رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء التاسع والأربعون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت التاسع والأربعون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة التاسعة والأربعون
ج٢-٣-” عيناكِ مرآة أوجاعى”
مازال فاغرًا فاه وهو يحملق بوجه تلك الحسناء ، يسأل ذاته من أين أتت ؟ فهل هى من تقا تل معها منذ برهة ؟ ولكن لم يكن العراك بينهما يوحى بأن خصمه فتاة ، فتلك المهارة الفائقة بالقـ ـتال ، ظن أن من يملكها رجل خبير بالفنون والمهارات القـ ـتالية ، لينكشف الأمر سريعاً ويعلم أن الخصم أو اللص ، لم يكن سوى فتاة جميلة ، عيناها تطالعه بوحـ ـشية ، كأنه هو من سطا على منزلها وليس العكس مثلما حدث منها ، فهى من تسللت لمنزله ويبدو عليها أنها كانت تبحث عن شئ بعينه ، وعندما أنكشف أمرها ، شعرت بالإنزعاج ، كأنه لا يحق له أن يعيقها عن أداء مهمتها التى جاءت من أجلها ، فما أن رآها تترك مكانها وتستقيم بوقفتها ، سريعاً أخذ سلا حه النارى ، الذى سقط من يده بجانب أحد الأرائك
فرفع يـ ـده به مزمجراً:
-قفِ مكانكِ ، من أنتِ ماذا تفعلِ هنا؟
زفرت بخفوت ورفعت أناملها وتحـ ـسست وجنتها ، التى لكمها بقوة ، كاد على إثرها تفقد أسنانها ، فغمغمت بضيق وصوت خافت :
-اللعـ ـنة عليك يا رجل ، لقد كدت أن تكسر فكي بيدك الثقيلة
قطب راسل حاجبيه بتعجب من سماع صوتها وهى تتحدث باللغة الفرنسية بطلاقة ، فأرتخت يـ ـده قليلاً ورمقها بشك ، وما لبث أن سألها بإلحاح :
-سالت من أنتِ وماذا كنتِ تفعلِ في المطبخ ، هيا قولي ، أو سأطلق عليك النار في الحال
أزاحت غطاء الرأس الخاص بكنزتها ، ووضعت يـ ـديها بجيبى الكنزة ، وظلت على صمتها ، كأنها سعيدة بأن تصل به لأقصى درجات الغضب والفضول ، ولكنها لم تمنع عيناها من تأمله ، خاصة بعد أن عملت على تمزيق ثيابه من الأعلى ، ولا تعلم سر إندفاعها بأن تقـ ـاتله بشـ ـراسة ، فالمطبخ والصالة كانا كحلبة للقـ ـتال ، ودل على ذلك تلك الفوضى ، التى حدثت أثناء عراكهما
وضعت شعرها خلف أذنها وردت قائلة بإبتسامة جافة بعض الشئ :
– كان هذا المنزل ملكي من قبل ، لقد استأجرته منذ حوالي عام ، لكن ذلك المالك اللعـ ـين لمكتب العقارات ، طردني لتأخري في دفع الإيجار وباع المنزل عندما كنت في فرنسا لحضور زفاف أحد أقاربى ولم يهتم لإخباري بذلك ، لذلك جئت لأخذ الأشياء التي تركتها هنا في أحد أدراج المطبخ الخشبية ، وأردت استعادتها ، هذا كل شيء
لم يبدو عليه أى مظهر من مظاهر الإقتناع بحديثها ، بل مازال مصوباً سلا حه قريباً من وجهها وأصابعه مشدودة على الزناد ، وعروقه النافرة بعنقه باتت مرئية لها بوضوح ، فلم تستطع إنكار خوفها الذى دل عليه قدميها المرتجفتين وهى تحاول أن ترتد بخطواتها للخلف بعيداً عن فوهة سلا حه
فهتف بها راسل بصوت جهورى :
-لا تتحركِ خطوة أخرى ، أنا لا أصدقك ، سأتصل بالشرطة على الفور ، إذا كان ما قلته صحيحًا ، كان يمكنك أن تأتي إلي وتسألني ولا تقتحمى المنزل مثل اللصوص
أتسعت حدقتيها وهى ترى جديته بالإتصال بالشرطة ، فلو حدث هذا ستقع بمأزق هى بغنى عنه ، يكفى أن قسم الشرطة القريب من تلك المقاطعة بات كل الضباط به على علم ودراية بشجارها المتكرر مع جيرانها ، وأفتعالها الضوضاء والصخب وإزعاج الجيران بحفلات السمر الصا خبة التى كانت تقيمها هى وأصدقائها
فما أن وضع راسل يـ ـده على الهاتف ، أسرعت بوضع يـ ـدها على يـ ـده وهى ترجوه بصوتها الناعم:
– من فضلك لا تحتاج إلى الاتصال بالشرطة ، سأرحل الآن ، وسآخذ ما جئت أبحث عنه وسأذهب بسرعة ، أعدك
نفض راسل يـ ـدها عنه وحدق بوجهها لبرهة وهو عاقدًا حاجبيه ، و لا يعلم سر هدوءه المفاجئ وأن يجعلها تنصرف دون إيذ اءها ، فخفض سلا حه أرضاً ، فأشار للمطبخ قائلاً بهدوء :
-هذا هو المطبخ أمامك ، خذِ ما تريدِ واتركه في الحال ، كفى من الفوضى التي حدثت
إبتسمت فجأة فبانت غمازتيها الغائرتان بوجنتيها ، فأسرعت بالذهاب للمطبخ وفتحت أحد الأدراج السرية وأخرجت منها جزدان جلدى ، فتحته على الفور ونظرت للنقود الموضوعة به
فبسرعة أقترب منها راسل وأنتشله من يـ ـدها قائلاً بريبة :
– هل هذه الأموال ملكك حقًا أم أنك سرقتها من شخص ما؟ إذا كان يخصك ، فلماذا لم تدفع ما تدينِ به من الإيجار كما أخبرتني؟
أختـ ـطفت الجزدان من يـ ـده وهى تقول بإمتعاض :
-وماذا عليك أن تفعل ، هل أنت محقق شرطة ، هذا المال ملكي وقد أتيت لاستعادته ، وسأغادر ، والبيت لك ، تصبح على خير.
أتجهت صوب النافذة ، التى تسللت منها للمطبخ ، فقبل أن تقفز منها ، كان راسل قابضاً على ذراعها بقسوة ، حتى كادت أن تسقط أرضاً ، فما أن إستقامت بوقفتها حتى صاحت بوجهه وهى تقول بصوت عالى :
– ماذا تريد ؟ سأرحل كما أخبرتني لماذا منعتني من إكمال مشي؟
ندت عنه زفرة خافتة ورد قائلاً بإقتضاب :
– ما الحاجة للخروج من النافذة ، فبإمكانك الخروج من باب المنزل ، والدم يتدفق من فمك ، انتظرِ ، سأحضر لك منديل ورقي أو دواء ، ما اسمك يا فتاة؟
وضعت يديها بجيبىّ بنطالها وردت قائلة بإبتسامة هادئة:
– ساندرا إستيفن ، وما إسمك أنت ؟
رد راسل قائلاً وهو يوليها ظهره ليفتش عن صندوق الإسعافات الأولية:
– راسل النعمانى
رفعت ساندرا حاجبيها بعد سماع إسمه ، فوقع كنيته على أذنيها كان ذو وقع غريب ، فهى لم تتكهن بشأن إنه رجل شرقى وعربى ، فالمقاطعة معظم ساكنيها من أمريكا أو فرنسا
فقالت بدهشة وهى عاقدة حاجبيها :
– هل انت رجل عربي ؟
وجد راسل ما يبحث عنه فتقدم منها يشير لها بالجلوس وهو يقول بنفاذ صبر :
– نعم انا عربي. هل لديك مشكلة مع ذلك؟
أتسعت طاقتى أنفها ورفضت الجلوس ، فرفعت يـ ـدها وأشاحت بها وهى تقول بنزق :
– لا تقل لي أنك مسلم أيضًا
وضع راسل صندوق الإسعافات الأولية من يـ ـده ، فرد قائلاً ببرود:
– نعم أنا مسلم ولا علاقة لك بذلك
وكأن التصريح عن عقيدته ومعتقده سكب المزيد من الغضب على وجهها ، فأحمر وجهها من سريان دماءها الغاضبة به ، بل إلتفتت حولها حتى وجدت سكـ ـيناً ، فرفعته بوجه راسل قائلة وعيناها معبأة بالعبرات :
– إذن أنت من تلك الطائفة الإرهابية التي قتـ ـلت عائلتي منذ سنوات وتركتني وحيدة ، اللعنة عليكم جميعًا
مد راسل سلاحه النارى حتى لمس نصل السكـ ـين الحاد ، وظلا هكذا كل منهما يتربص للأخر ، إلا أنه لم يشأ أن يتطور الأمر بينهما ويسفر عن خسارة أحد منهما لحياته
فرمقها بهدوء وسرعان ما وضع السلاح من يـ ـده ، دلالة على أنه بوضع الإستسلام لعلهما يتحدثان سويًا بهدوء ، فما تلك الليلة العجيبة التي لن تنتهى
فزفر قائلاً بلين :
– اهدئى ، لا المسلمون ولا العرب إرهابيون. تلك السخافات والحماقات التي تُرتكب باسم الإسلام لا علاقة لها بنا. فهم يريدون تشويه إيماننا وعقيدتنا ، لا أكثر. نحن مسالمون ولا نسفك دماء أحد. ديننا دين التسامح ، ومن قـ ـتل إنساناً ظلماً ليس مسلماً. والدين الاسلامي بريء من تلك الأعمال والافعال لولا ذلك كنت قـ ـتلك على الفور لا ادعوك لعلاج جروح شفتيكِ.
أنصتت ساندرا لحديثه باهتمام ، حتى بدأ مفعول حديثه يسرى على وجهها ، فتركت السـ ـكين من يـ ـدها ، وأقتربت من ذلك المقعد الذى أشار إليه سابقاً ، فجلست هادئة وناولها راسل صندوق الإسعافات الأولية ، وضعته على ساقيها وبدأت بمـ ـسح الدماء ، بينما ذهب راسل للمطبخ ليعد له مشروب دافئ ، فبعد خمس دقائق وجدها تنهض من مكانها وهى تقول بإمتنان :
– شكرًا لك ، لقد انتهيت وسأغادر ، شكرًا لك مرة أخرى
حمل راسل كوب مشروبه الدافئ ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– لا داعي للشكر وإذا كان هناك شيء آخر لك في المنزل ، فيمكنك أخذه قبل المغادرة
هزت رأسها نافية وهى تقول ممازحة :
– لم يكن لدي شيء في المنزل سوى النقود وحقيبة ملابسي كانت معي أثناء رحلتي إلى فرنسا ، لأنني عادة لا أمتلك أشياء كثيرة ، حتى تلك المتعلقات الشخصية ، يبدو أن مكتب العقارات يحتفظ بها ، حتى أدفع متأخرات الإيجار
إبتسم راسل إبتسامة لم تتجاوز شفتيه ولم تصل لعيناه ، فأتجه صوب باب المنزل وفتحه يشير لها بالخروج ، فوضعت يديها بجيبى كنزتها وإبتسمت له ومن ثم خرجت من المنزل ، فأغلق الباب خلفها بحدة ، وعاد ينظر لتلك الفوضى بالصالة والمطبخ ، فبدأ يعيد ترتيب كل شئ بمكانه ، وبعد إنتهاءه نظر لثيابه الممز قة وهو يصعد الدرج وما أن وصل لغرفته خلعها عنه وأرتدى ثياب أخرى وأرتمى على الفراش ، وما أن وضع رأسه على الوسادة حتى غط بنوم عميق
فما كاد يمر يومان ، وأثناء تجوله بأحد الشوارع ، بعد شراءه العديد من الأغراض اللازمة للبيت ، حتى رآى تلك الفتاة المسماه ” ساندرا ” تتشاجر مع صاحب أحد المتاجر ، فيبدو عليها أنها فتاة تثـ ـير عد اء كل من تقابله ، فنظر إليها راسل بسخط وأراد إكمال سيره ، فما كاد يبتعد عدة خطوات ، حتى سمعها تناديه :
– راسل
توقف عن الحركة ونفخ بضيق ، فلم هى تناديه ؟ وماذا تريد منه ؟ فهو لم يلعن سوى ذلك الحظ الذى جعله يقابلها أو يسكن بذلك المنزل الذى سكنته هى من قبل
قلب راسل عيناه بملل ورد قائلاً بإمتعاض :
– لم ناديتنى وماذا تريدين ، أنك حقاً فتاة مزعجة
ضمت ساندرا شفتيها فما لبثت أن قالت بخجل :
– لم أنت مستاء منى هكذا ؟ فأنا أردت فقط إلقاء التحية لا أكثر
فهى لا تعلم أنها تثـ ـير بنفسه السخط والنقم لكونها تذكره بزو جته حياء ، على الرغم من أنهما لا تشبهان بعضهما البعض بأى شئ ، إلا أنه لا يعلم سر أن كلما رآها أو سمع صوتها ، يرى وجه حياء وكأن عينيها تعاتبه على هجرانه لها ، فهل ذلك عائدًا لكونها ربما بمثل عمر زو جته ، حتى قامتهما المعتدلة ورشاقتهما متشابهتان إلى حد كبير ، وربما عيناها اللامعتان تذكره كيف كانت حياء تنظر إليه بشـ ـرر يتطاير منهما ببداية مقابلتهما ، فسـ ـحقًا لتلك الخفقات المعـ ـذبة والتى ما أن يفتأ يذكرها ، حتى يدوى صداها فى صـ ـدره بصخب قادراً على جعله أن يشعر بأن قلب سيتفـ ـتت من شدة شوقه إليها
فإبتسم بعفوية حتى ظنت ساندرا أنه يبتسم لها ، فتجر أت بمطلبها وهى تشير لأحد المقاهى وهى تقول بدعوة لطيفة :
– هل بإمكانى دعوتك لإحتساء القهوة إمتناناً لما فعلته معى
لا يعلم عن إى إمتنان تتحدث ، فهو لم يفعل شيئاً ، بل أنه ترك أثار جرح طفيف بجانب فمها أثناء عراكه معها ، فأعتذر قائلاً بكياسة :
– شكراً لك ، ولكن ليس لدى الوقت الكافى لإحتساء القهوة معك ربما بوقت اخر ، اعذرينى
تركها راسل واقفة مكانها وأكمل سيره حتى وصل لمنزله ، ولج للداخل وجد وفاء تطهو الطعام بالمطبخ ، فوضع الأكياس البلاستيكية من يـ ـده وقبلها على وجنتها ، ورآى صغيرته مستلقية على بطنها على الأريكة وتشاهد مقاطع فيديو كرتونية على الهاتف الخاص بها ، فحملها وجلس هو على الاريكة وأخذها بين ذراعيه يشاهدان سوياً ما تشاهده ، فإستكانت سجود بين أحـ ـضانه الدافئة ، فظل يقـ ـبل رأسها بين الفينة والأخرى وهو شاردًا ، ولكن لم يخرج من شروده إلا بعدما وقعت عيناه على تلك الصور التى رآها على هاتف سجود ، بل لم تكتفى بذلك بل بدأت بتشغيل مقاطع فيديو تظهر بها حياء والصغيرة ، فسرت رجفة وقشعريرة بعموده الفقرى بعد سماع صوتها وهى تنادى سجود وتركض خلفها ، فأبت عيناه أن ينتصر عقله الصارخ بها أن تكف عن مشاهدتها ، وأن تجعل الحنين يلتهم قلبه بدون هوادة ، فما أن وصل لحد الإكتفاء من ضربات الحنين والشوق ، وضع صغيرته على الأريكة ونهض تاركاً مكانه ، فخرج للحديقة ولكن رآى ساندرا تقف أمام الباب الخارجى للمنزل ولا يعلم لما جاءت وماذا تريد منه تلك الفتاة الحمقاء والمزعجة ؟
❈-❈-❈
صوت إحتـ ـكاك عجلات القطار بالقضبان الحديدية ، كاد صوت دقات قلبها يعلو ضجيجاً عنه ، فعينيها تطوف بين صفحات تلك المجلة ، التى أتخذتها وسيلة لإلهاء نفسها ، حتى يصلا لوجهتهما ، وساقها الأيمن الموضوع على ساقها الأيسر ، راحت تهزه بعصبية طفيفة ، فهى تحمد الله ، على أن زو جها إستأجر لهما غرفة خاصة مريحة بذلك القطار المتجه إلى الأقصر ، فما أن طاف وجهه وإسمه بعقلها ، أزاحت المجلة من أمام وجهها ونظرت إليه ، ولكن وجدته جالساً مغمض العينين ، فمن يراه سيظن أنه نائماً ، ولكنها تعلم بأنه مستيقظًا ، ودل على ذلك حركة بؤبؤ عينيه من خلف جفنيه المطبقين على رماديتيه الآسرة لقلبها وجوارحها ، فهى لم تكن تعلم بأنها ستقع بغرامه هكذا ، وتصبح هائمة بعشقه وتتمنى منه لفتة أو إبتسامة ، فالأدوار بينهما تبدلت ، فالعاشق صار معشوقًا ، والمعشوقة صارت عاشقة تحـ ـترق بنيران الصبر والإنتظار
– كرم حبيبى أنت نمت
قالتها هند وألقت المجلة من يـ ـدها وأدنت بوجهها منه ، فإبتسمت بمكر ، وهى ترى ذلك التوتر ، الذى سكن محياه ، ودل عليه حركة صـ ـدره صعوداً وهبوطاً ، وإختلاج تلك العضلة قرب فمه ، فإن كان واعيًا لمدى قربها منه ، وإنها بصدد أن تعانقه ، لما يصر على أن يجعلها تتوهم بأنه نائماً
ولكنه أراد إكمال دوره للنهاية ، لعلها تسأم من مناداته ، فما أن تشعر بجفاءه وبروده ، ستعود لمكانها ثانية ، ولكنه كان واهمًا ، فهى لم تقتنع بأفعاله ، بل أنها صارت قريبة منه كضلع أخر من ضلوعه ، فتلك الخصوصية التى تتمتع بها المقصورة بالقطار ، جعلتها تأخذ راحتها بالتقرب منه ، طالما أن الباب مغلق بإحكام ، فهى كل ما تريده أن تشعر بإقترابه منها ، أو أن يجعلها تتيقن من أنه متلهفاً لأن يصلا لمنزلهما
فبالأيام الفائتة كان لديها أسبابها بالإبتعاد عنه ، إذ بعد إنتهاء حفل زفافهما وصعودهما لغرفتها ، داهمتها آلام الطمث ، التى لم تحسب له حساباً بأن يأتيها هكذا بوقت مبكر ، ولكن ربما إنغماسها بسعادتها كونها ستصبح زوجة كرم جعلها تغفل عن ذلك الأمر ، وما أن أفصحت عن أسبابها لعدم إتمام زواجهما بليلة عرسهما ، حتى رآت إنفراج أسارير وجه كرم ، كأنه كان بإنتظار ذلك ، بل أنه خلد للنوم على الأريكة وأستطاع إيهامها بأنه يتخذ الحيطة حتى لا يتسبب بإفزاعها أثناء نومها لإفراطه بالحركة أثناء نومه ، بل أنه رفض دعوة أبيها للسفر لقضاء شهر العسل ، وقرر العودة للأقصر ، فبعد إلحاح من والديها مكث معهم بالمنزل حتى حان وقت سفرهما
ولكنها اليوم باتت على أتم الاستعداد لتصير له زوجة ، فأرادت إخباره بذلك العناق أن أمرها صار على ما يرام ، فباتت تهذى بإسمه وسط عناقهما ، فلم يكن لديه حل أخر سوى أن يبادلها العناق ، الذى تلهفت نفسه له هو الآخر حتى لو حاول الإنكار
فدمدم قائلاً بضعف عذب :
– هند أنا بحبك
فلو تقلدت بوسام لن تكون أكثر فخراً بحالها كالآن وهو يطرب أذنيها بكلماته الرقيقة والعاطفية المفعمة بحر ارة الشوق ، ولكن لم يدم الحال طويلاً ، إذ أعلنت وقوف عجلات القطار أنهما وصلا لوجهتهما ، فعلى مضض إبتعدت عنه ، ولكن لديها كل الوقت بل كل عمرها لتنعم بحبه ، فلملم شتات عقله الذى بعـ ـثرته هى بدون جهد يذكر ، فخرجا من المقصورة بل من القطار بأكمله ، وبعد صعودهما لإحدى سيارات الأجرة ، أخبر كرم السائق بالعنوان ، فانطلق السائق بالسيارة حتى وصلا لذلك المنزل الذى يقيم به
فترجلت هند من السيارة وأخرج كرم الحقائب وأنصرف السائق وإبتسم كرم لذلك الطفل الذى جاء راكضاً وأرتمى بين ذراعيه ، فحمله عن الأرض وهو ينظر إليها قائلاً بإبتسامة :
– ده سويلم يا هند يبقى حفيد الحاج سويلم يبقى قريب والدى وكمان اللى مأجر منه البيت اللى هنعيش فيه
أقتربت منهما هند وقـ ـبـلت الصغير ، الذى إصطبغ وجهه بحمرة قانية من شعوره بالخجل ، وسرعان ما رآت إمرأة جميلة أنيقة ومعها رجل شاب ورجل أخر عجوز ، فتقدمت منها المرأة مرحبة بقدومها :
– أهلا بيكى يا عروسة نورتى الأقصر والصعيد كله أنا مامت سويلم وده جوزى وده الحاج سويلم باباه
صافحتها هند وألقت عليهم التحية ، فتقدم الحاج سويلم من كرم وأحتضنه مهنأ له بزفافه وكذلك أيضاً إبنه ، الذى ربما عاد من سفره ، فهو يعلم بشأن أنه يعمل مهندساً بأحد مواقع إستخراج البترول بالصحراء ، فأخذت والدة سويلم هند حتى وصلت بها للمنزل الذى ستسكنه برفقة كرم ، فوجدته نظيفاً مرتباً بل عملت تلك المرأة الجميلة على تزيينه ترحيباً بقدوم العروس
فما أن ولج كرم المنزل خرجت والدة سويلم ، فإبتسمت له هند وهى تقول بإعجاب :
– باين على مامت سويلم أنها ست جميلة وشيك ولبقة أوى فى كلامها
رد كرم قائلاً وهو يضع الحقائب من يده :
– اللى عرفته أنها من أكبر عائلات الصعيد هنا حتى كمان هى دكتورة أطفال ، قابلت جوزها وحبيته وصممت تتجوزه على الرغم انه عيلته مش غنية أوى زى عيلتها
– يعنى حكاية حبهم زى حكايتنا يا كرم
قالت هند بصوت خافت ولكن وصل لمسامعه ، فأزدرد لعابه ولا يعلم سر شعوره بالظمأ فجأة ، فأشار إليها بأن تستريح بغرفة النوم وذهب للمطبخ ، فأخذت حقيبتها وولجت للغرفة
فتحت سحاب حقيبة الثياب وأخرجت منها ذلك الثوب ، الذى لم يحالفها الحظ بإرتداءه ليلة زفافهما ، فوضعت الثوب عليها وأطلقت خصيلاتها من معتقلها الذى تمثل بمشبك للشعر ، فسمعت وقع أقدام كرم وألتفتت خلفها وجدته واقفاً على عتبة الباب يحدق بها بذهول ، فهى جميلة فاتنة بل فتنته التى خلقها الله من أجل أن تفتن قلبه وعقله ، فإن كانت تلك الدقائق التى قضاها بالمطبخ محاولاً زرع الهدوء بنفسه والبحث عن حجة مناسبة لتنتهى تلك الليلة كسابقيها ، لم يعد لذلك الهدوء مكان ولم يعد عقله محط طلب منه ، لم يعد هناك شعور متملك منه سوى أن يشعر بها قريبة منه ، بل وأن تصير ملكاً له ، حتى وإن لم يحسن نسيان ماحدث لها من قبل ، وأن غيره إستحل قربها وودها
وهذا ما كان ، فلمـ ـس أطراف شعرها قائلاً بصوت أجش مفعم بالعاطفة :
– أنتى حلوة أوى ياهند ، أجمل واحدة شفتها عينيا
ظل صوت العناق يلهب قلبيهما بسوط من لهيب الشوق ، حتى دنت تلك اللحظة التى أكتشف بها حقيقة أمرها ، من أنها مازالت فتاة بكر وعذراء ولم يمـ ـسها أحدًا قبله ، فظل محدقاً بها بذهول ، فى حين أنها ظلت تحملق بسقف الغرفة وكأن العالم يتساقط من حولها كالشظايا ، بل لم تنسى أن تعطى عينيها حصتها من الدموع من ذلك الشعور الصاخب بالألم والسعادة كونها صارت ملك له وحده
فثبت عينيها أمام عيناه متسائلاً بصدمة :
– هند ، هو إزاى …
لم يجد كلمات مناسبة يستطيع بها إكمال عبارته ، بل أنها غطت وجهها بكفيها وأجهشت بالبكاء ، فسرعان ما أخذها بين ذراعيه مربتاً عليها بلطف وحنان وهدوء ، فى حين أن عقله وقلبه بعيدان كل البعد عن الهدوء
فبعد أن أكتفت من البكاء ، رفعت وجهها ونظرت إليه قائلة بنهنهة :
– هى دى الحقيقة يا كرم أنا محدش لمـ ـسنى والفيديو اللى أنت شوفته كان متفبرك والشاب اللى عمل كده اعترفلى بنفسه قبل ما يموت ويوم ما كنت هجيلك الاقصر علشان اقولك لقيتك أنت جيت عندنا البيت علشان تقولى هنطلق وهتخطب واحدة تانية فسكت ولما رجعنا لبعض حبيت أعملهالك مفاجئة علشان تعرف أنك أنت بس الوحيد اللى هتبقى جوزى وحبيبى ، أقسملك أن دى كل الحقيقة
لا حاجة لها أن تقسم أو تحاول إقناعه بصحة أقوالها فهو رآى ما يجعله يصدقها ، فيكفى صيحتها وصرختها التى كادت تصيبه بالصمم منذ دقائق ، بعدما صار الوصال بينهما حتمياً ، فقبل رأسها قائلاً بحنان:
– أنا مصدقك يا هند والصراحة دى أحلى مفاجئة ، أنك بقيتى ليا زى ما أتمنيتك دايما يا حبيبتى
فإن كان من قبل حاول إقناع قلبه وعقله بأن يتقبلاها بخطأها الفادح ، فما سيكون حاله الآن بعدما علم الحقيقة كاملة ، فربما لن يكتفى من ودها ووصالها ، حتى يصيب قلبه بالتخمة من ذلك الشعور المتدفق به من سريان الدماء كأنها معبأة بمخدر جعله يشعر بالإنتشاء ، كأنه أحتسى من خمر عينيها المسكرتين ما أصابه بالثمالة ، بل أراد المزيد ، ولم تبخل عليه بدلالها وحسنها ، بل علمت الآن مدلول أن تصبح كالوردة الندية التى لن يقتطفها وينعم بأريح عطرها إلا من يستحق ، فما أن يناديها همساً ، تجيبه بأنها قريبة منه بل رفيقته بجنة العشق ، فما عليه إلا أن يظهر لها تلهفه إليها وبجدها تأتيه سعياً ، فهى لم تمتن لشئ بحياتها إلا لسوء الفهم الذى جعل أمرها بالأخير يؤول إليه ، وجعلها تراه من منظور آخر ، تراه زو جًا وحبيبًا ، ولا أحد غيره يستحق أن تهبه كل ما يمكن أن يجعله يشعر بالبهجة كونه يمتلكها زو جة له
❈-❈-❈
سأمت ياسمين من الجلوس بغرفتها ، فقررت أن تخرج للشرفة المتصلة بالغرفة ، لعل رؤيتها للعصافير ،تجعلها تشعر بالبهجة ، وأن تزيح ذلك الضيق الجاثم على صـ ـدرها ولا تعلم له سبباً ، ولجت للشرفة وأقتربت من القفص المعدنى الموضوع به العصافير ، فراحت تداعبها وهى تنشد لهما بصوتها الناعم ، غير واعية لتلك السيارة المصفوفة بمكان ليس ببعيد ، ويمكث بها ديفيد ، الذى لا يمل من المجئ ومراقبتها كلما خرجت للشرفة ، فكلما نهر ذاته وألجمها عن الخضوع لسحر تلك الفتاة ، يعود من جديد ويعلن قلبه التمرد على تلك القيود ، التى يحاول فرضها عليه ، فلو يخبره أحد كيف يتخلص من تلك اللعنة ، لكافئه بسخاء ، ولكن يبدو أنها لن تمد له يـ ـد الرحمة ، وتطفئ نيرانه ، بل ستجعله يحـ ـترق حتى الرمق الأخير
أسندت ياسمين رأسها على القفص المعدنى وقالت بحيرة :
– نفسى أعرف أنا ليه حاسة كإن أنا تايهة ، وزى ما يكون فى هم على قلبى ومش عرفاله سبب ، تفتكروا يكون في إيه ؟ ولا أنا اللى اتجننت وبكلم العصافير ومستنياها تقولى على حل
زفرت بقوة ودفعت القفص بخفة متأرجحاً يميناً ويساراً ، فأسندت ذراعيها على سور الشرفة وأنحنت تنظر للمارة بالشارع ، أراد ديفيد الخروج من سيارته وأن يذهب إليها ، ليقف أسفل شرفتها كالعاشق المستجدى لمحة من العطف من معشوقته ، أو كروميو الذى جاء خلسة كالعاشق السرى لرؤية جولييت ، فحقاً عشقه لها مستحيل ، كقصص العشق التى تنتهى عادة بالفراق أو موت أحد العاشقان
ولكن ما أن مد يـ ـده لباب السيارة ، حتى تراجع باللحظة الأخيرة ، وعنف ذاته قائلاً بغيظ :
– إيه اللى أنت بتعمله ده ، ده إسمه جنان ، أنتوا الاتنين عمركم ما هيكون فى بينكم حاجة أبداً ، أعقل بقى يا مجنون
ما أن أنتهى من توبيخ ذاته ، رآى ذلك الشاب ، الذى من المفترض أنه خطيبها وبالقريب العاجل سيصير زو جاً لها ، فعادت إليه نيران غيرته ، وما همس به لنفسه من برهة ، صار بطى النسيان ، ولم يعد يتذكر شئ ، سوى أن ياسمين لا يمكن أن تكون لأحد غيره
نظر بمرأة السيارة الجانبية ، فرآى تلك السيارة السوداء التى تقف على بعد عدة أمتار منه ، فما أن أمعن نظره بالمرآة وحدق بها جيداً حتى علم أن تلك السيارة تابعة لأحد رجال عمه أدريانو ، فتلقائياً إتسعت حدقتيه ما أن جال بخاطره ، أن عمه صار يعلم بأمر ياسمين ، فقاد سيارته وغادر بها من الحى الذى نبت به عشقه المستحيل
وما أن وصل لمنزل أدريانو وولج للداخل ، حتى سمع صوت عمه يصدح بغرفة المعيشة وهو يناديه بأمر :
– أهلا يا ديفيد بيه تعال ، مش عوايدك ترجع بدرى يعنى خير إنت عيان ولا الخمرة خلصت من البار
وضع ديفيد يـ ـديه بجيبه وولج منكساً رأسه كطفل مذنب ، إلا أنه حاول أن يخرج صوته هادئاً:
– هو غريبة يعنى يا عمى إن أرجع البيت ، أنا رجعت وكنت بفكر أسافر صقلية اليومين دول
وضع أدريانو كأس النبيذ من يـ ـده ورد قائلاً بإبتسامة ماكرة :
– وعايز ترجع صقلية ليه يا ديفيد ، ومعقول تسيب أختك فى ظروفها دى بعد جوزها ما سابها وسافر ومش باينله رجوع ، مش لازم نفكر هنعمل معاها إيه
زفر ديفيد عدة زفرات حانقة ، خاصة أن عمه أدريانو جعله يشترك معه بتلك الحيلة التى هدمت حياة شقيقته بدون أن يعلم ، فهو منذ أن وعى على مدى إنغماسه هو الآخر بالعشق ، لم يعد يفكر بشأن تخر يب حياة شقيقته حياء ، بل أنه نسى الأمر برمته ولم يعد يفكر سوى فى أن يجعل ياسمين تشعر به وبحبه
فصاح ديفيد قائلاً بإستياء :
– وهو كان مين السبب فى اللى حصل مش أنت ، وأنا غبى ومأخدتش بالى أن راسل سمع كلامنا مع بعض ، وحاولت تبينله أن حياء رجعتله علشان تنتقم منه وكمان ممكن تأذيه وتأذى بنته ، فطبيعى كان لازم يسيب البلد ويسافر طالما مفكر أن مراته عايزة تنتقم منه ، وأدى أختى هتموت من كتر زعلها وحزنها عليه
رفع أدريانو حاجبه من هجوم ديفيد الضارى بحديثه ، فتيقن من أسباب دفاعه المستميتة الآن عن حياة شقيقته ، فترك أدريانو مكانه وأقترب منه ووقف قبالته يرمقه بنظرات متفحصة سرعان ما تبعها بصفعة مدوية على وجهه ، وقبض على تلابيب ثيابه وهو يصرخ به بجماع صوته:
– دلوقتى أتأكدت من سر دفاعك عن اللى حصل ، علشان أنت كمان دوقت العشق يا روميو مش كده ، وحبيت مين بنت ومسلمة ومش بس كده مخطوبة وقربت تتجوز وأبوها شيخ وإمام مسجد ، لاء بجد برافو يا ديفيد
ما أن سمع ديفيد حديث أدريانو ، حتى صار الخوف يتسابق مع دماءه فى السريان بعروقه ، فليس هناك شك من أن طالما عمه بات يعلم بما كان يخفيه ، سيحاول إيذاءها مثلما تسبب بإيذاء ذلك الشاب الذى وقعت بيرى بعشقه ، ولكن لا فهو لن يسمح له المـ ـساس بها ، حتى وإن كان هو عمه ومن رباه منذ صغره
فرفع ديفيد سبابته يشير لعمه بتهديد ووعيد :
– ياسمين لو جرالها حاجة يا عمى أنا هو لع فى الكل ، كله إلا هى ماشى
دفعه أدريانو حتى كاد يترنح بوقفته ، وصاح به قائلاً وهو يشير لباب الغرفة :
– اتفضل روح على أوضتك ومش عايز أشوف وشك النهاردة خالص أنت فاهم
أمتعض ديفيد من صرفه له بتلك الطريقة ، كأنه طفل وأذنب وحان وقت عقابه ، إلا أن ذلك لم يمنعه من الخروج من غرفة المعيشة وذهب لغرفته وهو يفكر بحل لحماية ياسمين
بينما ذهب أدريانو لتلك الغرفة التى كانت فيما مضى لشقيقه دانيال والد ديفيد وحياء ،ولج الغرفة وأغلق الباب خلفه ، ووقف أمام صورة شقيقه واضعاً يديه بجيبى بنطاله قائلاً بنظرة شاردة :
– وبعدين فى ولادك دول يا دانيال ، هم ليه مصرين يخرجونى عن شعورى ولولا بس أنهم مهمين ، كان زمانى أرتاحت منهم من زمان ، ما هو محدش منهم يعرف أن كل أملاك إسكندر شمعون دى بإسم ديفيد وبنتك إنچيل قصدى حياء ، ماهو أنت متعرفش أن بنتك بقت مسلمة ، لاء وتتجوز أخو وجدى النعمانى ، اللى اتسبب هو ومراد الزناتى ، فى قـ ـتلك أنت ومراتك وولادك وانا وقفت عاجز قدام قرار الجبابرة اللى أصدروا حكم بقـ ـتلك ، لأن حياتك كانت قصاد حياتى ، أنا مكنتش حابب ده يحصلك ، بس مقدرتش أتكلم ولا أعمل حاجة ، لأن اللى بيدخل” جحر الشيطان ” مبيعرفش يخرج منه يا دانيال إلا ميت
داهمته ذكرى مقـ ـتل شقيقه بذلك اليوم ، الذى كان على وشك الإحتفال بذكرى زواجه ، فبعد إكتشاف الشرطة أمر تلك الشحنة من المواد المخدرة المندسة بإحدى شحنات الإستيراد الخاصة بشركة النعمانى والزناتى ، وتسبب ذلك بخسائر فادحة لتجار تلك السموم ، تم تدبير حادث مقـ ـتل دانيال ووجدى ومراد من قبل هؤلاء الأشخاص ، الذين يعمل تحت إمرتهم أدريانو ، فكانت فاجعة له بأن يرى إسم شقيقه مدرج على لائحة القـ ـتلى من قبلهم، وتم إجباره على أن يتقبل الأمر رغماً عنه ، فتم ترتيب الحادث الخاص بشقيقه بتخريب مكابح السيارة بل لم ينتهى الأمر لهذا الحد بل تم زرع إحدى المتفجرات بالمحرك ، ولم ينجو من الحادث سوى حياء ، التى إستطاعت خالته مارجريت الهروب بها ووضعها بإحدى دور رعاية الأطفال ، وديفيد الذى إستطاع هو إنقاذه وظل بغيبوبة لمدة إسبوع كامل من أثر الحادث ، وما أن إستعاد وعيه حتى بدأ أدريانو بإخباره أن من تسبب بمقـ ـتل عائلته هما وجدى النعمانى ومراد الزناتى ، فشب ديفيد على كراهيتهم لاعتقاده بأنهم هم من تسببا بمقـ ـتل عائلته ، فطمأنه بأنه سيثأر له ودبر حادث وجدى ، ومن ثم قـ ـتل عائلة الزناتى ، بعد تخريب أواصر المودة بينهما وساعده بذلك فواز ، ولكن مازال يكن الكراهية لهاتان العائلتان كون إثنان من رجالها تسببا بمقـ ـتل شقيقه الأكبر ، حتى وإن لم يكونا مذنبان بذلك ، بل الذنب يقع على عاتقه هو، لإتباعه طريق الشيطان من البداية
❈-❈-❈
خالفت حياء تلك الأوامر ، التى أصدرها والد زو جها ، بعدم تركها لغرفتها ، حتى تتماثل للشفاء بصورة نهائية ، فهى لم يعد لديها الصبر الكافى للإنتظار أن ترى تلك الفتاة ، التى أدعت إنها إيلين النعمانى ، وساهمت بتحريض زو جها على تركها وترك المنزل ، فرياض أخبرها بشأن أنه إستطاع إستخلاص بعض المعلومات من تلك الفتاة بعد جهد ، ومنذ ذلك الحين ، وحياء تشعر بأنها تريد تمز يقها أرباً أرباً ، ألا يكفيها أنها كانت ستأخذ منها زو جها ، وجعلت نيران الغيرة تفتك بها ، لتأتى الآن وتسمم أذنيه ضدها ، مما جعله يرحل عنها ، غير عابئ بألا مها وأوجـ ـاعها ، فما الذى أخبرته به تلك اللعينة ، جعله يتصرف على هذا النحو القا سى والمؤ لم ؟ فرياض لم يخبرها إلا اليسير ، وريما نبع ذلك من خوفه أن تشتد حالتها النفسية سوءاً
تركت غرفتها وهبطت الدرج بخطوات تكاد لا تسمع ، فالوقت متأخراً وكل من بالمنزل خلدوا للنوم ، خرجت من المنزل حتى وصلت لذلك المبنى السكنى بالحديقة ، وجدت إثنان من الرجال يحرسان ويراقبان المبنى ومن تسكنه حالياً ، فخطت تجاههما بخطوات هادئة
فرفعت يـ ـدها وأشارت للباب وهى تقول بما يشبه الأمر:
– أفتحوا الباب ده علشان عايزة أدخل
نظر الحارسان لبعضهما البعض ، ورد أحدهما قائلاً بإحترام :
– متأسفين يا مدام حياء ، بس رياض باشا مشدد أوامره محدش يدخل ولا يخرج من هنا غيره هو بس ، ومعندناش أوامر ندخل حد تانى ، فأنا أسف
صاحت حياء بوجه الحارس قائلة بأمر ونفاذ صبر :
– بقولك أفتح الباب ده ومش عايزة كلام كتير
بصياحها بوجهه أمتثل الحارس لقول زو جة إبن سيده ، ففتح لها الباب وسرعان ما ولجت للداخل ، وجدت تلك الفتاة مستلقية على الفراش المتهالك ، فلم تمهلها فرصة لقول شئ ، إذ جذبتها من خصيلاتها وهى تهدر بصوت عالى :
– قوليلى عملتى إيه ولا قولتى إيه خلتيه سابنى وسافر إنطقى
حاولت جاهدة تخليص شعرها من بين يـ ـديى حياء القابضتان عليه بقوة كادت تقتلعه من جذوره ، فلم يكن أمامها حل سوى دفع حياء عنها
فصرخت قائلة وهى تدفعها عنها بعـ ـنف :
– أبعدى عنى وسيبينى
ظلتا تنظران لبعضهما البعض كهرتان شرستان على وشك بدأ عراك دامى وحامى بينهما ، فألتوى ثغر تلك الفتاة وهى تقول بشماتة :
– متتخيليش يا حياء أنا مبسوطة قد إيه بقهرتك وأن راسل سابك وسافر وهتتعذبى فى بعده عنك علشان عارفة أنك بتحبيه ومتقدريش تعيشى من غيره ، ولما جالى قبل ما يسافر وقالى انه عارف إن أنا مش إيلين كان لازم أهدم حياتك قبل ما أمشى ، لأن أنا كمان حبيته وأتمنيت التمثيلية تطول وأبقى مراته بجد ، بس هو عينيه مش عارفة تشوف حد غيرك مع أن أنا أحلى منك ، فكان لازم أطفى النار اللى فى قلبى وأشوفك أنتى كمان محرومة منه زى ما كنت هتحرم أنا كمان منه ، بس الصراحة متوقعتش أنه هو اللى يسافر ، اتوقعت يطلقك أو يطردك برا قصر النعمانى ، خصوصاً لما قولتله أن اللى بعتنى هنا ديفيد أخوكى وأنهم عايزين يقتلوه ويقتلوا بنته لأن أنا عارفة كل اللى بيخططله ديفيد وأنك بتساعديهم على كده ، يعنى أن وجودك فى قصر النعمانى ، كان علشان تدمريه ، وأن كل حبك ليه ده مزيف وطبعاً هو صدق بسبب تصرفاتك معاه اللى مكانش فاهمها ، وشكله كده كان على أخره وما صدق وساب البلد كلها ، فمبروك عليكى وجع القلب يا حياء
لم تنتظر حياء سماع كلمة أخرى منها ، فغرزت أظافرها بوجه تلك الفتاة ذات النظرات الشامتة ، فبدأ العراك بينهما ودلفا الحارسان بعد سماع صوت صراخهما ، فحاول أحد الحراس ، فض ذلك الشجار الأنثوى ، الذى أسفر عن بعض الخدوش بوجه حياء ، فكلما حاول الحارس سحبها من ذراعها ، تعود وتصفع تلك الفتاة وهى تصرخ بصوت هيستيرى :
– أنا هـقـ ـتلك أنتى واللى كان السبب
ما أن إستطاع أحد الحارسان إبعاد حياء عن تلك الفتاة ، حتى إستطاعت إيلين سحب ذلك السلاح النارى من خصر الحارس ، فإستقامت بوقفتها وجذبت حياء إليها ولفت ذراعها حول عنقها ووضعت فوهة المسدس بجانب رأسها قائلة بتهديد :
– محدش يقرب خطوة واحدة وإلا هفجر دماغها مفهوم ، أبعدوا عن الباب علشان أخرج
رفع الحارسان إيـ ـديهما وتنحيان جانباً ليسمحا بمرورهما ، فلو أصاب حياء مكروه لن يبقى عليهما رياض النعمانى ، فياليتهما لم يخالفا أوامره ، فحتى الحارس الآخر عاجزًا عن إخراج سلا حه النارى ، خشية أن تتأذى سيدة القصر الصغيرة
خرجتا للحديقة وحياء تكاد تشعر بنفاذ الهواء من رئتيها من إحكام ذراع تلك الفتاة حول عنقها حتى كادت تخنقها ،ولكنها لم تجد مفر من المجازفة ، فلكمتها بمرفقها بمنتصف بطنها ، فأرخت إيلين يـ ـدها عنها ، وما أن إبتعدت حياء عن مرماها حتى رفعت يـ ـدها وكادت تصيبها بعيار نارى ، لولا إسراع أحد الحراس بإطلاق النار على تلك الفتاة التى سقطت صريعة على الفور ، لإختراق تلك الرصاص جـ ـسدها ، فصُدمت حياء من رؤيتها لجـ ـسد تلك الفتاة التى سال دماءها وأيقنت أنها فارقت الحياة
❈-❈-❈
غرز أصابعه بين خصيلاته وهو منكفأ على مطالعة تلك الأوراق الموضوعة أمامه على المكتب ، فداهمته ألام شديدة بالرأس ، من كثرة قراءته لتلك الأرقام والتقارير الخاصة بإحدى المصانع التابعة له ، فإن كان أنهى تحصيله الدراسي بإدارة الأعمال ، فليس هذا معناه أنه كان يريد أن يقضى معظم أوقاته بين الأوراق والأرقام ومتابعة خط سير العمل بالشركات والمصانع ، التى آلت إليه إرثاً من أبيه ، مد يـ ـده لأخذ قدح القهوة ، التى لا يعلم منذ متى وهو أمامه ، ولكن ربما تخطى الوقت الذى يمكنه من إحتساءه دافئاً ، فالقهوة باردة كالماء ولم تعد تغريه على إحتساءها ، لذلك أعاده مكانه وهو يهم بالضـ ـغط على الزر الخاص بإستدعاء السكرتيرة من أجل أن تجعل العامل يعد له قدحًا أخر ، ولكن سمع صوت طرق على الباب ولجت على آثره السكرتيرة
فأقتربت من المكتب وهى تقول بإحترام جم :
– عمرو بيه فى أنسة عايزة تقابلك برا ضرورى
تلاحما حاجبيه متسائلاً بدهشة:
– أنسة مين دى خليها تدخل
وقفت السكرتيرة على عتبة الغرفة ، ودعت سهى للدخول ، فما أن ولجت للغرفة ، خرجت وأغلقت الباب خلفها ، وظل عمرو جالساً مكانه بإنتظارها أن تبدأ الحديث ، فما أن اطمئنت سهى أنهما بمفردهما ، حتى صاحت بوجهه وعروقها نافرة :
– إيه اللى أنت عملته ده ، يعنى قولت هتساعدنى رايح توقعنى فى مصيبة أكبر ، رايح تطلب إيدى من بابا أنت أتجننت
ترك عمرو مقعده. ودار حول المكتب الخشبى قائلاً ببرود :
– مش تقولى السلام عليكم الأول داخلة تعلى صوتك وتزعقى دا جزائى أن أنا عايز أخلصك من مصيبتك اللى هتقعى فيها
ألتوى ثغر سهى بإبتسامة ساخرة وردت قائلة بإمتعاض :
– وأنت شايف أن الحل بتاعك ده هو اللى هيخلصنى من مصيبتى ، يعنى متجوزش ابن عمى ، اقوم اتجوز واحد شغال فى عصابة وكمان شمام ومدمن ، دا الموت أرحملى من البهدلة دى
فإن كان الصداع نخر رأسه بدون رحمة ، فحديث تلك الفتاة جعله يصل لأقصى درجات الغضب والألم ، خاصة أنها لم تحاول بمرة أن تنمق حديثها ، بل تقذفه بالحقيقة مجردة من أى تزييف ، ولكنه حاول ضبط أعصابه فالغضب والعصبية لن يساهمان بحل الأمر بل سيزيدان من تعقيد الأمور
فرفع يده يشير لها بالجلوس قائلاً برفق :
– طب اتفضلى اقعدى خلينا نتكلم بهدوء وياريت تهدى وتوطى صوتك انا مصدع لوحدى ومش ناقص وجع دماغ ، اقعدى وهفهمك أنا عملت ليه كده
جلست سهى على المقعد بإستياء وضمت ذراعيها ونظرت إليه بوجوم ، فجلس عمرو قبالتها على المقعد الآخر ، فأنحنى قليلاً للأمام وشبك يديه ببعضهما وقال بهدوء :
– أولاً أنا عايزك تعرفى أنا لا هتجوزك ولا حاجة ولا أنا أصلاً حابب أتجوز ، أنا طلبت من باباكى ان اتجوزك على اساس نتخطب سنة أو أكتر تكونى خلصتى الثانوية ودخلتى الجامعة وساعتها بس هنفسخ الخطوبة ، يعنى الموضوع مجرد خطوبة بس حتى ممكن متشوفنيش فترة الخطوبة لأن هبقى مشغول يعنى هنمثل إن إحنا مخطوبين مش أكتر ، وأهو تكونى خلصتى من جوازة ابن عمك وفى نفس الوقت دخلتى الجامعة ، لأن هطلب من باباكى مش هنتجوز إلا لما تخلصى على الاقل سنة أولى كلية ، يعنى هماطل مع باباكى فى فترة الخطوبة فهمتى وأنتى مش هتخسرى حاجة ، دبلة هتحطيها فى ايدك وخلاص وعلى حـ ـس الخطوبة دى هتعملى اللى أنتى عيزاه فهمتينى
بعد أن أنهى عمرو حديثه ، حدق بها وأنتظر ردها ، ولكنها ظلت صامتة تنظر أمامها بشرود ، كأنها تحاول العثور على رد مناسب لما اقترحه لتوه ، ولكنها لم تجد ما تقوله ، فمنحت ذاتها وقت إضافى للتفكير ، تمثل ببضع دقائق أخرى ، فوضع عمرو رأسه بين يديه ريثما تنتهى من التفكير بإقتراحه
فنظرت إليه سهى وهى تقول بتوجس :
– يعنى أنا لو وافقت على إقتراحك ده مش هتحاول تستغل الظروف وتتجو زنى بجد ، ثم لو اتخطبنا ما اكيد اهلى هيتوقعوا أنك تيجى تزورنا وتسأل عليا بحكم إن خطيبتك هقولهم إيه
رفع عمرو وجهه لها ورد قائلاً بكذب وهو ينقر بأصابعه على حافة المكتب :
– باباكى عارف حجم المسئولية اللى عليا ، وهيبقى عارف أن معظم وقتى مشغول بالشغل ، ووقت ما تحسى ان ممكن يشكوا فى حاجة ، هبقى أجى ازورك واسأل عليكى ، وأنتى ابقى قوليله أن بكلمك كل يوم فى التليفون ، و متخافيش لا هستغل الظروف ولا حاجة ، علشان أنا أصلاً بحب واحدة فى أمريكا ومرتبط بيها وإحتمال نتجوز كمان ، فأطمنى خالص من ناحية الموضوع ده ، مجرد ما تبقى اطمنتى من ناحية دارستك فى الكلية ، خلاص مش هتشوفى وشى تانى
هزت سهى رأسها بهدوء ، دلالة على إقتناعها بحديثه ، فكل ما يعنيها بهذا الأمر ، أن يتركها والدها تنهى تحصيلها الدراسى بالجامعة وبالكلية التى تريد الدراسة بها ، فتركت مقعدها وإستأذنته بالمغادرة ، خرجت وأغلقت الباب خلفها ، تتمنى أن تسير الأمور مثلما أخبرها عمرو ، فهى حتى الآن لم تعرف قرار أباها النهائى بشأن تلك الزيـ ـجة
دار عمرو حول المكتب فأخذ سترته الموضوعة على ظهر المقعد وتأهب للعودة للمنزل ، فخرج من الشركة وأخذ سيارته فقادها بهدوء وهو يفكر فيما يحدث معه بتلك الآونة ، ومنذ متى وهو يرغب بمساعده الآخرين ، ولما ذلك الإصرار والعزيمة اللذان تملكا من حواسه فجأة جعلاه يريد التوقف عن تعاطى المخدرات والاقلاع عن تلك الموبيقات التى كان يفعلها ، ولكن ما كاد يمر برهة قصيرة حتى نفض عن ذهنه ما اعتراه ، وعادت نفسه توسوس له بأن الدرب سيكون وعرًا محفوف بالألم الذى يرى أنه بغنى عنه بوقته الحالى
ما أن وصل للمنزل نادى الخادمة التى جاءت إليه مهرولة ، فنظر إليها متسائلاً:
– هى ماما وجو زها فين مش شايف حد فيهم
ردت الخادمة قائلة وهى تحنى رأسها إحترامها لسيدها :
– خرجوا يا عمرو بيه من بدرى ، الهانم قالت انهم هينزلوا يتمشوا شوية وهيرجعوا
تمنى عمرو ألا يعود ذلك الرجل المسمى زو ج والدته ، فصعد لغرفته وولج للمرحاض وهو يخلع عنه ثيابه لشعوره الشديد بالضيق ، فبعد أن أنتهى من الإغتسال ، وقف أمام تلك المرآة بالمرحاض ، وجفف خصيلات شعره الطويلة عن الطول المعتاد لشعر الرجال ، فدائمًا ما يترك خصيلاته من الأمام طويلة إلى حد ما ، ومن الخلف يتركها قصيرة ، فما أن غرز أصابعه بين طيات شعره ، تذكر قول سهى له ذات مرة ، من أن يحتفظ بنقوده من أجل قص شعره ، الذى يجعله شبيهاً بالإناث ، فما أن تذكر هذا الحديث ، إعتلت ملامح التجهم قسمات وجهه ، وأتجهت عيناه تلقائياً لماكينة قص الشعر
بتردد بدأ بتشغيلها ووضعها على مقدمة شعره ، فأغمض عينيه وترك يـ ـده تتجول بالماكينة على رأسه من الأمام للخلف ، حتى أزال خصيلاته كاملة ، ولم يتبقى سوى شعر قصير ، كأنه نبت حديثًا برأسه ، نظر بخواء للشعر الملقى على أرضية المرحاض ، فعاد ونظر بالمرآة ، وتعجب من مظهره الجديد ، الباعث على إثارة الدهشة ، ولكن ذلك لم يكن يجعله يشعر بالسوء ، بل أنه أغتسل مرة أخرى وخرج من المرحاض وهو يطلق صفيرًا بصوت عالى ، كأنه سعيد بما فعله
ولكن ما أن خرج من المرحاض ، رآى زو ج والدته يقف على عتبة باب الغرفة واضعاً يـ ـديه بجيبى بنطاله ، ويلوى فمه بإبتسامة ماكرة ، فقال بصوته الباعث على الضيق والنفور بصـ ـدر عمرو :
– إيه ده أنت حلقت شعرك يا عمرو ، تصدق أتفاجئت بشكلك ده
أطـ ـاح عمرو بالمنشفة التى كان يجفف بها وجهه ، فصاح بوجهه بإنفعال :
– أنت إيه اللى جابك هنا لحد أوضتى وعايز إيه ، أنت مكانك بس فى الأوضة اللى سمحتلك تقعد فيها ، فأمشى من قدامى دلوقتى أحسن لك
تمنى عمرو لو يأخذ زو ج والدته بحديثه ويخرج من الغرفة ، فتلك القطعة المعدنية التى تمثلت بسلاح نارى من الطراز الحديث ، أغرت نفسه بأن يفرغ كامل طلقاتها بصـ ـدر هذا الرجل القمئ ، ولكن هذا لن يكون كافياً لإخماد نيران ثأره ، فهو يريد أن ينتـ ـزع أنفاسه الواحد تلو الأخر ، حتى يستجديه بأن يقـ ـتله لكى ينول راحته من العذ اب ، فزو ج والدته ظن سكوته وصمته على إقامته بالمنزل ، على أنه مازال يخشاه ويرهبه مثلما كان طفل صغير ، ولكنه لا يعلم أنه بمدة زمنية قصيرة ، أصبح عمرو أكثر خطورة وخاصة بعدما إستلم إرث والده المشروع والغير مشروع
ولكن زو ج والدته لم يستمع لحرف واحد من تهديده له ، بل أنه أكمل سيره حتى وصل إليه بمنتصف الغرفة ، فوضع طرف سبابته أسفل ذقن عمرو قائلاً بشماتة :
– هو أنت فاكر أنك لما تحلق شعرك هتبقى راجل يا عمرو يا حبيبى ، ولا ده تأثير العروسة الجديدة ، خايف لتعرف حاجة عن ماضيك
لم ينفعل عمرو وربما ساهمت جرعة المخدر ، التى تناولها منذ ساعة تقريباً ، بأن تتبلد حواسه ، علاوة على إحكامه سيطرته على ردود أفعاله ، لكى لا يحقق زوج والدته مراده بأن يخرجه عن طوره ، مثلما كان يفعل معه سابقاً ، مهدداً بمعاقبته بأسوء أنواع العقاب
أزاح عمرو يـ ـد زو ج والدته ورد قائلاً بإبتسامة إجتمعت بها كل نوايا الشـ ـر :
– أنا مبقتش أخاف ، لأن معنديش حاجة أخسرها أكتر من اللى خسرته فى حياتى ، وإن كان على العروسة الجديدة ، فيمكن أن هى دى اللى هتخلينى أحط كل واحد بالمكان اللى يستحقه
لم يفهم زو ج والدته شيئًا من حديثه المبهم والغامض ، ولكنه ظن أنه يقول ذلك من أجل إظهار تلك الشخصية الجديدة التى إكتسبها مؤخراً ، أى منذ مجيئه للإسكندرية ، ولكنه لا يعلم ما يخبأه له من مفاجئة ، حتماً ستصيبه بصاعقة وربما تفقده الإدراك السليم وستفلت من يـ ـده كل زمام الأمور
فأرتد خطوة للخلف وقال بإبتسامة هازئة :
– فعلاً كل واحد هيبقى فى المكان اللى يستحقه ، أنا الكلام أخدنى وكنت هنسى أقولك أن فى ضيف جه تحت بيسأل عليك وعايز يشوفك ضرورى
تلاحم حاجبىّ عمرو بتقطيبة عميقة ، فحدق بوجهه متسائلاً بريبة :
– مين ده اللى جه تحت ؟
رفع زو ج والدته يـ ـده يشير تجاه باب الغرفة وهو يقول بدهاء :
– أنزل بنفسك لأوضة الصالون هتلاقيه مستنيك هناك
لم يزد حرف واحد ، بل أنه خرج من الغرفة على وجه السرعة ، فذهب عمرو لغرفة الثياب وإرتدى ما قابله ، ليذهب ويرى من يكون هذا الزائر ، فهبط الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لغرفة المعيشة ، ولكن ما أن خطى عمرو خطوتين بداخل الغرفة ووجد ذلك الزائر جالساً مع والدته وزو جها ، ويبدو عليهم أنهم منهمكين بحديثهم ، حتى فغر فاه وصُدم من رؤيته
فتحشرج صوته وهو يقول بإندهاش مخلوطًا بحروفه المتلعثمة :
– مـ معقولة ، طـ طب إزاى
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)