رواية أو أشد قسوة الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سارة مجدي
رواية أو أشد قسوة الجزء الحادي والثلاثون
رواية أو أشد قسوة البارت الحادي والثلاثون
رواية أو أشد قسوة الحلقة الحادية والثلاثون
لم يستطع عدنان البقاء في العيادة أكثر من ذلك قلبه يؤلمه ويريد ان يختلي بنفسه في غرفته او صومعته الخاصة في حديقة القصر يريد ان يبتعد عن الجميع … رغم انه لا يعرف هل وحدته أفضل؟ ام بقائة في حضن عائلته أفضل؟
لكن رغم كل هذا غادر دون ان يتحدث مع اي من أدهم او عبدالله … قلبه وعقله يشعرون بالخدر والالم ان قلبه اصبح واهن ك جسده الذي بدء يضعف تحت تأثير مرضه الذي يأكله من الداخل دون رحمه
طوال الطريق يحاول السيطرة على دموعه التي تحاربه حتى تغادر محبسها لكنه يأبى أن يظهر ضعفه حتى لنفسه
وصل الي القصر وهو مازال سارحًا في افكاره يحارب اشباح نفسه وهواجسه… بين خوفه على أدهم وحزنه على ظلال .. وشفقته على نفسه حتى انه في خضم كل هذا نسي هوا تمامًا
لم يستطع ان يدخل الي القصر .. فقدميه لا يشعر بهم وكأنها من هلام … والخطوات البسيطة لصومعته ثقيلة عليه … فكيف سيكون حاله حين يصعد الي غرفته مؤكد سوف يسقط في منتصف الطريق
القى بجسده على الاريكة الكبيرة منهك وفاقد القوى … كانت تتحدث في الهاتف جوار النافذة حين رأت سيارته تعبر البوابة الحديدية الكبيرة … فقلبها قفز بداخل صدره بسعادة … وكادت ان تخبر شُكران انه وصل … لكنها تراجعت عن هذا حين لاحظت حالته وكتفيه المتهدلين … وتوجه الي تلك التعريشة الكبيرة وليس الي داخل القصر
اغلقت الهاتف وقررت الذهاب له … في نفس الوقت كانت ظلال تقف امام النافذة في عادة أصبحت تلازمها طوال الشهر المنصرم وشعرت بألم قوي ينحر روحها وهي تراه على هذه الحالة .. التي لا تفهم سببها .. هل سببها تلك الفتاة التي دخلت حياته ومنذ دخولها وحاله عدنان مختلفة تمامًا عن حاله سابقًا؟وفي غمرة أفكارها لاحظت أقتراب هوا من صومعة عدنان .. شعرت بنار حارقة تنهش روحها وقلبها .. لما تلك الفتاة أصبح لها ما كان من المفترض أن يكون لها هي؟ لكن الغضب غلب أحساسها فأغلقت النافذة والقت بجسدها على الكرسي القريب منها وهي تقول لنفسها لماذا هي؟ لماذا؟
مغمض العينين يريح رأسه الي الخلف بإرهاق واضح وحزن يرتسم على ملامحة لا يخطأه الاعمى .. شعرت بالشفقة عليه يبدوا كطفل صغير تائه ولا يجد من يمسك بيده ليطمئنه .. ظلت على وقفتها امامه وهي تفكر أنها تشعر بشيء خاص بذلك الرجل .. تذكرت يوم اخبرها عن مرضه دون أن ينظر اليها او يواجهه عينيها .. شعرت بالشفقه عليه وبألم قوي داخل قلبها وبداخلها حين قررت ان توافق على عرضه كانت تريد أن تكون أم له تضمه الي صدرها بحنان وتربت على ظهره تواسيه وتمسك بيده حتى تخفف المه
ربتت على يده بهدوء وهي تنادي بصوت هامس
-عدنان .. عدنان
فتح عينيه ينظر اليها لتشعر بالصدمة حين رأت عيونه الحمراء والدموع التي تملئها كسهام نارية أخترقت قلبها لتجثوا على ركبتيها أمامه وهي تمسك يديه بقوة وقالت بلهفة ولوعة
-مالك يا عدنان؟ فيك ايه؟ ليه حالك كده؟ ايه اللي حصل؟
