روايات

رواية وريث آل نصران الفصل السادس 6 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الفصل السادس 6 بقلم فاطمة عبدالمنعم

رواية وريث آل نصران الجزء السادس

رواية وريث آل نصران البارت السادس

وريث آل نصران
وريث آل نصران

رواية وريث آل نصران الحلقة السادسة

الفصل السادس (هل نتواجه؟)
#رواية_وريث_آل_نصران
بسم الله الرحمن الرحيم
الصمود
ذلك الطلب الوحيد الذي نلجأ له في لحظات خوفنا، لحظات ذلك الوحش المسمى بالذعر ، والذي يهددنا بابتسامة خبيثة أنه سيكشف حقائقنا حقيقة، حقيقة.
فإما الصمود وإما المعركة لصالحه هو.
_”ملك”
سمعن من الغرفة اسم شقيقتهن يُنادى من الخارج، كان قول “ملك” عن الزواج ليس إلا قنبلة ولقد أدت دورها حقا بكل نجاح في جعل شقيقتيها يفقدا كل ذرة تعقل لديهم.
ارتدت “ملك” غطاء رأسها وخرجت من الغرفة هنا في هذه المضيفة إلى الساحة، فالمكان مكون من غرفتين، ومطبخ صغير وهذه الساحة لاستقبال الضيوف
دخلت عليهن، رفع “نصران” وجهه ليراها إنها ليست تلك الفتاة التي قابلها أول مرة إنها اخرى شاحبة، فرت الدماء من وجنتيها، وذبلت عيناها البريئة فتلطخ ثوب براءتها بالحزن العميق، حتى أنها بدت نحيلة وخرج بصعوبة من بين شفتيها كلمتين وكأنها مجبرة على قولهما:
السلام عليكم.
_عليكم السلام.
كان جواب الجميع المعتاد على رد عبارات التحية، جلست جوار والدتها على الأريكة في مقابل “نصران” و ابنه ليبدأ الحديث ذلك الرجل المهيب بنبرة رخيمة:
قولتي إنك عايزة تشوفيني يا هادية، بس قبل ما أعرف أنتِ عايزة إيه….
استأذن “عيسى” بإشارة من يده مقاطعا:
بعد إذنك يا حاج… أنا عايز الأنسة لوحدها في كام سؤال بخصوص فريد.
استدار “نصران” لابنه فرمقه “عيسى” بإصرار على ما طلب، أدرك “نصران” أن ربما وجود والدتها يربكها أو يجعلها تخفي شيء هام من شأنه أن ينفعهم، فبعد ما حكاه له “طاهر” و “عيسى” عن علاقتها بفريد بالتأكيد لديها القدرة على إعطاء معلومة واحدة مفيدة.
حين سمعت هي هذا الطلب شعرت بأن الكون يضيق من حولها، وكأن وحش خفي ينهب أنفاسها نهبًا وقبل أن تدلي باعتراضها سمعت “نصران” يقول لوالدتها التي أشعل طلب “عيسى” ريبتها:
هما بناتك في الأوضة اللي جوا؟
زاغت عيناها على “ملك” قبل أن تخرج أخيرا كلمة واحدة منها بنبرة مبحوحة:
اه.
أشار “نصران” على باب الغرفة المجاور لهم موضحا ما سيحدث:
طب معلش “ملك” ترد على الكام سؤال بتوع “عيسى” والباب مفتوح احنا جنبهم أهو… بس علشان تاخد راحتها في الكلام.
ليس بكلامه ثغرة تجعلها ترفض، هو يبحث عن حق ضائع وأي تصرف غير طبيعي منها في هذا التوقيت سيثير الشكوك، باب الغرفة بجوارهم، وسيظل مفتوح أيضا أي أنهم معهم وبجوارهم ولكن ماذا ستفعل البوابة المفتوحة إذ لم تتحلى ابنتها بالصمت؟
ماذا ستفعل لو كان التهور داء إبنتها في هذه اللحظة؟
هزت رأسها موافقة وأشارت لملك بعينيها التي كساها الرجاء ألا تفعل أي حماقة، قامت “ملك” تتبعه إلى الغرفة المجاورة وقد قادها إليها وترك الباب مفتوح ولم يغلقه.
وجدت مقعد في الجانب جلست عليه، والصوت الوحيد المتواجد هنا هو تلاحق أنفاسهما، ظل هو واقفا وبدأ فيما جاء إليه سائلا:
تعرفي “فريد” بقالك قد إيه؟
_من سنة.
قالتها وعينها لا تفارق الأرضية فمجرد النظر إلى وجهه يربكها، وكأن “فريد” عاد مجددا ولكن عاد ليعاتبها على شيء لم يكن لها يد في اقترافه.
جلس على طرف الفراش ثانيا عنقه ناحيتها، فرفعت عينيها عن الأرض ونظرت له شاعرة بالتخبط حتى صدر سؤاله الثاني:
كلمك قبل الحادثة؟
نطقت بتشتت وكأنها لم تسمع ما قيل:
ها؟
كرر سؤاله بعينين عميقتين، وكأنها بحار تسحب الإجابة منك قصرا:
كلمك قبل اللي حصله؟
هزت رأسها تقص عليه ما حدث في تلك الليلة التي حطمتها:
كلمني كان عايز يقابلني و….
صمتت تلتقط أنفاسها ثم استجمعت ذاتها المشتتة وتابعت:
كان المفروض هقابله بس حصل مشكلة في البيت ومعرفتش أخرج.
نظرت له لتتبين هل يصدق حديثها أم لا ولكنها وجدت حربه تُشن بسؤال آخر:
مشكلة إيه؟
انفلتت أعصابها وشعرت بالارتباك فقالت بعصبية سيطرت عليها:
هو تحقيق!
ظهر على جانب فمه ابتسامة وهز رأسه نافيا يقول بهدوء:
محدش قال إنه تحقيق، بس لو في حد هيبقى في موضع شك دلوقتي
احتدت لهجته وهو يتابع بعينين ثاقبتين:
هيبقى أنتِ.
لمعت عيناها بالدموع وأشارت على نفسها هامسة بوهن مستنكر:
أنا؟ … لو في حد مستعد كل حاجة تتعاد تاني وساعتها هيدي روحه لفريد هيبقى أنا.
أخرج زفيرا مطولا، هو متيقن من وجود شيء تخفيه ولكن يقينه تام أيضا أنها لن تتحدث… لذا هتف باسمها قاطعا الصمت:
“ملك”
انتبهت له فتابع هو قاصدا كل حرف:
أنا حاسس إنك عندك حاجة عايزة تقوليها… لو بتحبيه قوليها فعلا، قوليها علشان لو أنا عرفتها قبل ما تقوليها هتبقي زيك زي اللي عملها عندي بالظبط.
_هتساعدني؟
قالتها تبحث عن بصيص أمل واحد يجعلها تصرح بما لديها ولكن حين هز رأسه نافيا وهو يصارحها بما لديه، قُتِل أملها:
مقدرش أوعدك بحاجة أنا ممكن معملهاش…. بس قولي جايز تطلعي كسبانة.
نطقت بتشتت وقد زاغت عيناها:
طب ولو أنا عارفة إني هطلع خسرانة؟
التحمت العيون في معركة شرسة إحدى طرفيها ضعيف، خائف، وزاد ذعره حين سمع الطرف الاخر يقول:
الخسران اللي بيفهم هو اللي يدور على طريقة تخلي خسايره أقل خساير ممكنة، لكن اللي بيسلم ويقرر يخسر كل حاجة بيبقى عقابه الضعف.
قطع كل شيء رؤيتها سوار “فريد” الحامل لحروف اسمه يحاوط يد شقيقه، نظر لما تنظر له فأدرك سبب شرودها، تحدثت بحسرة:
كنت جيبهاله علشان بتاعته ضاعت ومكانش لقيها.
فرت دموعها، فأخرج السوار من حول معصمه ووضعه في كفها قائلا ولأول مرة بنبرة مطمئنة:
خليه معاكِ.
ابتسمت ممتنة وهي تزيل دموعها فسمعته يتابع:
أنا هسيبك دلوقتي، طالما معندكيش حاجة تقوليها وأتمنى فعلا يكون معندكيش يا ملك.
كان في جملته الأخيرة تحذير واضح، خرج بعدها تاركا الغرفة بأكملها أما هي فجلست تتخبط هنا وهناك… الأمنية الوحيدة الآن أن تهرول إلى مكان بعيد لا يعرفها أحد فيه.
في نفس التوقيت
كان “نصران” يجلس في الخارج أمام “هادية”، قطع حديثهما خروج إبنه الذي عاد يجلس جواره من جديد فنطق ” نصران” يحث الجالسة أمامه على إتمام حديثها:
وبعدين يا هادية؟
صرحت بكل ما تكنه في صدرها فأملها يتجسد الآن في مساعدة وحماية منه:
أنت كنت عارف حسن الله يرحمه اشتغل معاك شوية وبعد كده بقى شغله مع أخوه، حسن الله يرحمه مات وهو خسران كل فلوسه ومديون لأخوه كمان، مكانش في حاجة سايبها غير أقل من قيراط أرض، و فلوسها مكانتش تكفي الديون اللي عليه لمهدي.
انكمش وجه “نصران” وهو يقول باستنكار شديد جعل هادية تتوقف عن الحديث:
ديون إيه وكلام فاضي إيه، التلات بنات دول لحم مهدي يعني هو متكفل بيهم ولا هيرمي عرضه؟
تابعت “هادية” وقد ارتسم تعبير ساخر على وجهها:
مهدي بعد وفاة حسن قالي إنه هيتكفل بينا، وإن دين أخوه هو مسامح فيه.
ظهر الرضا على وجه “نصران” فالحديث الآن مقبول ولكنها تابعت بما حول هذا التعبير إلى عكسه:
في مقابل ده بدأنا نخسر حاجة حاجة بالتدريج، بيت “مهدي” الكبير ده مليش أنا وبناتي فيه غير أوضة، قولت معلش بيرضي مراته أنا عارفة إنها مبتحبناش ووجودنا تقيل على قلبها، لكن أنت عارف الموضوع وصل لفين “مهدي” كان عايزنا خدامين لمراته وبنته.
شرد “نصران” بذاكرته إلى هذا اللقاء الذي جمعه بمهدي في بيته
Flash Back
_مش تعرفنا يا “مهدي” على بناتكم الحلوين دول؟
قالها ذلك الرجل بلطف شديد حين وقعت عيناه على الثلاث فتيات يدخلن من الخارج وتقودهم سيدة كبيرة ربما والدتهم.
تحدث مهدي وقد سيطرت المغالاة على حديثه:
طبعا طبعا يا باشا نعرفك.
خرجت من وسطهم تلك الشاذة، ربما هادئة الملامح، تراها للوهلة الأولى تظنها ملاك هبط للأرض ولكن الأفعال لا تبشر بهذا أبدا…. العلكة التي تلوكها في فمها بكل وقاحة بالنسبة لمن أمامها، وانفعالات جسدها ، حتى ملابسها التي لا تدل أبدا على كونها من هنا من هذا البلد وأخيرا نبرتها التي تحمل الكثير من الغنج:
وتعرفه أنت ليه يا عمي هو أنا لساني اتقطع!
شعر “مهدي” بالكارثة فرمق والدتها بنظرات محذرة اتت لتجذب مرفقها ولكنها ابتعدت لتقف أمام هذا الغريب ناطقة بضحكة لم تفارق فمها وهي تشير على شقيقتها الأولى:
دي “ملك” أختي الكبيرة
أشارت على الاخرى متابعة:
ودي مريم آخر العنقود
توقفت برهة ثم أشارت على نفسها تردد بلهجة لا تخرج إلا من فتاة ليل:
أما أنا بقى اسمي “شهد” … أشارت على “عمها” فتبعتها نظرات الرجل وهي تتابع وكأنها تقول شيء عادي:
وده عمنا مشغلنا خدامين عند مراته الحرباية.
لقد آتت للتو بحامل المشروبات تلك السيدة التي التقاها وفتحت له البوابة، آتت لتسمع ما يقال في حقها فأكدت شهد بكل تبجح ضاحكة أمام نظرات الرجل المذهولة:
أيوة هي الحرباية وده جوز الحرباية.
Back
فاق من شروده على صوت “هادية” تتابع سرد معاناتها:
فكرت من فترة أخد البنات ونمشي، لكن ولا في مكان نستقر فيه، ولا فلوس نصرف منها… كنت فاكرة إن الموضوع هيقف على محاولتهم في الإهانة لكن ده كبر ووصل إن شاكر ابنه بقى يتعرض لملك، عايز يتجوزها حتى لو بالغصب، وشاكر مفيهوش خصلة واحدة كويسة أقنعها توافق بيها، علطول شارب ولسانه طويل حتى على أمه وأبوه… ده واحد أنا اديله بنتي؟
أنهت حديثها بهذا السؤال المستنكر، فسألها “نصران” بهدوء:
هما بناتك بيدرسوا؟
هزت رأسها أثناء قولها:
ملك مخلصة تجارة وبتكمل دراسات وده طبعا من ورا مهدي علشان مينفعش ملك تبقى أحسن من بنته، و “شهد” في سنة تالتة في كلية الآثار، و “مريم” ثانوية عامة.
_قومي يا “هادية” خلي بناتك يجهزوا.
قالها “نصران” حاسمة فشعرت بالتوجس هل يعدن مجددا، ولكن قطع ذلك نبرته المطمئنة:
أنتِ وبناتك في ضيافتي، و…
قاطعته تقول بإصرار:
لا أنا مش هقبل بكده، لو عايز تساعدني فعلا هاتلي شغل ، وسكن في أي مكان بالإيجار بس يكون خفيف، أنت طبعا كبير البلد وعارف في مكان مناسب لينا ولا لا.
ابتسم “نصران” ونظر للأرضية متمتما بكلمة سمعها “عيسى” جيدا:
متغيرتيش .
هنا انتبه “عيسى” جيدا، وأخذت نظراته تجول بين الاثنين والده و “هادية”.
كانت في انتظار إجابة من ” نصران” حتى حل هذا الوضع بجوابه:
خلاص أنتوا ضيوفي لحد ما تدبر، آتت لتعترض ولكنه قاطعها متابعا:
وقبل ما تعترضي لما ربك يأذن و تشتغلي نبقى نتحاسب على أي حاجة.
تنهدت بإحراج ثم هزت رأسها في النهاية موافقة ليستطرد هو:
طبعا مش هينفع تقعدوا في المضيفة هنا، المكان مش جاهز وناقصه حاجات كتير.
_ممكن يقعدوا في الدور التاني من البيت.
قالها “عيسى” قاصدا منزل والده الكبير والذي لا يسكن أحد طابقه الثاني، فطاهر جهزه للزواج ولكنه فضل قضاء معظم الوقت في الأسفل مع العائلة حتى تركه تماما.
هز “نصران” رأسه موافقا وأخبر “هادية” التي بان على وجهها علامات الاعتراض:
ده مؤقت بس لحد ما نتفق مع حد على حاجة إيجار.
استعد للرحيل فقال مؤكدا:
على بالليل كده هبعت حد يجبكم بإذن الله.
هزت رأسها مبتسمة بامتنان وهي تصرفه هو و “عيسى” إلى الخارج، تشعر بطعنات في فؤادها فلقد بهت الحزن على وجه “نصران”، لا يصرخ على فقد ابنه ولكنها متيقنة من حزنه، ذلك الجرح الغائر والذي لن تداويه الأيام.
اه وألف اه إنه ” نصران” حبيبها الذي لم تكتب لها الأيام أن تجتمع به قط
شرع ذهنها يكرر عليها عبارات من الماضي فلمعت كأنها تحدث توا:
_هتوافقي يا “هادية”؟
قالها بدموع أول مرة ترى تكونها في عينيه، دموع قذفت بها إلى الهاوية ولكن قلة حيلتها كانت الجواب:
حاولت ومعرفتش، لازم أتجوز ” حسن” علشان لو السما انطبقت على الأرض مش هيرضى بجوازنا، بس أنا حبيتك والله العظيم حبيتك.
ابتلع غصة مريرة في حلقه، أغمض عينيه ونطق بنبرة مزعته قبل أن تمزعها:
امشي يا “هادية”.
فاقت من شرودها على دموعها التي فرت من عينيها، مسحتها سريعا وأغلقت الباب متجهة إلى الداخل، إلى حيث بناتها.
★***★***★***★***★***★***★
مر يومان تغير فيهما الكثير، شيء واحد فقط بقى هو الحزن الذي خيم على الأجواء في منزل ” نصران” ، يقل تدريجيا ولكن أثر الجرح لا يزول
كانت “رفيدة” في غرفتها ومعها “يزيد”، سمعت دقات على باب غرفتها فتكرت مشروب الشوكولاتة الساخنة من يدها و قالت:
ادخل.
كانت الدهشة هي التعبير المسيطر، حين وجدت أن الطارق هو زوجة ” طاهر” السابقة “فريدة”
دخلت “فريدة” التي ارتدت فستان أسود غاية في الأناقة ومدت أصابعها الرقيقة تربت بها على كتف “رفيدة” قائلة بحزن:
البقاء لله يا حبيبتي.
هزت “رفيدة” رأسها وكانت إجابتها:
ونعم بالله… اتفضلي اقعدي يا “فريدة”.
جلست ” فريدة” على الفراش، ولاحظت الصغير الذي لم يرحب بوجودها على الإطلاق فقالت بابتسامة لطيفة جذبت “يزيد” لها:
يزيد حبيبي مش هتسلم على مامي؟
مد لها كفه الصغير فاحتضنته ضاحكة ولكن اندثرت ضحكتها حين سمعت “رفيدة” تسأل:
جيتي ليه؟
_علشان ده الواجب، وعلشان “فريد” مكانش أخو جوزي بس ده كان أخويا.
قالتها ببعض الحدة ثم عادت إلى رقة نبرتها متابعة:
هو فين “طاهر” ؟
الحية بالتأكيد سألت الجميع هذا السؤال وحين لم تحصل على إجابة آتت هنا لها، قررت أن تفسد مزاجها وقالت بتصنع عدم المعرفة:
معرفش، ممكن يكون في الدور التاني بيشوف لو طنط محتاجة حاجة.
انفعلت “فريدة” حقا وسألت مسرعة:
الدور التاني شقتنا!
_قصدك اللي كانت شقتكم.
صححت لها “رفيدة” متابعة:
أصل طنط هادية من معارف بابا، قرر من يومين إنها هتقعد فيها هي وبناتها كام يوم.
