روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الثامن والخمسون

رواية في قبضة الأقدار البارت الثامن والخمسون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثامنة والخمسون

بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة الثامنة 🎼♥️
بُليت بقلب لا يلين و كبرياء لا يعرف الخضوع .. فأصبحت اُُفارق و أنا في أمس الحاجة إلى البقاء ، اهجر الجميع و أنا أكثر من يهاب الوحدة ، أُتقِن ارتداء قِناع الصلابة بينما بداخلي ينهار وبشدة ، اتوارى خلف جدار القسوة هربًا من رحمات قلبًا قد تودي بي إلى الهاوية ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ ايه اللي بيحصل هنا ؟ و أنتِ مين يا ست أنتِ ؟
كان هذا صوت صفوت الذي صدمه مظهر تلك السيدة التي كانت وجهها مُلطخًا بالدماء و كأن أحدهم اختاره كوسيلة لأفراغ شحنات عنفه و حقارته فهرول سالم هو الآخر من أعلى الدرج تزامنًا من كلماتها المتقطعة
_ الحجني يا بيه .. هيموتني .. الظالم المُفتري ..
_ اهدي يا ست أنتِ وقوليلنا في ايه ؟
لم تكد تُجيبه حتى آتاهم صوتًا مذعور من الأعلى و الذي كان لنجمة التي صرخت قائلة
_ أمه …
آذرتها نجيبه التي صاحت بلهفه
_ بتي . نچمة ..
هرولت الفتاة لتُلقي بنفسها بين أحضان والدتها التي ربتها و التي كانت تنتفض إثر وجع قلبها و جسدها في آن واحد فكان مشهدًا مُروعًا يلونه الألم و تُكلله العبرات الغزيرة التي عرفت طريقها إلى عيني سهام الواقفه بجمود تهفو نفسها لاحتواء كهذا من ابنتها التي حرمها منها شيطان مريد ..
_ فيكِ ايه ياما و ايه اللي عِمِل فيكِ أكده ؟
أخيرًا استطاعت نجيبه أن ترفع رأسها و تستند على نجمة التي حاوطتها و تقدم منهما سالم ليُقرب إليها المقعد حتى تُريح جسدها فوقه و ناولها صفوت كوب من المياه لتُبلل حلقها الجاف من فِرط الألم قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة
_ اللي ميتسماش .. چه مش شايف جدامه و جعد يزعج فينا و في خواتك لچل ما ياخد كل الفلوس اللي في الدار و لما ملجاش حلف ستين يمين لازمن يخلي عبير تنزل تشتغِل ولما جولتله دي زغيرة جعد يضرُب في و في البنات سيبته و چيت على اهنه ..
لونت الصدمة معالم نجمة التي تربعت على الأرض أسفل قدم نجيبه وهي تقول باندهاش
_ أنتِ بتجولي ايه ياما ؟ ابوي اني يعمل أكده ؟
إلى هُنا لم يحتمل فاندفعت الكلمات من فمه مُستنكرة
_ دا مش ابوكي يا نجمة .
استدارت رؤوس الجميع إلى صفوت الذي كان ثائرًا و عروقه نافرة فأجابته نجمة بعتب
_ بس هو اللي رباني . و كان بيعاملني زي بته و مكنش بيفرج بيني و بين بناته واصل ..
تدخل سالم قائلًا باستفهام
_ ولما هو كويس كدا تفسري اللي عمله في والدتك و اخواتك دا بأيه ؟
تدخلت سهام بهدوء
_ تعالي معايا يا حاجه نجيبة اغسلي وشك و ريحي شويه و نجمة هتحصلك ..
التفتت نجيبه تناظر نجمه بتردد فأومأت الأخيرة بطمأنه و سارت مع سهام إلى الداخل ليُعيد سالم استفهامه مرة أخرى
_ ها يا نجمة . قوليلي تفسري بأيه اللي حصل دا ؟
نجمة بضياع
_ معرِفش . اني مش مصدجه اللي حوصول . ابوي طول عمره طيب وفي حاله و حتى لما نزلت اشتغِل مكنش موافج .. واني اللي اصريت عليه ..
صفوت باستخفاف
_ ولما هو كدا بهدل والدتك بالشكل دا ليه ؟
لم تجيبه فتدخل سالم مُستفهمًا
_ قوليلي يا نجمة أنتِ عرفتي امتى ان دول مش أهلك الحقيقيين ؟
ارتخت أقدامها لتتربع على المقعد خلفها وهي تقول بحزن
_ كنت لساتني زغيرة في الإعدادية كانت أمه نچيبه تعبانه و مصاريف علاچها كتير و كان ابوي معهوش فلوس ..
ترددت في إكمال حديثها فحثها سالم على الحديث قائلًا
_ كملي يا نجمة سامعك ..
زفرت بحزن تجلى في نبرتها حين قالت
_ سمعت امه نچيبه وهي بتجوله نبيع السلسة اللي معاها دي اهي تصرِفنا حبابه بس هو رفض و جالها دي آخر حاچه باجيه من أهلها ..
صمتت لثوان تحاول تجميع تلك الومضات من الذاكرة ثم تابعت بتشوش
_ جعدوا يتعاركوا و سمعت امي بتجوله يبجى تجعد من المدرسة احنا أولى بفلوسها ..
عبئت صدرها بالأكسجين النقي قبل أن تُضيف بنبرة مُشجبة
_ و جعدت من المدرسة و بعدها بسنتين او تلاته اتجدملي عريس و امي نچيبه وجتها وجفت لابوي و جالتله مش هنشيل شيلة غيرنا معناش فلوس لچهاز ولا غيره و وجتها حكتلي أني مش بتهم و ان اهلي ماتوا في حادثه و أنهم ربوني و من وجتها واني بدأت اشتغِل عشان اساعدهم..
نشب الوجع حوافره في قلب صفوت و تعاظم معه غضبه من ذلك المسخ الذي اختطف زهرة حياتهم و غمسها بالوحل ولكن كان لسالم رأيًا آخر حين واصل استجوابه قائلًا
_ طب أنتِ يا نجمة بتقولي أن والدك كان راجل طيب لكن تفتكري انه كان عارف ان ناجي خاطفك من أهلك و خايف يتكلم مثلًا !
زحفت الحيرة لتحتل ملامح وجهها قبل أن تُجيبه قائله
_ معرِفش . بس مظنيش .
_ ولا والدتك . اقصد الحاجه نجيبة ؟
بدأ أمرًا مقبولاً إلى حد ما بالنسبة إليها ولكنها لم تُفصِح عنه إذا قالت بحسم
_ لا . مظنيش أنها تعرِف ..
اومأ سالم بغموض قبل أن يقول
_ طب يا نجمة روحي أنتِ شوفي والدتك .. و لو عرفتي خليها تقعد معاكِ كام يوم .
لا إراديًا التفتت بلهفة تُناظر صفوت الذي كان للوهلة الأولى مُستنكر الأمر ولكنه شعر بأن هناك خطب ما يدور في رأس سالم فقال باختصار
_ مفيش مشكله ..
بعد دقائق كان سالم يغلق باب غرفة المكتب فباغته سؤال صفوت الغاضب
_ ايه في دماغك يا سالم ؟
صدمه سالم الذي أجاب بفظاظة
_ الست دي مزقوقه عليك..
******************
شهقة قويه شقت جوفه حين شعر بالماء يُلقى فوقه بقوة افزعته وأخرجه من سُباته الذي دام لأكثر مما يستطيع معرفته فهب من مكانه مذعورًا ليجد نفسه بمكان رث ذو رائحة كريهة تُشبه روث الحيوانات فأخذ يتلفت حوله بضياع و نظرات مشوشة إلى أن جاءه ذلك الصوت الخشن الذي زاد من فزعه
_ قوم اصحى نمت كتيِر . ورانا حاچات نعملها ..
خيم الذهول على ملامحه من ما يدور حوله فقال بلا وعي
_ انا فين ؟
الرجل بغلظة
_ في الدنيا .. جوم يالا . مفضيينش للرط ده ..
كان ك المصعوق لا يُصدِق ما يحدث حوله حتى أن قدماه قادته يتجول في هذا المكان المُتسِخ بشكل يُثير الاشمئزاز إلى أن خطى إلي الخارج فتفاجئ بتلك البقعة الصفراء المُمتدة أمامه بصورة لا نهاية لها و هاله تلك الأصوات الآتيه من الخلف فالتفت ليجد قطيع من الماعز و بجانبهم هذا الرجل الضخم الذي ناداه بقسوة
_ ايش فيك تشن عليا . هِم يالا هِم لنوكل المِعزي.
