روايات

رواية ما بين العشق والهوس الفصل الأول 1 بقلم أمل نصر

رواية ما بين العشق والهوس الفصل الأول 1 بقلم أمل نصر

رواية ما بين العشق والهوس الجزء الأول

رواية ما بين العشق والهوس البارت الأول

ما بين العشق والهوس
ما بين العشق والهوس

رواية ما بين العشق والهوس الحلقة الأولى

في المنزل الكبير والذي توسط المنطقة الشعبية بمساحته الشاسعة وبناءه المختلف عن باقي المباني المجاورة، بعد أن اسسه قديمًا الدكتور رفعت فؤاد، فاتخذ مسكنه وأسرته في الطابق الثاني.
ليترك الطابق الأول كعيادة كبيرة لاستقبال المرضي من أهل منطقته، يُعالج مرضاهم بأسعار زهيدة، ولأجل أن ينشأ أبناءه أيضًا في هذا الوسط الذي تربى عليه، رغم تعليمهم بمدارس أجنبية.
أثمرت التربية الحسنة في ابنه الأكبر عزيز والذي تابع استكمال الرسالة في معالجة الفقراء كنفس فعل والده بل وزادهم بعيادة أخرى لزوجته في نفس المبنى؛ الذي هجره سكانه بعد رحيل الطبيب الأب.
فقد وجد كل فرد منهم طريقه، سافر شقيقاه بهجرة إلى إحدى المدن الأوربية، ولحقت بهما والدتهما أيضًا، وظل الدكتور عزيز مع الدكتورة فاطمة زوجته في الوطن وحدهم مع ابنائهم.
يسكن في إحدى المدن الجديدة ويعالج في عيادته هناك بأسعار خيالية، ثم يأتي اَخر ثلاثة أيام في الشهر ويعمل ليل نهار، بهذا المركز المتواضع لفحص الأعداد الكثيفة من الأهالي الذين سجلوا أسمائهم خلال الشهر.
وحجزوا دورهم قبل أن يأتي الميعاد لزيارة عيادة العظام خاصته، ومثلهم يكون بالضعف مع عدد النساء الاَتي يتوافدن لعيادة زوجته والتي تاتي مع مساعدت لها من طبيبات صغيرات أو ممرضات ذات كفاءة عالية.
حتى إذا انتهى الشهر وعاد الرجل مع زوجته إلى مكانهم الحقيقي بين علية القوم، يظل المنزل ساكنًا على حالته مع مراعاة الحارسين، عصام وعمران اللذين يسكنان بالمبنى الملحق بالمنزل.
عمران والذي تولى العمل به منذ سنوات عديدة بصفته احد أبناء المنطقة وبوساطة من عمه الذي كان يعمل ممرضًا للطبيب الكبير، استوطن بالمنزل منذ عمر الثالثة عشر، بعد وفاة أمه وزواج ابيه بأخرى رفضت وجوده معها في المنزل.
لعدم تقبلها له بينهم؛ بحجة أنه فتى بالغ فلا اَمان لزوجة شابة معه في منزل واحد، فانتقل للعمل في حراسة مسكن الطبيب، والمبيت في غرفة بالحديقة، حتى كبر فوصل لسن الزواج، ليكمل جميله الطبيب الكبير ببناء ملحق للمنزل قبل وفاته.
فنال نصيبه عمران بالسكن بإحدى شققه بعد ان تمكن بصعوبة ليجد من تقبل به زوجًا وهي عزة يتيمة الأب الفقيرة التي قبلت به افضل من بلوغها سن العنوسة بدون زواج، ليُتبعه شريكًا في السكن في الشقة الأخرى في نفس المبنى عصام.
الشاب الذي عُين بعد وفاة الطبيب الكبير وسفر الأشقاء والأم ليكون عونًا لعمران بحراسة المنزل، وقد أتى بزوجته ابتسام من بلدتها الريفية في تجربتها الثانية للزواج، كزوجها الذي طلق قبلها امرأة أخرى أيضًا.
وأصبح المبنى مقتصرًا على أربعتهم، وقد مضى على هذه الجيرة عامان الاَن.
❈-❈-❈
ولج عمران لداخل شقته صباحًا بعد انتهاء نوبة حراسته الليلية بمساعدة شريكه عصام، فهذا وقت استراحتهم اليومية، وقد أتى عامل الحديقة لرعايتها وأتى بعض الموظفين المكلفين بدوام عملهم في المركز الطبي، وضجت الحركة قليلًا بالبشر .
– صباح الخير.
هتف بها كتحية لزوجته التي كانت جالسة في وسط الصالة الضيقة في انتظاره، رددت خلفه وهمت بالوقوف لتتبعه ولكنه منعها على الفور:
-إلى أين يا عزة؟ ظلي مكانك ولا داعي للتعب.
تبسمت بحرج تقول بإصرار رغم امتنانها لقوله الشهم لها:
-وأين هذا التعب يا عمران؟ سوف اَتي لمساعدتك في تبديل ملابسك قبل أن اقوم بتحضير وجبة الإفطار.
زجرها بنظرة محذرة وهو يخلع عنه معطفه الثقيل قبل توجهه لغرفة النوم:
-لا تُجادليني يا عزة بالثرثرة الفارغة، جسدي المُنهك يئن لطلب الراحة والنوم ولست بحاجة للطعام، فقد تناولت إفطاري بشطيرتين من عربة العم رمضان بائع الفول والفلافل، وعن تبديل ملابسي فلدي ساعدين والحمد لله لم أفقدهم حتى ألجأ أليكِ
تمتمت بالأدعية الحافظة، وقد تشاءمت من لفظه لهذا الفأل السيء أمامها فشهقت قائلة بجزع:
-بسم الله الحفيظ، لا تكرر بقولك هذا يا عمران
ضحك ساخرًا من فعلها فقال يشاكسها ليستفز طيبتها وخوفها الشديد:
-كل هذا من مجرد عبارة عابرة يا عزة، وإن افترضنا أنه حدث بالفعل.
صرخت معارضة بارتياع:
-أعوذ بالله من كل شر، ولما نفترض السوء حتى لو بالمزاح؟ بالله عليك لا تكررها يا عمران.
ضحك يرمقها بنظرة حانية وقد سره فعلها، وارتياعها لمجرد التخيل فقال لها ينهي المناقشة:
-سوف ادخل الاَن لأتحمم قبل أن أسقط بجسدي داخل الفراش لكي أنام، أرجو منك عدم الإزعاج وفتح الغرفة،
حتى لا أستيقظ وأنت أعلم الناس بنوم زوجك الخفيف.
اومأت له بطاعة مغمغمة بصوتها الخفيض كعادتها من وقت زواجه بها، فتابع لها بشبه ابتسامة قلقة اعتادت عليها منه من وقت حملها بهذه الطفل:
-واعتني بطفلي وبنفسك جيدًا .
قالها وذهب من أمامها لتنظر في أثره وتعيد بترديد الأدعية التي تكررها ليلًا نهارًا، حتى يحفظ هذا الطفل ويكتمل حملها على خير، فقد مر على زواجها اربع سنوات اجهضت بهما عدت مرات، أرهق بسببه جسدها الضعيف.
حتى توقفت عن الحمل بالأمر المباشر من الدكتورة فاطمة زوجة الدكتور عزيز التي تكفلت بمتابعتها لتُعطيها كورس علاج مكثف وراحة من الحمل الاَخير لأكثر من سنة، حتى يستعيد جسدها بعض القوة التي تعينه على تحمل الجديد.
دنت برأسها تتطلع لهذا البروز الصغير الذي ظهر من جلبابها البيتي الخفيف رغم مرورها بالشهر الخامس الاَن، ولكن يبدوا أن نحافتها الشديدة أيضًا سيرتُها طفلها الصغير، تنهدت بعمق رافعة رأسها للسماء.
تناجي ربها كي يستجيب هذه المرة وينجي جنينها، فما الفائدة التي تجنيها من زواج كهذا خالي من المشاعر بين الزوجين، ورجل غريب كزوجها، سوى طفل يعيد إليها دفء الأسرة التي افتقدتها منذ وفاة والدتها.
❈-❈-❈
في الشقة المجاورة دلف عصام عائدًا من نوبة عمله والسهر في الحراسة هو الاَخر ولكنه لم يجدها في انتظاره في أي ركن أمامه في المنزل، أو حتى داخل المطبخ، فخمن وحده أين هي واقفة الاَن!
-كما توقعت، وقد صدق حدسي، البرنسيسة مازالت تتأمل في جمالها أمام مراَتها العزيزة .
قالها بتهكم لا يخلو من السخرية بعد فتحه لباب غرفته مباشرةً وقد ذهبت انظاره علي الفور نحوها.
أما هي فقابلت كلماته بعدم اهتمام لتلتف إليه متخصرة وتُجيبه بنبرة تفيض بالثقة عن قصد:
-وهل هذا عيب يا زوجي العزيز، إن الله جميل يُحب الجمال، وأنا جميلة فلمَ لا أحب نفسي؟ كي أنظر وأتأمل في ما وهبني الله به؟ من جمال وفتنة حرم منها الآخرون.
أصدر من فمه صوت مستهجن وقد مل وسئِم منها ومن حديثها هذا، وهي لا تنفك تذكره بجمالها وكأنه لا يعلم، ولكن في الحقيقة هو ليس بالغبي حتى لا يعي بقصدها.
بمحاولاتها المستميتة للفلت انتباهه، حتى تحصل منه على كلمة غزل أو حتى نظرة تغذي هذا الوحش بداخلها، المتعطش وبشدة دائمًا للإطراء عليها وعلى حسنها الفتان، وكأن الأرض لم تأتي بنساء غيرها؟
تجعد وجهه بامتعاض يغمغم بالكلمات الحانقة وهو يقوم بخلع ملابسة الثقيلة، قبل أن يلتفت إليها يسألها بابتسامة سمجة متعمدًا عدم الرد على حديثها :
– وهل قامت سيدتي الجميلة والتي تعشق نفسها بإعداد وجبة الفطار؟
أخرجت من فمها زفرة طويلة محبطة، ناظرة إليه بيأس، هذا الجلف تجاهل الرد على كلماتها، ويطالبها بإعداد الطعام، وكأن أصابه العمى عن رؤية ما أنعم الله عليه به حينما تزوجها.
إنه حتى لم يلتفت لمنامتها الحريرية القصيرة بلونها الوردي والتي انعكست على لون بشرتها البيضاء لتساعد في ابراز جمالها بسخاء وإغواء؛ يعلمه جيدًا زوجها ولكنها دائمًا ما ينكر ويتصنع التغافل

غبي.
تمتمت بها قبل أن تجيبه بنزق وهي تلملم شعرها وقد أخرجها من الحالة الجميلة التي تشعر بها كلما نظرت في المرآة بهيئتها هذه:
-انتظر قليلًا حتى أجهزه فلم استيقظ من نومي سوى من فترة صغيرة….
قاطعها يهتف بحدة وقد أنهي خلع ملابس العمل وبدل لبيجامة مريحة، واقترب ليعلقهم على المشحب خلفها .
-بل كبيرة وقد تكون بالساعات؛ وانتِ لا تشعري فيها بالوقت أمام هذه الملعونة، كم وددت في يوم كسرها، حتى احرق قلبك عليها ويهدأ بالي أنا.
أردف بها بإشارة نحو المراَة، فتغاضت هي عن الرد حتى لا تزيد من غضبه واكتفت بمط شفتيها على زاوية واحدة بضيق قبل أن تتحرك لتبديل ملابسها هي الأخرى.
فتابعها بعينيه صامتًا وقد أشعل بين أنامله سيجارة لينفث منها الدخان، ويرمقها بسهام عينيه الحادة، فهذه المرأة أصبحت كالحمل الثقيل عليه بأفعالها التي تخرج شياطين غضبه،
يعلم أنها طيبة القلب ولكنها خفيفية، لديها هوس الإهتمام بنفسها والشعور بجمالها؛ الذي انطفأ وذبل طيلة السنوات التي قضتها في زيجتها الأولى.
مع زوج لا يفقه في امور النساء ولا يعلم عن الحياة سوى العمل في الزراعة ورعاية الماشية، والطعام والنوم وتنفيذ الأمر من والديه، هذا ما فهمه وأخبرته هي به.
انتهت اَخيرًا تحدجه بنظرة معاتبة زامة شفتيها بصمت، وكأنه قد كسر بخاطرها وتنتظر أسفه، قابل فعلها بابتسامة شامتة زادت من غضبها لتخرج سريعًا صافقة الباب خلفها بقوة، فغمغم داخله بعد خروجها:
-ما أفسدك سوى تدليلي لكِ يا ابتسام ، ليتني فعلت كزوجك القديم، اقسم ظهرك بالعمل والخدمة في بيت
العائلة الكبير نهارًا، حتى إذا جاء الليل ارتميت ع فراشك كالجثة، فلا تجدي الوقت حتى لتصفيف شعرك
.
❈-❈-❈
بداخل المطبخ وبعد أن وضعت الركوة على الموقد لإعداد الشاي، وقد تولت على الشعلة الأخرى تسخين الطعام، كانت تطرق على الأواني وهي تناولها بضيق وانفعال قاصدة إصدار الاصوات حتى تصل إليه بغرفته:
-عديم النظر والإحساس .
لم تعد تفهم هذا الرجل وماذا يريد، لقد كان يمطرها بكلمات العشق في بداية زواجها به، حتى ظنت أنه عوض الله إليها بعد طلاقها من جابر زوجها الأول،
فاقد الإحساس هو الاَخر بجهله التام لمعاملة النساء، وقد كانت حياتها معه ملخصة فقط في خدمة الدار الشاقة ومجابهة المكائد التي كانت تدبر لها من نساء الدار التي كن يحقدن عليها، لأنها من خارج العائلة
وليست منهن حتى فاض بها وانفصلت عنه، بعد معاناة ارهقتها وجعلتها تُبرِئه من حقوقها كاملة حتى تنجو من نيران الغيرة التي كانت مسلطة عليها في هذه الزبجة البائسة.
ثم كان نصيبها بعد ذلك عصام، الوسيم مصدر حسدها من جميع النساء حولها، والذي عرفت على يديه مكامن انوثتها على حق، وذاقت سعادة لم تتخيلها سوى في الأفلام الرومانسية التي كانت تشاهدها في التلفاز.
حتى بدت الراحة ظاهرة عليها لكل من يراها من تورد وجنتيها ونضرة بشرتها وامتلأ قدها بعد الذبول والنحافة التي اصابتها بسبب المعاناة الشديدة في الزواج من جابر، إذن ما الذي حدث الاَن؟ ولما هذا الجفاء منه والتحول الغريب أم انه قد زهد منها؟
انتفضت من شرودها فجأة على صوت الركوة وهي تفيض مع فورانها بالشاي المغلي لتطفئ من عليها سريعًا وتكمل وضع الطعام على الصنية قبل تقديمها إليه على طاولة السفرة الصغيرة بمنزلهم الصغير.
❈-❈-❈
-كيف حال والدتك يا عصام الاَن بعد زيارتك لها بالأمس؟ هل تتحسن بالعلاج؟
سألته في محاولة لفتح حديثٍ عادي معه، فرد والطعام يملا فمه بفضل تناوله بشكل سريع:
-العلاج الجديد يأتي بفائدة قوية معها، ولكنه باهظ الثمن فهو يقتطع معظم المعاش الذي تتحصل عليه شهريًا، ولكني سأسعى لتدبيره على نفقة الدولة .
تحمست سريعَا تردف إليه بالحل:
-ولماذا تذهب للمكاتب الحكومية وتُتعب نفسك بالروتين الممل، تحدث مع الدكتور عزيز حينما يأتي في ميعاده الشهري، فهو يستطيع تدبير العلاج بجرة قلم منه، الا تتذكر مع فعله مع عزة بعد تسمم حملها السابق؟
لقد وفر عليها وعلى زوجها اَلاف الجنيهات
سهم قليلًا يوزن الكلام برأسه وقد بدا عليه الإقتناع ، فاستطردت تكمل بحماس:
– إن كنت خجلاً من مفاتحته، بالأمر أستطيع أنا التحدث مع زوجته السيدة فاطمة لتخبره أو حتى اقوم أنا بالتحدث إليه.
توقف عن مضغ الطعام ليرمقها بضيق وغيظ، لهذا التحول الذي اكتسبته سريعًا بفضله وبفضل العيش في المدينة، فهذه الريفية التي أتت من بلدتها معه تخجل من الرد على أحدهم او حتى المصافحة.
أصبح لديها الجرأة الاَن لتتحدث مع الرجال، بل وتعرض عليه هو عصام الحل في مساعدته!
-لماذا تنظر إلي هكذا ولا تجيب؟ الا يعجبك الحل يا الذي طرحته عليكِ؟
هتفت تسأله لتخرجه من شروده، فكظم يلوك بالطعام الذي داخل فمه قبل أن يجيبها على تمهل بسأم وكلمات محددة:
– حينما نبدل الأدوار وأصبح أنا المرأة وأنت الرجل سوف يصح لكِ التحدث حينها مكاني.
اشاحت بوجهها عن عينيه الثاقبتين كي تزفر بعيدًا عن وجهه قبل أن تعود لترد عليه:
-لا تكن متزمتًا بهذا الشكل يا عصام، لقد تطوعت بقصد المساعدة فقط، لا لشئ اَخر، فوالدتك كوالدتي وأنت تعلم بمعزتها بقلبي.
-نعم أعلم!
أردف بها مقتضبة مبهمة قبل أن ينكفئ على طبقه، ويكمل ما يفعله ويعود لتجاهلها، حتى سئِمت من التحدث وإليه وتوقفت عن الكلام،
انتهى من طعامه لينهض عن مائدته الصغيرة وينفض كفيه مردفًا لها:
-لا تجعليني اتأخر في نومي إلى اَذان العصر، افعلي المستحيل حتى توقظيني قبل ذلك.
اومأت رغم عدم اقتناعها لعلمها التام بنومه الثقيل وردت وهي ترفع الأطباق:
– حسنًا سوف أحاول.
قطعت توقفه قبل ذهابه لغرفته:
– ولكني سوف اخرج الاَن إلى السوق لأبتاع حاجة المنزل الناقصة من الخضر ومستلزمات المطبخ، قبل أن أذهب بعدها واقضي بعض الوقت لمساعدة عزة .
استدار عنها ليشير لها بظهر كفه في الهواء كموافقة بعدم اهتمام.
❈-❈-❈
على فراشه كان يتقلب دون هوادة وكأن أسفلة حمم من الجمر، وعقله لا يهدأ من الفكر، يحتسب الدقائق في انتظارها، لقد مر الاَن اكثر من ساعة منذ مجيئه، وهي
بعادتها لا تتعدى النصف ساعة بعد إطعام زوجها بوجبة الإفطار.
هذا الغبي الذي يرفض تناول شطائر الفلافل معه على عربة العم رمضان، وكأنه يشمئز من الرجل، زفر بضيق فقد تعد الوقت الاَن لساعتين، إذن لابد أنها ذهبت إلى السوق لابتياع الخضروات، ولكن كيف له الإنتظار لأكثر
من ذلك؟
لا هو قادر على النوم رغم احتياج جسده للراحة، ولا هو قادر على إزاحة صورتها وكل أفعالها عن عقله، رغم احتياج الاَخر أن يهدأ من صخبه بها طول الوقت، ليل نهار .
أجفل على صوت جرس المنزل وانتبهت كل حواسه حتى تبين مع فتح الباب لصوتها الذي دوى مع صوت عزة وهى ترحب بها، انتفض على الفور من فراشه يتناول المقعد الصغير الخاص بتسريحة زوجته ليجلس محله ويتابعها
بقلب يتقافز في صدره كلهو أرنب صغير من اللهفة، ثم يجلس خلف باب غرفته ويتابع من هذا الثقب الكبيرة الذي حفره بنفسه بخشبه، ليسمع ويراها جيدًا من محله من بداية جلوسها بالصالة الضيقة.
اَخذة راحتها مع عزة وهي تردف بأحاديث النساء معها، أو حينما تتبرع بمساعدة المذكورة بترتيب المنزل وجلي الأواني في المطبخ المقابل له أيضًا.
فيراقبها بتفحص مع ارتدائها للعباءة المنزلية الخفيفة؛ التي دائمًا ما تنحسر عليها قدها الملفوف، وهي الغافلة عن نظرات تخترقها دون حياء أو ضمير يذكر بحقوق الجار

وعلى مقعد الصالة المرتب بعناية رغم تواضعه جلست بأنفاس لاهثة تنزع عنها حجابها وتفتح السحاب الصغير في أعلى عبائتها السوداء كي تلتقط أنفاسها من السير والحر في زحمة السوق.
رغم هذه البهجة التي تتخلل نفسها من الداخل أيضًا بعد كلمات الإطراء والغزل التي تطرب أسماعها من الرجال في السوق:
-اَه يا عزة، حرارة الشمس اليوم كانت غير طبيعية في الخارج، رغم هذه البرودة الشديدة التي تأتي بالليل، لا اعرف كيف ينقلب الجو هكذا وبهذه السرعة؟
قالت وهي تستريح بجسدها على ظهر الكرسي، وردت عزة بسجيتها كالعادة
-هذه طبيعي فنحن ف نحن الاَن الخريف، وهناك صراع بين الصيف الذي لا يريد ترك مكانه والشتاء الذي يحارب ليأخذ دورته، هكذا كانت تقول أمي .
-رحمة الله عليها
تمتمت بها ابتسام بتأثر لحال جارتها التي لاتكف عن ذكر
والدتها في كل جلسة لها معها، اعتدلت لتُذهب عنها الإنجراف في الخوض في ذكرياتها مع فقيدتها، وقالت هي تخرج لها بعض الأكياس من الخضر،:
-لقد أتيت لكِ بكل ما تحتاجين وما دونتيه لي في ورقة الأمس عن الفواكه والخضر التي تحتاجينها لتغذيتك انتِ والمولود .
تطلعت عزة لما تشير إليه وتفحصتهم بعيناها سريعًا قبل أن تخاطبها بامتنان:
-شكر لكِ حبيبتي، والله لأشعر بالحرج، لأني دائمًا ما اتعبك معي.
بابتسامة متوسعة افتر بها ثغرها تطلعت إليها ابتسام، قبل أن ترد بالحديث المحبب دائمًا لها وهي تلوي الخصلات المتمردة من شعرها على أطرف اناملها:
-ولمَ الحرج يا مجنونة؟ وهذا من أحب الأشياء على قلبي، فيكفي كلمات الغزل التي اتلقاها من رجال لا اعرفهم، حتى تزيد من ثقتي
بنفسي، ويتجدد شعوري بانوثتي المهدرة مع هذا العصام.
❈-❈-❈
تطلعت عزة إليها باهتمام كي تستمع منصتة بإصغاء لهذه الوصلة المسلية من حديث جارتها؛ والتي تُتحفها بها كلما خرجت لتقضي حاجتها من السوق او حتي لتبتاع ولو شيئًا بسيطًا من محل البقالة القريب من مسكنهم، لتُنعش خيالها البرئ
في شئ حرمت منه ولا تجده كمعظم النساء،
وهو الجمال الافت للأنظار، الأنثي التي يتهافت على رؤيتها الرجال ويتسابقون لنيل رضاها، كما تقص وتحكي لها ابتسام الاَن؛ والتي اندمجت في الوصف ببهجة ظاهرة:
– ظل الرجل يلاحقني يا عزة ويسير خلفي من بداية دخولي لسوق الخضار وحتى خرجت واستقليت السيارة الأجرة ولسانه لم يكف ولو لحظة واحدة عن الوصف والمدح في جمالي وعن أمنيته لنيل امرأة مثلي، حتى مللت وكدت أن أطلب له رجل الأمن.
ولكني تراجعت حتى لا أتسبب في أذيته فهو لم يتحرش او يتجرأ على لمسي، ولم يفعل سوى المعاكسة، بالتغزل في جمالي وجمال قدي الذي يوقع اعتى الرجال وهو رجل مسكين كما ذكر.
توقفت لتضحك بانتشاء وهي تتذكر قول الرجل والذي تعدى غزله الوقاحة بوصفه الدقيق لها وما ترتديه من عباءة مُحكمة الضيق على جسدها، مستغلًا سكوتها وعدم ردعه، بالإضافة إلى تباطُئ خطواتها وكأنها سعيدة بما تسمغه.
قطعت شرودها عزة بقولها المتردد مع هذا الشعور القلق والذي ينتابها دائمًا في كل مرة مع جارتها رغم سعادتها بالحديث الممتع وهي تحكي عن لهفة الرجال عليها بتفاخر:
-لكن عزيزتي، ألا تخافي من أن يكون هذا الرجل خطير مثلا فيصُدر منه فعل شيئًا ما لا تتوقعينه ؟
ردت بعدم اكتراث ساخرة؛
-حبيبتي يا عزة وما في بيده أن يفعل؟ نحن في السوق وهذه الأشياء تحدث لي كثيرًا، وأنا بصراحة اعتدت على هذه المضايقات والمناكشات، لكن حينما تزداد معي عن الحد المسموح به أستطيع إيقافه وإيقاف عشر من أمثاله.
-حفظك الله حبيبتي، أنت جميلة ويحق لك الدلال، والتفاخر أيضًا، ما دمتِ قادرة على الحفاظ على نفسك، ضد غدر البشر وأطماعهم.
قالتها عزة بطيبتها المعهودة رغم نبرتها الحذرة في توجيه النصيحة بشكل غير مباشر لجارتها التي تخاف عليها وتهتم بها .
غمر السرور قلب الأخرى دون أن تنتبه جيدًا لمغزى النصيحة التي وجهتها لها عزة، لتقف فجأة وقد دب الحماس بداخلها لتتناول ألأكياس الملقاء على الأرض وفوق الكنبة بجوارها، تنتوي فعل ما تفعله يوميا منذ بداية حمل عزة؛ والتي لحقتها متمتمة بحرج لتمنعها:
-بالله عليك لا تفعل…..
-لا تحلفي حتى تلتزمي برد الكفارة أو الصيام .
قالتها ابتسام مقاطعة لها لتكمل بإصرار:
-سأجلي الأطباق الموجودة في حوض الغسيل سريعًا، ثم نتناول وجبة الإفطار معًا.
كي تأخذي أنتِ بعد ذلك علاجك، ويزداد أنا وزنًا بتكرار الوجبات التي اتناولها مع زوجي ومعك أيضًا.
ضحكت عزة مرردة خلفها:
-ازدادي حبيبتي كما تشائين، فكلما ازدتي في الوزن زاد جمالك.
التفت إليها تسألها بتشكك:
-أرجو أن تكوني صادقة في قولك ولا تجامليني يا عزة.
-أقسم بالله بأني لا أُجاملك، هذا بصدق ما أراه بعيني.
قالتها عزة بابتسامة ودودة زادت الحماس بقلب الأخرى لتردف:-سوف أساعدك بترتيب المنزل أيضًا.
تمتمت خلفها عزة بالكلمات الممتنة وهي تتبعها نحو الذهاب للمطبخ، فجارتها العزيزة منذ أن علمت بحملها وتوصيات الطبيبة لها بالراحة التامة وهي لم تتأخر عنها ولو بيوم واحد لمساعدتها في أعمال البيت وشراء الأغراض من السوق والبقالة.
وخلف باب الغرفة وبعد أن استمع لحديثها اليومي مع امرأته حتى حفظها وعلم بأبعاد كثيرة عن شخصيتها، تابع بمراقبته لهن عبر الثقب الصغير، حتى انتقالهم للمطبخ المقابل لغرفته مباشرة، ليعتدل بانتباه، فالمتابعة الاَن أصبحت أكثر تشويقًا والرؤية أوضح عن الصالة .
تتركز أنظاره عليها وهي واقفة بجوار حوض غسيل الأطباق التي تجليها، وينتظر بشوق انحسار العباءة عليها مع تحركاتها الدائمة داخل المساحة الضيقة.
تباسطها في الحديث مع عزة التي تساعد بخفة معها حتى لا تضر نفسها ويتأثر حملها، وضحكاتها التي تدوي بصخب وتصل إليها لتُلهب خياله المريض، فلا يهدأ ولا يسكن سوى برحيلها بعد فترة طويلة من الوقت.
ثم يأتي بعد ذلك عذاب التفكير في كل كلمة وكل همسة صدرت منها، مع صورتها التي احتلت خياله منذ قدومها مع زوجها من بلدتهم، لتصبح جارة وصديقة لزوجته، مع مشاركتهما هي وزوجها للسكن معهما بنفس الملحق وبهذا القرب بين العأئلتين الصغيرتبن،
تبقى في عقله بطلة لأحلامه، ترافقه في صحوه وتُحرم عليه النوم؛ بالتفكير المتواصل بها والبحث عن طريقة تمكنه من الوصول إليها، ولكن كيف يحدث ذلك؟
بين امرأة تعشق المراَة ليغمرها السرور في كل مرة تنظر لنفسها وترى جمالها بها، وبين رجل يخشى النظر إليها، حتى لا ينظر لنفسه ويرى ما يجعل النساء تنفر منه، وجهه الدميم
❈-❈-❈
في الخامسة عصرًا وبعد محالاوتها المستميتة بإلحاح
استيقظ اَخيرًا عصام من نومه، بوجه متجعد بعبوسه وتجهمه، وذلك بعد أن ألقى نظرة على التوقيت بهاتفه، ليهتف حانقًا عليها:
-في الخامسة يا امرأة توقظيني على قرب انتهاء اليوم!
تأففت زوجته لترد وهي تصفف بالفرشاة على خصلات شعرها أمام المراَة:
-هكذا أنت دومًا يا عصام، تشدد بقولك على الإستيقاظ في الثالثة، كي ترهقني أنا في المحاولات البائسة ولا تستقيظ إلا بصعوبة، ثم تعود لُتحملني الذنب.
ضغط على شفته السفلي يكظم غيظه كي لا يخوض في نزال من جدال لا فائدة منه معها، ونهض عن التخت يهمس كازًا على أسنانه بعد أن وصل أليها وأصبح بقربها:
-أغلقي فمك ولو قليلًا يا ابتسام، فمزاجي العكر الاَن لا يحتمل ثرثرتك .
التوى ثغرها تنفيذًا لأمره، فهي أيضًا لا تريد سماع توبيخه الدائم لها، لتجفل على صيحته بعد ذلك:
-واتركي شعر رأسك وتصفيفه الاَن، أريد الطعام جاهزًا فور أن انتهائي من حمامي وقبل ارتداء ملابسي.
اومأت برأسها له دون رد لتسمع غمغمته من خلفها:
-لا تفلح في شئ سوى الإهتمام بنفسها، اللعنة عليها وعلى شعر رأسها وجمالها الذي تفتخر به.
زفرت تنظر في ظهره حتى دلف لحمام الغرفة واغلف بابه عليه فتمتمت هي الأخرى:
-اللعنة عليك أنت وعلى برودك يا عديم الشعور والإحساس .
تنهدت بالاخيرة لتذهب لمراَتها المحبوبة تحدث نفسها وهي تتلاعب بخصلات شعرها الذهبي الطويل:
-لا يكف عن التذمر ليتهمني دائمًا بالتقصير، رغم كل ما أفعله معه في محاولاتي البائسة لإرضائه، ومع ذلك لاشئ يعجبه مني، ولا ألقى منه الدعم او التقدير بكلمة حتى .
أعمى البصر إنه حتى لم يهتم بلون شعري الجديد؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين العشق والهوس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى