رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الحادي والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الحادي والخمسون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الحادية والخمسون
ج٢–٥ -” حلم طال إنتظاره ”
فتلك الدموع التي ذرفها في جنازة عمه ، لم تكن دموع حزن على فراقه ، بل لأنه ذهب مساء أمس إلى ذلك المشفى الذي انتقلت إليه ياسمين بعد الحادث ، وبسؤال الممرضة عن الفتاة التي كانت تقيم بغرفة العناية الفائقة أخبرته أنها توفيت في الصباح ، ولا يزال يتذكر كيف كان حاله بعد أن تلقى نبأ وفاة حبيبته التى لم تكن تعلم بوجود حبيب مغرم بها ، وتمنى منها نظرة واحدة ، فكأن أحدهم شق صـ ـدره و سحب قلبه وضغطه بقوة حتى نزفت آخر قطرة دم منه ، ولم يعد قادرًا على ضخ الدم بعروقه مرة أخرى.
كم كان هذا الشعور بفقدان الحبيب قاسياً ، إلا أنه شعر الآن بفداحة أفعاله مع أخته وزو جها ، وهو الذي استنكر بكائها وحرصها على رؤيته ولو لثوانٍ معدودة عندما أمرها بتركه ، فهو الآن يتجرع من كأس الألم ، وربما هى لديها فرصة لعودة زو جها ، أم هو فلن يكون قادرًا على رؤية حبيبته ، فدوى صوت بكاءه لتذكره بأنه فقد حبه الأول قبل أن يرى النور، على الرغم من يقينه بأنه كان حب مستحيل ، ولكن كانت روحه البائسة تبحث عن أي حل أو مخرج للعيش بالقرب منها
– أنت بتتكلم عن مين يا ديفيد ومين ياسمين مش فاهمة منك حاجة
قالت حياء بتعجب من حاله وقوله ، وعلى الرغم من شعورها بالضيق منه ، إلا أن ذلك لم يمنعها من الجلوس بجانبه ، فما أن مدت يـ ـدها لتربت عليه ، وجدته يلقى برأ سه على كتفها ليكمل بكاءه ، فأرتجفت حياء لا إرادياً ، فتلك هى المرة الأولى لها ، التى تسرع بتخفيف الضيق عن شقيقها ، على الرغم من حذرها بالتعامل معه ، كأنها بعض الأحيان تنسى بأنه شقيقها ، ويرجع ذلك لإختلاف عقائدهما ، وشعورها بأنها إذا أقتربت منه ستقترف ذنباً
فرد ديفيد قائلاً بصوت متحشرج :
– دى بنت شوفتها وحبيتها يا حياء كنت مستعد أعمل أى حاجة علشان أقرب منها حتى أن أعتنق الإسلام ، بس هو حرمنى منها زى ما حرمك من جو زك ودمر حياتنا إحنا التلاتة حتى بنته عانت من جبروته لما حرمها من حبيبها ، أنا مش قادر أقعد فى إسكندرية تانى أنا هرجع صقلية ولو عايزة تعالى معايا أنتى وبيرى ، محدش هيفهم الوجـ ـع اللى إحنا التلاتة فيه غيرنا
لم تفعل شئ سوى تطويق كتفيه وبكت على بكاءه ، فكلاهما يبكيان على أطلال ذلك العشق ، الذى تم حرمانهما منه قبل أن ينعمان به ، ولكنها لن تستطيع أن تغادر البلاد ، فهى تأمل أن يعود إليها حبيبها بالقريب العاجل
فإبتعدت عنه وجففت وجنتيها وردت قائلة بهدوء:
– أنا مش هقدر أسافر يا ديفيد ، مقدرش أسيب إسكندرية ، أنا حياتى كلها هنا حتى لو مكنش راسل معايا ، بس مقدرش أسيب أى مكان فيه ذكرى جمعتنى بيه ، جايز فى يوم يرجع تانى ونتعاتب ، على الرغم من أن زعلانة منه على اللى عمله من غير تفكير ، بس مستنية اللحظة اللى يرجع فيها وأشوفه تانى واقف قصاد عيني
أسند ديفيد ظـ ـهره للأريكة وأعاد رأ سه للخلف وحدق بالسقف ، ومازالت عيـ ـناه تفيض بالدموع ، فحتى وإن كانت شقيقته أو إبنة عمه سترفضان السفر معه ، سيغادر هو لصقلية بأقرب وقت متاح لديه ، فإن طالت إقامته هنا ستزيد ألامه وجراحه ، لذلك يجب عليه أن يرحل عن الإسكندرية
رآى شقيقته تهم بالمغادرة ، فأصر على إيصالها لمنزل والد زو جها ، قاد سيارته حتى وصل لمنزل رياض النعمانى ، وظنت حياء أنه سيغادر ما أن يقوم بتوصيلها للمنزل ، ولكنه ترجل من السيارة وأصر على مقابلة رياض ، وتعجبت حياء من إصراره بمطلبه ، ولكنها دعته للدخول
فوصلا لغرفة المعيشة التى يتخذها رياض مجلساً له لمقابلة ضيوفه وزائريه ، رفع عيـ ـناه ورآى ديفيد يأتى خلف حياء ، فقطب حاجبيه وعصفت ملامح الضيق وجـ ـهه ، إلا أنه لم يفه بكلمة ، فتقدم منه ديفيد حتى جلس على أحد المقاعد القريبة منه ، وأنتظر رياض أن يبدأ حديثه ، إلا أنه وجده جالساً يفرك يديه بتوتر وإرتباك
فخرج أخيراً عن صمته وهو يقول بندم :
– رياض باشا أنا جيت علشان أعتذر لك على كل حاجة حصلت منى فى حق راسل او حق حياء أو اى حد منكم ، عارف أن أسفى وندمى مش هيفيدوا بحاجة ، بس أنا كمان كنت مخدوع وأنضحك عليا من صغرى ، عارف أنك ممكن متكونش طايق تبص فى وشى وليك عذرك ، بس محبتش أمشى قبل ما أقول كل اللى عندى وأن عمى أدريانو هو السبب فى قتل بابا وماما واخواتى وكمان قتل ابنك وجدى ومراد الزناتى وهو اللى وقع العيلتين فى بعض وأنا بعت ايلين المزيفة علشان تنقلى اخبارك ده غير ان عذبت راسل فى السجن فى إيطاليا ، وأنا راضى بأى حكم هتقوله خلاص حياتى مبقتش همانى ولا فارقة معايا
إنتظر ديفيد ثورة رياض أو حياء بعد ما سمعاه منه ولكنهما جالسان بهدوء ولا يبدو على محياهما التأثر بما قاله ، فأزاحت حياء يـ ـدها عن وجنتها وردت قائلة بهدوء:
– إحنا عارفين كل اللى بتقوله ده يا ديفيد ، عارفين من ساعة ما انا رجعت معاك من تايلاند وسمعت ادريانو كان بيتكلم مع حد على موت وجدى ومراد و أهلنا وانه بس سايبنا علشان كل الأملاك بإسمنا وفى حال إحنا اتقتلنا ومومتناش موتة طبيعية كل الأملاك هتضيع عليه ، علشان كده مقدرش يعمل فينا حاجة كان بس بيهددنا بكلامه علشان نخاف ، بس أنا لما عرفت قولت لعمى رياض على كل حاجة ، وكمان كنا متفقين مع الشرطة علشان نوقعه ، وفى ظابط قابلته وهو اللى عرض عليا أن أوقع أدريانو وكنت بشتغل معاه وأنت سهلت الموضوع أكتر لما روحت وسلمت التسجيلات والأدلة اللى تدين أدريانو وكمان انقذت نفسك لأن انت كمان كان ممكن يتقبض عليك ، لأن الظابط كان مفكر أنك دراعه اليمين وهتمسك المافيا من بعده ، فلما أنت اللى ساعدت الشرطة بالتسجيلات ، ضمنت سلامتك وسابوك
رفع ديفيد حاجبيه تزامناً مع فتح فمه بإندهاش ، فشقيقته على علم ودراية بكل شئ منذ البداية ، وهو من كان يظن بأنها ستصاب بصاعقة لعلمها بكل تلك الحقائق ، فهى تعلم كل شئ عن مقتل والديهما وأشقاءهما ، بل قبل علمه هو بهذا الأمر ، ولم تكتفى بذلك بل تحالفت مع والد زو جها على أن يثأرا من أدريانو ، فكم يشعر هو الآن بالغباء وأنه ضيق الأفق ، لظنه بأن شقيقته ما كانت إلا فتاة مغلوبة على أمرها ، وأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها أو زو جها لخوفها من بطش أدريانو ، ولكنها كانت بالحقيقة تحيك لهما مفاجأة ، كان سينال هو منها نصيبه ، لولا أن ثار قلبه فجأة لعلمه بما لاقته محبوبته ورغب فى الثأر لها
رمق ديفيد شقيقته وقال بصوت حانى :
– أنا دلوقتى مش خايف عليكى يا حياء ، لو أنا سافرت
نظر رياض لحياء ومن ثم نظر لديفيد قائلاً بإصرار وتشجيع لزو جة ولده :
– حياء ميتخافش عليها وهى بـ ١٠٠ راجل ، وأنت متخافش ولا تقلق عليها دى دلوقتى مدام حياء راسل النعمانى ، اللى هيتعملها ألف حساب من كبير وصغير وخصوصاً لما تبدأ تدير شركات النعمانى مع عاصم ، لأن مفيش حاجة تنسى الواحد همومه غير الشغل ، وحياء ذكية وإسمها هيلمع فى عالم البيزنس ، مش كده يا حياء
أماءت حياء برأسها بهدوء ، فرياض أتخذ ذلك القرار ، رغـ ـبة منه فى أن تترك حزنها جانباً ، لعل العمل يلهيها عن التفكير بما حدث لها مؤخراً ، على الرغم من عدم يقينه بأن حيلته تلك ستفلح بجعلها تنسى حزنها مؤقتاً ، حتى يعثر على ولده الهارب
فقال ديفيد بإعجاب :
– فعلاً كلامك صح يا رياض باشا ، حياء أختى ميتخافش عليها
فهو أيقن الآن مدلول حديثها له ذات مرة بأنها ليست ضعيفة أو تفتقر إلى الحيلة ، بل أنها قادرة على فعل ما يعجز عقله عن إستيعابه وكل هذا من أجل ذلك الرجل ، الذى وقعت بعشقه ، ونصبت نفسها حارسة له ولإبنته ، بل كانت جيشه الوحيد ضد تلك المؤامرات التى كانت تحاك له بالخفاء ، ولكن ماذا نالت بالنهاية سوى أنها باتت بمفردها تواجه حزنها ويأسها ، ولكنه متيقناً أن من تفعل كل هذا من أجل أن تجعل أسرتها بمأمن من المكائد قادرة على تجاوز محنتها ، بل ستصبح أقوى من ذى قبل ، خاصة أنها الآن تعيش بكنف رياض النعمانى ، وهو من أشتهر عنه قوة الذكاء والحكمة وتخطى الصعاب ، فهو لن يخشى ترك شقيقته هنا إذا سافر لصقلية ، فهى ستكون أمنة بمنزل والد زو جها ، بل ربما إذا عاد للإسكندرية مرة أخرى ، سيجد شقيقته صارت من فتاة رقيقة ، لإمرأة قوية تجعل الجميع يحاذر بمعاملته لها خشية من غضبها وشراستها
❈-❈-❈
ألحت عليه صغيرته بأن يصفف لها شعرها قبل خروجهم لتلك النزهة التى وعدها إياها صباح اليوم ، فبعد أن ألبستها وفاء ثوبها الجميل المغطى بنقوش ورود حمراء نافسته وجنتيها بالإحمرار ، أصرت أن من سيصفف لها شعرها هو أباها مثلما كان يفعل من حين لأخر قبل مجئ حياء ، فوضعت فرشاة الشعر بيـ ـده وجلست أمامه بطاعة ، كانت الفرشاة تجرى بين خصيلاتها الحريرية بسهولة ويسر ، يمنحها قبـ ـلة على وجنتها أو رأ سها من حين لأخر ، فعشقه لإبنته فريد من نوعه ، لا يشبه أى رابط من تلك الروابط الإنسانية التى تربطه بالمحيطين حوله ، والوحيدة التى إستطاعت منافستها بهذا العشق هى حياء ، فكأن كل منهما ملكت وريد من أوردة قلبه ، فإن كان نصف قلبه مازال حياً بوجود سجود قريبة منه ، فنصفه الأخر بطور الإحتضار
أنتهى سريعاً من لملمة خصيلات سجود ، وقال باسماً:
– خلاص يا سيجو خلصنا يلا بينا
تعلقت يـ ـد الصغيرة بيـ ـده ، فلم يكتفى بذلك ، بل أنحنى إليها وحملها وخرج بها من غرفته وهبطا الدرج ووجدا وفاء بإنتظارهما للخروج لتلك النزهة ، المتمثلة بالذهاب للسينما ومدينة الألعاب وتناول العشاء بأحد المطاعم الفاخرة
بعد إنقضاء وقتهم بالسينما ومدينة الألعاب وحان تناول العشاء ، إصطحبهما راسل للمطعم ، وجلسوا على إحدى الطاولات ، وما أن رفع رأ سه ورأى تلك النادلة الحسناء ، إمتقع وجـ ـهه على الفور ، فما ذلك الحظ التعيس ، الذى يجعله يرى تلك الفتاة بكل مكان يذهب إليه
فأسرعت ساندرا بالإقتراب من الطاولة وإبتسمت قائلة بترحيب :
– أهلا راسل ، ماذا تريدون من أجل العشاء؟
قطبت وفاء حاجبيها عن سبب علم تلك الفتاة بإسم راسل ، إلا أنها لم تملك الوقت الكافى لسؤاله ، إذا أسرع بإخبارها بأصناف الطعام التى يريدونها وذهبت على الفور
فنفخ بضيق أنتبهت عليه وفاء ونظرت إليه بتمعن وتساءلت :
– هى البنت دى تعرفك منين يا راسل ؟
دلك راسل جبهته كأنه شعر بصداع مفاجئ ورد قائلاً ببرود :
– ماهى دى البنت اللى حكيتلك عليها انها دخلت البيت وافتكرتها حرامى وضربتها فى وشها
أماءت وفاء بهدوء وسرعان ما جاءهم الطعام ، فلاحظت أنه يتناول طعام بعجالة ، كأنه يريد الذهاب من المكان بسرعة ، وعندما رفعت عيـ ـنيها وجدت تلك الفتاة تحدق به وهى تبتسم ، بل أنها ظلت طوال جلستهم تطارده بعيـ ـناها ، لذلك لم تبدى إعتراضاً عندما أخبرها راسل بضرورة العودة للمنزل
وصلوا للمنزل وحمل راسل سجود التى غفت بنومها أثناء عودتهم ، فوضعها بالفراش وهبط الدرج ووصل للحديقة ، وبعد عشر دقائق تقريباً وجد وفاء تخرج إليه تحمل قدحان من القهوة ، فأخذه منها وأمتن لصنيعها لكونه كان بحاجة لها
جلست وفاء قبالته على المقعد الخيزرانى ، إرتشفت من قهوتها ونظرت إليه قائلة بهدوء :
– راسل مش ناوى بقى تقولى على اللى حصل ، أظن انا سيبتك وقت كافى ، ودلوقتى لازم نتكلم
تنهد راسل بعمق وبدأ يقص عليها ما علمه عن حياء وعائلتها وغضبه المستعر منها لإخفاء الأمر عنه ومراوغتها له وأخبرها أيضاً بأمر تلك الفتاة التى أدعت كونها إيلين النعمانى ، فتركته وفاء يكمل حديثه للنهاية وبعد أن أنتهى من سرد أسبابه
وضعت وفاء قدح القهوة من يـ ـدها ونظرت إليه بتفحص وقالت بصدق :
– يعنى علشان حوار سمعته أصدرت حكمك على مراتك وقررت تهرب من غير ما تواجهها وتعرف الحقيقة وتعرف أسبابها إيه ، وده يبقى تصرف ناس عاقلين وطبعيين يا راسل ؟ ليه مواجهتهاش وسمعت منها
إرتجاف يـ ـده الحاملة لقدح القهوة ، دليلاً واضحاً على أن الصراع الدائر بخلده ، ربما حان الوقت لأن يطفو على سطح لسانه ، فإلى متى سيظل يرجئ تلك المواجهة مع والدته
رد راسل قائلاً بإبتسامة ساخرة :
– ومين قالك إن أنا طبيعى يا ماما ، أنا مفيش حاجة فى حياتى مشيت طبيعى للنهاية من أول ما فتحت عينى على الدنيا دى وانا مشوفتش حاجة عدلة ، مع أن اللى يشوف الظاهر يقول اه ده دكتور مشهور وجراح شاطر وإبن أغنى أغنياء إسكندرية ومن أكبر عائلات الأثرياء ، بس الواقع والحقيقة أنا وأنتى عارفينها كويس ، وبالنسبة لمواجهتى لحياء صدقينى مكنش عندى طاقة أن أواجهها أو أواجه أى حاجة فى الفترة دى ، عارفة إحساس إن طاقتك خلصت حتى مش قادرة تجادلى ولا تناقشى وبتبقى بس عايزة تهربى ، هو ده كان إحساسى وقتها ، مكنش فى طاقة ولا صبر ولا حتى إن أخد وأدى مع حد فى الكلام ، أنا يا ماما بنى ادم لحم ودم ومش حجر ولا ملاك علشان كل مرة هقع فيها أحاول أنسى وأكمل بعديها ، عارف ومتأكد أن أخدت خطوة غلط ، بس صدقينى مقدرتش وعارف أن ده ضعف منى ، بس هى دى حالتى حالياً ، أنا واحد غيرى كان بعد كل اللى حصله فى حياته كان هيبقى مكانه الطبيعى فى مصح نفسى من كتر العقد والصدمات اللى فى حياته ، نفسى يا ماما اصحى من النوم الاقينى فقدت الذاكرة ومش فاكر حاجة ، وكمان فى سبب تانى بحاول أداريه ومفكرش فيه وأفتكرت أن ممكن أكون غلطان فى تفكيرى بس للأسف طلع صح
لم تفهم وفاء ما يعنيه بخاتمة حديثه ، فتقطيبة حاجبيها انبأته أنها بحاجة لأن يستفيض بشرحه عن ذلك الأمر الذى لم يخبرها به ، فعلقت عيناه بالنظر لإحدى الشجيرات وقال بنبرة مغلفة بحقد أسود نابع من تذكره لتلك المأساة التى عانى منها بإيطاليا :
– عايزة تعرفى أنا أقصد إيه يا ماما ، أنا هقولك ، قصدى أن للأسف عرفت أن أخو حياء هو اللى عذبنى فى السجن فى إيطاليا ، وأنه هو اللى كان عايز يقتلنى من كتر التعذيب ، وعرفت أن هو بأتفه الأسباب ، لما سمعته بيتكلم فى التليفون بالإيطالى وبيشتم نفس الشتايم اللى كان بيقولهالى ، فضل الصوت يرن فى ودنى وفكرنى بكل اللى حصلى هناك ، وإزاى مكانش بيشفق عليا ويوصلنى لحافة الموت ، ولما يسيبنى علشان يعالجوا جروحى ، مكنش بيصبر أن جروحى تلم وتخف ، لاء كان بيكمل فيا تعذيب ويفتح جروحى من جديد ، كل وسائل التعذيب البشعة اللى لسه سايبة أثرها فى روحى قبل جسمى لحد دلوقتى ، والمصيبة كمان عرفت أن حياء عارفة بالموضوع ده ومقلتش وأنا بس اللى كنت بتمنى أشوف اللى عمل فيا كده علشان أدوقه من اللى أنا دوقته ، بس علشان خاطرها هى بعدت ، عارف أن ملهاش ذنب ، بس علشان متبقاش واقعة بين نارين ، مكنتش هقدر كل ما أبص فى وشها أفتكر اللى عمله أخوها فيا ، محبتش أن أاذيها من غير ما أحس ، وخصوصاً أن اللى حصلى فى إيطاليا كان أبشع شئ مر فى حياتى كلها
طالعته بعينان دامعتان ، ومدت أناملها ومسحت تلك العبرة التى إنسلت من جفنيها ، فربتت على ساقه وقالت برصانة :
– بس الهروب عمره ما كان حل يا راسل ، وأنك تسيب مراتك كده لا منها متجوزة ولا منها مش متجوزة ، لو حاسس أنك مش قادر تكمل معاها خلاص سيبها تشوف حياتها ، هى لسه صغيرة وميرضيش ربنا أنها تفضل متعلقة على ذمتك وأنت بتقول أنك مش عايز ترجع تانى ، سيبها تشوف نصيبها مع حد تانى ، متبقاش أنانى يا راسل
فإن كانت قسمات وجهه مازالت على حالها من سيمات الهدوء والإنصات باهتمام لحديث وفاء ، إلا أن هناك عاصفة ضربت فؤاده ، قادرة على إقتلاع كل جذور العقل والحكمة ، فتخيله فقط أن تكون حياء زو جة رجل أخر غيره ، ويمتلكها مثلما سبق له إمتلاكها ، لهو جنون مطبق ، بل بمثابة إصدار حكماً ذاتياً بإعدام قلبه وعواطفه وأن يعود لذلك السبات الثلجى الذى كان يحيا به قبل لقاءها
فرفت جفونه مرارًا بعد سماع إقتراحها ، وزفر قائلاً بتيه :
– أنا فكرت فى اللى قولتيه ده يا ماما ، بس كل ما أخد قرارى بأن أطلق حياء مبقدرش أنفذه ، بحس بالعجز أن أنفذ خطوة زى دى ، وجايز فعلاً أن ده الحل لعلاقتنا اللى إحنا الاتنين بقينا بنعانى منها ، بس مش قادر اتخيل إنها تشيل إسم راجل تانى غيرى ، جايز دى فعلاً أنانية زى ما بتقولى ، بس أنا لا عارف أطلع خطوة لا قدام ولا أرجع خطوة لورا ، جايز فى يوم أقدر أعمل كده ، وأفتح القفص للعصفورة علشان تطير بعيد عنى ، علشان حياء تستاهل الأحسن دايماً مش واحد حياته معقدة وكل ما يخلص من مصيبة يلاقى غيرها ، حتى لو كنت ببرر لنفسى الغلط اللى عملته فى حقها من أن سيبتها من غير ما أواجها وكمان الرسالة اللى سيبتهالها وعارف أنها أكيد أتسببت فى حزنها ، بس من جوايا عارف ومتأكد أن حياء تستاهل واحد أحسن منى ألف مرة ، وأنها لازم تعيش حياتها طبيعى مع واحد ميحاولش يجرحها ، وأنها تعيش سعيدة ويكون عندها أولاد ، حياء فعلاً لازم تبعد عنى يا ماما ومش لازم أبقى أنانى
رفع يـ ـده ودلك عنقه شاعراً بسخونة جلده أسفل كفه ، فتلك الحرارة لا تقارن بغليان دماءه ، فنهض من مقعده وإستطرد قائلاً بإرهاق :
– أنا دلوقتى حاسس إن أنا تعبان وعايز أنام عن إذنك يا ماما تصبحى على خير
ولج للداخل ومن ثم صعد لغرفته ، وكأن حديثه مع وفاء نكأ جراحه ، فبالأيام الفائتة كان يحاول الظهور بمظهر اللامبالاة بما يحدث ، ولكن ما أن بدأ الحديث بينهما ، إتضح له الأمر من أنه واهمًا بشأن تفكيره ، ولكن ربما إذا عاد يمارس مهنته كطبيب ، سيساهم ذلك بأن يخرج من تلك الحيرة والتخبط بقراراته ، وستصير أموره أكثر إتزانًا ، فالفراغ الذى يعانى منه بوقته الحالى هو من يسلبه الراحة ، لكونه يقضى أوقاته بالتفكير
وقف أمام النافذة ليلقى نظرة على القمر ، ولكنه لم يجد سوى سُحب كثيفة تغطى السماء ، وكأن المطر بات وشيكاً ، وربما بالغد سيجد تلك الورود والزهور بحديقته ، قد أرتوت من قطرات الغيث الغزير ، فياليته هو الآخر يرتوى منه ، لعل بستان أمانيه والذى أحترقت به زهور الأمل والحياة ، يعود وينضح بالسعادة ، التى لم يكن له منها كِفلُ يوماً
لم يكد ينتهى أسبوع أخر ، حتى بدأ راسل بالعمل فى المشفى المركزى التابع لتلك المقاطعة التى يقطن بها ، فتعجب مدير المشفى بالبداية كونه أنه علم أن راسل طبيب وجراح ماهر وشهير بموطنه ، بل أنه كان يملك مشفى أكبر من تلك المشفى التى سيعمل بها ، إلا أنه لم يشأ أن يخوض بأموره الشخصية أو أسبابه التى دفعته لترك كل هذا والمجئ لهنا
أشار لإثنان من الممرضات بأن تعملا على نقل المريض لإحدى غرف الإفاقة وهو يقول بمهنية :
– ضعوه بغرفة الإفاقة وما أن يفيق أبلغونى على الفور
لم يشعر بالملل أو الكلل من ممارسة مهنته كطبيب ، بل على النقيض ، كان يرهق نفسه أكثر بالعمل ، كأنه عاد يسير على تلك الخطى ، التى كان يتبعها من قبل ، فأحياناً صرامته وبروده مع المحيطين به ، جعل كثير منهم يحاذرون بتعاملهم معه ، فلا يراه أحد إلا وهو يلج غرفة الجراحة أو وهو خارجاً منها ، كأنه سيقضى بقية حياته بين جدران تلك الغرفة الباردة والتى تفوح منها رائحة الموت أحياناً
فبعد إنتهاء يومه بالمشفى ، خرج قاصداً منزله ، ولكن فكر أولاً بشراء الحلوى والدمى من أجل صغيرته ، فذهب لأحد متاجر الدمى وأشترى ما يريده وعاد للمنزل ، فولج للداخل ولكن قبل أن ينطق بكلمة ، رآى ساندرا جالسة مع وفاء وصغيرته
على الفور تركت وفاء مقعدها وأقتربت منه قائلة بصوت هامس:
– الحمد لله إنك جيت دى عمالة ترطن من الصبح ومش فاهمة منها حاجة ، الله يسامحك جايبنى فى بلد مش بفهم هم بيقولوا إيه
قهقه راسل على ما قالته ورد قائلاً بتفكه :
– مش فاهمة إيه بس يا وفاء ، أنتى بترضى تخرجى من البيت أصلاً
رفعت وفاء شفتها العليا وردت قائلة بإمتعاض :
– أخرج وأقابل ناس لا أنا عارفة بيقولوا إيه ولا أنا عارفة أتكلم بلغتهم ، كان مالنا بس وإحنا كنا قاعدين وسط اللى شبهنا وفاهمينهم وفاهمنا
ستبدأ بإسماعه عبارات التذمر ، حتى تجعله يشعر بالذنب كونه أتى بها لهنا وهى لا تتحدث الإنجليزية أو الفرنسية ، وربما تلك حيلة منها ، لتجعله بالأخير يوافق على العودة لديارهم ، ولكنه لم يجعلها تسترسل بحديثها ، إذا أقترب من مجلس ساندرا وإبنته
جلس على المقعد وأسرعت سجود بالجلوس على ساقيه ، فقبل رأسها ونظر لساندرا قائلاً بإهتمام :
– ما الأمر ساندرا ، هل كنتِ تريدين شيئاً من والدتى ؟
حركت ساندرا رأسها بالنفى وردت قائلة بإبتسامة ودية :
– لا أريد شيئاً ، فأنا أردت التعرف عليها وعلى الصغيرة ، ولكن والدتك لا تتحدث الفرنسية ، وعلى الرغم من ذلك ، فهى إمرأة لطيفة ، بل أنها أعدت لى طبقاً من تلك الحلوى ، فأنا أحببتها كثيراً
نظر راسل للطبق ، فعاد ونظر لوفاء قائلاً وهو يحاول إلجام ضحكته :
– أكلتيها رز بلبن يا ماما ، معملتلهاش شوية كشرى بالمرة
ضحكت وفاء وردت قائلة بإطمئنان كون ساندرا لن تفهم مغزى حديثهما :
– دا عجبها أوى ما شاء الله عليها كلت طبقين بحالهم يلا بالهنا والشفا ، بس معرفتش برضه القطة مشرفانا ليه يا دكتور
رفع راسل حاجبه ونظر إليها نظرة ماكرة ورد قائلاً وهو يكز على أسنانه :
– قصدك إيه يا وفاء ، هى جاية بس علشان تتعرف عليكى أنتى وسجود ، أقوم أطردها يعنى
قضمت وفاء شـ ـفتها السفلى ، ولم تجد رداً مناسباً ، فهى لا تريد لتلك الفتاة أن تزيد من تعقيد أموره ، ولكن على الرغم من ذلك ، أعدت طعام العشاء ، لعلمها بأنه ربما يشعر بالجوع بعد عودته من عمله ، ولم تجد مفر من دعوة ساندرا لتناول العشاء معهم ، فقبلت ساندرا دعوتها بترحيب ، كأنها لا تريد مغادرة البيت ، فجلسوا حول مائدة الطعام ، وبدأت ساندرا تثرثر معهم ، وتكفل راسل بترجمة حديثها لوفاء ، فعلى الرغم من أنها يبدو عليها أنها عدائية ، إلا أنها متحدثة لبقة ومثقفة ، ولم تجد جهد بتجاذب أطراف الحديث مع راسل ، الذى راح يجيبها على كل ما تسأله بهدوء ، وما أن أنتهت جلستها معهم غادرت البيت وعادت لمنزلها ، بعد فشلها بالحصول على موافقته بأن تصطحب سجود ووفاء بنزهة لإحدى البحيرات ، وما أن رحلت صعد راسل لغرفته وأغتسل وذهب لفراشه وهو يفكر فى أسباب إصرار تلك الفتاة على التقرب منه ومن إبنته وخالته
❈-❈-❈
جاء بعد الفراق ليلٌ مُظلم أضاع قَمرهُ على العشاق، فلم ينسى أحداً منهم أن يبحث عن القمر في أرض الضلوع والتى تسكنها أفئدة عانت من مرارته ، فإن كانت الجروح هناك أشد وضوحاً، فهم يعلمون أنّ القمر هناك مختبأً بين حنايا القلب ، وظنوا أن بعد الفراق ستأتى سنوات الغيث ، لتروى الورود الذابلة لتصبح جنة الحب خضراء بعدما إستطونها الخريف ، ولكن كأن روح المغامرة لم تعد تفيد ، فبعد الفراق لا شيء يجدي.
بعد مرور عامين
أنتهى دوامها بالعمل ، فنهضت عن مقعدها خلف ذلك المكتب الخشبى الكبير ، ووضعت بعض الأوراق بالحقيبة الجلدية السوداء ، لتأخذها معها للمنزل من أجل أن تسهر عليها لمراجعتها ودراستها ، قبل توقيع عقود تلك الصفقة المتفق عليها بين تلك الشركة وشركة أخرى ، فبعد أن أنتهت نظرت لتلك المرآة الطويلة المثبتة على أحد الجدران ، فها هى بذاتها “حياء ” تلك الفتاة التى هجرها زوجها منذ عامان ، ومنذ ذلك الحين لم تراه أو تعلم عنه شيئًا ، فوالده يأس من البحث عنه وإيجاده
أقتربت أكثر من المرآة تمعن النظر بصورتها المنعكسة بها ، ورفعت يـ ـديها تمررهما على وجـ ـهها ، فهى صارت أكثر نضجًا ، وأكتسبت جمال من نوع أخر ، ولما لا وهى بعد بضعة أشهر ستحتفل بذكرى ميلادها الخامس والعشرون ، فهى ودعت تلك الملامح الطفولية بعدما غاب عنها من كان يجعلها تشعر بأنها ستظل طفلته لما تبقى من عمرها ، ولكن الآن لم يعد لديها سوى العمل ، الذى ترهق نفسها به ، فرياض هو من أقترح عليها أن تشغل أوقاتها بالعمل وأن لا تترك نفسها لليأس ، فخلال هذان العامين ، أكتسبت خبرة كبيرة من رياض وعاصم ، وساهم بذلك ذكاءها وسرعة بديهتها فى فهم الأشياء
تنهدت بخفوت وعادت تقف أمام المكتب لتأخذ حقيبتها الصغيرة والحقيبة السوداء ، فألقت نظرة حالمة على تلك الصورة الموضوعة على سطح المكتب ، والتى لم تكن سوى صورة جمعت بين زو جها والصغيرة
أخذتها بين يـ ـديها ومررت أناملها عليها ، فقالت بصوت ملتاع من شدة شوقها إليه :
– كل ده يا راسل ، سنتين بحالهم مشوفكش أنت ولا بنتنا ، بقى قلبك يقسى عليا أنا بالشكل ده ، طب كل المدة دى محستش بوجع فى قلبك على فراقنا ، بقيت عايشة زى الأموات وأنا مستنياك ترجع يا حبيبى
أعادت الصورة مكانها وأخذت متعلقاتها وخرجت سريعاً من المكتب ، قبل أن تبدأ بنوبة جديدة من نوبات بكاءها ونحيبها ، فما أن وصلت لتلك السيارة الفارهة ، أسرعت السائق بأخذ الحقيبة منها وفتح لها باب الخلفى للسيارة ، فأتخذت مجلسها بالمقعد الوثير ، وأخرجت هاتفها لتطمئن على مربيتها الحنون ، التى تذهب لها من وقت لأخر من أجل أن تفضى لها بمكنون قلبها
فقبل أن يتحرك السائق بالسيارة ، هتفت به حياء :
–أنا مش راجعة البيت ، هروح لبيرى فى نادى …. علشان هتنظم حفل غنائى هناك
أسرع السائق بقيادة السيارة حتى وصلا للنادى ،فبيرى بعد موت أبيها ظلت تعمل بمهنة تنظيم الحفلات ، وتذهب حياء لتساعدها من وقت لأخر ، فهى أخبرتها بأن تحضر اليوم من أجل تنظيم حفل غنائى لمغنى فرنسى ، تلك هى زيارته الأولى لمصر وللإسكندرية
دلفت حياء للنادى وألقت على الحاضرين التحية ، فأسرعت بيرى قائلة وهى تمد يـ ـدها لها بحقيبة بها ثوب أشترته من أجلها :
– يلا يا حياء بسرعة غيرى هدومك ده فستان إشتريته علشانك ويلا بسرعة مفيش وقت خالص
أخذت حياء منها الثوب وردت قائلة بهدوء:
– حاضر يا ستى ثوانى وهكون جاهزة
ذهبت للمرحاض الخاص بالسيدات وأبدلت ثيابها العملية وخرجت ، وجدت بيرى تقف خلف كواليس المسرح الخشبى ، حتى يتم الإعلان عن بدأ الحفل
فأشارت لها بيرى بالإقتراب وهى تقول بإبتسامة :
– تعالى يا حياء ده المغنى الفرنسى ” أدم جوزيف ” ، ممكن تكونى سمعتى عنه هو مشهور أوى فى فرنسا
أماءت حياء برأسها وألقت عليه التحية باللغة الفرنسية ، فوجدته يبتسم قائلاً بإعجاب ولغة عربية يبدو أنه تعلمها منذ وقت ليس ببعيد ولم يكتفى بذلك بل غمـ ـزها بإحدى عيناه الجريئتان:
– أهلاً حياء ، اسمك حلو يا مليكتى
عقدت حياء حاجبيها كونه أنه بدأ إطرائها ومغازلتها بوقت مبكر ، فهى ما أن أخبرتها بيرى بشأن مطرب ذلك الحفل ، علمت أنه مغنى ذائع الصيت بالعلاقات الغرامية ، وأحياناً تضج مواقع التواصل الاجتماعي بأخباره العاطفية ، فحتى وإن كان وسيماً ومطرب مشهور ، ولكنه لا يعلم أنها أخذت مناعة ضد الإطراء أو الغزل ، بل الأصح أنها لا يوجد رجل بعالمها بإمكانه أن يجعلها تستحب الغزل والإطراء بل وتجنح بأحلامها سوى زو جها الغائب
إبتسمت بإقتضاب وهى تقول ببرود :
– شكراً
أسرعت بالابتعاد وبدأت تنجز ما أخبرتها به بيرى وبعد مرور ربع ساعة تقريباً ، أعتلى أدم المسرح وهو ممسكاً بجيتاره ، فظل يشدو بصوته ، الذى لم تنكر حياء أنه جذاب ومميز بالغناء ، فبدأ بأغنية باعثة على الشجن والحنين ، ولكن سرعان ما انتهت تلك الأغنية وبدأ بأغنية أخرى حماسية تفاعل معها الجمهور ، الذى تكون معظمه من الشباب بسن المراهقة
أنزوت حياء بأحد الأماكن تستمع للموسيقى والغناء ولكنها بعالم أخر ، حتى وجدت أدم يقترب منها وهو يعزف على الجيتار ، فأتجهت أنظار الجميع إليهما ، بل لم ينتهى الأمر لهذا الحد ، بل مد أدم يـ ـده لها بوردة ألتقطها من إحدى المعجبات
فأدنى برأ سه منها هامساً :
– حتى نلتقى ثانية يا مليكتى
عاد أدم للمسرح ليكمل باقى غناءه ، فنظرت حياء للوردة ، وسرعان ما ألقتها من يـ ـدها ، وبحثت عن بيرى لتخبرها بشأن عودتها للمنزل لشعورها بالإرهاق ، إلا أن بيرى رفضت ذهابها قبل إنتهاء الحفل
فهتفت بها برجاء :
– بليز يا حياء خليكى معايا ، أنا الفترة الأخيرة دى مشوفتكيش إلا كام مرة بس ، غرقانة فى الشغل ونسيانى
إبتسمت بيرى بعد إنتهاءها من قولها ، فمسدت حياء على ذراعها وهى تقول بحنان :
– متزعليش منى ، كان عندى ضغط شغل جامد الفترة اللى فاتت حتى والله فى صفقة هتم قريب وعايزة أدرسها كويس ، بس بالرغم من كده سيبت كل حاجة وجتلك أهو
تأبطت بيرى ذراعها وسارتا عدة خطوات ، فتوقفت فجأة عن السير وقالت بحذر :
– لسه برضه مفيش أخبار عن جو زك
هزت حياء رأسها بضعف ، وردت قائلة بقلة حيلة:
– مفيش ، تقوليش الأرض أنشقت وبلعته ، دا باباه دور عليه كتير لحد مازهق أو بمعنى أصح لحد ما قولتله أنا خلاص كفاية ، لو كان عايز يرجع كان رجع ، مش بقاله سنتين مسألش فيا ولا فى حد ، زى ما يكون نسينا أو مبقناش فى حساباته
حدقت بها بيرى بنظرة ذات مغزى ، فرفعت وجهها له وتساءلت :
– كرهتيه يا حياء ؟
لم تكن الكراهية يوماً إحدى أجوبتها التى تفسر سبب هدوءها ، أو لم تبدو للرائى أنها لم يعد يعنيها إذا عاد زو جها أم لا ، ولكن لا أحد يعلم حجم تلك المعاناة التى تعانيها أو تمارسها على أعصابها لتظهر بمظهر القوة
فأجابت وهى تشيح بوجهها عن مرمى بصر بيرى :
– ياريتنى أقدر أكرهه يا بيرى ، دا أنا حاسة أن كتر البعد خلانى أحبه وأشتاقله أكتر ، مع أن أوقات كتير بعاتب نفسى على إشتياقى ليه بعد ما سابنى ، حتى تصدقى أن باباه عرض عليا أنى أطلق منه غيابى وأتجـ ـوز حد تانى ، وأن مضيعش عمرى وشبابى وأنا قاعدة مستنياه يرجع ، وقالى برضه أن هفضل زى بنته ومش هيفرط فيا ، بس أنا مجرد ما سمعت الإقتراح حسيت بوجع فى قلبى ، حتى لو مش هيرجع هفضل مدام حياء راسل النعمانى
أسرعت بمحو تلك الدمعة التى فرت من عينيها ، فهى لا تريد العودة لنقطة البداية من جديد ، وأن تظل تبكى وتنعى حظها التعيس ، فرآت ذلك الشاب المدعو أدم يقترب منهما
وقف على مقربة منها وقال بإعجاب :
– شكراً ، الحفلة كانت متنظمة كويس جدا ، شكراً أنسة حياء
إبتسمت حياء إبتسامة صفراء وهى تقول بإقتضاب:
– بيرى هى اللى منظمة الحفلة أنا تقريباً معملتش حاجة أشكرها هى ، وأنا مدام مش أنسة ، يعنى متحاولش تتعب نفسك بمعاكستى
رفعت حياء كف يدها الأيسر وأشارت لخاتم زواجها الماسى ، لعله ذلك الشاب يعلم بأن محاولاته ستذهب سدى ، أو أنه يلقى طابته بالمرمى الخاطئ ، فهى لم يخفى عليها أفعاله ، التى تبدو ظاهرة للعيان بأنه يحاول مغازلتها أو إستمالتها ، ولكنه لا يبدو عليه أنه شعر بالضيق لتصريحها بأنها متزو جة ، فهو مازال يبتسم لها ويرمقها بهدوء
فقال وهو يشير لها بالجلوس :
– أنتى فهمتى غلط مليكتى ، يعنى إيه أعاكسك
– معنديش وقت أقعد معاك ولا أشرحلك عن إذنك ، بيرى أنا ماشية سلام
قالت حياء عبارتها وغادرت قبل أن تسمع رد أحد منهما ، فهى تريد العوة للمنزل وحسب ، ولكن بعد عودتها لسيارتها ، طلبت من السائق إيصالها لمنزل زو جها القديم ، ولم تعلم سر رغـ ـبتها فى الذهاب إليه الآن ، كأنها بذهابها لهناك ستجده بإنتظارها ، أو ستقضى بعض الوقت تستأنس بالذكريات ، خاصة أن ذلك المنزل إختزن بين جدرانه ذكريات عشقهما
توقفت السيارة أمام البيت ، فترجلت منها حياء وولجت للداخل بالمفتاح الذى تحمله معها دائماً ، فهى عندما كان يغلبها الشوق إليه ، كانت تأتى لهنا مسرعة وتقضى بضع ساعات ومن ثم تعود لقصر النعمانى ، صعدت الدرج حتى وصلت لتلك الغرفة التى كانت غرفة نومهما ، فضغطت على زر المصباح الكهربائي وأنتشر الضوء بالغرفة ، ولكنها ذهبت رأساً لغرفة الثياب التى خلت من كل شئ ولا يوجد سوى الأرفف الخشبية الخالية ومرآة موضوعة بأحد الأركان
وقفت أمام تلك المرآة الطويلة ، التى كانت دائماً تقف أمامها لتطمئن لحسن مظهرها قبل خروجها للغرفة ، فأغمضت عينيها لتدع نشوة الذكرى تلفحها ، عندما كان يقف خلفها ويمرر يـ ـده على شعرها ، ويرسل أنفـ ـاسه لتداعب وجنتيها ، فكأنها باتت تسمع صوته الدافئ وهو يهمـ ـس بأ ذنها :
– وحشتينى يا حياء
إبتسمت شـ ـفتيها وقالت و هى سابحة ببحر الخيال والذكرى :
– وأنت وحشتنى أوى يا حبيبى
أسرعت بفتح عينيها ، كأنه يقف خلفها وما أن تستدير إليه سيأسرها بين ذراعيه القويتين ، ولكن ما أن إستدارت ورفعت يديها حتى هرب منها طيفه كالسراب ، فطوت أجنحتها المنكسرة ، ولفت ذراعيها حول نفسها ، كأنها تقى جسدها من لفحات الخيبة والأمال الكاذبة ، وبعد إكتفاءها من حلو الذكرى ومرها ، خرجت من المنزل وعادت للسيارة لتعود لمنزل والد زو جها ، فربما السائق صار متعجباً من تصرفها اليوم ، فهى كلما تستقل السيارة تخبره بأن يذهب بها لمكان أخر ، كأنها تخشى عودتها للمنزل ، ولكنها تفعل ذلك لتأخير جلسة سهادها والتى ستبدأ ما أن تطأ البيت بقدميها
ولكن كان هناك مفاجئة أخرى بإنتظارها ، إذ وجدت عربة إسعاف أمام باب القصر ،فترجلت من السيارة بفزع ، ووجدت إثنان من الممرضين يحملون السرير الخاص بالإسعاف مستلقياً عليه رياض بوجه شاحب وفاقد الوعى ، فنضبت الدماء من وجهها وأقتربت من ميس وتساءلت بخوف :
– ميس فى إيه جدك ماله
ردت ميس بصوت باكى :
– تعب مرة واحدة وأغمى عليه يا حياء
تبعت سيارة الإسعاف كل سيارات قاطنى القصر ، حتى وصلوا لذلك المشفى الذى كان لراسل وتديره حالياً ميس ، فبعد الفحص الطبي لرياض خرجت ميس واخبرتهم بضرورة إجراء جراحة عاجلة لجدها ولكنها تحتاج لجراح ماهر ، لذلك أقترح عاصم بإستدعاء جراح بريطانى شهير من أجل إجراء الجراحة لعمه
أدنت سوزانا من إبنتها وهى تجفف عينيها بمحرمة ورقية وتساءلت باهتمام وخوف :
– ميس قوليلى الحقيقة ، فى خطورة على حياة جدك
لم تستطع ميس الإنكار وردت قائلة بصدق :
– للأسف أيوة يا ماما علشان كده العملية محتاجة جراح شاطر ، يعنى لو راسل كان هنا كان ممكن نكون مطمنين ، بس هنجيبه منين دلوقتى مقدمناش حل غير اللى قال عليه خالوه أن نجيب جراح بريطانى
سمعت حياء إسم زو جها ، وإلتفتت برأسها لميس ، التى بادلتها النظرات تحمل رجاءًا وتمنى وإحتياج لوجود راسل ، فحتى وإن كان غائباً ، فهم بحاجة إليه ، ولكن لا أحد منهم يملك حيلة لإعادته
نظرت غزل لزوجها ومن ثم نظرت لميس وتساءلت :
– طب أنتى يا ميس مش تقدرى تعملى العملية دى لجدك
زاغت عينى ميس بعدم إتزان ، فهى لم تضع بعقلها التفكير بذلك الأمر ، ليس لشئ سوى أنها لن تتمكن من أن ترى نفسها ومبضعها يعمل على شق جـ ـسد جدها ، حتى لو كان ذلك سيتم كسبيل لإنقاذه
فقطبت حاجبيها وردت قائلة برفض :
– مش هقدر أعمل كده أعصابى متستحملش أشوف جدو فى العمليات أو ألاقى إيدى غرقانة بدمه مستحيل
لم يتشدد أحد منهم برأيه لعلمهم بمدى حسها المرهف ، فأحياناً كانوا يتعجبون من إنها رغبت فى دراسة الطب وخاصة الجراحة ، نظراً لرقتها ومدى خوفها من أن تخفق بإنقاذ مريض
وضع عاصم ذراعه حول كتفى غزل ونظر لإبنة شقيقته قائلاً بهدوء :
– خلاص يا ميس أنا هبعت أجيب الدكتور اللى هيعمل العملية بس يارب ييجى على طول
نفخت ميس وردت قائلة بتمنى :
– يارب الموضوع يخلص على طول لأن أكيد أى دكتور هييجى من برا هياخد وقته على ما يوصل ، ولو جده كانت صحته تستحمل كنا إحنا سفرناه بس مش هينفع دلوقتى ، حتى لو كانت حالته مستقرة حالياً ، بس مش لازم يتعرض لإجهاد من أى نوع
عادوا لصمتهم ، وكل منهم يبتهل بداخله على أن يمر الأمر بسلام ، خاصة أن الجميع لا يستطيعون تخيل حياتهم من دون كبيرهم ، فرياض كان دائماً الدرع الحامى وحامل لواء تلك العائلة منذ أن تولى تدبير شئونها خلفاً لأبيه ، حتى حياء التى لا يربط بينها وبينه سوى أنها زو جة ولده ، إلا أنها باتت كأنها تقاسمت دماءها مع دماء أفراد عائلة النعمانى ، حتى وإن لم يحالفها الحظ بإنجاب حفيد أخر لرياض ، ولكن يكفيها أن طوال العامين الماضيين ، عاشت مطمئنة بكنفه ، فدائماً ما كانت كنية عائلة زو جها ، تفرض على الجميع إحترامها
فغمغمت حياء بصوت خافت وعيناها مغرورقتان بالدموع :
– يارب إشفيه يارب ويقوم بالسلامة ، اللهم إشفه شفاء لا يغادر سقماً يارب
ظلت تدعو وتبتهل بالدعاء لله ، ووقفت أمام غرفة العناية الفائقة ونظرت لوالد زو جها عبر الزجاح الفاصل بينهما ، ولم تمنع سريان الدموع على وجنتيها وهى تشعر بذلك الخوف الذى راح ينخر بقلبها خشية أن يصيب رياض مكروه ، فيكفيها ما خسرته من أحبابها ، فرياض هو من ساهم بأن تصبح ماهى عليه الآن ،وأن تكتسب تلك الشخصية التى تبدو للجميع أنها ستتخطى الصعاب مهما بلغت صعوبتها ، على الرغم من أن خلف قناع شجاعتها فؤاد ممـ ـزق وروح تغص بالشكوى ، ولكنها بهذان العامان إستطاعت التعلم كيفية السير قدماً بحياتها ، وأن لا تجعل رياح الخيبة والخذلان تعيث فساداً بهدوءها الظاهرى
❈-❈-❈
على صعيد أخر ، كان هو جالساً على الأريكة ومنحنياً بجزعه العلوى وهو ينظر بشاشة حاسوبه الشخصى ، فرفع يـ ـده وعدل من وضعية نظارته الطبية الأنيقة ، ومسد على شعره برفق ومن ثم لحيته التى تخللتها بعض الشعيرات البيضاء ، على الرغم من أن شعره مازال حالك السواد ، ومن ثم عاد لإنهاء ذلك التقرير الطبى ، الذى حرص على إنهاءه بالمنزل بعد عودته من ذلك المشفى الذى يعمل به ، فبخضم إنهماكه بإنهاء التقرير ، رآى يـ ـد صغيرة بيضاء ملساء مكتنزة راحت تضرب على لوحة المفاتيح والشاشة ، رافقها ذلك الصوت الطفولى المهمهم بحروف غير مفهومة سوى أن المتحدث بها يعلن عن وجوده محاولاً نطق كلمة ” بابا ” ، بل لم يكتفى بذلك بل أنحنى برأسه الصغير ، وراح يلعق الحاسوب بلسانه الذى ترك أثار لعابه على مفاتيح الكتابة والشاشة
فضحك راسل وحمل الصغير ووضعه على ساقه قائلاً بمداعبة :
– أنت بتعمل إيه أنت دلوقتى ، حلو كده هى أسنانك مضيقاك أوى كده
قهقه الصغير ذو الحادية عشر شهراً ، فأقترب من ذقن راسل وقضمها بأسنانه ، فقال راسل متأوهاً :
– ااه ، سنانك زى الموس ساندرا ساندرا تعالى خدى ساجد عايز أخلص شغلى
تركت ساندرا ما بيدها وخرجت من المطبخ ووصلت للصالة فحملت الصغير وقـ ـبلته على وجنته وهى تقول بمداعبة :
– بتعمل إيه ساجد ، سفاح أنت
لم تجد ساندرا صعوبة بتعلم اللغة العربية ، فبالعامين الماضيين إستطاعت تعلمها من راسل ووفاء وسجود ، حتى إستطاعت أن تنطق بها بمهارة ، حتى أنها لم تعد تستخدم لغتها الفرنسية إلا إذا كانت خارج المنزل ، فأخذت الصغير معها للمطبخ لتترك راسل ينهى عمله ولكن ما كاد يعود لإنهاء التقرير ، حتى وجد سجود تهبط الدرج وهى تصيح بإبتسامة :
– بابى أنا خلصت الواجب ومذاكرتى كلها ، يلا بقى علشان نخرج زى ما وعدتنى
فتح لها راسل ذراعيه يدعوها للإقتراب ، فهرولت إليه وأندست بين أحضانه ، طبع قـ ـبلة حنونة على رأ سها ، وإبتسم لها بمحبة ، فصغيرته أكتسب طولاً عن ذى قبل وزاد حسنها وجمالها ، وكأن عمرها الذى يقترب الأن من السابعة ، وضعها على أول خطى الهدوء ، فهى لم تعد تبكى كالسابق ، بل كأنها أكتسبت الكثير من هدوءه وبروده ، على الرغم من كونها مازالت طفلة
وضع شعرها خلف أذ نيها وقال بطاعة لا يظهرها إلا لها هى فقط :
– حاضر يا روح بابى ، بس أخلص شغلى ده وهنخرج كلنا هى فين تيتة وفاء
رفعت سجود سبابتها تشير للطابق الثانى وردت قائلة بصوت خافت :
– تيتة فى أوضتها فوق ، بس مش أنت يابابى قولتى هخرج أنا وأنت بس ، أنا مش عايزة حد ييجى معانا
رآى راسل ملامح الحزن على وجهها ، فعلم أنها كانت تريد الإستئثار به بعض الوقت ، ولا يخفى عليه أنها حتى الآن لم تتقبل وجود ساندرا أو الصغير ، كونها تراهما أنهما أخذوا منها أباها ، الذى تعتبره ملكية خاصة بها
ربت راسل على وجنتها ورد متسائلاً بحب :
– أنتى مش عيزانا نخرج كلنا سوا وناخد ساجد معانا يا سيجو ؟
أشاحت بوجهها عنه ونظرت حيث تقف ساندرا بالمطبخ وتضع الصغير على المقعد الخاص به ، وعلى الرغم من أنها لا تكره الصغير ، إلا أنها ترى أن دلال أبيها يجب أن يكون خاص بها وحدها مثلما اعتادت دائماً
فردت قائلة بنبرة مفعمة بالصدق :
– أنا بحب ساجد يا بابى ، بس عيزاك أنت ليا لوحدى ، وأنا مش عايزة ساندرا ، أنا عايزة مامى ، هى وحشتنى أوى يا بابى
فالوحيدة التى ستسمح لها بالإقتراب منه هى حياء أو والدتها حسب إعتقادها ، فهى لم تنساها مطلقاً ، بل كلما كانت تشتاق إليها ، ترى صورها أو تشاهد الفيديوهات التى جمعتهما سوياً ، ولم تسمح لأحد بأن يملأ هذا الفراغ الذى تركته حياء
أراد راسل فض ذلك النقاش ، الذى سيجعل إبنته تبكى بالأخير ، فمسد على خصيلاتها الحريرية الطويلة قائلاً بإبتسامة :
– طب يلا روحى جهزى نفسك أكون أنا خلصت التقرير ونخرج أنا وأنتى بس المرة دى
صفقت سجود وركضت على الدرج ، فى حين أن ساندرا ظلت تنظر إليه بصمت ، ولكنه لم يجد ما يقوله أو يفعله سوى أن يعود لإنهاء عمله
انتهى من كتابة التقرير ، فحرك رأسه ودلك عنقه ، وأخذ هاتفه ليستطلع أحوال من ظل يراقبهم على مواقع التواصل الاجتماعي طوال فترة غيابه عنهم ، فبدأ أولاً بحياء ولكنه لم يجد شيئاً جديداً ، ولكن وجد بحساب الفيسبوك الخاص بميس منشوراً عن كونها تشعر بالحزن لمرض جدها وتطلب من الجميع الدعاء له
أصفر وجهه على الفور ، فمعنى ذلك أن والده مريض ، ويبدو أن الأمر ليس هيناً وإلا ما كانت ميس فعلت ذلك ، فلم ينتظر دقيقة أخرى ، إذ ترك مكانه وخرج للحديقة وبحث عن رقم هاتف إبنة شقيقه ، ولم يتردد بالاتصال بها وهو يدعو أن تجيب على الهاتف
فسمع صوت ميس وهى تقول بدهشة :
– ألو مين معايا
رد راسل قائلاً باهتمام وجدية :
– أنا راسل يا ميس قوليلى ماله جدك فى إيه وإيه اللى حصله
تتابعت أنفاس ميس بعد سماعها صوته ، فدمعت عيناها رغماً عنها وردت قائلة بغصة :
– راسل أنت كنت فين وسيبتنا ، أنا كنت محتجالك أوى ليه تعمل فينا كده
وصل لأذنيه صوت نهنهتها وشهقاتها ، فرد قائلاً بشعور غريب من الندم :
– حبيبتى إهدى بس وقوليلى فى إيه ، وجدك عامل ايه دلوقتى
قالت ميس بشعر من الخوف :
– جده تعبان أوى يا راسل وكمان محتاج تدخل جراحى ، وإحنا كلمنا دكتور بريطانى علشان ييجى ويعمل العملية ، لو أنت كنت هنا مكنش هيبقى فى مشكلة لأنك أنت كان ممكن تعملهاله
ضغط راسل بأنامله على عيناه ، كأنه شعر بألم مفاجئ بهما ، علاوة على أنه أخذ يدور حول نفسه بتيه وتفكير ، ولكن سرعان ما رد قائلاً بهدوء ظاهرى :
– أنا راجع إسكندرية يا ميس ، راجع على أول طيارة إن شاء الله
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)