كان الأمر برمته كارثي لا يُصدق ان شقيقه قام بالزج به في هذا المكان المعزول في أعماق الصحراء مع هذا الرجل المجنون و حيواناته. و الأدهى من ذلك أنه من المُفترض به أن يُساعده !
لم يتحمل عقله ما يحدُث فصرخ حتى جُرِحت أحباله الصوتية
_ لاااااا . دا مش حقيقي . انا مش هنا . انا بحلم . اكيد بحلم .
أخذ يدور حول نفسه كمن طاله مس من الجنون الذي تضاعف حين لم يجد أي رد فعل من ذلك الرجل الضخم الجثة والذي كان يرتدي جلباب ابيض وفوقه صدرية باللون الرمادي و يلف شالًا فوق رأسه فود حازم في تلك اللحظة لو ينحر عنقه و لكنه تراجع إلى داخل الغرفة صافقًا الباب خلفه واضعًا يديه حول رأسه الذي كاد أن ينفجر من شدة ما يشعر به ..
***************
كان صباحًا مُشرقًا كملامحها التي بدا عليها الارتياح و ظهرت بشائره مُتجلية في ابتسامتها الجميلة على طاولة الإفطار وهي توزع ضحكاتها هنا و هناك لأول مرة منذ زواجها ، فأسرت أنظار الجميع و على رأسهم هو . كان يُطالعها بإعجاب كبير و نظرات شغوفة يشوبها الإمتنان وهو يرى اهتمامها بوالدته و حنانها التي تُغدقها به و كذلك جده الذي تفاجئ بها تسأله عن دواءه و تُغدِق عليه ابتساماتها الرائعة حتى عمار نال حظه هو الآخر بأن صنعت له أحد الأصناف المُحببه له . فوجد نفسه أمام استفهام يحمل الكثير بين طياته
هل لقاءها بعائلتها له هذا المفعول القوي عليها للحد الذي يجعلها كشمس مُشرقة تتوهج أشعتها مُضفيه نورًا وضاحًا على أرجاء المنزل ؟ ماذا أضاف وجودهم لها ؟ ماذا فعلوه أكثر مما يفعله لأجلها؟
جاءت كلمات تهاني لتُنير عقله بأشياء كانت غائبة كليًا عنه
_ شفت مرتك نورت ازاي لما شافت اهلها وخواتها ؟
ياسين بسخرية
_ شُفت و مستغرب بصراحة ..
تهاني بتعقل
_ لا متستغربش . اهل البنت دول سندها و ضهرها . عزوتها جدام چوزها. البت اللي أهلها يعززوها ميكسرهاش اي راچل واصل.
استنكر حديثها قائلًا
_ هو انا عمري هكسرها يا أم ياسين ؟ تفتكري انا ممكن اكون وحش كدا ؟
تهاني برزانه
_ لا مش وحش يا دكتور. ولا هتبجى جاصد تكسرها في يوم . بس افتكر كدا في اليوم المشؤوم إياه عِملت فيها ايه؟
هب من مقعده غاضبًا
_ اي راجل في مكاني كام هيعمل كدا لما يشوف مراته يتحضن راحل غريب .
_ عِندك حج بس اسأل نفسك أكده لو كان سالم و لا سليِم مكانك كانوه عيملوا ايه ؟ اجولك اني كانوا هيجعدوا مع بتهم و يفهموا منيها حوصول ايه ؟ مكنوش هيضحوا بيها في لحظة اكده لولا ستر ربنا ..
كان حديثها يحوي تقريع خفي لم يُخطئ في فهمه ولكنه حاول الدفاع عن نفسه قائلًا
_ الوضع يختلف يا امي ..
_ اديك جولت يختلف . جفل على اللي حوصول وانت عرفت غلطك . ناچي للمهم .مرتك روحها و عجلها في أهلها و انت شفت بعنيك زيارتهم عِملت فيها ايه ؟ و بدلتها ازاي يبجى تشتريهم لجل خاطرها .
ياسين بحدة
_ وانا عملت فيهم ايه ما أنا عاملتهم أحسن معاملة .
تهاني بعتب
_ لاه. طريجتك كانت ناشفة معاهم واني شفت بعيني . و بعدين لازمن تفهم انك مش طرف في حدوته چنة و حازم دي . حازم دا ابنهم و چنة مرت ابنهم التاني يعني منيهم في بعضيهم احنا ملناش صالح .
حاول مقاطعتها قائلًا
_ يا أمي ازاي بس ..؟
_ زي الناس . سليم راچل و روحه في مرته هيحافظ عليها اكتر منيك كماني . خرچ نفسك و مرتك من الليلة دي . عشان تعرِف تعيش مرتاح . مرتك بت اصول و اهلها ناس محترمين و حازم ده موچود في كل عيلة . دا ابتلا يا ولدي ربنا يعافينا منه. انما الچدعين أن كان سالم ولا سليم التنين رچاله و ولاد أصول ميتخيروش عنك .
تغلغل حديثها إلى عقله و بدا عليه الاقتناع ولكنه يشعر أنها ترمي إلى أبعد من ذلك
_ حاضر يا أمي .
_ يحضرلك الخير يا جلب أمك. جوم يالا شوف مرتك و اوعاك تزعلها بت الأصول كبرتك جدام أخوها بالرغم من أنها كان ليها حج تزعل منِك ..
وصل إلى مبتغاها من الحديث فقال بتذمر
_ قفلي ع الحوار دا يا امي.
تهاني بإصرار
_ لاه مهجفلش . الحج حج و البنية أمها مرميه في المستشفى و هي يا حبة عيني هيتجلعلها عين و تشوفها يبجى تخليك راچل بتفهم ولا اي يا ضكتور ؟
جعد ما بين حاجبيه و أوشك على الرد عليها ولكنه توقف إثر دخول حلا إلى المطبخ لتقول ببشاشة
_ ماما تهاني هنعمل أكل ايه النهارده ؟
تهاني بحبور
_ يا نهار الهنا الغالية مرت الغالي بنفسها چايه تطبخ
حلا بغرور مصطنع
_ اومال ايه هو أنتِ متعرفيش أن انا شيف مُحترم ولا ايه ؟ دا انا الوحيدة اللي كانت الحاجه أمينة تاكل الملوخية بتاعتها و تقولي الحاجه الوحيدة اللي خدتيها مني يا حلا ..
قالت جملتها الأخيرة بشجن لاقى صدى كبير بداخله و بداخل تهاني التي قالت بتعاطف
_ ربنا يجومهالك بالسلامة يا بتي ..
اقترب ليقف إلى جوارها يناظرها بأعين تلتمع بوميض الشغف
_ دا احنا عندنا مواهب مدفونة بقى محدش يعرف عنها حاجه ..
ناظرته شذرًا فقد كانت تخجل من وجود تهاني معهم لذا قالت بارتباك
_ هاه . لا . عادي يعني . متكبرش الموضوع..
ضربها بكتفه قاصدًا مُشاكستها
_ لا دا الموضوع كبير و كبير اوي كمان .
اغتاظت من طريقته و ما تحمله عينيه من عبث فقالت بسخط
_ بطل هزارك السخيف دا ..
ياسين مُدعيًا البراءة
_ لا هزار ايه ؟ انا اهزر في أي حاجه إلا الملوخية . و خصوصًا اللي بالجمبري . اي هزار مع الفوسفور بيقلب بقلة أدب وانا راجل متربي ..
قال جملته الأخيرة بجانب أذنها التي احمرت و شاطرتها وجنتاها اللائي نبت بهم محصول التفاح الشهي ليُزيد من ولعه بها بينما هي مشغولة بمُراقبة تهاني التي اعطتهم ظهرها لتُفسِح لهم المجال بالحديث على راحتهم و قد استغلت ذلك حين لكمته في معدته وهي تقول بغضب مُطعم بالخجل
_ بطل استهبال ممتك واقفه عيب ..
أعجبه خجلها الذي ولد لعنه الاشتهاء بداخله فصاح بصون عالْ
_ بقولك يا حاجه تهاني هاخد حلا نصايه فوق اعرف منها طريقة الملوخية بالجمبري و اجي نطبخها سوى . الغدا النهاردة علينا ..
انهى كلماته ثم جذب حلا من يدها وسط قهقهات تهاني التي جعلتها تتمنى لو أن الأرض تبتلعها من أفعال ذلك الماكر الذي ما أن اختلى بها حتى غمرها معه في عناق قوي اندهشت له كثيرًا ولكنها استمتعت به و خاصةً حين انحني يُزين جبينها بقبلة دافئة انتشى لها قلبها كثيرًا فقالت بخفوت
_ هو انا وحشاك اوي كدا ؟
كوب وجهها بين يديه التي كانت حانية كنظراته و نبرته حين قال
_ بتوحشيني في كل وقت يا حلا . بتوحشني طلتك الحلوة اللي كنتِ حرماني منها الفترة اللي فاتت دي كلها و النهاردة بس رويتي قلبي بيها ..
كان غزله كغيمة ورديه حملتها إلى أقصى درجات السعادة التي غمرت جسدها فاستكان بين يديه التي أخذت تُداعِب خصلاتها الناعمة بينما داعبتها كلماته حين قال
_ عماله تتنقلي من حضن سالم لحضن سليم زي ما يكون قاصدة تجننيني .
همست بلهفه
_ لا والله دول كانوا واحشني اوي و..
قاطعها همسه الخافت أمام شفتيها
_ ماهي دي المشكلة الكبيرة . قد كدا كانوا واحشينك ؟
اندلعت ثورتها على هيئة عبرات غزيرة و كلمات متقطعة
_ اوي . اوي . روحي. ردتلي . لما .شوفتهم
التهم بشفتيه عبراتها و لثم عينيها باعتذار صامت لم يتجاوز حدود شفتيه ولكنه عبر عن بطريقة أخرى
_ يعني أنتِ كدا كأنك بتقولي أن قلبك مش ليا لوحدي. و أأقلم نفسي اني ليا بدل المنافس اتنين ..
لثمت كلماته جروحها فقالت بهمس
_ مفيش حد في الدنيا يقدر ينافس مكانك في قلبي .
ابتهج قلبه بكلماتها و لكنه معها تخلى عن فضيلة القناعة فصار نهمًا لكل ما يصدُر منها لذا قال بعتب
_ بتضحكِ عليا بكلمتين
اندفعت بلهفة
_ لا والله انت حبيبي و جوزي اغلى حاجه عندي في الدنيا ..
وصل إلى مبتغاه و الذي كان مذاقه أروع مما تخيل فاقترب حتى اختلطت أنفاسهم و أوشكت شفاههم أن تتعانق حين همس قائلًا
_ انا ايه ؟
فطنت إلى هول ما تفوهت به فأغمضت عينيها تُحارب خجلها الذي كان أكثر من عاشقًا له ولكنه كان كالناسك الذي ينتظر أمام أبواب الجنة لتفتح له مغاليقها حتى يتنعم بثرائها فهمس بنبرة مُلحة
_ قوليها يا حلا . عايزة اسمعها منك ..
اسكرها عشقه و أذابها قربه فأعلن قلبها راية التسليم لتُعلِنها بنبرة موقدة
_ بحبك يا ياسين ..
اقتطف ثمار إعلانها بين شفتيه التي كانت نهمة حد القسوة التي ولدتها نيرانًا هوجاء عصفت بسائر جسده الذي اوقده إعلانها الصريح فتاه بها في بحور العشق و تقاذفتهم أمواجه العاتيه التي تناقلتهم بين هنا و هناك تاركين بصمات عشقهم بكل أرجاء الغرفة التي أصبحت لوحة مُبعثرة لعشق أهوج يتأجج بين جنبات صدورهم و يُهلك تلك الأجساد التي كانت تئِن من فرط الجنون الذي يكتنفهم و تلك النغمات الصاخبة التي كانت كسيمفونيه رائعة عزفتها شفاهها لتُطرب قلبه الغارق في لُجة الهوى فأخذ يغترف المزيد من شهدها و يُمارس طقوس العشق باحترافيه على ساحة جسدها الذي لم يعُد يحتمِل جنونه أكثر فسكن بين ذراعيه ناشدًا الراحة فلبى استغاثته على الفور وهو يقول بلهفة من بين أنفاسًا مُتهدجة
_ أنتِ كويسة ؟
لم يخرج صوتها فأومأت تطمأنه بابتسامة هادئه فاقترب يُزين جبينها بقبلة اعتذار قابلتها بأخرى مُمتنة فهمس يداعبها
_ طب اعملك ايه ماهو أنتِ اللي مُصرة تجننيني ..
همست بنبرة مُتحشرجة
_ انا عملتلك ايه طيب ؟
اجابها بنبرة عاشقة
_ جننتيني يا حلا . خلتيني زي المهووس بيكِ..
رفرفت برموشها وهي تقول بنبرة خافته
_ مش لوحدك على فكرة ..
_ اوعي تزعلي مني أبدًا . حقك عليا في اللي فات كله . من النهاردة هنبتدي صفحه جديدة .. صفحة كلها حب و سعادة و بس ..
كان الأمر رائعًا حد تدافُع العبرات من مُقلتيها تأثرًا بكلماته الدافئة والتي شابهتها لهجتها حين قالت
_ وانا معاك في كل حاجه . و أوعدك اكونلك الزوجة اللي بتتمناها ..
صمتت لثوان ولكن عينيها تولت اكمال الحديث الذي عجز لسانها عن سرده و كانت نظراتها كافية لترويه له فأجاب حديثها الصامت قائلًا
_ هوديكِ تشوفي ممتك و تطمني عليها و عمري ما همنعك عنها ولا عن اخواتك أبدًا.
احتوت كفوفها وجهه وهي تقول بامتنان بلغ عنان السماء
_ ربنا ما يحرمني منك أبدًا . لو تعرف كلامك دا عمل فيا ايه ؟
لم تُسعِفها الكلمات و طغى تأثُرها حد اندفاع العبرات من مقلتيها و تحشرُج نبرتها فأخذت يديه تُهدهدانها برفق و تُكفكِف دموعها ثم قال قاصدًا مشاكستها
_ لا اهو أنا كدا بقى هبتدي اغير و لو غيرت هرجع في كلامي ..
شقت ابتسامة جميلة ثغرها ثم قالت بلهفة مقصودة
_ لا و على ايه الطيب أحسن .
_ قد كدا الموضوع كان مسببلك أذى؟
_ طبًعًا . دول أهلي يا ياسين في حد يقدر يستغنى عن أهله ؟ بكرة لما تجرب و ربنا يديلك بنت هتعرف معنى كلامي دا كويس ..
التمع وميض المكر بعينيه فقال بلهجة عابثة
_ حلو دا . انا احب موضوع التجارب دا أوي. احنا نجيب البنت عشان نتأكد أن كان كلامك دا صح ولا غلط ..
أنهى كلماته و شرع في التهامها وهو يغدق عليها من زخات عشقه ما يُنسيها مرارة الماضي و لوعته و قد كان قربه على قلبها أشهى من العسل ..
****************
انتصف النهار و تجمعت الفتيات بجانب سهام التي رحبت بهم كثيرًا و كذلك نجمة ولكن على استحياء إلى أن دق جرس المنزل فتوجهت أحد الخدم ليفتح الباب و إذا بشمسه تُشرِق على قلبها الذي انتفض ليجعلها تهب واقفه ما أن رأته و كذلك هو ليتوقف به الزمن ثوان يُريد أن ترتوي عينيه من رؤيتها فقد اشتاقها بحجم هذا الكون و أكثر .
كان مشهدًا صامتًا ولكنه يحمل بين طياته صخب و ضوضاء حنين و شوق ضاري لا يُسمح بالإفصاح عنه بل تعيشه قلوبهم بتفاصيله المؤلمه و وخزاته المُبرحة والتي استشعرها جميع الحضور فتوجهت سهام لتُحيط بكتف ابنتها في مؤاذره صامتة بينما جاء صوت صفوت القاسي ليُمزق هدوء المكان حولهم
_ ايه اللي جايبك يا عمار ؟
التفت عمار يُناظر صفوت بحنق تجاهله بشق الأنفس قبل أن يقول بجفاء
_ أكده عترحب بضيوفك يا صفوت بيه ؟
لم يُمهله سالم الوقت لإجابة عمار إذ قال بفظاظة
_ أنت مش ضيف يا عمار . انت من أهل البيت .. صفوت بيحب يهزر ..
أنهى جملته وهو يرمُق صفوت بنظرات مُحذرة لم يتقبلها الآخر بل اندفع إلى غرفة مكتبه فتبعه سالم بعد أن أومأ لعمار بالدلوف إلى الداخل و ما أن أغلق باب غرفة المكتب خلفه حتى صاح صفوت بغضب مُريع
_ بص يا سالم مصلحة العيلة اه بس نجمة ملهاش ذنب و مش مُجرد رصيد هتعزز بيه علاقتك بولاد عمران.
كان مُتفهمًا لحالته لذا تمسك بفضيلة الصبر حين قال
_ انا مش محتاج لدا و انت عارف كدا . بس لو أنت عايز تستخدم العُذر دا شماعه عشان تبرر بيه أنانيتك فهقولك لا
صفوت باستهجان
_ أنانيتي يا سالم ؟
سالم بتعقل
_ انت شُفت بعينك بيبصوا لبعض ازاي ؟ الأعمى يفهم أنهم بيحبوا بعض . وانت فاهم و عارف دا من قبل ما تعرف انها بنتك .
أوشك على مقاطعته فتابع سالم بإصرار
_ نجمة مش هتعوضك عن سهام . انا عارف انك عايز تشبع منها بس طريقتك دي مش صح . متظلمش سهام و تاخدها بذنوب مش بتاعتها..
قهقه بسخرية تجلت في نبرته حين قال
_ انا باخدها بذنوب مش بتاعتها اومال لو مكنش الكلب دا اتكلم قدامك كنت قولت ايه ؟
سالم بجمود
_ الكلب دا مقالش حاجه اكتر من أنه كان بيحبها و اي تزويد في الكلام معروف أنه كان عشان يستفزك و انت اكتر واحد عارف دا . لأن لو كان كلامه صح بنسبه واحد في الميه مكنتش هتقبل تتجوز سهام .
ضاق ذرعًا من ذلك الحديث الشائك فقال غاضبًا
_ يا سالم انت مش فاهمني.
_ لا فاهمك و عشان فاهمك واجبي أحذرك من خطورة اللي انت ناوي عليه . انت من الأول اختارت سهام و انت عارف انها كان في مشاعر من ناحيتها لأخوك و هو كمان كان بيحبها .
صرخ مغلولًا
_ مكنش بيحبها كان كل شويه مع واحدة و كل علاقه أقذر من التانيه
سالم باتزان
_ حلو . هي مش ذنبها انك حبيتها و اختارتها . و مع ذلك عشت معاها أيام جميلة و كانت زوجه صالحة ليك لحد ما حصل اللي حصل .
أوشك على مقاطعته فتجاهله سالم بنبرة قاطعه
_ لو مكنتش كدا مكنتش هتصبر عليها كل دا يا صفوت متغالطش نفسك . و دلوقتي انت كرامتك وجعاك من اللي حصل و عايز تنتقم بس من الشخص الغلط . سهام ملهاش ذنب . ولا نجمة ليها ذنب تحرمها من حد بتحبه .
تجاهل انصياع قلبه لكلمات سالم و قال بحزن
_ انا ملحقتش اشبع منها عشان ياخدها مني ..
سالم برفق
_ مين قالك أنه هياخدها منك ؟ بنتك هتتجوز جنبك و هتشبع منها و حتى الجواز مش هيكون خبط لزق كدا . لازم الحمار اللي بره دا يتسوى عالجنبين .
هُدِرت طاقته في الجدال فاقترب يلقي بجسده على اقرب مقعد واضعًا رأسه بين يديه بتعب تجلى في نبرته حين قال
_ انا تعبت اوي يا سالم . حقيقي تعبت . مبقتش عارف اعمل ايه ؟
سالم بمواساة
_ طبيعي تتعب بعد كل اللي حصل دا. و خصوصًا أن الخصم المرة دي من دمك مش غريب . بس انا عايزك متدمرش حياتك بإيدك . بُعدك عن سهام دا انتصار ليه . و هزيمة مش هتتحملها لا انت ولا هي .
رفع رأسه غضب و قال بنبرة يتخللها القهر
_ انا هتجنن . كرامتي و قلبي و كل حاجه ضدي . مش عارف ارضي مين ولا مين ؟ مش عارف اقف على أرض صلبة
_ انت فعلا على أرض صلبه مراتك و بنتك في حضنك . يبقى تحفر انت ليه؟ توقع نفسك و توقعهم ؟ عايز اسألك سؤال هتتحمل أن سهام تتجوز ناجي
هب واقفًا وهو يصيح بلهجة لا تقبل الجدال
_ لا طبعًا انت بتقول ايه ؟
زفر بما اراده فقال بلهجة ودودة
_ بقول تعقل و تطلع تصالح مراتك و تقعد مع الراجل اللي بره دا تشوفه عايز ايه و لو بنتك عيزاه مش هتلاقي احسن منه . حاوط بيتك وعيلتك يا صفوت . و متدمرش حياتك بأيدك
زفر صفوت بنفاذ صبر و لكنه بداخله انشرح قلبه لحديث سالم الذي أزال غمامة الانتقام من عينيه فهدأت سحبها و بدأت تصفو و تجلى ذلك في نبرته حين قال
_ دخلهولي ..
التمع المكر بعيني سالم حين قال
_ عنيا . عايزك تربيه على أقل من مهلك . هدية و وقعتلك من السما طلع فيه كل الكبت اللي جواك و ادعيلي…
لم يفلح في قمع ضحكاته على كلمات سالم الذي خرج ليُشير إلى عمار بالدلوف و الذي ما أن دخل حتى تفاجئ من هدوء صفوت المُريب فقال بغلظة
_ كولات دا بتتحدتوا في ايه ؟ بجالي ساعة مستني ..
لمع الخُبث في نظرات صفوت الذي قال
_ لحقت زهقت من الانتظار ! لا دا انت كدا هتفرهد مني بسرعة . و دا مش حلو علشانك..
عمار بعدم فهم
_ تجصد اي انا مش فاهمك ؟
صفوت بوعيد
_ بقى انت عايز تتجوز بنتي صح ؟
عمار بلهفة
_ ايوا صوح..
صفوت بمكر
_ حلو . طبعًا انت عارف ان دي بنتي اللي طلعت بيها من الدنيا . يعني مش هديها لأي حد ..
عمار بغرور
_ واني اي حد ولا اي ؟ اني زينة شباب المنيا و عيلتي أحسن عيلاتها و انت خابر أكده زين ..
صفوت بتخابث
_ لا طبعًا في دي عندك حق بس انت عارف الأصول و طبعاً كل عيلة و ليها سلو صح ولا لا
_ ايوا صوح .
صفوت بمكر
_ احنا بقى اللي ياخد بنت من بناتنا لازم يمُر بشويه اختبارات كدا عشان يثبتلنا أنه يستاهلها ..
كان الأمر مُثيرًا للحنق ولكنه كان يبغى الخلاص و الفوز بها لذا قال بنفاذ صبر
_ وماله . جولي مفروض اعمل ايه و اني اعمله ..
التمع المكر بعينيه و تجلى في نبرته حين قال
_ هقولك …
***************
_ هو صحيح حازم لسه عايش ؟
كان اسفهامًا يبغُضه كما يبغُض إجابته و كل تلك الظروف التي تُحيط بهم و تجعلهم في دائرة النار التي تحرقهم بكل ثانيه
_ عرفتي منين ؟
انتفضت اوداجها غضبًا تجلى في نبرتها حين قالت
_ جاوب على سؤالي . حازم لسه عايش ؟
أجابها بصراخ اجفلها
_ ايوا يا ساندي لسه عايش . ارتاحتي ؟
كان شعورها ابعد ما يكون عن الراحة فقد ألقى بها في مراجل تغلي بنيران الجحيم الذي لون حدقتيها و نبرتها حين قالت
_ ازاي حصل دا ؟ مش معقول . اكيد في حاجه غلط . دا حد شبهه . صح ؟
عُدي بسُخرية مريرة
_ و هو حازم في حد شبهه ؟ على الأقل في القذارة . لو كنتِ فاكرة انك ضحيته الوحيدة فأنتِ غلطانه . حتى عيلته مسلمتش من أذاه. طلع حاطت ايده في ايد عدوهم و عمال بيحارب فيهم من بعيد لبعيد.
لم تستطِع أقدامها حملها فأراحت جسدها فوق المقعد وهي تقول بذهول
_ انت بتقول ايه ؟
_ بقول اللي سمعتيه . حازم دا أقذر انسان شفته في حياتي . و لازم تنسيه وتمحيه من ذاكرتك عشان نعرف نكمل حياتنا زي الناس ..
استنكرت كلماته التي أيقظت جروحها الغائرة فآنت عليها و بشدة للحد الذي جعلها تصيح باستهجان
_ حياتنا ! حياة مين ؟ انت بتجمعنا سوى ليه ؟
اقترب منها بخطٍ وئيده حتى وصل إلى مقعدها و دنى ببطء مُثير واضعًا يديه حولها وهو يقول بهسيس خشن ضد عينيها
_ عشان احنا سوى . هنعيش سوى و نموت سوى ..
كان قربه كفيضان قوي أصاب سدًا هش فحطمه في الحال للحد الذي جعلها ترتجف أمامه و جعل الحروف تخرج مُتقطعه من بين شفتيها
_ أن . انت . بتقول . ايه ؟ . ان . انا . لا . يُمكن . اك . اكمل . حياتي . معاك ..”
تألم لحالتها و لضياعها و تخبط نظراتها فامتدت كفوفه تحنو على ملامح وجهها و قال مُخاطبًا عينيها بصدق
_ أنتِ معنى الحياة بالنسبالي يا ساندي . مفيش حياة من غيرك . و مش هسمح تكونلك حياة من غيري . ”
صمت لثوان يُخاطب عينيها بنظرات متوسلة رافقت كلماته حين قال
_ هنمشيها خطوة خطوة. نبتديها أننا نرجع أصحاب تاني و ارجع عُدي صاحبك اللي مبتخبيش عنه الهوا و اللي مبترتاحيش غير لما تفضفضيله و تخرجيله كل اللي في قلبك وانا هسمعلك لو قولتي ايه ؟
صمت لثوان قبل أن يُضيف بمُزاح
_ و طبعاً أنا كمان هحكيلك على كل مصايبي زي زمان . و تقعدي تخانقيني و تزعقيلي و اقعد أشد شعرك و اجري وراكِ و في الآخر اتعاقب اني اقعد اعملك ضفيرة من اللي بتحبيهم ..
استمهل نفسه لثوان قبل أن يسحب أنفاسها العطرة بجوفه قائلًا بنبرة مُتحشرجة
_ مش وحشتك الضفيرة بتاعتي ؟
خانها جسدها و أعلن عن شوقه بتلك الأيماءة البسيطة و التي كانت مؤشرًا قويًا كونه على الطريق الصحيح فاردف بخفوت
_ و بعدين نرجع من تاني نذاكر سوى في أيام الامتحانات و نقعد نولول على الوقت اللي ضيعناه و على الزنقة اللي زنقنا نفسنا فيها .
ابتسم و شاطرته ابتسامته بأخرى بسيطة و كأنها مُغيبه عن واقعها الأليم تحت سطوة ذكرياتهم الرائعة معًا ليُزيد جرعات الأمان بقلبها حين قال
_ و بعد ما يمُر كل دا هتلاقي واحد بيعشقك واقف على بابك مستني بس تطُلي عليه و لو بنظرة . حتى لو اتأخرتي هيفضل مستني . عارفه ليه ؟
لم يفلح في قمع عبرات الألم التي انبثقت من مُقلتيه وهو يُضيف بعشق تخطى حدود احتماله
_ عشان أنتِ النفس اللي بتنفسه . النور اللي بينور حياتي . يكفيني اشوفك بخير حتى لو كان التمن انتظاري ليكِ العمر كله. انا موافق .
تاهت الكلمات من فوق شفتيها و تبدلت أشياء كثيرة بعينيها التي كانت ضائعة تتقاذفها الظنون و تلهو بها الهواجس ماذا لو صدقت و نالت خذلان آخر ؟ و ماذا لو لم تُصدقه و خسرت كل شئ ؟ و كان هناك استفهامًا مُلحًا يدور بأفاق عقلها هل سيفلح النسيان في العبور من بوابات الظلام المُحيط بها ؟ و هل سيتمكن ذلك العشق الذي يعدها به من ترميم جروحها النازفه و شفاء ندباتها البشعة؟
**************
عادوا إلى الديار بعد وقتًا كان مُتعبًا مع الجميع و بالرغم من كل ما حدث ولكنه لا يستطيع أن يُنكِر شعور الراحة الذي تسرب إلى قلبه حين اطمأن على وضع شقيقته و أنها آمنه هُناك .
أنتهت طاقته إلى هذا الحد و أشارت الساعة إلى الواحدة بعد مُنتصف الليل فقد عادوا ظهر اليوم و هاهو لم يُبارح مكتبه يُحاول إنجاز الكثير من الأمور المُتراكمه فوق رأسه الذي كاد الصداع أن يفتك به و للحظة تذكر وجهها البديع الذي يُضفي سكينة من نوع خاص على صدره فيهدئ و يستكين و لأن القلوب أن عشقت فإنها تغدو مُتصله ببعضها البعض بخيوطٍ خفيه فقد تململت في نومتها لتجده لم يعُد بعد فأخذتها خطواتها المُتلهفة إليه في أكثر وقت ينشُد وجودها فيه فإذا بها تقوم بفتح باب غرفة مكتبه لتُطِل عليه بحضورها الطاغي و بهاء وجهها المُتورد بفعل العشق و كعادتها معه لبت ندائه الصامت و توجهت رأسًا إلى حيث يجلس لتقوم بمحاوطة رأسه ليستكين فوق موضع قلبها الصارخ بعشقه و أخذت كفوفها الحانية تتلمس خُصلاته بهدوء جعله الاسترخاء يعرف طريقه إليه و بعد عدة دقائق هانئه لثمت مُقدمة رأسه بقُلبه دافئة اذابت صقيع شباط الذي يُحيط بهم و اتبعتها بحنو كلماتها
_مش كفايه شغل بقى انت تعبت اوي النهاردة ..
احتوى خصرها بذراعيه رافعًا رأسه يُناظرها بنظرات حانيه مُمتنة لوجودها و أجابها بلهجة خشنة
_ كُنت تعبان لحد قبل ما تدخلي من الباب ..
همست ضد شفتيه بعذوبة
_ و ايه اللي حصل بعد ما دخلت من الباب ؟
نقشت أنامله لحنًا مُغريًا فوق خصرها قبل أن يقول بنبرة شغوفه
_ طلتك الحلوة ضيعت كل التعب و بدلت الليل نهار في عنيا ..
مازحته و يديها تتلمسان شعيرات ذقنه القصيرة
_ ايه دا كله ؟ سالم الوزان بقى يقول شعر ؟ أنا اكيد بحلم !
قست أنامله في مكان ما أسفل ظهرها ردًا على مزحتها قبل أن يقول بعبث
_ ماهو أنتٌ الصراحة تخلي الحجر ينطق و بعدين سالم مابيقولش سالم بيعمل . و لا ايه ؟
أنهى كلماته بغمزة اربكتها و أشعلت حمية العشق بقلبها فأخذت تُداعب أنفه بأناملها قبل أن تقول بخفوت
_ بحب فيك اوي لما تتبدل من الشخصية القوية اللي الكل بيخاف منها و تبقى في حضني عاشق بيعمل المستحيل عشان يفرحني .
جملتها أيقظت رماد الندم بعينيه فاقترب غارسًا بتلات عشقه فوق قلبها النابض قبل أن يُعيد دفة نظراته إلى عينيها وهو يقول بنبرة مُتحشرجة
_ حقك عليا يا فرح . انا مدين ليكِ باعتذار ..
قطبت جبينها قائلة باستفهام
_ اعتذار ايه ؟
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ عشان لما قولتيلي إن شيرين سمعتك فويس بصوتي مصدقتكيش . و طلع عندك حق. بس انا مش ساحر يا فرح..
قاطعت حديثه بوضع إبهامها فوق شفتيه ثم بدلته بشفاهها التي لثمت خاصته بقبلة دافئة اتبعتها بعذب كلماتها
_ اوعى تعتذر أو حتى تفكر في كدا يا عيون فرح . هو انت فاكر أن حيرتك دي كانت سهلة عليا ؟ انك تبقى هتتجنن قدامي عشان مش قادر ولا قلبك مطاوعك تكذبني دي عندي كبيرة أوي يا سالم .انا عارفه انك عمرك ما شكيت فيا. وصدقني بندم على كل حرف قولته في الليلة دي ندم عمري ..
قاطعها ليمحي ذرات الندم التي تنبعث من عينيها
_ اي حد مكانك كان هيعمل و يقول كدا . حازم صوته نفس صوتي بالظبط . انا بعد كدا لما هديت عذرتك .
تدللت بحزن أضرم النار بقلبه
_ انت وجعتني أوي بكلامك اليوم دا ..
أجابها بلهفة قلما تظهر عليه
_ ندمت ندم عمري على كل حرف قولته وجعك اليوم دا . بس غصب عني لهفتي عليكِ خلتني مكنتش شايف ولا حاسس بنفسي ..
لن تُفسِح المجال لأي شيء في هذا العالم في إفساد سعادتهم حتى و لو كانت تك الذكريات المؤلمه لذا استراحت بثُقلها على ساقه ويديها تُحيط عنقه بينما نظراتها تدللت كنبرتها حين قالت
_ طب ايه رأيك كل واحد فينا يصلح غلطته اليوم دا ؟
انكمشت ملامحه بحيرة قطعتها جُملتها التي تحمل وعود العشق الذي يتراقص في مُقلتيها بإغواء و ذلك الشغف الذي يقطُر من نبرتها حين اقتربت من أذنه هامسه
_ هسبقك على اوضتنا قُدامك رُبع ساعة و تيجي هتلاقي عروستك مستنياك اوعى تتأخر ..
لم تترُك له مجال لاستيعاب كلماتها إذا استقامت مُتوجهه للخارج بعد أن زرعت بصدره ألسنة العشق المُتوهجة فأصابته بلعنة الأشتهاء التي جعلت الدقائق تمُر على ظهر سُلحفاه وهو ينتظر مرور المدة التي حددتها حتى يظفر بقُربها الذي ما أن يتخيله فيجف حلقه و تتصاعد دقات قلبه للمليون دقه في الثانية الواحدة و بشق الأنفس استطاع أن يتحمل لدغات الثواني ليقطع الخطوات الفاصلة بينه و بين غرفته بلمح البصر و يقوم بأدارة مقبض الباب ليتصنم مكانه وهو يراها بفستان زفافها مُطلقه العنان لخُصلاتها الثائرة لتُحيط بها كأشعة الشمس فتُعطيها توهجًا براقًا و جمالًا آخاذًا يفوق جمالها ذلك اليوم فأخذته قدماه إليها دون وعي منه فقد أسرته فعلتها حد الجنون الذي تحول لرغبة عاتيه في إمتلاكها يتخللها عشق أهوج قد لا تحتمله تلك المجنونه ولكن سبق السيف العزل ففعلتها أطلقت جيوشه الآتيه من الجحيم فقام بجذبها بعنف لترتطم بسياج صدره المُعضل الذي لا يحتمل جنون قلبه بها في تلك اللحظة فجاءت نبرته مُتحشرجة من بين أنفاس مُتهدجة حين قال
_ أنتِ عارفه خطورة اللي بتعمليه دا ايه ؟
تعانق العشق بالرغبة بداخلها فبدد كل شعور بالخوف من ظلمة نظراته و رغبته الموقدة و التي يستشعرها جسدها في تلك اللحظة فهمست بجُرأة غير معهودة
_ عارفه و مستعدة لكل حاجه منك .
اغمض عينيه يُحاول تنظيم دقاته الهادرة و تحجيم شعوره المُروع بها الآن فتفاجئ بها تقترب منه حتى تعانقت أنفاسهم الموقدة والتي تُشبه نبرتها حين قالت
_ انا بين ايديك يا سالم . خدني لدنيا تانيه بعيد . مفهاش حد غيرنا . مش عايزة حد غيرنا .
دعوة صريحة من إمرأة اجتمعت بها عجائب الكون في نظره فهل يملِك من الحول ما يُمكنه من رفضها وهل لذلك العقل الذي أكثر ما يُميزه القُدرة على مجابهة نظرة واحدة منها؟
إجابته كانت قُبلة ساحقة أودت بها إلى الهلاك بين ذراعيه التان عزفت اقسى و اروع معزوفة فوق جسدها الذي كان أصبح كنوت بيتهوفن الذي أطلق العنان لجميع مشاعره ليُبدِع في أنشودة غرام كان صداها يتردد في جميع أنحاء الغرفة و ترتج له الجدران و تنتفض لها الأبدان التي غمرتها نشوة العشق فصارت تنهل بنهم لا يُقصيه تعب ولا يُبدده ألم . فقد فاض بهم العشق و طغى حتى صار مسموعًا محسوسًا و ملموساً فوق تلك الاشياء المُحطمة و الملابس المُبعثرة ولكن كان فرسان الغرام بوادٍ آخر غير عابئين بأي شيء سوى ترميم صدوع الشوق الذي لا ينضب و لا يخمده ثورة المياة التي غمرتهم فشدد من جذبها ليلتصق ظهرها بصدره وهما بحوض الإستحمام الذي ملؤه سالم بالمياة الدافئة علها تُهدئ من آثار تلك المعركة الداميه التي نشبت بينهم ولكن هيهات فمُجرد نظرة بسيطة منها تنشب مخالب الصبوة بقلبه فكيف بوجودها بين ذراعيه
_ لو كنت اعرف انك هتعوضيني عن اليوم دا بالطريقة دي كنت كررته كل شويه ..
ابتسمت من بين ذلك التعب المُضني الذي أَلم بجسدها و قالت بنبرة مُتهدجة
_ لو كنت اعرف الأفترى بتاعك دا كنت كملت نوم و مكنتش نزلتلك من الأساس.
قهقه بصخب نادر ما يحدُث فلم تُريد أن تُضيع تلك الفرصة ان تستمتع بضحكاته الرائعه فالتفتت تُناظره بلهفه كان لها وقعًا خاصًا عليه
_ احنا بنجيب ورا بقى اومال فين القطة المخربشة اللي كانت من شويه ؟ و أنا بين ايديك و قصاد عينيك و الكلام دا كله ؟
فرح بمزاح
_ سحبته .
_ جبانه
_ مُفتري
_ بس بحبك ..
همسه القاتل و إعلانه الصريح جعلوا قلبها يرتج بين ضلوعها فهمست بوله
_ وانا بعشقك . خلاص افتري براحتك .
تعالت قهقهاته على كلماتها و شدد من احتضانه لها وهو ينثُر عشقه فوق كتفها المرمري قائلًا بشغف
_ يااه يا فرح كنتِ فين من زمان ..
_ كنت محافظة على قلبي عشان اقابلك .
_ لو كنت قابلتك من بدري كان زمان حاجات كتير اتغيرت.
همست بعذوبة
_ كل حاجه بتيجي في وقتها بتكون احلى.
_ أنتِ أحلى حاجه جتلي . و مش هيجيلي احلى منك مهما جالي .
انتشى القلب بكلماته التي اذابت عظامها من فرط روعتها فشددت من نفسها لتلتصق به أكثر وهي تقول بخفوت
_ خليك ماسك فيا اوي يا سالم . انت كل حاجه فيا. كل حياتي بتتلخص في وجودك . متبعدش عني ولا ثانيه .
_ الحاجه الوحيدة اللي مقدرش عليها في الدنيا دي هي بُعدك . اطمني ..
تعانقت اضلُعهم و هنئت قلوبهم و استكانت أرواحهم لثوان قبل أن تقول بهمس يعرف الطريق لقلبه جيدًا
_ قلبي مطمن بيك.
**************
_ قال وعلى رأي المثل جه الحزين يفرط طلعتله همت في البخت ..
صححت ريتال كلماته قائلة
_ اسمها جت الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح . متبوظش الأمثال يا عمو .
زفر مروان بحنق
_و أنتِ مالك أنتِ ابوظ ولا مبوظش هو المثل كان بتاع ابوكي..
ريتال بتقريع
_ عيب يا عمو اسمه بابي ..
مروان باستنكار
_ بابي . اميتابتشان دا بقى بابي . يا بنتي دا عربجي . ابوكي دا تقوليله يابا يا بويا و اصلًا متناديش عليه .
ريتال مُدافعه عن والدها
_ لا طبعًا دا بابا دا اجمل اب في الدنيا كلها .
مروان بسخرية
_ اجمل اب . لا و أنتِ الصادقة دا سفن اب .ماهو كدا انتوا يا بنات متحبوش غير اللي يديكوا على دماغكوا لكن يكون انسان مُرهف الحس زيي و بيحافظ على مشاعركوا يبقى دا جزاته
_ هو مين اللي مُرهف الحس ! اكيد مش انت ..
كان هذا صوت شيرين الساخر فقابل مروان سخريتها قائلًا بتهكم
_ حوش مين بيتكلم ! يا بنتي دا انتِ عندك كميه برود لو اتوزعت على الصعيد الناس هتتجمد .
_ دمك يُلطش ..
مروان بنبرة ذات مغزى
_ طبعًا دمي يُلطش ماهو عشان مش محشور في الهدوم ولا فاتح القميص و مبين نص صدري هيبقى دمي يُلطش المبادئ في ذمة الله .
التفتت شيرين إلى ريتال قائلة بتعجب
_ هو ماله دا اتهبل ولا ايه ؟
ضاق ذرعًا من وجودهم فاندفع بنفاذ صبر
_ أنتِ مالك يا باردة أنتِ وهي واحد قاعد يندب حظه جايين تقرفوه في عيشته ليه ؟
اقتربت شيرين لتجلس بقربه وهي تقول بتعاطُف
_ لا يا مارو مقدرش اسيبك تزعل أبدًا قولي مالك مين مزعلك
مروان باندفاع
_ المخفية أُمك وقفالي زي العُقلة في الزور .
لكزته في كتفه بقوه وهي تقول بغضب
_ احترم نفسك يا حيوان متقولش كدا على ماما ..
مروان بتحسر
_ هو انا في أيدي حاجه غير اني اقول . كشفت شعري ودعيت عليكِ يا همت يا بت رئيفة هانم . يبتليكِ باللي أقوى منك .
_ بس يا حيوان .
زجرها بعنف
_ اسكتي و سبيني انا هتجلط منها. طب هي مُعقدة و ربنا وقعها في ابوكي راجل ابن ستين كلب انا مالي احاسب عالمشاريب ليه ؟ تقولي بنتي لسه صغيرة و مش ناويه اجوزها دلوقتي . اومال هتحنطها !
قال جُملته الأخيرة بصُراخ و ما أن أوشكت أن تنهره حتى جاءهم صوت غاضب من الخلف
_ في ايه يا ابني انت عمال تولول ليه صدعتنا ؟
مروان بسخرية
_ اهي كملت . غُربان البيين هَل .
شعرت بحزمة من المشاعر الموترة تتفشى في سائر جسدها حين استشعرت حضوره ولكنها لم تلتفت بل ظلت بجانب مروان الذي شعر بما يحدُث فضيق عينيه بمكر تجلى في نبرته حين قال
_ شيري بقولك ايه ما تيجي نقوم نكمل كلامنا جوه. عيب دي اسرار بردو .
استشاط طارق لدى سماعه كلمات مروان وهب غاضبًا
_ أسرار ايه اللي بينكوا دي ؟ و بعدين ماتتكلموا هنا هو انا غريب ؟
مروان بمكر
_ لا طبعًا مش غريب بس دي أسرار بين الأصدقاء و بعدين زي ما بحفظ أسرارك لازم احفظ اسرار شيرين صح ولا ايه ؟
حضوره كان طاغيًا للحد الذي لم يجعلها تنتبه لذلك المكر الذي يقطُر من بين كلمات مروان و انصب اهتمامها على كلمة أسرار فتفشى الفضول بقلبها و قالت باندفاع
_ والله هو طارق كمان عنده اسرار ؟!
مروان ببراءة مُزيفة
_ طبعًا عنده أسرار مش بنى ادم ولا ايه ؟ ماهو زي الهِلف قُدامك اهو . إلا عنده أسرار دي . دا عنده حتة سر هولندي بشعر أصفر و عنين زرقا انما ايه. يالهواي يخربيت ابوها..
اندلعت الحرائق في جوفها فالتفتت بقوة تناظره بأعيُن التمع بهُم الغضب الذي جعله يقول بجفاء
_ ايه يا زفت انت الهبل اللي بتقوله دا ؟ هولندي ايه و شعر أصفر ايه ؟
مروان مُدعيًا البراءة
_ كان احمر باين ؟ ايه دا اه انت سبتها . صح نسيت .
وجه كلماته الى شيرين قائلًا
_ مقولكيش بقى يا بت يا شيري على السر الروسي يالهوااي حاجة كدا نووي . دمار شامل . روسي روسي صناعه محلي يعني .الهي يطفحها .
تجاهل نظرات و تحذيرات طارق بالصمت و خرجت الأمور عن السيطرة فهبت شيرين من مجلسها بعصبية تجلت في نبرتها حين قالت
_ والله و طارق بيه طلع مش سهل و قال و احنا اللي كنا فاهمينه غلط .
اختتمت كلماتها و هربت قبل تتدافع العبرات من مُقلتيها فهب طارق خلفها مُحاولًا أن يراضيها وسط قهقهات مروان المُتشفية و الذي التفت إلى ريتال قائلًا بارتياح
_ احسن كدا الكل يفركش. اومال اقعد اندب حظي لوحدي . لا . نندب كلنا سوى . أما اقوم انكد على جنة وسليم كمان . عشان يبقى الندب للرُكب . بت يا جنة . أنتِ يا أوزعة..
**************
_ صح النوم . يالا يا كسلان ..
همساتها الناعمة ايقظته من غيبوبة النوم التي قضاها بين ذراعيها ليفتح عينيه على مهل و كان أول و أشهى ما رآه هو وجهها الصبوح الذي يُضيء الكون بضحكاته الساحرة و التي تبعث الراحة و الطمأنينة إلى قلبه الذي يشتهي ابعد من ذلك فمد يده في دعوة صريحة إليها لبتها على الفور فاكتنفها بين جنبات صدره الذي كان يضُخ عشقها إلى سائر جسده .
_ يعني حد يسيب القمر دا و يقوم بردو ؟ دا أنتِ الكسل جنبك فضيلة و نعمة …
اخترقت ضحكاتها أذنيه فاطربتها كما اطربتها كلماته الرائعة للحد الذي جعلها تقول بخفوت
_ الحقيقة أن انت اللي وجودك في حياتي اجمل نعمة يا سليم ..
اشتهى الجنة فقبلها بقوة و شغف اذابا عظامها ففصل قُبلته قائلًا بأنفاس مُتهدجة
_ أنتِ لو قاصدة تجنني أمي مش هتقولي كدا ..
لكزته في كتفه برقه وقالت مُعاتبه
_ أُمك ست طيبة ملهاش دعوة بجنانك . دي مواهب مُكتسبة ..
أجابها بوقاحة
_ على ذكر المواهب دانا عندي شويه مواهب مدفونه يا بت يا جنة بس ايه يستاهلوا بقك ..
قهقهت بصخب أطاح الباقي من ثباته و لكنها أوقفت جموحه قائلة بتحذير
_ الوقت اتأخر و زمان الناس عايزة تفطر أجل مواهبك دي لوقت تاني ..
سليم بتذمر
_ ناس مين و فطار مين بقولك مواهب مدفونه مبتطلعش غير للحبايب .
صاحت بتحذير
_ سليم بطل و قوم بقى ..
تلبدت سماءها بالغيوم وهي تُضيف بخفوت
_ و بعدين انا متضايقة ..
اعتدل جالسًا وهي بين ذراعيه التي احتوتها بضمة حانيه و كذلك لهجته حين قال
_ مالك يا حبيبي ؟ ايه اللي مضايقك ؟
لم تفلح في إخفاء التوسل من نبرتها حين قالت
_ سليم هو انا ينفع اتكلم معاك في موضوع مهم . و تسمعني للآخر ؟
_ ينفع طبعًا ..
لم تستطيع احتمال ما بجوفها فاطلقته بوجهه دفعة واحدة
_ أنا عايزة اكتب محمود على اسمك انت ..
للوهلة الأولى لم يستوعب كلِماتها فخرج استفهامه دون وعي
_ ايه ؟
بللت حلقها و قالت بلهجة جافة
_ اللي سمعته. محمود يستحق انه يكونله اب زيك . يستحق أنه يتربى بين أبوه و أمه . تقدر تقولي لما يكبر و يسأل عن أبوه هنقوله ايه ؟ مات ولا عايش و مينفعش تشوفه ؟
ألقت ببارود كلماتها في وجهه الذي امتقع لثوان و تماوجت تعابيره ما بين الغضب الذي ظهر جليًا في عينيه التي أصبحت كبركه من الدماء و بين الحُزن الذي تجلى في قسمات وجهه التي تهدلت من فرط شعوره بالعجز عن إجابتها و أيضاً القسوة التي تجلت في يديه التي تُحيط بها ولكنها لم تعبأ بذلك بل احتوت كل انفعالاته بكفوفها الحانية وهي تقول بنبرة محشوه بالوجع
_ انا عارفه انت بتتألم قد ايه ؟ و عارفه انك اكتر حد حاسس بوجعي . و متأكدة أن جواك نار بتحرقك زي اللي جوايا و مُجبر تخبيها جواك عشان اللي حواليك . بس النار دي هتخلص عليك في يوم . لو انت هتقدر تتحملها عشان هو اخوك انا مش هقدر ..
ابتلع جمرات غضبه الحارق و عجزه المُميت و قال بجفاء
_ أنتِ كدا بتنتقمي منه ؟ بانك تنسبي ابنه لحد غيره ؟
هبت من مكانها قائلة بقهر
_ ميستاهلوش . ابنه اللي حاول يموته وهو في بطني ميستاهلش ضافره ..
همس بنبرة مُلتاعه
_ و انا ؟
لم تفهم مغزى استفهامه فأضاف موضحًا
_ انا فين من انتقامك دا ؟
اقتربت منه بأعيُن التمع بهم العشق و تجلى في نبرتها حين قالت
_ انت أحسن حاجه حصلتلي في حياتي . الحاجه الوحيدة اللي منعتني اني اطلع بروحه في أيدي اول ما شفته و عرفت أنه لسه عايش ..
تبدلت نظراتها حين أطلقت جُملتها الأخيرة فناقضت برائتها و هاله ما بها من انتقام و بُغض جعله يقول باستفهام
_ لو حازم قدامك ممكن تخلصي عليه يا جنة ؟
هبت باندفاع و لهجة مُدججة باللوعة و القهر
_ اكيد هخلص عليه. هاخد روحه بايدي و مش هندم لحظة واحدة.
بهتت ملامحه حين رآى انفعالاتها و تبدل حالها من تلك الفتاة الرقيقة إلى النقيد و لكن جاءت كلماتها المُعذبة لتُلقي به في غياهب الألم
_ انا منستش يا سليم . كل العذاب و القهر اللي شوفته من يوم ما عمل اللي عمله فيا لسه فكراه و فاكرة قهره قلب فرح و وشها اول ما فوقت من الحادثة . فاكرة احتقارك و احتقار أهلك ليا من اول يوم دخلت فيه بيتكوا ، فاكرة لما ماما أمينة عرضت عليا فلوس كأني واحدة من الشارع عشان أسيب ابني . انا فاكرة كل حاجه يا سليم . انا مبلومش على حد فيكوا. ولا شايله في قلبي منكوا . بس مش قادرة انسى و خصوصًا بعد ما شفته قدامي عايش .
صمتت لثوان تُحاول التحكم في سيل العبرات الذي يتسابق في الهطول من حدقتيها ثم تابعت بنبرة مغلولة
_ حتى لو عملتوا في اي . لو عاقبتوه بأيه ؟ مش هيطفي ناري القايدة جوايا .
لأول مرة بحياته يختبر ذلك الشعور المرير بل مُميت يقف بصمت يُتابع انهيارها و عذابها و لوعة قلبها و هو عاجز حتى عن كفكفة عبراتها . فهُناك ماهو أشد و اقسى بجوفها ولن تُخمِده أو تُهدئ من فداحته ايًا من محاولاته معها .
لم تعُد الأرض تحمله ولم يعُد يستطيع الصمود أمام انهيارها و وجعه أكثر فتوجه الى الحمام مرورًا بها فأوقفته يديها التي قبضت على خاصته بقوة تجلت في نبرتها حين قالت
_ رايح فين ؟ مش هتسبني يا سليم . صح ؟
رفع عينيه التي عاتبت عينيها بقسوة و جاءت لهجته مُشبعه بالوجع حين قال
_ مش هسيبك يا جنة حتى لو كان وجودي زي عدمه بالنسبالك ..
امتقع لونها جراء كلماته التي توحي بمقدار ألمه الهائل و فهمه الخاطئ لحديثها فاندفعت تُعانقه بكل ما أوتيت من عشق تجلى في نبرتها التي جاءت من بين انهيار عظيم
_ اوعى تقول كدا . انا عايشه عشانك . من غيرك كان زماني موت أو انتحرت . انت بتجري في دمي. بس انا غصب عني . في نار جوايا يا سليم .
حاوطتها يديه بحنو لم تُفصِح عنه شفتيه انما اكتفى بمواساة صامتة لم تكفي لوع قلبها فانتزعت نفسها من بين ذراعيه تقول بانفعال
_ انت زعلان عشانه صح ؟ زعلان عشان اخوك ؟ قولي متخبيش . ماهو اخوك بردو..
كانت تتحدث بعشوائيه تُنافي جموده و ثباته حين أجابها
_ هو فعلًا اخويا يا جنة . سواء قبلت دا أو رفضته اخويا.
اشتد سواد عينيها و غلفتها طبقة من الحقد و صاحت بنبرة مغلولة
_ و دا اللي مخليك ترفض تكتب محمود على اسمك ؟
استهلك جميع طاقته في استجداء الصبر الذي لم يكُن أبدًا من شيمه لكي لا يصرُخ حتى تتهدم الجدران من حولهم و قال بجمود يُحسد عليه
_ انا مش هقدر اعمل كدا عشان دا حرام . اني انسب طفل ليا و أبوه عايش بالرغم اني اتمنى من كل قلبي لو كان ابني فعلًا
استفهمت بلهجة حادة
_ يعني ؟
سليم بجمود
_ يعني مش هرتكب ذنب زي دا . ولو مش مصدقه أنه حرام يالا نروح دار الإفتاء و أسألي هناك..
تنحى آخر شعاع للعقل برأسها و قالت بانفعال
_عشان حرام ولا عشان هو أخوك ؟
سليم بثبات يُهدد بالانهيار في أي لحظة
_ عشان حرام …
اندفعت تلكمه في كتفه بغل تجلى في نبرتها حين قالت
_ و اللي حصلي مش حرام ؟
تسلل القهر إلى لهجته حين قال
_ حرام . قوليلي ايه ممكن اعمله عشان اصلح اللي حصل .
تسللت السخرية المريرة إلى لهجتها حين قالت
_ لا كتر خيرك لحد كدا . انت شيلت الشيلة كامله و صلحت غلطته و اتجوزتني….
على حين غرة جذبتها يديه تُلصقها بسياج صدره بقسوة غير معهودة بل غير مقبوله فقد شعرت بأن ضلوعها تحطمت جراء حركته المُباغته و لكن جاءت لهجته أشد وأقسى حين قال مُحذرًا
_ إياكِ تعيدي اللي قولتيه مرة تانيه . و إلا هتزعلي مني و هتشوفي مني وش ماحبش انك تشوفيه ..
لم تعي ما تحمله كلماته من غضب لأجلها و لأجل ذلك التشبيه المقيت و الوضع المُشين الذي تضع نفسها تحت طائلته فقد كان العقل غائبًا و أبخرة الانتقام تتراقص أمام عينيها مما جعلها تنتزع نفسها من بين يديه بقسوة تجلت في نبرتها حين قالت
_ معتقدش انك لسه عندك حاجه وحشة انا مشوفتهاش . بس تصدق انت دايمًا بتبهرني . و خصوصًا لما الموضوع يتعلق بحد من أهلك . بتتحول . يا بختهم بيك والله..
بشق الأنفس استطاع تجاوز غضبه وجراحه الهائلة وقال بلهجة غليظة
_ لو هما اهلي ف أنتِ أنا يا جنة .. افهميها علي مهلك..
القى جُملته و تجاوزها قاصدًا الهروب من تلك الحرب التي كان قلبه اول ضحاياها فإذا بها تُلقي به إلى التهلُكة بكلماتها القاسية
_ في المستشفي يوم ما ولدت وعدتني تجيبلي حقي من اللي ظلمني . و اهو اللي ظلمني طلع عايش . هاتلي حقي منه . و اعرف اني مش هبقى انت ولا هنتمي ليك بعد النهاردة إلا لما تجبلي حقي منه يا سليم .
توقف الزمن به لوهله شعر بها بأن الكون بأكمله ضاق به حتى أنفاسه أصبحت ثقيلة على صدره والتفت يُطالِعها بنظرات هي القهر بعينيه ثم قال مُستفهمًا
_ يعني ايه يا جنة ؟
لم تقصد تلك القسوة التي تضمنتها لهجتها حين قالت
_ افهمها على مهلك ….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى