روايات

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثاني 2 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الفصل الثاني 2 بقلم آية محمد رفعت

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الجزء الثاني

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) البارت الثاني

الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)
الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء)

رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء) الحلقة الثانية

وصلت سيارة “أحمد” لداخل المنزل، فتراجل كلاً منهما ومن ثم ولجوا للداخل، إتجهوا للمندرة فوجدوا الرجال مجتمعون بالداخل، وأكواب الشاي الساخنة محكمة بين الايدي، اقترب “آسر” من أبيه ثم قال بوقارٍ صاحب لهجته:
_عملنا اللي حضرتك قولت عليه، تممنا على العمال وشحنات الفاكهة اللي سافرت للمصانع، والحسابات كان فيهم كام غلطة بس “أحمد” صلح الدنيا..
هز “فهد” رأسه وهو يردد باستحسانٍ:
_عفارم عليكم، رجالة صوح..
رفع “سليم” يديه ليطرق على كتف “آسر” و”أحمد” بتباهي:
_أمال أيه مش من صلب الدهاشنة..
قال “أحمد” ببعض المرح:
_طيب يا عمي احنا نازلين من القاهرة على لحم بطننا، وقرفنا من الدلفيري وسنينه السودة فين المحمر والمشمر والذي منه…
تعالت ضحكات “سليم” حتى كشف عن أنيابه، فنهض “عمر” ليشير له ساخراً:
_خف شوية من اللغ تخنت وبقا ليك كرش..
حدجه بنظرةٍ حزينة وهو يتابع بقوله المنتحب:
_ويوم ما هفكر اعمل ريجيم هعمله وأنا هنا، لا لو سمحت يا والدي العزيز سبني أعوض هنا ولما أرجع القاهرة ابقى أعمل ريجيم..
علق “آسر” باستهزاءٍ:
_ولا عمره هيخس يا عمي اسمع مني..
أشار لهم “فهد” بحزمٍ:
_غيروا هدومكم وكلوا لقمة وبعدين نتحدت..
إنصاعوا لكلمته فأتجه كلاهما للداخل، فقال “سليم” بفخرٍ يتبع لهجته السعيدة:
_العيال مبقوش عيال بقوا رجالة بشنبات، كبرونا ولاد الأيه..
ابتسم “عمر” ليضيف بسخريةٍ:
_احنا اللي العمر جرى بينا ومبقناش صغيرين يا “سليم”..
حاوطه بكتفيه ليستطرد قائلاً:
_العمر يجري ما يجري هنفضل مع بعض يا واد عمي..
احتضنته وهو يشاكسه بكلماته:
_الكلام الحلو ده مش بيريحني واصل..
قال الاخير بمكرٍ:
_بقيت بترطم صعيدي اهو..
تعالت ضحكات كلاً منهما، والكبير يتابعهما بابتسامة حب تشع من حدقتي عينيه الحنونة، خلف حاجز الهيبة الذي صنعه لنفسه حافظ على بعض الخصال التي تنتمي لشخصه، فحينما يستلم منصب الكبير يلغى الخصال الطيبة بداخله، فأن صدر عنه تصرف يدل على نبله وكرم أخلاقه قد يظنه البعض ضعف منه، وبالرغم من ذلك ظل يحتفظ بداخله بما يبقيه على إتصالٍ قوي بالفهد!..
********
جلس”آسر” على المقعد المقابل لأحمد المنغمس بتناول الجبن القديم، والفطير الشهي، فناده بصوتٍ منخفض وهو يتفحص المكان من حوله:
_متجبش سيرة للكبير باللي حصل على الطريق، فاهم؟
أكمل تناول طعامه وهو يجيبه ببسمةٍ خبيثة:
_متقلقش هو هيعرف بس مش مني، أبوك حبايبه كتير.
ذم شفتيه بضيقٍ لصدق عباراته الصريحة، انتبهت حواسه لمن اقتربت منه قائلة بابتسامة أشرقت وجهها المعجد:
_حمدلله على سلامتك يا ولدي..
نهض عن المقعد ثم أسرع لينحني طابعاً قبلة عميقة على يدها وهو يردد بابتسامةٍ صافية:
_الله يسلمك يا ستي، ليه تتعبي نفسك وتقومي من سريرك أنا شويه وكنت طالعلك..
انصاعت ليديه التي تعاونها على الجلوس، فجلست وهي تمرر يدها المرتعشة:
_لا لزمن أشوفك واضمك لصدري قبل امك..
جذب المقعد الأخر ليكون مقابلها، فطبع قبلة أخرى على رأسها بحنانٍ:
_مفيش حد أغلى عندي منك يا نبع الحنان..
احتضنته “هنية” بحبٍ شديد وهي تردد برضا:
_ربنا يحميك لشبابك يا ولدي..
ضحك “أحمد” ثم قال:
_واكل بعقلك حلاوة الواد ده..
أشارت له بالاقتراب، فانحنى على مقعدها لتحتضته بحنانٍ، ثم مررت يدها على خصلات شعره لتخبره بصوتٍ منخفض:
_بيفكرني بولدي “فؤاد” عمك الله يرحمه..
ابتسم “أحمد” ثم طبع قبلة على كف يدها:
_ربنا يرحمه، ويباركلنا في عمرك يارب..
هبطت “راوية” سريعاً منهما ليعلو صوتها المنادي بحماسٍ:
_”آسر”..
تقدم ليصبح مقابلها فاحتضنته بفرحةٍ:
_وحشتني اوي، غيبت علينا المرادي كدليه؟
أجابها هامساً بمرحٍ:
_جوزك طحنا بشغل المصانع!
ضحكت بصوتٍ مسموع، فقالت “هنية” بذهولٍ:
_بتقولها أيه!
أخشونت نبرة صوته بثباتٍ:
_ولا حاجة ده أنا بقولها هطلع أريح شوية لحسن أنا تعبان اوي من السفر..
وغمز بعنينه لراوية التي ابتسمت وهي تشير له بيديها على الهاتف فهمس بصوتٍ شبه مسموع:
_هكلمك يا كبيرة..
تعالت ضحكاتها، وهي تتأمله يستكمل طريقه لغرفته بالطابق العلوي، فجلست هي الأخرى على المقعد المقابل لأحمد لتسأله باهتمامٍ:
_طمني على “روجينا” و”ماسة”و”حور” والشباب عاملين أيه؟
رد عليها وهو يرتشف الشاي الساخن:
_كلهم بخير يا مرات عمي وان شاء الله هينزلوا الصعيد في اجازتهم..
قالت بارتياحٍ:
_الحمد لله..
ثم اردفت:
_اطلع يا ابني شوف والدتك كانت قلقانه عليك من الصبح، خد الشاي وأطلع طمنها عليك ..
ابتسم لرقة قلبها، فابعد المقعد للخلف قليلاً ثم كاد بالصعود ليجد “نادين” من أمامه تشير بيدها بمشاكسةٍ:
_يا مراحب بالحبايب..
ومن ثم اندفعت بحديثها:
_قولي يابن “ريم” الواد “بدر” ابني مدورها في مصر ولا لسه بلوكه زي ما هو؟
كبت ضحكاته ليجيبها بصعوبةٍ:
_مهو انا مش فاهم حضرتك عايزاه يدورها فانفي الوضع ده ولا هتتفاجئ وتنصدمي لو عرفتي فأشعلل الدنيا بينكم..
حكت رأسها بتفكيرٍ ثم قالت بلهجةٍ صعيدية:
_والله يا ولدي ماني خابرة..
تعالت ضحكات “أحمد”، فقالت”هنية” بضيقٍ:
_وبعدهالك يا “نادين” هملي الواد يطلع يشوف امه..
ثم قالت:
_اطلع يا ولدي وسيبك من المخبولة دي..
كبت ضحكاته وهي يستكمل طريقه للأعلى، اما “نادين” فجلست جوار “راوية” وهي تردد بغضبٍ:
_كده يا خالة، أنا مخبولة!
اكدت لها حينما قالت:
_مخبولة من يوم يومك ايه قولك؟
ضحكت “راوية” وهي تتأملها تستشاط غيظاً كالطفل الصغير متناسية مرور الأيام عليهما ليشيب الشعر ويطغو الشيب على اجسادهم..
**********
لافتة ضخمة تلمع على أبواب المصانع العملاقة تضم إسم “مصانع عائلة الدهاشنة” بخطٍ موثوق، العمالة تدب بالداخل كخلية النحل النشطة التي تحوم باجتهاد، آلاف من المعدات الحديثة يشملها عدد من العمالٍ، وأخرون يغسلون الفاكهة جيداً قبل أن يحضرونها للمرحلة التالية، وهناك من يرص الأكياس بعنايةٍ بداخل الكرتون، ومن وسط هؤلاء كان يمر بينهما يتفحص الفاكهة باهتمامٍ، يحرص حرصاً شديد على العمل الجاد فيما بينهما ليسرع بتلبية الطلبيات بموعدها حرصاً على سمعتهم المرهونة، فمشط بيديه خصلات شعره الطويل التي تزعج عينيه لينتبه لمن يناديه لاهثاً:
_بشمهندس “بدر”..
استدار” بدر” إليه وهو يتساءل بثباتٍ طاغي:
_في أيه؟.
أجابه بتوترٍ مما يحمله من أخبار غير سارة:
_الحج “مدحت” عامل مشاكل في الحسابات يا بشمهندس، عايز يخصم أكتر من ٨٠٠٠ج..
ضيق عينيه باستغرابٍ:
_ليه هو أول مرة يشتري مننا ولا أيه؟
ثم أشار له بحزمٍ:
_روح أنت شوف شغلك وأنا هشوف الموضوع ده..
أومأ برأسه ثم غادر، ليتجه “بدر” سريعاً لمكتب المحاسبة، فما أن رأه المحاسب حتى نهض سريعاً عن مقعده، ليجلس محله ثم ضم يديه على سطح المكتب متسائلاً بصرامةٍ:
_خير يا حاج..
رفع حاجبيه باستغرابٍ:
_حضرتك محاسب هنا!، اقصد يعني بتشتغل أيه انا عايز حد من أصحاب المصنع عشان أتكلم معاه..
قال بثباتٍ:
_معاك.. إتفضل..
ردد بدهشةٍ:
_أنت ابن “فهد” بيه؟
أجابه بضيقٍ من أسئلته المبالغ بها:
_حضرتك بتضيع وقتك ووقتي، طلبت تشوف حد من الملاك وجيتلك بنفسي هتقضيها جلسة تعارف بقا!
لعق شفتيه بارتباكٍ من صرامته المخيفة، ثم قال:
_أنا بصراحة كنت مستغلي الاسعار اللي حطينها وعايز تخفيض ده انا حتى زبونكم..
رد عليه بواجهاً واجم:
_زبونا يبقى عارف السعر لأنه ثابت ومرفعش أيه اللي مخليه مش عاجبك المرادي!.
قال بلهجة حماسية ظنها اسلوباً خبيثاً ليجعله يخفض من الثمن المطروح:
_ما في أكتر من مصنع فاتح جنبكم وبيبعوا بنص التمن تقريباً..
أغلق “بدر” الحاسوب من أمامه، ثم نهض ليعدل جرفات بذلته السوداء الانيقة ليجيبه بجفاءٍ:
_يبقى مبروك عليك وحلال عليك الجودة والطعم..
وتركه وغادر والاخير محله لا يعي ما الذي اقترفه بغبائه الشديد الذي ظنه نقطة ذكاء سيجبره على إزهاق الثمن، رغم تأكده من جودة مصانع “الدهاشنة” المعروفة، فاسرع تجاه أحداهم ليخبره بهلعٍ:
_عايز أقابل بشمهندس “يحيى” ضروري..
أرشده لمكتبه بالطابق العلوي، فصعد سريعاً إليه..
*******
بمكتب “يحيى”
كان هائماً بالصورة الفوتوغرافية الموجودة على سطح مكتبه، الابتسامة التي تزين وجهه وهو يحتضنها بفرحة تضيء عالم مظلم بأكمله، يديه التي تحتضن بطنها المنتفخة بجنينه البالغ من العمر ثمانية أشهر تنبض بقوةٍ حينما يتذكر تحركه أسفل أصابعه، وجه “ماسة” المشرق يفتت قلبه المذبوح، كم كان يشكلا ثنائي رائع، أول من أطرق العشق بابهما بعائلة الدهاشنة، فعلى الرغم من حب “آسر” الشديد لماسة وتعلقه بها الا أنها أحبته هو، ولم تخشى أبداً الاعتراف بذلك أمام كبير الدهاشنة بذاته، حينما هبطت للمندارة بعدما كان يجتمع الرجال لقراءة الفاتحة على ما اتفقوا به، فوقفت أمام “فهد” قائلة:
_عمي، أنا مش موافقة على الجواز من ابنك..
صعق الجميع وعلى رأسهم أبيها “عمر”، حتى”يحيى” تطلع لها بصدمةٍ فبالرغم انه كان يعشقها حد الموت الا أنه لم يجرأ على الاعتراف بذلك، أسرع “أحمد” تجاه شقيقته فأمسك بذراعيها بعنفٍ:
_أنتِ بتقولي أيه؟
قالت بدموع غمرتها:
_بقول أني مش موافقة، انا مبشوفش “آسر” غير أخويا الكبير..
ضرمت الآلآم “آسر” لتفتته جريحاً، واسرع “عمر” تجاهها ليصرخ بها بقسوةٍ:
_من أمته الكلام ده، ما طول عمرك وأنتي عارفة أنك ليه؟..
أخفضت رأسها أرضاً بخوفٍ، فبترت الأنفاس وتلاشت الهمسات حينما رفع “فهد” صوته:
_سبها تتحدت وتقول اللي عايزاه يا “عمر”..
وأشار لها بالاقتراب قائلاً:
_تعالي يا”ماسة”..
اقتربت لتقف على مسافةٍ منه وعينيها موضوعة أرضاً بحرجٍ شديد، جسدها يهتز بعنفٍ من فرط شهقاتها المكبوتة، تعالى صوت الكبير متسائلاً:
_أنتي مش عايزة تتجوزي خالص ولا المشكلة في ولدي بس..
رفعت طرف عينيها تجاه”يحيى” ثم أشارت بالنفي، فعاد ليسألها من جديد:
_بتحبي حد!
لعقت شفتيها بارتباكٍ فتحدت ذاتها، بالرغم من وجود الكثير من رجال العائلة بالمندرة، تعلم بما سيقال عليها ربما بالجريئة وربما بعديمة الحياء وربما بالابشع من ذلك، ولكنها ستفعل المحال لأجل حبها، فإن صمتت وقبلت بالأمر ستجلد ذاتها الباقي من حياتها، هزت رأسها كأجابة صريحة على سؤاله المطروح فعاد ليتساءل من جديدٍ:
_مين؟.
رفعت يدها لتشير على من إختاره القلب بارادته، من عشقته قلبٍ وقالباً، ذاك الذي يغلفها بنظرةٍ مخطفة من مسافة يضمنها سلامة لها، ذاك الذي يراقبها بالخفاء وإن أوشك الأذى على مسها يواجهه أولاً، انتقلت الوجوه جميعاً إليه، فأشار له “فهد” بعينيه ليقف أمامه، نهض “يحيى” عن محله ليقف أمام الكبير، جوارها سكنت قليلاً وكأن بسكنته أمان من الأعين المتربصة بها، طالت نظرات “فهد” المتنقلة بينهما، قرأ العشق صريح بعينيه من قبل أن يستمع إليه، الصمت الذي ساد المندرة كسره صوت “فهد” حينما نطق بصرامته الجادة:
_فرحهم السبوع الجاي..
ردد “عمر” بدهشةٍ من قراره الذي يعد بمثابة سلسال جحيم يحكم إغلاقه على “آسر”، فقال:
_أيه اللي بتقوله ده يا”فهد”؟
بحزمٍ شديد أجاب:
_كلامي واضح للكل، السبوع الجاي فرح”يحيى” و”ماسة”..
رنت تلك الذكرى كالمنبه بذكراه، لتترك بسمة على شفتيه وهو يتذكر كم جابهت أعتى الظروف لأجله هو، أمسك بالصورة ثم مرر اصبعه على بطنها المنتفخة فكأنما لامس تلك الذكرى البغيضة التي فتكت بعش زواجه، فأبعد يديه سريعاً عنها وكأنه غير مستعد لتذكر تلك الذكريات المشؤمة الآن، أفاق “يحيى” على صوت طرقات باب مكتبه، فأذن للطارق بالدخول؛ ولجت بابتسامتها التي تجاهد لجعلها أكثر اشراقاً عل محبوب طفولتها يشعر بحبها الشديد إليه، تهواه منذ الصغر فكانت تراه دائماً كونه الصديق المقرب لشقيقها منذ أيام الجامعة، هاجت وماجت حينما علمت بأمر زواجه وهدأت بعدما علمت بما حدث لزوجته بعد زواجه، وخاصة حينما قيل بأنها أصبحت مختلة عقلياً فظنت بأنها فرصة مناسبة للتقرب منه، فأدعت حاجتها للعمل عل قربها منه يجعله يشعر بها، أجلت “يمنى” صوتها:
_ بشمهندس “يحيى”، في واحد برة من تجار الجملة عايز يقابل حضرتك.
ضيق عينيه باستغرابٍ ثم قال:
_دخليه.
ولج العجوز للداخل فأشار له”يحيى” باحترامٍ:
_اتفضل..
جلس على المقعد المقابل له، ثم بدأ حديثه بابتسامة واسعة:
_ما شاء الله على الوش السمح ده..
أفتر وجهه عن بسمة صغيرة ليشير له قائلاً:
_تحت أمرك يا حاج، أومرني..
قال بحزنٍ مصطنع:
_أنا طلبت أشوفك مخصوص عشان أشتكيلك من المحاسب المتنك اللي تحت ده، بقوله يهونها شوية بالسعر قالي يفتح الله.
أجابه بمكرٍ بعدما تابع بالكاميرات من أمامه بمن يقصده:
_”بدر” تقصد..
قال بمحايدةٍ:
_أعتقد هو..
أومأ برأسه قبل أن يضيف:
_”بدر” ابن عمي مبيقولش حاجة غلط أو بيتصرف اي تصرف مش مناسب، السعر موحد عندنا وأنت مش اول مرة تتعامل معانا يا حاج عارف مصانعنا كويس وشغلنا ولا أيه!.
صمت قليلاً ثم قال:
_على خيرة الله..
وأخرج من جيبه شيك من المال ليوقعه أمامه ثم ناوله إياه قائلاً بوجومٍ:
_أقدر أستلم امته..
استلم منه الشيك ببسمةٍ مصطنعة:
_هأمرهم حالاً يجهزوا لحضرتك طلبياتك..
شيعه بنظرةٍ أخيرة ثم ترك باب المكتب مفتوح على وسعيه ليغادر بغيظٍ كاد بأن يقتله، أما من بالخارج فتأملته بنظرة شاردة بعدما منحها هذا الغريب فرصة لرؤيته يعمل أمام أنظارها المتلصصة علها من ستدفع “ماسة” لأول طريقها بالشفاء!
*********
بغرفة “ريم”..
أحاطتها السعادة بهالةٍ ساحرة حينما رأت ابنها يقف من أمامها، احتضنته”ريم” بسعادةٍ، ثم تساءلت بلهفةٍ:
_قولي يا حبيبي أنت أخبار أيه، بتأكل زين!
تعالت ضحكات “أحمد” ليردد بسخريةٍ:
_ لو جوزك مكنش قالي بنفسه أني منفوخ كنت صدقتك..
واستطرد بمرحٍ:
_متقلقيش عليا يا ست الكل أنا بدبر نفسي وعايشين على الدليفري ومية فل وعشرة..
تطلعت له مطولاً قبل أت تسأله بترددٍ:
_قولي يا ولدي، هي “روجينا” خطيبتك مش بتعملك وكل أنت وأخوها!
عند ذكرها لا يعلم لما يعتريه الضيق، يشعر وكأن ليس بينهما أي توافق، يراها عنيدة دائماً ما تثيره للتعصب، وبالرغم من ذلك يرضى بواقعه، فمن وجهة نظره هي المناسبة إليه، خرج عن قوقع الصمت القاتل ليجلي أحباله الصوتية:
_لا هي مشغولة بجامعتها..
ارتسمت بسمة لا ارادية على شفتيه وهو يستسل:
_بس “حور” لما بيكون مش عليها مذكرة بتعملنا أحلى طواجن وأكل من اللي قلبك يحبه..
ابتسمت هي الاخرى لتضيف على كلماته:
_”حور” دي بنت جدعة وزينة، اللي يشوفها ما يصدقش إنها بنت “نادين” المخبولة..
ضحك بصوته كله، ليجاهد بقول:
_لسه ستي مدياها المرشح إياه تحت..
قالت بصدقٍ يتبع ابتسامتها الرقيقة:
_الحق يتقال يا ولدي هي اللي عاملة للدار حس، من غيرها تحسها خرابة..
تمدد على الفراش، ثم وضع رأسه على قدميها لتمرر يديه بين خصلات شعره الفحمي بتدليكٍ خفيف تزيح به آلام رأسه، فهمس باسترخاءٍ:
_محدش جوهرة البيت ده اللي أنتي يا ست الكل..
تعالت ضحكاتها باستمتاع لسماع المحبب إليها منه، فأخذت تدلك فروة رأسه حتى غفى على قدميها كالطفل الصغير!..
*********
أحكمت “حور” الخمار حول جسدها مانعة الهواء من أن يطيح به يساراً ويميناً، استدارت تبحث عنها هنا وهناك، فجذبت هاتفها ثم رفعته لتبرطم بضيقٍ:
_راحت فين دي؟
_أنا هنا..
استدارت “حور” لتجدها تلوح لها بابتسامة عذباء:
_عارفة اني أتاخرت بس عما وصلت من البلد.
احتضنتها وهي تردف بانزعاجٍ:
_مش عارفة أنتي مبهدلة نفسك ما بين هناك وهنا ليه يا “تسنيم”!
حدجتها بنظرةٍ منزعجة من عينيها الخضراء الساحرة لتخبرها بحزنٍ:
_مش قولتلك يا”حور” أن بابا رجله مكسورة وأنا بحاول أساعده على قد ما أقدر..
أجابتها بدهشةٍ:
_تساعديه ازاي، بت أنتي بتروحي معاه الأرض!
قالت بثباتٍ وفخر:
_وماله مش ابويا اللي طول عمره شايلنا على كفوف الراحة، بيشقى وبيتعب عشان مين!
حاوطتها بحنانٍ ثم قالت بتوضيحٍ:
_أنا مقصدش يا سولي، وبعدين لو مكنتيش أنتي اللي تشيلي باباكي مين اللي هيشله، أنا بس كنت فاكرة انك بتسافري عشان تطمني عليه وإنه جايب حد يشتغل بالارض بالأجرة..
أعدلت طرف حجابها المتساقط من خلفها، ثم قالت بحرجٍ واضح:
_كان نفسه يعمل كده بس الحالة على القد، أنتي عارفة بقا مصاريف الجامعة وجهاز أختي زنق الدنيا شوية..
تعلم جيداً عزة نفس صديقتها المقربة، فرغم أنها قادرة على مساعدتها الا أنها لم تجرأ على فعى ذلك، فربتت بيدها على كتفيها بتفهمٍ:
_بكره ربنا هيفرجها وهتبقى عال..
هزت رأسها بيقينٍ، ثم اردفت:
_أنا بفكر أدور على شغل هنا بالقاهرة، أهو أقدر أكفي بيه مصاريف الجامعة عما ربنا يأخد بيد بابا ويقف على رجليه..
صمتت قليلاً تحسب الفكرة المطروحة من أمامها ثم قالت بلهفةٍ:
_طب أيه رأيك تشتغلي في المصنع بتاعنا هما كل يوم بيحتاجوا عمال وانتي أصلاً تعليم عالي أكيد هيكون محتاجين ليكي..
بحماسٍ قالت:
_ياريت يا “حور”، تبقي فعلاً خدمتيني..
ردت عليها بابتسامة مشرقة:
_اعتبريه حصل، بدر أخويا كان مكلمني من ساعة وقالي انه هيعدي عليا زمانه على وصول هفاتحه أول ما يوصل..
ابتسمت بفرحةٍ:
_ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك ابداً..
عاتبتها بضيقٍ، لتردد بلهجة صعيدية مرحة :
_مش قولنا مفيش الكلام ده بينتنا أنتي مفيش منيكي رجا..
تعالت ضحكات”تسنيم” لتشير لها بصدمةٍ بعدما تفحصت ساعة يدها:
_يخربيتك عندي محاضرة دلوقتي ولا أنتي عشان خلاص بتحضري الماجستير نسيتي الغلابة اللي زينا..
وتركتها وهرولت تجاه جامعتها فتعالت ضحكات “حور” لترفع صوتها:
_طب حسبي لتنكفي على وشك لا تلحقي المحاضرة ولا يحزنون..
استدارت لتشير لها بوعيدٍ ثم أكملت ركض، أما “حور” فأخرجت هاتفها الذي يرن بازعاجٍ، لترى عدة رسائل من اخيها، فخرجت للبوابة الرئيسية، لتراه يقف بانتظارها أمام سيارته، يستند بذراعيه على مقدمتها، ويطالعها ببرودٍ من أسفل نظارنه الشمسية، اقتربت لتقف امامه ثم تساءلت باستغرابٍ:
_أيه سر الزيارة الجامعية الغريبة دي!
قال بغرورٍ ومازال على نفس وضعيته:
_النهاردة أيه في أيام ربنا؟
قوست حاجبيها بدهشةٍ:
_٢٦ ليه!
استكمل على نفس المنوال:
_مبيفكركيش بحاجة التاريخ ده..
صفنت قليلاً ثم صاحت بفرحةٍ:
_عيد ميلادي..
ابتسم “بدر” ثم قال:
_كل سنة وأنتي طيبة يا روح قلبي..
تطلعت لجوارها بخوفٍ:
_اوعى تحضن ولا تعمل أي حاجة، أنا مش هعلق يافتة أقولهم المز الحليوة دي يبقى أخويا…
رمقها بغضبٍ، فلوحت بيدها بانفعالٍ:
_ما حلتناش اللي السمعة ياخويا معطلكش..
قال بانفعالٍ:
_أيه الأسلوب القذر ده يابت!
رفعت صوتها بسخريةٍ:
_انجز يا عم، الحكاية فيها هدية ولا حوارات لو كده نقفلها وقتي أنا واقفتي معاك جاية بخسارة الرايح والجاي زمانه بيتكلم عني..
قالت كلماتها الأخيرة ورأسها ينحني يساراً ويميناً تتفحص حركة المارة، فشل باخفاء ابتسامة تسليته على شقيقته التي تخشي من الأقاويل التي قد تمسها حتى من شقيقها، فأشمر عن ساعديه وهو يشير لها بتحفزٍ:
_تعالي ورايا..
لوت فمها بسخطٍ:
_على فين لامواخذة!
وضع يديه خلف ظهره ليجيبها بنظرةٍ غاضبة:
_الهدية بشنطة العربية إن كان عاجبك!..
رددت بصوتٍ منخفض:
_هتزلونا بقا..
ثم رفعته بابتسامةٍ مصطنعة:
_بينا..
تعالت أمارات المشاكسة على وجهه، فوضع المفتاح بشنطة السيارة الخلفي، ثم قال ويديه تصفن بخصلات شعره:
_تفتكري الهدية ايه؟، حاجة كان نفسك فيها أيه هي؟
ابتسمت وهي تفرك بأصبعها وجنتها، فاقترحت:
_طقم التوابل المتحرك اللي كلمتك عنه، متقولش انك فجئتني وجبتلي واحد لجهازي..
قست نظراته تجاهها، فعادت لتخمن من جديد:
_متقولش هجبها، خمارين شيك كده أغير بيهم وأنا جاية الجامعة..
اغلق شنطة السيارة بعصبيةٍ، ليدفعها بقوةٍ:
_غوري يا “حور”، جايب عيد الأم أنا طقم بهارات وخمارين!.
ادلت شفتيها السفلية بحزنٍ:
_أعمل أيه ما أنا دماغي لفت..
رفع الباب مجدداً ليجذب الكرتون ثم ناولها لها باستسلامٍ، انفرجت شفتيها في صدمةٍ، فصرخت بعدم تصديق:
_ لاب توب MacBook Air بمعالج M1 لا مش قادرة أمسك نفسي لازم احضنك..
تعلقت به” حور” بفرحةٍ كبيرة، فرفع يديه ليحتضنها بابتسامة زادته وسامة لا يعهدها سوى الرجل الشرقي، تذكرت أسمى مواصفاتها فابتعدت عنه وهي تتطلع من خلفها:
_حد شافنا!!
رأت هناك من يقف على قرباً منهما يلتهون بالحديث فخشيت بأنهم تمكنوا من رؤياهم فصاحت:
_ده أخويا على فكرة..
هز رأسه دون جدوى من تغيرها، فدث يديه بجيب بنطاله ليخرج ثلاث مبالغ من المال، وضعها واحداً تلو الأخر بيدها وهو يردد:
_طبعاً كشباب مفيش أي خبرة بهدايا البنات فقررنا الأتي، تجيبي لنفسك اللي تحتاجيه أفضل فدول ٥٠٠٠ج من “آسر”،و٥٠٠٠ من”يحيى”، و٧٠٠٠ج من أحمد معرفش متوصي بيكي بالألفين الزيادة دول ليه يمكن عشان الصواني المحمرة اللي بتعمليها كل فين وفين..
جذبت المال ثم قالت بسعادةٍ:
_ربنا ما يحرمني منكم ياررب، ويفرحكم ببنات الحلال اللي تستاهلكم ويفرحكم وآآ…
ابتعد عنها باشمئزاز:
_ دقيقة كمان وهتشحتي على باب السيدة، خلصي اللي وراكي ومتتأخريش بالرجوع..
وفتح الباب ليستقل سيارته، فهرولت من خلفه راكضة حينما تذكرت أمر رفيقتها فأخبرها بأنه سيخبر” آسر” ومن ثم سيبحث هو لها عما يناسبها، فرحت كثيراً وكعادتها تكثر من الدعاء لمن يسعدها بأبسط الاشياء لذا أسرع “بدر” هرباً بسيارته قبل أن ينفجر رأسه من الصداع..
********
بجامعة “روجينا”..
أعدت الحجاب للخلف حتى تدلت خصلات شعرها عن عمداً، فزفرت صديقتها المتحررة باستقزازٍ:
_حجاب ايه المقرف بلبسه ده قولتلك إقلعيه واخلصي..
رفعت” روجينا” المرآة عالياً لتتأكد من تساقط خصلات متفرقة على وجهها ثم أعادت طلاء شفتيها بحمرة صارخة، لتجيبها بنفورٍ:
_عوايدنا كده في الصعيد، ولو عملت اللي بتقوليه ده مستحيل بابا يسمحلي أدرس وأعيش بالقاهرة من الأساس..
بتهكمٍ شديد قالت:
_تخلف وراجعية..
تقبلت الأهانة التي مست والدها بصدرٍ رحب! :
_هنقول أيه يا بنتي، بس اديني مستحملة لحد ما أشوف أخرتها أيه، وكله كوم وسي “أحمد” ده كوم تاني عايش دور الصعيدي الشرقي بجد، أنا فعلاً مبقتش قادرة اكمل بالعلاقة دي..
قالت صديقتها بمياعةٍ:
_وأيه اللي غصبك يا بيبي، أرميله دبلته وقوليله باي..
ابتسمت بسخريةٍ:
_ياريت الموضوع بالبساطة دي..
تهجمت ملامح وجه “روجينا” حينما رأت من يقترب منها:
_أهو الوش السمج اللي بصحيح شرف..
ما أن انتهت بحديثها، حتى جلس على المقعد المقابل لهما قائلاً وعينيه تطوف بروجينا:
_هاي يا بنات، أخباركم.
أشارت له”تقى” صديقتها:
_هاي يا “كيمو” ، أخبارك..
تنهد “كريم” ببطءٍ تعمد أن يلاحقه كلمات متهملة وعينيه تتابع روجينا:
_مش كويس طول ما الغزال مش راضي يحن علينا..
زفرت بضيقٍ شديد، ثم حملت كتبها قائلة باستهزاءٍ:
_انا ماشية يا تقى لحسن الجو بقى يقرف..
وغادرت “روجينا” سريعاً من أمامه، فصاح بغضبٍ:
_وبعدين بقا مش ناوية تشوفلنا سكة معاها يعني..
أجابته بغيرةٍ واضحة:
_قولتلك “روجينا” مش من نوعية البنات اللي أنت بتفكر فيها، ده أبوها من كبار رجال الصعيد فأكيد طباعها شرقية يعني لوكل جداً، أختارلك حد غيرها وأنا اوعدك هظبطلك الدنيا..
بعندٍ كبير أضاف:
_مش عايز غيرها، حتى لو هتقدملها رسمي..
جزت على أسنانها بضيقٍ شديد فتهربت بكلماتها التي أخفت ما تضمره لها:
_طيب خلاص، في رحلة لاسكندرية كام يوم هحاول اقنعها تطلع واهي فرصة تتقربوا من بعض أكتر..
وضع مبلغ طائل من المال أمامها، ليغمز لها بإعجابٍ:
_أحبك وأنت فاهمني..
*********
بمنزل الكبير..
وبالأخص بغرفة “راوية”..
ولج للداخل، فخلع عنه العمة ثم الجلباب ليجذب بنطال من القطن المريح وتيشرت واسع يليق بعمره، ثم خرج للشرفة ليجدها تجلس على المقعد وتتأمل الأشجار من حولها بشرودٍ، تنحنح بحشرجة خشنة علها تنتبه لوجوده، فوجدها تتجاهله عن عمداً، أفترت شفتيه عن ابتسامة صغيرة، ليجذب أحد المقاعد ثم وضعه ليجلس جوارها، طال السكون ومازال يتطلع لما تتأمله حتى تحرك فكيه ناطقاً:
_مفيش حد بيقسى على ولده يا” راوية”، انا بعمل كده عشان مصلحته..
استدارت بجسدها تجاهه لتخرج ما بجعبتها:
_كل حاجة ليها وقت يا “فهد” ، أنت عايزه يمسك مكانك ويتعلم كل حاجة في يوم وليلة، الولد من حقه أنه يختار هو عايز يتحمل العبئ ده ولا لا من حقه يعيش حياته ويخرج ويعمل اللي عايزه، أنت مسيطر عليه بدرجة مخلياه مش عايش يوم لنفسه!
كاد بأن يجيبها، فقاطعته بحدةٍ:
_هتقول نفس كلامك، أن ابنك راجل محدش قال حاجة بس الرحمة حلوة، وبعيد عن كل ده أسلوبك معايا قدامهم لازم يتغير، أنت بتحطني في مواقف محرجة جداً مببقاش قادرة أنطق ولا اعترض!
انتظر حتى انتهت من حديثها ثم قال:
_”راوية” أنتي لازمن تقدري أني مبقتش زي الاول، عارف أنك بتتكلمي صوح بس في حاجات لازم أكون فيها كده والا هيتقال عني معرفش أمشي داري..
هدأت معالمها قليلاً، وقد تستى لها فهم ما يود قوله، ثم رفع ذقنها بذراعيه حتى يجبرها على التطلع إليه:
_لازم تقدري اللي أنا فيه يا “راوية”، المكانة اللي أنا فيها مش باختياري مفروضة عليا زي ما اتفرضت على اللي قبلي، وأكيد هيجي اليوم وهتكون مفروضة برضه على”آسر” فاللي بعمله دلوقت عشان يقدر يشيل المسؤولية ويكون أدها..
احتضنت بيدها يديه التي تحتوي وجهها برقةٍ وحنان، لتطبع قبلة صغيرة على كفيه:
_ربنا يخليك لينا يا حبيبي..
ابتسم وهو يستمع لكلماتها التي تعيد الحياة لقلبه الملتاع، فاحتضنها بعشقٍ ويديه تربت على خصرها، فقالت بتذكرٍ:
_نسيت أقولك مش “خالد” كلمني النهاردة وقالي ان البنات حابين يقضوا الاجازة بمصر..
تساءل في اهتمامٍ:
_بجد يعني أخيراً هينزل من أمريكا..
غلبها الحزن:
_لا هو خلاص استقر هناك هو و”ريماس”، “تالين” و”رؤى” اللي هينزلوا..
قال بترحابٍ عظيم:
_ ينوروا الثرايا والصعيد كله..
احتضنته بعشقٍ:
_طول عمرك صاحب واجب يا حبيبي..
جذب يدها للداخل وهو يهمس بمكرٍ:
_انا كمان نسيت أقولك حاجة مهمة جووي..
تعالت ضحكاتها وهي تحاول المناص منه، ولكن ولجت معه للداخل بنهايةٍ الأمر..
******
بغرفة “آسر”
كان هائماً بيومه الشاق، يتذكر تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، وأساسياته لقاء “هاشم المغازي”، ونهايته بذاك الرجل الغامض ذو اليد الناعمة فابتسم تلقائياً حينما توارى عليه كناية هذا الرجل الناعم عله من الجنس الخناس!
بددت ابتسامته حينما وجد هاتفه يصيح عالياً برنين” بدر” المعتاد، أجابه وهو يفرك رأسه بألمٍ:
_خير يا ابني مش لسه قافل معاك!
استمع له بحرصٍ شديد، ثم قال:
_صاحبتها مين، ثقة يعني؟
أوضح له نسبها، فأعتدل “آسر” بفراشه وهو يردد بدهشةٍ:
_بتقول بنت عم “فضل”..
_ها لا معاك، طيب تمام انا نازل القاهرة بكره بليل يعني على بعد بكره الصبح تقدر تجبها..
واغلق الهاتف ليشرد من جديدٍ بتلك الصدف الغريبة التي جمعته بأبيها بالصباح وبابنته التي تريد العمل بالمساء، علها قدر يُساق إليه ليبدد ظلمة الحب الاول الذي ترك لمسات مؤلمة يخشى من الحين والأخر أن يتذكرها…
*********
بالقاهرة… وبالاخص بمكتب”أيان المغازي”
لف مقعده الأسود بحافة قدميه المستند على المكتب وهو يرتشف عصيره بتلذذ عجيب، انتهت من تقف أمامه بقص ما يحدث معها، لتنتهي بما قالته:
_وأنا قولتله أني هحاول اقربه منها وأني هقنعها تروح رحلة اسكندرية، قولت أسكته يعني عشان يحل عني..
توقف المقعد عن الدوران حينما لامست قدميه الارض، لينهض عن مقعده ومن ثم أغلق ازرار بذلته الرمادية الأنيقة، فتحرر صوته الرزين:
_بالعكس هتنفذي اللي قولتيه..
قالت بتشتتٍ:
_بس آآ..
بترت كلماتها حينما حدجها بعينيه الصقرية ليتبعها أمره الناهي:
_أنتي هنا عشان تنفذي اللي أقوله وبس، فاهمه..
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ وهي تحرك رأسها بطاعةٍ ثم غادرت على الفور، ضغط “أيان” بيديه على مقدمة المقعد فكاد بأن يتحطم من أسفله من فرط حقده الذي يهاجم عروق مائه كنفورة من المياه التي تتصاحب وابل النيران القاتلة، ليردد بشرارةٍ ملتهبة:
_هانت يا “فهد”!
*********
تحرك السائق ليعود به للمنزل، فتابع عمله على الحاسوب بانهاكٍ، حرر” يحيى” جرفاته بنفورٍ شديد، ثم فتح نافذة السيارة ليغلق عينيه بانتشاءٍ، اعاد التطلع بالخارج قائلاً:
_وقف العربية يا “مصطفى”..
انصاع له فأوقف السيارة على الفور، فهبط” يحيى” ليتجه لمحل الالعاب الذي لمحه، ثم ولج للداخل ليبحث عن لعبتها المفضلة، فجذب العروس بابتسامة اشوقت عن ذكرى لمعت بكلماتٍ مختصرة
«الدكتور قالي في بطني ولد بس انت هتجيب ألعاب أولادي له وبناتي ليا، فاهم»..
انتهت كلماتها الرنانه بوميض من الحزن حول سعادته لتعاسة، واقع ملموس يختبره حتى ذاك اليوم، التقط العروس ثم انتقى عدد من الألعاب البسيطة ليدفع ثمنها ثم عاد لسيارته ليصل بعد دقائق للمبنى، فصعد لشقته وحينما ولج نادى عالياً:
_”ماســــــــــة”
ما أن استمعت لصوته حتى هرولت للأسفل ركضاً، لترى ماذا أحضر لها، رفع “يحيى” الحقائب للأعلى:
_يعني ده اللي همك الالعاب مش همك أني رجعت طب خلاص مفيش حاجة..
أمسكت بيديه بتذمرٍ:
_”يحيى” جاب “لماسة” أيه؟
حملها بيديه الأخرى ثم طبع قبلة على جبينها:
_هنشوف الأول “ماسة” أخدت أدويتها ولا لا، لو طلعت شطورة هتأخد كل اللعب..
ادلت شفتيها السفلية بحزنٍ:
_”ماسة” وحشة مش أخدت الدوا عشان طعمه وحش يا “يحيى”
سيطر على ضحكاته ليتصنع الغضب:
_اوكي مفيش لعب ولا شوكولا ومن هنا ورايح مش هتنامي جنبي تاني هتنامي جنب “إلهام”..
نومها جوار الممرضة التي تعتني بها وبأدويتها أشد ما تبغضه”ماسة” ، فركضت سريعاً للدرج لتنادي:
_”إلهام” يا “إلهام” هاتي الدوا بسرعة “ماسة” شاطرة هتاخده..
تعالت ضحكات “يحيى” فوضع يديه ليخفي ضحكاته ليشير بابهامه بعلامة إعجاب وهو يردد بثباتٍ مخادع:
_براڤو..
هبطت بالادوية سريعاً لتقدمه لها فما أن تناولته حتى هرعت اليه مجدداً فمنحها الحقائب، فحملتهما وجلست على الأرض تستكشف ما بها بلهفةٍ وهو يتابعها ببسمةٍ يكسوها الحزن كلما يتطلع إلى حالتها التي تصيب قلبه كسهمٍ يستهدفه!.
********
وقفت سيارة “بدر” أمام أحد المطاعم، فولج للداخل يبحث بين الطاولات عنه، وحينما فشل بايجاده خلع نظارته وهو يردد بتعصبٍ:
_قولتله نص ساعة هودي الهدية خلع..
_مين ياض اللي خلع أمال ده مين شبحي!
استدار “بدر” للخلف قائلاً بابتسامة واسعة:
_لو كنت مشيت كنت هتندم يا “عبد الرحمن”
جلس على المقعد ليشير له ساخراً:
_وريني هتندمني كيف يا واد عمي!..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الدهاشنة 2 (صراع السلطة والكبرياء))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى