رواية ظلمها عشقا الفصل الأول 1 بقلم ايمي نور
رواية ظلمها عشقا الجزء الأول
رواية ظلمها عشقا البارت الأول
رواية ظلمها عشقا الحلقة الأولى
دلفت داخل الغرفة الخاصة بها مع شقيقتها تهتف بلهفة وعجالة
: بت يا فرح الحقى.. عندى ليكى خبر بمليون جنيه
لم تعيرها شقيقتها اهتماما تظل على وضعها مستلقية فوق الفراش وهى تضع احدى الوسائد فوق راسها
لتقترب منها سماح هاتفة بغيظ وهى تدفع بالوسادة بعيدا عن رأسها
:عاملة نفسك نايمة…بقولك قومى يابت…لو سمعتى الخبر هاا….
قاطعتها فرح تتقلب فوق الفراش الى الجانب الاخر تهمهم بصوت يغلبه النعاس
: سبينى وحياتك ياسماح انا مصدقت ماما تنام علشان انام انا كمان شوية.
تراجعت سماح بعيدا عنها قائلة ببطء وبكلمات ممطوطة
:طيب.. براحتك.. انا بس حبيت اقولك.. ان صالح ابن الحاج منصور… طلق مراااته.
فور ان نطقت بكلماتها الاخيرة حتى هبت فرح جالسة فى الفراش متسعة العين بصدمة تهمس قائلة
: انتى بتقولى ايه؟!
ابتسمت سماح بسماجة تتحرك بأتجاه الباب قائلة
: اللى سمعتيه… نامى بقى… ده لو عرفتى.
ثم تحركت تهم بالخروج بعدها من الغرفة لكن فرح اسرعت بالنهوض وهى تتعثر بالاغطية تتجه نحوها بلهفة ممسكة بذراعها ضاغطة فوقه بقوة توقفها وهى تسألها بصوت متحشرج وكلمات متعثرة
:مين قالك ….ط…لقها …ليه…حص..ل.. ايه!
هزت سماح كتفيها دلالة عن عدم معرفتها قائلة
:معرفش بس مرات خالك لسه جايه من هناك وبتقولى طلقها ومن يومين كمان و متعرفش ليه امه مرضيتش تقول.
ارتعشت اناملها يخف ضغطها من فوق ذراع سماح تشعر بارتفاع حرارة جسدها فجأة ثم تفر من جسدها دفعة واحدة وهى تتراجع الى الخلف متعثرة بعيون متسعة مصدومة لتهتف بها سماح محذرة حين رأت حالتها تلك
:بقولك ايه مش هنعيده تانى ….طلق مطلقش ميهمناش ….انا قلت اعرفك قبل ما تعرفى من برة …غير كده تفوقى.
لكنها تنهدت تهز رأسها بأستسلام حين وجدتها مازالت على حالها تصم اذانها عن حديثها تقف مكانها كتمثال متجمد لايسمع ولا يرى فتتنهد مستسلمة تلوى شفتيها بتبرم تهمهم بكلمات حانقة وهى تتحرك بأتجاه الباب مغادرة تغلقه خلفها تاركة الاخرى تقف مكانها بقلب يرتجف بين اضلعها ووجه شاحب لاتدرى اتسعد بهذا الخبر ام تخشاه لانه سيعيد من جديد احياء امال استطاعت قتلها يوم ان علمت بخبر زواجه باخرى… حين وقفت بسنوات عمرها وصباها السابعة عشر تشاهد من نافذتها فارس احلامها يزف الى تلك التى تناسبه…تلك الفتاة التى وجد بها ما لن تكون هى يوما عليه واختارها لتكون زوجة له.
ليلتها اخذت تقنع قلبها فى محاولة لتهدئة النيران المستعيرة به وتسكين الامه بانه لم يكن سوى حب مراهقة سيزول مع الايام وستنسى … وستأتى اوقات بعدها وستضحك وتمزح فيها حين يمر بخاطرها… وستنساه وستنسى حبها هذا له.
وقفت مكانها تتذكر كل ما اخذت تحدث به نفسها يومها وهى تجلس فى غرفتها بعد ان قضت ليلة زفافه كاملة بقلب نازف وعيون انهكها البكاء….
لكنها لم تكن سوى اوهام اقنعت نفسها بها لأكثر من سنتين محاها فى لحظة خبر طلاقه وانفصاله عن زوجته …لتجد نفسها فى نهاية الامر ورغماً عنها يتوهج قلبها بالامل ويحيى بداخلها مرة اخرى رغم كل ما قالته.
************
بعد انتهاء العزاء وانصراف المعازين تجمع عدد من رجال الحارة المعرفون بعلو بشأنهم وهيبتهم وحكمة قرارتهم داخل صوان العزاء تتركز اعينهم على ذلك الجالس فوق مقعده يحاول رسم الطيبة والمسكنة فوق ملامحه يناقضها طابع ملابسه الغير ملائم لحدث وفاة شقيقته واهتمامه الزائد بمظهره حد المبالغة بقميصه الاحمر زاهى وقد ارتدى معه بنطال ناصع البياض وحول عنقه سلسال من الذهب يكمل بها مع الخاتم الموجود فى بنصره هيئته والتى لاتدل على سنوات عمره والتى تجاوزت الاربعين ببضع سنوات وهو يتحدث بصوت خفيض يتصنع الالم به
:كلام ايه اللى بتقولوه ده يا ناس…دول بناتى قبل ما يكونوا بناتها وانا اللى مربيهم من يوم ما ابوهم مات وجم قعدوا عندى.
تبادل الرجال النظرات فيما بينهم ثم استقرت على من يعدونه كبيرهم فى انتظار كلمته ليزفر الحاج منصور الرفاعى بقوة قائلا بصوت جاد وحازم النبرات
:يعنى يا مليجى هتتقى الله فيهم…واللى كان بيحصل ايام المرحومة مش هيحصل تانى؟
رفع مليجى رأسه سريعا يهتف بتأكيد ولهفة
:طبعا يا حاج…دول بنات الغالية وفى عنيا…واى حاجة تحصل منى فى حقهم يبقى حسابى معاك..واللى تقوله ساعتها هيبقى سيف على رقبتى.
:لا يا عايق…..من هنا ورايح حسابك هيبقى معايا انا…وياويلك منى لو فكرت تزعل واحدة منهم
ارتعدت فرائص مليجى هو يحاول ابتلاع غصة الخوف فى حلقه والتى كادت ان تهلكه حين تعال هذا الصوت الحاد قوى وواضح النبرات من ذلك الجالس منذ بدء الحديث مراقبا اياه بصمت متحفز وعينيه لا تفارقه كعين صقر يستعد لانقضاض على فريسته دون رحمة يصدح صوته محذرا بتلك الكلمات جاعلا من جميع الحضور يهمهم استحسانا بعدها ليدرك مليجى انه وقع بين ايدى من لا يرحم وهالك لا محالة ان اخلف بوعده هذا.
****************
**بعد مرور شهر على تلك الاحداث**
وقفت “سماح” على باب غرفتهم تصرخ فى وجه شقيقتها الصغرى بغيظ
: ما تخلصى يازفته… خلينا نخرج من هنا قبل ما خالك المعدول مايجى وينفض جيوبنا ونقضيها مشى زاى كل يوم.
لم تعيرها “فرح” اهتماما وهى تقف بقامتها المتوسطة الطول ترتدى جونلة طويلة فوقها قميص بهت لونه من كثرة مرات غسله تتطلع فى المرآة امامها بعينيها دخانية اللون وهى تعدل من وضع حجابها والتى تخفى خلفه خصلات شعرها بلونها العسلى قائلة ببرود وعدم اكتراث
: خلصت اهو… وبعدين مستعجلة على الغلب اووى ياختى.
اقتربت “سماح ” منها تمضغ علكتها ببطء قائلة
: لا مش مستعجلة ولا نيلة… بس نار الشغل ولا جنته ياختى عاوزين نخلع قبل ما يجى…. ويلا اخلصى بقى خلينا…..
قطعت حديثها ترهف السمع حين تعالت اصوات رجالية حادة من الخارج لتهتف بحماس وسعادة وهى تسرع ناحية النافذة
: الحقى خناقة فى الحارة… يا ترى مين كده على الصبح.
فتحت النافذة تتطلع الى خارجها بفضول سرعان ما تحول الى ذهول وهى تهتف
: الحقى يابت… ده المنيل خالك هو اللى بيتخانق مع المعلم ابراهيم.
نفضت فرح رأسها بعدم اكتراث ثم انحنت تبحث عن حذائها اسفل الاريكة فتعال صوت سماح تهتف بفرحة مستمتعة
: يااااختى….. ده صالح كمان دخل فيها… وجايب خالك من قفاه.
توقفت فرح عن الحركة متجمدة حين استوعب قلبها قبل عقلها كلمات شقيقتها تتوسع عينيها بلهفة وفرحة وهى ترفع راسها من اسفل الاريكة سريعا وبدون احتراس فتصطدم بحافتها بقوة جعلتها تتأوه متألمة لكنها تجاهلت المها تخرج من اسفلها سريعا ثم تقفز فوق الاريكة تزاحم شقيقتها فى مكانها حتى تلقى بنظرة الى الخارج هى الاخرى بقلب يتراقص شوقا وعيون تهفو للمحة منه لتراه واقفا بجسده الصلب فارع الطول وشعره قاتم السواد وملامحه الخشنة التى تنطق بالرجولة مميزا عن الباقى من رجال الحارة بملابسه والتى رغم بساطتها الا انها تنطق بالاناقة الشديدة.
فوقفت تتابع حديثه وحركاته بعيون منبهرة لامعة تنسى العالم وكل ما يحيط بها حتى نكزتها شقيقتها بعنف فى ذراعها تجز فوق اسنانها هامسة من بينهم بحنق محذرة
: اتلمى… الحارة كلها واقفة تحت… حد ياخد باله منك يا حلوة.
ارتبكت ضاغطة فوق شفتيها بقوة ملتفتة اليها تهمس بخجل
: وانا عملت ايه دلوقت… مانا واقفة اتفرج زيى زيك اهو.
التفت سماح ناحية الخارج مرة اخرى قائلة بحدة
: اتفرجى ياختى…. انا مش عارفة اخرة الفرجة دى ايه… مش كنا خلصنا منه الموضوع ده…ادينا رجعنا للفرجة اللى لا بتودى ولا بتجيب.
شحب وجهها من اثر كلمات شقيقتها حين ذكرتها بحقيقة لطلما حاولت الهروب منها فقد صدقت فلم يتغير شيئ سوى عودة هذا الامل الاحمق مرة اخرى ليزدهر به قلبها دون قدرة او حيلة منها برغم جميع محاولاتها لأيقافه ونهر نفسها عليه.
عاودت الالتفات مرة اخرى الى المشهد الدائر فى الحارة لكن هذة المرة بعيون شاردة حزينة لاترى شيئ غافلة عما يجرى فيه حين صرخ خالها مليجى بتوتر
: يا صالح باشا… انا قاعد فى حالى… هو اللى مش طايقنى على قهوته.
اسرع المعلم ابراهيم موجها حديثه لصالح الواقف لفض الاشتباك بينهم بعد استغاثة المعلم ابراهيم به قائلا استهجان
: يا صالح يابنى… ده قاعد رائم الرايحة والجاية بعنيه اللى يندب فيهم رصاصة دول ولما جيت اكلمه فى حسابه… عمل الشويتين بتوعه زاى كل مرة عليا.
ابتعد مليجى من اسفل ذراع صالح الموضوعة فوق كتفه ملتفتا اليه يهتف رافعا كفيه بأستهجان وبطريقة مسرحية
: شوفت يا صالح باشا… عرفت بقى ان الليلة كلها معمولة ليه .. علشان القرشين اللى عليا لقهوته.
زفر صالح بنفاذ صبر ملتفتا الى المعلم ابراهيم قائلا بصوته الاجش ذو النبرة المميزة
:خلاص يا معلم ابراهيم…. حساب مليجى عندى المرة دى كمان…. وحقك عليا انا.
هز المعلم ابراهيم رأسه قائلا باحترام مربتا فوق كتفه
: ولا حق ولا حاجة يابنى…. وكتر خيرك معلش دوشناك معانا.
ابتسم صالح له قائلا بهدوء
: ولا يهمك يامعلم… حصل خير احنا ولاد حتة واحدة.
كرر المعلم ابراهيم عبارات شكره وامتنانه قبل ان يغادر الى قهوته بعد ان رمى مليجى بنظرة احتقار ونفور لترتسم فوق شفتى مليجى ابتسامة سمجة هاتفا بتهكم له
: متشكرين اوووى يامعلم ابراهيم… متشكرين اوى ياخويا.
لكن سرعان ما اختفت ابتسامته تلك عن وجهه سريعا حين هتف صالح باسمه بلهجة تحمل من الصرامة ما جعل الدماء تجف فى عروقه فيلتفت اليه ببطء وتوجس وقد اقترب منه ينكزه فى صدره باصبعه قائلا ببطء وعينه تنطق بالتحذير قبل شفتيه
: مليجى… شوف من الاخر كده… دى اخر مرة هدخلك فى حاجة… فاحسن ليك تمشى عدل… الا وربى يا مليجى محد هيعدلك غيرى.. وانا نبهتك اهو .
هم مليجى ان يجيبه لكن قاطعه صالح بخفوت ضاغط فوق حروف كلماته بحنق
:شوف انا على اخرى منك ..فحاول متجبش اخر صبرى عليك …علشان صدقنى مش هيعجبك اللى هيحصل.
ثم تحرك مغادرا تاركا مليجى يقف فى وسط الحارة ينظر فى اثره للحظات قبل ان يتحدث قائلا بصوت خافت مرتعش
: ماله ده هو حد داس له على طرف…كل ما يشوف خلقتى يقولى امشي عدل…. وهو فى حد ماشى عدل اليومين دول.
*********************
سارت مع شقيقتها داخل الحارة فى طريق عودتهم من عملهم فى احدى محلات بيع الملابس تستند عليها تسير بصعوبة وقد تمزق حذائها واصبح لايصلح للسير به قائلة بتبرم وهى تتلفت حولها خجلا
: عجبك كده قلتلك اصلحه قبل ما نروح قلتى
هيتحمل لحد البيت….افرضى بقى حد شافنى بمنظرى ده دلوقت… هيبقى ايه العمل؟!
ابتسمت سماح قائلة بسخرية مرحة
: حد مين اللى شايلة همه .. ما كل الحارة شافتك… ولايمكن تقصدى حد بعينه.
ارتبكت تهتف بها بحدة
:تقصدى ايه بكلامك ده بالظبط يا ست سماح.
سماح بجدية وهى تربت فوق انامل شقيقتها الممسكة بساعدها ناصحة بهدوء
:مقصدش يا قلب اختك…بس انا بقول يعنى كفيانا تعليق فى حبال دايبة…وحب مراهقة اهبل هتضيعى عمرك علشانه وهو ولا حاسس بيكى.
التوت شفتى فرح بمرارة قائلة بهمس مؤنب
:انا فاكرة ان ده برضه نفس كلامك ليا من سنتين واكتر…وهو مطلعش هبل ولا لعب عيال هنساه زاى ما قلتى ياست سماح.
التفتت لها سماح هامسة بحنان تحاول ايصال كلامها باقل قدر ممكن من الم لها
:عارفة انك لسه بتحبيه…وعارفة انه مطلعش وهم ولا لعب عيال…بس مش ليكى يا فرح…مش من نصيبك ولا هيكون ياختى…ياريت تفهميها بقى وتعرفى اننا هوا عايش فى الحارة …لا بنتشاف ولا بنتسمع ولا حتى بتحس بينا.
شعرت بحرقة القلب وكسرته تملئها رغم ان حديث شقيقتها ليس بالجديد عليها فطلما سمعته منها طيلة سنتين مروا عليها بألم واوجاع دهر كاملاً الا انه فى كل مرة يحدث بها آلام لا قدرة لها على تحملها كأنها تسمعها أول مرة.
تنهدت بألم تنحنى برأسها ارضاً متظاهرة بالاهتمام بحذائها حتى تدارى تلك الدموع والتى ملئت عينيها حتى حجبت عنها الرؤية تماما فلم ترى تلك القطعة الخشبية القديمة ولا ذاك المسمار الصدأ بها لتطئ بخطواتها فوقها فتدوى صرختها المتألمة حين نفذ المسمار من خلال حذائها المهترىٔ الى قدمها كخط من النار اصابها.
لتهتف سماح تسألها جزع عما بها فأجبتها بكلمات متقطعة متألمة لتنحى سماح ارضا حتى تطمئن على ساقها بلهفة وقلق فى تلك الاثناء كان قد اقتربت منهم احدى نساء الحارة تتسأل هى الاخرى عما حدث فاستقامت سماح سريعا ثم تقوم بأسنادها موجهة حديثها للمرأة قائلة بهلع
:رجليها دخل فيها مسمار…وحياة عيالك يام رجب تسنديها معايا لحد البيت.
لطمت المرأة صدرها مستنكرة تهتف بها
:بيت!..بيت ايه اللى تروحه.. دى لازم الاول نطلع المسمار من رجليها قبل اى حاجة..
ثم تكمل وهى تتحرك من جوارهم الى الجانب الاخر من الطريق هاتفة بحزم
: استنى هنا وخليكى مسنداها وانا هروح اجيب كرسى من محل انور ظاظا نقعدها عليه علشان نطلع من رجليها المسمار.
وبالفعل كانت قد ذهبت دون ان تمهل لسماح فرصة للرد ولم تغب سوى ثوانى معدودة كانت فى اثناءها تجمع عدد من اهل الحارة حولهم كلا يتساءل عما حدث حتى اتت ام رجب تهرول ومن خلفها انور يرتسم القلق الشديد على وجهه حاملا لاحدى المقاعد بين يديه يضعه ارضا وهو يهتف موجها الحديث الى فرح بصوت قلق ملهوف
:مالك يا ست البنات الف سلامة عليكي .. ايه حصل؟
تجاهلته فرح وهى تتحرك متألمة بمساعدة شقيقتها للجلوس فوق المقعد تتساقط دموعها الماً رغما عنها ليهتف انور بحدة فى الجمع حولهم
:جرى ايه يا خوانا ما كل واحد يروح لحاله….ملهاش لازمة الوقفة دى حوليها.
ثم وبدون مقدمات انحنى جالسا على عقبيه امام ساقها المصابة يمسكها بين كفيه ويضعها فوق ساقه
لتصرخ به بصوت حاد رغم الضعف به
:انت بتعمل ايه ابعد ايدك عنى..
قاطع انورحديثها قائلا بصوت متحشرج لاهث
:متخفيش ياقمر…دانا بس هخرجلك المسمار ومش هتحسى بحاجة.
اخذت تحاول الفكاك من قبضته المحكمة حول ساقها وهى تشعر بانامله تتسلل خفية فوق بشرة ساقها تتلمسها بحركة بطيئة اصابتها بقشعريرة النفور ترفع نظراتها الى شقيقتها مستنجدة بها فأسرعت سماح تحاول طمئنتها ظنا منها ان سبب رعبها ورفضها هذا خوفا ورهبة من الالم المحتمل لسحب المسمار من قدمها.
لكنها لم تستسلم بل اخذت تحاول جذب قدمها بعيدا عن يديه ولمساتها المنفرة رغم كل محاولات جميع من حولها اثناءها عن هذا.
******************
جلس فوق مكتبه داخل المحل الخاص بتجارتهم (مغلق لبيع الاخشاب) يحاول التطلع فى احدى الملفات امامه لكنه كان من بين حين واخر يتطلع الى ساعته زافر بقلق حتى تخلى اخيرا عن محاولة التركيز تاركا القلم من يده ثم يهم بالنهوض ليتوقف عن الحركة معاودا الجلوس مرة اخرى حين دلف من الباب صديقه المقرب عادل والذى هتف مبتسما بمرح فور رؤيته له
:صالح ابن الحاج منصور…اللى مابقاش بيسأل على حد….فينك ياعم كده مختفى.
تراجع صالح فى مقعده يهتف به هو الاخر بمرح
:لاا حوش ياض انت اللى مقطع السؤال ع
ليا اووي.
اقترب عادل جالسا فوق احدى المقاعد امامه قائلا بتبرم مصطنع
:هى اختك سيبالى فرصة اسال عن حد…دى مخليانى ماشى الف حوالين نفسى.
ابتسم صالح قائلا بسخرية مرحة
:انت لسه شوفت حاجة…دى لسه بتسمى عليك….اتقل التقيل جاى ورا.
تنهد عادل بطريقة مسرحية قائلا بحزن مصطنع
:لااا لو من اولها كده يبقى مش لاعب…دول ياعم ليهم دماغ لوحدهم وبيقلبوا فى ثانية .. ومتعرفش ليه وازاى ولا علشان ايه.
تبدلت ملامح صالح فورا للوجوم تمحى عن شفتيه ابتسامته المرحة يكفهر وجهه بشدة فلا يخفى عن صديقه تبدل حاله ليصمت فورا يلعن نفسه لعدم المراعاة فى حديثه.
لكن شعر بوجود ماهو اكثر من هذا فيسأله بعدها بقلق واهتمام
: مالك يا صالح…. حالك مش عجبنى…. هو حصل جديد.
تطلع اليه صالح بعيون شاردة غير مقرؤة التعبير ليهمس له عادل بصوت متردد قلق
: لسه برضه اهلك بيكلموك ترجعها؟
اغمض صالح عينيه بارهاق زافرا بحرقة كانه يحاول اخراج نيران صدره معها يهز راسه له بالايجاب ليغمم عادل من بين انفاسه لاعنا بحنق ..
قبل ان يسأله بحرص بعدها وبصوت خرج رغما عنه متعاطف مشفق رغم علمه بكره صديقه لهذا منه
: تحب تحكيلى ونتكلم هنا… ولا تجى نخرج نشم هوا و….
فتح صالح عينيه فجأة يظهر داخلهم القوة والتصميم وقد تبدل حاله فورا قائلا بقسوة وحدة
:لاااهنا…ولا هناك….مفيش حاجة مستاهلة كلام .
ثم اعتدل فى جلسته يمسك باحدى الدفاتر امامه يتظاهر بالتطلع به قائلا بخشونة متعمدة
:خلص انت بس وقول كنت جاى ليه…علشان ورايا شغل.
تجاهل عادل قسوته وحدته تلك فهو يعلم ان ما يمر به صديقه ويثقل كاهله تحت وطأته ليس بالهين حتى على اعتى الرجال لذا تدارك الامر سريعا هاتفا بمرح ممازحا
:براحة ياعم….مش لما تطلبلى حاجة اشربها الاول… ولا اقولك ابعت هات اكل علشان انا جعاان.
رفع صالح رأسه متطلعا اليه ليكمل عادل بحدة مصطنعة ووجهه متجعد يشيح بيده
:اخلص يا جدع يلاا بقولك جعااان.
ابتسم صالح هازا راسه بالموافقة تنفرج اسارير وجهه استجابة لمزاح صديقه قبل ان يتعال صوته مناديا لاحد العاملين لديه والذى استغرق بعض الوقت قبل يلبى النداء يأتى مهرولا مجيبا اياه بلهاث ليسأله صالح بحدة
:ايه يا سيد بيه…كنت فين كل ده؟
اجابه سيد العامل سريعا
:كنت على اول الحارة بشوف اللمة اللى هناك دى ليه..
صالح ساخرا وهو يتراجع فى جلسته باسترخاء لظهر مقعده
:حلو اوى…. وياترى جنابك عرفت بقى اللمة دى ليه!
اقترب سيد يهتف بتأكيد ومعرفة
: اااه… دى البت بنت الست لبيبة الله يرحمها الظاهر دخل فى رجليها حاجة وواقفة تعيط والحارة ملمومة هناك عليها.
توترت الاجواء فور نطقه لتلك الكلمات يعتدل صالح فى جلسته بتوتر واضطراب جعل عادل يسرع برميه بنظرة محذرة استجاب لها على مضض وهو يتراجع فى مقعده مرة اخرى لكن هذه المرة بجسد متحفز قلق ليلتفت عادل الى العامل يسأله بصوت اظهره عادى النبرات غير مهتم
:بت مين فيهم يا سيد اللى اتعورت..الكبيرة ولا الصغيرة!
اسرع سيد يجيبه بحزم سعيدا باهتمامهم بمعرفة الاخبار منه
:البت الصغيرة…الظاهر جزمتها اتقطعت ودخل فى رجليها مسمار وواقفة هى و …..
قطع حديثه بغتة يتطلع نحو صالح بدهشة واستغراب حين وجده ينهض فورا من مكانه يتجه الى الخارج مغادرا بخطوات سريعة متلهفة يعقبه عادل والذى اخده يناديه محاولا ايقافه او اللحاق به.
ليهمس سيد بحيرة فور غيابهم
:غريبة دى هو ماله كده اتخض عليها زاى ما تكون من باقية اهله ولا تهمه فى حاجة…
ليكمل بعدها هازا راسه بتاكيد وحزم
: لاا بس هو كده طول عمره…. جدع وبيخاف على غلابة الحارة… ربنا يديله على اد نيته وطيبته.
*********
كان قد وصل الى مكان تجمهر الاهالى فى اقل من دقيقتين ليتسمر مكانه حين رأها تجلس فوق احدى المقاعد وهى تبكى متألمة تجاورها شقيقتها الباكية هى الاخرى لكن ما جعل الدماء تتأجج بثورة فى شراينه وتثور معاها ثأئرته هو رؤيته لذلك الاحمق الجالس اسفل قدميها ممسك بها بين يديه انامله تتلمسها بتلك الطريقة فلم يدرى بنفسه سوى هو يتحرك ويقوم بدفعه بقسوة بعيدا عنها ليسقط انور بعدها جالسا ارضا بعنف يرفع وجهه بخشية ورعب نحوه حين هدر صوته به بغضب اعمى
:انت بتهبب ايه ياجدع انت…ابعد ايدك عنها.
توتر انور يتطلع اليه قائلا بتلعثم واضطراب
:ابدا ياصالح باشا دانا…دانا كنت بطلع لها المسما…
انحنى عليه يهتف به بأستنكار غاضب وهو يكاد يفتك به لولا ذراع عادل والذى اسرع بالوقوف حائل بينهم يدفعه بعيد عنه بصعوبة
: بتعمل ايه؟!…. سمعنى كده تانى حلاوة صوتك…مسمار ايه اللى بطلعه فى وسط الشارع ده.
اخذ عادل يدفعه الى الخلف بعيدا عن انور الساقط ارضا والمرتعب من رؤية صالح بكل هذا الغضب امامه تتعال همهمات المتابعين للموقف من حولهم بفضول حتى نجح اخيرا عادل اخيرا فى ابعاده بعد ان همس بعدة كلمات مهدئة له ..
لكنه التفت بعدها بوجهه الحانق وعينه التى تطلق الشرر ناحية تلك الجالسة تتابع ما يحدث بعيون متسعة بذهول لا يخلو من الانبهار.
وقد توقفت دموعها تماماً كانها لم تكن يسألها بحدة وخشونة
: وانتى كمان ازاى تسبيه….
صمت عن اكمال كلمات كادت ان تفلت منه رغما عنه يضغط فوق اسنانه بحنق وقد وعى للتجمهر من حولهم يكمل بدلا عنها كلمات لم تكن اقل حدة او غضبا ينفث بها عن عما يعتمل بداخله
: مش تاخدى بالك انت كمان… ازاى المسمار ده دخل رجلك.
تبدل حالها فورا نطقه كلماته بنبرة الاتهام تلك تمحو فورا عنها حالة الانبهار وفرحتها برؤيتها له محتلا مكانها غضبها الشديد كأن احدهم قد عبث بأزرار تحكمها تهتف به هى الاخرى بصوت حانق متشدد غير عابئة بمن حولهم
: انت بتزعقلى ليه؟! هو انا كنت قاصدة يعنى ولا كنت قاصدة ادخله فى رجلى علشان تزعقلى كده!
التفتت سماح شقيقتها حولهم تتطلع الى الجمع بتوتر قبل ان تنحنى عليها تنكزها خفية هامسة لها بحرج
: اتلمى يخربيتك… انتى هتزعقيله وسط الحارة.
لم تعيرها فرح اهتماما تنظر اليه بتحدى وقد التمعت عينيها بشدة تتطاير شرارت غضبها كالبرق فى سماء عاصفة نحوه وقد وقف مكانه يتطلع اليها كالمصعوق حتى تعال صوت سماح تهتف بنبرة معتذرة حرجة فى محاولة لتدارك الموقف
: معلش ياسى صالح… حقك عليا يا خويا…. هى بس بتهبل من الوجع اللى فيها…
التفت ببطء اليها بعيون شاردة مذهولة وهو يطبق على شفتيه حتى اصبحا كخط رفيع دليل على محاولته التحكم فى ذاته لكن حين اتت على ذكر المها نفض عنه حالة الذهول تلك موجها الحديث الى عادل وهو يشير ناحية المقعد قائلا بحزم
: شيل الكرسى قصادى من الناحية التانية… خلينا نوديها الصيدلية.
اسرع عادل لتنفيذ ما قاله بينما هو يقترب منها من الناحية الاخرى لتتملل فى جلستها باضطراب حين شعرت به قريباً منها وقد تسللت اليها رائحة عطره لتخطف نبضة من قلبها وتتسابق انفاسها ولكن لم يكن هذا بشيئ مقارنة بما اصابها حين تقابلت نظراتهم وهو ينحنى نحوها يهمس لها بصوت خفيض للغاية فى اذنيها وصل اليها كرفرفة الفراشة فى رقته
: والله وكبرتى يا فرح…كبرتى وبقيتى تعرفى تردى و تاخدى حقك…
التفتت نحوه وعينيها متسعة ذهولا مما سمعته لكن فوجئت به تراه وقد عادت صفحة وجهه بيضاء خالية من التعبير كأنه لم يهمس لها بشيئ حتى ظنت انها تخيلت كلماته تلك لها وقد انحنى حاملا لمقعدها من ناحيته بوجهه متجمد بعد ان هتف بصوت امر بالجمع الملتف حولهم بأن يذهب كلا الى طريقه ليسرعوا فى التلبية الا شخص واحد وقف ببطء ينفض عن ملابسه الغبار العالق بها وعينيه تتابع ذهابهم وهى تطلق سهام غيرته نحوهم.
************
: يخرب بيتك ويخرب بيت جنانك يافرح يابنت امى وابويا…
نطقت سماح بكلماتها الحانقة تلك موجهة اياها الى شقيقتها الجالسة فوق اريكة داخل شقتهم متواضعة الاثاث تمدد قدميها المصابة امامها وهى تزم شفتيها بحزن وندم لتكمل سماح غير عابئة بحالتها تلك
: انتى اكيد عقلك ساح… ولا ضرب منك… بقى مش كفاية اللى عملتيه فيه ادام الحارة…. لاااا رايحة تكملى عليه وعلينا فى الصيدلية كمان !
صرخت فرح بطفولية بها
: مانتى عارفة انا بخاف من الحقن اد ايه… وهو مصمم يخلينى اخد الحقنة.
سماح بصراخ هى الاخرى مستنكرة
: هو يا حبة عينى لا صمم ولا ليه ذنب… دى الدكتورة اللى قالت كده… وهو خاف عليكى وخلاها تدهالك بعد ما فضحتينا صويت زاى العيال الصغيرة وهو بيخرج من رجلك المسمار.
ضمت فرح شفتيها معا بحزن هامسة
: زمانه بيقول عليا ايه دلوقت….وانا اللى كنت بتمنى اليوم اللى هيكلمنى فيه بعد ما كبرت كده وبقيت البت العاقلة.
قاطعتها سماح تلوى شفتيها يمينا وشمالا قائلة
:بلا نيلة عليكى ياست العاقلة.. قولى ياختى زمانه مابيقولش عليكى ايه….قال وبتحبيه قال.
زمت اكثر شفتيها حزناً وقد ارتفعت غصة البكاء تخنقها من اثر حديث شقيقتها لكنها تجاهلتها تهمس متألمة بصوت مختنق حزين
:متفرقش كتير بقى…. هو كده ولا كده عمره ما هيشوف غير فرح العيلة الهبلة اللى كانت بتيجى مع امها علشان تخدم..يبقى ليه الزعل بقى.
**********
تقدم بخطوات سريعة غاضبة الى داخل محل عمله ووجهه شديد الاحتقان يلاحقه عادل محاولا تهدئته قائلا بمهادنة
:براحة ياصالح محصلش حاجة لكل ده.
التفت اليه سريعا قبل ان يتوجه الى مقعده يصرخ بغضب لم يعد يستطع احكام السيطرة عليه بعد الان
:محصلش حاجة؟ انت مش شوفت ابن ال****كان قاعد وماسك رجليها ازى و ….
لكن قاطعه عادل سريعا عن اكمال حديثه وهو يهتف مناديا لسيد العامل الواقف يتابع ما يحدث بفضول واهتمام شديد
:سيد …روح هات القهوة بتاعتى انا وصالح من عند المعلم ابراهيم وتعالى.
تغضن وجه سيد امتعاضا لطلبه وعدم قدرته على معرفة الباقى من حديثهم قائلا برجاء
:طيب ما اعملها ليكم هنا يا استاذ عادل وبلاها مرواح للقهوة.
تجمد وجه صالح يلتفت اليه ببطء قائلا بهدوء ماقبل العاصفة
:والله عال انت كمان هتشربنى على مزاجك ولا ايه ياسيد بيه.
اخذ سيد بهز رأسه نافياً بخوف يتلعثم بكلمات غير مفهومة قبل ان يسرع بالمغادرة بتلهف وخطوات سريعة حتى خرج تمام ليلتفت عادل ثانياً الى صالح هاتفا به باستنكار
:فى ايه ياجدع انت ماتهدى كده ..هتفرج علينا الخلق
جز صالح فوق اسنانه حنقا وعينيه تضيق بنظراتها يفح من بين انفاسه غضباً
:هو انا كده مش هادى …دانا المفروض كنت جبته من قفاه وعرفته شغله ادام الحارة كلها ابن ال***ده
بقى الكلب قاعد تحت رجليها وبيلمسها ويقولى بطلع المسمار.
خبط فوق المكتب الخشبى بكفيه بقوة شديدة احدثت شرخ فى لوحه الزجاجى لكنه لم يعيره اهتماما يكمل بقسوة
: المسمار ده بقى انا اللى هحطه فى فى عينه ابن ال*** بعد ما اكون كسرت له ايده اللى اتجرأ ومدها عليها
صمت ينهج بعنف وصدره يرتفع وينخفض بسرعة عينيه تلتمع بشراسة ليسرع عادل فى محاولة تهدئته قائلا بهدوء ورفق
:خلااص طلعت اللى جواك …حلو اووى اهدى بقى وبلاش فضايح …صوتك هيلم الناس علينا
زفر صالح بقوة يغمض عينيه للحظات قبل ان يلقى بجسده فوق المقعد قائلا بخفوت وقد عاوده بعضاً من تعقله
:غصب عنى يا عادل …اول مرة احس بكده …كأن ستارة حمرا ادام عنيا من ساعة ما شوفت المنظر …سبحان من صبرنى انى امسك نفسى لحد ما اطمن عليها
ابتسم عادل يجلس هو الاخر قائلا بسخرية مرحة
:لاا كنت ماسك نفسك اووى ياض …ده انت كنت هتخنق البت كذا مرة فى الصيدلية …ده غير جنان اللى جابوك وانت عاوز تطلع على محل انور تدغدغه
هتف صالح بعتاب حانق
:يعنى هو انت سبتنى …دانت لزقت فيا ولا اللزقة بغرا لحد ما جبتنى هنا …عيل غتت صحيح
هتف عادل مستنكراً
:متشكر يا رجولة …لا كنت اسيبك تعمل اللى فى دماغك …علشان الحارة كلها تسأل ليه وعلشان ايه وتبقى لبانة وحدوتة.
تغيرت ملامح عادل للجدية وهو يكمل قائلا بهدوء
:بجد يا صالح …لازم تهدى شوية …ومتنساش اننا فى حارة كلامها كتير ….وانت لسه مطلق من مفيش…ولا نسيت كلامنا قبل كده.
سكنت ملامح صالح يرتفع الحزن داخل عينيه يزيح الغضب من طريقه وهو يهمس بصوت مرتعش اجش
:لاا متخفش مش ناسى ..يمكن بس النهاردة لما ردت عليا مشفتش فيها فرح العيلة بنت سبعتاشر اللى انا …..
اغمض عينيه يستنشق الهواء بقوة الى داخل صدره هو يتراجع الى ظهره مقعده صامتا لعدة لحظات احترمها عادل دون مقاطعة منه قبل ان يقول يكمل بألم وصوت جريح
:بس متخفش ياصاحبى … وان كان زمان صعب .. فدلوقت بقى من المستحيل.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظلمها عشقا)