كورت “فريدة” قبضتها على الفراش وبادرت بسؤال مشتعل:
وبناتها دول كبار ولا صغيرين؟
تصنعت “رفيدة” التفكير ثم سريعا ما مثلت أنها حصلت على إجابة:
لا قدي كده تقريبا، معلش يا فريدة أنتِ شايفة الوضع أنا مدققتش أوي.
استقامت “فريدة” واقفة ومسحت على خصلات “يزيد” متصنعة الثبات ولكن الحقيقة هي أن داخلها موقد هل يحضر رب هذه الأسرة زوجة اخرى لطاهر!
هل تسمح لغيرها بأن تكون معه؟،
حقا داخلها يشتعل بلا انطفاء وظهر ذلك جليا في قولها المودع:
البقاء لله مرة تانية، أنا ماشية عن إذنك.
قالت رفيدة بهدوء:
اتفضلي.
انطلقت “فريدة” كالسهم نحو الخارج بينما كانت نظرات “رفيدة” المودعة حانقة، هي تشعل غضبا من هذه التي لم تقدر حب شقيقها ووضعت نفسها في مقارنة مع طفل صغير لا حول له ولا قوة، والأشد قسوة أنها أم!
احتضنت “رفيدة” الصغير بحب، وتناولت كوبها الذي فقد بعض سخونته تتابع النظر في هاتفها كما كانت تفعل قبل حضورها.
★***★***★***★***★***★***★
في إحدى صالات البلياردو وحيث دوى صوت الغناء الصاخب.
وقف “حسن” أمام طاولة اللعب بالعصا الخاصة به، يضرب الكور ليصبح الفائز أمام من يلعب معه.
لم يستطع البقاء في المنزل في وسط حالة الشجار التي نشبت بين والدته ووالده والتي قلبت البيت رأسا على عقب
Flash Back
تحدثت “سهام” بتعب:
يعني ايه يا “نصران”، تقعد هنا وفي بيتي بتاع إيه؟
_ضيفة يا ” سهام” .
قالها “نصران” وهو يستريح على مقعده يتناول الكوب الزجاجي لينعش روحه بالمياه فسمع ما زاد من إفساد حالته المزاجية:
تقعد في المضيفة زي ما كانت قاعدة، لكن شقة ابني لا… مطلعهم في شقة “طاهر” ده مقعدش فيها شهر على بعضه.
وضع “نصران” الكوب الزجاجي بقوة على الطاولة، وقد لمعت عيناه بالغضب واحتدت نبرته وهو يقول:
مفيش حاجة هنا اسمها شقة ابنك يا “سهام”، كلهم ولادي وولادك وكلهم برضو ميملكوش حاجة طول ما أنا عايش، وبعدين مضيفة إيه اللي هقعد الناس فيها، المضيفة اللي مش مفروشة حتى!
استطرد مقاطعا اعتراض ” سهام”:
البيت ده بيتي وأنا حر يا “سهام” ، وبيتك أنتِ كمان بس مفيش حق يخليكي تطردي حد أنا قررت إنه يبقى هنا.
أكمل بسخرية نبعت من ضيقه من تصرفها:
وعموما هما كام يوم وهدبرلهم مكان تاني، وشقة ابنك مش هياكلوا منها حتة متقلقيش.
Back
_حسن روحت فين؟
قالها صديقه الذي يشاركه اللعب فألقى حسن العصا ناطقا بملل شابه ذلك الذي بهت على تقاسيمه:
أنا مروح، مليش مزاج ألعب… هتمشى على البحر شوية وأروح.. ما تيجي معايا؟
سمعا نداء إحداهن شابة في عمر “حسن” تقريبا أو أصغر بسنتين، كانت جميلة ، سروال من الجينز، وسترة باللون الأحمر، وأحمر شفاه عرف الطريق إلى شفتيها والتي خرج من بينهما اسمه:
“حسن”.
استدار لها متأففا بانزعاج وهو يقول:
نعم يا ” مروة” عايزة إيه؟
نطقت بعينين دامعتين، لقد حطم قلبها هذا الوغد الذي هامت به حقا:
عايزة إيه! … أنت بتكلمني كده ليه يا “حسن”، هو أنت زهقت مني؟
تأفف بضجر في حين تابعت هي تذكره:
هو مش أنا ” مروة” اللي قعدت تلف وراها علشان تكلمك، مش أنا مروة اللي كنت مش بترتاح غير وأنت بتتكلم معاها… إيه زهقت؟
صدمها بقوله اللاذع والذي حطمها قطع صغيرة:
اه زهقت خلي عندك دم بقى وابعدي علشان أنا باجي هنا أريح دماغي، مش هيبقى أنتِ كمان عليا… دي حاجة تقرف.
قال آخر كلماته وأبعدها عن طريقه متجها للخارج أما هي فجلست على المقعد ووجهت رأسها للطاولة تبكي بصمت وقهر يمزقاها على من فعل بها كل ما حذرها منه الآخرون.
أحبت لعين أقسم عشرون شخص على سوءه فكذبتهم وصدقت واحدًا قال أنه ملاك.
★***★***★***★***★***★***★***★
عند “هادية”….كانت الحالة بينهن جميعا متوترة، لم يمر اليومان مرور الكرام أبدا بل فعلا بهن الكثير،
بداية من معرفة والدتها بكلامها المبهم عن زواج ما فانفردت بابنتها والقلق يعصف بها، تدعو الله أن يكون مجرد حديث لا صحة له
Flash Back
وقفت أمام ابنتها تسأل بتوجس لم يمنعها من أن تكون نبرتها حادة:
أنتِ قولتي إيه لإخواتك يا ” ملك” ؟
اعترفت بما قالته ولم تهتم بردة الفعل أبدا:
بنتك بتقولي إني لو مسكتش هتجوزني شاكر، قولتلها مفيش واحدة متجوزة بتتجوز تاني.
هزت “هادية” رأسها نافية وهي تقول بإصرار من أيقن حقيقة شيء:
أنتِ مش متجوزاه، أنتِ كدابة… ملك بنتي عمرها ما تعمل حاجة زي دي من ورايا، ولو عملتها هيبان عليها… الكلام ده يصدقه اخواتك لكن أنا لا.
انهارت “ملك” أمام كلمات والدتها التي نزلت عليها كالخناجر، انهارت وخرج حديثها مشابها تماما لهذا الانهيار:
أيوه كدبت، شوفتي بمجرد كدبة كلكم خوفتوا ازاي؟
كلكم خوفتوا علشان الشرف عندكم مادي، أنتِ خوفتي من الفضيحة، وهي خافت إن أكون فعلا مراته وساعتها نسبة إني أقول الحقيقة هتبقى أكبر…أنا مهانش عليا أشوف الخوف في عينكم دقايق لكن أنتوا محدش فيكم حس بيا… أنا بتقطع مية حتة ونفسي أشوف دم “شاكر” على الأرض زي ما شوفت دم “فريد” و “شهد” جاية تقولي لو مسكتيش هيبقى مصيرك الجواز من شاكر، بتقول بكل بجاحة ومش واخدة بالها إنها سبب في إني متكلمش، علشان لو مكانتش راقبتني وصورت مكانش بقى ده الموقف النهاردة، لكن هي راحت بنفسها رمت الكورة في ملعب شاكر…. وقفت صورتنا وفي الآخر التليفون بقى مع شاكر، تفتكري لو روحت دلوقتي قولت لنصران وعياله إن شاكر اللي عملها شاكر هيسكت؟
آتت أمها تتحدث ولكن قاطعتها “ملك” متابعة:
هيقول إن شهد متفقة معاه، هيقول إن هي صورتنا وهو شاف الصور راح يتخانق علشان بنت عمه اللي ماشية مع ابن نصران، وقتله… لو في عرف القانون هتتحسب مشاجرة وشاكر بس هو اللي يتحاسب، لكن في عرف “نصران” هتتحسب إن “شهد” و “شاكر” سبب في قتل ابنهم والتمن حتى لو مش هروح شهد هيبقى غالي أوي ومش هنقدر ندفعه.
اقتربت “ملك” من والدتها وواجهتها بسهام عيونها الدامعة:
هتقوليلي ممكن نكدب شاكر ونقول إن أختك كانت معاكي و بتصور عادي، هقولك إن الحاجة اللي محدش فكر فيها هو بتاع الدرة… الراجل اللي لو حد سأله هيقول إن محدش كان هناك غيري أنا و “فريد”… أنا اتقتلت مرتين، مرة و” فريد” بيموت بين إيدي، ومرة تانية وأنا واقفة عاجزة مش قادرة أخد حقه علشان احتمال إن أختي تتأذي كبير.
استندت ملك على الحائط وقالت من وسط نحيبها:
عارفة إيه اللي بيوجع أكتر؟
صاحت وهي تقول من بين حرب دموعها التي شنت سيوفها عليها:
إنها أختي، إن اللي مانعني عن حق حبيبي هو كمان حبيبي.
جلست على الأرضية وهي تضرب بكفها المتكور على الحائط بكل قوة وكأنما تفرغ طاقتها هنا، ولكن كلمات والدتها لم تخمد الألم بل ضاعفته حين قالت:
صدق اللي قال إن ريح الغضب بتطفي نور العقل، أختك غلطت، بس أنتِ مش بريئة أنتِ كمان غلطتي زيها، لكن أنتِ مش عارفة تشوفي الحلو ليها، مش قادرة تشوفي إنها خافت عليكي من شاكر وجريت تدور على اللي يلحقك… بتحاسبيها على تصرف اتسبب في إننا مش عارفين نقول إن شاكر القاتل، لكن ما حسبتيهاش على خوفها عليكي … عارفة ليه يا ملك؟
سألت “هادية” وقد نجح الحزن في احتلالها، رفعت “ملك” نظراتها إلى أمها لتسمعها تجيب عن السؤال بما قتلها ذنبا:
علشان خوفها عليكِ فاتورته غالية أوي يا “ملك”.
قالتها وتركت الغرفة متجهة نحو الخارج كي تخبرهن بالاستعداد إلى الرحيل من هذه المضيفة إلى بيت ” نصران”.
Back
منذ ذلك اليوم وبعد أن غادرن المضيفة وكل منهن تتجنب الاخرى، عدا الأم التي تحاول جاهدة إصلاح ما فسد بين بناتها … كان موعد الغذاء قد حان، سمعن دقات الباب فقامت “شهد” تفتحه لتجده ذلك الذي حمل عدد لا بأس به من الأكياس البلاستيكية، إنه “طاهر”…. ناولها الأكياس قائلا:
دي حاجات هتكفي أسبوع، لو احتاجتوا أي حاجة تانية لما تيسير تطلعلكم بلغوها.
_تيسير مين؟
سألته مستفسرة فأجابها موضحا بتلقائية:
تيسير اللي بتساعدنا تحت في البيت، وهي هتطلعلكم برضو علشان لو احتاجتوا حاجة، ولو حبيتوا تخرجوا ممكن تنزلوا مع ” تيسير” و تجيبي اللي محتاجينه علشان أنا من بكرا هبقى في رحلة.
رفعت حاحبها الأيسر تسأله باندهاش:
هتتفسح؟
ضحك على سؤالها وهو يردد سائلا:
أتفسح إيه بالظبط؟
أشارت له تقول متيقنة مما سمعته:
أنت قولت رحلة على فكرة.
هز رأسه وهو يرفع كفه ماسحا على عنقه بتعب:
أيوه قولت رحلة… أنا طيار.
_احلف!
نطقتها بانبهار حقيقي فتحدث مازحا:
لا أنا طيار عادي بسوق طيارة، مش عندي جناحين بطير بيهم على الانبهار اللي أنتِ فيه ده.
قطع انسجامها، فانكمشت ملامحها بضيق رامقة إياه بشر فقلد حركتها هذه مما جعلها تغلق الباب في وجهه ناطقة من الداخل بغيظ:
شكرا.
شيطانة هو لم يخطئ في وصفها أبدا، منذ فعلتها في أول يوم تقابلا فيه والأدهى أن عمه يستضيفها الآن، نزل وقد لاحت على وجهه ابتسامة ولكنها حزينة باهتة حين سمع صوت فريد وكأنه يقول الآن:
بدلة الطيارين دي أنا هاخدها اظبطها عليا ، واتصرفلك في غيرها، ولا الطيران واللي بتقابلهم في الطيران نسوك حبيبك “فريد”.
همس ” طاهر” بصدق نبع من قلبه أولا:
عمري ما أنساك يا حبيبي، ولا عمري هعديك.
تابع طريقه إلى أسفل حيث وجد الجميع حول المائدة من أجل وجبة الغذاء عدا “حسن” و “عيسى” …. جلس “طاهر” على مقعده المخصص وسأل ليقلل من حدة هذه الجلسة الكئيبة:
هو “حسن” فين؟
نطقت “سهام” وهي تقلب ملعقتها في الطبق دون أن تأكل:
حسن خرج لأصحابه شوية.
قال طاهر بدهشة:
بس أنا مشفتهوش من الصبح.
_ماهو معاهم من الصبح.
كانت هذه إجابة “سهام” التي لم ترض “نصران” ولا “طاهر” ، فإذا ظل “حسن” هكذا لن يمر الأمر بسلام أبدا لذا يجب اتخاذ موقف.
نزل “عيسى” ورأى والده أنه متجه للخارج فتوجهت الأعين نحوه واقتحمها صوت “نصران”:
على فين يا ” عيسى” .
توقف “عيسى” مكانه واستدار يرى تجمعهم على المائدة والده وزوجته، “طاهر”، ” رفيدة” ، و “يزيد”
بقى ثلاث مقاعد ينتظروا أصحابهم… أجاب أخيرا على سؤال والده:
هروح لفريد، وهخرج شوية وراجع.
طلبت “رفيدة” بابتسامة واسعة:
تعالى اتغدى معانا.
أحرق أملها حين قال:
لا أنا هتغدى برا.
قال والده بحده:
أنت في بيت الحاج “نصران”، يعني تقعد تاكل مع كبيرك، ولو عايز تروح أي حتة بعدها ابقى روح.
ضغط ” عيسى” بأسنانه على جانب شفته السفلية مكررا:
وأنا مش عايز أكل… احترامي ليك يا بابا ملهوش علاقة بالأكل والشرب وإلا يبقى احترامي لشخص يقف على إني أدخل الحمام علشان هو عايزني أدخل!
لم تستطع “رفيدة” كتم ضحكتها فانفلتت منها ولم ترفع رأسها بل أبقت عينيها في طبقها، بينما تابع “عيسى”:
وده طبعا ميمنعش إن لو دخولي الحمام دلوقتي هيثبتلك احترامي فأنا هدخله، مع إني مبفضلش الاحترام يتقاس بالحاجات دي.
قام ” نصران” من مكانه تاركا مقعده وتوجه ناحية ابنه مما جعل الضحك يتوقف عند رفيدة، بل وجعل أنظار الجميع مصوبة ناحيتهما، شعر “طاهر” بأن والده ربما ثارت ثورته فحاول إخمادها وهو يقول ملطفا:
متزعلش يا حاج “عيسى” بيهزر عادي.
كانت عيناهما متلاحمة “عيسى” و “نصران” كان “عيسى” ينتظر قول والده ولم ينتظر كثيرا إذ سمعه يقول:
الاحترام مش بالأكل والشرب صحيح يابن “نصران”، الاحترام هنا هو احترام عوايد البيت اللي أنت فيه، واحترام كبير البيت اللي لو قالك كل تقعد تاكل حتى لو هتحط اللقمة في بقك بالعافية.
أجاب ” عيسى” واثقا:
وأنا بحترمك يا حاج وأنت عارف… بس في نفس الوقت أنا مبحطش لقم في بوقي بالعافية، لو عايزني أقعد هقعد بس مش هاكل.
_اقعد.
قالها “نصران” بإصرار فوافق “عيسى” وذهب للطاولة وقف ثوان متأملا ثم سأل:
فين كرسي فريد؟
أشارت له “رفيدة” على المقعد المجاور لوالدتها بحزن فترك هذا المقعد وجلس على آخر، سأل خشية من أن يجلس على مقعد شقيقه، يريد أن يبقى كل ما لمسه كما هو.
حل التوتر فعيسى جلس يتأملهم جميعها ونظراته تفرهم واحدا تلو الآخر لذا اختار الجميع أن يتناول طعامه أما هو فرفع صوته طالبا:
تيسير هاتي ازازة شاي من اللي في التلاجة.
قال طاهر ضاحكا:
بابل تي.
هز “عيسى” رأسه مبتسما وقطع ابتسامته صوت “سهام” تعرض عليه:
في سوتيه تحب أحطل…
_مش عايز.
خرجت منه دون النظر حتى لها أو ترك المجال لتكمل عرضها، فشعر الجميع بالحرج ولكنه عالج هذا الحرج حين استدار لها ناطقا بابتسامة تكونت على جانب فمه:
شكرا يا مدام “سهام” على زوقك.
قطع هذه الجلسة المليئة بالكثير اتصال هاتفي لنصران، قام “عيسى” ذاهبا إلى الهاتف الموضوع على الطاولة يقول مشيرا بكفه:
كمل أكلك يا بابا… هشوف أنا مين.
أخبر والده بالمتصل فطلب منه الإجابة فهو أحد الواقفين عند مدخل القرية، أجاب “عيسى” منتظرا سماع سبب الاتصال، ذلك السبب الذي جعله يغلق الهاتف ويقول لوالده بوجه اتقد اشتعالا:
مهدي وابنه واقفين عند مدخل القرية ومعاها رجالة كتير.
سألت “رفيدة” باستغراب حين شعرت بانقباض الأجواء:
عايزين ايه دول؟
قام نصران من مكانه واتجه ناحية المرحاض يغسل يديه وهو يقول بنبرة سمعها كل الجالسين:
“عيسى” و “طاهر” قوموا معايا هنقابلهم.
نظرا “عيسى” و “طاهر” لبعضهما… كلاهما يعلم إما معركة شرسة أو حل ودي ولكن الاحتمال الأول أكبر.
هل تستقبل زائر حمل الشر في جعبته وأتي؟
ربما تستقبله وأنت جاهل بشره، ولكن الأدهى أن تستقبله وأنت تعلم أنه يجر الشر جرا إليك.
إنه هنا يدق بابك ويريد الدخول، وأنت الآن ليس أمامك سوى حل واحد فقط…حل دُفِعت له دفعا ألا وهو….
المواجهة .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى