روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الخامس والعشرون

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الخامس والعشرون

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الخامسة والعشرون

تصدر له بسيارته، يمنعه من المرور الى داخل البلدة، ليضطر الاخر للتوقف وسط الطريق الذي يتوسط الأرض المملوكة له، تلك التي ابتاعها منذ سنوات بصفقة مع ادارة املاك الدولة ليستصلحها ازواج شقيقاته، يرفع من قدرهم بالعمل لديه، ويثبت اقدامه هو كرجل اعمال قادم لينافس بقوة، كبار العائلات، واضعًا نصب عينيه ان يصبح ندا لهم، وبالأخص هو؛ غازي الدهشان الذي فطن لكل ذلك منذ البداية ولكنه كالعادة لا يشغل نفسه بأمثاله، سوى عند الخطأ منهم او في حالة هذا الأخرق كما فعل.
– انزل يا عمر، وجابلي وش لوش، راجل لراجل، اذا كنت تعرف معنى الأخيرة
هيئته الاجرامية أثارت الزعر بقلبها، تلك التي كانت ترافق زوجها، بعودتها من متابعة احد الاطباء لحالتها في المدينة، لتتمتم بخوف سائلة:
– مين دا يا عمر؟ وليه بيكلمك كدة؟ هو اتجن عشان يسد الطريج عنينا واحنا مروحين بلدنا.
التف إليها بقلق لا يخفيه، يخلع عنه حزام الأمان، ليأمرها بحزم قبل ان يفتح باب السيارة ليترجل منها:
– خليكي مكانك يا هدير ، ومهما حصل متنزليش منها .
تشبثت بقميصه تمنعه:
– يا مري لتكون نازل تتعرك معاه، خليك مكانك يا عمر، لحد ما نتصل وياجي البوليس، دا شكله مجرم، رغم هدومه النضيفة
لاحت ابتسامة ساخرة بزواية فمه، ليربت على كفها يخاطبها بتعقل:
– شيلي يدك يا هدير، جوزك مش عويل عشان يفضل محبوس في عربيته لحد ما ياجي البوليس، وحتى لو جه برضو مش هياخده، دا حساب ولازم نصفيه مع بعض
تمتم الأخيرة بصوت خفيض، وهو ينزع نفسه عنها ببعض اللطف، ويتركها مكانها في الأمام، ترا المشهد من محلها بوضوح، وتفهم أيضًا!:
فتحرك ليقف مقابله، وكأنه كان متوقعًا المواجهة، خاطبه بذقن مرفوع:
– نعم يا غازي بيه، اتفضل لو عندك كلام جوله.
عض الأخير على نواجزه، بغضب شديد يتمتم ردا له:
– يا برودك يا واض، دا على أساس اني هنولك الشرف ده ، ولا انا ليا مرارة لأمثالك….. انا يدي هي اللي بتتحدت.
قال الاخيرة، ليباغته بقبضة قوية حطت على فكه، حتى جعلته يرتد للخلف تأثرًا، وقبل ان يبتعد جيدًا، جذبه ليكيل له عدد اخر من اللكمات عل الوجه والجسد، والأخر تعمد ان يتلقى الضربات دون ان يرد، ولكنه كان فاقدًا السيطرة على لسانه:
– ما انت لو كنت جوزتهالي من الاول، مكنش دا كله حصل؟ …… اه……. عرفت اللي فيها وبرضك نفذت وجوزتها واد عمك وصاحبك……. طاوعتك نفسك تكسر بخاطري وخاطرها، بحجة كلام فارغ من طليجتك…… هي اللي اخترعته……. وانت عارف…… اااه……. انها شريفة….. وبتحبني وبحبها……
– اسكت ياض…… بدل ما اطلع روحك في يدي…..
صاح بها غازي وقد وصل لأقصى درجات الاستفزاز من هذا الذي كان مستسلمًا للضربات وفمه يتفوه بما يفقد العقل رزانته، وكأنه يبتغي القتل على يديه، لتأتيه
الصرخة التي افاقته:
– سيبه حرام عليك، عايز تجتله جدامي وتحرق قلب والديه عليه…..
إلا هنا ولم يقوى غازي على المواصلة، لينتفض ناهضًا عنه، بعدما كان مثبتًا له بين ركبتيه، يأخذ فرصته كاملة في افراغ شحنة الغضب به،
وابتعد يشيح بوجهه بعيدًا عنها، لتجثو هي على ركبتيها، فترفعه عن الأرض التي كان متسطحًا عليها، تناديه برجاء وألم لرؤيته على هذه الهيئة المزرية:
– جوم يا عمر، سايبه يلطش فيك وانت ساكتله، كنت هتتحرك امتى؟ لما يطلع روحك؟ انا كنت عايزة اتصل على نمرة البوليس بس معرفتش الرقم.
تطلع إليها بوجهه الملئ بالكدمات، يربت على كفها التي تضمه إليها بحنان، يزفر بأنفاس لاهثة، ويرمقها بتقدير لخوفها عليه رغم كل ما حدث منه،
فصدح صوت غازي معقبًا:.
– متجيش في نص عمرك، واجدع منك مية مرة، والله خسارة فيك بنت الناس، لكن اجول ايه، ما هو دايما كدة الندل ما يحسش بجيمة النعمة اللي بين ايديه….. اخص.
بصق كلماته، ثم صار الى سيارته، ليعتليها ويذهب حيث يشاء، وقد بردت ناره قليلًا بضربه، رغم مجاهدته بصعوبة، حتى لا يستسلم لرغبة النفس في الفتك بهذا الفاسد الساخط.
❈-❈-❈
بعد قليل
كان قد وصل الى منزله، يدلف بالسيارة داخل محيط المدخل الكبير، ثم صار بها حتى يصفها في المساحة المخصصة لذلك، ليتقدم بخطواته داخل الحديقة نحو شقيقته الجالسة اسفل المظلة بوجه شاحب، انطفئت حيويته، وفتر الحماس الذي كان يقودها دائما في فعل ما تحبه، بالإضافة لثقة النفس التي تميزتها عن الجميع، لكن الاَن…… تبًا، رؤيتها بهذه الصورة تدفعه بقوة لأن يعود الى ذلك ال…….. ويكمل عليه، حتى تهدأ بعض من نيرانه، زفر بقنوط ليرسم ابتسامة بصعوبة اغتصبها، ليلقي التحية مداعبًا لها:
– مساء الورد والياسمين على احلى روح.
رفعت رأسها ترد بصوت خيفض بالكاد يخرج:
– صباح الفل يا حبيب اختك، تعالي اجعد جمبي، الجو هنا يسحر.
– ياختي ما انا عارف، مش انا اللي عاملها في الأصل عشان كدة.
قالها بدعابة قبل ان يسقط بجسده الصخم، ويجلس مجاورا لها، يضمها اليه، مقبلا اعلى رأسها بحنو، ثم يسألها؛
-‘عاملة ايه النهاردة يا جلب اخوكي؟
– زينة يا حبيبي وعال العال، مش باين عليا .
– لاه مش باين.
غمغم بها داخله، فقد اعتاد منها على هذا الجواب هذه الأيام، تدعي التحسن حتى لا تزيد من حزنه عليها، وقد فقدت حيوتها القديمة، حتى وزنها نقص، حتى أصبح يشعر بالقلق على حال الطفل داخلها.
– بجولك ايه يا روح، انا هاخدك بكرة انتي ونادية نزورو الدكتورة عشان نطمنوا على العيال،
عبست ترفض المقترح:
– روح بيها هي، انما انا زينة يا واد ابوي، ولسة جدامي سبوعبن ع المتابعة بتاعتي……
– جدامك ولا وراكي، انا جولت رايح بيكم انتوا الاتنين ، يعني مش عايز حديت ولا رط، دماغي مش حاملة….
ردد بها وهم ان ينهض ويتركها ولكنها استوقفته سائلة بلوعة:
– بيكلمك يا غازي صح؟ اوعى تنكر
صمت بارتباك، لا يعرف ان كان عليه ان يخبرها ام لا، فواصلت بيقين:
– انا متأكدة منها دي عشان عارفة بمكانتك عنده، بس يا ترى مكانتي انا راحت خالص، ولا متبجي في جلبه جزء صغير، يستوعب ويسامحني على غلطتي؟ جولي يا غازي ، انت اكيد عارف؟
زفر قانطًا بثقل ما يشعر به يجيبها:
– الصبر يا بت ابوي، الصبر، كل خصام وليه وجت وينتهي، هيجيبه جلبه صديجيني هيجي
غمغمت بيأس تشيح بوجهها عنه:
– واد عمك شكله مش هيسامح، انا عارفاه وعارفة جلبته، هو يبان طيب، لكن في جلبته ياللا السلامة.
لم يجد ردًا اخر لها، ليتحرك ويغادر متهربًا منها، حتى اذا ابتعد بمسافة كافية، رفع هاتفه يتصل على الرقم الجديد لهذا المتمرد:
– ايوة يا زفت، وبعدهالك يعني؟ مش ناوي بجى تعجل وترسى على حيلك، انا معنديش دماغ ليك
جاءه الرد من الجهة الأخرى:
– يا غازي بلاش كلامك ده، يا اجفل الخط دا كمان، وابجى جطعت اخر خط تواصل ما بينا .
– اتفلج
صاح بها ليكمل بغضبه:
– دي اخر مكالمة بيني وبينك اصلا، انا بس حبيت ابلغك، بكرة هاخد الجماعة واروح بيهم المحافظة، للدكتورة اطمن منها على حالة الاتنين وصحتهم في الحمل، جيت تطمن على ولدك كان بها، مجيتش، في داهية حتى، وياللا غور.
بصق كلماته ثم انهى على الفور دون ان يسمع لرد الاخر ، ليزفر بعدها انفاس متهدجة بانفعاله، مغمض عينيه بتعب، حتى شعر بلمستها الحانية على ظهره من الخلف، ليستدير إليها بملامح مجهدة، ليأتي ردها السريع، وتجذبه إليها، تضمه برقة، وتريح رأسه المنهك فوق كتفها، فتسير كفها صعودا وهبوطًا على ظهره، تغمره باحتوائها:
– خفف عن نفسك يا غازي، لتجع مرة واحدة من طولك، وانت الكتف اللي الجميع بيستند عليه.
غمغم لها متنعمًا ببعض الراحة التي تخللت روحه بفعلتها البسيطة، وعبير رائحتها العطرة يتسلل داخل صدره، يستنشقه بنهم، يعيد لروحه الصفاء، بل ويًحيها:
– انا تعبان جوي يا نادية، حاسس اني مهلوك وروحي مجطعة ستين حتة، يعني مش كفاية الهموم اللي فوج راسي، عشان يطلعلي جوز المصايب دول بعمايلهم، يكدروني أكتر ما انا متكدر،
شددت من لف ذراعيها حوله تهون عليه بقولها:
– معلش يا حبيبي، مسيرهم يتصالحوا، هو بس يرجع للبلد ولبيته، وبعدها كل شيء يتحل، دي روح غلبانة ونفسها بس تطمن بشوفته، وانا خايفة البعد ده يزود الجفا ما بينهم.
تنهد بقنوط وقد فطن لوجهة نظرها، ليردد بحنق:
– هو حر عاد، انا عملت اللي عليا معاه، ولا فاكرني هترجاه اكتر من كدة، خليه يزود في استهباله، عشان بعدها تجلب فوج راسه في الاخر.
❈-❈-❈
في اليوم التالي .
دلفت الى داخل الغرفة التي ظل متسطحًا فيها منذ الأمس، تأثرًا بألاصابات التي لم تشفى حتى الاَن، ولا حتى خف وجعها سوى بالمسكنات.
اقتربت حاملة بيدها مشروب ساخن لتضعه على الكمود المجاور لتخته، ثم جلست جواره على طرف الفراش لتوقظه:
– عمر….. يا عمر، اصحى احنا بجينا الضهر،
غمغم بنعاس:
– روحي يا هدير، انا عايز انام، مش واري حاجة .
قلبت عينيها بضجر تعقب على كلماته:
– عارفة انك فاضي، بعد ما اديت كل اللي شغالين عندك اجازة، انا جايا اصحيك تشرب حاجة سخنة وتجوم تاكلك لجمة، ما انت مش هتفضل لازق في السرير، ولا تكون استحليتها….
غمغمت الاَخيرة بصوت خفيض، لتلفت انتباهه، فيعتدل بجسده يواجهها بسؤاله:
– هو ايه اللي استحليتها؟ بتخرفي بتجولي ايه يا بت؟
عبست تجيبه بشجاعة وعدم اكتراث:
– جصدي ع النفسية، انها تبجى واجعاك وهي اللي راخية عضمك عن الجومة، حكم دي اعفش من المرض نفسه.
احتدت عينيه بإجفال وعدم تصديق، فالمغزى من كلماتها وصل إليه بإهانة مست كرامته، لينهض فجأة ويباغتها بالقبض على رسغها بعنف هادرًا:
– ايه يا بت اللي بتخربطي بيه ده؟ عجلك شرد منك؟ ولو نفسك تتربي من جديد، بتتنأوذي عليا يا كلبة.
– انا مش كلبة….
صاحت بها تنزع كفه عنها، لتنهض من جواره تسترسل بقهر:
– واهلي ربوني زين جوي، يعني مكنوش مستنينك تاخد الدور دا عنهم، اوعى تفتكر اني غبية ومش فاهمة باللي بيدور في مخك، بعد ما سمعت بوداني وفهمت اللي صايبك…..
تحركت تفاحة أدم داخل حلقه باضطراب يردد خلفها سائلًا:
– ايه هو اللي صايبني بجى؟ اتكلمي يا هدير انا سامعك.
تخصرت بوقفتها، بصمت زاد من تسرب الشك بداخله، وقد تأكد له الآن انها سمعت ما تفوه به من اعتراف في لحظة ضعف منه، قد يدفع ثمنها غاليًا الاَن.
– بجولك يا هدير، لو كنتي سمعتي……
قاطعة حاسمة:
– اسمع انت…… انا مايخصنيش اي شيء من اللي فات، انا يهمني اللي جاي…… من هنا ورايح، لا يمكن هسمحلك تهيني ولا تعايرني بفقر اهلي، ولا تمد يدك عليا حتى لو كان عصبية ومن غير جصد زي ما جولت، وبطني دي……
اشارت على الأخيرة، تربت بكفها عليها هادرة:
– مش هخليها تشيل منك تاني، لو كفك اتمدت عليا بنص ضربة، وان كنت مش عجباك يا واد الناس فديتها ساهلة جوي عند المأذون، وشوفلك انت عبدة تتحملك ولا دور احسن….. ع اللي تليج بيك، وبمجامك العالي….
انهت كلماتها وخرجت على الفور، تتركه محله تجمد مذهولًا، من اين أتتها الجرأة لتخاطبه بهذه الصورة وتتحداه؟ كيف انتقت كلماتها بهذه القوة كصفعات توجهها إليه؟ تنهد باستدراك ليعود برأسه للوسادة، وقد فطن اخيرا لغباء ما اوقع نفسه به، حينما غره الإعجاب والانبهار من ناحيتها، ليستغل بفرض سلطته وتطويعها بقسوة وكأنه ينتقم لنفسه منها، وقد غفل ان كثرة الضغط تولد الانفجار، وتكبر الصغير عن عمره الأصلي .
❈-❈-❈
وفي المحافظة وامام مبنى المركز الطبي المتخصص للنساء والولادة، توقف بسيارته ليلتف نحو الأثنتان مخاطبًا:
– ادينا وصلنا يا حلوين، عايزين نطمن ع العيال، ونشوف مين فيهم الأجوى وصحته أحسن؟
ضحكت زوجته تجاربه عن قصد من أجل فك جمود الأخرى:
– عيالي انا طبعا، انا باكل زي الوحش، عكس الغلبان واد اختك، دا بيطول منها اللجمة بالعافية، زي اللي عامل ريجيم.
استطاعت بدعابتها ان تستفزها:
– وه يا ست نادية، انتي هتطلعي على ولدي من دلوك انه مسلوع، طب النهاردة الاشاعة تبين عند الدكتورة، الفرق بين اللي ساكن فرداني، وبين اللي بيتعركوا ع اللجمة في بطنك…
عقبت نادية توافقها ضاحكة؛
– انتي بتجولي فيها، وربنا انا بحس كدة فعلا ، معتز في بطني كان مأدب، مش زي دول خالص…. شكلهم هيطلعوا متشردين
– شوف الولية.
غمغم بها غازي باستنكار يتابع بزهو:
– عيالي طالعين اشجيا زي ابوهم، خلي بالك من كلامك يا هانم انتي وهي، وياللا انزلوا خلينا نقضي مشوارنا، العيال مع نادرة اختي هيطلعوا عينها وهي مش كدهم ولا كد نصايبهم.
– اه والله عندك حق.
تمتمت بها بصوت خفيض وكأنها تحدث نفسها، متذكرة افعال الوسطى من ابناء زوجها والتي تتعمد مضايقتها بكل السبل منذ سفر والدتها مع زوجها.
ترجلت روح اولا من السيارة لتلفحها نسمة هواء باردة، طيرت قماش عبائتها والحجاب، لتعلق بمرح حقيقي وشعور لا تعرف له صفة يجعل قلبها ينبض بقوة غير مفهومة وكأن……. تحركت رأسها تجليها من افكار خيالية فهي تعلم من شقيقها انه مازال خارج المدينة، مختفيا عن الجميع، لتجعل كلماتها عن الطقس:
-الله ع الجو، نسمة جميلة رغم انها شديدة .
لتعقب على قولها نادية:
– هي فعلا جميلة سبحان الله، خليها تطري ع الخلق.
نزل من جهته غازي ليخبرهم:
– حلو عشان اخدكم بعد كدة ع الكورنيش، اهي تبجى فسحة بالمرة
هللت الاثنتان بابتهاج:
– الله عليك يا كبير، هو ده .
– تحبي جوي الفسح انتي يا ست روح.
– جوي جوي.
تبسم لها، ثم توجه لزوجته:
– وانتي يا ام الغايبين
– انا كمان شكلي حبيت الطلوع والفسح من ساعة ما اتجوزتك
قالتها بعفوية، تغفل عن تأثيرها عليه، حيث دوت طبول داخل صدره، حتى بدت على ملامحه، ليعبر عن سعادته لكن برزانة:
– ماشي يا بوي مدام فرحانين كدة، نكررها كل ما نيجي، بس نجضي مشوارنا دلوك.
قالها بعد اغلاقة للسيارة وما هم ان يتحرك خطوتين ليسبقهم حتى سفط على الأرض، على غير ارادته ودوي طلقات نارية صاخبة في الأجواء لا يعلم من أتت، ولكنها استقرت بصدره ، لتجعله بلا حول له ولا قوة يغمض عينيه بألم غير محتمل، مرافقًا لصراخ الاثنتين زوجته وشقيقته، قبل ان يركضن عليه، تجثو كل واحدة منهما على جانب منه، لتتلقفه حبيبته، وتضم رأسه الى صدرها
– جوم يا غازي، جوم يا حبيبي، متسبنيش الله يرضى عنك
– جوم يا خوي واسند ضهري متسبنيش يا ولد ابوي .
كل شيء كان يمر امامه كالحلم، صرخات النساء وهرولت الرجال، وتجمع مجموعة كبيرة من حوله، ولوعة الاحباب، هل هذه هي النهاية، بعد ان ذاق لذة الحياة اخيرا، يرحل، ليترك العديد من الارواح المعلقة من خلفه؟
بدأت الرؤية رويدا رويدا في الإنحسار ، لتخف الأصوات، وانفاسه تضعف، وقبل ان يذهب عن الوعي، أتى صوت من البعيد يخاطبه بخشونة:
– اصحى يا سبع، احنا مسكنا الاتنين اللي عملوها.
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات.
رمشت اجفانه بضعف، ليفتح عينيه للضوء القوي الذي اخترقها، يُبصر السقف الأبيض من فوقه، ثم دارت مقلتيه على باقي الأنحاء في الغرفة الغريبة، حتى توقفت عليها،
جسدها يهتز بدموع تسيل بغزارة، وكأنها تصلبت امامه بلا حراك، لا تصدق عودته اليها اخيرًا، فيطالعها هو بألم وهيئتها المزرية شقت قلبه،
حتى طال الصمت ليقطعه بتحريك شفتيه:
– انا رجعت خلاص، جدامد اها.
وكأنها كانت في انتظاره، ليذوب جبل الجليد فجأة ، فتنهض من محلها ترتمي بكليتها عليه تضمه من رأسه، ونشيج بكاءها يقطع نياط قلبه، تبكي وتبكي دون توقف.
حتى وصل صوتها للخارج، ليدلف على اثرها جمع من الأحباب، من ابناء عموته وشقيقاته، وأعمامه الاثنان، يامن وسعيد الذي سبق الجميع في الترحيب بعودته:
– حمد ع السلامة يا واد اخوي، مبروك رجعتك لينا من تاني.
اومأ له بجفنه ليكن هذا رده للجميع، حتى التقت عينيه بخاصتي رفيق دربه، وصديق الطفولة والشباب، يضم زوجته تحت جناحه بعدما عاد إليها في الوقت المناسب، ليخفف عنها في ضعفها، والتي دنت نحو شقيقها تقبله بلوعة:
– حبيبي يا واد ابوي، روحي اتردلتي بشوفتك
أهداها ابتسامة ضعيفة، ليلتفت بعد ذلك نحو الاخر والذي هتف يشاكسه
– حمد الله ع السلامة يا بطل، وحشتني الشتيمة منك يا ابو البنات.
غمغم له بسبة وقحة بتحريك الشفاه أثارت الضحكات من الجميع، برغم خجل النساء منها، ليتبعها العديد من الدعابات، مما أجبر طاقم التمريض النداء لصرفهم:
– يا اخونا….. يا اخونا…. ارجو الجميع يطلع برا، المريض تعبان ومش حمل الكلام.
استجاب معظمهم وغادر الغرفة، فلم يتبقى سواها لتهتف بغضب وعصبية، متشبثة بذراعه
– انا مش هسيب جوزي،
– يا ست غلط عليكي انتي حامل…..
– ملكيش دعوة، انا ادرى بمصلحتي، مش جايمة من هنا الا ورجلي على رجل جوزي
كان ردها عنيفا وحاسمًا، حتى اجبر الفتاة على تركها، لتثير اهتمامه، فيتطلع لها باندهاش، فخرج قولها اليه تطمئنه:
– متخافش ع العيال، انا واخدة بالي منهم كويس، دول هديتك الحلوة جويا، جوم انت بس واجف على رجليك يا حبيبي.
توسعت عينيه باستغراب للفظ الذي اكدت عليه بقولها بعد ذلك:
– ايوة حبيبي ودنيتي كلها، اصرخ بيها جدام الخلق عشان تصدجها؟……… وه ايه مالك؟
صدر سؤالها الاَخير، بعد ان انتبهت على تجعد ملامحه واغماض عينيه وكأنه يتألم من شيء ما، ولا تعلم ان هذا كان النتيجة الطبيعية لما اردفت به، كيف يجد الرد الاَن وقد انتقت ببلاهتها اضعف اوقاته للإعتراف، كم ود ان يكون واقفًا على قدميه الاَن ليعصر ضلوعها في ضمته ، كم ود ان يكافئ هذا الفم الذي نطق بها، بالعديد من القبلات، ليتها انتظرت قليلًا حتى يجد القوة لفعل أي شيء……
– غازي اروح اندهلك الدكتورة….
خرج صوته بصعوبة:
– تندهي مين؟ دا انتي دائي ودوائي……. دلوك بالذات اياك تجومي من جنبي…. جاية تقوليها وانا خلصان.
كادت ان تجادل، ولكنها استدركت لمغزى كلماته لتغزو ابتسامة صافية محياها، ثم تنهض وتباغته بطبع قبلة على وجنته، زادت من ذهول اختلط بغيظه، ليضغط بأسنانه على شفته السفلى بتوعد:
– ماشي يا نادية، بس أجوملك
وكان ردها ضحكة كبيرة مرددة بشقاوة:
– وانا هاخد فرصتي فيك لحد ما تجوم على حيلك
❈-❈-❈
اما في الخارج
داخل غرفة طبية أخرى،.في المشفى، وقد جاء بها إلى الطبيبة النسائية لتفحصها وترى حالة الجنين، بعد ساعات من الاجهاد والصراخ ، حتى مرور الأمر على خير الاَن.
– خير خير والحمد لله، حالة الجنين ممتازة، هي بس شوية تعليمات هنمشي عليها عشان ميحصلش حاجة لا قدر الله.
اردفت الطبيبة بالتعليمات والرد على استفسارتهم، ثم خرجت لمتابعة عملها، تاركة لهم الغرفة، يساعدها في ارتداء ملابسها، وقلبها الوجل مازال في حالة يرثى لها من وقت مفاجأتها بعودته:
– اتوحشتك جوي يا عارف، جلبي كان وجعني في بعدك عني .
طبع بقبلة على أعلى رأسها قبل ان يلف عليها الحجاب يتمتم لها:
– سلامة جلبك يا روح عارف، انا كمان كنت بتعذب اكتر منك.
ردت بدمعة سالت على وجننتها:
– طب وليه العذاب والهجر، كنت تعالي وعلمني الأدب على كيفك، انا جابلة منك اي عقاب، بس متبعدتش تاني حن عليك .
خارت قدميه لقولها، ولم تعد به قدرة على الصمود، لبضمها اليه بلوعة الإشتياق مرددًا،
– انتي اللي بتطلبي؟ دا انا روحي كانت معلجة، وما رجعت غير بشوفتك.
ظلت تبكي على صدره لفترة من الوقت، وهو لم يمل، كان يمسد بكفه على ظهرها وشعرها بحنو، حتى اذا هدأت تذكرت لتسأله:
– الا جولي صح يا عارف، عرفت ازاي تمسك العيال دي، وامتى جيت اصلًا؟
جلس بجوارها، يطرد دفعة كبيرة من الهواء بصدره، ليعود بذاكراته لموقع الحادث قبل ساعات
(( كان متوقفًا بسيارته على بعد مسافة ليست بالقريبة من مبنى المركز الطبي للطبيبة النسائية، فلم يقوى على منع نفسه من الاطمئنان عليها رغم تصميمه على البعد وعدم العدول عن قراره في العودة إليها الا بعد فترة ليست بالقليلة، ليتحذ موقعه وسط العديد من السيارات المصطفة في هذا المكان، يراقب دون ان يلفت النظر اليه.
حين ترجلت من السيارة وطير النسيم قماش عبائتها الراقية وحجابها، تبسمت لزوجة أخيها وحدثتها بمرح، بطلة ساحرة كادت ان توقف قلبه عن النبض، وتدفعه بقوة لأن يترك محله ويركض نحوها، يكسر عظامها بضمة قوية منه، تاركًا الخصام والعتاب الى غير رجعة، وليدعس كرامته تحت اقدامه من أجل الوصال بها.
كان يسبح بأفكاره وصراع ما بين كرامته وقلبه، حتى كاد ان يُغلب الاولى، لولا انتباهه لمرور سيارة غريبة في اتجاههم، يخرج من نافذتها رجل ملثم بسلاحه يصوبه بقصد ونية واضحة نحوهم، ارتجف قلبه بين ضلوعه، ليتناول سلاحه المرخص من الكمود امامه، وينتفص مترجلًا من سيارته، يركض خلفهما مصوبًا سلاحه نحوهم، وقبل ان تخرج طلقته نحو السياره ليعطلها، كانت رصاصة الغدر تخترق صدر ابن عمه ،تبعها واحدة أخرى قبل ان يتمكن هو من اسقاط السلاح بإصابة ناجحة بذراع المعتدي، ثم استمر بالتصويب نحو إطارات السيارة الخلفيه حتى سمع دوي صوت إنفجار الإطارات، وهي تتأرجح على الطريق بتموجات غير محسوبه، فتوقفت بوسط الطريق، ليخرج منها الملثمان يركضان للهرب، وهو خلفهما يلاحقهم حتى تمكن من اصابة قدم الاول والثاني كان ضحية الرجال الذين تمكنوا من امساكه، لينال نصيبه بالضرب المبرح.
بعد ان عرف بهوية الاثنين، تركهم بحوزة الرجال ليركض نحو ابن عمه من أجل أن يطمئن عليه وعلى النساء المرافقتين له، ثم ينقله للمشفى لنجدته، ويتابع عبر الهاتف تسليم المجرمين للشرطة، وقد وكل بالمهمة عدد من ابناء عمومته))
خرج ردها بصدمة بعدما قص عليها كل شيء:
– دول طلعوا مجرمين على حق، الست سليمة كان عند بعد بصيرة لما اصرت تبعد نادية وولدها عن البيت… اعوذ بالله…. دا مش بعيد كان خلصوا على معتز يا ساتر.
عقب بأسى:
– للأسف المجرمين دول كان فاضلهم يوم واحد ويسيبوا البلد، طلعوا جوازات سفر وباعو اثار بملايين، يطلعوا بيها بهوات، بس ربك بجى ، بيجيب اللطف مع البلاء، اهي بعد مصيبتهم دي، دا غير جضية ابن خالهم، جليل ان ماخدوا تأبيدة أو اعدام، خلى الفلوس ساعتها تنفعهم.
❈-❈-❈
والى فتنة، التي كانت شاردة في هذا الوقت بمشاعر غريبة عنها، لا تعرفها ان كانت قلق او خوف او شيء آخر، ولكنها بالفعل صدمت بعد معرفتها بما حدث لزوجها السابق ووالد اطفالها، من والدتها التي أخبرتها عن الحمية التي اصابت والدها وشقيقها بغرض الثأر له، لولا معرفتهم بالقبض على الجناة الحقيقين من قبل الشرطة
– سرحان في ايه يا جميل؟
استفاقت من شرودها لتبصره امامه، عائدًا من الخارج يتبتختر بملابسه الراقية، بصورة كانت تثير انبهارها في البداية، ولكن الاَن وقد طالت فترة بقائهم داخل الفندق بالقرية الشهيرة، يتسرب إليها شعور غير مريح.
– ايه يا قلبي؟ هو انا بكلمك عشان تسرحي مني من تاني؟ خلي بالك انا بغير.
قالها بفكاهه لم تستجب لها، لتجيب بكلمات مقصودة:
– هتغير من ايه يا صلاح؟ هو انا بلبس مايوه، زي الاجانب اللي بتسهر معاهم، دا انت ادرى الناس بمراتك.
وضع قدما فوق الأخرى يعقب بزهو:
– طبعا امال ايه؟ ما هو دا اللي عجبني فيكي الحشمة والعقل، وانا راجل شرقي ما يعجبنيش الحال المايل.
اومأت بهز رأسها تدعي الاقتناع، قبل ان تباغته بسؤالها:
– طب ولما هما حالهم مايل اللي بتسهر معاهم، متبعهم ليه؟ ما تبعد عنهم، ولا نرجع احسن، ايام العسل طالت وانت راجل عندك مصالح، ولا نسيتها ؟
اخفى سريعًا اضطرابه ليردف بتبرير:
– لا يا ستي منسيتش، بس يعني انا سايب مصالحي مع المساعدين، ولا انتي فاكراني بدير كل حاجة لوحدي؟
ردت تقارعه:
– وهي الناس اللي ماسكة وراك دي مش بتاخد التعليمات منك، اللي ما في مرة شوفتك بتكلم حد فيهم، دا جوزي الاول تليفونه مكانش بيهدى غير لما يفصل شحن.
انتفض يتصنع الغضب:
– ما تخلي عندك زوق يا فتنة، بتجيبي سيرة جوزك القديم قدامي، ناقص كمان تقارني ما بيني وبينه، انا خارج وسيبهالك.
قالها وبالفعل خرج يتركها بتخبطها لتتذكر بعد ذلك:
– عمل فيها مجموص، وبرضوا معطانيش الفيزا، انا مش عارفة والله، شغل ايه ده اللي يخلي السيولة غايبة دايما فيه.
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
وقد تحسنت حالته، لينقل داخل غرفة عادية، يتناول من زوجته الطعام الاَن حتى يقوم سريعًا من رقدته، ويستفيق لها كما يخبرها منذ اصابته والاعتراف منها.
وقد كان في هذا الوقت يستمع لحديث ابن عمه ورفيقه:
– طلعت غالي عند الكل يا كبير، البلد كلها كانت مجلوبة
امبارح، عيال عمك والعيلة اتجمعوا بسلاحهم، وكأنوا عايزين يروحوا يخلصوا على عيلة العيال دي في بلدهم، لولا عمك الشيح يامن منعهم، كان الدنيا ولعت بين البلدين.
غمغم غازي باستنكار
– يا ساتر يارب، هو احنا ناقصين، يا زين ما عمل عمي .
اضافت شقيقته هي الأخرى:
– ولا عمك سعيد كمان، انا مصدجتش لما شوفته بالسلاح هو وولده ناجي، دا كمان طلع مفاجأة.
– مهما حصل ما بينا الدم عمره ما يبجى مية.
قالها غازي ثم عاد يردد بمشاكسة نحو زوجته:
– ولا ايه يا ام العيال؟ يعجبك الكلام ده؟
رمقته بتحذير وابتسامة مستترة:
– ام العيال هممها صحتك دلوك، كُل وبعدها نتحدت
قالتها تضع بفمه معلقة ارز كبيرة مع قطع صغيرة من لحم الدجاج، ليمضها بفمه، ثم يذكرها:
– ايوة صح احنا نركزوا فيها دي.
اخفت ضحكتها بصعوبة مع اصطباغ بشرتها بحمرة الخجل التي تجعلهة شهية كقطعة الفراولة امامه، وشعور لذيذ مع بدء اندماجها معه، فتجعله ينسى الالم بل ويعشق رقدة المشفى التي جعلتها ملتصقة به، ولا تتركه ابدا .
اختطفه من احساسه الجميل صيحات عالية في الخارج، اصوات صاخبة مع شجار قبل ان يدلف اليه صديقه المجنون هاتفًا:
– حبيبي يا صاحبي ايه اللي حصلك، ان شالله عدوينك، كدة برضو معرفش غير بالصدفة.
قالها ليلقي بنفسه عليه يتفحصه جيدًا ويقبله على جانبي وجهه، دلفت خلفه ورد بخجل وارتباك، تصافحهم بأدب ليس بغريب عنها، قبل ان تتوجه الى غازي يحدثها دائما بأبوة:
– اهلا يا سيد عمك، عاملة انتي ايه بجى؟
اومأت رأسها بارتباك:
– زينة والحمد لله، عاملة ايه يا خالة يا نادية وانتي يا خالة روح .
تبادلن معها الحديث الودي، وانفرد يوسف بصديقه
– طمني عليك يا قلبي، كام رصاصة؟ ودخلوا فين،
عبس غازي يردد خلفه باستنكار:
– هو ايه اللي دخلو فين؟ ما تنجي الفاظك يا زفت.
– يا بني بطمن عليك، انتي هتدقق.
قالها واستقام يلقي التحية على البقية، فعقب عارف:
– امال ايه صوت الخناق اللي كنا سمعينه، جبل ما تدخل .
وقبل ان يجيبه تفاجأ بدفعة للباب الخارجي، يدلف منه
بسيوني بوجه مكفهر:
– سلام عليكم يا جماعة، عامل ايه يا غازي بيه؟
تلقى غازي تحيته بتوجس، فنظرته الحادة نحوه يوسف، غير مبشرة على الإطلاق.
تولى عارف مهمة السؤال:
– ايه يا عمنا اتت التاني، اللي يشوفك يقول خارج من خناقة، مش جاي تطمن على مريض.
– معلش يا عارف بيه، سامحني بس اعمل ايه بجى ف حرجة الدم؟
قالها بأسف ؤهو يتطلع نحو شقيقته التي انتابها الحرج بجوار السيدتين، لينهضن فجأة يسحبنها معهما باستئذان لمنع الحرج:
– طب احنا هنطلعوا برا، نشم هوا شوية.
قالتها روح ثم خرجت مع الاثنتين، لتخرج الشكوى من بسيوني:
– يعجبك كدة يا غازي بيه، يخطف البت ويسافر بيها ع الصعيد وبعدها يبلغني في التليفون زي الغريب، دا كلام يا ناس.
– يخطفها كيف يعني؟
غمغم بها غازي بعدم استيعاب، ليلتقطها الاخر مرددًا:
– اهو قالك اهو، اخطفها ازاي وهي مراتي اصلا؟
عشان تعرف بس يا غازي، تحكمات صاحبنا ده.
انفعل بسيوني:
– تحكمات ايه؟ البت يدوب مكتوب كتابها، لا اتعملها فرح ولا دخلت، يعني في مجام المخطوبين، دا بجى يديك الحق تسافر بيها من غير ما تبلغني؟
طالعه غازي بأعين متسائلة، فجاء رده بدفاعية:
– يا عم كنت بوصلها ع الكلية وساعتها اتصلت على تلفونك رد عليا عارف وعرفت باللي حصل، اقعد مكاني بقى من غير ما انزل واطمن عليك؟
– طب وتاخد البت معاك ليه؟ كنت نزلها تاخد تاكسي تروح كليتها، يا ترجع البيت .
– واسافر من غير مراتي، ما تحضرنا يا غازي انت ولا عارف واشهدوا الحق، الراجل ده حايش عني مراتي، ومش راضي يرجعها بيتها، انا ساكت وصابر، وهو اللي مش عاجبه.
استطاع بذكائه ان يقلب الطاولة نحو الاخر، فتتجه ابصار الاثنين نحوه بتساؤل، ليدافع هو الاخر عن موقفه:
– انا جولت هجوزهالوا بعد ما تخلص سنتها، هو اللي مجلجز ومطلع عيني بعمايله.
ردد يوسف بمسكتة :
– انا برضو اللي مطلع عينك؟ طب والنعمة الشريفة بيقف لي ع الواحدة، وخانفها ع البت لحد ما خست ، شفتوا شكلها بقى ازاي وهي متقطعة ما بينا، عايزة ترضيه وبتيجي عليا انا، طب تقدر تقولي هو محبكها علينا ليه؟ عايز اشهار،مستعد اعمل فرح يشهد عليه البلد كلها، ولو على رعايته انا مستعد اخليه في بيتي لحد ما ربنا يتم شفاه ، رغم انه بقى ما شاء الله زي ما انتوا شايفين .
تدخل عارف متعاطفًا:
– طب ما اهو مسهلها عليك يا بسيوني اها، ايه مانعك ؟ ما تيسرها عليهم وخلص.
– كداب يا عارف بيه، اللي بيجولك دا مضيق عليه ، البت مش عارفة تذاكر من رن تليفونه عليها، يعرف مواعيد اكلنا ويطب علينا فجأة عمري ما منعته.
تبسم غازي لمناكفات الاثنين وتبريراتهم الواهية، ليعقب بمرح:
– خلاص يا بسيوني، مدام مطفشك في عيشتك، اخلص منه واعمل فرحهم، هو انت ناجص وجع دماغ؟
تعرق الاخير، بعدما ابطلت جميع الحجج من قبل هذا الشيطان، والذي يدعي البرائة الاَن تارك الحكم لغازي والذي اضاف ليقنعه:
– وافج يا بسيوني وليك عليا اعملهم احلى ليلة في البلد، خلي الناس كلها تشهد على جوزاة اختك.
زاد عليه عارف:
– ونفرح بيه بالمرة، انا سمعت انه خطب الممرضة في مصر مش برضك اسمها مشيرة؟
اومأ له بقلة حيلة، فتابع عارف:
– خلاص يا سيدي، نعمل الفرحين في ليلة واحدة، انا عارف شجتك جاهزة وان كان على اختك امرها سهل……
– مش عايز منه حاجة، هو بس يجوزهالي
هتف بها يوسف ليمنع كل سبل الرفض، مضيقًا الخناق على الاخر والذي كان يبصره بحنق شديد ، وغازي وعارف يواصلان اقناعه.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى