رواية المتاهة القاتلة الفصل الأول 1 بقلم حليمة عدادي
رواية المتاهة القاتلة الجزء الأول
رواية المتاهة القاتلة البارت الأول
رواية المتاهة القاتلة الحلقة الأولى
في أحد شواطئ «إسطنبول» الجميلة، ما بعد الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، تحت زُرقة السماءِ وقمرِها الساطع، تحركت السفينة وسط الأمواجِ بهدوء، الكل جالسون في هدوء، أحيانًا نحتاج إلى هدوءٍ لا يشبه هدوء الوحدة، نحتاج إلى شيءٍ كالبحرِ يسمعنا بصمت ولا يجادلنا، ليس لأننا ضعفاء.. بل لأننا بشر.
تنهدتْ وهي تتأمل الأمواجَ من حولها، نظرت إلى أختيها بابتسامةٍ وهي تدعو أن يصلن إلى وجهتهن بسلام، رأت الخوف داخل أعينهما، حاولت أن تطمئنهما بابتسامة، ليس بيدها شيء سوى الابتسامة الكاذبة، كانت تشعر بالخوف وتخشى أن يحصل لها شيءٌ وتترك أختيها في طريقٍ مجهول وسط قسوة الحياة.
ابتسمت بوجعٍ مريرٍ حين تذكرت كل ما حدث لهن، وما أتى بهن إلى هنا، فاقت من شرودها على سؤال أختيها المتكرر عن المكان الذي سيذهبن إليه، صمتتْ دون رد.. فهي ليس لديها جواب، هي نفسها لا تعلم أين السبيل، فقط تريد الهروب من بطش زوجةِ أبيها التي اتهمتها في شرفها، وفي تقاليدهم مَن تخطئ فستُقتل دون رحمة، حتى أبوها صدَّق زوجته دون سماع ابنته، وحكم على أختيها معها بالموت، فلم تجد حلًا سوى الهرب من موتٍ محتوم، تنهدتْ بألمٍ يعتصر قلبها وذعرٍ من القادم.
حضنتهما ونظرت إلى السماء تتأمل جمالها.. وهي تفكر ماذا ستفعل عند وصولهن، ليس لهن أحد، فكل ما كانت تريده هو الهروب والتخلص من ذلك العالم القاسي، والآن.. ها هي وسط الأمواج تجهل مصيرَها.
نظرتْ إلى الجميع، كان عددًا قليلًا من الناس، وكل واحدٍ منهم ينظر أمامه بشرود، لكل واحدٍ منهم قصة وسبب وحكاية جعلته هنا وسط الأمواج، وفي هذا الوقت قطع الصمت المخيم صوتُ شابٍ كان ينظر إليهن، ويبدو عليه أنه شعر بالملل بسبب هذا الهدوء، ويريد أن يتحدث مع أحدٍ ولو قليلًا.
نظرت إليه “ماريا” بطرفِ عينٍ وهي ترى أنه ليس خائفًا مثل الباقية، تحدثتْ بحزنٍ عميقٍ قائلة:
ليس لدينا ما نقوله، يكفي ما نفكر به.
نظر إليها متعجبًا من كلامها الذي كان يحفه ألم، كل كلمة كان لها لحن ألم ومتاعب، فتحدث بابتسامةٍ قائلًا:
كل واحد منا وليه وجعه، لكن لازم منخليش الوجع دا ينتصر علينا، أنا رام.
ثم أشار إلى فتاةٍ وشابٍ بجانبه:
ودي صديقتي دينيز، وصديقي جان.
تحدثت “ماريا” بابتسامةٍ قائلة:
وأنا ماريا، ودي أختي الصغيرة إليف، ودي نايا.
تأمل “جان” أختيها والخوف ظاهرٌ عليهما، ثم تحدث بتساؤل قائلًا:
انتوا رايحين فين؟! الرحلة دي صعبة، إيه اللي خلاكم تسافروا على السفينة؟!
ابتسمتْ بوجعٍ مريرٍ وتحدثتْ قائلة:
السفر بالشكل دا مكنش اختيارنا… كان كل همي إني أهرب.
“دينيز” بذهول:
تهربي من إيه؟!
نظرت إليهم بحزنٍ وانكسار، وهي تتذكر سبب هروبها وكيف هربت من الموت المحتوم، مسحت دموعًا فرت من عينيها وهي مترددة… هل تخبرهم بقصتها، أم تصمت أفضل، فهؤلاء لا تعرفهم، أبوها الذي هي من صلبه تخلى عنها، ماذا عن أناسٍ لا تعرفهم! ولكن في الآخر وجدتْ البوح بما في داخلها أفضل كي ترتاح، وبدأت تحكي لهم قصتها مع زوجة أبيها، أكملت كلامها وانهمرت الدموع من عينيها، تحدث “رام” قائلًا:
طب ليه هربتِ طالما أنتِ معملتيش حاجة؟! كان لازم تبرئي نفسك.
ضحكتْ بوجع.. تبرئ نفسها في عالمٍ لم يسمح لها حتى بالتنفس أو التعبير عما بداخلها، كيف تبرئ نفسها، تحدثت قائلة:
بابا رفض إنه يسمعني، حكموا عليّ من غير حتى ما يسمعوني، خنقوا صوتي جوايا.
نظر إليها “جان” باستغرابٍ من تصرف هذا الأب، أليس الأب هو الأمان والملجأ والسند، فكيف له أن يفعل هذا؟!
وانتوا رايحين فين؟
أجابها قائلًا:
أنا وأصحابي بنحب المغامرات، والرحلة دي واحدة من مغامراتنا.
تحدثت بتساؤلٍ قائلة:
طب ليه مسافرتوش بالطيارة؟! هي أأمن من السفينة.
ابتسم ابتسامةً باهتة، ورد بصوتٍ خالٍ من المشاعر قائلًا:
احنا مش بنخاف من الخطر، احنا كبرنا وسط الخطر وعشنا معاه، احنا مالناش حد يقلق أو يخاف علينا.
تحدثتْ باستغرابٍ قائلة:
فين أهاليكم؟ أكيد هيخافوا عليكم.
أجابها قائلًا:
مالناش أهل ولا نعرف احنا ولاد مين، احنا اتربينا وكبرنا مع بعض في ملجأ.
تساقطتْ دموعها وهي تتذكر بعدما فقدتْ أمها، عندما ماتت وذهب كل شيءٍ جميلٍ معها، عندما ذهب مصدر الأمان، بابتسامةٍ باهتةٍ تحدثت قائلة:
ربنا يحفظكم لبعض.
“دينيز”:
على الأقل أنتِ شوفتيها، لكن احنا منعرفش حتى هما مين.
“ماريا”:
أنا ماشوفتش أمي لأنها…
وقف الكلام في حلقها حين سقطت بقوة وأختاها بجانبها، حين اهتزت السفينة بقوةٍ وتعالت صرخات الجميع.
ارتطمت السفينة بالأمواج وارتفعت المياه، كانت الأمواج تضرب السفينة بقوة، ارتفع صوت صرخات الجميع، الخوف والهلع كانا يملأان المكان، عندما شعروا أن هنا نهاية حياتهم، عندما شعروا بميل السفينة.. أدركوا أن هذا دليل على غرقها، أصبحت الأمواج تعلو بشكلٍ مخيف.. وأصبح الجميع يخشون أن يبتلعهم البحر، لم يعد لهم أملٌ في النجاة، حين بدأ تسرب المياه إلى السفينة.
أمسكت “ماريا” بيديَّ أختيها بقوة، كانت خائفة من أن يحدث شيءٌ لهما، العاصفة قوية، وكل الناس تستنجد بأصواتٍ عالية، اختلطت الأصوات المؤلمة مع أصوات الأمواج القوية، صرخ “رام” بقوةٍ عندما رأى أن السفينة على وشك الغرق ولا مفر لهم، وطلب من الجميع أن يقفزوا في الماء ويكملوا سباحة إلى الشاطئ.
صرختْ “ماريا” بهلع، كانت ترتعش وتنظر إلى دموع أختيها بصوتٍ مرتعبٍ تائهٍ في وسط ظلمات الليل:
أنا مبعرفش أسبح وسط العاصفة، أرجوك ساعد اخواتي.
طمأنها “رام” وهو يهز رأسه بالموافقة، ونظر إلى أصدقائه وطلب منهم مساعدة البنتين.
نظر “جان” إلى “ماريا” التي ظهر الهلع والخوف على وجهها، قال صديقه بحزم:
ماريا، دا مش وقت خوف، نطي بسرعة علشان اخواتك.
“ماريا”:
اتحركو انتوا، اطمنوا أنا هحاول أسبح.
قفز الجميع في الماءِ البارد في جوفِ الليل، نظرت “ماريا” إلى السفينة التي لم يتبقَ إلا نصفها الذي طاف على وجه الماء، وجثث البعض ممن لا يجيدون السباحة طافية فوق الماء، وصرخات الهلع والرعب التي ملأت جوف الليل تصدح في الفراغ، قفزت إلى الماء.. وبدأت في العوم ودموعها تذرف وأنفاسها متلاحقة، وهي ترى في كل مرة جثةً تطفو فوق سطح الماء، شعرت باليأس عندما رأت كل الركاب الذين كانوا على متن السفينة لم يتبقَ منهم أحد.
أكملت سباحة حتى رأت الشاطئ مع بزوغ الفجر، و”رام” وأختاها يصرخون ويلوحون لها بأيديهم، شعرت بالطمأنينة عندما رأت أختيها بخير، لكن سعادتها لم تكتمل… فقد رأت سمكةَ قرش تقترب منها وسط شدة الأمواج.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية المتاهة القاتلة)