أنحدرت دمعة واحدة من عينيه فوق وجنته وهو يقول بألم وحصره
-هو انا ربنا غضبان عليا ليه؟
قطبين بين حاجبيها باندهاش وصدمه .. ليكمل كلماته وكأنه ينزف لا يتحدث
-غلطت اه .. عملت كبيرة من الكبائر .. اه .. لكن تُبت والله تُبت ليه الاستمرار في العقاب .. ليه أفضل عايش في خوف .. ليه الخسارة ديما محوطاني
الم قوي بقلبها وشعور لا يوصف بالقهر وهي تقول بحزن
-ايه اللي حصل علشان تقول كده؟
نظر لها بصمت .. وبداخل عينيه الكثير من الحديث لتبتلع ريقها الذي يشبه الشوك الان وقالت بصدق
-أنا عايزة أسمعك .. طلع كل اللي في قلبك اعتبر انك بتتكلم مع نفسك
بلل شفتيه بلسانه وتنهد بصوت عالي .. ثم قال بصوت متقطع
-قلبي زمان أتعلق بيها .. شوفتها حلمي وحقي بس قولت هي موجودة مش هتروح في مكان خصوصًا وأنا عارف ومتأكد أن قلبها ليها … علشان كده شطحت وأفتكرت أن الدنيا كلها ليا .. أغلط براحتى وهلاقي اللي بتسامح وراضية وموافقة .. لحد ما ربنا قالي لو فاكر إنك في ايدك حاجة تبقى غلطان أوي .. وفجأة راجل رياضي حتى السجارة مش بيحطها في بوقه يجيله إيدز
ضحك بصوت عالي يحمل الكثير من السخرية ثم أكمل بتهكم
-واللي كان فاكر انها ملك ايديه مبقاش حتى يقدر يقرب منها ولا تكون ليه .. أنكسر قلبه وقلبها .. وكل يوم ربنا بيعاقبه بأنه بايده بيجرحها جرح جديد .. وهو ينزف مكانها .. ودلوقتي بقى بيخاف يخسر حد تاني .. خايف على أبن عمه .. خايف على جدته .. حتى خايف عليكي يا هوا .. خايف أخسرك .. خايف أوجعك أو أظلمك .. بقيت عايش بس بالخوف
الدموع تغرق وجهها وهي تسمعه يتحدث بكل هذا الحب عن التي أخذت قلبه .. لكن بقلب الام أعتدلت قليلًا ورفعت ذراعيها تحاوط عنقه بقوة .. وظلت تربت على ظهره بحنان ليرفع هو الاخر ذراعيه يضمها بقوة وكأنه يحتمي بها أو يبحث عن الامان بين جنبات روحها ورائحتها
أخفى وجهه في تجويف عنقها وبدء في البكاء بصوت عالي لتشعر بالشفقة على حاله وتناست ولو مؤقتًا جرح قلبها وشفقتها على نفسها .. ورغم كل شيء كانت تلوم نفسها على هذا التفكير .. هو لم يقل لها يومًا أنه يحبها .. لقد عرض عليها الزواج فقط حتى يؤمن لها حياة كريمة وفي نفس الوقت يتخذ منها غطاء ليخفي ما ستره الله بها … وفي النهاية هي من ستكون زوجته هي من ستحمل اسمه … هي من ستبقى جواره ومعه حتى النهاية اي نهاية لذلك زادت من ضمها لها … حتى تشعره بالامان وبكونها جواره
ظل يبكي ويبكي حتى يخرج كل ما بداخله بكى كطفل صغير بكى خوفًا وحزنًا وقهرًا وعجزًا بكى بعينيه وقلبه وروحه .. لم تعد تتحمل كل هذا فهمست جوار أذنه
-“لقد وقعت في الحب معك ولا تسألني كيف؟ وأين؟ ومتى؟ لكنني أشعر بالجنون أن تخللت أصابعك بين أصابع غيري .. أتسائل عن أسباب الخدوش في أطراف أصابعك .. الاحظ أبسط تفاصيلك .. أعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون فلا تخذلني أنا بحاجتك”
ليرفع رأسه ينظر اليها بصدمه واندهاش .. لكن الصدق بعينيها جعل قلبه وللحظة لحظة خاطفة نطق ثلاث حروف مختلفة عن الأربع حروف التي عاش عمرًا كاملًا يرددها
……………….
تجلس فاطمة على الكرسي المجاور للأريكة التي تتمدد عليها سليمة تمسك بيديها والتموع لا تتوقف .. وكلما تلاقت عينيها بعين أدهم أشاحت بوجهها عنه رغمًا عنها .. شعر أدهم بأحساسها ويعطيها عذرها .. فلم يشفع عندها جلوسة أسفل قدمي أبنتها وخوفه الظاهر على ملامحه .. أقترب منها وهو على نفس جلسته أرضًا وقال بصدق
-أنا لو مكانك هكره اللي بيعمل فيها كده حتى لو متأكده من حبه ليها وحبها ليه
نظر الي وجه سليمة للحظات ثم عاد بنظرة الي فاطمة واكمل
-انا بحبها .. اوي هي دنيتي اللي من غيرها هموت .. لا ف يوم فكرت أكون سبب في دموعها ولا حزنها ولا أتمنى في يوم أكون أنا سبب حزنها .. وموتي أهون عليا من ده وربنا شاهد
صمت للحظات ثم قال وصوته يختنق ببكاء ترفض رجولته وكبريائه الذكوري بالسماح له بمغادره عينيه
-لو شايفة ان بعدي عنها هو الحل
صمت لم يستطع أن يكمل .. وأختنق صوته وأنحشرت الكلمات في حلقه .. لتمسح فاطمة دموعها وقالت بصوت متقطع
-اي أم يا ابني بتبقى عايزة بنتها لما تتجوز .. تتجوز راجل حقيقي .. راجل بجد يحبها ويصونها ويحميها .. وميجرحهاش .. وانا عارفة أنك معملتش حاجة لبنتي .. هي حبها ليك اللي خلى الخوف يسيطر عليها .. مش أنت .. وحتى لو كنت عملت حاجة أنا متأكدة أنه غصب عنه
أقترب منها أكثر وبيده الاخرى مسك كفها وقبلها بأحترام وقال بصدق
-أفديها بعمري يا أمي .. ولو مصلحتها في بعدها عني أنا
-أنت ايه؟
لم يكن هذا صوت فاطمة ولكنه صوت ساكنه قلبه .. حبيبته .. نبض قلبه وروحه التفت لها وابتسامة راحه وسعادة تنطق من ملامحه حتى انه سار الخطوات التي اقتربها من فاطمة عائدًا على ركبتيه .. وقال بلهفه
-حبيبتي أنتِ كويسة؟ حاسة بحاجة
هزت رأسها بلا ورفعت رأسها ليساعدها حتى تجلس ونظرت الي والدتها التي تنظر اليها والدموع تغرق وجهها لتقول بصدق
-أنا كويسة يا ماما .. أنا بس من خوفي على أدهم ولأنك كنتِ معذباني طول اليوم لف في الشمس اغمى عليها
لم تعلق فاطمة على كلمات أبنتها لكنها قالت
-الحمدلله إنك بخير يا بنتي الحمدلله
عادت سليمة بنظرها الي أدهم وقالت بشر
-حضرتك بقى كنت بتقول ايه من شوية؟
أبتسم أبتسامة صغيرة واخفض رأسه أرضًا وهو يقول
-أنا مقدرش أبعد عنك يا سليمة .. لكن مصلحتك
-مصلحتي معاك .. لأني بحبك .. وزي ما بعدي عنك الموت وقتها أهون بالنسبة ليك أنا كمان موتي أهون من بعدي عنك
أبتسم بسعادة وهو ينظر الي عينيها التي تخبره بكل اللغات إنها تحبه .. ويضم بين يديه يديها التي طالما ربتت على جروح قلبه .. مسحت فاطمة دموعها وهي تدعوا لهم بصلاح الحال ودوام الحب بينهم
…………..
غادر الغرفة حتى تستطيع سليمة أخذ راحتها لبعض الوقت حتى ترتب نفسها ليعيدها الي المنزل
جلس جوار عبدالله الذي كان يمسك أحد الكتب العلمية يقرأه نظر لأدهم بطرف عينيه ثم عاد بتركيزه الي كتابه الذي لم يقرأ منه حرف لكنه يختبئ خلفه من أسئلة أدهم التي لا يستطيع الاجابه عليها
لكن أدهم لن يتراجع يريد أن يفهم ويعلم ماذا حدث؟ ولماذا رآى الالم والحزن والجرح داخل عيني سليمة؟ ولماذا يشعر أنه جرحها لسبب ما؟
فقد صبره وسحب الكتاب من يد عبد الله وهو يقول ببعض الغضب
-ماسك الكتاب بالمقلوب أصلًا .. ف متحاولش تهرب علشان أنا عارفك كويس يا عبدالله
ليعتدل عبدالله ونظر له ببعض الضيق لكن من داخله يشكر الله على صداقته بشخص مميز ك أدهم .. يفهم كل منهم الاخر .. ويدعمه دون شروط .. لكنه قال بملل
-عايز أيه مني؟ هو مش كفاية أنكم منزلني من بيتي بدري عن معاد العيادة .. وكمان عمال ترخم عليا .. عايز ايه يا بارد
-ايه اللي حصل؟ جرحتها انا حاسس بده .. أرجوك قولي الحقيقة
لم يستجيب أدهم لمزاح عبدالله وقال كلماته بحزن يقطر من كل حرف فيها لمس قلب عبدالله الذي يشفق على صديقة من كل ما يمر به .. أخذ نفس عميق وقال بصدق موضحًا
-بص يا أدهم غلط نخلط أحداث الشخصيتين في بعض .. كده أحنا بندي فرصة للشخصية التانية أنها تسيطر .. وممكن في مرة من المرات تتحول بشكل كامل لثامر
قطب أدهم حاجبيه بعدم فهم ليكمل عبدالله كلماته
-اللي ضايقها هو ثامر وهي هتعرف تحاسبه على اللي عمله .. مينفعش تدفع تمن أغلاطك وأغلاطه .. وبعدين
ربت على ساق أدهم وهو ينصحه قائلًا
-سليمة بتحبك بكل حالاتك .. بلاش ديما تعذب نفسك .. وتحاسبها وتلومها .. الحب مش كده .. هي فاهمة ومدركه ومتقبله بلاش تعيشوا بعض في أدوار الضحية .. تقبل قدرك زي ما هي تقبلته .. وأفصل زي ما هي فاصله
ضحك ضحكة قصيرة وقال بتشجيع
-أشغل نفسك بتجهيز جناحك في القصر علشان تتجوزوا .. طول ما انت أدهم أسعدها وفرحها وعيش معاها وبيها وعيشها وسيب ثامر بكل حواراته لوقت ظهور ثامر ول سليمة .. وأرجع تاني واظب على العلاج .. والجلسات علشان نقنن ظهوره
أومأ أدهم بنعم وهو يفكر .. كيف يبدء؟
أراد أن يختم كلماته بشكل مميز فقال
-مرة قريت مقوله بتقول “الحياة يا صديقي وباختصار أيام تحبها، وأيام تبغضها، وأيام لا تفهمها، وأيام ترى حكمه الله فيها بوضوح …. وأيام تسحق أشياء كثيرة بك، وأيام تسعد قلبك وتطيب روحك، وأيام لا تدري لماذا كان عليك عيشها، وأيام تنتظرها ولا تأتي.” ومع كل واحدة منها عشها بكل تفاصيلها .. لأنها بعد ما بتعدي يا بتكون ذكرى حلوة .. أو درس مهم
أومأ أدهم بنعم .. وربت على ساق صديقة وقال بصدق
-شكرًا يا صاحبي .. ربنا يديم صداقتنا
خرجت سليمة من الغرفة ليغادروا جميعًا ليتنهد عبدالله وشبح أبتسامة ترتسم على شفتيه وهو يدعوا لصديقة
………………….
على طاولة الطعام بقصر الخشاب كانت هوا منكمشة على نفسها ف بعد ما قالته له في صومعته في أشد لحظاته ضعفًا واعترافها بالحب ورد فعله الصامت الذي جعلها تشعر بالاحراج وتغادر سريعًا دون أن تقول اي شيء أخر .. ظلت تحتمي بوجود شُكران حتى لا تنفرد في مكان معه .. وهو لم يحاول من الاساس أن يكون معها في مكان بمفردهم ف حتى تلك اللحظة هو لا يستطيع أدراك أو فهم ما يشعر به .. هل صدقها جعل كلماتها تترك أثر داخل روحه العطشة للعطف والحب والاهتمام .. او ضعفه في تلك اللحظة هو ما جعله يتأثر بكلماتها الي هذا الحد
لكن أي أن كان ما حدث أو الاسباب خلف ما شعر به .. هو يشعر بالسعادة لأول مرة .. يشعر بالامان لأول مرة .. يشعر بالاهتمام لأول مرة وكانه كان مجرد طيف يسير بين البشر لا يراه أحد ولا يشعر به وفجأة أمسكت يده فتاة سمراء البشرة رقيقة الملامح وقالت له بكل حب أنا أراك انا اهتم بك .. أنا بجانبك
انتبه من أفكاره على صوت شُكران وهي تقول
-مش ناوين بقى تحددوا معاد الفرح
أرتعشت يد هوا التي تمسك بها الملعقة ليشفق على حالها عدنان وقال بهدوء
-أنا قربت أخلص الجناح .. بس بفكر أشوف ادهم لو قرب هو كمان يخلص نعمل فرحنا سوا
واكمل مازحًا
-وأهو منها نوفر .. وتبقى بدل الفرحة فرحتين
لتنظر شُكران لهوا وقالت بأبتسامة أم تحمل الكثير من الحنان والامان
-ياريت والله بس ده لو معندكيش مشكله أن فرحك يبقى مشترك
نظرت هوا لوجه عدنان لعده لحظات ثم قالت بأبتسامة صغيرة
-معنديش مشكلة طبعًا .. وكمان طالما ده هيفرح عدنان ف أكيد أنا هعمله من غير تفكير
اجابتها ويالها من أجابة لمست قلبه المفتقد للاهتمام .. عدنان لم يكن يومًا ذلك الرجل المائع الذي ينتظر الدلال من احد .. لكن سره الكبير الذي يخفيه على الجميع هو ما يثقل كاهله .. ويجعله كطفل صغير تائه في دروب الحياه وحيدًا .. ولا يجد من يمسك يده وهو يعبر الطريق .. أو في اليالي الباردة يضمه ويحميه من لسعات البرد القارصة .. وجائت هي ببعض جمل تحمل الاهتمام الصادق لمست قلبه وجعلته بهذه الحاله التي لا يستطيع وصفها حتى لنفسه
حاول اخراج نفسه من كل هذا وقال لجدته
-أنا وهوا هننزل أخر الاسبوع نشوف الاثاث .. ونختاره وعلى ما اخلص اللي باقي في الجناح يبقوا يبعتوه . ولو ادهم أموره تمام نعمل الفرح بعد شهر من دلوقتي
شعرت بالاحراج والخجل .. رغم معرفتها بأن هذا الزواج سيكون على الورق فقط لكن رغم كل شيء إنها فتاة .. وهذه الليله من المفترض إنها ليلة العمر .. وقفت شُكران وهي تقول
-أن هدخل اخد الدوا وأرتاح شويه .. البيت بيتك يا بنتي
وقفت هوا وهي تقول بخجل
-اتفضلي أنا أصلًا هروح لأني أتاخرت
ربتت شُكران على يد هوا بحنان وغادرت ليقف عدنان وهو ينظر الي الساعة وقال بأستفهام
-أتاخرتي على ايه؟
أخفضت رأسها بخجل وقالت بصوت منخفض
-متنساش إني عايشة لوحدي وفي مكان شعبي .. وكلام الناس كتير ومتنساش كمان أننا لسه مأعلناش عن خطوبتنا
شعر ببعض الضيق ولام نفسه على وسواسه الذي عذبه طوال الشهر المنصرم … ليقول هو بنوع من الاعتذار
-أنا بس كنت متلخبط يا هوا كل حاجة حواليا مش في مكانها و مكنتش متوازن خالص
قاطعته قائلة
-مش محتاج تعتذر .. من حقك تاخد وقتك ومن حقك تعمل اللي أنت مرتاح ليه ومش مجبر تعمل أو تقول شيء مش حاسة او مش مصدقه .. أنا فاهمة
شعر بالاحراج أكثر .. وشعر بذنبه أكثر .. هل ظلمها في أفكاره السوداء التي أثرت بشكل سلبي على تصرافته معها .. ف منذ أخذها من بيت زوج والدتها وهي لا يصدر عنها اي تصرف خاطئ يثبت أفكاره .. إنها أنسانة بسيطة .. عفيفة وخجولة .. وبدون ان يعيد حديثه أو يوضح لها هي تلتزم بحدودها
أبتسم أبتسامة صغيرة وهو يقول ببعض الاحراج
-كفاية اة يا هوا .. مش لازم تحسسيني إني صغير أوي كده
-أنا
قالتها بصدمة .. وأردفت قائلة
-عمري أنت صاحب فضل يا عدنان .. أنت عملت معايا اللي لا عمري ما تخيلت ان حد يعملوا معايا .. انقذتني من جوز أمي .. أستأمنتني على أسمك وأسم عيلتك .. خليت ليه عيلة وبيت ومكان .. ووظيفة محترمة مكنتش أحلم بيها
كان يستمع اليها وبداخل عروقة دمائه تفور من كثرة الغضب .. إنها تعد له كل ما فعله لها .. دين خلف دين حتى أحاطت عنقها بطوق كبير لا فكاك منه متجاهلة أنه يستغلها .. ويتخذها برفان يخبئ خلفه عجزه ومرضة .. فرفع يده يسكت سيل كلماتها وقال بغضب
-وواخدك ساتر وهحرمك من حياتك الطبيعية .. وهحرمك من إنك تكوني ام .. زي ما بتعدي الجمايل اللي عملتها فيكي .. عدي عيوبي .. وأفتكري العذاب اللي هتعيشي فيه
والتفت اللي الجه الاخرى ظلت تنظر الي ظهره الذي يظهر عليه تشنج أعصابة وغضبة .. والاكثر من ذلك إنها تشعر بجرح رجولته .. وهذا ما لم تستطع تحمله .. ف أقتربت خطوة واحدة ووضعت يدها على كتفه اعادت عليه كلماتها التي قالتها في الصومعة
-“لقد وقعت في الحب معك ولا تسألني كيف؟ وأين؟ ومتى؟ لكنني أشعر بالجنون أن تخللت أصابعك بين أصابع غيري .. أتسائل عن أسباب الخدوش في أطراف أصابعك .. الاحظ أبسط تفاصيلك .. أعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون فلا تخذلني أنا بحاجتك”
ودارت حوله حتى واجهت عينيه وقالت بصدق
-أرجوك فكر في كلامي دة كويس .. وبكرة هنتظر منك الرد
ولم تنتظر ان يخرج معها كما وعدها أنه سوف يوصلها لبيتها .. تركته يفكر ويستوعب ما بداخل قلبها تجاهه .. وكان هو كتمثال شمع .. الكلمات تتردد داخل رأسه
“لقد وقعت في الحب معك ولا تسألني كيف؟ وأين؟ ومتى؟” هل تقصد إنها تحمل مشاعر خاصة لي؟ .. ” لكنني أشعر بالجنون أن تخللت أصابعك بين أصابع غيري .. هل تقصد إنها تغير؟ والغيرة دليل الحب ” …. “أتسائل عن أسباب الخدوش في أطراف أصابعك الاحظ أبسط تفاصيلك .. هل تقصد إنها تحاول سبر أغواري .. ومعرفتي بشكل مفصل؟… أعانقك عناق المكتفي بك عن جميع ما في الكون فلا تخذلني أنا بحاجتك .. هل تقصد إنها لا تبالي بمرضي .. تكتفي بي فقط .. ” تخذلني” ااااه من الخذلان أنا اكثر من يعرف هذا الشعور .. فكم خذلت وكم خُذلت .. أنا بحاجتك … وأنا بحاجة لها”
أخذ نفس عميق وكاد أن يرد على كلماتها لكنه صدم بعدم وجودها .. لينتبه إنها قالت له شيء ما .. ظل صامت للحظات حتى تذكر إنها طلبت منه التفكير في كلماتها وإنها تنتظر رد منه غدا .. ومن سينتظر الي الغد
ركض خارجًا من القصر وصعد الي سيارته وضغط بقوة على عتلة البنزين حتى يلحق بها .. لن يجعلها من اليوم حزينه
………………
دخل الي منزله بعد يوم عمل طويل وشاق .. لم يجد ولو لحظة واحدة فقط حتى يتصل بها كما أتفق مع أدهم .. وظل طوال اليوم يعمل بنصف عقل .. ف كل أفكارة كانت تدور حولها هي .. هي فقط
جلس على أريكته الاثيرة وخلع حذائه بأرهاق .. وقبل أن يفعل اي شيء .. لم يبدل ملابسه .. ولم يتناول وجبه العشاء رغم شعوره القاتل بالجوع .. لكن خطوة أخرى في طريقها أهم لديه من اي شيء أخر
أمسك هاتفه وأتصل بها .. صوت الجرس كان يسمع صداه داخل قلبه .. ومع كل لحظة تمر دون ردها كان يشعر بألم قوي وخوف .. هو أوس رجل الشرطة قوي الجسد .. الشجاع الذي لا يهاب المخاطر .. ولا يفكر للحظة في اي مهمه يكون فيها خطر يلقي بنفسه دون خوف او تردد .. لكن كل ما يتعلق بظلال يجعله يشعر بالخوف .. ويعيدة طفل صغير
أنقطع الرنين لكنه لن يتراجع .. فعاد وأتصل بها من جديد …
تجلس على السرير تبكي بصمت لقد أستمعت لحديث عدنان وهوا .. ان الفتاة تحب عدنان .. رغم إنها تحمل له الكثير من الامتنان .. هي لم تفهم ماذا تقصد بأنه أنقذها .. ولم تفهم أيضًا ماذا يقصد هو بمرضة وحرمانها من الحياة الطبيعية .. لكن الحب واضح بينهم .. والتفاهم أيضًا .. هي الخاسرة الوحيدة هنا
خبئت وجهها بين كفيها تحاول كتم شهقاتها .. رنين هاتفها لم يلفت انتباهها ولم يجعلها تبعد يدها عن وجهها .. ظل الرنين يحاول لفت أنتباهها وكأنه يخبرها لا تبكي .. هناك شيء ينتظرك .. لا تبكي إذا خسرتي شيء ف هناك الكثير من الاشياء .. لا تحزني ف هناك من يحبك بصدق وينتظرك .. لكنها ظلت تبكي متجاهله ذلك الرنين المزعج .. لكن الاصرار جعلها تنظر الي أسم المتصل لكنها وجدته مجرد رقم تجاهلته .. لكنها لم تخبئ وجهها هذه المرة .. ظلت تمسح وجهها من الدموع وهي تتذكر كلمات أخيها لها .. تشحن بها طاقة وقوة .. وأمل .. ليعود الرنين من جديد لتنفخ الهواء بضيق وأجابت بغضب واضح
-الو .. مين ؟
أبتسم أوس حين أجابته رغم عصبيتها وقال ببعض المرح
-معاكي أوس .. مين معصبك كدة؟
صمتت تحاول أستيعاب من يحدثها .. ثم قالت ببعض الاندهاش
-أنت جبت رقمي منين؟
-من أدهم .. معروفة
أجابها بهدوء شديد وبساطة أشد أصابتها بالصدمة .. ليستغل هو صمتها وقال بصدق
-أنا مبعرفش أعمل حاجة في الدرا .. بعد ما نزلتك أتصلت بأدهم وقولتله أني هوصلك كل يوم زي ما اتفقنا .. وأني عايز رقم فونك .. وهو وافق .. وأعتبرني يا ستي حارسك الشخصي
ظلت صامته .. لا تجد كلمات تقولها امام بساطته وجرئته .. لكنها تشعر بشيء ما .. سعادة مختلطة بخوف .. وترقب لما هو قادم .. ليكمل هو كلماته مستفهمًا
-ممكن تقوليلي كنت متعصبة ليه؟ وصوتك بيقول إنك كنتِ بتعيطي .. مين اللي زعلك
أزدادت صدمتها واندهاشها ليكمل هو أسئلته
-هو أنتِ زعلانه على مراد وبتفكري فيه؟
ظلت صامته لعدة لحظات ليس تفكيرًا في الإجابة .. ولكن لتلك النبرة التي شعرت بها في صوته .. أنه خائف من أجابتها وذلك صدمها .. والجم لسانها والاجابة على طرفة وصمت هو ايضًا منتظر الاجابة يده فوق قلبه .. وروحه معلقة بكلماتها وحروفها .. وبعد الكثير من الحظات قالت
-انا مكنتش بحب مراد .. أنا لما وافقت عليه .. وافقت من مبدأ خد اللي بيحبك اللي صدمني من اللي حصل هو إنك تكون بتأمن لحد وفجأة تكتشف انه مش قد الثقة دي
تنهد براحه وصوت أنفاسه التي غادرت صدره وصلها ليزيد من حيرتها .. ويزيد من ذلك الاحساس التي تشعر به كلما تحدثت معه .. أو قابلته
ليسألها من جديد بكل حب ووصلها إحساسه بذلك السؤال
-طيب ليه ديما شايف حزن جوه عنيكي .. وكأن جواكي جرح كبير والم روحك بتصرخ بيه بصمت
أنحدرت دموعها مع كلماته كيف هناك شخص قابلته مرة واحدة فقط .. ويشعر بها بهذا الشكل هل اخبره أدهم شيء عن عدنان .. لا أدهم لن يقلل منها بهذا الشكل .. ف كيف فهم أوس ألم روحها وجرحها.. كيف شعر بها الي تلك الدرجة .. وكأنه سمع صوت صمتها فقال بصدق
-مش صعب ان الانسان يحس بحد غالي عليه .. وأنتِ يا ظلال غالية .. غالية أوي .. أكتر مما أنتِ نفسك ممكن تتخيلي .. تعرفي اول مرة شوفتك فيها وقت ما الكاوتش بتاع عربية أدهم كان محتاج يتغير وأنتِ كنت شيلتي الكوريك من شنطة العربية .. وقتها لما وقفت علشان أساعدكم مكنتش عارف أن القدر كان بيهاديني بأغلى ما على وجه الارض .. ومن وقتها كل النساء العالم وكأن بقى بيني وبينهم حجاب .. مبقتش بشوف غير ظلال وبس
صوت أنفاسها العالية نبهته لما قاله .. لكن لم يعد هناك مجال للتراجع .. الخطوة معها بدرجة ثقة .. يضياع الحلم بكل تفاصيله والي الابد .. ليكمل كلماته بصدق لمس روحها الكسيرة
-من وقتها يا ظلال وأنا قافل قلبي عليكي .. بعدت علشان أحافظ عليكي صونتك في قلبي وحافظت على عرض الناس حتى بنظرة علشان ربنا يحافظ عليكي ليا
شهقت بصوت عالي يقول بأسف وقلب يتمزق من أجلها
-أسف لو كلامي زعلك .. أنا مش هسحبه يا ظلال لاني قاصد كل حرف وكلمة .. وصادق فيهم .. ومستعد أجي أخطبك حالًا لكن أنا عايزك تاخدي فرصتك في إنك تعرفيني كويس .. تختاريني زي ما أنا أختارتك .. تحسي بحبي وتصدقيه وتأمني على نفسك معايا .. علشان كده عرفت أدهم علشان أقرب منك بشكل رسمي وبوضوح
كانت تبكي لا تعلم هل تبكي فرحًا .. أو تبكي حزنًا على حالها وما حدث معها .. أم تقارن بين أوس بخوفه عليها واختفاء جميع النساء في عينيه لأنه يحبها في المقابل عدنان الذي كان يثبت لها كل لحظة أنها أحد الحريم الموجودين في حياته
همس أوس بأسمها مناديًا
لتهمهم بصوت ضعيف .. ليقول بحب وصدق
-بكرة هعدي عليكي زي ما أتفقنا .. وكل يوم هعدي عليكي أوصلك للأستوديو .. وأنتظرك وأرجعك البيت واهي فرصة تتعرفي عليا .. وتدرسيني وتفهميني .. وتشوفي إذا كنت اليقك بيكي ولا لأ .. أستحق شرف إنك تكوني مراتي وتشيلي أسمي وتبقي أم ولادي ولا لأ وأتمنى أني أنول الرضا
كانت تكتم صوت بكاها بكف يدها فلم تستطع الرد على حديثة الذي يداوي جروح وجروح نقشها عدنان بيديه فوق قلبها دون رحمة أو شفقة .. ليقول هو بتوسل ورجاء
-أرجوكي بلاش عياط دموعك غالية يا غالية .. ظلال أنتِ كل ما فيكي ويتعلق بيكي غالي .. أوعي تدي الغالي للي ميستاهلش .. واتمنى أكون أستاهل .. وزي ما أنتِ أغلى ما عندي أكون أنا عندك ولو جزء بسيط من اللي حاسه أنا نحيتك
ظلت صامته لكن صوت شهاقتها وأحساسه بدموعها جعله يقول
-أنا وحش .. أوحش راجل على الارض علشان كنت السبب في دموعك .. هقفل لكن أنا رهن أشارة منك يا ظلال .. رقمي بقى معاكي واتمنى لو حسيتي إنك محتاجة تتكلمي تتصلي بيا .. وأنتِ واثقة أن فيه أنسان يتمنى يسمعك
صمت لثوان أخرى .. ثوان كثيرة يستمع لصوت أنفاسها التي كأفضل نغمات الموسيقى رغم ألم قلبه من بكائها لكنها لم ترفضه وهذا في حد ذاته شيء يطمئن .. أجلى صوته وقال بصوت حاني
-أنا منتظر أتصالك في اي وقت .. وهتلاقيني قدام البوابة الساعة 6ص .. تصبحي على خير
وأغلق الهاتف وهو يتنهد بصوت عالي .. شعر براحة كبيرة لأعترافه لها بكل ما بداخله .. وهناك أيضًا خوف لكنه يأمل في الله خيرًا
وظلت هي تبكي .. تنظر الي الهاتف الي رقمه بالتحديد .. وتبكي .. وسؤال واحد يدور في رأسها .. أين كنت أوس منذ سنوات؟ لماذا تأخرت؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أو أشد قسوة)