رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أمل نصر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الرابع والعشرون
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الرابع والعشرون
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الرابعة والعشرون
يقود بحرص شديد، يجبر نفسه الا يزيد من السرعة التي يبتغيها حتى لا يلفت النظر نحوه من افراد بلدته الصغيرة من الأساس، سيقتله، لقد نوى وسيفعل، هذا الفاسد الذي اخطأ بحق نفسه والعائلة ف المرة السابقة حينما تركه ينفد دون عقاب، سينهي امره الاَن ولن يتركه يحيي ليوم اخر في تدمير شقيقته،
يقتله هو اولا ثم يأتي حسابها، هي وزوجته المصون بعدما اخفيا الأمر عنه، لقد كان حليمًا حين تركهم منذ قليل دون ان يعطي كل واحدة حقها في العقاب، ولكن لا بأس، ينهي مهمة هذا الفاسق الاَن، ثم يأتي دورهما
كان هذا الحديث الذي يدور بداخله اثناء قيادة السيارة في طريقه نحو الانتقام، والثأر لشقيقته وخراب حياتها
من ابن عمها بفضل هذا الرجل،
وصل الى المنطقة التي يعرف ان بها المنزل المقصود، يجهز نفسه لينال من هذا الوغد ، حتى لو اضطر ان يهجم عليه داخل منزله، ولكن وقبل ان يدخل جيدًا داخل الشارع المؤدي الى محل سكنه، تفاجأ بسيارة اسعاف تمر في الطريق المعاكس، وطيف صورته بداخلها من الخلف، ليضطر للتوقف، ثم سؤال أحد المارة ليستفسر منه:
– هي الإسعاف دي واخدة مين يا عم الحج؟
اجابه الرجل الخميسني:
– واخدة مرة عمر ولد عبد السلام، الله اعلم، بس شكلها عيانة جوي.
اومأ له بهز رأسه يصرفه بلطف، ليغمغم عقب ذهابه بتوعد:
– فلت منها النهاردة يا بن المركوب، لكن هتروح مني فين؟ لسة الأيام جاية بينا كتير .
❈-❈-❈
وبداخل السيارة .
كان المذكور بجوراها، ممسكًا بالكف البارد للمسكينة التي كادت ان تضيع منه منذ دقائق، لولا ستر الله ولحاق النجدة بها، يتمتم بتضرع ورجاء:
– يارب استر يارب، نجيها يارب هي والعيل…..
تطلع نحو الملاءة التي تغطي جسدها وقد تلونت ببقعة كبيرة من الدماء، ليصرخ بهلع نحو المرافقين له:
– ما تدوس بنزين وسرع يا عم انت، البنت دمها هيتصفى.
تجاهل السائق، ليتكفل رجل النجدة والذي كان يتولى تركيب المحلول المعلق بعجالة وقلق لحالة الفتاة:
– ما براحة يا عم، يعني هو هيطير بيها، بلاش توتر الله يرضى عنك وسيبنا نشوف شغلنا، البنت صغيرة وحرام اللي حاصل معاها ده.
رمقه بحدة غير متقبلا تدخله، حتى هم ان يعنفه، لكن سرعان ما استعاد توازنه، لاستدراكه لجلل الحادث،
فهي بالفعل صغيرة وقد جنى عليها هو بغباءه
❈-❈-❈
– جتلته يا غازي، اوعاك تكون عملتها الله يرضى عنك.
صرخت زوجته تستقبله بها فور ان ولج عائدًا الى المنزل، فهيئته في الذهاب كانت تدل على نيته بالفعل ،رغم كل المحايلات منهما عليه وترجيه بألا يفعل:
– ما ترد يا غازي، ساكت ليه؟.
زفر بدخان من حريق مازال مشتعلا بداخله، ليرمقها صامتًا بتجهم، قبل ان ينقل بأبصاره نحو شقيقته التي شق قلبه هيئتها المزرية، لقد كانت تشهق دون صوت، وكأنها يأست ولم تعد بها حيلة، تتوقع الأسوء بعد انهيار عالمها الجميل وذهاب حبيبها عنها، رق لمشهدها، ليتنهد بوجع ثم توجه كي يجلس بجوارها على الاريكة، يلتقطها بأحضانه، رغم غضبه منها، لكنه لم يحتمل ان يراها بهذه الصورة، وهي كانت كالغريق الذي يجاهد للنجاة داخل عمق المحيط.
– خلاص يا واد ابوي، انا دنيتي ادمرت وبجى عندي الموت اهون من اللي انا فيه دلوك، ياريت تخلص مني وترتاح، العيب فيا انا، مش في أي حد تاني، وانت متستهلش تروح في داهية عشان واحدة غبية زيي.
ربت بكفه على ظهرها يخاطبها بحنان:
– لما انتي غبية، امال مين الذكي في البلد دي كلها، هو بس المرة خانك زكائك.
وعلى عكس ما كان يبتغي في تهدئتها، زادت من النحيب تردف بندم:.
– ياريتني ما فكرت ولا كان ليا رأي اصلا، دماغي دي لو بتعرف تميز ، كان زماني متجوزة ومتهنية مع واد عمي بجالي سنين ، بدل ما انا فضلت معلجة في حبال الهوى اللي اتلفت على رقبتي في الاَخر، تخنجني بعد ما خلاص لجيت نفسي وعرفت انا عايز إيه.
من يراه في لحظة الغضب وهو يقسم بأغلظ الإيمان على قتل هذا الرجل المتسبب في كل ما يحدث الاَن، لا يصدق انه هو نفسه من يضم شقيقته ويهدهدها بحنو ، رغم غضبه من فعلتها.
هذا ما كان يدور برأسها الاَن، وهي تراقبهم من وقفتها، قبل ان تجلس وتتخذ مقعدها مقابلهم، وتلتقي سوداوتيها بثقابتيه، فيحدجها بنظرة مرعبة لا تخلو من اللوم.
❈-❈-❈
– بتلوم علي انا يا غازي، طب وانا إيه ذنبي؟
تمتمت بها بعدم تصديق ردًا عليه، بعدما فاجأها، بصحة ظنها، ليؤكد لها بتصميم:
– ايوة يا نادية، عشان كان لازم تجوليلي اول ما عرفتي بأمر المجنونة دي، مش تخبي لحد ما تطربح فوج راس الكل.
قالت بأسف ونبرة مهتزة:
– طب وانا كنت هعرف منين ان كل دا هيحصل؟ دا غير اني معرفتش منها غير على اخر لحظة، يعني حتى ما ملحجتش افكر.
ظل على وضعه يستمع الى مبررها دون رد، ليشيح بوجهه عنها في الاخير، برسالة واضحة لعدم اقتناعه، وتنفجر هي في البكاء.
– يعني في الاخر الموضوع كله اترد عليا……
ضرب كفيه ببعضها، يتمتم الاستغفار بعدم احتمال لإمور النساء في هذا الوقت، ليزفر طاردًا من صدره دفعة كثيفة من الهواء، ممسكًا بأطراف اصابعه اعلى أنفه، يغمض عينيه سريعًا بتعب، قبل ان يعود إليها ملطفًا:
– يا بت الناس انا مش عايز احملك ولا اجيب اللوم عليكي، انا كنت عايزك بس تكوني حكيمة وتعرفي التصرف الصح في موقف زي ده، اختي رغم انها اكبر منك، لكنها طايشة ومتمردة، عكسك انتي….
– عكسي انا ازاي يعني؟
قطبت تساله وقد استرعى انتباهها بقوله، ليجيبها موضحًا بتعب:
– انتي عاجلة يا نادية، عاجلة زيادة عن اللزوم، مش محتاجة دي تفسير ولا تحليل.
لماذا تشعر وكأن العبارة بها شيء لا يعجبها؟ وكأنه يقصد بها شيء آخر ؟
ظلت على نظرتها الساهمة نحوه، والشرود بالمقصود من خلف كلماته، حتى اجبرته لسؤالها:
– انتي سرحانة في ايه؟
استدركت تعود من شرودها، لتنكمش ملامحها بتذكر وتعاتبه:
– حتى لو كنت عاجلة، زي ما جولت، برضك متجيش عليا يا غازي، انا كمان زعلانة زيك واكتر….. يعني هي تطبطب عليها وانا تكشر في وشي…
قالت الأخيرة بنبرة باكية، أثارت داخله ابتسامة، ليضمها بحنو يراضيها:
– انتي ليكي غازي كله، مش بس الحضن يا بت هريدي.
ليشدد بذراعيه عليها حتى تستكين، مستمعة باحتوائه لها، رغم كل ما يحمله من عتاب نحوها به بعض الحق، وهذا لا يمنع من الراحة التي اصبحت تتخلل روحه حينما يلامس منها هذه الافعال التي تصرفه لبعض الوقت عما يحدث، حتى اذا عاد لواقعه، غمغم بضجر:
– والزفت ده اللي جافل تلفونه عني، ماشي يا عارف، حسابك عليا
❈-❈-❈
في المشفى التخصصي
وبداخل الغرقة التي استقرت بها، بعد الخروج من غرفة العمليات وتسوية الأمر بمعرفة الأطباء، مع سحب كمية من الدماء منه هو لإنقاذها
وقف امامها يطالع وجهها الذي اصفر بشدة، وقد كانت في هذا الوقت غافية من اثر التخدير، ليأخذ وقته في تأملها، لقد كبرت البنت لسنوات تزيد عن عمرها الحقيقي بفضله، ذهبت عنها خفة الطفولة التي كان يبغضها بها قبل الزواج، ثم تطويعها على يديه بعد ذلك، كم هو اناني وغبي، ليقطف زهرة جميلة، ثم يدفنها في غابة ظنونه وانانيته المفرطة، طالبًا منها ان تزهرها بالبراعم الصغيرة كي تخضر ويمتد اثره، وهو في الأصل لم يحاوطها بالرعاية او الاهتمام الذي تستحقه.
سالت منه دمعة نادرة مع تذكره بما خسره اليوم، ليسقط فوق الفراش الطبي وينضم بجوارها، يقبل رأسها بندم مغمغمًا:
– سامحيني يا هدير، انا جلبي كان معمي، والحجد هو اللي سايجني، عايز انتجم لسنين عمري اللي راحت مني في غربة مكنتش جدها، غربة سرجت عُمر الحجيجي، وحطت بدالها مسخ……
توقف يلتقط أنفاسه، ليواصل الحديث معها وهي غير واعية لشيء وكأنه يقص على نفسه ما لم يجرؤ على البوح به امام احد:
– كانت حلم عمري، وكنت عايزاها بكل جوارحي، بس في نفس الوجت مكنتش راضي عن حالي عشان اتجدملها ، رافض مبدأ ان ابجى اجل منها، سافرت مخصوص لغرض اني اللم المال اللي يجوي عضمي جدام ناسها، كنت بعمل اي شيء عشان اجمع واحوش اتعب وانجص من لجمتي، وعلى جلبي زي العسل، لحد ما جابلت الصحبة اياها، جماعة كانوا بيخنصروا من بضاعة الشغل بلطافة ويبيعوا ويجسموا على بعض، لما كشفتهم ، عرضوا عليا ابجى شريكهم، كنت عايز ارفض لكن الفلوس شجعتني، مرة ورا التانية لحد ما الموضوع انكشف، وساعتها لجيتهم بيشهدوا عليا، ويشيلوني الشيلة لوحدي، اتكلمت وشكيت عليهم، لكن للأسف كلها كانت بتكوم اعترافات عليا، بضعف حجتي جصادهم، ودخلت السجن…….
خرجت منه تنهيدة مثقلة بالوجع، تطوف بعقله الذكريات السوداء التي مر بها:
– مرارة الايام في سجن غريب، في بلد غريبة، زي العلجم في الحلج، اهانة واهدار كرامة، وجلة جيمة، كنت هعفن محبوس بالسنين هناك، لولا هو ظهر لي من تحت الأرض، كيف التعبان لف عليا، يقنعني بجوازي من صاحبة الشغل، اتاريها كانت حاطة عينها علي والله اعلم اللي تم معايا دا كان لعبة منهم، ولا هو غباء مني….. المهم اني وافجت، وخسرت نفسي، بيعتها للي اشترتني بفلوسها، وضاعت مني روحي…..
توقف برهة ليطبع قبلة على جبهتها، ثم يردف بدمعة ساخنة وهو يضم رأسها إليه:
– متضعيش انتي كمان، انا اكتر من كدة مش هتحمل، والله ما هتحمل.
ظل على وضعه حتى غلبه النوم، ليثقل جسده وتهدأ انفاسه، فتفتح هي عيناها اخيرا، بعد فترة طويلة من ادعاء النوم، تطالعه بنظرة جديدة، بعيدا عن تلك الحالمية التي كانت تسبح بها سابقًا، يبدو أنها كبرت بالفعل لتفهمه وتعرف السبب وراء عنفه معها.
حينما اشرق الصباح، انتفض الاثنان يستقيظان من نومهما على دفعة غاشمة لباب الغرفة وصيحة قوية من والدتها:
– عملت في بتي ايه يا عمر عشان تجري بيها ع المستشفيات في عز الليل من غير ما تبلغنا.
– عمل فيكي ايه يا بتي؟
تمتمت بها وهي تدنو منها، لتتفحصها بتمعن وانفاث لاهثة، فنهض هو يرفع نفسه عن التخت، بوجه متجهم دون أن يجيبها، ثم يستقبل بعيناه دلوف والدها وشقيقته جميلة التي ما أن رأته حتى تسائلت بقلق:
– ايه اللي حصل يا واد ابوي؟ جلوبنا اتخلعت من مكانها ، مش كنت تطمنا ع البت بدل ما نسمع من الغريب والناس اللي بتهول.
عقبت إجلال على قولها:
– تهويل ايه يا حبيبتي؟ ما هي باينة زي عين الشمس، اكيد هو اللي ضربها وسجطها، بتي ماشية من عندي زي الفل.
رمقها بتعجرف، غير متقبلًا للهجتها في الاتهام المباشر، حتى وان كان بالفعل مدان، ولكن؛ وقبل ان ينبت فمه بالانكار تفاجأ بردها:
– عمر معملش حاجة ياما، انا اللي اتكعبلت ودوخت ومحسيتش بنفسي، اما عمر …… فهو اللي نجدني.
توجهت في الأخيرة نحوه، ليتلقى ردها كصفعة مدوية على وجنته، تفيقه من غروره وخسته.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام التي كان يتناول عليها وجبة الافطار صباحًا مع شقيقته، غير منتبهًا بحديثها، ولا بأي شيء ، فقد كان عقله شاردًا بها، تلك التي زارها بالامس في منزل عائلتها، ليتلقى منهم ترحيب بحفاوة غير عادية، وكأنهم على علاقة به منذ نشأته.
اما هي فقد كانت كلماتها كنسمات الربيع، تلطف على القلب، لا يمل منها ولا يشبع، حتى حينما عرضت عليه ليتشارك معها الطعام، وهم ان يرفض، غلبته بردها:
– وحياة اغلى حاجة عندك ما تكسفني، انا نفسي يبقى في ما بينا عيش وملح.
ارتبك بحيرة ما بين الرفض كعادته مع اي دعوة يتقاها من أشخاص اغراب، وما بين ارضاءها والموافقة، لتضيف والدتها بمكر:
– ليكون لسة مستغربنا يا مشمش، ولا مبيحبش اكلنا، حكم دي نفوس يا بنتي.
على الفور كان رد للمرأة مصححًا:
– لا يا خالة ازاي بس؟ طب وربنا حاسس بألفة ما بينكم د، وكأني اعرفكم بجالي سنين مش اول مرة ادخله فيها.
تبسمت مشيرة بابتهاج لقوله:
– خلاص يبقى معندكش حجة بقى؟ ولا ناوي ترفض؟
بالطبع بعد كلماتها لم يقوى على الرفض، ليتقبل ويشاركهم الطعام المتواضع بشهية وكأنه هو الاخر، استطعمه قبل ذلك، غريب امر هذه العائلة وامر هذه الفتاة التي شغلت قلبه وعقله بالتفكير بها.
– الجرس بيرن، يوسف وصل.
هتفت بها شقيقته تجفله من شروده، قبل ان تنتفض من محلها وتسرع لتفتح باب الشقة لهذا السمج، ليدلف على الفور مرددًا:
– صباح الورد ع الورد، جهزتي الفطار ولا لسة؟
– جاهز، تعالي كُل على ما انا جهزت نفسي
تمتمت بها كرد له لتسبقه مهرولة نحو غرفتها، وتقدم هو نحو المائدة يسحب الكرسي ليجلس مقابله، يضع في فمه الطعام قبل ان يلقي نحوه التحية دون اهتمام:
– صباحك فل يا بوس، عامل ايه النهاردة بقى؟
تجمد بسيوني، يطالعه بغيظ شديد، وهو يتعامل معه بتباسط وعدم تكلف وكأنه من اهل المنزل، هذا الشاب ينوي ان يجلطه بأفعاله.
– ساكت ليه يا قلبي ؟ ما ترد .
زفر بسيوني يطرق بكف يده ليجيبه بنزق:
– وانت مالك بالكلام يا يوسف، خليك في الأكل، مش انت برضو جاي على لحم بطنك، وملجيتش وجت تشوج فيه ريجك زي كل يوم؟ ثم تعالي هنا، انا مش كذا مرة انبه عليك، بلاها من اسم الجلع الماسخ ده.
قابل يوسف حنقه ببساطة قائلًا:
– يا باشا، ما انا كل مرة بحاول اخد بالي، بس برجع تاني اندهك بيه من غير ما احس، ما هو دا من معزتي ليك برضو، كمان لو معايا مراتي، مش هتلاقيني بزعجك كل يوم، ما هو الطبيعي يعني، هصحى من نومي الاقيها حضرتلي الاكل والحمام، ههحتاج لإيه تاني بقى؟
سمع منه، ليقلب عينيه بسأم وضجر، متجنبًا الرد عليه، حتى لا يزيد عليه بجداله، اما يوسف والذي كان ياكل بنهم وشهية غير ابهًا بشيء، فلم يتوقف سوى بعد ان خرجت إليه، بلهفتها تخبره:
– انا خلصت خلاص، وجاهزة عشان امشي معاك ع الكلية.
تمتم لها بانبهار وعينيه تطوف على ما ترتديه من طقم خروج جديد:
– حلوو اوي يا ورد يجنن، كان قلبي حاسس انه هيليق عليكي، وكأنه متفصل عشانك مخصوص.
ردت بابتسامة فرحة بالجديد:
– هو فعلا جميل، انا كمان اتفاجأت بيه لما لبسته، مظبوط وتمام التمام.
– عشان تعرفي اني مغلطش ابدا في مقاسك.
قالها بمكر اخجلها لتطرق رأسها بحياء عنه، فجاء الرد من شقيقها المتفاجئ:
– هو انتوا بتتكلموا عن ايه بالظبط؟ لهو الطجم دا جديد يا بت؟ امتى جابه؟
خبئت ابتسامتها تجيبه بحرج :
– جابهولي امبارح.
هم ان يصب غضبه به، ولكن الاخر لم يعطيه الفرصة حينما نهض بغتة من جوراه، ليخاطبه بحزم لا يخلوا من لطف، يؤكد له بتملك:
– هي دي حاجة عيب يا ابو نسب؟ ولا انت ناسي انها مراتي؟…. حتى لو ع الورق، فهي ملزمة مني في اي حاجة تخضها.
بغضب شديد صار يحدجه بسهام مشتعلة، يقابلها هو بابتسامة مستفزة، ليهتف بعدم اكتراث:
– ياللا بينا يا ورد عشان اوصلك بعربيتي ع المحاضرة، مش عايزين زعل مع الدكاترة، عايزين نعدي السنادي بخير ولا ايه؟
قالها وتحركت معه بتردد، تستأذن من شقيقها الذي لم يرد، ليظل صامتًا، حتى خرجوا ، لطم بكفه على سطح المائدة بغيظ شديد:
– ماشي يا يوسف.
❈-❈-❈
وفي الجنوب وقد ولج منزله صباحًا، عائدًا من نوبته المسائية في العمل، ليتفاجأ بأصوات الصراخ والسباب الآتية من غرفة البنات، ليركض نحوها، فيجد امرأته ممسكًا بابنته الوسطى، تحاول ضربها والصغيرة تترجاها:
– انا هعرفك ازاي تردي عليا يا مضروبة الدم، انا هكسر عضمك النهاردة.
– ااي ياما حرام عليكي، سيبيني انا معملتش حاجة.
خطا على الفور ، ليفصل بينهم، جاعل جسده حاجزا امنًا للطفلة التي تشبثت بظهره تتحامى به من بطش الأخرى:
– ايه؟ ايه؟ خبر ايه؟ عملت ايه البت لدا كله يا شربات،
– عملها اسود ومزفت على دماغها، بتعصاني ومش سامعة الكلام، يبجى تاخد على دماغها عشان تتعدل.
عقبت الصغيرة
– والله يا بوي ما غلطت فيها، انا بس بجولها سبيني اذاكر، عندي امتحان الشهر بكرة، وهي مصممة اغسل معاها المواعين واساعدها في الطبيخ، طب ما تخليها يوم تاني.
– يوم تاني ولا تالت، مالك بالعلام؟ ما انتي اخرك بيت جوزك، ولا هي مياعة وخلاص..
نهرها فايز بغضب:
– المياعة انك تفتحي عينها من دلوك ع الكلام ده يا شربات، بتجولك وراي مذاكرة يبجى سبيها يمكن تفلح، بتهجمي عليها وهتموتيها في يدك.
– صرخت به:
– تموت ولا تغور في داهية، هتبجى اعز من اللي راح، انا سيبهالك وغايرة من الأوضة خالص، جلعها على كيفك، وخيبها هي التانية.
بصقت كلماتها وخرجت على الفور، ليزفر بتعب، ثم يلتف نحو ابنته التي صارت تبكي بندم وعتب:
– طب هي بتدعي عليا ليه؟ والله العظيم انا بحاول ارضيها دايما، بس كمان مينفعش اجصر في المذاكرة، مش عايزة مجاميعي تقل، واهز ثقة الاساتذة فيا .
قطب فايز عاقد حاجبيه باندهاش لجملتها الأخيرة، ليعقب مرددًا بتساؤل:
– تهز ثقتهم! ايه يا بتي الكلام الكبير ده، هو انتي في الكلية ولا بتطلعي من الاوائل؟
تهكم بالاخيرة ليأتيه الرد منها بتأكيد:
– ايوة يا بوي انا بطلع من الاوائل صح، والمدرسة كذا مرة تديني شهادات تقدير، حتى شوف….
قطعت لتخرج من الادراج عدد من الشهادات بالفعل، كان يقلب ويتأمل بها بعدم تصديق، ثم رفع رأسه اليها بحزن يسألها:
– انتي شاطرة كدة من الأول، امال ليه مكانش باين عليكي.
ابتسامة ضعيفة لاحت على وجه الصغيرة تجيبه:
– انا طول عمري زينة يا بوي في المدرسة، بس مكنتش بهتم، انما دلوك من ساعة اللي حاصل، انا بجيت حاطة همي كله في الدراسة، عايزة اطلع حاجة زينة واشرفك انت وامي يا بوي،
– يا جلب ابوكي
هتف بها ليجذبها فجأة، ويضمها إليه، يتأوه بلوعة، ليته اهتم بأطفاله سابقًا، ليته انتبه، ليجد منهم ما يسر قلبه وينير ظلمة نفسه البائسة:
– من هنا ورايح ليكي كل اللي تعوزيه، عشان تحججي اللي بتحلمي بيه، يوفقك يا نور عيني ويعطيكي من فضله، زي ما رطبتي على جلب ابوكي دلوك وخففتي حزنه.
❈-❈-❈
دلف الى غرفة شقيقته ،ليجدها مازالت متلحفة بالغطاء، وكأنها لم تنهض منذ الأمس، ليتجه نحو زوجته ويسألها
– هي مجامتش من الصبح.
نفت له بتحريك رأسها ، ليتابع بضيق:
– لتكون كمان مكلتش، معقولة يا نادية
ردت زوجته:
– والله شغالة معاها محايلة من الصبح، لكن اختك رأسها ناشفة كيف الحجر، مش جادرة عليها يا غازي.
– مش جادرة عليها…… دلوك تاكل غصب عنها حتى.
ردد بها، ثم خطا سريعًا ليجلس على الفراش بجوارها يهزهزها:
– رووووح، جومي يا بت كُل ليك لجمة، انتي يا بت .
تمكن في الأخيرة لينهضها جالسة بجذعها، فنهرته باعتراض:
– يا بوووي يا غازي، حد يجوم حد كدة .
رد بحزم وهو يسندها من ظهرها:
– ما انا معنديش مرارة للمحايلة يا بت ابوي، هاتي يا نادية.
تحركت الأخيرة على الفور تنفذ الأمر، لترفع صنية الطعام وتضعها على الفراش بجورهما، ناولته احد الاطباق قائلة:
– خد ده يا غازي، تاكلها بيضتين منه.
تناول واحدة ليقربها من فمها مردفًا:
– كُلي يا روح عشان العيل اللي في بطنك .
اشاحت بوجهها للناحية الأخرى برفض:
– لا مش عايزة، مادام ابوه طفش وسابني وانا حبلة فيه، ايه عازتي بيه؟
– استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم
تمتم بها ومن خلفه زوجته التي اعقبت كلماتها تنصحها:
– بلاش الكلام ده يا روح، انا عارفة انك مش جصداه، لكني اخاف ربنا يسمع منك ولا قدر الله يحصله حاجة، استهدي بالله وافتكري انه امانة الغالي عندك، يعني لازم تحافظي عليها.
استطاعت بمفرداتها البسيطة ان تؤثر بها، لتتراجع مغمغمة بالاستغفار بندم وأسف.
فعلها البسيط ارتد اثره على زوجها الذي غامت عينيه بالإعتزاز بها، ليضيف على قولها بدعابة:
– اهي جالتلك اهي ست العاجلين، حافظي على الامانة اللي عندك، عشان دا هو اللي هيجيبه مكفي على بوزو واسأليني انا.
خاطبته باستجداء، وقد داعبها الامل:
– صح يا غازي؟ يعني ممكن يحن ويرجع؟ انا نفسي حتى يرد عليا في التليفون، بدل ما هو ملوع جلبي كدة بالخوف والجلج عليه.
زفر يغمغم داخله بالسباب على هذا الأخرق، وقد سد امامه كل سبل العثور عليه، بغلق الهاتف؛ واخفاء مكان وجوده عن الجميع، ولكن الى متى سيقاوم ويصمم على رأيه؟
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
وبداخل منزل سعيد الدهشان، حيث، تم عقد القران واصبحت زوجته رسميًا، كان يقف مستندًا على سيارته، خارج المنزل، بحضور ابيها وشقيقها في انتظار ذهابها معه،
لتخرج إليه بعد لحظات في كامل زينتها، تتبختر خطواتها بزهو تنقل بابصارها نحو والدتها وزوجة أخيها وباقي نساء المنزل، الذين وقفوا يشاهدون مثل الجميع من الشرفة، العريس الذي يجذب الأبصار نحوه، رجل وسيم وراقي لم تحلم أي امرأة منهم بالوصول اليه، ينتظرها بحلة رمادية وكأنه خارج من مجلات الموضة،
ترفع رأسها بزهو وهي تودع ابيها وشقيقها، من كان يصدق، ان من نالت في بسببه الضرب والاهانة، يكن الاَن مصدر اعتزازها امام اهل البلدة والجميع.
– اشوف وشك بخير يا بوي، اشوف وشك بخير يا ناجي، هتوحشني يا غالي انت ومرتك
تبسم يرد عليها بامتعاض:
– متشوفيش عفش ، ربنا يعمر بيكي ان شاء الله، وما شوفش وشك تاني
غمغم الأخيرة بتحريك الشفاه فهمت عليه فتبسمت تغيظه:
– ههه حبيبي يا خوي.
رمقها بابتسامة صفراء، وهو يصافحها كما فعلت مع ابيها، ليبدو المشهد طبيعيا امام اهل البلدة، توديع ابنتهم مع عريسها الجديد، ثم تنضم معه داخل السيارة التي تحركت تطير بها في طريق السعادة التي ترسمها بعقلها:
– انا فرحانة جوي يا صلاح، النهاردة رفعت راسي بيك جدام الكل، عريس جيمة وسيمة، حاجة تشرف.
قبل ظهر كفها المحجوز بيده، ليبهرها بقوله:
– ولسة يا قلبي، دا انا هخليكي تكيد الكل بالسعادة اللي هتعيشي فيها، وهنبتدي من دلوقتي، انا حجزت اسبوعين في اجمد قرية في الغردقة، هنقضي احلى شهر عسل في الدنيا
هللت بمرح :
– الله يا صلاح، دي احلى مفاجأة حصلتلي.
– ولسة .
قال يزيد عليها الشغف مستسرلًا:
– محضرلك بروجرام هايل، بس انا كنت عايز أسألك، هو انتي جيبتي كل الشنط بتاعتك ولا سيبتي حاجات في بيت والدك
ردت على الفور بتأكيد:
– مش كله طبعا، انا جيبت اللبس اللي يناسب المرحلة الجديدة معاك، غير كدة كله رميته.
اومأ رأسه يدعي التفهم، قبل ان يردف بتساؤله:
– على كدة بقى سيبتي دهبك كمان، وكل الحاجات العينيه ..
رددت بغباء منقطع النظير:
– وايه دخل دهبي باللبس؟ دي حاجتي اللي لا يمكن اتحرك من غيرها، صندوقي ميسبنيش ولا حاجة منه تتوه عن عيني، ان كان دهب ولا فلوس، ولا حتى فيزة حسابي في البنك .
سألها ببراءة:
– أيه ده؟ انتي عندك حساب في البنك
– اه امال ايه؟ انا بت سعيد الدهشان، يعني اجيب اللي انا عايزاه من غير ما اطلب من حد .
سمع منها ليلتف إليها بابتسامة بعرض وجهه، ثم يرفع كفها ويقبلها مرة ثانية:
– شاطرة يا قلبي، انا كنت عارف من الاول ان دماغك الماظ.
❈-❈-❈
وعلى أطراف إحدى حدائق الفاكهة، وقد كان يتابع مع المهندس المختص حال العمل بها، تفاجأ بالسيارة البيضاء تمر من جواره ببطء، ليتأكد من هوية المذكورة زوجته السابقة، بجوار الزوج الجديد، تطالعه بتحدي ظنا منها انها تغيظه، ليهديها ابتسامة هازئة، قبل ان يباشر ما يفعله، ثم دوى الهاتف برقم جديد، وفور ان فتح ليرد فيعلم هوية المتصل، صرف الشاب ، ليغمغم فمه السباب القبيح وغير القبيح.
– اه يا……. دي عملة تعملها يا زفت، انت عيل ياض عشان تختفي وتجول عدولي .
– دا الصح يا غازي، انت لو مكاني كنت هتعمل ايه؟
-،اعمل اللي اعمله يا سيدي، لكن مغيبش كدة، البت عرفت غلطها وهتموت من الجهرة، هتشك فيها وانت مرببيها على يدك يا غبي.
– مهما وصفت ولا جولت لا يمكن هتحس باللي جوايا عشان انت مش في الموقف يا غازي، انا كان لازم ابعد عشان مأذيهاش وأذي نفسي، المهم دلوك طمني عليها.
– وليك عين تسأل كمان، اسمع يا عارف، انت تاجي يا تعرفني طريقك، وليك عليا ان اخليها تراضيك باللي تحكم بيه…..
– سامحني يا غازي، بس انا لازم اجفل دلوك،
– تجفل فين؟ استنى يا زفت.
❈-❈-❈
وفي جهة أخرى
بالتحديد على إحدى الشواطئ، في منطقة خالية تقريبًا من السكان، كان هذا الشاب جالسًا على احد الأحجار الضخمة، واضعًا سنارة الصيد في البحر، يدندن بأغنية من الفلكلور المتوارث عبر الاجيال، كتسلية وقتية حتى يلتقط الطعم ضحيته،
اه يا بت جملك هبشني، والهبشة جات ف العباية.
رمان خدك دهنشني…..
وه، هو صح كان بيجول رمان خدك، ولا رمان……..
– مشيها خدك ياض، بدل ما تخربط..
هتف بها سند يفاجأ ابن خالته، والذي التف إليه مجفلًا:
– وه يا زفت، مش تدي اشارة ولا تنبهني بل ما تدخل هجم كدة وتخض الناس .
قهقه الاخير لينضم بجواره معلقًا:
– ناس مين يا ابو ناس، هو في حد غيرنا هنا، ولا انت مكسوف ما تجول اني خلعتك؟
عبس عيسى، ليرتفع طرف شفته بضيق قائلًا:
– دمك خفيف يا جدع، شكلك رايج وجاي تروج عليا .
اعتدل سند في جلسته يرد بانبساط:
– ومروجش ليه؟ ما خلاص فرجت، واللي بنحلم بيه، خلاص على وشك.
– على وشك كيف يعني؟
سأله باهتمام، ليرد الاخير:
– انا جاي ابشرك يا غالي، الباسبورارت جهزت والسفر خلال أيام يا برنس.
القي عيسى السنارة من يده ليرد بعدم تصديق:
– بتتكلم جد يا سند ولا دي نمرة منك؟
قهقه الاخير، ليخرج هاتفه ثم يعدل وضع الشاشة امام عينيه مردفًا:
– بص واتأكد بنفسك، الوسيط اللي ما بينا وبين الراس الكبيرة، بعتلي صورهم زي ما انت شايف، وبلغني ان السفر جريب جوي، وحق التماثيل هيوصلنا جبل ما نسافر،
شاهد سند مظهر الفرحة على وجه ابن خالته، ليتابع:
– بس جبل دا كله، لازم شرط بسيط يتنفذ.
رد عيسى بحماس شديد:
– شرط ايه بالظبط؟ خلينا نخلص يا سند.
ابتسامة شيطانية لاحت بجانب فم المذكور، وهو يجيبه بمغزى:
– هي حاجة تبان واعرة، بس في الحجيجة هي هتطفي نارنا احنا جبل الكل، هنفذوا عشان الجميع يرتاح، وبعدها نسافر ومنرجعش هنا غير واحنا بشوات، لا علينا جضايا ولا اي شيء، كله بالفلوس هيتحل.
وكأنه فهم عليه، رد عيسى بموافقة:
– لو جصدك ع اللي في باللي، ف انا موافج بالجوي…….!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))