وكل عيلته، أنا مصبرتش ٢٤ سنة عشان في الآخر ياخد مني انتقام تاني.
قبض على معصمها، شدد عليه دون الرغبة بإيلامها، وذكّرها بكل ما عايشوه، حتى تحين هذه اللحظة :
– سُلاف، أنتي تقدري تعملي كل اتفقنا عليه، أنتي أقوى واحدة فينا دلوقتي يابنتي.. فاهمة؟.
تسلحت بالغضب، أقوى أسلحتها شراسة وقوة، فـ كلما غضبت، كلما أعدّت لهم ما لا يتوقعون. ستضرب بلا هوادة، وتقتلع حصونهم المنيعة التي استغرق بنائها أعوامٍ، ستجتث آثارها في لحظة.
**************************************
– وبعدين؟.
كان ذلك سؤال “راغب” لـ “حمزة”، أثناء حمل أثقال الحديد بالنادي الرياضي. رفع “حمزة” خمسة عشر كيلو بذراع واحدة وبدأ يرفع لأعلى ثم يهبط به من جديد، وهتف بشئ من الرعونة :
– يخلص الفرح على خير وبعدها هشوف هعمل إيه معاه!!.. مش كل قضية أمسكها أتفاجئ إن عناني هو محامي الخِصم فيها! ولا حد من مكتبه!!.. دي مش صدفة أبدًا.
ترك الحديد وتابع بحدةٍ منفعلة :
– ده حاططني في دماغه!.. وأنا بقى هزعله آخر زعل، حظه إني مش فايق اليومين دول.
مسح “راغب” عرقهِ المفرط بالمنشفة، ثم عرض عليه :
– سيبهولي وركز في فرحك، أنا هشوفلك آخره إيه.
ثم غمز له بعدما لكزهُ بيمينه :
– دي الليلة الكبيرة بكرة والنهاردة هنودع العزوبية يازوم.
لاحت ابتسامة مغترة على محياه، ومشى بإتجاه (المشاية الكهربائية) يهتف بتباهٍ :
– عزوبية إيه ياراغب!!.. ده احنا عيشناها طول وعرض، مش عارف ليه الإنسان العاقل يسجن نفسه بنفسه ويتجوز!.. لولا أسما هانم وصلاح بيه مكنتش خدت خطوة زي دي وبعت حريتي بإيدي.
شغل اللعبة ليبدأ بالمشي عليها، وبدأ يُزيد من السرعة تدريجيًا، حينما كان “راغب يتابع حواره معه :
– أفهم من كده إنك خلاص تُبت إلى الله؟.
قطب “حمزة” جبينه مستنكرًا، ونفى عن نفسه تهمة گتلك :
– أكيد لأ، أنا بس واخد أجازة قصيرة من الملاعب.. وهرجع أول ما شهر العسل يخلص.
وقف “راغب” قبالته، وسأله متشوقًا :
– خلاص رايح باريس زي ما قولتلي؟.
– آها، ميان اختارت وانا وافقت.
نفخ “راغب” بإنزعاج، وبدا وجهه محتقنًا وهو يشكي مأساته :
– ده أبوك الحج صلاح هينفخني على كده.. ما كنت تاخدني مكتبك ياعم زي ما خدت نضال!.. ده الشغل ما أبوك يكفّر الواحد بالأمانة يعني.
جلجلت ضحكة “حمزة” لوصف رفيقه عن العمل مع “صلاح” :
– ده ابو صلاح ده سكرة، أنت بس ريحه وهو مش هيكلمك.. وبعدين الصبر حلو، مكنش ينفع آخدك انت ونضال مع بعض، هيقول عليا بسرق الموظفين منه.. خصوصًا انت، مكانتك عند أبويا غير أي حد.
تلوت شفتي “راغب” بإستهجانٍ، وأيّد رأي “حمزة” بشدة :
– طبعًا، هيلاقي فين واحد زيي يسلك في الحديد!.
وتحرك لينصرف من أمامه وهو يغمغم :
– ربنا يهديك عليا ياصلاح.
************************************
قضت يومان من أجمل ما يكون، تجهيزات العرس وحفل توديع العزوبية وكل تلك التفاصيل الأخاذة، كلها أشياء بعثت على روحها البهجة، لا سيما إنها ستجتمع بذلك الرجل الذي تُحبه، وقد ظنت نفسها أكثر الفتيات حظًا به. منذ بداية اليوم وهي في حالٍ مبتهج، تحسب الدقائق واللحظات حتى تنتهي خبيرة التجميل من تجهيزها، فـ تطل على هيئتها گعروسٍ ستخطف الأنظار وتُبهرها. وضعت “سوزان” التاج الضخم على رأسها وثبتته جيدًا، ثم سحبت جناحيّ طرحتها الطويلة لتبقى على أكتافها، ونظرت من بُعد عليها. لاحظت إنطفاء تلك الوجنه قليلًا، فـ سحبت الفرشاة وبدأت تضع تلك اللمسة الذهبية اللامعة من جديد، وفي النهاية هتفت بـ :
– قمر ياميان، قمر.
ابتعدت عنها وأتت بالمرآة لتجعلها ترى نفسها، فـ تلألأت عينا “ميان” بإنبهارٍ وإعجاب، وتضاعفت حماستها لأن يراها “حمزة” الآن :
– حلو أوي أوي ياسوزي، تسلم إيدك بجد!.
ساعدتها “سوزان” لتقف عن جلستها، وحملت ثقل الفستان الضخم لتضعه على الأرض وهي تقول :
– خلينا نشوف الإطلالة كلها عاملة إزاي.
طرقات على الباب أعقبها دخول مفاجئ، أغلقت “أسما” الباب من خلفها والتفتت تنظر إليها بتدقيقٍ شديد، فـ انبعجت شفتيها بإبتسامةٍ راضية وهي تُثني على مجهود “سوزان” :
– شاطرة ياسوزي.
ثم دنت منها ببطء وهي ترفع ذيل فستانها الأخضر :
– ألف مبروك ياروحـي، طالعة زي القمر.
فـ ابتسمت “ميان” بوداعةٍ وهي تعاود النظر للمرآة :
– ميرسي ياطنط.. هو حمزة لسه موصلش؟.
سحبت “أسما” طرف الطرحة ووضعته على كتفها، وهي تجيب على سؤالها :
– حمزة تحت مع المُصور، هيخلص معاه وييجي ياخدك عشان جلسة التصوير بتاعتكم.
ثم نظرت لـ “سوزان” و :
– سيبينا شوية ياسوزي.
– أمرك ياأسما هانم.
خرجت “سوزان” تاركة إليهم مساحة من الخصوصية، فـ أجلستها “أسما” أولًا قبل أن تجلس، ووضعت ذلك القناع المبتسم المتكلف على وجهها وهي تبدأ حوارها :
– أسمعيني كويس ياميان، اللي هقوله ده لمصلحتك ومصلحة حمزة كمان.
أومأت “ميان” رأسها بتفهمٍ :
– سمعاكي ياطنط.
************************************
أخرج “حمزة” يدهِ من جيبه، نظر لساعة اليد الفضية الأنيقة، ثم نظر من حولهِ بنظراتٍ خاطفة. كل شئ على أكمل وجه، تراص المدعوين على طاولتهم، حضر الشيخ الذي سيعقد القران وينتظر اللحظة المناسبة، المصوريين على أهبة الإستعداد لبداية الحفل، فريق من الشباب يقومون بخدمة المدعوين لتقديم مشروبات متنوعة، وفي الخلفية كان الأضواء الساحرة تغمر الحديقة الفسيحة المُقام بها الحفل، والموسيقى الراقية تُضفي بدورها رونقًا ناعمًا هادئًا على المحيط.
مسح “حمزة” على شعيرات ذقنه الخفيفة، والتفت ينظر لصاحب الكف الذي حطّ على كتفهِ، ليجد “نضال” قد أتى أيضًا :
– مـبروك ياحـمزة، أنا فرحان من قلبي إنك قررت تعقل وتقبل بالسجن الأبدي ده.
ضحك “حمزة” وهو يعانقه قائلًا :
– ربنا يسامحك، النهاردة عندي وبكرة عندك يانضال.
تأمل” نضال” هيئته الجذابة، جذابة جـدًا، وعلق على ذلك :
– شيك شيك شيك.. بس ليه القميص كمان أسود؟.
فأمسك “حمزة” بـ (بيبونة) العنق :
– ما الفيونكة بيضا أهي!.
نظر “نضال” من حوله قبل أن يضحك و :
– بس متقولش عليها فيونكة!.. ميان هتفتحلك دروس اتيكيت وانتقاء ألفاظ دلوقتي.
وقعت عيناه على “راغب”، وهو يُلاطف إحداهن، فـ أشار نحوه و :
– صاحبنا ميعرفش يقف فاضي أبدًا.
نظر “حمزة” بإتجاهه :
– سيبه يعيش يومه، أنا أصلي حذرته ميجيبش حد من معارفه هنا ، ده برضو فرح بنت شاكر الألفي.. يعني الصحافة كلها والإعلام كله معانا هنا.
نظر “حمزة” في ساعته من جديد، ثم تحرك بوقارٍ :
– هطلع أشوف ميان عشان كتب الكتاب.
-على جانب آخر-
جلست بداخل السيارة، تنتظر اللحظة المناسبة ، التي ستظهر فيها بين المدعوين بالداخل، داخلها يرتجف گطفلٍ يصارع ليالي البرد القارص، بينما هي گـ كومة من حريقٍ تفشّت روائحهِ بالأرجاء. نظرت لطفلها الذي ألبستهُ حُلة أنيقة، ثم ابتسمت وهي تقول :
– جاهز يازين؟؟.
ثم نظرت لهاتفها منتظرة تلك المكالمة التي ستتحرك بناء عليها. حتى وصلتها رسالة :
“دلـوقتـي”.
استعدت “سُلاف” للترجل عن سيارتها، بعدما حملت طفلها في حُضنها، هبطت بتروٍ مُقيدة بحذاء القدم الأسود العالي، مرتدية فُستان أحمر مخملي، يليق تمامًا بقوامها الممشوق، وأكتافها وذراعيها يُغطيهم طبقة حمراء شفافة، وقد تركت فتحة طويلة بطول الساق لتنكشف ساقها البيضاء الرفيعة.
سارت نحو بوابة “القصر الملكي المُقام به الحفل”، حتى التقيت بفريق من الشباب أمام الباب، وسألتهم :
– جاهزين؟.
فأجاب أحدهم، ممن يمسكون بكاميرا تصوير كبيرة :
– جاهزين ياسُلاف، أنتي جاهزة ؟؟.
ثم أشار برأسه للطفل :
– آخر كلام هتدخلي بالولد؟.
فأومأت رأسها بثقةٍ شامخة :
– آه.
سارت بإتجاه البوابة وخلفها فريق المصورين والصحفيين ممن سيغطون الحدث، استوقفها أحد أفراد الأمن متسائلًا :
– أهلًا يافندم، معاكي بطاقة دعوة؟.
ابتسمت بلطافة، فـ تضاعف جمالها الأخاذ وهي تجيبه :
– معايا، ممكن تخرجها من شنطتي لأن معايا طفل؟.
ابتسم فرد الأمن متأثرًا برقتها، وتناول عنها الرضيع “زين” وهو يردف بـ :
– ممكن آخد الولد أفضل، وحضرتك تخرجيها براحتك.
ابتسمت بعذوبةٍ وهي تُخرج بطاقة الدعوة من حقيبتها الصغيرة، ناولته إياها فنظر إليها بدون اهتمام، فقط تأكد إنها تمتلك دعوة لحضور الزفاف، ثم أفسح لها الطريق :
– اتفضلي حضرتك.
وفي الأخير ترك إليها طفلها لتدخل به.
لم تسحرها بهجة الأجواء، لكنها حطّت على جرحها گمادة قوية الإشتعال. دلفت وهي تنظر من حولها بنظراتٍ دارسة، هنا وهناك، وأعلى وأسفل، هي تحفظ المكان جيدًا، وقد حضرت إليه أكثر من مرة، لكنها أرادت التأكد من أن كل شئ سيتم كما ينبغي أن يكون. بقيت بعيدة عن مركز بصر “حمزة”، الذي رافق عروسهِ وهبط بها الدرج في مشهد ملكي عظيم، والجميع ينظر إليهم بتحفزٍ منبهر، حتى وصل بها إلى منصة عقد القران، وجلس جوارها وقبالته والدها “شاكر الألفي”. ابتسم “شاكر” وهو ينظر لـ “صلاح” وهنئهُ :
– مبروك ياصلاح.
ربت “صلاح” على ذراعه و :
– الله يبارك فيك ياباشا، ربنا يقدرنا ونسعد ميان ونبقى عيلة تانية ليها.
فتح الشيخ دفترهُ، وبدأ الحديث ببعض الآيات القرآنية والنصائح الإرشادية للعروسين، گبداية تمهيدية قبل البدء في عقد القران، وأثناء تركيز الجميع مع هذه اللحظة، وحرص الكثير على تخليد هذا المشهد، ظهرت هي من خلفه، تنظر إليه بنظراتٍ مريبة لم ينتبه لها، قبل أن تقتحم صفو مجلسهم بصوتها :
– حـمـزة؟!.
التفت نحو صوتها، وقطب جبينه بإستفهامٍ متسائل :
– أيوة؟.
كان وجهها جامدًا، تعابيرها غامضة، نظراتها تبث القلق والتوتر، وهي تسأله بصوت وصل لجميع من حوله :
– مش قبل ما تتجوز كنت تقول لعروستك إنك متجوز وعندك إبن؟!.
هبّ “صلاح” من مكانه واقفًا، بنفس اللحظة التي وقف فيها “حمزة” عن مكانه مشدوهًا مذهولًا، علت الأصوات من حولهم، وبقى “حمزة” كالذي أصابته صدمة أفقدته النطق، فـ صاح “صلاح” بها متسائلًا :
– بتقولي إيه يابت انتي؟؟.
التفتت رأس “سُلاف” لتنظر إلى عدوها اللدود، حدقت في عيناه المخيفة، وقالت بثباتٍ لم يهتز :
– إبنك متجوزني عرفي، وأنا جايه النهاردة عشان يعترف بإبنه وبيا قدام الناس كلها.
نهض “شاكر” عن مكانه غير مصدقًا ما يحدث :
– في إيـه الحكاية دي ياصلاح، ما تقول حاجه؟.
فأجابه “صلاح” على الفور :
– مفيش حاجه من دي ياشاكر، دي شكلها مزقوق علينا.
لم يتوانى المصورين والصحفيين عن تخليد تلك اللحظة لتصعيد الأمر وترويجهُ، بينما الجميع يتهامسون حول الفضيحة التي استثارت، وبين كل ذلك انتبه “حمزة” للتو واستعاد إدراكه الذي توقف للحظات، قبض على رسغها، وبقوةٍ مؤلمة غرز أصابعهٍ في لحمها وهو يصرخ في وجهها :
– أنتي بتـقولي إيــه يامـجنونة انتي!!.. أنا اتجوزتك ومخلف منك؟؟ أنتــي!.
تحاملت على نفسها لتحمل الألم، ووضعت رضيعها برفق بين ذراعيه وهي تقول :
– متحاولش تنكر، خلاص مبقاش ينفع الموضوع يستخبى أكتر من كده.
بدأت الدموع تنسال من بين عيني العروس الجميلة، ووقفت عن جلستها هي الأخرى متسائلة بنبرةٍ حزينة :
– صحيح الكلام ده ياحمزة؟.
فـ نفى عن نفسه ذلك وهو يصيح بـ :
– محصلش ، أنا أول مرة أشوفها في حياتي.
ثم نطر نحوها متوعدًا إياها :
– ده أنا هوديكي في ستين داهية.
وأعاد إليها الرضيع بشئ من الإنفعال، حتى كاد يسقط منها، فـ تشبثت فيه بقوةٍ وقد اتقدت عيناها بالشر، خاصة بعدما انهار “زين” باكيًا، فـ صاحت في وجهه بإنفعالٍ شديد :
– أنا اللي هوديك في داهية وهقاضيك كمان.
أخرجت ورقة الزواج العرفي من حقيبتها، وفتحتها أمام عينيه وهي تقول :
– ورقة الجواز أهي، بتوقيعك وتوقيعي، وزين يبقى إبني وإبنك.. دي حقيقة مش هتقدر تهرب منها، ولو مش مصدق، نعمل تحليل DNA.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)