روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الحادي والعشرون

رواية بين دروب قسوته البارت الحادي والعشرون

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الحادية والعشرون

“نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث المـ ـوت”
دق باب الغرفة من الخارج مرة واحدة ووقف في الردهة منتظرًا أن تفتح له الباب، داخله يدعوه للعودة مرة أخرى إلى المكان الذي أتى منه، ولكن شيطانه يُصر عليه أن يكمل ما بدأ..
لحظة وفُتح الباب، طلت من خلفه “إيناس” بهيئة لأول مرة يراها بها، ترتدي قميص طويل يصل إلى كاحليها، لونه أسود يعكس بياض بشرتها، ملتصق عليها مفتوح من المنتصف إلى آخر فخذيها..
نظر إليها من الأسفل إلى الأعلى، ثم دفعها ودلف إلى الداخل دون حديث، أغلقت الباب هي واستدارت تنظر إليه، رأت وجهه المُتعرق بشدة، عينيه تذوغ منه في كل مكان ويبدو عليه التوتر..
أقتربت منه بهدوء ووقفت خلفه مباشرة تضع يدها الاثنين عليه تحركهما لتصل بهم إلى الأمام وقالت بصوت ناعم جذاب:
-كل ده تأخير.. مستنياك من بدري
ابتلع ما وقف بجوفه بتوتر وتردد والعرق أصبح أكثر من السابق بكثير، لأول مرة يفكر بفعل شيء كهذا، شيء بشع ولكن مثير وشهواته تدعوه له منذ زمن وهو يرفض ويرفض لأجل أن يقترب من حبيبته في صفاء، ولكن ظهور هذه الفتاة واقترابها منه دون أي مقدمات، حتى إلقاء نفسها تحت أقدامه جعله يفكر في الأمر أكثر من المرات السابقة.. شيء لا مثيل له خصوصًا أن كنت لن تفقد شيء، وفي أثناء تفكيره بذلك نسيٰ عصيانه لربه وعقابه عنده..
تقدم للأمام خطوة نازعًا نفسه منها وعقله مازال مشوش لا يستطيع التفكير بشكل سليم ولا يدري ما الذي يريد فعله..
تقدمت هي الأخرى خلفه مرة أخرى ومالت برأسها عليه من الخلف تستند على ظهره:
-وحشتني.. أنا موحشتكش؟
لم يُجيب عليها وحاول أخذ أنفاسه بشكل سليم، فهي تتحدث وعقله مازال يحاول التفكير بجدية وهدوء في ذات الوقت كي يفعل الصواب.. ولكنه وجد نفسه يستدير ينظر إليها من الأعلى إلى أسفل قدميها..
مظهرها يجذبه إليها، ليس حب، ليس إعجاب، ليس انجذاب طبيعي بل لكونها متجهزة لأجله وتنتظره بهذه الطريقة التي تظهر رجولته ومدى هيمنته..
أقترب مرة وأخرى خطوات خلف بعضها ووقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما شيء، رفع يده إلى وجنتها يتحسسها بكف يده وينظر إليها بتمعن وعمق وفي لحظة خاطفة وهو ينظر إليها رأى وجه حبيبته..
أغمض عينيه بسرعة وابتعد عنها للخلف مرة ثانيةً، فاقتربت هي وصاحت قائلة باستفهام:
-مالك؟ شكلك مش مظبوط
أجابها بصوتٍ خافت مخفي داخله وهو يفكر بالأخرى:
-ماليش.. أنا كويس
كرمشت ما بين حاجبيها وتابعته بنظرات عينيها وهو يتحرك بالغرفة بحركات غير منتظمة:
-مش باين!
وقف ناظرًا إليها بجدية وعينين حادة يتحدث نافيًا حديثها مُعترضًا عليه:
-ليه مش باين منا قدامك أهو كويس
تغاضت عن ذلك وتابعته مُتسائلة بوقاحة وعدم خجل:
-طب ايه هتفضل كده؟
حرم رأسه وهو يسألها بغباء ولم يأتي على عقله مقصدها بسبب تفكيره الغبي في ابنة عمه:
-كده إزاي يعني؟
تحركت بجسدها للأمام وأردفت مندهشة منه تفكر فيما أصابه فور رؤيتها:
-كده.. واقف متخشب ومتوتر
أردف مُجيبًا إياها بجدية وصوت رجولي أجش واضح حاول السيطرة عليه فقد فهم نظرات عينيها إلى ماذا توحي:
-أنا تمام
استمعت إليه وابتعدت للخلف، انحنت بجذعها العلوي للأمام وأخذت من على الطاولة ورقتين وقلم، ثم استدارت واقفة بجسدها الممشوق تتبادل معه النظرات وهتفت:
-طب يلا
تسأل بعينيه قبل شفتيه وهو ينظر إلى الورق بيدها:
-ايه ده؟
ابتسمت وهي تقدم الورق إليه مُعتقدة أنه سيوافق على طلبها الأحمق:
-نكتب ورقتين عرفي
استنكر كلماتها السهلة التي خرجت من بين شفتيها ببساطة وهدوء:
-عرفي!..
أجابته واتسعت ابتسامتها أكثر تفكر في الوصول إليه بأي طريقة كي تكون معه متى ما أرادت ومتى ما أراد ولم تكن تعلم ما الذي سيفعله “عامر”:
-آه، علشان لما تحتاجني تلاقيني
استهزأ بها وضحك بسخرية ووقف مًعتدلًا أمامها يتابعها بتمعن:
-مين قالك إني هحتاجك؟!..
حركت كتفيها وقالت بهدوء وجدية تنظر إليه تتابع سخريته الغريبة عليها فهو هنا بسبب ما أراده وأرادته معه ليس شيء غريب تطلبه منه:
-زي دلوقتي كده
ابتسم بتهكم يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بسخرية شديدة ثم رفع نظرة إلى عينيها قائلًا بتبجح ولا مبالاة:
-حتى دلوقتي مش محتاجك.. أنا هنا علشانك، علشان أنتي سهلة
تمسكت بالورق بيدها الاثنين بقوة وضغطت عليه بغل وهي تستمع إليه يقوم بالاستهزاء بها والتقليل منها، أردفت بجدية منزعجة بشدة:
-أنت واخد بالك بتقولي ايه!
أومأ إليها بعدم اهتمام وأكد أنه يعلم ما الذي يتفوه به:
-آه واخد بالي كويس
حاولت هي الحديث والتبرير له موضحة ما الذي تفعله على عكس ما فهمه هو:
-أنا مش مدلوقه عليك علشان تقول كده.. القصة كلها إني مبحبش اللف والدوران زيك يعني باجي على طول
تقدم خطوة منها وقال بجدية وقسوة:
-يبقى متقوليش نكتب، طالما بتيجي على طول
اعترضت على حديثه معتقدة أن هكذا سيفعل ما تريد هي لينالها وتكون إليه، لم تكن تعلم أنه من الأساس يقدم قدم ويؤخر الأخرى متردد بقوة:
-بس أنا مش هعمل كده من غير ما نكتب
تسأل بسخرية شديدة:
-وهو فيه فرق؟
أومأت إليه بجدية وتأكيد واثقة من حديثهها قائلة بهدوء:
-آه طبعًا هنبقى متجوزين
تهكم عليها بقوة وابتسم باتساع لأجل تحليلها للأمور فقط لأنها ليست فتاة صغيرة حتى لا تعلم أن هذا غير محلل:
-هو أنتي متعرفيش إن أساس الجواز إشهار، يعني حتى لو كتبنا يبقى جواز باطل
بررت له مرة أخرى حتى يوافق، وعللت بحديث آخر جعلت نفسها حمقاء كثيرًا بعد قوله:
-بس معروف الجواز العرفي وإحنا بعدين ممكن نشهر
استغرب “عامر” بشدة وابتسامته مازالت على شفتيه الرفيعة مُرتسمة، قال لها بتساؤل:
-نشهر مين؟ هو حد قالك إني ناوي اتجوزك؟
أومأت برأسها تلوي شفتيها ببساطة قائلة:
-وليه لأ!؟
ضحك بصخب وصاح بصوتًا ضاحكًا مُرتفعًا ينظر إليها باستغراب شديد لتلك الثقة التي تتحدث بها:
-دا أنتي اتهبلتي في مخك بقى! أنا اتجوزك أنتي
وقفت للحظات في صمت تام تنظر إليه هي الأخرى باستغراب لا تفهم لما يفعل ذلك؟:
-وأنا مالي؟ مش عجباك
تبجح بغرور وأكمل كما هو دائمًا يقول الحقيقة ولو كانت مُرة أمر من العلقم:
-مش ذوقي، ومش أنتي اللي اتجوزها، هو علشان كلمتين ونظرتين يبقى اتجوزك؟
صمت لوهلة وأكمل مستهزء بسخرية وبرود:
-ده أنا على كدة هتجوز البنات كلها
نظرت إليه بعمق وتمعن وصاحت قائلة تحاول أن تجعله يفهم ما الذي يتفوه به:
-أنت بتخبط في الكلام
عدل حديثها يعقب عليه بوضوح أكثر:
-أنا بفوقك.. شايف سقف طموحك عالي أوي
تسائلت وهي تضع يدها الاثنين بجانبها والأوراق بيدها اليمنى:
-يعني أنت عايز ايه دلوقتي
نظر إليه بوضوح وجدية ولم يجد شيء يفعله غير أنه تحرك ناحية الباب يقول:
-سلام
استدارت معه تنظر إلى ظهره وهو يذهب فصاحت باستغراب ودهشة غير مصدقة من الذي فعله:
-أنت هتمشي؟
استدار ناظرًا إليها من الأعلى إلى الأسفل ثم خرجت الكلمات من بين شفتيه بإهانة واضحة لها:
-منا قولتلك.. مش ذوقي
مرة أخرى استدار وذهب تاركًا إياها خارجًا من الغرفة، شكرها داخله على ذلك الأمر الذي فعلته وجعلته به يستفيق لنفسه ويعرف ما الذي كان مقدم على فعله..
كان يخون ابنة عمه وعمه، الذي أخذ دور والده وقدم إليه ابنته حتى بعد رفض والده هو..
هل هذا سيكون المقابل لهم؟ أنه حقير للغاية وهو مُعترف بذلك ولكن تلك الفتاة الغبية تلقي نفسها أسفل أقدامه وهو شاب غير متزوج العمر يمضي به كيف له أن يرفض!؟
الأمر صعب للغاية عليه ولكنه سيحاول التغلب ولن يخونها، فهي حبيبته وملكه الوحيد الذي انتشله من تلك العائلة، لم يخرج بأي شيء منهم سواها.. ولن يتركها بتلك السهولة..
لن يجعلها تبتعد عنه.. لن يفعل خطأ كهذا يجعلها تسلب منه بسببه.. سينتظرها هي! سينتظرها
بينما وقفت الأخرى والغضب يعمي عيناها، كيف له أن يفعل ذلك الأمر بها، كيف يتركها هكذا ويرحل، كيف يقوم برفضها ذلك الأحمق.. لقد تسرعت كثيرًا، هي المخطئة ولكنه مغرور وقح لا يقدر من يقف أمامه.. لا يقدر أنها تقف تطالب بالقرب منه..
قبضت على الورق بيدها بقوة كبيرة وغضب جلي بسبب فعلته الدنيئة ورفضه المُميت لها، ولكنها ليست ضعيفة لتسلم بتلك السهولة هو وافق من البداية ولم يعترض، هي هنا لأجله ولأجل أن تبدأ القصة بينهما، ولن تتركه إلا أن تبدأها وتنهيها وستكون جميع الخيوط بيدها.. سيعود، مرة أخرى سيعود..
❈-❈-❈
بعد أن تم إلقاء القبض على “هشام الصاوي” بتهمة الإتجار في الممنوعات حاول والده إخراجه بكافة الطرق، ولكنه لم يستطع، حاول تفريغ كاميرات الشركة بعد التحدث مع ابنه والتأكد من أن هذه الأشياء ليست له، ولكن من فعلها كان أذكى منهم وقام بتعطيل الكاميرات كي لا تعمل أثناء وضع هذه الأشياء له..
لم يكن أحد سواه من فعلها، دائمًا كان يقول صبرًا صبرًا ها هو الصبر حل عليه بفوائد ونفع لا نهائي ولو خرج منها لن ينسى ذلك القلم الذي صفعه له بتلك القوة الضارية..
سيجعله يتذكره دائمًا ويفكر في الشيء قبل فعله خمسة عشر مرة متتاليين كي لا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى..
هكذا أخذ انتقامه منه، بطريقة قانونية فهو لا يحب التهور بتلك الطريقة الغبية التي يتصرف بها الآخر..
ولو خرج منها سينتظره أن يقوم بفعل الخطأ عينه مرة أخرى كي يرد عليه الرد الأكبر.. هو وابنة عمه التي ينتظرها رد لا مثيل له..
كان “هشام” على علم بأن من فعل ذلك هو “عامر”، تفهم الأمر جيدًا واكتشف الآن فقط أنه ليس سهلًا كما بدا عليه، ولكن هو الآخر ليس سهل ولن يبقى هنا إلى نهاية حياته بل سيخرج مهما كلفه الأمر وسيرد له الصاع صاعين… في زوجته..
آخر ما فكر به سيفعله ولو كان آخر يوم بعمره، سيرد عليه وعليها ويجعل كل منهما يرى من هو “هشام الصاوي”، سيأخذ حق والده وحقه منهم، لن يتركهم ينعمون بالسعادة هكذا بتلك السهولة.. سيكون قاسي للغاية هذه المرة.. ستكون هذه المرة الأعنف على الإطلاق..
والده لن يبقى صامتًا، هو يحاول إخراجه ولو لم يستطع فهو الآخر عنده الخطه التي تخرجه من هنا دون أي اتهام، يخرج إلى النور ويرى ما الذي سيقوم بفعله عندما ينفذ ما برأسه تجاههم، يرى “عامر” وهو منحني أمامه يطالب بالرحمة والمغفرة كي يتركها هو وزوجته المصون.. لأجل تلك اللحظة سيفعل أي شيء كي يصل إليها..
وهي ستأتي مهما كلفه الأمر ولن تكون بعيدة.. بل أقتربت للغاية..
❈-❈-❈
انتهى عقد قرآن “هدى” و “تامر” وأصبحت الآن زوجته وحلال له، الجميع وقع على رؤوسهم أمطار كثيرة من السعادة بألوان وأشكال مختلفة، أخيرًا دق الفرح باب هذه الفيلا مرة أخرى وفرحت العائلة من جديد بعد عامين من الحزن والأسى على فقدان كل حبيب وعزيز على قلوبهم..
تابعت “سلمى” “هدى” من بعيد وهي تجلس جوار زوجها تتحدث معه بهدوء وابتسامه والسعادة على وجهها تتحدث..
تذكرت شقيقها الراحل وكم كانت تحبه، كم كان يناسبها ويظهر بصورة الرجل الرائع معها..
الآن هناك من أخذ محله حتى في منزله، لا تلوم عليها لأنها تزوجت ولكن فقدانهم صعب للغاية، لم يمر يوم واحد ولم تتذكره، شقيقها وحبيبها، رحل إلى عالم آخر وترك كل شيء خلفه والآن زوجته وحبيبته تتزوج من غيره..
حتى ما فعله دون علم أحد لن تلومه عليه فهو لم يقوم بفعل شيء مشين إلى هذه الدرجة بل هو دافع عن فتاة كانت ستُقتل دون حق، سيضيع عمرها وتغتال روحها لأجل أنها أحبت شخص كان حقير لم تستطع التعرف عليه جيدًا..
ولأجل أن شقيقها رجل يعرف معنى الرجولة وصفاتها لم يستطع التخلي عنها بهذه السهولة وتركها لمصير قاتل.. معها كامل الحق “هدى” في أن تنزعج وتلقي بكل ما كان بينهم خلف ظهرها وتنظر إلى حياتها القادمة.. فالجميع فعل ذلك حتى هي مرة أخرى عادت إلى عامر وتناست المعاناة التي مرت بها محاولة تغير حياتها للأفضل والشعور بالفرح والسعادة..
ولكن حقًا الآن تفتقد عائلتها، تفتقد والدها وحبيبها الذي كان يستمع إليها في كل شيء، تركض إليه وتقوم بالحديث دون كلل أو ملل وهو يستمع إليها بحب ورحابة صدر، ينصحها ويقوم بالإشارة إليها بأصبعة على الطريق الصحيح الذي يجب عليها السير فيه..
شقيقها الرائع الرجل الذي لا يوجد مثله، أفتقدته كثيرًا، من علمها الحب والاحترام وقابلها بالحنان وكان لها العون والسند ورأت به الراجل العاشق ولكن لم يكن له نصيب في التكملة..
ووالدتها الطيبة صاحبة القلب الرقيق الحنون، من كانت تهون على والدها كل ما كان يحدث ولسانها يلقي ما كان يشفي الجميع..
حركت وجهها على جميع الانحاء حولها، يا الله لقد بقيٰ المنزل فارغًا عليهم، وهنا من أتى ليأخذ مكان شقيقها، لقد تركوا كل شيء ورحلوا حتى أنهم تركوها هي نفسها..
انهمرت الدموع من عينيها الزيتونية الجميلة، وذهبت إلى الخارج في الخفاء دون أن يراها أحد سواه!.. ذهبت لتستنشق هواء نظيف نقي من الخارج يعبر إلى روحها المسلوبة منها أثناء تذكر عائلتها الراحلة..
تلوم نفسها مرة والأخرى لا، لو لم تصر على الذهاب والاستماع إلى حديث “عامر” لم يكن هذا حدث وفقدت ثلاثة من أفراد عائلتها يحملون المكانة الأهم والأكبر بقلبها.. لو لم تكون تسير مغمضة العينين خلف تلك الحقـ ـيرة من كانت صديقتها لكانت الآن متزوجة من “عامر” منذ عامين وأكثر وبجوارها عائلتها بالكامل وهناك زيادة بهم من الأبناء لها ولشقيقها..
ولكن هذا القدر، وهذا ما كُتب لهم ولها وفي النهاية لن تستطيع أن تغيره أو تقوم بتبديل شيء به، كان مقدر لهم الموت بهذه الطريقة لتظل طوال حياتها نادمة على ما فعلت، نادمة على كل لحظة أضاعتها من عمرها في هذا الهراء..
لقد مر العمر وهي الآن فقط اكتشفت أنها كانت حمقاء، بعد أن خسرت كل شيء ولم يبقى سوى هو الوحيد من بينهم، تخاف خسارته وبشدة.. فلو حدث ذلك لن تبقى هي الأخرى ولو لحظة واحدة.. لن تبقى!..
احتضنها من الخلف واضعًا يده الاثنين حول خصرها وقربها منه بقوة وأسند ذقنه على أحد كتفيها مُقتربًا منها للغاية وهتف بحنان:
-البطل واقف لواحده ليه؟ وكمان مضايق
ابتسمت بهدوء عندما شعرت بوجوده وتركت كل ما كانت تفكر به، وابتعدت عن تذكرها للفقدان وآلامها وأجابته قائلة بهدوء:
-خرجت اشم هوا بس
اعتدل واقفًا وعاد للخلف وجذبها معه لتلتفت إليه تنظر داخل عينيه كما يفعل، أردف بجدية يتعمق بعينيها:
-كنتي بتعيطي؟ مالك في ايه يا سلمى؟
أخفضت وجهها بالأرض وأجابته شاعرة بالاختناق:
-مافيش حاجه.. افتكرت أهلي بس.
وضع يده الاثنين على وجنتيها يحركهما بخفة وحنان لا نهائي يبعثه إليها من خلال لمسات يده:
-هما في مكان أحسن من هنا مليون مرة أنتي عارفه ده.. الدنيا هنا وحشه أوي، عارف أنها صعبة من غيرهم بس هما في مكان أحسن وإحنا مسيرنا نروح ليهم وحياتك
فرت دمعة هاربة منها ونظرت إليه داخل عينيه تهتف بما يعبث داخلها ويحركها يمينًا ويسارًا كالدمية:
-أنا طول الوقت بأنب نفسي، لو مكنتش اصريت أمشي مكنش حصل كده.. بس برجع وأقول ده قدر
حرك إبهامه على وجنتها ومحى به تلك الدمعة الهاربة وأكد حديثها الأخير في محاولة منه أن يجعلها تتفهم أن ذلك قدر ونصيب:
-أيوه يا سلمى، مكتوب.. ده نصيبهم
النيران تحترق داخل قلبها، عذابها كبير ولا أحد يشعر بها، شقيقها أتى آخر وأخذ مكانه وتربع على قلوب الجميع، تعلم أن ذلك هو الذي حدث ويحدث وسيحدث ولكن الأمر صعب عليها تقبله:
-هدى اتجوزت.. أنا نصحتها تتجوز وتنسى حياتها مع ياسين، بس لما عملت كده بجد زعلت أوي وافتكرت ياسين وحاسه إن.. إن ده صعب أوي
رآها تزعج نفسها بقوة، تفكر بهم بشكل أصبح مزعج لأنه يضغط عليها بكثير ويجعلها تفكر أنها المُتسبب الوحيد في ذلك، حرك عينيه على خاصتها وسألها مُغيرّا الحديث:
-سلمى.. لو أنا مكان ياسين، كنتي هتتجوزي
هتفت ببغض وانزعاج شديد وهي ترفع يدها على خاصته فوق وجنتيها:
-حرام عليك ليه بتقول كدة؟
كرر حديثه بشكل هادئ:
-بسألك
أجابته بجدية وانزعاج ظهر بوضوح على ملامحها وتوصل إليه من خلال نبرتها التي تخرج بضيق:
-سؤال وحش أوي يا عامر، أنا ماليش غيرك.. ماليش غيرك يا عامر مش بعد كل ده أخسرك تاني مستحيل
مرة أخرى أصر أن يأخذ منها الإجابة:
-لو حصل!
تفاعلت بعينيها معه، لمعت بغرابة وتمسكت بيده بقوة وأجابته بقلب يشتعل بالحب المحروم منه لأعوام:
-مستحيل عيني تشوف راجل بعدك، مستحيل، أصلًا دلوقتي مش بشوف رجالة غيرك
ارتسمت ابتسامه هادئة على شفتيه وأجابها هو الآخر بنظرات عاشقة يتبادلها معها:
-أنا بحبك أوي يا سلمى
أقترب منها وأبعدت يدها واضعًا إياها حول خصرها بعد أن وضعت رأسها على صدره تحتضنه لتأخذ منه الشعور بالحب والأمان:
-وأنا بحبك يا عامر.. وفرحانه بوجودي معاك وفي حضنك ونفسي أفضل كده على طول
تفوه بخبث ومكر وهو يهبط بيده إلى خصرها بطريقة تجعلها تفهم ما الذي يريد الوصول إليه قبل الحديث:
-طب ما تيجي؟
عادت للخلف والفكرة المجنونة هذه عبثت بها فقالت بجدية متسائلة:
-والحفلة دي؟
قال بلا مبالاة وعدم اهتمام ولكن حديثه به بعض المنطق:
-هدى وتامر اللي الحفلة بتاعتهم أصلًا دلوقتي هيقوموا احنا بقى مش هنقوم؟
وجدها تنظر إليه بجدية وكأنها تفكر بحديثه، فأمسك بيدها مخللًا أصابعه بين أصابعها وتحرك إلى الداخل جاذبًا إياها خلفه يهتف ببساطة:
-تعالي تعالي
صاحت تتسائل وهي تحاول أن تتوقف ولكن من الداخل تريد ذلك:
-طب وعمي ومرات عمي استنى بس
استدار برأسه وهو يتحرك وهي خلفه، ألقى حديثها خلف رأسه وقال ناظرًا إليها من الأسفل إلى الأعلى بخبث:
-جامد عليكي الفستان ده.. مش عايز أشوفه تاني بقى
كانت ترتدي فستان ذهبي اللون يلمع من من بدايته إلى نهايته بأكتاف عريضه وذراعيها البيضاء تظهر بسخاء، يهبط إلى أسفل قدميها ملتصق عليها بشدة يوضح معالم جسدها:
-ايه الجنان ده منين جامد ومنين مش عايز تشوفه
وصل إلى الداخل وصعد على درج الفيلا وهناك من ينظر عليهم واستمعت إليه وهو يهتف بكلمات سريعة كي ينهي الأمر ويتوقف عن الحديث:
-أنا مجنون ياستي تعالي بس
تعثرت على الدرج فرفعت الفستان باليد الأخرى وذهبت خلفه سريعًا محاولة أن تجاريه في سيره:
-أنا جايه أهو أنت بالراحة الله
حاول هو الوصول إلى الغرفة بأقصى سرعة لا يطيق الإنتظار وكأنها أول مرة، ولكن الحقيقة أن معها كل مرة كأنها أول مرة، نفس ذلك الحب والعشق المتوارى خلف القرب المحبب لهم، نفس اللعبة والمسارات المشتعلة بينهم، نفس ذلك الماس الكهربائي الذي يمر بجسد كل منهما مع كل لمسة حب تمر بهم..
❈-❈-❈
“بعد مرور أسبوع”
كل شيء بينهم على ما يرام، “سلمى” منذ بداية النقاش مع “عامر” في أول ليلة لهم مع بعض كزوج وزوجة وهي فراشة تطير بين الورود تعبر عن سعادتها الخالصة بذلك العوض الذي أنزل إليها من ربها في لحظة حزن على ما مر عليها..
حياتهم خالية من أي شيء يعكرها، الجميع في تحسن دائم وهي معه أصبحت أفضل وأروع بكثير، أكتسبت قليل من الوزن الذي خسرته سابقًا دون أي مجهود فقط لأجل أن نفسيتها تتحسن يوم عن الآخر و “عامر” يقوم بتأدية دوره على أكمل وجه..
إلى اليوم تحلق عاليًا ولم تهبط ولو مرة واحدة حتى لو كان سوء فهم.. شعرت بطعم السعادة بعد مرارة المعاناة ولا تريد التخلي عنها مهما حدث..
الفرح أتى إليها وشعرت به، لحظات كثيرة مرت عليها وهي تضحك بصخب جواره، لما قد تترك كل هذا وترى التعاسة التي تركتها خلف ظهرها.. الآن السعادة هي عنوان حياة “سلمى” مع “عامر” زوجها بعد أن كانت تموت اختناقا بسبب كل ما يحدث بينهم من نزاع وخلافات كبيرة لا يتحملها أحد..
الآن تستطيع القول إنها اكتسبت شيء يستحق العذاب لأجله..
استدار “عامر” إليها ينظر على هيئتها بجدية شديدة، رآها وهي تبكي ولم يكن يعلم ما الذي عليه فعله واستمع إليها تهتف بنبرة خافتة مُرتعشة:
-أنا حاولت أعمل زي ما أنت عايز يا عامر، والله حاولت أبعد بس أنا مش عارفه أنت مش مفارقني.. أنا بحبك
أستمر في النظر إليها وعيناه لا تحكي عن شيء فقط يتابعها بحدة في انتظار أن تكتفي من ذلك:
-أنا بحبك يا عامر.. مستعدة أكون معاك من وراها والله، بس متسبنيش وتعمل فيا كده
أكملت بحزن ورفعت عينيها الباكية عليه تقول باقتراح حزين:
-لو مش عايز تتجوز أنا معنديش مانع هفضل معاك من غير جواز بس بلاش تسيبني.. ووالله مش هقول لحد وهيفضل سر بينا وسلمى هتفضل موجودة في حياتك
أجابها بقسوة كي يقتصر المسافة عليه وعليها ولكن من الواضح أنها لا تريد فعل ذلك:
-جومانا أنا قولتلك أنا بحب مراتي ومش مستعد أخسرها لأي سبب
وقفت على قدميها وأقتربت منه تبكي بشدة وتنتحب والقهر ارتسم عليها حقًا فهي تحبه إلى أبعد حد ولا تريد أي شيء منه سواه هو:
-عامر أرجوك أنا بحبك ومش قادرة أعيش من غيرك.. والله مش قادرة أنا بقولك خليني عشيقتك حتى، أنا عارفه إنك بتحبني بس مش موافق علشانها
أقترب منها وقال بقوة ضارية:
-أنا بحب سلمى.. سلمى وبس يا جومانا
تابعت من خلفه بارهاق ومازالت تبكي:
-وأنا بحبك أنت
استدار ونظر إلى الخارج ثم هتف قائلًا بصوت ثابت حاد وقد وجد أن هذا هو الحل الوحيد:
-جومانا أنا هنقلك.. مش هينفع تكملي شغل هنا
أقتربت منه وذهبت لتقف أمامه وترجته كثيرًا والدموع تنهمر من عينيها، لقد أحبته حقًا وزرع ذلك الحب داخل قلبها ولن تستطيع أن تنزعه بتلك السهولة:
-أرجوك لأ خليني معاك هنا
أقتربت منه وألقت جسدها داخل أحضانه تأخذ منه عناق حاد تعمقت به وهي تضغط عليه تأخذ القدر الكافي لها، رفع يده عليها هو الآخر وقد أشفق على حالتها لقد وصلت إلى شيء سيزعجهم هما الاثنين..
تفوه بهدوء وهو يربت على ظهرها بنبرة حنونة لأنها صديقته:
-جومانا أنتي صاحبتي وأختي أنا بحبك على الأساس ده
مرة أخرى كرر آخر كلماته بصدق وحنان فهو لا يريد خسارتها:
-والله بحبك كده يا جومانا
مع نطقه لتلك الكلمات البسيطة التي لو استمع إليها أحدهم قبل الاستماع إلى سابقها سيقول أنهما بينهما علاقة حب تجمعها، وهذا ما حدث عندما فتحت زوجته “سلمى” باب غرفة المكتب وألتقطت أذنيها تلك الكلمات وأعترافه بالحب لها..
قبضت على مقبض الباب بقوة ضارية وأتت عينيها بعينيه بنظرات قاتلة، غريبة على كلاهما أو قريبة للغاية..
استمعت إلى تلك التي تعطي إليها ظهرها تحتضنه تردف بصوت باكي يرتعش:
-أنا كمان بحبك أوي بس نفسي تبعد عنها.. تكون معايا أنا
“عامر” لم يكن بحالة تسمح إليه بفعل شيء، فقط ينظر إليها ويتعمق بعينيه داخل عينيها التي تقابله بعتاب خالص وخذلان لا مثيل له..
تقابله بالحزن الطاغي والقهر الذي ارتسم على ملامحها..
باقة من الورود المُزدهرة على يدها الأخرى وقعت على الأرضية وكأنها في حالة اللا وعي، عندما استمعت “جومانا” إلى ذلك الصوت عادت للخلف واستدارت تنظر إلى الباب ورأتها وهي تقف أسفل قدميها ورود ويدها تتمسك بمقبض الباب تنظر إليه بعينين مطعونة..
حركت عينيها إليه هو وجدته يبادلها النظرات ولكن مُبررة الموقف الذي رأته به، وكأنه يلعن نفسه ألف مرة على فعل كهذا وقع به معها، ليقوم بخسارة زوجته وحبيبته..
نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث الموت..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى