روايات

رواية غرام في المترو الفصل الخامس عشر 15 بقلم ولاء رفعت علي

موقع كتابك في سطور

رواية غرام في المترو الفصل الخامس عشر 15 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الجزء الخامس عشر

رواية غرام في المترو البارت الخامس عشر

غرام في المترو
غرام في المترو

رواية غرام في المترو الحلقة الخامسة عشر

يوم تلو الأخر ويبقي الحال كما كان، لدي غرام كانت تتهرب من مواجهة يوسف الذي تعمد إظهار معاملته الجافة والقاسية لها بينما رامي أفعاله كانت النقيض لصاحبه، يغدق عليها بالحديث المعسول والهدايا والاهتمام بها و عن حال أسرتها كما اقترب من والدتها التي احبته وأخذت تعدد من صفاته الحسنة الزائفة، و لدي يوسف منذ أن علمت ماهي من السيدة منيرة أنه تم تحديد موعد الحفل وسيقام في حديقة الفيلا لديهم تهلهلت اساريرها وباتت تحلم بتلك اللحظة بل كانت تتمني انه يكون حفل زفاف و ليس خطبة.
وقد جاء هذا اليوم وسبقه وصول بطاقات الدعوة للجميع وخاصة لموظفين الشركة علي رأسهم غرام، ظلت ليلة البارحة تبكي من فرط اختناق قلبها الذي تعلق بحب يوسف، وبعد تفكير قررت أن تذهب برفقة رامي الذي اتفق معها سينتظرها أمام منزلها وتذهب معه إلي الحفل.
تقف للتو أمام المرآة تطلى شفتيها بقلم الحمرة بلون الأحمر القاني، انتهت ووضعت القلم علي الطاولة ذات اللوح الزجاجي المنقسم إلي نصفين، تبتعد خطوة إلي الوراء لترى ثوبها الأسود الفاخر الذي اشترته صباحاً من أجل ذلك الحفل خصيصاً، ثوباً منسوج من الدانتيل والمزدان بفصوص من الكريستال، ضبطت وشاحها الأبيض الحريري وأصبحت في أجمل طلة سوف تجذب جميع الأنظار تلك الليلة وأولهم عيون الذي جعلها النوم يجافيها الليالي الماضية.
صدح رنين هاتفها وكان المتصل رامي، ينتظرها داخل سيارته أمام المنزل، تناولت حقيبتها وذهبت بعد أن تحلت بالقوة والكبرياء.
كان ينظر نحو باب فناء منزلها من حين إلي الآخر حتي ظهرت كالحورية التي خرجت من داخل كتاب أساطير، لم يصدق عينيه، هبط سريعاً من سيارته، أطلق صفيراً بأعجاب باهر
“كنت متأكد أنك مخبية الجمال ده كله وأهو جه اليوم اللي شوفت فيه أجمل حورية شافتها عينيا”
حدقت بامتعاض دون أن تكلف نفسها عناء النظر إليه، مما جعله توقف عن الابتسام، فتحت باب السيارة
“يلا عشان ما نتأخرش”
دفن غضبه من معاملتها الباردة حتي لا يفسد الأجواء بينهما في تلك الليلة، لديه هدفان من حضوره هذا الحفل، الأول يثبت إلي صاحبه انه ظفر بالصيد خاصته والهدف الأخر ينتظره هناك، لكن هناك مشاعر خفية تجول داخل صدره وقلبه كان يخشاها دوماً.
جلس علي كرسي القيادة وينظر لها في صمت ثم نظر إلي أمامه وبدأ القيادة.
و هنا في حديقة فيلا الشريف، تصدح الموسيقي في كل الأرجاء، زينة وإضاءة تبهر المدعوين الجالسين حول كل مائدة، ترحب منيرة بكل ضيف والسعادة تتراقص داخل عينيها، تشرف علي المأكولات والحلوى
“كله تمام يا شيف”
أومأ لها الطاهي
“كله تمام زي ما حضرتك أمرتي”
ألتفت فوجدت صديقتها راندا والدة ماهي
“إيه الجمال والعظمة ديه يا منيرة، بجد تسلم إيديكي”
اعتلى الفخر محياها
“أومال كنتي فاكرة إيه يا رورو، هو أنا عندي أغلي من چو وماهي، وكلها شهر وهايكون الفرح”
نظرت الأخرى نحو العروسين وعقبت
“شايفة حلويين أوي، ربنا يسعدهم حبايب قلبي”
كان يوسف يجلس كمن يؤدي واجب العزاء، جواره ماهي تتلقي التهنئة من المعارف والأصدقاء، اقتربت نحوه بعد أن لاحظت صمته
“مالك يا چو إيه اللي مزعلك يا حبيبي، ده النهاردة أحلي يوم في حياتنا المفروض تكون فرحان ونقوم نرقص كمان”
أطلق زفرة دالة عن نفاذ صبره علي هذا الوضع الذي يتحمله بشق الأنفس، انتبه إلي نداء ماهي المتكرر له فكاد يلتفت إليها وإذا حدث ما استحوذ علي كامل انتباهه و سحر بصره، ولجت غرام بجمالها الباهي رغم عدم امتلاكها للجمال الفاتن لكن لديها جمالها الخاص بها اظهرته ببعض مستحضرات التجميل البسيطة وثوب فاخر أكمل طلتها الجذابة.
لحظات وظهر من خلفها رامي، أمسك يدها ووضعها علي ساعده، نظرت غرام له بحنق واخبرته من بين أسنانها وتجذب يدها
“لو لمست إيدي تاني هخليك تندم”
اقترب منها وعينيه صوب صاحبه، تظاهر أنه يهمس لها بكلمات من الحب والغزل لكنه كان يجيب علي تهديدها
“ماتنسيش إن أنا خطيبك، و لا خايفة علي مشاعر البيه؟”
“أولاً خليك في حالك، ثانياً بقي لسه مابقتش خطيبي رسمي، يعني ممكن أقولك كل شئ قسمة ونصيب”
رفع جانب شفتيه بابتسامة تخفي خلفها أقبح وجه غاضب وحاقد لو رأته علي حقيقته لولت بالفرار من أمامه
“يلا نروح نهني چو وخطيبته”
تعمد إشعال مراجلها وتركها يتقدمها بخطوة، ذهب لمصافحة صاحبه، نظر يوسف إليه بصمت يعلم الأخر ما يوجد خلف هذا الهدوء المريب، صافح ماهي أيضاً وجاء دور غرام دون أن تمد يدها للمصافحة
“مبروك يا مستر يوسف”
ابتسامة ساخرة ظهرت علي شفتيه
“الله يبارك فيكي يا غرام”
تبادل النظرات يخفي الكثير من العبرات حبيسة عينيها، انتبه كليهما علي صوت ماهي
“يلا يا چو تعالي نرقص، الموسيقي اللي أنا وأنت بنحبها أهي”
أمسكت بيده وجذبته إلي ساحة الرقص وعينيه لا تحيد عن عين التي ابتعدت قليلاً، تحاول الصمود و ألا تظهر ضعفها، تراه وهو يراقص غيرها علي نغمات وألحان موسيقي رومانسية اشعلت نيران الحب داخل قلبها فازداد الألم وتفاقم، اصابتها غصة حطمت صمودها الزائف، لم تشعر بدموعها التي انسدلت علي خديها، اكتفت إلي هذا الحد فولت مدبرة نحو مكان مظلم بلا وجهه محددة.
تبكي كطفلة تائهة في دروب مجهولة، حتي انتشلتها قبضة علي ساعدها فوجدت ظهرها يرتطم بسور الفيلا الخرساني، أصبحت محاصرة بين السور وبين صاحب القبضة، يقف أمامها بأنفاس لاهثه، فكان يركض خلفها حتي وجدها بعد أن انشغلت عروسه مع صديقاتها في الرقص.
“و لما أنتي مش قادرة تستحملي تشوفيني مع غيرك جيتي ليه؟”
ظلت تنظر إليه دون حراك، أمرها بغضب
“ردي عليا، ساكتة ليه؟”
زادت قبضته وسببت لها الألم فتأوهت، ترك ذراعها وحاول أن يهدأ قليلاً
“أنتي اللي وصلتينا للي إحنا فيه، روحتي استعجلتي واتخطبتي لواحد ماسبش أي واحدة عرفها غير لما عمل معاها كل حاجة”
هنا استطاعت التحدث
“طب ما أنت زيه، و لا تفرق عنه أي حاجة”
“أنا كنت فعلاً زيه، لحد ما شوفتك، كنت ضايع في حياة كل شئ فيها مباح و جيتي أنتي أنقذتيني منها، لاقيت فيكي اللي عمري ما لاقيته في أي واحدة، كنت بكدب مشاعري لحد ما زادت يوم عن التاني وأتأكدت إن بحبك”
اتسعت عينيها وخفق قلبه بقوة من اعترافه وتركته يتابع حديثه
“ايوه بحبك يا غرام، بحبك وعايزك تكوني شريكة حياتي زي ما أنتي شريكة نجاحي في الشركة”
“للأسف مش هاينفع”
“هو إيه اللي مش هاينفع؟، عشان الفرق الاجتماعي؟، و لا عشان رامي اللي صدقتيه؟”
أجابت وتنظر إلي أسفل بحرج
“أنت ابن الأكابر وأنا البت السكرتيرة بنت الحارة اللي أشفق عليها ابن صاحب الشركة وشغلها وقدملها فرصة الشغل وتكمل تعليمها ووقف جمبها”
“عمري ما حسيت من ناحيتك بشفقة، و أي حاجة قدمتهالك عشان بحبك، و اللي بيحب حد بيبقي عايز يشوفه فرحان وسعيد”
و داخل الفيلا كان رامي يسير وينظر خلفه ليطمئن أن لا أحد يراه، طرق باب غرفة جانبية حتي أتاه إذن الدخول، ولج و وجدها في انتظاره تجلس خلف مكتب زوجها
“أظن بقي كده عملت اللي عليا يا منيرة هانم، نفذت كل اللي طلبتيه و كمان يوسف خطب ماهي”
ابتسامة حية لعينة علي شفتيها يعقبها خبر باتمام مخطط شيطاني
“الموضوع لسه مخلصش، فيه خطوة تانية لازم تحصل”
نعود إلي يوسف و غرام مرة أخرى
“و بعد الحب إيه؟، هل رأفت بيه و منيرة هانم هيرضوا أن ابنهم يتجوز واحدة زيي”
اقترب منها حتي شعرت بأنفاسه علي وجهها
“محدش ليه دعوة بحياتي، أنا اللي بختار، و بقولهالك دلوقتي يا غرام، أنا بحبك وعايز أتجوزك، عايزك تنسي أي فرق ما بينا، ما تخافيش طول ما أنا معاكي”
مد يده أسفل ذقنها يرفع وجهها لتصبح عينيها صوب خاصته، هناك أشعة من الأضواء الملونة تسقط علي وجهها جعلته يرى ملامحها بوضوح، شفتيها ترتجف من كبت دموعها أمامه، مد أنامله إلي دمعة سقطت دون إرادتها، قام بإزالتها وبصوته الرجولي الأجش يخبرها
“النظرة اللي أنا شايفها دلوقتي في عينيكي ودموعك اللي خانتك ونزلت ده أكبر دليل أنك بتبادليني نفس المشاعر”
تخشي أن تبوح بكلمة ستدفع ثمنها لاحقاً، لا تريد التحليق كالعصفور بين سرب من النسور
“قوليها يا غرامي، نفسي اسمعها منك”
هبط بشفتيه نحو خاصتها، فكانت كالجمر الخامد وأتت الرياح أيقظت نيرانه، ابتعدت فجأة عنه تزامناً مع تلقينه صفعة قوية علي وجنته، ركضت سريعاً متجهة نحو داخل الفيلا، استندت إلي أقرب حائط، تضع يدها لدي موضع قلبها، تشعر بدقاته كقرع الطبول، تلتقط أنفاسها علي مهل، وضعت كفها علي فمها لتمنع شهقة يتبعها بكاء، يصل إلي مسامعها صوت رامي من غرفة قريبة، توقفت عن البكاء رغماً عنها، تسللت نحو مصدر الصوت.
“طيب حضرتك طلبتي أن اشغلها وابعدها عن يوسف و عملت كدة، بالنسبة لطلبك التاني مش هيحصل، يوسف إستحالة يمشيها من الشركة، وعرفت أن رأفت بيه وكمان نور موصيين عليها خصوصاً بعد ساعدتهم يوصلوا للمصنع اللي كان بيقلدنا”
“انا قولت أنك ذكي يا رامي و هتفهم من غير ما أشرحلك، أنت ممكن تخلي يوسف زي ما جابها الشركة هو بنفسه يمشيها”
نهضت من خلف المكتب وجلست علي المقعد المقابل لرامي وتابعت حديثها
“زي أنك تلبسها مصيبة تخليها تمشي بفضيحة من الشركة و ما تخليهاش تعتبها تاني”
تجهم وجهه لا ينكر ما قد سمعه جعله يشعر بالضيق، حاول أن لا يظهر ذلك للأخرى فسألها
“ممكن أعرف حضرتك ليه بتكرهيها أوي كدة، رغم اللي أعرفه أنها السبب أن يوسف بقي ملتزم في حياته وشغله، غيرته للأحسن”
ابتسامة ظاهرها هدوء تخفي عاصفة من الحقد والكراهية
“و ده في نظرك مش سبب كافي يخليني أكرهها!، جت فجأة وغيرت حياته ولولا أنك أوهمتها أنك بتحبها وعرضت عليها الجواز كانت زمانها قاعدة جمبه بدل ماهي، و يبقي علي أخر الزمن منيرة هانم تبقي مرات ابنها حتة بنت كحيانة جاية من الحارة”
“هي فقيرة و من حي شعبي بس بنت محترمة جداً وأهلها ناس طيبين”
ضحكت ساخرة
“أنت كمان لحقت تحبها؟!، فعلاً كان عندي حق، ابعد الخطر دي عن ابني، أنما أنت تحبها أو ما تحبهاش، أنت حر، المهم تنفذي لي اللي بطلبه منك و أدي أول دفعة عشان تنفذ في أسرع وقت”
أخذت دفتر الشيكات من أعلي المكتب وقلم، قامت بتدوين المبلغ و قامت بتوقيع اسمها، فصلت الشيك من الدفتر ومدت يدها له به
“باقي المبلغ هايكون في نفس يوم رفدها من الشركة، اتفقنا؟”
أخذ الشيك وظل يتأمل المبلغ المدون، يشعر بغصة لكن زُين له الشيطان أرقام المبلغ المالي و ما ينتظره من مبلغ مماثل له.
و في الخارج مازالت تقف وقد سمعت كل ما دار بينهما من حديث، صدمة جعلتها تحمل حالها وتركض نحو الخارج مغادرة هذا المكان.
❈-❈-❈
غسيل الملابس و طهي الطعام لثلاث وجبات وتنظيف المنزل، جميعها مهام لن تنتهي وعليها القيام بها دون أن تتذمر، تتجنب الاحتكاك مع والدة زوجها وابنتها الحرباء، ولا تريد إخبار زوجها بهذا الحمل الثقيل كالعادة يكفي مناوشات عمله طوال اليوم مع زبائن «التوكتوك» ويعود بألم الرأس المزعج وعليها أن توفر له الراحة والهدوء.
وبعد أن انتهت من تلك المهام قامت بكوي ملابس زوجها، صدح رنين هاتفها وجدت المتصل والدتها، راقبت الأجواء وجدت دلال ووالدتها تجلس كلتيهما تشاهد التلفاز، تسللت إلي داخل الغرفة الخاصة لها وزوجها لتجيب علي الاتصال.
“ألو أزيك يا ماما؟”
“أزيك أنتي يا هند، عاملة إيه يا حبيبتي؟”
“بخير يا ماما، أنتي وبابا عاملين إيه؟”
“إحنا كويسين يا حبيبتي، و أبوكي بيسلم عليكي، قوليلي حد جمبك؟”
“لاء، أنا في أوضتي”
“حماتك عاملة معاكي إيه؟”
“كويسة معايا”
“هي بنتها لسه قاعدة معاكم؟”
“يا ماما ده بيتها زي ما هو بيت أخوها، أنا مالي تقعد و لا تمشي”
“والله أنا ما مرتاحة، قلبي بيقولي حماتك وبنتها العقربة دلال شكلهم مطلعين عينيكي”
“مفيش حاجة من دي يا ماما، أنا مرتاحة الحمدلله وحاسة أن أنا عايشة في بيتي”
تكذب بالطبع لأنها صاحبة قرار العيش مع زوجها في منزل أهله ولكي لا تتعرض للوم من والدتها أو التوبيخ تضطر إلي إنكار معاناتها في كل اتصال.
وخارج الغرفة تقف دلال تسرق السمع، سارت نحو طاولة المكواه حيث تركت هند قميص زوجها
“والله لأخلي أخويا اللي قلبتيه عليا ليقلب عليكي ويطلع عينك”
ضغطت علي زر المقبس حيث سلك المكواه التي أمسكت بها ووضعتها فوق القميص وتركتها ثم عادت إلي الكرسي أمام التلفاز، و مازالت هند تتحدث مع والدتها.
عاد جمال للتو من الخارج، قام بفتح الباب قابلته رائحة احتراق جعلته يركض باحثاً عن مصدر الرائحة، وجد الدخان ينبعث من أسفل المكواه وقماش قميصه قد احترق، خرجت
هند من الغرفة تسأل بقلق
“إيه ريحة الشياط دي؟”
ألتفت إليها زوجها ويمسك بقميصه المحترق
“مين اللي ساب المكواه علي القميص لحد ما أتحرق بالمنظر ده؟”
كادت هند تخبره بينما قاطعتها دلال
“هايكون مين غير الهانم مراتك، سابت المكواه علي قميصك و دخلت ترغي في تليفونها تدي التقرير لأمها”
نظرت هند إليها بحنق وأخبرت زوجها
“أنا فعلاً كانت معايا مكالمة بس قبل ما أرد فصلت فيشة المكواة، إزاي اشتغلت إلا إذا حد عملها قصد”
“قصدك إيه يا ست هند؟!، يعني أنا اللي عملت كدة؟”
عقبت والدتها بسخرية لإثارة غضب ابنها
“يا هند يا بنتي كلنا في أول جوازنا كنا كدة، بس بناخد بالنا وبنتعلم من أهلنا، لو مش بتعرفي تكوي هخلي دلال تعلمك”
“هو حضرتك بتقولي إيه يا طنط؟!، أنا متأكدة والله أن كنت فاصلة فيشة المكواه”
“أنتي هتاخدي بالك إزاي، أصل الرغي في التليفون بيخليكي تنسي كل حاجة”
“لو سمحت يا دلال، خليكي في حالك أنا موجتهش ليكي كلام”
“يعني غلطانة و بتبجحي كمان”
هنا صاح جمال بنفاذ صبر
“خلاص منك ليها، في داهية القميص، أهم حاجة أن مراتي بخير”
اقترب من زوجته وأحاط ظهرها بذراعه أمام نظرات شقيقته ووالدته واردف
“و كتر ألف خيرها شايله البيت وبتعمل حاجات المفروض مش ملزمة بيها”
ترى هند الشر في أعينهم لذا قاطعت زوجها
“ادخل أنت خدلك و دش وغير هدومك يكون الغدا جاهز”
“لاء أنا مش جعان أنا داخل أريح شوية، تعالي عشان عايزك في حاجة مهمة”
اتجه إلي الغرفة وتتبعه تحت نظرات الحقد و الغل الذي ينضح من عينين دلال
“روحي ياختي وراه، اللهي تطلع روحك”
وكزتها والدتها بمرفقها
“هدى اللعب شوية، بدل ما تلاقيه مسك فيكي بسبب الحلوة مراته”
و داخل الغرفة، كان يربت عليها وهي تبكي
“بتعيطي ليه، أنا عارف مش أنتي اللي عملتي كده، دي ألاعيب دلال، أختي وأنا عارفها كويس”
“بعيط لأن تعبت يا جمال، بدعي ربنا أنه يكرمك من وسع ونلاقي مكان يكون بتاعنا ومحدش يحرق في دمي”
“اطمني يا حبيبتي، خلاص أتحلت الحمدلله”
توقفت عن البكاء وتحول إلي فرح ولهفة لمعرفة ما سيخبرها إياه
“بجد؟، أتحلت إزاي؟”
“أنا كنت شايل فلوس النقطة بتاعت الفرح و معاها قرشين شايلهم للزمن، استلفت قرشين من عاطف صاحبي، وكلمت سمسار يشوفلي شقة إيجار حنين في منطقة جمبنا وبكره هاروح أبص علي الشقق اللي هيوديني أشوفها، لو عاجبتني واحدة فيهم هاخدك ونروح نمضي العقد ودفع المقدم وإيجار كام شهر كمان”
“أنا فرحانة أوي، أخيراً هيجمعنا بيت أنا وأنت لوحدنا”
ابتسم وأخذ يداعب خصلات شعرها
“وهاتخلصي من شر دلال، هي أختي اه لكن أجارك الله لما بتحط حد في دماغها بيبقي علي الله حكايته”
❈-❈-❈
يقف أمام منزل عائلته وعلي يساره تجلس والدته وأمامها أوراق الجرجير والبقدونس
“اه يا ضهري، الواحد شكله خد برد، بالله عليك يا عاطف يابني خد بالك من الخضرة عقبال لما أروح أتوضا وأصلي العصر قبل ما يفوتني”
“روحي يا أمي ما تخافيش علي الحاجة”
“روح يابني الله يهديلك نفسك و يصلحلك حالك، و يشيل الغمامة من علي عينيك”
ولجت إلي داخل فناء منزلهم، وظل عاطف يقف ويدخن لفافة التبغ، وعقله شارد في ابنة الجيران رغم من ظنونه التي لا شك فيها، لكن الحب كان يعصب عينيه.
همسات وغمز ولمز بين مجموعة من الشباب ألتقط منها الآتي
“ألحق ياض منك ليه، مش دي البت سماح بنت عم مليجي؟”
رد شاب آخر
“لاء يا عم هي أخرها تيك توك وفيديوهات الروتين لكن أفلام من النوع ده لاء”
“طب وربنا هي، بس يخربيت أ…
اختطف عاطف الهاتف منه و أخبر الشاب
“خمس دقايق وهارجعه لك يا نجم”
وفي طريقه إلي منزل سماح، شاهد المقطع الاباحي و عينيه لا تخونه، يحفظ ملامحها كما يحفظ اسمه وكنيته جيداً.
في الأعلى كانت تقف أمام المرآة وتنظر إلي ذاتها بازدراء ثم اجهشت في البكاء، تتذكر ما يحدث لها علي مر الأيام السابقة من إجبارها علي تمثيل تلك الأفلام الخليعة وليس هذا فقط، بل يرسلها عوني إلي زبائنه الأثرياء، تهافت عليها الكثير منهم بعد مشاهدة أفلامها، أصبحت سلعة وضيعة تُباع و تُشترى دون حق المعارضة منها وألا سيفتضح أمرها أمام عائلتها أو تزهق روحها علي يد أحد رجال هذا البدين الديوث.
طرقات عنيفة علي باب منزلها، انتفضت بذعر، حاولت تجفيف دمعها سريعاً وذهبت لترى من الطارق، فتحت الباب فوجدته يقف أمامها ونيران الغضب تندلع من عينيه
“عاطف؟!”
“أبوكي أو أخوكي هنا؟”
ابتلعت ريقها من الخوف فاخبرته بتوتر وقلق
“محدش هنا، فيه حاجة؟”
دفعها إلي الداخل بعنف وأغلق الباب خلفه، وضع شاشة الهاتف أمام عينيها
“أقدر أعرف إيه ده؟”
شهقت وتظاهرت بالخجل واضعة كفها علي عينيها
“إيه اللي أنت مشغله ده، أنت أتجننت؟”
أغلق المقطع ثم أغلق شاشة الهاتف، اقترب منها كالوحش الضاري
“أنا كان قلبي حاسس، خصوصاً من بعد أول مشوار، و لا البودي جارد اللي بيجي ياخدك من علي الناصية مخصوص، أتاريكي احترفتي من فيديوهات الروتين لقمة الانحراف والو…..، لحد ما وصلتي لأفلام بورنو؟!”
“مش أنا، ده كدب والفيديوهات دي متفبركة”
جذبها من عضدها بعنف
“و لو أثبتلك أنها صح، وقتها مش هجيلك، لكن كلامي هيبقي مع أخوكي وأبوكي”
خفق قلبها من الخوف بقوة من تنفيذ تهديده، وجدت عليها اقناعه بكذب جديد
“أنت فاهم غلط، أنا الراجل اللي بروح بشتغل عند مراته خدامة بيبعت ليا حارس مخصوص عشان هو في منصب كبير في البلد و أي حد تبعه حتي الشغالين اللي زيي بيحطلهم حراسة”
ضيق عينيه ويبدو عدم اقتناعه بحديثها الخادع، نفض ذراعها ويحدق لها من أسفل إلي أعلي بازدراء
“و أنا بقي المفروض أصدق كذبك ده؟!”
“تصدق و لا ماتصدقش أنت مين أدالك الحق تحقق معايا، لو عايزني أعيدلك كلامي اللي قولته لك قبل كدة يا عاطف من عينيا هاقولـ…
“مش عايز اسمع حاجة، واللي إدالي الحق أنك جارتي وبنت حتتي، وعشان خاطر أخوكي اللي مالهوش ذنب ينكسر بسببك”
طرق في خاطرها حيلة تظن أنها ستؤثر بها عليه، اقتربت منه، وضعت يدها علي صدره بإغواء
“لاء أنت بتعمل كل ده، عشان بتحبني ونفسك تتجوزني، بس أنت استسلمت مع أول رفض مني ليك، المفروض تحاول مرة واتنين وتلاتة لحد ما تخليني أقولك أنا موافقة، و لا إيه؟”
وضعت رأسها علي صدره، تخفي ابتسامة أفعى ماكرة، هيهات ووجدت جسدها يدُفع إلي الوراء
“خلاص معدتش تدخل عليا حركاتك، وأوعدك قريب أوي هعرف كل حاجة و هاعرف إن كان الفيديوهات دي حقيقية ولا لاء”
بصق جانباً ثم غادر المنزل صافقاً الباب خلفه، تاركاً إياها غارقة في براثن وعيده.
❈-❈-❈
تجلس خلف المكتب تتابع عملها علي الحاسوب تتجنب رؤية رامي الذي فتح الباب وولج دون أن تأذن له ثم أغلقه خلفه
“هو أنا لازم أفضل أتصل عليكي وماترديش؟!، المفروض أنا اللي أكون متضايق عشان سيبتني في الحفلة ومشيتي من غير حتي تقوليلي”
تركت ما في يدها من عمل ونهضت تشير إليه نحو الباب
“اتفضل برة، مش عايزه أشوف وشك تاني”
“إيه يا غروم بتكلميني كده ليه؟”
حدقت إليه بازدراء فأخبرته
“عشان أنا ما بكرهش في حياتي قد الكدب والغدر والخداع والتلاتة متجمعين فيك”
تظاهر بالتعجب
“أنا؟!، ليه بتقولي كده”
كانت لا تريد مواجهته، لكن قررت أن تفعلها دون خوف أو تردد
“مثلت عليا الحب والهيام عشان أبعد عن صاحبك وكمان مستعد تأذيني و تأذي صاحبك الوحيد عشان شوية فلوس، و طبعاً برعاية مدام منيرة”
صدمة هبطت فوق رأسه وأول سؤال جاء له في ذهنه
“أنتي جيبتي الكلام ده منين؟”
“سمعته بودني وأنت بتستلم الشيك نظير عملك اللي نجح أول خطوة و ناقص الخطوة التانية”
أدرك أخيراً سبب معرفتها ، اخبرها بفطنة
“كان لازم أعمل كدة، أنتي ما تعرفيش مدام منيرة دي ممكن تعمل إيه فيكي، و سبق وحذرتك وبالتأكيد سمعتي كلامها عنك وقد إيه بتكرهك ونفسي تخلص منك بفضيحة”
ابتسمت غرام بسخرية
“و علي إيه، أنا كده كده هقدم استقالتي وأبعد عن ابنها و عن الشركة وقبل كل ده عنك أهم حاجة”
“غرام اسمعينـ…
“اسمعني أنت وياريت توصل الكلام ده لمنيرة هانم، أنا واحدة كان أقصي أمنية ليها أؤكل لقمة بالحلال وأخلي أمي وأخواتي يعيشوا مش محتاجين حاجة، لكن نسيت أن هقابل ناس أمثالكم، الشر بيجري في دمكم”
اقترب نحوها معقباً
“غرام أنا بعترف كنت في البداية بمثل عليكي الحب وطلبت إيدك للجواز، لكن اكتشفت مع الوقت أن فعلاً بحبك و عمري ماكنت هنفذ طلب منيرة هانم اللي أنتي سمعتيه”
“كفاية كذب بقي، بلاش تحاول تجمل صورتك قدامي، أنا أصلاً مكنتش موافقة عليك لأن واثقة وعارفة أن وراك هدف وسبحان الله ربنا كشفك قدامي”
“أنا هثبتلك أن بقولك الحقيقة و ما بكذبش عليكي”
أمسكت حقيبة اليد خاصتها وهمت بالرحيل
“ولا هتفرق معايا، وياريت تبعد عني خالص أحسن ما أقول لصاحبك علي كل حاجة”
تركته وغادرت الغرفة متجهة نحو مكتب يوسف المنهمك في قراءة ملف ورقي، وضعت أمامه علي المكتب ورقة تقول له بحسم
“أنا بقدم لحضرتك استقالتي”
❈-❈-❈
تفتش في كل ركن و زاوية داخل الغرفة، تتحدث في الهاتف
“مش لاقيه حاجة يا جمال، أنت متأكد أنك حاطتهم في الكمودينو؟”
“ما أنا كنت شايلهم قصادك إمبارح، هيكونوا راحوا فين”
“ما هو ده اللي هايجنني كأن الأرض انشقت وبلعتهم”
“خلاص اقعدي استريحي و أنا طالع هادور عليهم بنفسي”
وفعل ذلك وأخذ يبحث أيضاً دون جدوي، لم يجد المال، خرج إلي والدته وحين رأي شقيقته جوارها لاحظ علي ملامحها التوتر
“أمي، أنتي أخدتي الفلوس اللي كانت في الكمودينو جوه في أوضتي؟”
انتبهت والدته إلي رد فعل ابنتها
“فلوس إيه يابني، اه صح أنا كنت محتاجة مبلغ عشان أختك سناء عملت عملية الزايدة وكان جوزها واخد من العهدة بتاعت شغله”
“عملية زايدة إيه يا ماه، أختي شايلة الزايدة و هي لسه عندها 10 سنين، أنتي مش عايزة تقولي الحقيقة ليه؟”
نهضت والدته وأطلقت زفرة بنفاذ صبر
“أيوه أنا أخدتهم، كنت محتاجهم”
“طيب يا ماه، خليكي ما تقوليش الحقيقة وخبي براحتك و داري علي اللي خدهم، بس عايزكم تعرفوا أنا جبت أخري و النهاردة أخر يوم ليا و لمراتي هنا”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى