رواية مقيدة لأصفاد مخملية الفصل الخامس عشر 15 بقلم سارة أسامة نيل
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الجزء الخامس عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية البارت الخامس عشر
رواية مقيدة لأصفاد مخملية الحلقة الخامسة عشر
نعم، أصبحت الحياة رمادية اللون بأعينه ونتيجة إرهاقه وكثرة الضغط لم يستطيع المواصلة وخانه وعيه فسقط أثناء عبوره الطريق..
لكن حينما انفصل عن الواقع حال بينه وبين السقوط أن تلقفته أيدي قوية كانت أعينهم تترصده وترقبه مثل ظله..
سحبه حاملين إياه منطلقين بعيدًا..
بعظ مرور أكثر من ساعتين كان جبريل يستفيق مُجعدًا جبينه وهو يتأمل الأرجاء، وفور أن وصل الإدراك لعقله لينتصب واقفًا بفزع وهو يتذكر أنه كان ذاهبًا للبحث عن قطوف..
وفور أن استدار تعجب من رؤيته هنا، توسعت خطواته تجاهه وهو يقول ببعض الحدة:-
– يونس باشا .. أنا هنا ليه .. أنت ليه جيبتني هنا أنا لازم أدور عليها .. أنا ضيعت هنا وقت قد أيه..
التفت يونس بوقاره الذي يلازمه ثم تسائل بهدوء:-
– وأنت تعرف مكانها فين!
وكنت هتروح إزاي وأنت مكونتش قادر تصلب طولك يا جبريل.
ظل جبريل يدور بأرجاء الغرفة كأسدٍ حبيس وهو يمسح على شعره بعصبيه عاقدًا بين حاجبيه، وقبل أن يُفكر في حديث يقوله باغته يونس بقوله الثابت:-
– أنا أعرف مكان قطوف يا جبريل..
تهلل وجه جبريل وهرع نحوه قائلًا بلهفة:-
– بجد .. طب هي كويسه .. وهي فين .. لازم أروح لها..
تحرك يونس بهدوء حتى جلس مستريحًا على أحد المقاعد ثم ردد:-
– أقعد يا جبريل لازم تسمع الكلام إللي هقوله..
وقبل أن يُجيبه جبريل ارتفع رنين هاتفه ولم يكن المتصل سوى شريف الهواري، أجاب على الفور بلهفة:-
– شريف بيه .. تعرف حاجة عن قطوف..
أتى صوت شريف المنفعل بذهول:-
– جبريل حصلت حاجة غريبة جدًا.
لقيت كل الأوراق إللي كانت بتختفي، قطوف كانت بتحتفظ بيهم في دولاب جدتها..
هي مش خانتنا يا جبريل..
لازم أوصلها أكيد دلوقتي حياتها في خطر بعد ما حامد الجندي عرف إن الأوراق إللي معاه مزوره..
شعر جبريل بالتيهة وضاقت عليه نفسه شاعرًا وكأنه بأحد الأنفاق الدودية الضيقة جدًا..
أغلق جبريل الهاتف سريعًا ونظر تجاه يونس قائلًا وجميع عروق عنقه بارزة بانفعال:-
– فين قطوف .. لازم أعرف مكانها..
قال بثبات دون أن ينظر له:-
– هتعرف مكانها .. بس مش هتروح علشان تجيبها ولا بكونك جوزها .. هتروح علشان تخطفها..
ولازم تسمع إللي هقوله بالحرف..
****************
وسط غرفة مُظلمة إلّا من هذا الشُعاع الشحيح من الضوء يأتي على استحياء من نافذة ضيقة بالقُرب من سقف الغرفة..
تجلس متكومة فوق نفسها في جوّ أسود مُقفر مُظلم، تحتضن قدميها وتستند بذقنها على ركبتيها، ترتفع أعينها المكتظة بالكثير نحو الضوء الذي يتسلل من هذا المستطيل الضيق..
أسندت رأسها للخلف والآن هي وحــــــــدها..
تستطيع أن تُحرر بعض الدموع من محاجر صامتة، وسقط خطان من دموعها العزيزة مُثقلان بالخيبات..
يكفي هذا، يكفيكِ هاتان الدمعتان، أنتِ لستِ أهلًا لتلك المدامع، أنتِ لستِ أهلًا للبكاء.
أطبقت أهدابها المبتلة تُخفي جفنيها المحمرييّنِ وتذكرت تلك الكلمات التي كانت تستمع إليها دومًا، كلمات عبرت عنها، كلمات شرحت داخلها وتحتفظ بها بأعماقها..
“غاب الإحساسُ العميقُ بداخلي تجاه أشياءٍ كثيرة..
أصبحتُ أكثرُ هدوءً، وأطول صمتًا، وأعمقُ نومًا، ورُبما أبخلُ حرفًا..
غبتُ عن نفسي حتى عدتُ غير الذي كُنت..
لا يُرضيني ما صرتُ إليه، ولا مُعجزةٌ تكفي لأعودُ هُناك.!
سنواتٌ مرت من عُمري ولم أزهر..
سنواتٌ مضت وأنا لستُ أنا..
مَا عِدتُ أعرِفني.!
سنواتٌ تمر على روحي القاحلة ولا أُمطر..
ضياعُ روحي ليس بالضرورة أن يكون علامة للحُزن العميق..
بل حُزنًا على أحلام أصبحت في المرتبة الثانية بعد أن كانت تحتل الأولوية في قاموسي المُفعم بالحياة.
أعلمُ أنها فترة تحوّل مُره.
أعلمُ أن الأشياء التي آمنتُ بمصداقيتها طويلًا تخون، وأن الأشياء التي لا ينبغي أن تتركني .. تركتني..
أرغبُ في الإبتعاد عن الكُل بمسافاتٍ طويلة..
أُحرّض نفسي على البُعد كثيرًا..!
لطالما تمنيتُ أن أعود طفلة في هذه الليلة فقط!
لأطْرُق الباب على أُمي وأخبرها بأنّي خائفةٌ جدًا وأُريدُ الإختباء في حُضنِها..
خائفةٌ أنا من الحياة..
هذا العالم بات مُخيفًا.!
بِتْنا نعيشُ في أوطانٍ تُخبئ عنَّا سلامنا في جيوب الشوارع، وخلف جُدران الأحلام.
ماذا لو أنني لم أكبُر.؟!
كنتُ صغيرة أواجه الحياة وأنا مُختبئةً خلف جِدارٍ آمن..
لكنّ الآن … جاء دوري.!
وأصبحتُ ذاتي الجِدار..
لم أكُن أريدُ لهذا أن يحدث، لكنه حدث..
لم أكُن أريدُ أن تصفعني هذه الحياة وأنا أُقابلها بسذاجة الأطفال.!
الآن استطعتُ أن آراها كما يجب..
الحياةُ ليست كما نرسمها في مُخيلتنا..
ليست لطيفة دائمًا.!
الحياةُ لا تُهدينا حلوى ولحظاتٍ جميلة، ولا تهبُ لنا أُناسًا طيبين دون أن تسرقهم منّا في أي وقت.!
لابُد أن نفقد ونتألم..
لابُد أن نتعثر ونسقط..
خلف هذا الألم قوة، وخلف هذا السقوط بداياتٌ جديدة..
أظنُ أنني كبرتُ والكِبار لا يبكُون ولا يطرقون أبواب أمهاتهم في منتصف الليل..
الكِبار لا يخافون من الحياة ويجب أن يكونوا متماسكين ويُظهروا قوتهم أمام الجميع.
أنا كبيرة … لكنني لا أُريد أن أكون كذلك الآن.
أنا كبيرةٌ … وأخافُ من الحياة ومن الشبح الذي يختبئ تحت السرير.
أنا كبيرة .. أبكي دون أن يراني أحد..
كبيرةٌ .. وأُريدُ أن يقصّ عليّ أحد ما حكاية قبل أن أنام..
أنا كبيرة يا أمي..
ولهذا لم أطرُق بابك في منتصف الليل…..
وطرقتُ بــــــــــــــاب الله…”
تشكر من نزف قلمها تلك الكلمات فقد تكبدت عناء التعبير عن قلبها وما يعبقه.
تتهدت تنهيدة ثقيلة مُحملة بأثقالٍ انحنى لها قلبها وأعادت فتح أعينها التي يشعّ منها قوة دفينة رغم تلك الإنكسارات العديدة…
تشع هي ضوءٌ ساطع، وإن كانت قوانين الفيزياء تُعلن إنكسار الضوء في بعض حالاته، تُعلن هي تمردها على لعنة تلك القوانين، فأنا ضوءٌ ساطع لا انكسر وإن تعرضتُ لأسوء حالاتي..
استقامت قطوف بتلك الغرفة الضيقة بقوة داخلية وأخذت تسير ببطئ وأعينها مثبتة على تلك القطعة الظاهرة لها من السماء من تلك النافذة العلوية..
وقبل أن تصل للجدار المقابل وأسفلها، أعلن قيد قدمها أن ليس باستطاعتها التقدم أكثر، فهذا فقط طول القيد المُثبت بالجدار الأخر..
التفتت ترمق هذا القيد بنظراتٍ غريبة، ثم انتقلت أنظارها نحو الأثار التي انطبعت فوق رسغيها نتيجة ضيق الأصفاد الثقيلة..
إبتسامة مُظلمة نمت فوق شفتيها، وأوقدت تلك الذكري نارها على الدم..
ذكرى من وضع تلك القيود..!!
نار تلتعج في الأحشاء حين تذكُر أن من بدّل أصفادها المخملية الناعمة بأصفاد مثقولة خشِنة هو ذاته جـــبــــريـل رُستم..
هو مَن قيدها بأصفادٍ حديدية مثقولة وألقاها في ظُلماتٍ بعضها فوق بعض وقد عَتى عتوًا كبيرًا…
هي إلى الآن لم تراه، ولم تقع أعينها عليه لكن يكفي أنها اشتمت رائحته … يكفيها لتعلم أنه هو خاطفها بمنتصف الليل وسط الظلام، ومن وضعها هنا ليُقام عليها العدالة.
والآن ….لا سلام ولا أمان فلتندلع حربًا شعواء من نوعٍ أخر…
جلست تنظر للضوء مرةً أخرى بعينان تحترقان كالجمر حتى سلبها النوم يقظتها رحمةً بها..
******************
أخذت تتململ ببطئ وهي تشعر بأشياء صلبة تُحيط أقدامها، تحررت أعينها من هذا الظلام لتقابل ظلامٌ آخر أغبش..
ضمت ما بين عينيها بتعجب بينما الأحداث الأخيرة تهاجم عقلها..
انقطاع التيار الكهربائي، انتشار الظلام، ومهاجمة أحدهم لها من الخلف ثم شعورها بانغماس إبرة بداخلها ثم سقوطها غافية..
لماذا تُعاد تلك المشاهد مرةً أخرى، هي بالفعل استيقظت وأدركت ما هي به، لكن يبدو أن عقلها الصلد يرفض ذلك ويُعيد تكرار المشهد.!
اعتدلت قطوف وهي تنظر حولها لتصدم أنظارها بأخر شيء توقعته…
جبريل .. رغم أنها كانت تعلم، صدق حدسها.
صاحب الأيدي التي تُقيد أقدامها بالأصفاد..
بقوة جبارة احتفظت بمعالم الصدمة ودثرتها بداخلها ولم يتضح على وجهها أي معالم..
فقط صفحة وجه باردة، قاحلة خالية من أي تعبير، وياله من عقاب قاسٍ على قلب جبريل الذي تمنى أن لو رأى حتى بأعينها نظرة غضب وسخط وفوران..
تمنى أن لو تصرخ، تغضب، حتى ليتها تُصدم لرؤيته في مثل هذا المكان..
أنه مَن يضع الأصفاد حولها..
ظلت تنظر أمامها وكأن لا شيئًا يحدث، برود، وجوم، تستند برأسها على الحائط خلفها..
بينما في الداخل..
بين جدران نفسها وقلبها..
ثوران من نيران لا تكفيها هطول الغَدق، ولا سيلان الصيّب أن تخمد نيرانها..
كل نبضة من قلبها ترعد بالكسرة والصدمة، وبأعينها بكاء لا يُبكى..
لقد مزقتني وأصبت قلبي بالخيبة، ولو جئتني بتراب الأرض إعتذارًا، سأستدير راحلةٌ ولن تنال مني غفران، أو حتى لحظةً من طرفٌ خفي..
رغم أن جبريل كان يُمثل الثبات إلا أن أكوامًا من الحسرة بقلبه، يود أن يحتضنها ويمسح عن روحها كل ذرة ألم ويُزيل كل أوجاعها..
التياع بداخله لا يهدأ، وشيء يُخبره بعد رؤية ما آل إليه حال قطوف أنه فقدها..
نعم صمتُ حديثٌ وكلمات، لكن كانت السطوة والقيادة للقلوب..
حديث القلوب الصامت أبلغ من ألف حديث.!
انفتح الباب وولج منه أحدهم جعل جبريل يعتدل واقفًا ليتحدث هذا الشخص والذي لم يكن سوى رئيس عمله والمنظنة “يونس”.
– كله تمام يا جبريل..
استدارت قطوف عند سماعها هذا الصوت وفور أن وقعت أعينها على هذا الشخص حتى فزعت مستقيمة رغم قيود أقدامها..
ظلت تنظر له بعدم تصديق وصدمة وأعين متوسعة نمت فوقها الدموع وهمست:-
– مستحيل.
وكان آخر شيء همست به قبل أن تسقط فاقدة للوعي تسحبها أمواج الصدمة لتُسارع ذراعيّ جبريل تتلقفها بحنان ورعاية..
******************
كان صياحه المجنون يعلو بالأرجاء وبه عزم العالم أجمع:-
– يونس باشا أنا لازم أعرف الحقيقة، لازم أعرف المجهول المستخبي عني..
قطوف تعرفك منين وليه اتصدمت أول ما شافتك..
واتأكد وأنت عارفني كويس أن مش هتخلى أبدًا أن أعرف فيه أيه لو لأخر نفس في حياتي..
مهما كان السر لازم أعرف..
قطوف تعرفك منين أيه الصلة إللي بينكم.
غامت أعين يونس بالكثير من عبق الماضي المحتجز بين أضلعه والحنين الذي يفتك به ثم ردد بينما ينظر تجاه قطوف الغافية بحنان:-
– أكيد لازم تعرف أبوها .. حتى مهما فات من الزمن..!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مقيدة لأصفاد مخملية)
جميلة غ
الباقي لو سمحتي
الباقي لو سمحتي
الباقي بسرعه
الحلقه ي فنانههه
…
…..