رواية لقاء في القطار الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم جوجو
رواية لقاء في القطار الجزء الرابع والعشرون
رواية لقاء في القطار البارت الرابع والعشرون
رواية لقاء في القطار الحلقة الرابعة والعشرون
وفى صباح اليوم التالى كان حاتم وآية جالسين مع والده ووالدته .. فاقترحت آية عليه أن تزور جدها وهو مازال هنا فى القاهرة ..
آية : ايه رأيك ياحاتم أروح لجدى النهاردة اسلم عليه اصله وحشنى اوى ..
حاتم : ماشى ياحبيبتى وماله بعد العصر نلبس وننزل ..
آية : ماشى ياحبيبى ..
فاروق ( مرتبكاً ) : بس انتو لسة راجعين امبارح ما تخلوها بكرة ..
آية : والله يابابا جدو وحشنى اوى اوى .. وعايزة ألحق اقعد معاه قبل ما يرجع سوهاج تانى ..
عواطف ( فى سخرية ) : اه لازم تلحقى قبل ما يم………
فاروق ( فى غضب ) : عواطف ..
حاتم : فى ايه يابابا انت اتعصبت اوى كدة ليه ؟
فاروق : لا ولا حاجة .. بعد ما تخلص فطارك ابقى انا وانت ننزل نجيب حاجات الغدا وخلى آية تنام شوية واضح انها لسة تعبانة من السفر ..
عواطف : وانا يعنى حقعد لوحدى .. خليها قاعدة معايا ..
فاروق ( فى نظرةٍ ذات معنى ) : لا هى تعبانة ..
آية : لا ابدا يابابا انا مش تعبانة ولا حاجة انا حقعد مع ماما على ما تيجو ..
عواطف ( فى إصرارٍ ) : خلاص بقى يافاروق هى مش تعبانة .. روحو انتو وانا وهى هنقعد نتسلى شوية فى ترويق الشقة ..
فاروق : ترويق ؟ لا متتعبيهاش ولا انتى تتعبى نفسك الشقة مش محتاجة وهى متروقة اهى …
عواطف ( فى غيظ ) : ماشى يافاروق ..
حاتم : طيب واحنا حننزل امتى يابابا ؟
فاروق : يعنى شوية كدة ..
حاتم : طيب انا حنزل اقابل أيمن اخد منه حاجات اشترهالى وانا مسافر وحجيلك بسرعة ان شاء الله ..
فاروق : خلاص حنزل معاك ..
حاتم : خلاص اتفقنا انا نص ساعة واكون جاهز ..
وبعد قليل كان حاتم ووالده قد نزلا .. فنظر له والد وهما فى السيارة وقال له ..
فاروق : ياحاتم .. أجِّل مرواحك لجد آية لبكرة ..
حاتم ( فى تعجب ) : ليه يابابا فى ايه ؟
فاروق : اسمع انا حقولك بس متقولش حرف لآية .. جد آية عيان اوى وقعد يومين فى العناية المركزة جتله جلطة فى القلب ..
حاتم : ياخببببببببببر .. وازاى متقولناش يابابا .. وهو فين دلوقتى ؟
فاروق : هو خلاص روح البيت .. ربنا ياخد بيده ياحاتم .. حالته صعبة ..
حاتم : ايوة بس معنى كلامك يابابا ان ولا النهاردة ولا بكرة ينفع آية تروحله ..
فاروق : والله ياحاتم ياريت بس انا مش عارف حنقنع آية ازاى ..
حاتم : هى ماما تعرف ؟
فاروق : ايوة تعرف مهى كانت معايا كل يوم واحنا معاه فى المستشفى .. وبصراحة ياحاتم أمك على قد عصبيتها ومعاملتها الصعبة مع آية لكن خدمته ومكنش محتاج لحاجة أبدا لدرجة انه قالها انا كنت فاهمك غلط بس انتى طلعتى انسانة وكانت بتعامله وبتخدمه عن طيب خاطر والله ياحاتم .. بس انا منبه عليها متقولش حاجة لآية .. المهم دلوقتى حنقنع آية ازاى ..
حاتم : ولا عارف .. المسألة مش سهلة يابابا اكيد حتشك لما اقولها بلاش اليومين دول وحتى لو اتحججت انى مثلا تعبان ومش قادر اروح معاها حتقولى اروح انا وانت تيجى بعدين .. بس يابابا انتو ازاى سايبين الراجل لوحده .. مين بيخدمه ؟
فاروق : لا طبعا مش سايبينه لوحده .. الدكتور كل يوم بيبعت الممرضة تقعد معاه لمدة 8 ساعات وبعد كدة بيستلم الشفت أمجد ومروة واوقات خالتك عفاف بتيجى .. وانا كمان يوميا بخرج على العصر بروحله واقعد معاه لحد نص الليل ..
حاتم ( فى امتنان ) : مروة وأمجد … ربنا يباركلهم يارب .. طب والحل يابابا .. اخليه يجى عندى انا وآية يقعد معانا الفترة دى ..
فاروق : صعب جدا لكذا سبب .. اولا هو مش راضى يسيب البيت ابدا اعتقاد منه أنه تقيل على أصحاب البيت يعنى هو عنده عزة نفس رهيبة جدا الراجل ده .. ثانيا لو نفترض وافق وجه عندك حتقولوا ايه لآية على كمية الأدوية واللى هى بمواعيد .. حتعتنى بيه من وراها مثلا ..
حاتم : طيب يابابا مهو مفيش حل الا ان آية تعرف ..
فاروق : حل جدها رافضها تماما ومش عايز فرحتها بجوازها تقل واللا تنتهى بسبب تعبه .. عايزها تعيش حياتها ..
حاتم : وهى لما تكتشف انه تعبان بالشكل ده حتعيش حياتها دى مش بعيد تطلب منى الطلاق لانى خبيت عليها ..
فاروق : لا مش للدرجة يابنى ..
حاتم : طب هاتلى حل يابابا قبل ما نروح ..
فاروق : والله ما انا عارف ياحاتم .. انا بجد مش عارف اتصرف .. لاول مرة احس بالعجز ناحية شئ معين .. البنت للاسف حساسة جدا .. ولو مات البنت حتحس باليتم الحقيقى ولا اى انسان فى الدنيا حيقلل عنها احساسها ده وحترجع للانطواء تانى واحنا مصدقنا انها تتعود على الناس وتفتح عنيها للدنيا من غير خوف ..
حاتم : يابابا انت بكلامك ده بتصعب الموضوع أكتر .. دبرنى يارب ..
أما فى منزل عواطف .. فكانت آية جالسة وحدها تقرأ بعض الآيات القرآنية الكريمة .. وعندما شعرت بوجود حماتها أمامها ختمت الآية ونظرت لها محاولة الابتسامة ..
عواطف : انتى عارفة فاروق نزل مع حاتم ليه ؟
آية : ايوة عشان يروح المشوار مع حاتم ويجيبوا الغدا بعد كدة ..
عواطف : انتى يابنتى مالك طيبة اوى كدة ليه وبتصدقى بسرعة اى كلام يتقالك ..
آية : اومال هما رايحين فين ؟
عواطف : فاروق اخد حاتم عشان يقوله على خبر بعيد عن البيت او بمعنى اصح بعيد عنك ..
آية : خبر ايه ؟
وبعد حوالى ساعة رجع حاتم ووالده إلى البيت دون إيجاد سبباً مقنعاً لعدم زيارة آية له فى الوقت الحاضر .. وعندما يصل حاتم إلى شقة والده لا يجد آية وتخبره والدته بأنها غادرتها إلى شقتها .. فقلق حاتم من نبرة والدته فى الحديث وأسرع فى الذهاب إلى زوجته .. ونظر لها فاروق قائلاً ..
فاروق : برده عملتى اللى فى دماغك ياعواطف ..
عواطف : كان لازم تعرف ..
وفى منزل حاتم .. دخل حاتم حجرة النوم وإذ به يجد آية مرتدية ملابسها مستعدةٌ للخروج وباكية العينين .. فقال لها ..
حاتم : هى ماما قالت لك ..
آية : اظن من حقى اعرف ان جدى عيان وجتله جلطة فى القلب .. لو سمحت وصلنى عند جدى واللا مش فاضى ..
يقترب منها حاتم وحاضناً لها قائلاً ..
حاتم : تفتكرى انا ممكن اسيبك تروحى مكان لوحدك ..
آية : طب من فضلك تودينى عند جدى دلوقتى ..
حاتم : حاضر ياآية بس اهدى ومتقلقيش .. ان شاء الله يخف .. ياللا بينا ..
وبعد قليل كان حاتم وآية قد وصلا إلى منزل آية القديم حيث يقيم الجد .. وتفتح لهما مروة متفاجئةً لوجودهما .. فتتسع عيناها فى رعب .. وتتساءل ..
مروة : انتو ايه اللى جابكم ..
آية : مش عيزانى اجى اشوف جدى يامروة ..
مروة : لا لا مقصدش والله انا بس اتفاجئت بيكم ..
آية : انا داخلة لجدى …
تدخل آية لحجرة الجد الذى يرقد على سريره ويحوطه كميةٌ كبيرة من الأدوية وتفاجأ بوجود سوادٌ تحت عينيه .. نائماً ولم يشعر بها .. بكت آية فى صمت ثم علا نحيبها وبكاءها فاستيقظ الجد على صوت بكاءها ..
الجد : آية .. معقول .. انتى هنا من امتى ..
آية ( فى بكاءٍ وكلمات متقطعة ) : كدة …. ياجدى ….. اكتشف مرضك .. ازاى تخبى علية ..
الجد : متعيطيش ياآية .. انا عايزك تفضلى على طول قوية .. اسمعى كدة واللا كدة انا مش حعيشلك طول العمر ولكل أجل نهاية .. وانا خلاص بودع ووصيتى ليكى ياآية انك تتقوى ومتخليش حاجة او حد يكسرك وطول ما إيمانك قوى حتعدى أزماتك .. اوعى تنسى ربنا فى لحظة وهو جنبك فى كل وقت .. راعى ربنا فى جوزك وفى حماتك وحماكى وفى كل الناس .. واللى صعب عليكى النهاردة حيبقى سهل بعد كدة وحماتك اللى بتعاملك وحش بعد كدة حتعاملك حلو اوى اوى .. والله ياآية دى ست طيبة اوى احنا بس اللى مش فاهمنها كويس .. خليكى طوعها وهى حتحبك هى محتاجة كدة ..
آية ( ببكاءٍ حاد ) : انا مش حعرف اعدى اى ازمات من غيرك ياجدى .. اوعى تسيبنى ياجدى ..
الجد : اوعى تقولى كدة محدش دايم الا الله سبحانه .. اللى خلاكى تتقوى لما امك ماتت ولما اعمامك وخيلانك اتخلوا عنك يبقى مش حتتقوى وانا مش معاكى .. ياآية خلينى اموت وانا مطمن عليكى …
آية ( فى انهيارٍ تام ) : انا حموت من غيرك ياجدى …
الجد : لا لا اوعى تحطى كدة فى بالك عشان تقدرى تعيشى .. لازم تقفى لجوزك ولعيالك اللى بعد كدة .. طمنينى عليكى ياآية واوعدينى انك تتقوى وتمشى حياتك من غيرى ياآية .. اوعدينى ..
آية : ……………….
وهنا يدخل حاتم بعد أن سمع ذلك الحوار المبكى بالفعل .. والذى لا يستطيع أن يلوم آية على مشاعرها الحزينة فكلنا بشرٌ لا نستطيع كتم مشاعر بداخلنا .. فيراه الجد ويقول له ..
الجد : خد بالك من آية ياحاتم .. متخليهاش محتاجة لحد ومتبعدش عنها فى يوم ومتخليهاش ترجع تحس باليتم ابدا ..
حاتم : حاضر ياجدى اوعدك .. بس انت خلى بالك من نفسك وواظب على الادوية .. ربنا يخليك لينا ياجدى ..
الجد : كله بإرادة ربنا ..
أصرت آية على نقل جدها فى بيتها لمراعاته بنفسها وبالفعل خضع الجد تحت رغبتها تلك وكان حاتم موافقاً لتلك الرغبة بل ويريدها قبلها .. ومرت أياماً كانت آية تشعر فيها بحزنٍ شديد حتى جاء يوماً كانت تصلى وغفلت عيناها على سجادة الصلاة بعد أن أنهت صلاتها .. ولكنها شعرت بحركة بجانبها فإذ بجدها ينهض من سريره وكان فى أتم صحة وعافية .. فسعدت كثيراً .. ولم تصدق عينيها .. فتجرى عليها قائلةً ..
آية : جدو جدو .. انت قمت من على السرير .. انت خفيت ياجدو ..
الجد : انا خفيت ياحبيبتى .. ربنا شفانى وكرمنى ..
آية : ياحبيبى ياجدو انا حكلم حاتم حالا خحليه يجى .. حخلى الدنيا كلها تيجى ..
الجد : استنى ياآية حقولك كلمتين ..
آية : قول اللى انت عايزه ياجدو ياحبيبى ..
الجد : خلى بالك من بنتك ..
آية : بنتى مين ياجدو انا معنديش بنات ..
الجد : عندك بنت زى القمر وطيبة وحتبقى حنينة عليكى اوى .. وخليها تود حماتك واوعى تبعديهم عن بعض .. كمان حيجيلك بنت تانية بس قدام شوية ..
آية : بجد ياجدو .. بجد .. جدو جدو .. جدو انت مبتردش علية ليه .. جدو جدو …
تستيقظ آية على يد حاتم .. الذى عندما سمعها تتحدث وهى نائمة ذهب ليوقظها لتنام على سريرها .. ففتحت عينيها وقالت له ..
آية : هو فين جدو ؟
حاتم : نايم جوة فى اوضته ياآية .. انتى نمتى على السجادة وانتى بتصلى الفجر وسمعتك بتقولى جدو جدو اتخضيت ولما جيت لقيتك نايمة ..
آية : يااااااه ياحاتم كانت رؤية حلوة اوى .. جدو قالى ان عندى بنت وكمان حخلف التانية ووصانى انها تود مامتك ..
حاتم ( مبتسماً ) : ربنا يرزقنا يارب .. قومى ياللا نامى وانا حروح اطمن عليه واحصلك ..
آية : حاجى معاك ..
حاتم : ياللا ياستى ..
وفى ثوانٍ كان حاتم وزوجته داخل الحجرة ويجدون الجد نائماً فى هدوء ووجهٍ يُشِّعُ بياضاً ولاحظت آية أن اللون الاسود الذى كان تحت عينيه قد زال .. تقترب منه فى سكون حتى لا تزعجه ويستيقظ .. فرتبت على جبينه …. ولكن ….. تجد جسده مثلجاً فتنزعج وتطلق صوتاً منفعلاً ..
آية : إلحق ياحاتم جدو جسمه متلج .. هو فى ايه ..
حاتم ( فى سرعة ) : اوعى كدة لما اشوفه ..
وبالفعل يجد حاتم الجد مثلج الجسد فوضع إصبعه على عروق اليد اليسرى فلا يجد أى نبض فيرتبك وحاول أن يأخذ آية بعيداً عن الحجرة ولكنها لم ترتضِ ولا تفهم ماذا يحدث ..
آية : اوعى سيبنى .. جدو جدو رد علية ياجدو ..
حاتم ( باكياً ) : تعالى ياآية انا حتصل بالدكتور يجى يشوفه ..
آية ( فى هيستيريا ) : لا جدو كويس اوى جدو مماتش ياحاتم صح .. جدو مماتش .. جدو جدو .. ( ثم صارخةً ) : انت بتعيط ليه بقولك جدو مماتش ..
حاتم ( حزيناً وممكساً بيديها ) : لا إله إلا الله .. تعالى ياآية تعالى ..
ويدق جرس الباب ويفتح حاتم الباب ويجد والدته ووالده الذين جاءا عندما سمعا صراخ آية .. وتساءل والده عما حدث ولكنه فهم عندما رأى عينى حاتم الدامعتين .. وطلب حاتم من والدته أخذ آية بعيداً عن جثة جدها ..
عواطف : تعالى يابنتى .. تعالى ياآية .. ادعيله ربنا يرحمه ..
آية ( صارخةً فى هيستيريا ) : لالالالالالالا جدو مماتش متقوليش كدة .. انتو كدابين .. جدو جدو رد علية ياجدو …
ترى آية حماتها تتحدث معها ولكن دون أن تسمع ما تقول ..
آية : انتى بتقولى ايه انا مش سمعاكى .. انتى بتقولى ايه ..
و
سقطت آية غائبةً عن الوعى ..
فتحت آية عيناها لتجد أشباحٌ برداءٍ أسود فى حجرتها .. الصورة أمام عينيها مشوشة .. لا تعرف من هؤلاء .. وهل هى ماتت مثل جدها ..
جدها .. أمات جدها .. ضلالٌ .. كذبٌ .. إنها تراه .. تشم رائحته .. تشعر بلمساته الحانية فوق رأسها وكتفها .. مازالت تشعر بحضنه الدافئ الحنون .. مازالت تشعر بحركته .. مازالت تسمع صوته .. مازالت .. مازالت .. مازالت .. إذن فهو بالفعل ضلالٌ أو ربما خيالٌ .. لا من مات ليس جدها ولكنه شبيهه ..
ولكن .. من هؤلاء .. لماذا لا أراهم بوضوح .. وما ذلك السواد الذى يرتدونه ولماذا يرتدونه ..
أفاقت آية من غيبوبتها التى استمرت يومين .. ضعيفة الجسد ومنهكة القوى وكسيرة النفس .. أفاقت على صوت بكاء حماتها .. ياللمصادفة العجيبة .. أعندما تفيق ترى وتسمع حماتها فقط وتكون باكيةٌ كالطفل الصغير .. حماتها التى لا تحبها .. كيف ذلك .. هل ذلك المشهد جزءً من الحلم الذى رأته بعد صلاة الفجر .. هل هذا كابوس .. ولكن كيف ففى بداية الحلم أخبرها جدها بوجود بناتها .. فهل الحلم الجميل ينتهى بكابوس أسود ..
لحظاتٌ وعادت آية إلى دنيا الواقع .. لتجد بالفعل أنها ليست فى حلم وإنما حماتها هى التى من سمعت صوت بكاءها مع وجود فاطمة ومروة وعفاف ورودينا .. نظرت لها فى شرود .. وتساءلت هل مازالت حماتها تكرهها .. فى حياة جدها كانت تعاملها أسوأ معاملة فكيف الحال بعد مماته .. ونطقت أخيراً ..
آية : جدى فين ؟
عواطف ( باكية ) : جدك توفاه الله ياآية .. شدى حيلك يابنتى ..
آية : وانتى بتعيطى ليه .. مش انتى كدة ارتحتى ..
مروة : آية .. اهدى ياحبيبتى .. مفيش حد بيرتاح لموت حد تانى ..
آية ( صارخةً ) : لا هى ارتاحت .. ايوة ارتاحت علشان تقدر تعذبنى براحتها .. عشان تقدر تقسى علية براحتها .. عشان تقدر تمرمطنى وتهزأنى براحتها .. خلاص مبقاش لية أهل حتعمل فية ما بدالها .. انا بكرهها انا بكرهها ..
دخل حاتم فى فزع لحجرة آية آتياً على صوت صراخها .. وينظر إلى جميع النسوة الباكيات .. ويتساءل ..
حاتم : فى ايه ..
مروة ( هامسةً لحاتم ) : حاتم مراتك منهارة لازم نشوفلها دكتور لتعمل فى نفسها حاجة ..
حاتم : انا فعلا كلمت أيمن وهو يعرف دكتور حيجيبه ويجى ..
ثم ينظر إلى آية التى مازالت ناظرة لوالدته بنظرة كرهٍ ..
آية : انتى بتكرهينى ليه .. عملت لك ايه .. اخدت منك حاتم .. طب ازاى وهو معاكى ليل نهار .. طيب اعمل ايه عشان تسيبينى فى حالى وترجعيلى جدى .. اطلق منه .. ماشى انا موافقة انى اطلق منه .. انا عايزة اطلق ياحاتم ..
ثم تصرخ مرةً أخرى ..
آية : طلقنى ياحاتم .. طلقنى ياحاتم .. خلى أمك ترتاح ياحاتم وجدى يرجعلى .. اه .. اه .. إلحقنى ياحاتم دماغى بتوجعنى .. انا دايخة ياحاتم .. إلحقنى ياحاتم ..
وغابت آية مرةً أخرى عن الوعى ..
إثنان وسبعون ساعة وحاتم ينام على مقعدٍ فى مشفى فى حجرة خاصة بزوجته .. وبين الحين والآخر ينظر لها فى إشفاق وحب وحزن .. يطلب من الله الشفاء .. يناجيه فى صمتٍ وأحياناً بصوت .. يركع له خاشعاً طالباً منه بل راجياً منه شفاء محبوبته وزوجته آية .. وفى أحد المرات كان ساجداً لله ثم أخذ وضع الدعاء وكانت آية بدأت تفيق .. وسمعته وهو يدعو الله لأجلها .. يتضرع له ويدعو له بشفاءها ..
حاتم : يارب .. يارب .. اشفيها يارب .. قويها يارب .. قومهالى بالسلامة .. يارب انت عارف انا اتعذبت قد ايه فى اليومين دول من غيرها .. انت شايف حالتى وحرقة قلبى عليها .. يارب متحرمنيش منها ..
فنادته بصوتٍ ضعيفاً للغاية ..
آية : حاتم .. حاتم ..
حاتم ( فى سرعة ) : ايوة ياحبيبة حاتم .. حمدالله على السلامة ياآية .. وحشتينى اوى ..
آية ( فى إعياءٍ وحزن ) : دفنتوه ياحاتم ؟
حاتم : ايوة ياآية دفناه بعد ما مات بيوم ..
آية : دفنتوه فين .. فى سوهاج ؟
حاتم : ايوة ياآية .. دى كانت رغبته من زمان ..
آية : الحمد لله انه ادفن بين أهله وناسه .. الحمد لله انك نفذت رغبته .. حاتم انا عايزة اقولــ
حاتم ( واضعاً كفه على فمها ) : لا ياآية .. ارتاحى دلوقتى بلاش تتكلمى .. اى حاجة تتأجل المهم انك تقوميلى بالسلامة ياآية ..
آية : لا ياحاتم .. انا عايزة اقولك انى عارفة انى عذبتك فى اليومين دول .. سامحنى ياحاتم .. ( ثم باكية ) .. والله العظيم غصب عنى انت متعرفش جدى كان إيه بالنسبة لى ..
حاتم : عارف ياآية .. بس بالله عليكى ياآية افتكريله ارحمة وادعيله .. ونفذى وصيته ياحبيبتى ..
آية : وصية ايه ياحاتم .. وصية البنات اللى شوفتها فى الرؤية ؟
حاتم : لا وصيته ليكى لما قالك لازم تتقوى .. ريحيه فى تربته ياآية .. متزعليهوش عليكى ..
آية : عندك حق .. انا لازم اريحه .. ساعدنى ياحاتم ومتسيبنيش .. ارجوك ..
حاتم : انا اسيب عمرى ولا اسيبك انتى ياآية .. ده انتى مراتى وحبيبتى وكل ما لية فى الدنيا ..
آية : طب لو بتحبنى فعلا انا عايزة اروح بيتى ..
حاتم : حاضر ياآية انا حروح انده الدكتور يجى يشوفك ويقرر ايه اللى فى مصلحتك ..
آية : لا أرجوك ياحاتم حيقولك لا تستنى معانا شوية وانا بكره المستشفيات .. ارجوك انقلنى البيت وحاخد العلاج هناك وححافظ على نفسى وحمسك اعصابى ياحاتم .. ارجوك ..
حاتم : ياحبيبتى عشان انقلك البيت لازم الاول هو يدينى تصريح بكدة .. عشان خاطرى متستعجليش ده هما يومين بس ..
آية :طب متسيبنيش ياحاتم .. عشان خاطرى انا ماليش غيرك دلوقتى بعد ربنا ياحاتم ..
وتبكى بشدة فيحتضنها حاتم بصدقٍ مطمئناً لها بعدم تركه إياها طيلة حياته ..
ويمر يومان وترجع آية إلى بيتها .. استقبلتها حماتها فى ودٍ .. لأول مرة تتعاطف معها عواطف .. تعجبت آية لتلك المعاملة .. أيعقل أن تكون تلك المرأة الحنون هى حماتها .. وتمر الأيام وتتماثل آية للشفاء ..
وتعود المياه – كما يقولون – إلى مجاريها .. وتتعود آية حياتها الجديدة دون جدها – ذلك الرجل التقى – ولا يمنع أنها بين الحين والآخر تسمع صوته منادياً وواصياً لها على برها بحماتها – على وجه الخصوص – وبأن الله تعالى سيكرمها عاجلاً لا آجلاً بذريةٍ صالحة تُنسيها آلامها وأحزانها .. فهكذا الحياة .. وكلما سمعت صوته وتذكرت آخر كلماته معها فى الحقيقة وفى الحلم تبكى وتترحم عليه ..
نعم .. ما خاف منه فاروق قد حدث شئٌ منه .. بالفعل رجعت آية إلى الانطواء .. تجلس وحدها دائماً وعندما تجلس معهم أو مع آخرين يكون الصمت هو حالها .. يُقَدِّر حاتم زوجها حالتها فكان ارتباطها بجدها كارتباط النبات بالمياه .. وتعامل معها حاتم بالصبر ..
مر الكثير من الأيام لا تقوى آية على عدِّها .. حتى جاء ذلك اليوم الذى هاتفتها فيه فاطمة ..
آية : ألو ..
فاطمة : ألو .. ياصباح الجمال والحب والرقة ..
آية : ازيك يافاطمة عاملة ايه ..
فاطمة : ايه يايويو المعاملة الناشفة دى .. فين الدلع بتاعى .. انتى دايما بتقوليلى فطومة ..
آية : معلش يافاطمة اعذرينى انا نفسيتى لسة تعبانة ..
فاطمة : لا يايويو لازم تاكلى وتشربى وتعيشى لان هى دى سنة الحياة ياحبيبتى .. كلنا لها .. ومفروض بقى تعملى بوصية جدك ليكى لازم تتقوى وتعيشى حياتك واللا انتى عيزاه يزعل منك يايويو ..
آية ( باكيةً ) : وحشنى اوى يافاطمة .. ايامى من غيره مبتمرش .. انا محسيتش انى يتيمة الا لما لقيت جسمه متلج ومفيش نبض ومات يافاطمة .. مات .. وحسة انى لوحدى ..
فاطمة : لا حول ولا قوة إلا بالله .. حرام عليكى ياآية الكلام ده انتى كدة بتلومى ربنا على انه أخد امانته تانى ومش مقتنعة بقضائه .. استغفرى ياآية ولازم تفوقى شوية لحياتك وجوزك ..
آية : استغفر الله العظيم .. سامحنى يارب ..
فاطمة : ثم انتى حسة انك لوحدك ازاى .. ده حاتم حيموت عليكى وزعلان عليكى اوى وخايف عليكى أكتر من اى حد فى الدنيا ..
آية ( متنهدةً ) : حاتم .. والله مهما قلت مش حقدر اوفيه حقه .. حاتم صبور معايا اوى يافاطمة ..
فاطمة : صبور معاكى عشان بيحبك وواقف جنبك عشان بيحبك وعشان عايزك تبقى كويسة وتفوقى من حالتك الحزينة اللى انتى فيها …
آية : انا كمان بحبه وصعبان علية اوى بس غصب عنى يافاطمة ..
فاطمة : لا ياحبيبتى اللى بيحب بحد يعيشله مش ياخد جنب وينساه .. انتى كدة نسياه ياآية ..
آية : انا مش نسياه انا مش قادرة ارجع لحياتى الطبيعية تانى .. او على الاقل فى الوقت الحاضر ..
فاطمة : لازم ترجعى ولازم تحاولى مرة واتنين ومليون وصدقينى حترجعى .. الحاجة الوحيدة اللى صدمتها بتبدى قوية وبتخف بالتدريج هى صدمة الموت .. وجدك الله يرحمه مات من شهرين ونص ياآية .. وانتى من ساعتها أهملتى مع حاتم .. انا حسألك سؤال شخصى شوية .. اخر مرة حاتم قرب منك كانت امتى ..
آية : ……………….
فاطمة : اخر مرة قبل وفاة جدك .. صح ياآية ؟
آية : ده صحيح ..
فاطمة : يعنى فعلا أهملتيه فى حقوقه عليكى كزوج وأهملتيه فى اى حاجة تانية وده ميرضيش ربنا .. قومى خدى شاور والبسى أحلى لانجرى عندك وحطى البرفان الحلو اللى كنتى حطاه يوم فرحك واتمكيجى ورجعى لياليكو الحلوة تانى وعيشى حياتك تانى .. ومتقلقيش ياآية عمرك ما حتنسى جدك لانه حيفضل جوة قلبك طول عمرك .. ياللا يايويو قومى كدة البسى لجوزك واللا يعنى عيزاه يبص لغيرك يابت انتى ..
آية : هههههههههه لا طبعا مش عيزاه يبص لغيرى انا كنت افقعله عينه ..
فاطمة : ههههههههههههههه ياعينى عليك ياحاتم يعنى اول ما تفوقى عليه تفقعيله عينه .. اومال حتعملى ايه بعد يومين ..
آية : حفضل طول عمرى يافاطمة احمد ربنا انه حطك فى طريقى ..
فاطمة : ربنا يخليكى لية يارب ياأحلى آية عرفتها فى حياتى .. وبالمرة كلمى مروة بقى وقوليلها تعمل فرحها اللى مأجلاه عشان خاطرك من ساعتها .. كان مفروض تتجوز من شهر يامفترية ..
آية : انتى بتتكلمى جد ..
فاطمة : اه والله يابنتى ومش عايزة تعمل فرحها قبل ما يفوت سنة من وفاة جدك مراعاة واحتراماً لظروفك ياآية ..
آية : مروة دى بنت مشوفتش زيها ابداااااااا .. ايه رأيك نروحلها انا وانتى بكرة كدة وهناك نقنعها إنها تعمل فرحها فى اقرب وقت ..
فاطمة : خدتيها من على لسانى يايويووووووووو .. انا موافقة جدا حقول لأيمن وحأكد عليكى بالليل تكونى انتى قلتى لحاتم وصالحتيه .. ماشى يايويو .. متفقين ؟!!!
آية : متفقين يافطومة …
فاطمة : اخيرا قلتى فطومة .. الحمد لله .. سلام بقى يابطتى ..
آية : سلام يافطومة ..
جلست آية مع نفسها قليلاً تفكر فى حديث فاطمة معها .. بالفعل قد أهملت زوجها لفترةٍ كبيرة وياله من رجلٍ صبور .. فما من رجلٍ يصبر تلك المدة على زوجته وبالأخص فى بداية زواجهما .. يجب أن تصالحه .. يجب .. يجب ..
رجع حاتم إلى بيته فى ميعاده الدائم .. دخل وجد نور الشقة من الشموع المضاءة فى كل مكان .. انشرح قلبه وسعد كثيراً عندما رأى تلك المرأة ذات الشعر الأسود الطويل الناعم المفرود جالسةً مبتسمةٌ فى انتظاره .. بعطرها الفواح الذى وصل قلبه قبل أنفه وملابسها الأخاذة .. فرك فى عينيه قليلاً ثم قال ..
حاتم : ايه ده .. مين المزة اللى قاعدة دى ..
آية ( فى خجل ) : متكسفنيش بقى ياحاتم ..حمدالله على سلامتك ياحبيبى ..
حاتم ( منبهراً ) : حمدالله على سلامتك انتى ياأجمل مخلوقة شوفتها فى حياتى ..
آية ( مبتسمة ) : روح ياحبيبى خد شاور وعلى ما تخلص أكون حضرتلك الغدا ..
حاتم : هو لازم ناكل دلوقتى ..
آية : طبعا انت جاى من شغلك تعبان ولازم تاكل الأول ..
حاتم : مينفعش بديل للأكل ؟!!
آية ( فى خجل ) : بديل ازاى يعنى ..
حاتم : حاخد شاور واجى اقولك بديل ازاى يعنى …
احتضنها حاتم فى اشتياقٍ لها .. لآية الانسانة قبل آية الزوجة .. وبعد أن انتهى من تنظيف نفسه وجدها تنتظره فى حجرتهما وكأنه أول يوماً للزواج .. كأنه يوم عرسهما .. قبلَّها فى يديها ثم جبينها ثم …….. وقد كان ما كان ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لقاء في القطار)