روايات

رواية ضروب العشق الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الجزء الثالث والعشرون

رواية ضروب العشق البارت الثالث والعشرون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة الثالثة والعشرون

استدار موليًا إياها ظهره وقبل أن يخطو خطوة واحدة استوقفه صوتها وهي تقول :
_ على فكرة محصلتش حاجة بينا أنا لسا عذراء !!
سمرته الدهشة للحظات طويلة ، كيف عذراء وماذا عن الصور الذي رآها الجميع !! .. التفت بجسده كاملًا لها من جديد وهتف بذهول ملحوظ :
_ نعم !!!
ميار بنبرة صادقة واستحياء بسيط :
_ أيوة محصلتش حاجة أكتر من اللي في الصور
هيمنت عليه الدهشة لخمس ثوان وهو يحدجها ساكنًا تمامًا وعيناه تطلق تساؤلات كثيرة وعقله يرفض تصديقها ويقنعه بأنها كاذبة وفقط تفعل ذلك حتى تخرج نفسها من الوحل الملطخ بشرفها ، وقد استمع لصوت عقله الذي يردد ” كاذبة لا تدعها تخدعك ” فرأت ضحكة مستهزئة تنطلق من بين شفتيه ونظرة وضيعة استقرت بعيناه ، ثم خرج صوته صلب بجراءة :
_ لا والله ! .. محصلش حاجة !! ، امال قضيتوا الليلة إيه بقى !!!
صدمها رده الجريء والصارم غير المتوقع فخجلت وسرعان ما اجفلت نظرها عنه بارتباك ، ليلقى هو عليها نظرة ساخرة ونافرة ثم يستدير ويتجه نحو فراشه ليتسطح عليه ويسحب الغطاء على جسده ، فظلت هي واقفة تتطلع إليه وبعيناها تجول بين ارجاء الغرفة تبحث عن مكان لتنام فيه وحين وقع نظرها على الشيء الوحيد الموجود وهو الأريكة فأبت بشدة أن تنام على هذه الأريكة غير المريحة والصغيرة ، رجعت بنظراتها التائهة له لترى شفتيه تبتسم ببرود وعدم مبالاة ويشير بعيناه على الأريكة هاتفًا بقسوة :
_ كان نفسي اتنازل واخليكي تنامي مكاني بس أنا مستنضفش إنك تنامي على سريري أصلًا
تشربت إهانته اللاذعة لها بنفس منكسرة ثم انحنت إلى حقيبتها المسنودة على الأرض وفتحتها لتخرج لها ملابس حتى تبدل هذه العبائة التي باتت تخنقها وذهبت للحمام وبعد دقائق خرجت وهي ترتدي بيجامة منزلية مريحة فوجدته اغمض عيناه ويبدو أنه انخرط في النوم .. توجهت نحو الأريكة ومددت جسدها عليها مغمضة عيناها محاولة النوم بعد كل ما مرت به منذ الأمس حتى الآن !! ………
***
في صباح اليوم التالي …..
ترجلت يسر من سيارتها التي اشتراها لها أبيها حديثًا ، وقادت خطواتها نحو ذلك المقهى الصغير وبعدما عبرت الباب وقفت تتنقل بنظرها بين الجالسين باحثة عن أحدهم ، فابتسمت فورًا بعذوبة حين رأتها تلوح لها بيدها فتحركت إليها وسحبت المقعد المقابل لها وجلست قائلة باعتذار لطيف :
_ اتأخرت عليكي مش كدا
_ لا أنا يدوب جاية من عشر دقايق .. احكيلي بقى حصل إيه
قالت جملتها الأخير بجدية تامة وفضول ، لتطلق يسر تنهيدة طويلة وتقول بمرارة :
_ طلقني
اطالت ريم النظر في عيناها بوجه عابس ومشفق ثم مدت يدها وامسكت بكفها متمتمة في نقم على ذلك ” الحسن ” :
_ ده الافضل ليكي يايسر ، إنتي مخدتيش منه حاجة غير وجع القلب ، هو مستاهلكيش ولا يستاهل حبك ليه وحتى حزنك عليه ميستهلهوش
غامت عينان يسر بالعبارات وقالت بصوت مبحوح :
_ اللي واجعني ياريم إنه كان كاره ابنه لمجرد إنه مني .. أنا كنت عارفة إنه بيكرهني بس متوقعتش للدرجة دي ، ده كان بيقولي هسقطك أنا لو منزلتهوش
استشاطت ريم غيظًا وبغضًا عليه حيث هتف بغضب عارم :
_ وهو كان ميستهلهوش أصلًا الطفل ده ، ده واحد حيوان معندهوش قلب أنا مش فاهمة إزاي حبيته لا وبعد ده كله لسا بتحبيه
فرت دمعة حارة من عيناها .. تكره قلبها الذي يرفض الاستماع لها ويصر على هذا العشق الذي أمات الكثير في داخلها .. هي ترغب في بغضه أكثر منهم ولكنها لا تستطيع ، تتمنى أن تتحرر من تعويذته وتحلق حرة في السماء ، وتتزوج من رجل آخر يستحقها ويستحق حبها له ويكون تمامًا كما تود ، ولكن ليس بسلطان على القلب !! .
يسر بأعين دامعة ونبرة يائسة :
_ حاولت كتير ياريم اطلعه من قلبي معرفتش وعارفة إنه ميستهلش ذرة من الحب ده
_ هتكرهيه يايسر أنا متأكدة وإياكي تسمحيله يتلاعب بمشاعرك تاني لو حاول يرجعلك ، اقنعي نفسك إنك بتكرهيه ومع الوقت هتكرهيه بالفعل صدقيني
مدت يسر اناملها وجففت دموعها متمتمة ساخرة ونظرة حازمة لا تحمل المزح :
_ ومين قالك إني هسمحله أصلًا .. من هنا ورايح هيشوف يسر مختلفة تمامًا ، هخليه في كل لحظة يحتكر نفسه وهعرفه حجمه بجد ، لإني كنت مدياه قيمة وحجم أكبر من حجمه وهو أساسًا نكرة
تأففت ريم بعبوس من هذا الحديث السلبي والمثير للأعصاب فأردفت باهتمام ونبرة حانية :
_ طمنيني عليكي إنتي كويسة يعني مش حاسة بأي تعب ؟!
رسمت ابتسامة منطفئة على شفتيها وهمست بهدوء :
_ لا متقلقيش الحمدلله كويسة واطمني خطتنا ماشية زي ماهي ومحدش هيعرف حاجة
هزت ريم رأسها بالإيجاب وهي تبادلها الابتسامة وتربت على كفها برفق وحنو كنوع من إبعاث الطمأنينة وبعض المشاعر الإيجابية لنفسها البائسة !! ………
***
بمكان آخر في مدينة ( مرسى مطروح ) تحديدًا في إحدى الفنادق الفاخرة ، قد وصل زين بصحبة زوجته بعد رحلة سفر طويلة قليلًا ……
ترجلت ملاذ من السيارة أولًا ورفعت رأسها لأعلى تقيس طول ذلك الفندق الضخم بينما هو فالتف لحقيبة السيارة الخلفية وأخرج منها حقيبة ملابسهم السوداء ورفع ذراعها لأعلى يجرها خلفه وهو يشير لها برأسه أن تتحرك فسارت معه فورًا وهي لا تتمكن من اخفاء ابتسامتها التي كانت عريضة وواسعة على شفتيها ولكن نقابها يخفيها عن أعين الناس .. سارت بجواره حتى وقفوا أمام الاستقبال وأخذ هو يتحدث معهم وهي تتفحص الفندق الساحر من داخله ، كانت فرحتها كفرحة طفل صغير اتى لقضاء عطلة نهاية السنة مع عائلته .
لم تعرف كم مر من الوقت وهي تتجول بنظرها بين ارجاء الفندق وتتابع حركات الناس ، الذي كان بعضهم نساء أجنبيات ويرتدين ملابس قصيرة وفاضحة فكانت ترمقهم بنظرات متقرفة بها القليل من كيد النساء على مياعتهم في سيرهم ، وبتلقائية نظرت لزين فوجدته يتحدث مع الرجل الذي يقف في الاستقبال بجانب الفتاة التي كانت لا ترفع نظرها عن زوجها فحدجتها بنارية فانتبهت الفتاة لها ولنظرتها الملتهبة وعلى الفور اشاحت بنظرها عن زين .. اقتربت ملاذ من زين ورتبت على كتفه برفق فاحني رأسه لمستواها لتهمس هي في أذنه باختناق :
_ يلا يازين أنا تعبت من الوقفة
_ حاضر ثانية
عاد بنظره للرجل مجددًا وأخذ منه الكارت الخاص بالدخول لغرفتهم وتحرك هو قبلها فالقت ملاذ نظرة مستشيطة أخيرة على تلك الفتاة ثم لحقت به .. وقفا أمام المصعد الكهربائي حتى فتح وانتظرها حتى دخلت هي أولًا ومن ثم هو ، انغلق الباب وبدأ المصعد في الصعود فرفعت النقاب عن وجهها وهي تقول بضيق :
_ إنت ملقيتش غير الفندق ده !
_ لا في كتير أكيد بس الخدمة في الفندق ده كويسة جدًا ومريحة ، إنتي معجبكيش ولا إيه ؟
هتفت بغيظ وغيرة ملحوظة :
_ لا عجبني بس مش عاجبني البنات اللي فيه
رمقها بنظرات مستعجبة ومستفهمة فأكملت هي باندفاع :
_ البنت الغلسة اللي في الاستقبال دي ، ولا البنات الاجانب اللي لبسهم حاجة مقرفة
انفتح باب المصعد فانزلت نقابها على وجهها فورًا وخرجوا ، وسمعته يهتف باسمًا باستنكار :
_ ملاذ دي مدينة ساحلية وسياحية فلازم هيكون في سياح في الفنادق ، أنا متعود وبروح دايمًا أماكن زي كدا بسبب الشغل أحيانًا
وصلوا أمام الغرفة فرفع الكارت وادخله في قفل الباب واخرجه ثم امسك بالمقبض واداره لينفتح ويدخل ثم هي التي اغلقت الباب خلفها وسمعته يهتف شبه ضاحكًا :
_ أول مرة دخلت فنادق في الغردقة تقريبًا كان مع بابا من سنين ومكنتش متوقع إني هلاقي المناظر دي فدخلت بنية صافية طبعًا وبمجرد ما بصيت وركزت في أشكال البنات واللبس ذهلت وصممت بعدها إني همشي ومش هقعد في الفندق ده فبابا بهدلني وقتها وقالي إنت هتمنع الناس تلبس اللي هي عايزاه وغصبني اقعد معاه كنا جايين لشغل وكان عندي وقتها 25 سنة ، بس ومن ساعتها حرمت بقيت لما ادخل أي فندق مبرفعش عيني ومبصش على حد نهائي عشان مشوفش المناظر اللي تقرف دي تاني
نزعت حاجبها ونقابها عنها تمامًا والقت بهم على الفراش المتوسط لتكشف له عن وجهها المبتسم بساحرية وتقترب منه ثم تلف ذراعيها حول رقبته متمتمة بدلال انوثي رقيق :
_ إنت عندك مشكلة واحدة تعرف إيه هي ؟
اخفض نظره ليديها الملفوفتين حول رقبته فمالت شفتيه لليسار بخفة وعاد بعيناه لها مجددا يجيبها بفضول :
_ إيه ؟!!
التصقت به أكثر وهي ثتبت ذراعيها حوله جيدًا وتكمل بدلال أشد من سابقة :
_ إنك قمور !! ، وفي الآخر تاجي واحدة زي البنت الملزقة اللي في الريسبشن تحت وتبصلك
غضن حاجبيه باستغراب حقيقي وهدر :
_ بنت !!! .. طيب هتصدقيني لو قولتلك إني مخدتش بالي إن في بنت واقفة أصلًا والله
تحولت نظرته من الرقة إلى الحدة ونبرتها أصبحت مستاءة وكلها غيرة وهي تتشدق :
_ كانت بتصبلك وشغالة تبتسم زي المعزة ! ، قومت أنا زغرتلها بعيني فاتعدلت علطول ، هما كدا الناس دي مينفعش معاهم غير العين الحمرا
رفع حاجبه وخرجت منه ضحكة بسيطة على تشبيها للفتاة بـ ” المعزة ” وقولها ” زغرتلها ” !! ، لا ينكر سعادته بغيرتها التي يراها للوهلة الأولى واقترابها وتدللها عليه الذي اطلق سهامه في قلبه بقوة ! .
زين بابتسامة عريضة وشبه مستنكرًا :
_ معزة وزغرتيلها !!!!!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبادله الابتسامة الناعمة وقد شعرت به يلف ذراعيه حول خصرها يضمها إليه أكثر وعلى عكس المعتاد لم تخجل منه بل شقت ابتسامتها الطريق أكثر وكادت أن تصل لأذنيها من فرط السعادة ، وأكمل هو متسائلًا بحيرة ومتلذذًا بحرارة الحديث :
_ زغرتيلها إزاي بقى ؟!!
_ كدا
وسعت بؤبؤي عيناها بصرامة وضمت شفتيها تمدهم للأمام قليلًا فخرجت لوحة وجهها طفولية وكوميدية وهذا ما كانت تسعى له حيث سمعت صوت ضحكته الرجولية التي انطلقت وجلجلت الغرفة فعاد وجهها لطبيعته ورُسمت الابتسامة على شفتيها بتلقائية وهي تراه يضحك وتأملته بأعين مغرمة حتى وجدته يفلت ذراعيه من حول خصرها ويقول والابتسامة لا تزال تزين شفتيه الجميلتين :
_ لا عجبتيني ! .. أنا هروح اخد حمام سريع عشان اريح جسمي من تعب السفر
ابتعد عنها واتجه إلى الحمام بينما هي فظلت متصلبة بأرضها مكانها تحدق على آثاره بعشق !! ……
***
كانت تجلس تشاهد التلفاز على إحدى قنوات التلفاز المعروفة وتعرض مسلسلًا مصريًا كلاسيكي ، تارة تصدر تفاعلًا بضحكة بسيطة وأخرى تصبح ملامحها جامدة ، وبلحظة عابرة تذكرته وأنه لم يخرج من الغرفة منذ أن استيقظ فاستقامت من مكانها وذهبت لغرفتهم فسمعت صوت منبعث من الحمام ، تحركت نحو الحمام الذي كان مفتوحًا ورأته يقف ويلف حول رقبته منشفة صغيرة وبيده آلة الحلاقة وقد وضع على لحيته ذلك الشيء الأبيض الذي لا تعرف ماذا يسمى ولكنه حسب اعتقادها أنه يخفف ألم ازالة شعر اللحية ، وبمجرد ما وقعت عيناها عليه فغرت فمها مندهشة وقالت :
_ إنت هتحلق دقنك !!!
نظر لها كرم بعينان متعجبة وأماء لها بالإيجاب ليسمعها تكمل بانزعاج وتوسل وقد دخلت ووقفت بجواره تمامًا :
_ لا متحلقهاش شكلك حلو بيها أوي والله
عاد يرفع الآلة لذقنه ويقول بهدوء :
_ أنا متعود كل فترة بحلق دقني
قبضت على يده قبل أن يضع الآلة على وجهه تنهاه بلطف وبأعين دافئة بعد أن قفزت في عقلها فكرة لطيفة :
_ لا لا متحلقهاش .. بص أنا هعملك حاجة حلوة وهتنعشك ، إيه رأيك ؟
_ حاجة إيه دي ؟!!!
اردفت بحماس ملحوظ في نبرتها ونظرتها :
_ اغسل وشك الأول بس !
اطال النظر في وجهها بريبة وسكوت ويفكر فيما تريد فعله ويطرح العديد من الأسئلة ولكنها نكزته في ذراعه برفق تحسه على فعل ما طلبت للتو ، ليأخذ نفسًا عميقًا ويحنى رأسه على صنبور الماء ويبدأ في غسل وجهه .. وبعد أن انتهى رآها تمسك بكفه وتسحبه خلفها هاتفة :
_ تعالى في الحمام اللي برا هنا مش هينفع
ضيق عيناه بحيرة ورغمًا عنه عصفت في ذهنه فكرة منحرفة ليقول لها مستفهمًا بنبرة تحمل الاستنكار :
_ هو إيه ده اللي مش هينفع هنا !!!
_ تعالى بس !
سار معها مغلوبًا على أمره حتى وصلوا للحمام الخارجي وفتحت الباب وقد كان حمامًا واسعًا به حوض استحمام واسع وحوائطه من اللون البني الفاتح وفي آخره مرآة كبيرة واسفل المرآة بالضبط حوض شامبو متوسط الحجم من اللون الأسود وأمامه مقعدًا وثير وطويلًا بعض الشيء .
لم تمهله اللحظة ليحاول توقع ما يدور في ذهنها وإذا به يجدها تجذبه مجددًا من يده وتجلسه على ذلك المقعد ، ثم ابتعدت عنه لتجلب شامبو خاص فسمعت صوته الغليظ وهو يتأفف بنفاذ صبر ونبرة حانقة :
_ شفق ممكن تفهميني بتعملي إيه عشان أنا بدأت اتعصب !
عادت له وقالت في رقة وبمشاكسة :
_ إنت بقيت بتتعصب على أي حاجة الفترة دي أساسًا.. إنت مش كنت بتقول لما صحيت من النوم إنك مصدع وراسك وجعاك ، انا بقى هعملك مساج بس بطريقة مختلفة
خرجت نبرته الخشنة والحازمة :
_ وإيه الطريقة المختلفة دي بقى !!
اغتاظت من طريقته الجافة بالرغم من أنها تعرف أن مزاجه معكر منذ الصباح الباكر ولكنها ابدت عن احتجاها على طريقته حيث زمت شفتيها باغتياظ وهتفت ممتعضة وغاضبة :
_ إنت بتكلمني كدا ليه يعني ده جزاتي إني عايزة اخففلك الصداع اللي عندك
ثم استدارت بكامل جسدها توليه ظهرها وقبل أن تهم بالرحيل قالت في خنق وعبوس :
_ خلاص طالما إنت مضايق مش هعمل حاجة .. وآسفة إني عصبتك ياكرم بيه
رفع حاجبه اليسار باحترافية واجابها مستنكرًا باندهاش :
_ بــيــه !!!!
وجدها ستهم بالانصراف حقًا ولم يكن غضبها تدللًا كما ظنه للتو ، بل كانت ملامح وجهها البريئة تثبت أنها استاءت بالفعل من حدته معها ، وبسرعة اعتدل في جلسته ومد ذراعه يجذبها من يدها برفق متمتمًا باعتذار جميل :
_ خدي خلاص أنا آسف متزعليش ، مكنش قصدي والله !
رمقته بطرف عينها بنظرة متضايقة وسرعان ما اشاحت بوجهها للجهة الأخرى محتجة عن الكلام معه ، فضيق عيناه باستغراب وقال بحنو :
_ تعالى يلا اعملي المساج اللي قولتي عليه ده
ابعدت كفه الذي يقبض على رسغها وعقدت ذراعيها أمام صدرها مردفة بتذمر طفولي بعض الشيء :
_ واعملك ليه ما إنت مش طايقني ولا طايق مني كلمة !!
بات يفهم مدى تأثير ابتسامته عليها فاتخذها كسلاح في هذه اللحظة وابتسم لها بساحرية هامسًا في دفء :
_ تعمليلي عشان أنا عايز وبطلب منك أهو .. ممكن ؟!
سحق سخطها ومحاه برقته وابتسامته كأنه لم يكن ، وكالعادة فشلت هي في إخفاء ابتسامتها التي صعدت لشفتيها تدريجيًا وقالت باستحياء بسيط وابتسامة جانبية :
_ ماشي !
استرخي في جلسته تمامًا ورجع برأسه للوراء يضعها بالجزء المخصص في الحوض لوضع الرأس وأغمض عيناه لتبتسم هي بعاطفية وتقترب منه ثم تبدأ أول شيء بالماء الدافيء الذي وضعته على شعره البني والناعم ومن ثم سكبت القليل من الشامبو على يدها وبدأت تغلغل أصابعها بين خصلات شعره وتارة تبسطها وتفتحها بين خصلاته وتارة تدلك رأسه بكامل الرفق واللين ، وتثبت نظرها عليه تنتظر منه أي ردة فعله ولكنه كان مستسلمًا لها تمامًا ويغمض عيناه وبتلقائية ابتسمت حين رأت شفتيه تميل للجانب قليلًا كدليل على استمتاعه بما تفعله فقالت في صوت انوثي خافت :
_ هااا إيه رأيك ؟!
اتسعت ابتسامته وغمم دون أن يفتح عيناه حتى لا يفسد لحظات تلذذه واسترخائه :
_ اممممم كملي .. شكلي هخليكي تعمليلي البتاع ده كل يوم !
قهقهت ببساطة وقالت مداعبة إياه :
_ بتاع !! .. ده مساج للشعر وليه فوايد كتير منها تخفيف الصداع والآم الرأس والتخلص من التوتر والعصبية ، وحط خطوط كتير تحت العصبية دي هااا !!
سمعت صوت ضحكته المنخفضة وفتح عيناه الرمادية يطالعها بلطف ويتمتم وهو يشاركها حس الداعبة :
_ في دي معندكيش حق .. بقى أنا عصبي !!
هزت رأسها بالنفي قائلة بوجه مشرق ويداها لا تزال تعمل في تدليك فروة شعره :
_ لا فشر ده إنت كيوت
عاد يغمض عيناه من جديد وهو يضحك لتكمل هي جلسة تدليكها ببطء شديد واحترافية لكل جزء في رأسه حتى عنقه .. بينما هو في كامل استرخائه .. كانت تقف بجانبه مباشرة ولا يفصلهما عن بعض شيء وتنحني بجزعة للأمام حتى تتمكن من رأسه وتستطيع القيام بالمساج بدقة ، واقترابها الحميمي منه اشعره بانفاسها الدافئة تلفح صفحة وجهه ورائحة العطر النسائي المثير الذي نثرته على ملابسها تغلغل إلى انفه فهيج بداخله مشاعر مختلطة وحاول بصعوبة عدم التركيز على رائحتها أو انفاسها وإذا به يجد شعرها الذي تحركت خصلاته للأسفل على وجهه بسبب انحنائها ودغدغدته ففتح عيناه ورفع يديه من الجهتين لشعرها باضطراب بسيط د وارجعه للخلف يثبته جيدًا على ظهرها حتى لا يتحرك مجددًا وهو يرمقها في ابتسامة شبه خفية فبادلته هي أياها بنفس مشاعر الاضطراب !!! .
استمرت جلسة المساج إلى ما يقارب العشرة دقائق ثم بدأت تغسل شعره بالماء وتعاود تدليكه لدقيقتين بالضبط وتعود تغسل بالماء مجددًا وأخيرًا جذبت المنشفة ورفع هو رأسه قليلًا عن الحوض فوضعت المنشفة على شعره تجففه بإحكام ورفق شديد .
شفق بنبرة رقيقة وأعين جذابة :
_ يارب يكون الصداع خف شوية
قال بضحكة خفيفة :
_ أنا نسيت أصلًا إني كنت مصدع .. بس ياترى بقى عندك كام موهبة تاني ياشفق هانم
تشدقت مشاكسة إياه بشيء من الفخر وهي تضحك :
_ كتيييير مبعدش ياجيمي !!!
انطلقت منه ضحكة مرتفعة نسبيًا لتتابعه هي بأعين تطلق شرارات العشق المتيم ! ………….
***
داخل منزل طاهر العمايري ……..
كان علاء يقف أمام المرآة يهندم ملابسه ويستعد للخروج غير منتبهًا لنظرات ميار له وهي تحدجه بشيء من الخنق والقرف وحين لاحظ عيناها التي تتابعه فالتفت برأسه لها في أعين ثاقبة كالصقر وسرعان ما اشاحت بوجهها للجانب الآخر في ارتباك امتزج بالخوف ، فعاد هو بنظرة للمرآة مجددًا وسمعت صوته الأجش وهو يقول بلهجة آمرة لا تقبل النقاش :
_ عشان يكون في علمك خروج من البيت مفيش ولو شميت خبر إن رجلك عتبت برا عتبة البيت محدش هيرحمك مني لا عمك ولا غيره
رمقته بطرف عيناها مستنكرة وهمست بصوت لا يسمع :
_ وجاي على نفسك كدا ليه ماتحبسني في الأوضة احسن
استمع إلى همهمات خافتة تخرج من بين شفتيها فقال بتدقيق وصرامة :
_ بتقولي حاجة ؟!
ثبتت نظرها عليها واردفت بنبرة محتجة :
_ بقول ليه ؟ .. إيه السبب إنك تحبسني في البيت ؟!!
لاحت ابتسامة متشفية على شفتيه وقال بقسوة ملحوظة في نبرته ونظرته :
_ مزاجي كدا ! ، عندك اعتراض ؟!!!
حدقت به باستفهام فهي حقًا لا تفهم سبب تعامله القاسي معها بهذا الشكل بالتأكيد هو لا يهتم لأمر الخطأ الفادح الذي ارتكبته وحتى إن كان يهتم فلا يحق له أن يعذبها على هذا الشكل .. كانت هذه الكلمات تدور جميعها في حلقة واحدة ولا تفهم لهم أي سبب وقررت ان تواجهه بما يدور بداخل عقلها حيث قالت بشجاعة بسيطة :
_ إنت بتعمل معايا كدا ليه ؟!
سؤالها كان في المكان والوقت المناسب تمامًا حيث ابتسم بنظرات شرانية واستدار ناحيتها بجسده كاملًا ثم تحرك إليها وجلس على حافة الفراش أمامها متمتمًا في نبرة مريبة دبت الرعب في أوصالها :
_ بعمل كدا ليه ؟! .. سؤال حلو وأنا كنت منتظره منك ! .. متفتكريش إني بعمل كدا عشان اللي عملتيه ولا بعاقبك عليه والكلام العبيط ده ، أنا أساسا ميهمنيش ولو قولتيلي دلوقتي إنك حامل من الـ**** اللي عملتي معاه العلاقة برضوا مش هيفرق معايا .. كل ما في الموضوع إني مش طايقك وقرفان منك واتجبرت اتجوزك عشان سمعة عيلة العمايري اللي احنا منتشرفش إن يكون عندنا بنت في العيلة فـ **** زيك
خنجر مسموم رشقه في يسارها بكلماته التي لا تحمل أي رحمة أو رفق ، فكتم صوتها ولم تجد ما تقوله فقط شعرت بالدموع تتجمع في مقلتيها وطال صمتها للحظات وهو يحدقها بنظراته المشمئزة منها حتى قالت بصوت يغلبه البكاء :
_ وأنا قولتلك إمبارح إن محصلش حاجة بينا !
خرج عن اطار الهدوء حيث صاح بها بصوت جهوري :
_ كذااابة ياميار ومش مصدقك ومش هصدقك
انسابت دموعها على وجنتيها غزيرة وهي تجيبه بنبرة ضعيفة :
_ أنا مش كذابة ياعلاء
لوى فمه باستهزاء وبداخله ليس هناك ادني شك بأنها تكذب ، فقط لتكسب تعاطف الجميع .. وقرر إنهاء هذا الحديث بجملة يعلم أنها ستسكتها تمامًا .. انحنى للأمام إليها وخرج صوته خافتًا وجريئًا وهو يقول متغطرسًا :
_ طيب تحبي اتأكد بنفسي !!
دق قلبها دقاته بقوة وارتبكت ودون أن تجيب عليه استقامت واقفة بأعين زائغة واسرعت نحو الحمام تختبيء منه فابتسم هو ساخرًا عندما تأكد بأنها تكذب !! ……….
***
غربت الشمس وارتفع ضوء القمر في السماء ليزينها بأجمل وابدع لوحة رسمها الخالق عز وجل …..
… بمدينة ( مرسى مطروح ) …..
داخل غرفة أبطالنا كان يجلس على الفراش الواسع وبيده المسبحة المكونة من 99 حبة ، وكلما يردد ( سبحان الله ، والحمدلله ، ولا إله إلا الله ، والله اكبر ) يعود بحبة من الحبات للوراء واستمر هكذا لدقائق طويلة حتى قطع تسبيحه وهو يهدر بنفاذ صبر على تلك القابعة في الحمام منذ مايقارب العشرين دقيقة :
_ يـــــلا ياملاذ !!
_ حاضر طالعة أهو
لحظات قليلة وخرجت له وهي ترتدي رداء فضفاض من اللون الأسود المنقط بالأبيض ونقابها الماليزي يأخذ نفس لون خمارها وهو الفوشيا الغامق مما زادها عفة وجمالًا ، فرأت ابتسامة دافئة تنطلق على شفتيه ولكنها اختفت تدريجيًا عندما دقق النظر في وجهها جيدًا ، ووجدته يستيقم واقفًا ويتقدم نحوها حتى رفع حاجبه وهو يثبت نظره على أحد أجزاء وجهها ألا وهو شفتيها ، وعلى الفور قفذت في عقلها ذكر يوم قرآنهم عندما أخذها لمكتبته الخاصة في العمل .. ولاضطرابها لم تركز جيدًا في نظرته حتى تفهم إن كانت نظرة حازمة ومستاءة أم تضمر الإعجاب خلفها حيث هتفت بتلعثم :
_ من غير ما تقول أي حاجة همسحه خلاص !!
همت بالاستدارة والفرار إلى الحمام فاستوقفتها يده التي قبضت على ذراعها ترغمها على الوقوف وهو يقول بنبرة تحمل في طياتها إشارات الغرام :
_ لا متمسحهوش شكله حلو عليكي !
تسارعت نبضات قلبها واحست به يتراقص حجلًا وفرحًا في مسكنه ودون أي درجة من التحكم صعدت الابتسامة لشفتيها بعفوية لتستدير له وتحاول إخفائها في محاولة بائسة هامسة بترقب لرده :
_ يعني مش مضايق زي المرة اللي فاتت
خرج صوته هادئًا وحانيًا به شيء من الخشونة :
_ يوم الفرح أنا اتعصبت عشان إنتي كنتي حاطة مكياج وأمة لا إله إلا الله بتتفرج عليكي لكن دلوقتي الوضع يختلف إنتي منقبة واللي حطاها ده حطاه ليا أنا بس ومحدش هيشوفك
ازدردت ريقها باستحياء ملحوظ وقد توردت وجنتيها ففكرت في الهرب من هذا الوضع وتحدثت ولكن لسانها المتلعثم لم يسعفها :
_ ط.. طيب مش هنمشي ولا إيه !
ضحك بخفة حين ادرك خجلها ، ورفع يده ينزل نقابها على وجهها مجيبًا إياها في لطف :
_ يلا
غادرت معه الغرفة ومنها الفندق بأكمله لتستقل بسيارته وينطلق هو بها يشق الطرقات قاصدًا قاعة الأفراح الذي سيقام فيها حفل الخطبة الخاص بأحد اصدقائه .
سارت معه وهي تشبك ذراعها بذراعه كنوع من إظهار الملكية أمام جميع أنظار الفتيات المعجبة ، حتى وجدته يقف أمام رجل كهل في العمر يبدو أنه والد العريس وعانقه عناق حار يهنئه على حفل خطبة ابنه بأدب ولطف ، رأت ذلك العجوز ينظر لها ويقول بتهذيب ونبرة كلها مودة مرحبًا بها في عذوبة :
_ أهلًا وسهلًا عقبالك يابنتي
نظرت لزين باستعجاب وضحكة عيناها كانت تكشف عن ضحكة شفتيها الخفية ، بينما هو فاتسعت ابتسامته وانحنى إلى ذلك الرجل الهرم الذي طالما اعتبره بمقام والده وهتف بنبرة مرتفعة قليلًا ليسمعه من وسط ضجة الموسيقى الصاخبة :
_ دي مراتي ياعمي سالم !
ابدى العجوز عن دهشته وهو يفغر شفتيها وتتسع عيناه ويهتف ضاحكًا بسعادة غامرة معانقًا إياه للمرة الثانية :
_ إنت اتجوزت !! .. الــــف مبروك يابني ، لا ده أنا ليا كلام مع رامي بقى وهربيه إزاي ميقوليش إنك اتجوزت
_ أنا كنت هتصل بيك بنفسي والله بس انشغلت ياعمي إنت عارف بقى مواضيع الجواز وكمان الموضوع تم في فترة قليلة فملحقتش
عاد يهنئه من جديد ببشاشة ونظرات محبة وهو يتمنى لهم سنوات سعيدة وبعد لحظات من الحديث المتبادل بينهم ، اتجهوا نحو طاولة صغيرة بعيدة عن حشد الناس وهي تتابع بنظراتها حركات الجميع واشكالهم وكأنها ستقابلهم مجددًا ! ، فنظرت له ووجدته لا ينظر لشيء فقط عيناه معلقة على سطح الطاولة أمامهم يحدق بها بشرود ، ليشعر بكف يدها على كفه وهي تهمس في أذنه برقة :
_ سرحان في إيه ؟!
_ مفيش ، افتكرت حاجة في الشغل بس .. مش يلا بقى ولا إيه وانا هقوم اسلم على رامي واباركله ونمشي
هتفت محتجة بدهشة من فتوره السريع :
_نمشي !! ، احنا مقعدناش دقيقتين على بعض يازين !
_ ما أنا قولتلك مش هنقعد .. أنا مبحبش الاغاني وجو الأفراح بتاع اليومين دول
_ طيب نقعد ربع ساعة بس على الأقل ونمشي
تنهد بعدم حيلة بعد أن استسلم لرغبتها في البقاء فعادت هي تتابع الناس كما كانت تفعل وبعد مرور ما يقارب الخمس دقائق وقع نظرها على أحدهم والذي كان لا يرفع نظره عنها .. أنه خطيبها السابق ” أحمد ” ماذا اتي به إلى هنا ؟! ، تعرف عليها بمجرد رؤية زوجها بجوارها فعرف أنها هي .. رأته يبتسم بشيطانية حين نظرت له وتأكد من شكوكه حولها فتوترت بشدة وشعرت باضطراب قلبها الذي بدأ يدق بخوف وقلق ، خوف من أن يراه ” زين ” فيغضب وينشب شجار عنيف بينهم ! .. وهي لا تود إفساد رحلتهم بسبب ذلك الحقير ! …….
نظرت لزين وعادت تمسك بيده مجددًا قائلة في أعين قلقة :
_ يلا نمشي يازين
غضن حاجبيه بريبة وأجابها ساخرًا :
_ إنتي مش لسا قايلة نقعد ربع ساعة
هتفت باصرار ونبرة ليست طبيعية :
_ لا لا كفاية أنا حاسة نفسي تعبت وعايزة امشي
لم يعلق .. فهو أيضًا لم تعجبه الأجواء وكان يجلس مضطرًا حتى يرضيها ، استقام وهو يقول :
_ أنا هسلم على رامي واجي استنيني هنا
تشبثت بذراعه كالطفل الذي يخشي الافتراق عن والده وقالت مضطربة :
_ لا أنا هروح معاك متسبنيش وحدى
احس بأن بها شيء ليس طبيعيًا وخطط لسؤالها عن سبب اضطرابها الواضح ولكن عند مغادرتهم الحفل ، وبالفعل سارت معه وهي تخطف نظرات سريعة لذلك القابع في أحد الأركان ولا زال يعلق نظرها عليها ، فدعت ربها مرارًا وتكرارًا لكي لا يراه زوجها وأن يغادروا ويعودوا إلى الفندق دون أي مشاكل !! ……
***
هبت ميار واقفة فزعة عند استماعها لطرق الباب وخرج صوتها متقلقًا :
_ ادخل !
انفتح الباب وظهرت من خلفه يسر التي كانت تحدق بها بجمود ثم دخلت واغلقته خلفها ، فتوترت ميار في البداية ولكنها جمعت شجاعتها لتواجه بها مكر تلك اليسر التي لا ترغب بالخير لها أبدًا من شدة بغضها عليها .
رآتها تقترب منها وتجلس على الفراش هاتفة بضحكة مستغطرسة :
_ ماتقعدي ياميار إنتي خايفة مني ولا إيه !!
_ عايزة إيه يايسر ؟!
قالتها بنبرة حانقة ليأتيها الرد باردًا منها كالثلج :
_ ولا حاجة أنا حبيت اتكلم معاكي شوية بس
ابتسمت ميار باستنكار واردفت بخنق :
_ وهو إيه ده بقى اللي هتتكلمي فيه معايا .. ده على أساس إنك بتحبيني حب فظيع
هزت رأسها بالإيجاب توافقها الرأي على جملتها الأخيرة وهي تبتسم ببساطة وتقول بجفاء :
_ فعلًا أنا مش بحبك لإن إنتي اللي بتخلي الناس تكرهك ياميار بسبب عمايلك ، بس إن جيتي للحق أنا اشفقت عليكي بجد وعلى اللي عملتيه في نفسك
ثم سكتت لبرهة واسترسلت حديثها بشيء من الإشفاق واللين الحقيقي :
_ ده جزاء شر أعمالك .. إنتي وتيتة حاولتوا تعملوا مشاكل بين زين ومراته عشان تخلوه يطلقها بس محلقتوش واتكشف موضوع علاقتك ده
_ وأنا مش محتاجة ابرر ليكي موقفي يايسر لإني ميهمنيش أصلًا تصدقي أو لا
استقامت يسر واقفة واطلقت تنهيدة حارة وهي تقول بنظرة تحذيرية ومخيفة :
_ ولا أنا يهمني كمان ! .. أنا كل اللي يهمني اخويا ، متحاوليش تتقربي منه وخلي فترة الجواز دي تعدي على خير لأن محدش منينا هيقبل إن علاء يكمل معاكي بعد اللي عملتيه وأنا اول واحدة مش هسمحلك تدمري حياة اخويا سامعة ولا لا كفاية إنه اتجوزك غصب وشايل الهم وهو مش عايزك
لم تنتظر منها الإجابة بل تحركت نحو الباب وانصرفت تاركة إياها تحدق على آثارها بتفكير عميق ووجه عابس وحزين فدومًا كانت تسعى لكسب محبة الآخرين لها ولكنها حتى المحبة لم تحظى بها !! ……..
***
لماذا لا تتركني وشأني ؟! .. لماذا تصر على أن تجعل من حياتي جحيم ؟! ، ألا بحق لقلبي الشفاء من السقم الذي اصبتني به ! ، فلقد ذقت أشد أنواع الخيانة والغدر في عهدك .. وعندما وجدت من يداوي جرحك ويعود لقلبي نبضه من جديد ، لا تتركني انعم بتفاصيل العشق معه الذي سلبتني إياها بكامل الوحشية والقسوة .
حتى مجرد تذكرك يجنني ويثير عواصفي بشدة ، فأنا على يقين أنك لا تدري إلى أي درجة أصبحت ابغضك ولا أريد حتى سماع صوتك ! .
كتمت صوت شهيق بكائها بيديها حتى لا يصل لمسامعه وداخلها يصيح بألم وبكاء ” لا أريد اصناع فجوة أخرى بيننا .. اخشى أن يظهر ذلك المؤذي في حياتنا من جديد فيفسد كل مابنيته في الفترة السابقة ، اخشي أن يعود معي كالسابق .. أريد أن اشعر بعشقه لي واخاف كل الخوف من خسارته ، اكره حياتي المدنسة بخطأ ارتكبته ولم ترحل آثاره حتى الآن ومازالت أحاول في تطهيره حتى أعيش معه بسلام وسعادة وحب ، بعدما ادركت حقيقة واحدة وهي إنني اعشقه بشدة ”
انتفضت واقفة حين سمعت صوته وهو يطرق على الباب فاسرعت وفتحت صنبور الماء ونثرت القليل من الماء على وجهها حتى تمحي آثار دموعها وهتفت بارتباك بسيط :
_ أيوة يازين طالعة أهو لحظة !
اغلقت الصنبور وجففت وجهها بالمنشفة ثم القت نظرة فاحصة على نفسها في المرآة ووقفت أمام الباب تمسك بالمقبض وتأخذ شهيقًا طويلًا وتزفره على مهل ثم ضغطت بيدها على المقبض لتفتح وتجذب الباب إليها فتراه يقف بانتظارها ويطالعها متعجبًا وقلقًا في نفس الوقت حيث استطرد :
_ إنتي كويسة ياملاذ ؟!
هزت رأسها بإماءة خفيفة وتمتمت في صوت مبحوح وجسدها يرتجف ليس بردًا ولكن من فرط توترها واضطراب نفسها الخائفة :
_ كويسة الحمدلله ، أنا بس شكلي داخلة على دور برد لإني مش بتقل في اللبس
لاحظ ارتجافتها فتقوس وجهه بحزم وقال بشيء من الغضب الممتزج باللين الذي يحمل نبرة الاهتمام :
_ أنا قولتلك مليون مرة البسي تقيل عشان متتعبيش لكن إنتي عنيدة
وفي لحظتها انحنى إليها وحملها على ذراعيه متجهًا بها نحو الفراش ووضعها عليه برفق شديد ثم سحب الغطاء عليها يدثرها به جيدًا ويهمس في نبرة مهتمة :
_ اجبلك حاجة دافية عشان تدفي جسمك ؟
هزت رأسها بالرفض وقبضت على كفه تهتف متوسلة إياه بنظراتها :
_ لا تعالى جمبي بس ارجوك
طالت نظرته المستغربة من أفعالها لبرهة من الزمن ولكنه في النهاية لبى لها طلبها ومدد جسده على الفراش بجوارها ويشاركها في نفس الغطاء فاعتدلت هي في نومتها ناحيته واقتربت حتى وجدها تمسك بذراعه وترفعه لتنضم لأحضانه واضعة رأسها على صدره الواسع ، ولم تكن فعلتها إلا أنها زادت شكوكه وقلقه ليسألها بصلابة وترقب لردها :
_ ملاذ إنتي متأكدة إن محصلتش حاجة في الفرح ؟!
نفت برأسها وهي تهزها بلطف ليتنهد هو بعدم حيلة ويلف ذراعه حول جسدها مبتسمًا بحب ويهم الصمت بينهم لدقائق حتى رفعت هي رأسها لمقابلة وجهه وهمست بنظرة تائهة وبائسة :
_ زين هو إنت خلاص بقيت تثق فيا تاني ؟
ادهشه سؤالها قليلًا فأمعن النظر في قسمات وجهها وعيناها الزرقاوتين بدفء ليأخذ نفسًا عميقًا ويجيبها بخفوت وحيرة :
_ مش عارف ياملاذ بس اللي اقدر اقولهولك إني ادركت إنك فعلًا ندمانة وعايزة تصلحي غلطك وإني يعتبر خلاص سامحتك ، بس برضوا أنا حاسس إننا محتاجين وقت اطول عشان نفهم بعض فيه اكتر .. وحاليًا أنا مش عايز اتسرع في أي حاجة وعايز ادي لحبنا فرصته كاملة عشان لما ناخد قرار نكون متأكدين منه
لمعت عيناها بوميض جديد حقًا ولم يراه من قبل .. كانت لمعتها تخبره بشكل مباشر بعشقها له ولكنه رأى في نظرتها أيضًا بعض الخوف من الخسارة أو البعد وكان سيقترب بشفتيه من جبهتها ليطبع قبلة دافئة عليها ولكنها سبقته حيث وضعت شفتيها على وجنته تقبله بعمق ورقة للحظات طويلة وهي تبتسم بغرام ثم عادت تدفن وجهها بين ثنايا صدره وتغمض عيناها لتترك روحها العاشقة تنعم لأول مرة بالنوم بين ذراعيه !! ……..
***
خرجت له وهي تحمل بيدها صحن كبير ممتلىء بالفشار وتلتقط الحبات وتأكلهم وهي في طريقها إليه بينما هو فكان يشاهد التلفاز على إحدى قنوات كرة القدم ، فانضمت بجواره على الأريكة وهي تهز بكتفها لينظر لما بيدها فالتفت برأسه لها وابتسم ثم مد يده لصحن الفشار والتقط حبتين والقى بهم في فمه ، ثبتت نظرها على قناة التلفاز المملة وقالت برقة جميلة :
_ كرم ما تغير القناة وتجيب فيلم رعب اجنبي
حدجها وقد ارتفع حاجبه وهدر بخشونة :
_ رعب تاني !!!
كتمت ضحكتها عندما فهمت مقصده من أن الأفلام المرعبة هي السبب في فزعها وخوفها ذلك اليوم عندما ظنت أن هناك شبح بالغرفة السفلية بالمنزل ، ولكنها دافعت عن نفسها ببراءة قائلة :
_ لا أنا بخاف لما أكون وحدي لكن طالما إنت هتتفرجه معايا عادي واساسًا بمجرد ما انام واصحى الصبح هنسى أنا اتفرجت إيه !
لوى فمه بنفاذ صبر من عنادها ثم امسك بجهاز التحكم ووجه نحو التلفاز هاتفًا بهدوء :
_ ماشي ياشفق لما نشوف
اتسعت ابتسامتها وجلست بإرياحية أكثر على الأريكة وبدأت تشاهد الفيلم معه وكعادة الأفلام الاجنبية كان الفيلم في بدايته هادئًا بعض الشيء لا يوجد أي شيء مرعب ولكن مع مرور نصفه بدأت المشاهد المرعبة تظهر وكان هو قد اندمج في المشاهدة فلم ينتبه لها مطلقًا وهي تخفي عيناها بكف يدها وتوسع بين أصابعها قليلًا جدًا حتى ترى شيء بسيط من شاشة التلفاز وحين يظهر وجه الشبح تضم أصابعها بقوة وتحجب الرؤية تمامًا واستمر وضعها على هذا النحو حتى انتهى الفيلم .. رأته يتثاوب ويقول بعينان يغلب عليها النعاس :
_ أنا هروح أنام .. هتنامي ؟
بالطبع لن تبقى بمفردها في المنزل بعد كم المشاهد المرعبة التي شاهدتها للتو !! .. هبت واقفة وقالت بإيجاب :
_ آه هشرب وآجي وراك
ذهب هو للغرفة وبعد أقل من دقيقتين انضمت بجواره في الفراش وتدثرت بالغطاء جيدًا ، فمد هو يده ليطفأ الضوء ليجدها تنهاه بنبرة مرتبكة وابتسامة مترددة :
_ لا متطفيش النور !!
مسح على وجهه وقال متنهدًا :
_ اممممم ابتدينا بقى .. تصدقي أنا اللي غلطان إني سمعت كلامك وخليتك تسمعي !
انطلقت منها ضحكة جلجلت الغرفة نجحت من خلالها أن ترسم الابتسامة على شفتيه رغم اغتياظه منها .. وسمعها تتشدق بلطافة طفل وليس امرأة راشدة :
_ لا أنا مش خايفة أنا بس بتخيل حجات في الضلمة
_ اممممم وبعدين !!
رمشت بعيناها عدت مرات متتالية وبنظرة لا ترفض تستعطفه من خلالها مع ابتسامتها شفتيها الآثرة قالت :
_ يعني متقفلش النور ياكوكو
لمعت عيناه بشرارات الغضب عند نطقها لذلك الاسم الذي يستفزه ومد يده يطفأ الضوء عنادًا بها ويهتف محاولًا كتم غيظه :
_ نامي ياشفق
ولاها ظهره واغمض عيناه فاقتربت هي والتصقت به من الخلف تستند بكفيها على كتفه مردفة بضحكة مرتفعة :
_ خلاص متتضايقش مش هقوله تاني افتح النور بقى بالله عليك والله خايفة
_ لا ، ونامي يلا !!
_ ياكرم بقولك خايفة حرام عليك ههون عليك تخليني أنام وأنا وخايفة
قال ببرود يتصنع عدم المبالاة بأمرها :
_ متخافيش أنا جمبك مش هتطلعلك عفاريت يعني
زمت شفتيها بحزن وابتعدت عنه وهي توليه أيضًا ظهرها قائلة بلؤم متصنعة الضيق لعلمها جيدًا بطرق التأثير عليه وجعله يذعن لرغبتها :
_ ماشي ياكرم شكرًا !
مرت لحظات قليلة حتى اضاءت الغرفة بالنور فابتسمت باتساع وسمعته يهمس مغلوبًا على أمره :
_ عارف إنك بتستغلي نقطة إني مش بحب ازعلك وللأسف بسمحلك تستغليني وبضعف قدامك
التفتت له بجسده كاملًا تقول بسعادة غامرة ومداعبة :
_ عشان إنت كيوت وكوكو !!
_ تاني !!!
كتمت فمها بيدها تقول بضحكة على وشك الانفجار :
_ أهو مش هتكلم خالص .. تصبح على خير
أجابها بنظرة حانية ورقيقة :
_ وإنتي من أهله
ثم عادت توليه ظهرهها وتغمض عيناها وهي لا تتحكم في ابتسامتها التي لا تريد الاختفاء !! ……..
***
مع إشراقة شمس يوم جديد وسط سماء ملبدة بالغيوم والنسائم الباردة تلفح وجهه ، كان يقف أمام الزجاج الشفاف في مكتبه الخاص بمقر شركة العمايري ، يحدق في اللاشيء أمامه بفراغ ! .
شعور السعادة والراحة ينتابه كلما يتذكر بأنه تخلص من البلاء الذي سقط فوق رأسه دون أي أنذار أو تخطيط .. بدأت بمشاجرات كلامية بينهم ومد وجذر طبيعي بين امرأة عاشقة قوية وبين رجل يبغضها بشدة .. تطورت الأحداث حتى ظهر في نصف الحكاية صور وتسجيلات قلبت الموازين ، جعلته ينصاع خلف أفكار عقله المتهورة وانتهي بهم المطاف زوجة وزوجة !! .. وليلة مشؤومة تسببت في طلاقهم بالأخير !!! .
ولكنه مع الأسف يعجز عن تجاهل الصوت الذي لا يصمت بداخله ويخبره باستمرار أن رغم السعادة فهناك قطعة ناقصة تجعل نشوة السعادة لديه لا تصل لذروتها ! ، ماهو ذلك الشيء ولما يمنعه من الراحة ؟! ، لا يعرف ! ……
وقع نظره بتلقائية على السيارة التي توقفت بالأسفل وترجل منها شاب يبدو أنه يسبقه في العمر بسنوات قليلة ، دقق النظر
به جيدًا محاولًا التعرف على وجهه المألوف ، ففشل عقله في استحضار اسمه أو هويته .. اتسعت عدسة عيناه باستغراب حين رآها تخرج من الجانب الآخر للسيارة وهي ترتدي بنطال أسود أعلاه بلوزة جميلة طويلة من اللون الأبيض تصل إلى أعلى ركبتيها وحجابها يأخذ لونًا بنيًا فاتحًا .. تابعها بترقب وهي تقترب وتقف تتحدث مع ذلك الرجل بانفتاح دون رسمية ، فرفع حاجبه مستنكرًا بنظرات ثاقبة ، وبينما هو منشغل بمتابعتهم دخلت مساعدته واقتربت من المكتب ووضعت عليه أوراق خاصة بالعمل وهمت بالرحيل لولا صوته الأجش وهو يقول :
_ ميرنا تعالى
تحىكت نحوه دون سؤال ووقفت بجانبه تلقي بنظرها إلى ماينظر له باهتمام حتى أكمل هو طرح اسئلة قائلًا بصوت رجولي :
_ هي يسر رجعت إمتى الشركة !
ميرنا بنبرة رسمية بعض الشيء :
_ إمبارح .. هو حضرتك متعرفش ؟!
رفع نظره أخيرًا عنهم ونظر للواقفة بجانبه يبتسم بريبة متمتمًا :
_ وهو أنا لو عارف هسألك ليه
تذكرت بأنه لم يأتي لمقر الشركة البارحة فهزت رأسها بتفهم وعادت تنظر مجددًا حين رأته يعود ينظره لهم ، وبعد دقيقة بضبط هتف يسألها للمرة الثالثة وهو لا يزيح بنظره :
_ تعرفي مين ده اللي واقفة معاه ؟!
حركت رأسها نحوه وقالت مندهشة :
_ حضرتك متعرفهوش بجد ؟!
صر على أسنانه مغتاظًا وهتف بنفاذ صبر :
_ مــــيـــرنا !!!!
_ أنا آسفة !
قالتها بخوف وارتباك بسيط ثم اكلمت تجيب على سؤاله ببساطة بالغة :
_ ده راسل ابن جمال بيه وصل إمبارح من أمريكا تقريبًا جاي ياخد أجازة وراجع تاني عشان الشغل في شركة طاهر بيه زي ما حضرتك عارف
_ اممممم راسل .. هو ده بقى راسل !! .. طيب ياميرنا خلاص تقدري تتفضلي
اماءت له بالموافقة واستدارت مغادرة امتثالًا لأوامره ، أما هو فوضع كلتا قبضتيه في جيبي بنطاله وعيناه معلقة عليهم وعلى حديثهم الذي زاد عن حده فاظلمت عيناه حين رآها تضحك بقوة ، في ضحكة حقيقية ليست متكلفة أو عادية .. سأل في قرارة نفسه ” على ماذا تضحك هذه !! ” ………
***
خرجت ملاذ من الحمام على أثر سماعها لصوت رنين هاتفها .. التقطت الهاتف وحدقت بشاشته فوجدته رقم مجهول ، فتحت الاتصال ووضعته على أذنها تجيب برسمية :
_ الو مين ؟
_ ازيك ياملاذ
لن يتركها وشأنها كما توقعت وبالظبط ، غليت دمائها في عروقها وصاحت به بعنف وما ساعدها على التحدث بحرية هو عدم وجود زين الذي خرج لعمل ما سريع وسيعود :
_ عايز إيه يازفت إنت !! .. ابعد عني يا أحمد ومتحاولش تتواصل معايا تاني وإلا صدقني هقول لزين وهو هيتصرف معاك بطريقته
تجاهل تهديدها وانفعالها وهتف بوقاحة :
_ لا بس مكنش حلو عليكي النقاب على فكرة .. كان عندي نظر برضوا لما رفضت اخليكي تلبسيه
_ إنت قذر وحيوان أساسًا جاتك القرف .. آخر تحذير ليك يا أحمد متتصلش بيا تاني
سمعته يهدر بنبرة مرتفعة واستياء :
_ إنتي هتمثلي عليا ، أنا عارف إنك لسا بتحبيني وأنا أهو لسا بقولك في فرصة نرجع لبعض .. اطلقي وارجعيلي ياملاذ بلاش تتعبي نفسك
كانت ستجيب عليه ولكن احست باليد التي قبضت على الهاتف من الخلف وجذبته من يدها بقوة ، فاستدارت مذعورة فورًا وتسمرت بأرضها حين رأته يقف أمامها وبيده الهاتف !! ……….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى