رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس والخمسون 56 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء السادس والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت السادس والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة السادسة والخمسون
إن كان مرر لها من قبل أمر إستيلاءها على أمواله وأكتفى بأن يجعلها تعويضاً لها عما لاقته منه ، إلا أن يقيم شقيقها معهم بالمنزل لهو العذاب بعينه ، وهى خير من تعلم مدى شعوره بالإنزعاج والضيق كلما تذكر ما حدث من ديفيد بحقه ، فأيقن الآن أنها وصلت لحالة من عدم الإكتراث واللامبالاة بأمر ما يسعده أو يشقيه لم يكن يظن أن تصل إليها يوماً ، بل ستجعل إقامة شقيقها معهم أداة بيدها لتذكره بما عانه ولتنكأ جراحه الواحد تلو الأخر ، وتجعلها تعود وتنزق دماً وقهراً من جديد ، حتى وهو واقفاً أمامهما الآن ، يشعر بحرارة غير معتادة تغزو جـ ـسده ، كأنه مازال يشعر بضرب السياط على جـ ـسده ومذاق طعم الدماء بفمه
رفع راسل يـ ـده اليمنى يمررها على صـ ـدره بعشوائية ، كأن يتأكد من خلو جـ ـسده من تلك الدماء التى كانت تطفر من جروحه ، كأنها عادت تنزف من جديد ويشعر بدفء الدماء النازفة منها ، ولكن إنتبهت حياء على ما يفعله ، كأنه أصيب فجأة بمس من الجنون وصار مجذوباً ، وهو يتلمس جـ ـسده ووجـ ـهه بإلحاح ، شقت الشفقة قلبها على حاله ، فبعفوية إمتدت يـ ـدها له وقبضت على يـ ـده لتجعله يكف عما يفعله ، نظر لكفها الرقيق القابض على كفه العريض وسرعان ما نظر إليها بعيـ ـنيه اللتان تسطرا الألم بوضوح داخلهما ، كأنه يناشدها أن لا تفعل به ذلك
إنتبهت حياء على ما فعلته ، فسحبت يـ ـدها سريعاً وعاد البرود يكسو وجـ ـهها ، فإزدردت لعابها وجذبت شقيقها وهى تقول بإبتسامة متوترة :
– يلا بينا يا ديفيد نخرج علشان ورايا كام مشوار أعملهم وعيزاك معايا
أنحنى ديفيد قليلاً كأنه يقدم فروض ولاءه وطاعته لها وهو يقول باسماً:
– الجميل يؤمر وأنا أنفذ أنا تحت أمرك يا مولاتى
ضحكت حياء بصوت مرتفع ، أصدر رنيناً عذباً بقلبه ، بل إقشعر بدن راسل بعد رؤيتها تضحك هكذا وهو الذى لم يرى سوى دمعاتها الحارة منذ أن وطأ المنزل بقدميه ، بل لم تكتفى بذلك،بل مدت يـ ـدها ولكمت شقيقها بصـ ـدره بخفة كأنها تمازحه وتأبطت ذرا عه وخرجا من المنزل ومن يراهما يظنهما عاشقان وليس أخ وشقيقته ، فالعلاقة بينهما تطورت سريعاً ، وهو من ساهم بذلك ، كون أن حياء لم تجد أحدًا يواسيها بمصابها غير شقيقها ، وربما رابط الدم بينهما هو ما جعلها تجعل ديفيد على رأس قائمتها التى إستثنته منها ولم يعد يشغل بها مكانة أو حيزاً
– أنا زهقانة وعايزة أتفسح شوية ، بس عايزة أروح أزور دار الرعاية الأول
قالت حياء ما أن وصلت لسيارة ديفيد المصفوفة أمام باب البيت ، فتح لها الباب وجلست بالمقعد الأمامى المجاور لذلك المقعد الذى جلس هو عليه فيما بعد ، فهى أرادت أن تتنزه معه لعلها تصرف عن ذاتها ذلك الضيق الذى شعرته به بعد أن زارتها تلك اللحظة من الضعف بعد رؤيتها لما أصاب زو جها بعد علمه بأن شقيقها سيقيم معهما بالمنزل
رد ديفيد قائلاً وهو يدير عجلة القيادة:
– أنا النهاردة تحت أمرك اليوم كله ، قوليلى عايزة تروحى فين وإحنا نروح على طول
إبتسمت حياء وهى تسند رأ سها لطرف مقعدها ، فنظرت من النافذة ، ورآت راسل واقفاً أمام الباب ، كأنه بإنتظارها أن تخرج من السيارة ، لعلها تقدم له تفسيراً عن سبب وجود ديفيد هنا ، أو لما ستجعله يقيم معهم وهى الأعلم بمدى شعوره بالكراهية تجاهه ، ولكنها لم تفعل شيئاً سوى أن رفعت يـ ـدها تلوح له ببرود ، وسرعان ما قاد ديفيد السيارة حتى إختفيا عن ناظريه
– أيوة هنا يا ديفيد وقف العربية وصلنا
قالتها حياء وهى تشير بيـ ـدها ما أن وصلا لدار رعاية الأطفال ، فترجلت من السيارة وحملت تلك الهدايا التى إبتاعتها وهى بطريقها إليها ، وجعلت ديفيد يحمل معها الحقائب وولجا للداخل ، إستقبلتهما مديرة الدار الجديدة والتى تولت مهمة إدارتها بعد وفاة المالكة الأصلية لتلك الدار ، ومن ثم وجدت الأطفال يتدافعون إليهما ليحصل كل منهم على دميته وحلواه وبعد إنتهاءهما فضلت حياء الجلوس قليلاً وتراقب الأطفال وهم يلهون ويلعبون
نظرت بجوارها وجدت ديفيد يأكل من تلك الحلوى المتبقية معهما ، فضحكت حياء وقالت له :
– أنت جعان يا ديفيد ولا إيه ، شيفاك عمال تاكل فى البسكوت الباقى زى ما يكون بقالك يومين ما أكلتش
إبتلع ديفيد ما بجوفه ورد قائلاً بإبتسامة:
– أصل كنت لسه صاحى من النوم لما رنينى عليا وجتلك قبل ما افطر ولما شوفت البسكوت جوعت وإحتمال كمان أقوم أكل اللى فى إيد الأطفال فيلا بينا أشوف أى مطعم نفطر فيه
لم تكن حياء راغبة بترك مكانها ، وتحرم عيـ ـنيها من رؤية هؤلاء الصغار ، وهى من كانت تتمنى أن تملك نصف دزينة منهم ، تراهم يركضون هنا وهناك بمنزلها ، وترى بهم ثمرة عشقها لزو جها ، ولكن علام حصلت بالأخير ، لاشئ سوى أنها هنا جالسة تشاهد أطفال ربما يتقاسمون ظروف طفولتها ، بينما زو جها صار لديه ولدًا من إمرأة أخرى غيرها
أه لو يعلم كم تتمزق روحها كلما سمعت صوت ضحكة أو بكاء الصغير بالمنزل ، أو تراه هو يحمله يهدهده ويقبله ، تكون كمن طعنت بسهم تم غرسه بقلبها وعليها أن تضحك وتبتسم لتوهم الجميع أن الأمر لا يشكل فارقاً لديها
وضعت حقيبتها على ذرا عها ونهضت من مكانها وقالت بغصة :
– ماشى يلا بينا بس بعد كده هتوصلنى عند دادة صالحة علشان عايزة أزورها وأقعد معاها شوية ماشى
أماء ديفيد برأسه موافقاً على مطلبها ، فخرجا من دار الرعاية ووصلا للمطعم الذى تناولا به إفطارهما المتأخر ، وبعد إنتهاءهما خرجا وإستقلا السيارة بطريقهما لذلك الحى ، الذى تقطن به صالحة ولم يكن سوى ذلك الحى الذى كانت تسكنه معشوقته الراحلة ، وكأن قـ ـدميه ساقته إلى الموت ، فما أن أوقف محرك السيارة أمام منزل صالحة ، نظر لشقيقته قائلاً بنبرة مبهمة :
– حياء أنا عندى مشوار مهم ، أقعدى براحتك ولما تخلصى رنى عليا أجيلك ونرجع البيت ماشى
لم تفهم حياء إصراره على المغادرة ، ولكنها لم تجادله ، بل خرجت من السيارة وسرعان ما قادها حتى أختفى بلمح البصر ، فطرقت حياء الباب الخشبى لذلك المنزل الصغير ، الذى تملكه مربيتها الحنون
فتحت صالحة الباب وتهلل وجهها وصاحت بسعادة :
– حياء حبيبة قلبى نورتى أدخلى يا ألف أهلاً وسهلاً
أحتـ ـضنت حياء مربيتها كأنها لن تتركها ، مما جعل صالحة تشعر بأنها ليست على ما يرام ، فظلت تربت على ظـ ـهرها بحنو ، حتى إستطاعت حياء الإبتعاد عنها وولجت للداخل ، ذهبت صالحة لمطبخها الصغير وأعدت لها كوب من إحدى المشروبات المثلجة والتى تكون الأنسب دائماً بأوقات الصيف الحارة ، وضعته أمامها على تلك الطاولة ورمقتها بهدوء ، فوجدتها تحدق بشاشة التلفاز بشرود
ربتت صالحة على سـ ـاق حياء ، التى إرتعدت بخفة ولكن رغم ذلك إبتسمت لها ، دققت صالحة بها النظر وتساءلت بإهتمام وقلق :
– مالك يا حبيبتى فى إيه حاسة إنك متغيرة ، حصل حاجة أو عرفتى حاجة عن جو زك
نكست حياء رأسها وردت قائلة بصوت خالى من أى شعور :
– أه يا دادة هو رجع بس مرجعش لوحده راجع هو ومراته التانية وإبنه اللى خلفه منها
شهقت صالحة ودبت على صـ ـدرها تعبيراً عن دهشتها وصدمتها مما سمعته منها ، فلا بد أنها تمازحها ، ولكن رؤيتها لأطرافها المتشنجة والتى ظهرت بوضوح فى يـ ـدها القابضة على كوب مشروبها ، جعلها متيقنة من أنها لم تخبرها سوى الحقيقة
قالت صالحة بإرتباك وتساءلت :
– حياء معقول اللى بتقوليه ده ؟ ده دكتور راسل بيحبك وروحه فيكى ، دا أنا لسه لحد النهاردة فاكرة حالته لما جه يدور عليكى لما سبتيه ، كانت حالته تقطع القلب وقتها ، معقولة قدر يتجـ ـوز عليكى بعد الحب ده كله
تركت صالحة مكانها وجلست بجوارها وجذبت رأسها إلى كتفها ، وكأن حياء كانت بإنتظار ذلك ، وراحت تبكى بمرارة ويرتجف جسدها ، وعلى الرغم من أن ديفيد شقيقها رآها بموقف مماثل فور وصوله ، ومنحته إمتياز الأشقاء بأن يقدم لها دعمه ، إلا أن الأمر مع مربيتها يختلف كلياً ، وربما ذلك عائد لأن صالحة هى من ساهمت بتربيتها منذ صغرها وكانت بجوارها دائماً بأوقاتها السيئة وقدمت لها النصيحة والحنان وقت ما كانت بحاجة إليهما
تألمت حياء كثيراً ولكنها أجابتها بحدة سخطاً على بكاءها وتأثرها :
– أه يا دادة عمل كده وبكل دم بارد ، بس أنا خلاص مبقتش عيزاه ولا بقيت باقية عليه خلاص أنا كرهته كرهته يا دادة
تحاول أن تقنع ذاتها قبل الجميع بأنها صارت تكن له الكراهية ، ولكنها دائمًا ما تصرح بكراهيتها أمام إناس هم الأعلم والأدرى بتلك الحالة من العشق التى كانت تعيشها معه ، ولكنهم يوهمونها بأنهم يصدقونها ربما لينهوا تلك الحالة من الحزن والتأثر والبكاء التى تلم بها جراء ذكرها لما فعله معها
لم تجد صالحة ما تقوله سوى بضع كلمات لا تغنى ولا تسمن من جوع ولن تستطيع بها دفع ذلك الضرر النفسى الواقع عليها من شعورها بغدر وخيانة زو جها لها ، ربتت عليها ومسحت وجـ ـهها وقالت بأمل :
– إهدى يا حبيبتى ربنا يصلح حالك يارب
توقفت لحظة ثم مضت إلى القول بحنان :
– أنا النهاردة هعملك أكثر أكلة كنتى بتحبيها
إبتسمت حياء ورفعت رأسها عن كتف صالحة ، لعلمها أنها تبذل ما بوسعها للترويح عنها ، فعرضت عليها مساعدتها بالمطبخ فى إعداد الطعام ، لعلها تصرف عن ذهنها التفكير بقصر النعمانى وساكنيه ، وبعد إنتهاءهما من إعداد الطعام ووضعتاه بالصالة جلستا تأكلان وتثرثران وكل منهما تتحاشى الخوض ثانية بعودة راسل وزوا جه
أنقضى الوقت سريعاً حتى سمعت حياء صوت أذان العشاء ، فهى قضت اليوم بأكمله مع صالحة وحان وقت عودتها للمنزل ، فأجريت إتصالاً بديفيد ، ليأتى ويعيدها للبيت ، وما هى إلا خمسة عشر دقيقة ووجدت ديفيد يقف أمام منزل صالحة وما أن جلست بجواره ، انطلق بالسيارة كأنه بأحد السباقات ، مما جعل الخوف يسكنها من أن يقع لهما حادث يودى بحياتهما سوياً
فزعت حياء وصاحت بديفيد قائلة بإستجداء :
– ديفيد براحة شوية أنت هتموتنا كده أنت داخل سباق ، سوق العربية براحة أنت خوفتنى
خفف ديفيد من حدته فى قيادة السيارة حتى وصلا للمنزل بسلام ، ولكنه أخبرها بأنه سيعود بوقت متأخر ولكن لاحاجة لها أن تشعر بالقلق فما أن تستيقظ من نومها ستجده بتلك الغرفة التى خصصتها له من أجل إقامته بمنزل النعمانى
ولجت حياء للداخل وصعدت الدرج ، وما أن وصلت للطابق الثانى الواقع به غرفتها ، رآت تلك الغرفة التى من المفترض أن راسل وساندرا يتشاركونها ، وجدت باب الغرفة موارباً ، فأرادت إستكمال سيرها لغرفتها ، إلا أن ما أن إلتفتت خلفها لمحت خروج الصغير من الغرفة وهو يحبو ، مما جعلها تشعر بالخوف من أن يسقط ، فعادت أدراجها وحملته وهو كان قاب قوسين أو أدنى من أن يضع يده على مقدمة الدرج
خرج راسل من الغرفة يصيح منادياً للصغير بخوف :
– ساجد أنت فين
وجدها تحمل الصغير الذى راح يجذب طرف حجابها ، فظلا واقفان مواجهان لبعضهما البعض بصمت ، نقل بصره بينها وبين الصغير ، وعيناها تحمل له ألف إتهام ، لما حرمها من تلك الأمنية وهى أن تحمل صغيرهما بين ذراعيها ، فهو يعلم مدى عشقها للأطفال وكم من مرة بأوقاتهما الحالمة صرحت عن أمنيتها بأن يكون لديها طفلها الخاص منه وتحمل بأحشاءها نبتة منه ترويها هى بحنانها الفائق وعنايتها حتى تأتى لهذا العالم متجسدة بصغير أو صغيرة يحملان دماءهما سوياً
رفعت الصغير عن أحضـ ـانها وقربته منه قائلة وعينيها تجلده بنظراتها :
– كان ممكن يقع من على السلم خلى بالك منه
وضعته بين ذرا عيه بينما إستدارت هى لتذهب لغرفتها ، هرعت تجاه باب الغرفة وفتحته وأغلقته خلفها ، ولكنها رآت سجود نائمة بفراشها ، فلم تشأ أن توقظها بل ذهبت لغرفة ثيابها وأرتدت ثوب نومها الحريري الذى إبتاعته مؤخراً ، ووضعت رداء مماثل للون الثوب ولكنها تركته دون الحاجة لأن تشد رباط خصرها ، ولكن ما أن كادت تستلقى على فراشها ، سمعت صوت رنين هاتفها ، ولم يكن سوى مدير أعمال إحدى تلك الشركات الخاصة بعائلة النعمانى
فتحت الهاتف وقالت بعملية :
– أيوة حضرتك خير فى إيه
رد الرجل قائلاً بإحترام جم لربة عمله:
– مدام حياء أنا أسف أن بكلم حضرتك فى وقت زى دى بس فى حاجة بخصوص صفقة شركات الأغذية كنت عايز أقول لحضرتك عليها ، لأن حضرتك اليومين دول أنتى وعاصم بيه مبتجوش الشركة علشان حالة رياض باشا
تفهمت حياء قلقه حيال العمل ، فدعته ليكمل حديثه ويخبرها بهذا الأمر الهام ، ولكن أثناء المكالمة وأنهماكها بالحديث ، سمعت صوت طرقات على الباب ، خفضت الهاتف عن أذنها وتساءلت :
– أيوة مين
جاءها الرد من خلف الباب المغلق :
– أنا راسل يا حياء هى سجود عندك
أتجهت حياء صوب الباب وفتحته وعادت ووضعت الهاتف على أذنها ، فسمحت له بالدخول وهى تشير لسجود النائمة بفراشها ، ولجت للشرفة لتكمل باقى حديثها عن العمل ، ورغم وقتها الذى قضته بمكالمتها الهاتفية ، إلا أنها خرجت من الشرفة وجدته مازالا جالساً على طرف الفراش بجوار إبنته ، فتساءلت بقرارة نفسها لماذا لم يذهب إلى غرفته بعدما قبل إبنته مثلما يفعل دائماً قبل نومه ؟
حولت نظراتها الجامدة عنه وضمت كفيها قائلة بجفاء :
– خير لسه قاعد هنا ليه ، مش خلاص أطمنت على سجود ولا مبقتش مأمن عليها معايا ، خايف أأذيها ؟
نهض من مكانه وأمسك بها قائلاً بنعومة :
– لو قالولى أن الدنيا كلها هتأذى بنتى هقول إلا أنتى يا حياء ، لأنك أمها ومفيش أم بتأذى بنتها
حاولت حياء التظاهر بالضحك وهى تقول بسخرية :
– طب مقولتش الكلام ده لنفسك ليه لما صدقت عنى أن ممكن أاذيكم وسبتنى وهربت ، دا أنت من جبروتك خليتنى أعيش معاك ليلة ولا ألف ليلة وليلة وأقوم الصبح ألاقيك هربت وسايبلى رسالة ، فكرت وقتها كان إيه اللى ممكن يحصلى ، محستش بضميرك بيوجعك وأنت سايبى هنا لا عارفة عنك حاجة ولا عارفة أنت فين ، فضلت سنتين متعلقة لا طايلة سما ولا طايلة أرض ، طب ياريتك كنت رجعت وقولتلى أنك خلاص مش عايزنى وأنك هتطلقنى علشان تتجوز واحدة تانية ، على الأقل يمكن ساعاتها مكنتش هحقد عليك وانسحب بهدوء من حياتك ، بس إزاى تعمل كده متبقاش راسل النعمانى
إرتجاف جسدها من شدة إنفعالها بحديثها ، جعل رداءها ينزلق عن كتفيها قليلاً ، وكأن أحدهم حبس أنفاسه بقوة ، فها هى بين يـ ـديه حسناء ، جميلة ،آسرة ، تهدم صموده وجموده بلحظة ، يكفيه الشعور بملمـ ـس خصيلاتها الحريرية الطويلة ، التى راحت تنساب من بين أصابعه كالشلال ، عامان كاملان لم يراها هكذا ، جاذبيتها تجعل أمر إبتعاده عنها بتلك اللحظة مستحيلاً ، ولن يعود بإمكانه أن يكبح جـ ـماح نفسه التواقة إليها
– راسل أطلع برا ، بقولك أطلع برا ، أخرج علشان تعبانة وعايزة انام
قالت حياء بخوف وهى تراه يدنو برأسه منها ، كأنه لن يفلتها دون الحصول على مبتغاه ، ولكن بدا راسل وكأنه أصم وأبكم ، فيما أخذها إلى صـ ـدره برفق وحنان . أحنى رأسه فوق وجهها ، ولكن أبقت على شفـ ـتيها مطبقتين كبوابة حصن منيع ، ولم تكتفى بذلك بل دفعته عنها بقوة وحزم حتى حلت وثاقه عنها
لم تتأثر بقربه الواضح منها وقالت له :
– أتفضل أخرج برا وقولتلهالك قبل كده متلمسنيش ولا تحط إيـ ـدك عليا تانى مفهوم
رد قائلاً بلهجة جادة وصارمة :
– أنتى بتعملى كل ده علشان خايفة منى يا حياء ، خايفة تقربى منى وساعتها هتكتشفى أن كل اللى بتعمليه ده تمثيل وأنك لسه بتحبينى ، وأنك مبتكرهنيش ولا حاجة دا يمكن أنتى بعد الفراق إشتاقتيلى وحبتينى أكتر ، وأنا متأكد أن لو قربت منك أو لمستك هتعترفى بحقيقة أنك لسه عيزانى ومشتقالى وبتتمنى قربى ، ويمكن الليل كمان مينتهيش إلا وأنتى بتقوليلى ” بحبك وخليك معايا ”
تلك الثقة اللعينة التى يتحدث بها جعلت دماءها تغلى بعروقها ، حتى وإن كان جانباً من حديثه يحمل طابع الجدية ، إلا أنها لن تعترف بهزيمتها أمامه حتى لو سلط على عنقها سيفاً حادًا ، ففاضت نظراتها بتعبيرات الإشمئزاز والضجر ، وكسبيل لإغاظته وجعله يشعر بأنه لم يعد يمثل لها شيئاً ولم يعد يؤثر بها وجوده أو إقترابه منها
عادت ووقفت أمامه عاقدة ذرا عيها وهى تقول بتحدى سافر :
– شيل سجود وديها أوضتها وتعال يا راسل ، تعال علشان أثبتلك أنك بقيت بالنسبة ليا ولا حاجة ، ويمكن ساعتها تقتنع أن خلاص كرهتك ومش طايقة أبص فى وشك ، وأن خلاص مش هكون ليك زو جة ولا تجمعنا أوضة ولا سرير تانى
امسك بذراعيها صارخاً بغضب عارم :
– أنتى بتفكرى فى إيه بالظبط وتقصدى إيه بكلامك ده
– أنت اللى بدأت وزرعت النار فى قلبى يبقى تستحمل
قالتها حياء وهى تزيح كفيه عن ذرا عيها ، إلا أنه رفض تركها ، فضغط عليهما بضع لحظات ثم أختفى السخط الشديد من عينيه وقال بدهاء :
– ماشى يا حياء هودى سجود وراجعلك وهشوف أخرتها إيه معاكى
تركها وأقترب من الفراش وحمل صغيرته الغافية وخرج من الغرفة متجهاً لتلك الغرفة الخاصة بسجود ، وضعها بفراشها ودثرها بالغطاء الخفيف وقبل رأ سها ومن ثم عاد لغرفة حياء وأغلق الباب خلفه
وجدها خلعت الرداء عن الثوب الذى ترتديه، والكفيل بإطاحه عقله مثلما كانت تفعل سابقاً ، فهى أعدت أسلحتها ودفاعتها وما عليه سوى الإقتراب ، لتقذفه بوابل نظراتها من الإزدراء والكراهية
جلست على المقعد بجوار الفراش واضعة ساق على الأخرى ، تنقر بأصابعها على ذراعى مقعدها بهدوء يثير الأعصاب ، أقترب منها وجذبها من يديها وضمها إلى صـ ـدره بقوة ولكنه لم يحاول معانقتها
أسند وجهه لرأ سها وسرعان ما قال بهمس محموم وصوت أجش وأنفاسه المتصاعدة بترقب يوزعها بسخاء على وجـ ـهها وعنقها :
– أنا عارف أن أنا وجعتك ، بس فعلاً أنتى وحشتينى أوى يا حبيبتى ، قوليلى أن أنا كمان وحشتك وإشتاقتيلى زى ما شوقى ليكى قتـ ـلنى فى بعدى عنك ، قولى أنك لسه بتحبينى يا حياء ، قوليها زى ما كنت دايماً تقوليهالى ” بحبك يا راسل ” مشتاق أسمعها منك
أحست بإرتجافه من إلتصاقه بها ، بل أن عاطفته المشوبة بالهذيان المحـ ـموم ، جعلتها تتذكر ليلة زوا جهما وتعذبت ما أن طافت الذكرى بمخيلتها ، ولكنها لن تتمكن من التظاهر بعاطفة لم يعد لها وجود ، فردت قائلة بنبرة كالصقيع :
– شوقك ليا قتـ ـلك بدليل أنك يا حرام بعد كام شهر بس كنت متجـ ـوز ومخلف ، يا سلام على الحب والإشتياق اللى من النوع ده واللى بيديك الحق تمارس حقوقك كراجل شرقى فى أن يبقى عندك زو جة واتنين ، بس أنا مبقتش أحبك يا راسل ومفيش فايدة من أن أتظاهر بأن لسه بحبك ، لأن شعورى بالكره ناحيتك دلوقتى هو الحقيقة الوحيدة بينا
رفع رأ سه بحدة ، كأن أحدًا صفعه على وجـ ـهه ، رمقها بدهشة وإستغراب وهو يسألها بإنفعال وتأثر :
– معقولة كرهتينى بالسرعة دى ، أنا مش مصدق
أبعدت نفسها عنه وهزت رأ سها وهى تقول بجمود :
– لاء صدق ، أنت قتلت بقسوتك الحب اللى كان فى قلبى ليك ولازم تفهم أن قلبى مش لعبة فى إيدك علشان تكسره وراجع عايز تصلح اللى أتكسر ، وأنا قدامك أهو بثبتلك أن خلاص وجودك أو قربك مبقاش فارق معايا ، مبقتش شيفاك جو زى أصلاً يا راسل ، ولو عايز تتأكد من ده أتفضل
أغمضت عيـ ـنيها ورفعت وجـ ـهها له كأنها تضحى بأغلى شئ لديها ، لعله يكتشف أنه يضيع وقته فى نفض الرماد عن نيران قد أخمدتها قسوته ، وهى لن تضعف أو تجبن أمام تحديه . أذهلتها رقته وهو يعانقها ، ولم تستغرب من عودة النيران لقلبها ،وضع يـ ـديه على ظهرها وضغط عليه بأصابع فولاذية قوية ، محاولاً قطع تلك المسافة القليلة بينهما والتى تقدر ببضع إنشات ولكن كأنها تقف على بعد عدة أميال منه ، فشعرت بأنه يكاد يحطم عظامها ، حتى أرادت أن تصرخ من شدة الألم ، إلا أنها لاحظت مدى ضبط النفس الذى يمارسه على أعصابه ، لم يعانقها بقسوة ولم يحاول أن يظهر أكثر من تعلقه بها
إرتسمت إبتسامة متهكمة على ثغرها وقالت بدهاء أنثوى :
– شوفت واتأكدت بنفسك أن أنا أتغيرت ، وصدقنى أنا محستش بحاجة غير القرف ومعدتى قلبت من قربك منى يا راسل
قالتها ما أن إبتعد عنها قليلاً ووجدها كما هى جامدة متصلبة بوقفتها منتصبة القامة كأنها قدت من حجر منحوت بدقة ، لم تبادله عناقه ، بل قضت على كبرياءه بتلك اللحظة عندما أخبرته إياها صريحة بأنها تشعر بالإشمئزاز كلما شعرت بملمـ ـس يديه ، فقضت بتصريحها على ما تبقى لديه من قدرة على أن يكمل ما بدأه
سقطت جالسة على المقعد وعيناها متحجرتان ، كأنهما غير قادرتان على الإفراج عن تلك العبرات التى تم ملائهما بها وراحت تهتز بعدستيها ، تنتظر أمرها بأن تطلق سراحها ، لعلها تفرغ معها شعورها بالغضب الشديد من أنها سمحت له بأن يترك بصمات أصابعه على ذراعيها ، أو أن جعلت نفسها عرضة لخطر فرض هيمنته وسيطرته عليها ، ولكنها باتت تعلم أنه لن يحاول أن يضع نفسه بمأزق معها كذلك المأزق الذى خرج منه مجرداً من القليل من كبرياءه كرجل وجد زوجته تمنحه الإذن بالوصال دون أن يطمع فى أنها ستجعله يشعر بإنتصاره كرجل ، كان يراها دائماً تفعل المستحيل ، لتجعله يشعر بالرضى من وصالها
خرج راسل من الغرفة وأغلق الباب خلفه بحدة ، فإستند بظـ ـهره على الجدار الفاصل بين غرفتها وغرفة سجود ، أغمض عيـ ـنيه ليكبح جـ ـماح تلك الدمعات التى باتت توخز جفنيه ، فهو فعل ما رآه الصواب بحقها ، كونه لم يعد يملك شيئاً يقدمه لها ، ولا يريد لها أن تقضى بقية حياتها ويفنى شبابها مع بقايا وحطام رجل عانى من مرارة الماضى ووصل لنقطة اللاعودة فى شعوره باليأس وفقدان الأمل
كاد يصدق تلك اللعبة السخيفة التى بدأها منذ أن عاد للمنزل ورآها ، بل ربما منذ أن رحل عنها منذ عامين ، حتى ما فعله معها منذ قليل ، وتركه لها المساحة الكافية لأن تدير دفة الأمر لصالحها ، أراد إستفزازها ليسمعها منها صريحة أنها لم تعد تكن له أى مشاعر وأنها باتت تحمل له كل الكراهية والبغضاء والحقد بقلبها ، وهذا ما كان بإنتظاره ، ولكن رغم ذلك ، لم يكن يعلم أن شعوره بالألم سيكون مضاعفاً هكذا ، فالحقيقة الوحيدة التى تفوه بها بلحظة مجنونة وبغفلة من عقله ، أنه حقاً إشتاق إليها وكم كان يهفو لأن يسمع كلمة الحب منها ، لعل ذلك كان يردعه عن قراره الأحمق بأن يتمادى بأفعاله معها حتى يزيد من كراهيتها له ، فها هو يعيد إستخدام حيلتها وخدعتها التى إستخدمتها من قبل ، ولكن الفارق الوحيد بينهما ، أنه لم يصدقها بوقتها ، بل كان قلبه دائماً ما يخدعه ويقع تحت تأثير الضعف من جانبها ، فتمنى أن لا يصيبها ما أصابه ، وأن تظل بجمودها وكبرياءها ، حتى يتيقن من أنها ستتجاوزه ويعود بإمكانها أن تحيا من دونه
❈-❈-❈
أفرطت فى وضع طلاء شـ ـفتيها حتى صارتا بلون الدم ، فحتى وإن كانت إكتسبت شئ من الأناقة والكياسة ، إلا أن طباعها القديمة فى وضع مساحيق التجميل لم تتغير ، ودائماً ما تحب طلاء شـ ـفتيها المكتنزتين بلون صارخ ، كأنها تقدم دعوة صريحة بأنها مثال للغواية ، أو كأنها تلك التفاحة المحرمة ، التى لن تجد مانعاً من أن يقتطفها الشخص المراد ، والذى عادت من أجله مرة أخرى ، مررت يدها على العقد الماسى الذى يزين جيدها ومن ثم ثوبها الفاضح ، والمتمثل بثوب من اللون الأزرق الداكن عـ ـارى الظـ ـهر وبفتحة صـ ـدر تظهر عنقها بسخاء إضافة لتلك الفتحة التى تصل لمنتصف فخـ ـذها الأيسر ، ثوب عـ ـارى يكاد لا يستر منها شيئاً ، متذرعة بأن ذلك الثوب وما على شاكلته تلك هى ثياب الأثرياء والطبقة المخملية التى إنتمت إليها حديثاً ، حملت بين يـ ـديها حقيبة صغيرة بالكاد إتسعت لحمل هاتفها وبعض أدوات التجميل
قالت بإبتسامة وإعجاب لمظهرها :
– كده كله تمام ، تجننى يا بت يا ليالى
بعد تأكدها من أن كل شئ على مايرام ، سمعت صوت طرق على باب غرفتها ، فأذنت للطارق بالدخول وما لبثت أن رآت تلك الخادمة الأسيوية تلج الغرفة و تخبرها بشأن أن السائق بإنتظارها ليقلها لوجهتها التى لا يعلمها أحد حتى الآن غيرها
خرجت من المنزل وفتح لها السائق الباب الخلفى للسيارة ، وبعد أن جلست بإرتياح وجلس هو خلف المقود ، هتفت به قائلة بهدوء :
– ودينى على المطعم اللى فى فندق الصفوة بتاع عمران الزناتى
أماء السائق برأسه إيماءة خفيفة وانطلق بالسيارة حتى وصلا للمطعم ، ومثلما فتح الباب لصعودها السيارة ، أسرع وفتحه لتترجل منها حتى تلج للمطعم وهى تتبختر فى مشيتها بدلال أثار أنتباه الحاضرين ، بل تحولت رؤوس بعض الرجال إليها حتى جلست على إحدى الطاولات وأشارت للنادل ، الذى جاءها على وجه السرعة
أشارت إليه بالإقتراب وقالت بصوت خفيض :
– لو سمحت قول لعمران بيه صاحب الفندق إن أنا عيزاه ضرورى
رغم دهشة النادل من طلبها بمقابلة رب عمله ، الذى يعلم الجميع أنه ليس ذلك الرجل صاحب العلاقات الغرامية ، إلا أنه حرك رأ سه بطاعة وذهب لإخبار عمران بأن هناك إمرأة تريد رؤيته بالمطعم
خرج عمران من غرفة مكتبه بعد إخبار النادل له بشأن تلك التى تنتظره والذى شعر بشعور خفى أنها هى ليالى بذاتها ، وصل للمطعم وأقترب من طاولتها وسحب مقعداً وجلس قبالتها قائلاً بهدوء كعادته :
– أهلاً يا ليالى إيه المفاجئة الحلوة دى
إبتهجت ليالى بعبارته الترحيبية بها ، فتساءلت وهى تضع يـ ـديها على الطاولة:
– مبسوط بجد أنك شوفتنى يا عمران ؟
كاد يجيبها عمران لولا رؤيته لزو جته ميس التى دلفت للمطعم تتأبط ذراع إحدى صديقاتها ، فلم يصدق عيـ ـناه أنها جاءت لهنا ، ولكن وجدهما تتجهان لإحدى الطاولات التى يجلس حولها رجلاً وإمرأة ويبدو على الرجل أنه أوروبى ، فثار فضوله لمعرفة ما الذى جاء بها للمطعم الخاص به وهى من حرمت على نفسها الإقتراب من أى شئ يمت له بصلة
جلست ميس بعدما تبادلت مع ضيفيها عبارات الترحيب ، ولكنها تململت بجلستها خشية أن ترى زو جها ، ولا تعلم لما وافقت على مقابلة مدراء تلك الشركة الخاصة بالمعدات والأدوات الطبية بهذا المطعم خصيصاً ، فهما من وقع إختيارهما على المكان الذى سيتم به عقد صفقتها مع تلك الشركة؛ لإستيراد أجهزة طبية من أجل المشفى
قالت المرأة وهى تضع بعض الأوراق أمام ميس :
– أتفضلى يا دكتورة ميس دى العقود بتاعة الشركة وفيها مواصفات الأجهزة الطبية اللى طلبتيها وكمان الأسعار اللى تم الأتفاق عليها
رفعت ميس الأوراق وجالت ببصرها فيها حتى أطمئنت أن بنود العقود مثلما تم الإتفاق بينها وبينهم ، فأخرجت ميس قلم من حقيبتها ووقعت بإسمها وهى تقول بمهنية وعملية :
– أنا مضيت العقد وأول دفعة من الفلوس هتوصلكم بكرة وعايزة الأجهزة فى ميعادها ومش عايزة تأخير ، أنا أخترت شركتكم علشان عرفت أنكم مشهورين فى الشرق الأوسط وأوروبا وأنكم دايما قد كلمتكم ، فأتمنى متخيبوش ظنى
رد الرجل باسماً :
– نحن دائماً ملتزمون بوعدنا ، ولن يكون لديكِ أى شكوى منا
هزت ميس رأسها بخفة وإبتسمت كما تطلبها الذوق فى رد إبتسامة الرجل وما أن تم توقيع الإتفاقية بينهم ، اعتذرا مغادران وقبل أن تحث ميس صديقتها على القيام لترحلان ، رآت عمران وهو جالساً حول تلك الطاولة بأخر المطعم ، ولكن ليس هذا ما جعلها تعود وتجلس بمقعدها ثانية ، بل رؤيتها لتلك المرآة التى تضع يـ ـدها على يـ ـده ، وكأن أحدهم طعنها بالصميم
ربتت صديقتها على ذرا عها وهى تقول بإهتمام :
– مالك يا ميس فى إيه مش هنمشى ولا إيه
أنتبهت ميس على قول صديقتها ، فأبتسمت بإرتباك وما لبثت أن عادت بنظرها لطاولة زو جها
ما زال عمران كما هو جالساً يدير رأ سه تجاهها ولم ينتبه على وضع ليالى ليـ ـدها على يـ ـده ، وكأن المكان أصبح خالياً إلا من وجودها ، كأنهما بمفردها بذلك المطعم الفسيح ، وأن أذنيه لم تعد تسمع الموسيقى الناعمة التى تصدح بالمكان ، ولا يرى الزبائن والحركة المفرطة من العاملين لتلبيه طلبات أصحاب الطاولات
هب واقفاً فقطبت ليالى حاجبيها بدهشة من إنتفاضه المفاجئ ، وما أن إبتعد عن الطاولة وقبل أن تسأله عما أصابه ، سمعت رنين هاتفها ، فرفعت الهاتف لأذنها قائلة بصوت خافت:
– ألو مين حضرتك
– أنا اللى هطلع روحك يا ليالى بس لما تقعى فى إيـ ـدى
جاءتها تلك الجملة بنبرة خافتة كالهسيس ، فألقت الهاتف من يـ ـدها برعب وأتسعت حدقتيها وراحت تبحث بعيـ ـنيها عن عمران ، كأنه هو حبل نجاتها ومن يستطيع أن يرد عنها ذلك الشر والخطر المحدقان بها
ولكن عمران قد كان ترك الطاولة وأقترب من طاولة ميس وكأن كل خطوة يخطيها تجاهها تسلبها نفساً من أنفاسها ، حتى وجدته ماثلاً أمامها قائلاً وهو ينظر بعيـ ـنيها :
– منورين المكان
تنقلت صديقتها ببصرها بينها وبين وعمران ، فنهضت عن مقعدها وهى تقول بإبتسامة هادئة:
– ميس أنا هستناكى برا فى العربية
تمنت ميس لو أن تقبض على يـ ـد صديقتها لتمنعها الحركة ، ولكن كأن أمنيتها تلك تم إدراجها تحت بند المستحيل ، إذا إبتعدت صديقتها عن الطاولة بينما ظلت هى جالسة وعمران يقف على مقربة منها ، وبتذكرها لما رآته منذ قليل ، كزت على أسنانها من خلف شـ ـفتيها الأنيقتين وقالت بسخرية :
– سيبت الزبونة ليه يا عمران ، باين عليها عيزاك ، بتبصلك أوى شكلها مستنياك ترجعلها
أنحنى عمران وأسند كفيه على الطاولة وهمس قريباً من وجـ ـهها :
– أنتى عارفة مين دى يا ميس دى ليالى فكراها ؟
أتسعت حدقتىّ ميس بسماع إسمع تلك المرأة ، فشعرت بجفاف فى حلقها وهى تقول بدهشة :
– ليالى ! هو أنت كنت بتشوفها وبتقابلها المدة دى كلها يا عمران
تركت سؤالها دون إنتظار أن تسمع إجابته ، بل هرولت بخطواتها وخرجت من المطعم ودموعها تلح عليها ، كأنها شعرت بالخيانة ، وكيف لها أن تنسى تلك المرآة التى كانت السبب فى إكتشافها لغيرتها وحبها لعمران ما أن رآتها أول مرة وهى تعرض نفسها عليه دون خجل . هل كان يقابلها كل هذا الوقت بعد إنفصالهما ؟ و كيف إستدل على مكانها وهو من قال أنها لاذت بالفرار من الشقة ولم يعد يعلم أين ذهبت ، هل كان يخدعها ؟ فما رآته اليوم جعلها تفكر هل أن تلك المرأة عادت وبنيتها إتمام ما عجزت عن فعله منذ رؤيتها لعمران أول مرة ؟ فإن حدث هذا حقاً لا تعلم كيف سيكون شعورها وإحساسها وقتها ، ولكن تعلم شئ واحد وهو أنها ستشعر بالسوء ، فمثلما نجحت ليالى أول مرة بجعلها تكتشف حبها وعشقها لعمران ، نجحت الآن بجعلها تشعر بالغيرة مرة أخرى ، وهى من كانت تظن أنها لن تعود وتشعر بها تجاهه ، ولكنها عادت تقنع ذاتها بأنها ليست إمرأة غيورة بل تشعر بالإهانة ليس أكثر لإستبدالها هى بتلك المرأة سيئة السلوك ، ولكن بما تفسر ذلك الشعور بالإحتـ ـراق فى قلبها منذ رؤيتها لهما سوياً ؟
❈-❈-❈
صوت آنة خافتة أفلتت من بين شـ ـفتيه الجافتين وهو يستلقى على فراشه الذى تركه منذ عدة أيام أى منذ ذهابه للمشفى ، ومازال الضعف والوهن والهزال باديين على قسمات وجـ ـهه ، ولكن كل ذلك لم يمنعه من أن يبتسم لأبنة شقيقه التى ساعدته فى أن يجلس فى الفراش بإرتياح ، فدائماً ما كانت سوزانا منذ صغرها تقوم بمهام الإبنة له ، نظراً لأنه هو من رباها هى وشقيقها بعد وفاته أبيهما وأنه هو عمها ووالد زو جها الحبيب الذى رحل عن عالمها مبكراً ، وتمتعها بتلك المكانة الفريدة بقلب عمها منحتها إمتيازات عدة ، مثل أنها هى من تعتنى به وبالمنزل بعد رفض حياء تحملها تلك المسئولية بعدما رحل راسل وأكتفت بأن تكون كإبنتها ميس وأن تغدقها بعنايتها كما تعتنى بالجميع بطباعها الأرستقراطية والمخملية
حتى وإن كانت تبدو سوزانا للرائى منذ الوهلة الأولى ، بأنها إمرأة صلبة ومتعنتة أحياناً بإلتزامها بأمور سيدة القصر ، إلا أن من داخلها إمرأة طيبة ودمثة الأخلاق إلا مع فرد واحد فقط من العائلة وهو راسل إبن عمها وشقيق زو جها وجدى ، على الرغم من أنها أحبت إبنته ورحبت بقدوم وفاء للعيش معهم بل وأحبت حياء زو جته أيضاً ، ولكنها لم تستطيع تقبل تصرفاته المتقلبة والتى كان تتسم سابقاً كما نعتته دائماً بالسوقية وعدم التمدن وأنه سيظل متأثراً بكونه إبنًا لتلك المرأة التى كان والدها عاملاً بإحدى شركات تلك العائلة الثرية
– أنا عيزاك تخلص أكلك كله يا عمى ماشى
قالت سوزانا وهى تضع تلك المنضدة الصغيرة الخاصة بالطعام أمام رياض ، بل أنها وضعت الملعقة بطبق الحساء الشهى الذى أعدته من أجله ، ورفعتها وقربتها من فـ ـمه حتى أبتلعه ، وعادت الكرة مراراً وهى تبتسم ، حتى أنهى نصف طبق الحساء تقريباً
ولكنه إنتبه على أنها ليست على سجيتها ، بل كأنها تخفى عنه أمرًا ، فمسح فمه بالمحرمة القطنية ونظر إليها متسائلاً :
– مالك يا سوزانا فيه إيه حاسس كده كأنك مخبية عليا حاجة ، ثم هم فين اللى فى البيت ، أنا رجعت مع عاصم وغزل من المستشفى وسيبت راسل وميس هناك ، بس فين حياء وسجود والست وفاء مشوفتش حد من اللى قاعدين هنا هم راحوا فين
ضمت سوزانا شـ ـفتيها ولا تعلم بما تخبره ، فلعل عدم وجود أحد من ساكنى هذا البيت بذلك التوقيت الذى عاد به رياض من المشفى ، كان الأنسب حتى يكون لديها الوقت الكافى لترتيب حديثها ، والذى ما أن تتفوه به ستندلع ثورة عمها لا محالة ، فخروج وفاء بسجود وساندرا والصغير ، ساهم فى أن تختلق أعذارًا مقبولة
فازدردت لعابها وردت قائلة بتوتر :
– سجود خرجت مع جدتها وفاء ، وحياء شكلها خرجت مع أخوها ديفيد أصله رجع من السفر وأنت قولت راسل وميس فى المستشفى وعاصم وغزل فى أوضتهم تحب أندهملك
توترها البادى على وجهها والظاهر بإرتجاف صوتها ، جعله يشد على يـ ـدها وهو يقول بهدوء مميت:
– سوزانا فى إيه ومخبية عليا إيه ، أنا أكتر واحد عارفك ، دا أنتى تربية إيـ ـدى ومتحاوليش تكذبى لأن كده كده هعرف ، فقولى فى إيه
أنفرجت شـ ـفتيها وقالت بنبرة متقطعة :
– هـ ـو هو الصـ ـراحة يعنى يا عمى أن فى حاجة حصلت بس لو عرفتها ممكن تزعلك ، فأنا مش عايزة أضايـ ـقك وأنت لسه خارج من المستشفى
أعطاها الإذن بأن تبوح بما لديها مع وعد منه بأن لا يثور أو يصدر منه رد فعل يتنافى مع كونه مازال مريضاً بحاجة للراحة ، فمسحت سوزانا وجـ ـهها وقالت بدون مقدمات من غير فائدة :
– الصراحة أن راسل لما رجع من كندا مرجعش لوحده لاء رجع معاه واحدة بيقول أنها مراته وكمان معاه طفل بيقول إن إبنه وإسمه ساجد
تهدلت قسمات وجه رياض بعد سماع ما تفوهت به إبنه شقيقه ، فإنتفض من الفراش بعدما كان جالساً يستند بظهره للوسائد الوثيرة ، فصاح قائلاً بإستنكار :
– بتقولى إيه أتجوز وخلف
أسرعت سوزانا بحمل منضدة الطعام ، قبل أن تنسكب محتوياتها على أغطية الفراش بعد إنتفاض عمها المفاجئ ، وضعت المنضدة من يـ ـدها وعادت إليه تربت على صـ ـدره تحثه على عدم الإنفعال الذى سيأتى بمردود عكسى على صحته ، التى مازالت بفترة النقاهة
فنشادته وهى على وشك أن تبكى :
– عمى أرجوك إهدى علشان صحتك ، أنت ممكن يجرالك حاجة ، يا ريتنى ما قولتلك ، أبوس إيـ ـدك إهدى
قبـ ـلت سوزانا رأسه وهى ترجوه بأن يكف عن إنفعاله ، فإكراماً لها ولرجاءها ، عاد لجلسته المريحة ، ولكن من داخله يشعر ببراكين الغيظ من ولده ، فهل عاد لينقذه أم ليقضى عليه بصورة نهائية ، فهو لا يخطئ عندما يدعوه بأنه خطيئة عمره والتى لن تغتفر أبداً
عادت وتيرة أنفاسه لوضعها الطبيعي ، ووضع يـ ـده على صـ ـدره يشعر بوخز من تخيله لما حدث لحياء أثناء غيابه :
– وهى فين حياء يا سوزانا ، هو وجعها وتعبها صح ؟ حصلها إيه لما شافته وعرفت اللى عمله
جلست سوزانا بجواره وقصت عليه كل ما حدث بالبيت أثناء غيابه عنه ، ووصفت له مدى تلك المعاناة التى عانتها حياء بعد رؤيتها لراسل ، بل وأخبرته أنها طلبت من شقيقها أن يقيم معهم بالمنزل ، ولم يستطع أحد منهم أن يفسر سبب فعلتها تلك
ما أن أنتهت سوزانا من سرد تلك الأحداث المؤسفة التى حدثت لزو جة ولده ، نظر لهاتفه وهو يقول بإرهاق :
– كلمى حياء خليها تيجى يا سوزانا عايز أشوفها خليها تيجى بسرعة
أطاعته سوزانا وأخذت هاتفه وتحدثت مع حياء وأخبرها بضرورة العودة للمنزل لرغبة عمها فى أن يتحدث معها ، فوضعت الهاتف مكانه بعدما أنهت المكالمة وأخبرتها حياء بأنها بطريقها للبيت ، وبعد نصف ساعة وصلت حياء بسيارتها للقصر ودلفت لغرفة رياض بعدما دقت الباب بتهذيب
إبتسمت له وقالت بإهتمام صادق :
– حمد الله على السلامة يا عمى نورت البيت من تانى ، ألف الحمد لله على سلامتك
أشار لها رياض بالجلوس على ذلك المقعد القريب من فراشه ، وبعدما رآها تجلس بإرتياح ، رمقها بشفقة وهو يقول بصوت مثقل بشعوره بالخزى مما فعله راسل :
– ليه يا حياء مقولتليش لما كنتى بتزرونى فى المستشفى ، ليه مقولتليش على عملته السودا دى فى حقك
ردت حياء وهى تبتسم بألم :
– هقول إيه يا عمى خلاص اللى حصل حصل وهو حر فى حياته يعمل اللى هو عايزه وإحنا تقريباً متفقين على الطلاق ، وعايزاك تسامحنى فى اللى عملته أن من غيظى حولت كل أملاكه بإسمى بالتوكيل اللى كان معايا من بكرة هرجعلك كل الأملاك بإسمك ، لأن مش أنا اللى أخون الأمانة ، أنا بس كنت عايزة أعمل أى حاجة أوجعه بيها زى ما وجعنى ، ولو أنت طلبت أنا هسيب القصر من اللحظة دى ، وهاخد أخويا وأمشى هروح أعيش معاه هو وبيرى
كل كلمة تفوهت بها كانت كنصل حاد أنغرس بقلبه حزناً على حالها الذى وصلت إليه ، يكفيه أن يسمع صوتها المعبأ بالألم والحزن ، ليعلم بأى حال هى الآن ، فرد قائلاً بتصميم وإصرار:
– خروج من البيت ده مش هتخرجى يا حياء إلا لو أنا مت ، أنتى مش بس مرات إبنى ، أنا أعتبرتك كمان بنتى وغلاوتك زى غلاوة ميس وسجود عندى ، ومتفتكريش أن أنا هعديله اللى حصل ده بالساهل ، أو إن دى تكون مكافئتك فى الأخر ، حتى لو كان هو إبنى اللى شايل دمى ، برضه مش هسيب حقك منه ، وهتفضلى حياء النعمانى سواء بيه أو من غيره ، ولازم أعرف إيه موضوع جوازه وإبنه ده كمان
لم تكن تريد أن تكون هى سبباً فى وقوع خلاف بين الأب وإبنه ، خاصة أن الأمور بين رياض وراسل هى خير من تعلم حقيقتها ، لذلك حاولت ثنى والد زو جها عن تفكيره ، فأولاً وأخيراً راسل يحمل دماءه وكنيته وليس مثلها تحمل كنية العائلة بعقد زوا ج يمكن أن يُبطل بأى وقت من الأوقات ، ولكن لا تنكر شعورها بالسعادة لوجود من يستميت بالدفاع عنها ورد حقوقها ورفع الظلم الواقع عليها من زو جها
خرجت من غرفة رياض بعد أن شعرت بالراحة كون أن كبير تلك العائلة صار بصفها مثلما كان دائماً منذ أن عملا سوياً بصد تلك المخاطر التى كانت ستقع بها العائلة ، ولكن ذلك الوعد الذى وعدها إياه ذات مرة بأنه لن يسمح لراسل بالزوا ج من أخرى غيرها ، إستطاع راسل إفساده بأن تزو ج دون علم أحد ، ففكرت كيف سيكون الحال بينهما بعد علم والده ؟ وهل سيستمر بدعمه لها بعد أن يرى ذلك الصغير والذى من المفترض أنه وريث جديد له وليس أى وريث بل من سيستطيع مد إسمه عندما يصبح شاباً ويتزو ج وينجب بعدما كان يقتصر ذكر إسمه فى الذكور على راسل ، فتلك ميزة يحملها ساجد ولا يستطيع أحد نكرانها خاصة أن ميس إذا انجبت سيحمل أطفالها كنية عائلة أخرى وعندما تصبح سجود شابة وتتزو ج سيكون مصيرها كمصير ميس ، لذلك سيتمتع الصغير بمكانة فريدة فى نسل رياض النعمانى
❈-❈-❈
لم تكن عودته لمنزل عائلته من أجل الإطمئنان على بيرى ومارجريت و جلب بعض الأوراق التى كان بحاجة إليها مبهجة على ذلك النحو الذى من المفترض أن يشعر به ، خاصة أنه ما أن أنتهى من الإطمئنان عليهما وجلب الأوراق والأغراض من غرفته وخرج منها ، وذهب لتلك الغرفة التى أحتوت على زجاجات الخمر ، ليحتسى مشروباً قبل خروجه ، وجد ذلك الرجل الذى أوصاه بمرافقة ضيفته الشابة بنزهتها وجولتها السياحية بالإسكندرية وزيارة الأماكن الأثرية ، يأتى إليه مهرولاً كأن هناك كارثة حلت عليه ، فتحققت مخاوفه عندما أخبره بأن تلك الفتاة إستطاعت خداعه وأخذت السيارة وفرت هاربة ولا يعلم أين ذهبت ؟
ما أن أنتهى الرجل من إخباره أخذ حذره بأن وقف بعيداً عن مرمى يـ ـد ديفيد ، الذى أحتقن وجه بدماء الغضب من تقصيره بمهمته التى كلفه بها ، فبغضب أعمى كان يلقى بالكأس من يده ، الذى أراق محتواه على تلك الأرضية الرخامية ، وصـ ـدره مازال يعلو ويهبط مما سمعه من ذلك الذى يقف بجانبه يرتجف من هول ما سيؤل إليه أمره ،بعد أن يفرغ سيده من تنفيس غضبه ،لينال هو الآخر حصته كاملة
مال ديفيد برأسه وحدق بالفراغ ، وما لبث أن إبتسم قائلاً من أثر صدمته :
– أنت عارف معنى كلامك ده إيه أن أبوها ممكن يهد الدنيا على دماغنا لو جرالها حاجة ، وأنت إزاى تضحك عليك وتهرب بالعربية وراحت فين دى
رفع الحارس رأ سه ونظر لديفيد قائلاً وهو يرتجف :
– ديفيد بيه دا مش ذنبى هى طلبت إزازة ماية تشرب ، نزلت من العربية أشتريلها واحدة لقيتها أخدت العربية وطارت ومعرفتش أحصلها ، واتصلت على حضرتك بس أنت مردتش عليا ودورت عليك لحد ما جيت هنا ولقيتك علشان أقولك على اللى حصل
مـ ـسح ديفيد وجـ ـهه بغيظ لعلمه بأنها فتاة متهورة بقيادتها للسيارات وربما ستتسبب فى حادث سير إذا كانت كعادتها تقود السيارة دون إعتبار للسرعة المطلوبة لتأمن سلامة من حولها ، خرج ديفيد من المنزل لعله يذهب للبحث عن تلك الرعناء ، ولكن ما أن وصل لسيارته ، سمع رنين هاتفه ووجد رقم لا يعلم لمن يعود ، ولكن ذلك لم يمنعه من الرد ، فعلم أنه رقم الإستقبال بإحدى المستشفيات وأخبره بأن فتاة تعرضت لحادث سيارة تدعى كونها صديقته ولهذا أرادوا أن يأتى ليصطحبها من المشفى
وصل ديفيد للمشفى وهو يسبها ويلعنها بصوت هامس ، وبعد سؤاله عن تلك الغرفة التى ترقد بها ، ذهب إليها وولج للداخل وهو يصيح بها بغيظ :
– ماذا فعلتِ أيتها الحمقاء ، ولم فعلتِ أفعالك الغبية تلك ؟
وجدها تلف ضماد أبيض حول رأ سها ، ويـ ـدها اليمنى ملفوفة بضماد أيضاً ، ولكن بدا أن كل شئ على ما يرام عدا تلك الإصابات الطفيفة التى تعرضت إليها ، وما أن أقترب من الفراش ليعنفها على سلوكها الأرعن وجدها تضع ذرا عيها حول عنقه وهى تقول بإبتسامة :
– هل شعرت بالخوف على حقاً يا ديفيد ؟ فكم أعشقك يا رجل
جذبته إليها أكثر لتعانقه ، فحل ديفيد ذرا عيها عن عنقه وهو يقول بحنق :
– أتهدى بقى هو ده وقته ، أنتى فى إيه ولا إيه
بعدما إستطاع التخلص من تشبثها به ، أخبرها بضرورة خروجه لدفع المستحقات المالية للمشفى ، على أن يعود إليها بعد قليل ، فخرج من الغرفة وغضبه يعميه من أفعالها ، ولكن لم ينتبه لتلك التى إصطدم بها وهو غير منتبه ، وما أن أنتبه على ما حدث ، وجدها تجلس القرفصاء وبسطت يـ ـديها على الأرض تبحث عن نظارتها السوداء بإضطراب
فانحنى ديفيد وحمل نظارتها ومد يـ ـده لها بها وهو يقول بإعتذار :
– نضارتك أهى يا أنسة أنا أسف مكنش قصدى أنا….
علقت باقى عبارته بحلقه ، كون أن صدمته برؤية تلك التى إصطدم بها جعلته يشعر كأن أحباله الصوتية أنقطعت ، بل كأن دماءه تركت شرايينه وتجمعت برأسه ليبدأ ذلك الطنين فى رأسه وأذنيه ، فلابد أن ما يحدث أمامه الآن ضرب من الخيال أو الجنون ، أو أنه يتوهم أن تلك الفتاة الجالس القرفصاء قبالتها هى حبيبته ياسمين ، ولكن صوت بكاءها أعاده لواقعه وهى تقول بإرتباك وإضطراب بنبرة هامسة :
– ماما أنتى فين
ثوانٍ معدودة ووجد إمرأة تهرع إليهما وهى تقول بحنان وخوف :
– ياسمين يا حبيبتى أنتى إيه اللى قومك من مكانك
طوقت والدتها كتفيها حتى إستقامت بوقفتها ، فدفنت ياسمين وجـ ـهها بصـ ـدر والدتها وهى تبكى ، فردت قائلة بنهنهة :
– تعبت من كتر القاعدة يا ماما ، فوقفت شوية بس فى حد خبط فيا ونضارتى وقعت ، بس سمعت صوت واحد كان بيديهالى هى فين ، هاتيها منه يا ماما
نظرت والدتها لديفيد ، الذى مازال على حاله من الذهول والدهشة والصدمة ، فقالت وهى تمد يـ ـدها له لتأخذ النظارة منه :
– شكراً يا أبنى
أخذت منه النظارة ووضعتها على وجه إبنتها العمياء وتأبطت ذرا عها ورحلتا من أمامه حتى وصلتا أخر الرواق ، إلا أنه ركض خلفهما حتى وجدهما تدلفان لغرفة طبيب العيون ، وما أن أغلقت والدتها الباب خلفها ، أسند ديفيد ظـ ـهره للجدار ، وما لبث أن أرتخت قدميه حتى سقط جالساً مكانه على أحد المقاعد
طفرت إحدى عيـ ـنيه بعبرة حارة وهو يقول بصوت متحشرج بألم :
– ياسمين عايشة ! يعنى كانت عايشة وأنا فكرت أنها ماتت ، بس حبيبتى ياسمين بقت عمية وأنا السبب أنا السبب
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)