روايات

رواية ضروب العشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الجزء الحادي والعشرون

رواية ضروب العشق البارت الحادي والعشرون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة الحادية والعشرون

تسارعت نبضات قلبه وبدأ عقله في افراز هرمون الادرينالين فتحول لقطعة من النيران الملتهبة واندفع يبحث عنها في كل مكان من الممكن أن تكون به في إطار الحفل ولكن لا أثر لها وكأنها تبخرت في الهواء !! ، ظل يبحث عنها قرابة الخمس دقائق واحس لوهلة بأنه سيفقد عقله وداهمه شعور بالعجز ، جالت صورة زوجته المتوفية في ذهنه فهز رأسه بالنفى وهو يقسم بأنه لن يسمح له بأذيتها أيضًا .
خرج من الحفل فورًا شبه راكضًا واستقل بسيارته ثم أخرج هاتفه بعد أن تذكر بأنه وضع جهاز تعقب في هاتفها منذ يومين .. فحرك محرك السيارة وأخذ يتبع الجهاز الذي يقوده لمكانها .
أوصلت به الإشارة إلى نفس النهاية المأسوية لزوجته فنزل من سيارته وهو يحدق بالمبنى الذي يتكون من ثلاث طوابق لتظهر في عيناه نظرة تسقط الرعب في قلوب اعتى الرجال ثم تحرك ناحية المبنى مسرعًا وبمجرد ما أنا دخل الطابق الأرض سمع صوت بكائها البسيط فصاح مناديًا عليها ليأتيه صوتها من أحد الغرف الداخليه وهي تجيبه ليسرع إليها راكضًا ويجدها مكبلة في مقعد خشبي ، فيهرول ويسألها بهلع وهو يفك عن يديها الحبال :
_ إنتي كويسة ياشفق ؟
قالت ببكاء ونبرة مرتعدة وهي تحاول معه فك الحبال عنها :
_ خدني من هنا ياكرم أنا خايفة أوي
احس بجسدها الذي يرتعش من الخوف فحاول الإسراع في تحريرها وهو أيضًا يبادلها مشاعر مختلطة ما بين الخوف والغضب ، لن ينتبه كلاهما للذي تسلل خلفهم في الظلام وهو يحمل بيده عصا غليظة وهبط بها على رأس كرم ليضع يده على رأسه متألمًا وتبدأ الرؤية تتشوش أمامه ، التفت برأسه للخلف ليرى وجهه فيحدقه بنارية وأبي الاستسلام فاستقام واقفًا مقاومًا الدوار الذي يفقده توازنه تدريجيًا ووجه له لكمة قوية بعض الشيء ولكنها لم تؤثر به كثيرًا حيث انتصب في وقفته بعدها ووجه له عدة لكمات أقوى اطاحت به أرضًا ولم يستطع المقاومة أكثر من ذلك وسط دوار رأسه ليغمض عيناه رغمًا عنه فتصرخ الأخرى باكية بعنف :
_ كـــــــــرم .. كـــرم ، كـرم
اقترب منها ذلك الوغد وقال مبتسمًا بشيطانية :
_ متخافيش يامزة شوية وهيفوق ، مش هيفوته العرض اطمني
” عرض ” عن أي عرض يتحدث ذلك الحقير ، شعرت بدقات قلبها تتسارع ونظرت لكرم وهو فاقدًا الوعى على الأرض فازدادت حدة بكائها ولا تتوقف عن منادته لعله يفق !! ….
***
فتحت رفيف الباب بعدما سمعت الطرق المتواصل وإذا بها تندهش بعمها وعلاء ، فتهتف في صدمة مبتسمة :
_ عمي !! ، أهلًا وسهلًا حمدلله على سلامتك
رد عليه بنبرة حازمة :
_ الله يسلمك يابنتي جدتك وميار فين
كانت قسمات وجههم مريبة وعلاء اشبه بجمرة نيران متوهجة فانتابها الفضول حول أمرهم ولكنها أجابت على عمها بنبرة مضطربة :
_ ثانية هروح اندهم التفتت وصعدت الدرج متجهة إلى جدتها وكان زين لم يذهب هو وزوجته بعد وعندما سمع صوت عمه فخرج له ورحب به معانقًا إياه وحين رأى علامات السخط على وجه كليهما سأل باستغراب :
_ في إيه ؟!!
_ استنى لما تنزل ميار الف**** دي
نقل نظره بين علاء وعمه في دهشة مما قاله وفضل الانتظار حتى يفهم كل شيء ، وبعد دقائق بسيطة نزلت الجدة وخلفها حفيدتها واسرعت ميار إلى عمها لترحب به ولكن بمجرد ما أنا اقتربت منه وجدت كفه يهوى على وجنتها بقوة ويجذبها من خصلات شعرها صائحًا بها :
_ ياف**** بقى وصل بيكي التسيب لكدا
لجمت الدهشة الجميع وقيدت السنتهم فيما عادا زين الي اسرع وقبض على ذراع عمه هاتفًا بنبرة رجولية قوية :
_ في إيه ياعمي ، فهمنا الأول بتمد إيدك عليها ليه
عاد يصفعها مجددًا بقوة على وجنتها لتسقط هي على الأرض وتصرخ ببكاء وأخيرًا يخرج صوت الجدة صارخة بأبنها وهي تهرول نحو حفيدتها الملقية على الأرض :
_ طـــاهـــــر ، إنت اتجنيت إيه اللي بتعمله ده في بنت أخوك
خرج صوته للجميع مرعبًا وجهوري وهو يصيح بأمه :
_ أخويا !!! ، بقى هي دي الأمانة اللي سبهالك أخويا .. كان لازم اخدها وأربيها أنا عشات تفهم الأصول والغلط والصح ، أنا اللي غلطان إني سبتك تربيها كان المفروض أفهم أنك بتعرفي تدلعي بس وزي ما عملتي مع حسن وزين ولولا إن محمد الله يرحمه لحق ولاده كان الله اعلم وضعهم كان هيبقى ازاي دلوقتي
كان علاء صامتًا يجلس على أحد المقاعد ويعقد ذراعيه أمام صدره ويحدق بميار في استحقار واشمئزاز ، وأخرج من جيبه مجموعة من الصور الوضيعة لها مع فتى ألمانى وهي بين أحضانه وملابسها أشبه بملابس داخلية وبعض الصور كانت بها شبه عارية تمامًا ، ثم القى بالصور على الأرض أمامهم جميعهم لتتناثر في أماكن مختلفة دون أن يتحدث لتشهق هدى بصدمة وكتمت رفيف شهقتها المرتفعة واضعة كفها على فمها ، أما زين فحين تطلع للصور ووضحت له اوضاعهم جيدًا ومنظرها الفاضح فاشاح بوجهه للجهة الأخرى مستغفرًا ربه بصوت وصل لأذانهم ومسح على وجهه حين أحس بغضبه بدأ يخرج من أعماقه .
التقطت الجدة إحدى الصور الملقاة وأخذت تتطلع إليها بعدم تصديق تريد تكذيب عيناها وتقول أن هذه ليست حفيدتها ولكن هيهات فلا تستطيع تجاهل مل تراه عيناها ، وبعد دقائق من التحديق في صورها نظرت لها وابتعدت عنها نافرة وهي تقول بعدم استيعاب :
_ معقول تعملي كدا ياميار !!
كانت ميار تخطف نظرات سريعة على الجميع وترى نظراتهم لها فانفجرت في البكاء وقالت محاولة الدفاع عن نفسها :
_ لا الصور ده كذب
اخذت حصتها من جدتها التي صفعتها هي الاخرى على وجهها بعنف صارخة بها بستياء مدمر وعدم رغبة في سماع صوتها :
_ اسكتي خالص ياسافلة مش عايزة اسمع صوتك ، عمك عنده حق أنا اللي دلعتك زيادة عن اللزوم ودي نتيجة تربيتي الغلط ليكي
صاح طاهر في قسوة وبنفس نبرة صوته المرعبة :
_ ده اسمه زنا فاهمة يعني إيه زنا ولا مش فاهمة ، عارفة عقابه إيه عند ربنا أكيد مش عارفة ، أنا نفسي اقتلك دلوقتي بس مش قادر
لم يجدوا رد منها سوى البكاء العنيف فأكمل طاهر آمرًا إياها غير قابل للنقاش في قراره :
_ بكرا هنجيب المأذون وهتتجوزي علاء ، عشان نخفى الفضيحة اللي عملتيها دي
نظرت لعلاء الذي يحدقها بأعين وثبت الرعب في اوصالها وقالت رافضة من بين بكائها :
_ لا أنا مش هتجوز حد
هنا فجرت بركان علاء الخامد حيث هب واقفًا واندفع نحوها كالثور الهائج يجذبها من خصلات شعرها صارخًا :
_ لتكوني فاكرة إن أنا اللي عايز اتجوز واحدة زيك شرفها في الارض ، ده جواز مؤقت
اقترب زين من علاء وامسك بذراعه يسحبه معه هاتفًا :
_ تعالى ياعلاء معايا
سحبه من ذراعه معه للخارج بعد أن احس أنه هو أيضًا لن يتحمل البقاء هنا كثيرًا وإلا سيظهر عن حقيقته المتوحشة أمام الجميع والتي ستكون اسوء من عمه بأضعاف !! ……
***
تتحاشي النظر إليه حتى لا ترى نظراته الجريئة والوضيعة لها وعيناها تذرف الدموع دون توقف .. القت نظرة عليه وهو مكبل في المقعد بحبل غليظ ولا يزال فاقد الوعي فعادت بنظرها لذلك الوغد وهي ترمقه شزرًا ورعشة جسدها القوية يستطيع الشعور بها وهو يقف بعيدًا عنها ، ولكن هناك صوت في داخلها يطمئنها طالما هو معها لن يصبها لها مكروه وحين يستعيد وعيه ستستمد القوة من وجوده .. نظرت له مرة أخرى وهدرت باسمه على أمل أن يفتح عيناه :
_ كــرم
سمعت ذلك الوغد يجيب عليها ساخرًا في تشفي :
_ متخافيش يامزة هيفوق .. ده أنا مستنيه يفوق بفارغ الصبر عشان يشوف العرض قدام عينه
صرخت به في صوت مبحوح جراء البكاء والصراخ :
_ إنت حيوان مستحيل تكون بنى آدم ، ولعلمك مش هتنفد بعملتك دي أو حتى بجريمتك اللي عملتها
استقرت في عيناه نظرة جامدة وشفتيه مالت لليسار قليلًا باستهزاء ورغم أن نظرته كانت هادئة بعض الشيء ألا أنها قذفت الرعب في نفسها فاغمضت هي عيناها بارتيعاد ، تدعو ربها بأن يحميها هي وزوجها من مكره وشره ! .
دقائق قليلة وهي تراقبه في غيبوبته المؤقته حتى رأته يفتح عيناه ببطء وصوت أنين بسيط متألم يطلقه حتى سمع نبرتها المتلهفة :
_ كرم إنت كويس ؟
فتح عيناه على أخرهم حين أدرك نبرة صوتها جيدًا وحدق بها يتفحصها بنظرته حتى يطمئن بأن ذلك الحقير لم يقترب منه .. احس بيديه الملتفين للخلف ومكبلين بالحبال فهز ذراعيه بعنف حتى اهتز المقعد معها وصرخ به في أعين بها أحمرار مخيف يلقنه بأبشع الألفاظ :
_ فكني يا***** وحياة أمي لاقتلك يا******
كان هادئًا تمامًا إلى حد الاستفزاز حيث أجابه بعدم مبالاة لتهديداته :
_ تؤتؤ طاب وليه الغلط بس يا ابن الأكابر
لمعت عيني كرم بوميض تمكن أن يبعث القليل من الخوف إلى نفسه ، وخرج صوته يقارب إلى فحيح الأفعى وبنظرة أشبه بنظرة سفاح :
_ فكني بس وشوف ابن الأكابر ده هيعمل فيك إيه
لم يبالي للمرة للثانية وتصنع عدم التأثر بنظرته ونبرته .. هب واقفًا واقترب من شفق يقف بجوارها ويهمس باسمًا بلؤم :
_ إيه رأيك تتفرج على العرض بنفسك المرة دي أصل المرة اللي فاتت فاتك
مالت شفق للجاني تتفادي اقترابه منها وهي تجفل نظرها أرضًا وتغمض عيناها تاركة العنان لدموعها .. خرج من كرم صوت جهوري نفضها هي في مقعدها :
_ أبــــــعـــــد عـنـهـا
أحب أن يستمتع بغضبه وجموحه أكثر ليقول وهو ينظر لشفق قائلًا بنظرة لم يفمها سوى بنى جنسه :
_ وأبعد ليه دي حتى أحلى من الأولى وعجباني أوي
عيناه كانت بها نظرات شهوانية وماكرة وصلت لكرم فورًا ، وقوله ” الأولى ” كان من الواضح أنه يقصد زوجته التي قتلها فهيج عواصفه ليصيح منذرًا دون أي تهاون :
_ هاخد روحك بإيدي يا*****
ابتسم بلؤم ثم مد يده إلى وجنتها يتعمد لمسها أمامه حتى يثيره أكثر ولكنها بمجرد ما أن شعرت بلمسة يده القذرة على وجنتها حركت رأسها وغرزت أسنانها بعنف في كفه ليسحب يده مسرعًا بتألم ويهدر ضاحكًا بتلذذ ليظهر عن أسنان صفراء مقززة تثير الاشمئزاز في نفس أي شخص :
_ اشطا أنا بحب القطط الشرسة ولسا فاكر اللي عملتيه في المقابر
كان كرم يحاول تحرير نفسه من هذه الحبال بأي شكل ممكن ويحرك ذراعيه بقوة على أمل أن يخرجهم من قيدهم ، أما الآخر فقد مد يده وجذب حجابها عن شعرها معلنًا عن بداية العرض لتطلق هي صرخة مرتفعة وهي تحاول إبعاد يده ، لم ترى كرم الذي خرج بركانه وأصبح وجهه أشبه بشبح مرعب يظهر في عتمة الليالي وأخذ يهتز بالمقعد في جنون حتى احس بأنه سينكسر به وهو يسبه بكل ما تؤتي على لسانه من الفاظ ويصرخ به حتى يبتعد عنها ولكنه توقف عن الحركة حين جرحه مسمار في المقعد من الخلف فهدأت نفسه قليلًا ولم يضيع وقت حيث بدأ يحك الحبال الملتفة حول يديه في المسمار بعنف .
كانت شفق ترتجف ولكنها تحتفظ بشجاعتها وتقاوم لمساته على وجهها وشعرها بشراسة متيقنة بأنه لن يتمكن من الحاق الضرر الجسدي لها وزوجها بجوارها .. بينما كرم فلم يتوقف عن الحك في المسمار حتى ذابت غلظة الحبال قليلًا ولن يتبقى سوى القليل حتى يتحرر ويطلق عنان انتقامه على ذلك الوغد .
رآه يمد يده لبلوزتها المزررة ويشق الجزء العلوي بها في نظرات جائعة لجسدها فجن جنونه أكثر وصرخ وجسده يهتز من فرط عصبيته :
_ يا***** أما قطعتلك إيدك الـ **** دي مبقاش أنا كرم العمايري
وأخيرًا تحرر وأصبح حرًا وسينتقم من ذلك الحقير شر انتقام باعد بين يديه بعنف لتسقط الحبال عنها وكان الآخر يقترب على وشك تقبيل جزء جسدها الذي كشفه فأغار عليه كالوحش وجذبه من ملابسه من الخلف وادراه إليه ليوجه له لكمة كانت أقوى من قوة جسده حيث ابرحته أرضًا وجثى فوقه يلكمه بكلتا يديه في وجهه حتى أصبح عبارة عن لوحة دماء وفقد وعيه ولكنه لم يتوقف فكان كالمجنون لا يرى شيء أمامه سوى زوجته التي قتلها ومحاولته للاعتداء على زوجته الثانية الآن ، لم يشعر بنفسه عندما جذب الحبل الملقى على الأرض ولفه حول رقبته حتى يقتله تمامًا ولكن وجد حسن الذي ظهر فجأة وجذبه من فوقه وهتف بهدوء في أذنه :
_ موته مش هيفدنا بحاجة .. لما تموته إنت كدا هتريحه
طالع كرم أخيه بذهول من قدومه وأنه كيف عرف بالذي حدث معهم ولكن لم يهتم كثيرًا حيث هز رأسه بإيجاب يوافقه على رأيه دون أن يفصح عما جال في ذهنه الآن .. تحاشى حسن النظر إلى زوجة أخيه بعد أن القى نظرة عليه عندما دخل ورآها في حالتها المزرية هذا فاشاح بنظره عنها فورًا .. انتصب كرم في وقفته ونزع سترته عنه ثم لفها حولها وهو يخفيها بجسده ثم جذب حجابها من على الأرض ووضعه على شعرها بعشوائية ولف ذراعيه خلف المقعد ليفك عنها الحبال ثم امسك بكفيها بنظر لرسغها الذي رسم عليه الحبل حدًا أحمرًا ومؤلم لمجرد النظر له ، رفع نظرته المعتذرة لها ويثبتها على عيناها الدامعة .. جذبها لصدره بعدما احس بارتعاشة جسدها وقبَّل شعرها من فوق الحجاب هامسًا في نبرة عادت لطبيعتها وليست النبرة المرعبة الذي كان يتحدث بها وهو مقيد بالحبال :
_ أنا جنبك ياشفق اهدى خلاص ، هاخدلك حقك إنتي وأروى منه
سمع همسها الضعيف الذي وصل لأذنيه فقط من فرط انخفاضه وهي تترجاه ببكاء :
_ متقتلهوش ابوس ياكرم ماتقتله أنا مش هقدر اخسرك
رتب حسن على كتفه أخيه هاتفًا بخشونة :
_ وديها البيت ياكرم وأنا هقعد مع ال**** ومسعد جاي دلوقتي
كان يتساءل في قرارة نفسه عن الذي يحدث وكيف عرف الجميع ولكنه رأى أن الوقت ليس مناسبًا وفعل كما قال أخيه فساعدها على الوقوف وسار معها وهو يضمها لصدره تاركًا أخيه معه وهو ليس لديه أدنى شك أن حسن لا يحتاح لتوصية في مثل هذه الأمور ، وهو أساسًا يتحرق شوقًا لكي يذيقه أصناف العذاب
.
كانت تتحرك ببطء وغير متوازية كشخص لا يقوى على الوقوف ، احس هو بذلك من خلال طريقة سيرها ليحدجها مبتسمًا يبث لنفسها الآمان مجددًا وانحنى بحزعة للأمام حاملًا إياها على ذراعيه فتعلقت برقبته ودفنت وجهها بين ثنايا صدره مغمضة عيناها بنفس مطمئنة لا تحمل أي خوف وهو يسير بها في اتجاه السيارة واجلسها في المقعد المجاور له برفق ثم اغلق الباب والتفت من الجهة الأخرى ليستقل في مقعده المخصص للقيادة وينطلق بها إلى منزل أبيه حيثما توجد أمه وشقيقته وجدته ! ….
فتحت شفق باب السيارة وكانت على وشك النزول ولكنه سبقها وامسك بيدها يساعدها على النزول في كامل اللطف وهو يحدجها بابتسامته المألوفة ، ولأول مرة تقلق حياله واثبت لها أن لديه جانب مظلم حقًا من مجرد نظرات وكلمات ، وكلما تتذكر معالم وجهه المرعبة تسري في نفسها مشاعر متضاربة من بين الاضطراب والدهشة من أنها كانت لا تتوقع أن يكون بكل هذا الوحشية فكان سيقتله بالفعل مختنقًا لولا أخيه الذي لحق به .. الألفاظ البذيئة التي نطق بها ! ، عليها أن تعترف أنها من فرط ما رأت من رقته وحنانه وخجله ظنته أنه لا يعرف حتى كيف يسب ! ، واليوم هي اكتشفت جانبًا مختلفًا تمامًا من شخصيته ، وسيسبب لها الدهشة لفترة طويلة وكلما تتذكره ستنذهل كأنها المرة الأولى ، إن كان كذلك فقط وهو مكبل فماذا سيفعل به حين يعود لأخيه !! .
امسكت بيده وسارت معه .. كان يضم كف يدها بين كفه الأيمن وذراعه اليسار يلفه حول كتفيها ، فتوقفت هي قبل أن يصلوا لباب المنزل وقالت بترقب :
_ إنت هترجع لحسن مش كدا
_ أكيد .. دي اللحظة اللي منتظرها من سنة عشان اطفي النار اللي جوايا
ضغطت على كفه بقوة وحدجته بأعين كلها شجن وخوف :
_ اوعدني زي ما وعدت سيف إنك هتحميني وتحافظ عليا .. اوعدني ياكرم إنك متقتلهوش ، متحرمنيش منك إنت كمان صدقني مش هقدر استحمل اعيش في حياة مفيهاش حد من اللي بحبهم
طالت نظراته إليها ، كانت كلماتها اعترافًا غير مباشر بعشقها له وتحمل جميع معانى الحب والملاذ والمأمن ، فكان صامتًا تمامًا يخشى أن يعدها بشيء ويخنث وعده إذا فقد جنونه ، ليجدها تهتف تحثه على التكلم بنظراتها المنكسرة والمُحتاجة لوجوده :
_ اوعدني !
تنهد بعدم حيلة وتمتم في خفوت مذعنًا لرغبتها :
_ أوعدك ياشفق
لاحت بشائر الابتسامة على صفحة وجهها مع دموعها التي انهمرت من بين جفنيها ليمد انامله ويجففهم بحنو ، ثم انتبه لسترته التي تضعها على كتفها فقط وملابسها الممزقة من الداخل تظهر عن جزء صدرها العلوى فأمسك بالسترة وأبعدها عنها ثم عاد يلبسها إياها وهي تغلغل ذراعيها في داخلها ويغلقها حول صدرها محاولًا عدم النظر قائلًا بإحراجه المعتاد الذي لم يتخلى عنه :
_ البسيها كويس عشان ممكن يكون زين موجود جوا
ثم عدل من حجابها العشوائي الذي يظهر عن خصلات شعرها ولفه بانتظام وهي تحدجه مبتسمة فتزيد من إحراجه الذي يحاول اخفائه ، وبعد لحظات أخذ بيدها وساروا باتجاه الباب وطرق عدة طرقات خفيفة لتفتح هدى وتصيبها الدهشة فور رؤيتها لأبنها الذي في حالة مزرية هو وزوجته وهتفت بهلع :
_ كرم ، حصل إيه يابني معاكم ؟
دخل وجاب بنظره في المنزل ليرى عمه وعلاء وأخيه وجدته أيضًا والجميع مجتمعين فيما عدا ميار ثم عاد بنظره إلى أمه وقال :
_ خدي شفق ياماما فوق وخليها ترتاح وتاكل حاجة لغاية ما آجى
سمع صوت عمه المهتم :
_ ليه منظرك كدا يابني حصل إيه معاكم ؟
_ مفيش حاجة ياعمي احنا كويسين لما ارجع هقولكم كل حاجة
ثم استدار ورحل مجددًا وسط نظرات زين المتساءلة في حيرة وشك بأنه يخفى شيئًا .. استقام واقفًا ولحق بأخيه مهرولًا ولكنه فوته حيث استقل كرم بسيارته وانطلق بها كالسهم ، فأصدر هو زفيرًا قوى بخنق !! ………..
***
يجلس حسن على مقعد خشبي ويحدق به بنظرة كلها شر بعد أن أفرغ هو الآخر شحنة غضبه فيه وبيده سكين يقلب بها يمينًا ويسارًا بعدما جلبها مسعد لكرم كما طلب منه في الهاتف ، وتارة ينظر للسكين ثم له وهو يفتر عن ابتسامة مريبة ، ثم هب واقفًا وقال بنبرة مرعبة وابتسامة أكثر رعبًا :
_ الحقيقة كان نفسي أعمل فيك اللي نفسي أعمله بالسكينة دي بس السكينة دي غالية أوي على كرم وهو هيكون حابب إنه يضع اولى أشكال انتقامه منك وثأره لمراته من خلالها ، وده ميمنعش إنك مش هتنال نصيبك منى وبطرق مختلفة بس مش دلوقتي
انضم كرم لهم وسار باتجاه ذلك الوغد وحدق بأخيه أولًا ثم التقط السكين من يده واقترب له هامسًا أمام وجهه في أعين تلمع بوميض الثأر وسرعان ما تخلى عن وجه اللطافة الذي كان يتحدث به مع زوجته قبل أن يأتى :
_ والله ووقعت تحت إيدي أخيرًا ، للأسف مش هقولك إنت محظوظ لإني اللي هعمله فيك هيخليك تتمنى الموت ألف مرة في الثانية ومش هخليك تنوله ، هخليك تجرب العذاب اللي عذبته ليها قبل ما تموت وهستمتع وأنا بسمع صوت صراخك زي ما كانت بتصرخ ومحدش سامعها
توجه حسن وجلس على مقعده وهو يهيأ نفسه لمشاهدة العرض المثير الذي سيقوم به أخيه في ذلك الحيوان ، وكان يقف بجواره مسعد يتطلع إليه أيضًا مبتسمًا بتشفى .
أكمل كرم وهو ينحنى قليلًا للأمام ليكون في مستواه جيدًا ويهدر بنظرة غامضة وأعين مظلمة كسواد الليل :
_ تعرف الطب الشرعي قال إيه .. قال إنها تعرضت للاعتداء الوحشي اللي ادى إلى نزيف معاها وبعد ما تعرضت للاعتداء تم طعنها 11 طعنة في أمكان متفرقة من جسدها وماتت في الحال ، وأنا شوفتها قبل ما تتدفن وشوفت الطعنات في جسمها وفاكر أمكانهم كويس أوى ، هااا تحب نبدأ بانهى فيهم ؟
تمكن الرعب من المكبل في مقعده جراء آخر جملة وسؤال وتعرقت جبهته من فرط الخوف ثم وجده يكمل بشراسة أكثر وهو يرفع أمامه السكين :
_ فاكر السكينة دي لقيناها في موقع الجريمة وإنت طلعت فصيح أوي مسحت بصماتك من عليها وسبتها مكنتش تعرف إن السكينة دي هي اللي هتكتب نهايتك
رفعها وقربها من ذراعه ثم حركها للأسفل على جلده لتدمي ذراعه الدماء ويطلق هو صراخًا متألمًا فيقول غير مباليًا بصراخه :
_ مش إيدك دي اللي لمستها برضوا ، ولمست مراتي النهردا قدام عيني
ثم اتجه إلى ذراعه الآخر وفعل المثل ولكن بعنف أشد وهو يكمل قاصدًا شفق بحديثه :
_ قولتلها متلمسهاش وهقطعلك إيدك مصدقتنيش للأسف .. ابتزتها بصورها وحاولت تعتدي عليها في المقابر ودخلت عليها البيت بليل وبتقولها كرم مش هيقدر ينقذك مني والنهردا خطفتها وفكرت تعتدي عليها قدامي وكنت متوقع إني هسكت وهقعد اتفرج عليك !!
كان الآخر صوت صراخه يملأ المكان من الألم بينما كرم فنزل بالسكينة إلى فخذه وغرزها في لحمه بكامل القسوة وهو يهتف يقصد بكلامه هذه المرة أروى :
_ طعنتها هنا فاكر ولا لا
صوت صرخته جلجلت المكان ورنت في أذانهم كالبرق وهو لا يزال يصرخ من الألم وأطلق صرخة اقوى من السابقة حين شعر به يخرجها ويغرزها في فخذه الآخر وهو يكمل :
_ وهنا كمان !
ثم أخرج السكين من فخذه بعدم رحمة ليصرخ الآخر أكثر ثم هتف :
_ دلوقتي بس أقدر أقول إني طفيت جزء بسيط من ناري ، وهكتفى بده حاليًا بس خليك مستعد لإنك هتموت قريب أوي
ثم اقترب وفك عن يديه القيود فيسقط هو على الأرض وهو يصرخ من الآم ذراعيه وفخذيه فحدجه بنظرة نارية وابتسامة متشفية ووجه له ركلات متعددة بقدمه واحدة منهم استهدفها أسفل الحزام ، ثم التفت وقاد خطواته للخارج ليلحق به حسن بعد لحظات من التحديق بذلك الملقى على الأرض وهو يصرخ من الألم ، وكانت مشاعر متشابهة لمشاعر أخيه تجاهه .. استقام ولحق بكرم وكذلك مسعد تاركينه بمفرده وحين خرجوا من البناية هتف كرم محدثًا مسعد :
_ راقبه كويس يامسعد وميغفلش عن عينك لحظة وعايزك تقولي كل مكان بيروحه ومتخلهوش يحس إنك بتراقبه هو دلوقتي أكيد هيتصل بحد عشان ياجي يلحقه راقبه واعرفلي هيروح فين
أماء له بالموافق ثم استدار واتجه نحو السيارة ليستقل بجوار أخيه وينطلقوا ، وبينما هما في الطريق هتف كرم بتساءل :
_ إنت عرفت اللي حصل إزاي ؟
_ كنت مخلي واحد يراقبك عشان متعملش تصرف متهور لو لقيته وتودي نفسك في داهية ، وشافك وإنت داخل المكان ده ولما مطلعتش منه لوقت طويل اتصل بيا وقالي على مكانك فجيت علطول
لم يعقب على فعل أخيه وصمت وهو يثبت نظره على الطريق ……..
***
انتهى من جلسة حديثه مع الجميع وهو يسرد لهم ما حدث بإختصار شديد ، ثم قاد خطواته نحو غرفته ليطمئن عليها .. فتح الباب ببطء وادخل رأسه فقط يلقى نظرة عليها قبل أن يدخل ليراها ممدة في فراشه وتولي ظهرها للباب .. دخل بجسده كاملًا ثم اغلق الباب وسار باتجاه الفراش ليجلس على حافته ويهمس في صوت منخفض :
_شفق !
كانت مستيقظة ولكن من شرودها وتفكيرها فيه وهي تتساءل ” ماذا فعل ياترى ؟ ” لم تشعر بوجوده إلا حين سمعت صوته فهبت جالسة والتفتت بجسدها كله ناحيته تهتف باهتمام :
_ كرم .. عملت إيه معاه !
تمتم في دفء :
_ متخفيش وفيت بوعدي ومقتلتهوش ، واخدتلك جزء من حقك إنتي واروى وقريب أوي إن شاء الله هكمل انتقامي منه
_ هتعمل إيه تاني ؟!
قالتها في قلق فأرسل لها نظرة من شأنها أن تخفف من حدة قلقها وتطمئنها وتمتم :
_ هتعرفي لما ياجي وقتها
تشدقت في خوف حقيقي ونفس مضطربة :
_ كفاية ياكرم اللي عملته فيه النهردا ، ابعد عنه بقى ده ممكن يأذيك
_ متقلقيش ، قومي يلا البسي طرحتك عشان نرجع البيت .. إنتي كويسة الأول واكلتي ولا لا ؟
أماءت بإيجاب وقالت بنبرة متهمة :
_ أيوة كويسة الحمدلله واكلت اطمن .. أنا اللي المفروض اسألك إنت كويس ولا لا ؟
ابتسم ابتسامة منطفئة لم تصل لعيناه وقال بمرارة يتحدث معها لأول مرة عن مايشعر به :
_ كويس أوي .. عارفة أنا كنت حاسس بإيه ياشفق .. كنت بحس إن في حاجة فوق قلبي وكل ما افتكر اللي حصلها وإني مش قادر اوصله أو اخدلها حقها كانت الحاجة اللي فوق قلبي دي بتخليني احس بنار قايدة وبتاكل فيا بالبطيء ، ومكنتش بقدر اتهنى في نومي ، بس النهردا وبعد اللي عملته فيه حسيت إن النار دي اطفت شوية
كانت تستمع له بسكون وملامحها أظهرت عن علامات الإشفاق والشجن بينما هو فأكمل بنبرة لا تختلف كثيرًا عن سابقتها :
_ كنت خايف عليكي أوي .. وخوفي زاد لدرجة الجنون لما عرفت إن الراجل اللي بيبتزك بصورك طلع هو اللي قتل أروى ، خوفت عليكي ليأذيكي زيها ويخليني اعيش عذاب الضمير تاني .. وكنت مستحيل اسمح إن اللي حصل مع أروى يتكرر تاني معاكي ، لما شوفته هو وبيلمسك اتجننت وحسيت بشعور وحش أوي مش هعرف اوصفهولك ولوهلة تخيلتها هي وإنه عمل معاها كدا بس الفرق إني أنا مكنتش جمبها ، بس أنا كنت جمبك وشايفه قدامي ومكنش قادر امسكه وده اللي جنني ، تعرفي لولا إن اللي عملته فيه مكنتيش هتقدري تشوفيه ومش هينفع مكنتش رجعتك البيت وكنت خليتك تشوفيه قدام عينك وهو بيتعذب وبيصرخ من الألم
لاحت على شفتيها الصغيرة بشائر ابتسامة رائعة وعيناها كانت تلمع بدموعها المتجمعة فيهم .
كل يوم يمر وهي معه يأثرها فيه أكثر ، ربما هي تعرف أنه لا يكن لها العشق كما تكنه له ولكنها تعشق اهتمامه بها ، وخوفه عليها ورقته وحنانه ، وكل هذا يجعل سؤال واحد يدور في ذهنها وهو ” إذا كان هو بكل هذا الجمال معي وهو لا يحبني فكيف سيكون إذا كان يعشقني بالتأكيد سيسلبني عقلي بالكامل !! ” .
مالت شفتيها تدريجيًا حتى افترت عن ابتسامة عريضة واقتربت منه تعانقه وذراعيها تحاوط رقبته وهمست في نبرة انوثية رقيقة :
_ مش عايزة أشوفه ، أهم حاجة إنك كويس وبخير .. ربنا يخليك ليا
رفع يده لشعرها الأسود الناعم مترددًا ثم أخذ يملس عليه برفق ودفء وشفتيه تميل قليلًا للجانب دون أن يظهر عن اسنانه ، ابتعدت عنه وقالت مازحة تحاول إضفاء شيء من البهجة :
_ لا بس الصراحة بعد اللي حصل ده صدقتك لما قولتلي متتغريش في المظهر
لم تفشل في رسم الضحكة على وجهه حيث أجابها بخفوت :
_ اطمني أنا مبكونش كدا إلا مع اللي بيأذيني وبيأذي عيلتي ، لكن مستحيل اخليكي تشوفي الجانب الوحش ده مني مهما حصل ومهما اتعصبت
استقرت في عيناها نظرة عاطفية وخرج صوتها ناعم كالحرير :
_ عارفة ومعنديش شك في ده !
_ طيب يلا بقى قومي عشان عشان نمشي لإني تعبان أوي ومحتاج ارتاح شوية
اماءت بالموافقة ووثبت واقفة ثم بدأت في ارتداء حجابها أمام المرآة …….
***
اليوم اتمت اليوم الثالث منذ رحيلها ، لا يحدثها ، لا يراها ، لا يعرف عنها شيء سوى أنها في حالة مزرية .. هو يعرف عشقها الجنوني له وقلبها المتيم بعشقه ، وكان آخر شيء يتوقعه أن تهجره هي ، فقد ظن أنها بلاءه لن ترحل عنه أبدًا ولن يتمكن من التخلص منها مهما حدث ! ، ولكن إصرارها على الطلاق وعدم رغبتها في رؤيته أو سماع صوته تدهشه كل يوم أكثر وأكثر ! .
هل هذا ندم أم شيء آخر ؟!
بالتأكيد هو ندم وقد اختلط بمشاعر متضاربة عندما رفضته وأبت أن تكون زوجته أكثر من ذلك ، نفسه تأكله وضميره يقتله لأنه رغب في قتل طفله البريء وقتل معه نفسها ، أهانها ولامها كأنها المخطئة وحدها ! ، والآن هو يعترف أنه خطأه بالفعل .. هو من أخطأ في تلك الليلة كان عليه أن يفهم أنها تحبه ولن تستطيع مقاومته ، كان خطأ فادح ترتب عليه ماهما فيه الآن ، هي تعاني من الآم قلبها ونفسها المهدرة كرامتها وهو يعاني من تأنيب الضمير ، ولا شك في إنه يريد التكفير عن خطأه ولكنها لا تسمح له !! .
كان في غرفته بمنزل والده بعدما عاد مع أخيه وانضم لغرفته يشاركها اضطرابته ، ففتحت هدى الباب ودخلت ثم اقتربت لتجلس بجواره على الفراش هاتفة باستغراب :
_ الوقت اتأخر ياحبيبي مش هترجع لمراتك مينفعش تسبيها وحدها لوقت متأخر كدا
_ يسر عند عمي ياماما
هزت رأسها بتفهم وقالت بابتسامة مشرقة وفرحة :
_ أيوة كدا أفضل كويس إنك خليتها تروح تقعد مع أمها عشان تاخد بالها منها ومن ابنها هي دلوقتي محتاجة تغذية وعناية خاصة
لا تعرف شيء ويخشى أن يخبرها فيصبها شيء من الصدمة وبالأخص حين تعرف بأنهم على عتبة الطلاق .. حسم أمره وهتف في أعين زائغة ونبرة بائسة :
_ يسر سقطت وراحت تقعد عند أمها وعايزة تتطلق وليا تلات أيام مكلمتهاش ولا شوفتها بسبب إنها مش بتسمحلي أساسًا
استحوذت عليها الصدمة بالكامل ، تحاول في البداية استيعاب فكرة أنها اجهضت الطفل ومن ثم استيعاب أمر الطلاق المفاجيء ولكن عقلها يرفض الاستيعاب أو حتى المحاولة ويأبي أن يصدق ما سمعته أذنها .. ظلت لدقيقة بالضبط ساكنة دون أن تصدر أي صوت وكأنها تنتظره أن يقول أنه يمزح معها ولكن لا حياة لمن تنادي فهتفت بذهول :
_ طلاق إيه والطفل نزل إزاي ، حسن بلاش تهزر معايا هزار بايخ يابني أنا مش حمل هزارك
_ مش بهزر ياماما هو ده اللي حصل فعلًا ، بحاول أشوفها وأخليها ترجع بس رافضة تشوفني نهائي
_ حصل إزاي ده هي لسا من تلات أيام كانت مكلماني وبتقولي إنها حامل وفرحانة ، إزاي سقطت ده حتى عمك وعلاء مجابوش سيرة نهائي
قالتها بشيء من الانفعال ليتنهد هو الصعداء ويستطرد مخترعًا كذبة حتى يخفي قذاراته عن أمه :
_ بعد ما كلمتك تعبت خالص وروحنا المستشفى والدكتور قال إنها أجهضت بسبب إنها مكنتش بتهتم بنفسها وعرفت متأخر إنها حامل ، واحنا كان في مشاكل كتير بينا ومكناش متفاهمين وشدينا مع بعض فهي لمت هدومها ومشيت وعايزة تتطلق
هتفت هدى بحدة ونظرات ثاقبة :
_ يسر بتحبك ياحسن وكلنا عارفين ده ومستحيل تطلب الطلاق إلا لو حصلت حاجة كبيرة ومش هيَّنة ، قولي حصل إيه ده إنتوا مكملتوش شهرين ؟!
ضيق عيناه في ندم والقى نظرة طويلة على أمه ، لا يتمكن من مواجهتها بالحقيقة التي هو المخطأ الوحيد فيها ، أبعد نظره عنها متمتمًا بصوت غريب :
_ أنا اللي غلطان ، هي عندها حق تطلب الطلاق ، أنا اللي اتسرعت من البداية في الجواز منها كان لازم افكر كويس أوي قبل ما اتصرف بتهور
جحظت عينان هدى بريبة من ما يتفوه به ” تسرع ، تهور !!! ” وماذا عن حديثه أمامها هي وعمه عندما عرض على عمه وطلب منه الزواج من ابنته !! .
هتفت بصرامة :
_ تسرع !! ، مش على أساس إنك كنت معجب بيها ورغم إني مكنتش مصدقة الكلام ده بس قولت طالما إنت بتحبها زي ما قولت يبقى مش هوقف قدامك ، بس شكله الموضوع مكنش إعجاب ولا حب صح ولا لا ؟!
قال باختناق ووجه بائس :
_ ماما أنا مش قادر اتكلم والله صدقيني .. لما اكون جاهز هاجي واحكيلك كل حاجة
هدى بنفاذ صبر وضجر من إخفائه عليها لحقيقة الأمر :
_ ماشي ياحسن !!!
استقامت واستدارت ناحية الباب ورحلت ، وبقى هو يحملق في السقف بشرود كما كان قبل مجيئها …… !
***
كان حسن في مكتبه بالشركة في الصباح التالي يباشر أعماله بتركيز شديد في محاولات بائسة منه لصرف تفكيره عنها .. يستطيع المقاومة لخمس دقائق ثم تعصف بذهنه صورتها من جديد فيزيحها ويحاول التركيز مجددًا على عمله ، حتى صك سمعه صوت رنين الهاتف فامسك به وتطلع إلى شاشته ليتأفف بخنق بعدما رأى اسم المتصل وأجاب :
_ أيوة ياعمي
_ تعالى ياحسن عندي على البيت عايز اتكلم معاك
تمتم بعدم حيلة متنهدًا بعمق :
_ حاضر ياعمي جاي
استقام من مقعده وهو يمسح على وجهه بعدما اغلق الهاتف ووضعه في جيبه ، سيهيأ نفسه من قبل أن يصل لأي شيء قد يقوله عمه أو يطلبه منه .. أخطأ ويجب عليه دفع الثمن حتى لو كان ثمن غالي ولا يريده ! .
وصل إلى منزل ” طاهر العمايري ” نزل من سيارته ، وحثته قدماه على السير في اتجاه الباب يمر على الحديقة الكبيرة نسبيًا أولًا حتى يصل للباب وبينما هو في طريقه يسير متثاقلًا كدليل على عدم رغبته في مقابلة عمه وهو يتوقع جيدًا ما سيطلبه منه ، وجد عيناه ترتفع لأعلى بتلقائية ، وبلحظة عابرة التقطتها نظرته وهي تقف في شرفة غرفتها بأعلى تتابعه .. توقف عن السير ورفع رأسه لأعلى ينظر لها بصمت يتفرس ملامحها التي ظهرت عليها الكآبة ، ليرى في عيناها نظرة ثاقبة تحمل الغضب والبغض .. لم يراها تنظر له هكذا ابدًا من قبل مما جعله يطيل النظر إليها وكأنه يبحث عن شيء معين بين ثنايا عيناها .. استدارت وابتعدت عن النافذة حتى تختفي عن ناظريه ليعود هو برأسه لوضعها الطبيعي مصدرًا زفيرًا حار ، وأكمل طريقة نحو الباب حتى فتحت له زوجة عمه تخبره بأن عمه بانتظاره في مكتبه الخاص فأماء بتفهم وتحرك نحو المكتب .. طرق طرقتين خفيفتين ليأتيه صوته الغليظ يسمح للطارق بالدخول فامسك بمقبض الباب واداره ثم فتحه ودخل وتركه خلفه مواربًا .. كان طاهر يجلس على أريكة سوداء يحدجه بنظرته الهادئة وفي نفس ذات اللحظة حازمة ، فاقترب وجلس بجواره وسأل كلاهما الآخر عن أحواله ثم بدأ طاهر بالتحدث فيما هو مهم :
_ يسر مصممة على الطلاق بطريقة غريبة ومش عايزة تقول اللي حصل بينكم وتقريبًا لو سألتك إنت كمان مش هتقول ، ومن ساعة ما جات وهي شبه منقطعة عن الأكل وحالتها سيئة جدًا ، وأنا مش هقدر اشوفها بالمنظر ده .. أنا سلمتك بنتي ياحسن وامنتك عليها وآخر حاجة كنت اتوقعها منك إنك متحفظش على الأمانة
اطرق رأسه بخزي لا يقوي على رفع نظره في وجهه من خجله وتمتم بصوت حزين :
_ أنا آسف ياعمي !! .. أنا غلطان ومعترف بغلطي والله وعايز اكفر عن الغلط ده واحاول اخليها ترجع بس هي مش بتديني فرصة حتى احاول اتكلم معاها
ثم ثبت نظره على وجهه وقال بصدق ونبرة مهمومة يجيبه على الطلب الذي يتوقع أنه سيطلبه منه من قبل أن يطلبه حتى :
_ أنا مش عايز اطلقها !!!
رتب طاهر على كتفه وقال برزانة وأعين دافئة :
_ أنا مش جايبك هنا عشان اطلب منك تطلقها أنا جايبك عشان تتكلم معاها وتحاول تحل المشكلة اللي بينكم يابني ، أنا أكيد مش هكون حابب أنها تطلق ، بس لو صالحتها وحليت المشكلة وقتها هيكون في كلام تاني بينا
ابتسم له وشكره بامتنان على تفهمه :
_ شكرًا ياعمي .. إن شاء الله كل حاجة هتتحل
_ إن شاء الله يابن الغالي ، يلا اطلعلها واتكلم معاها
استقام فورًا وهو يوميء له بالأيجاب ، وسرعان ما انصرف وصعد الدرج يقود خطواته في اتجاه غرفتها ، وقف أمام الباب واستنشق شهيقًا طويل وأخرجه زفيرًا متهملًا ثم طرق الباب وفتحه ببطء ودخل ليقف ويلقى نظرة إمعان عليها وهي تقف أمام المرآة وتمسك بفرشاة للشعر تغلغلها بين خصلات شعرها الحريري برفق من أعلى وتنزل بها لأسفل خصلاتها ، وحين رأت انعكاس صورته في المرآة فتوقفت عن التسريح ونظرت له مطولة من المرآة في قوة ثم عادت تكمل التسريح وهتفت بصلابة :
_ اتمنى تكون جاي ومعاك اوراق الطلاق وإلا ملهاش لزمة جيتك
تنهد بيأس والتفت نصف التفاتة للخلف ليغلق الباب ثم تحرك نحوها بخطوات ثابتة وتوقف خلفها مباشرة يتطلع للمرآة التي تعكس وجهها إليه ويهمس :
_ أنا آسف !!!
خرجت منها ضحكة ساخرة على اعتذاره السخيف ، الذي لن يفيدها بشيء .. استدارت بجسدها كاملًا إليه وحملقت به في جفاء متمتمة بنبرة نجحت في أن توهمه من خلالها أنها لم تعد تعشقه :
_ للأسف جات متأخرة .. ياريتك كنت قولتها قبل ما انزل الولد .. آسف !! ، كلمة سخيفة وملهاش أي ستين لزمة زي حجات كتيرة في حياتي أولهم إنت
لم يعقب على جفائها وتقبله بدون اعتراض ، وتحدث بنبرة غير مصدقة :
_ دلوقتي بقيت مليش لزمة !
_ جاي ليه ياحسن ؟!
كان سؤال مباشر وواضح لا يحتاج لشرح تفاصيل وجهها وهي تقوله ، أما هو فأجابها بدون أي مقدمات وبعبوس :
_ جاي عشان اعتذرلك واخليكي ترجعي معايا البيت
سكنت للحظات تحدقه والصمت سيد الموقف حتى ابتسمت بمرارة وتجمعت الدموع في عيناها وهي تجيبه بشيء ليس له علاقة بما قاله :
_ فاكر لما قولتلك إني بتمني اكرهك وإنه في يوم من الأيام هكرهك فعلًا وابارلك على الفوز .. أنا دلوقتي اقدر اقولك مبروووك إنت اللي كسبت في اللعبة ونجحت إنك تخليني اكرهك ولأول مرة في حياتي احس إني مش عايزاك ولا عايزة اعيش معاك زي ماكنت بتمنى
لسانها ينطق بالكره وعيناها تتحدث بالعشق !! ، وهو ليس أحمقًا ليجهل عن قراءة عيناها التي تنظر له بشوق وكأنها تخبره بأنه تود معانقته وأنها تعشقه ولا تريد الافتراق عنه ولكن ما فعله يمنعها عن العودة من جديد .
تحرك خطوة للأمام وهمس وهو لا يفصله عنها شيء يحاول التماس العذر منها بنظراته :
_ طيب ممكن تتراجعي عن الطلاق ده وصدقيني أنا ندمان جدًا على اللي عملته وإني خليتك تنزليه وعايز اصلح غلطي على الأقل في الأول وبعدين نتطلق
حجة مختلفة اخترعها ليوهمها بأنه ينوي الانفصال عنها وحتى تعود معه لمنزلهم ولكنها لم تصدق اعتذاره ولا حتى ندمه وأنه يود تصحيح خطأ !! ، وأساسًا أي خطأ سيتوجب عليه تصحيحه أولًا هل اهانته المستمرة لها أم جفائه ، أو ربما يريد تصحيح صفعته لها وإجبارها على اجهاض طفلهم .
هتفت بحزن دفين وتذمر :
_ كفاية ياحسن متمثلش عليا إنك مهتم بيا ومتمسك بيا أوي لإنك عمرك ماحبيتني ولا هتحبني ، إنت حاسس بالذنب تجاه ابنك اللي كنت السبب في قتله وبتحاول تراضي ضميرك بالطريقة دي ، بس أنا مش هتراجع وهتطلقني
_ مش هطلقك يايسر أنا مش عايز اطلقك !!
قالها بشيء من الانفعال لتصيح به وهي تلكمه على صدره بعنف :
_ قولتلك متمثلش عليا دور الندمان ، أنا مهمكش في حاجة أساسًا .. وإنت واحد لا يطاق ومبتعرفش تحب حد .. أنا متخلتش عنك أو عن حبي ليك للحظة وكان دايمًا عندي أمل ومصممة إني هحصل على قلبك بس اكتشفت إنك معندكش قلب عشان تحبني بيه أصلًا ، أنا بكرهك ياحسن .. بكرهك وبكره اليوم اللي حبيتك فيه
توقفت عن لكمه على صدره ومدت اناملها لوجنتيها تجفف دموعها التي انسابت بحرارة على وجنتيها وأكملت بصوت مبحوح دون أن تنظر لوجهه :
_ طلقني حالًا وامشي ، طلقني وخليني ارتاح من الغلط اللي غلطته لما اتجوزتك
كالصنم يحملق بها دون أن يتكلم يتابع انفعالاتها ودموعها ويستمع لبحة صوته ، وقد بغض نفسه كثيرًا لأنه اوصلها لهذه الحالة ، ارتفع بها للسماء حين تزوجها وتركها الآن من القمة لتسقط من ارتفاع أمات الكثير في قلبها .
وجدها تعاود الصراخ به وهي تلح عليه بأن ينطقها :
_ بقولك طلقني إنت مبتفهمش .. طلقني واطلع من حياتي مش عايزاك تكون فيها بعد كدا
ضغطت عليه بشدة بكلماتها وبدون وعي أو ادراك لما ستسبب له هذه الكلمة من الآم فيما بعد قال بصعوبة وكأن الكلمة لا تريد الخروج و هو شبه مغيب عن الواقع :
_ إنتي طالق !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى