رواية وريث آل نصران الفصل الثاني 2 بقلم فاطمة عبدالمنعم
رواية وريث آل نصران الجزء الثاني
رواية وريث آل نصران البارت الثاني
رواية وريث آل نصران الحلقة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الوضع كالتالي ابنة عمها بخصلات مبعثرة فاقدة للوعي بين يدي من يتشبث بها بكل قوته…بين يدي الغريب أو من ظنته
عريسها المستقبلي.
اندفعت “علا” نحو ابنة عمها وهي ترى حالتها هذه وتقول بلهجة حملت الحدة في طياتها:
ايه اللي جرالها!
لم يجب “طاهر” بسبب الخادمة التي آتت مهرولة تحمل في يدها بصلة أحضرتها من المطبخ لتجعل “شهد” تستنشقها، نجح الأمر وفتحت عينيها وقد بدا على وجهها علامات الامتعاض إثر الرائحة.
ساعدتها الخادمة وابنة عمها على الوقوف واخترقت كلمات طاهر أذنها، كانت نبرة ملتوية وكأنه يخبرها أنه يعلم حقيقة فعلتها:
أنتِ بخير دلوقتي؟
لم تنظر له بل هزت رأسها بالإيجاب وطلبت من الخادمة أن تنقلها إلى والدتها، تركت “علا” ذراعها بسبب نداء والدتها التي خرجت للتو لصطدم بما يحدث… كانت شهد تتحرك بجوارها بمساعدة الخادمة فسمعتها تهمس لابنتها بحزم:
ادخلي المكتب لأبوكي علشان تسلمي على محسن.
أتبعت ذلك بقولها المفسر:
العريس.
جحظت عين “شهد” مما جعل الخادمة تتوقف لكي تسألها هل هي بخير أم لا بينما في نفس اللحظة همست “علا”:
هو العريس في المكتب!… طب مين اللي ورانا ده؟
دفعتها أمها لتدخل لوالدها واتجهت هي لترحب بهذا الضيف حيث نطقت بأدب:
دقايق و الحاج يخلص.
كان طاهر قد جلس على الأريكة، هز رأسه لها بمعنى أن لا مشكلة فعرضت هي عليه مرحبة:
تشرب ايه بقى؟
_شاي ممكن.
هزت رأسها وتحركت مغادرة تبحث عن الخادمة كي تحضر له ما طلبه أما هو فكانت عيناه تدور في المكان وعقله مشغول بما حدث منذ دقائق.
★***★***★***★***★***★***★***★
وصلت الخادمة إلى الغرفة الخاصة بشهد وشقيقتيها، ومدت كفها لتدق الباب فمنعتها شهد بقولها:
أنا خلاص بقيت كويسة يا ” حسنية” امشي أنتِ.
هزت رأسها بالنفي وهي تؤكد بإصرار:
لا معلش أنا عايزة الست هادية في حاجة.
رمقتها ” شهد” بعيون ضاقت في شك تبحث عن سبب لهذا الطلب ولكن في النهاية هزت رأسها موافقة وتركتها تتابع دق الباب، فتحت “مريم” وعلمت سريعا من “حسنية” ما حدث فأخذت شقيقتها في لهفة ودخلت للغرفة تطلب من أمها الخروج للمنتظرة في الخارج.
أثارت هذه الأحداث قلق “هادية” حالة ابنتها التي يُقال أنها فقدت الوعي، و الخادمة التي تنتظر في الخارج…. خرجت لها تقول باضطراب برز في عينيها:
خير يا “حسنية” في حاجة؟
مطت “حسنية” شفتيها وهي تبحث عن مدخل لكلماتها فهي شديدة الحرج من الموقف ولكن ترى أن من واجبها أن تقول.
_يا “حسنية” قلقتيني!
قالتها “هادية” في توتر مما جعل “حسنية” تنطلق في الحديث وكأنها التقطت خيط شجاعتها للتو:
أنتِ لو مش غالية عليا يا ست هادية أنا مش مكنتش جيت هنا يعلم ربنا، أنا جاية بخصوص شهد.
قبل أن تسأل هادية عن فعلة ابنتها تابعت “حسنية” الحديث بحرج:
في ضيف كان جاي من شوية وأنا دخلت المطبخ أعمل حاجة وكنت راجعاله علشان أضايفه، جيت خارجة لقيت الست شهد قدامه وقالتله حاجة أنا مسمعتهاش وبعدها رمت نفسها عليه.
اشتعلت نظرات “هادية” وهي تنطق بحدة صارمة:
ايه اللي بتقوليه ده يا “حسنية” أنتِ بنفسك قايلة لمريم انها كانت واقعة وفوقتيها.
ضربت “حسنية” على رأسها وهي تصحح الموقف مؤكدة أن نيتها الخير:
والله ما اقصد حاجة وحشة، شهد دي ست البنات كلهم، بس أنا شوفت بعيني ده مش منظر حد وقع من طوله، هي رمتله كلمتين وراحت رامية نفسها عليه… أنا حتى أول ما شوفت علا خوفت تعرف انها صاحية فجريت وعملت اني بفوقها، أنا خوفت عليها حد فيهم يعرف ولا يعملها حاجة… بناتك دول بناتي.
_تشكري يا “حسنية” امشي أنتِ.
قالتها بغضب قد سكنها، وتركتها ودخلت للغرفة مغلقة الباب خلفها بقوة مما أثار قلقهم في الداخل.
قالت “ملك” وهي تتفحص تقاسيم والدتها التي اتخذت من الاقتضاب وشاحا:
مالك يا ماما؟
اتجهت “هادية” ناحية “شهد” التي تمددت على فراشها المشترك مع “مريم” فاعتدلت شهد في نومتها تسأل:
في حاجة يا ماما؟
_أنت كان مغمى عليكي ولا كنتي بتمثلي؟
قالتها بعيون احتلتها نظرات الشك وقلب يتمنى أن تدفع ابنتها هذه التهمة بعيدا عنها.
ولكن لا من إجابة صمت تام فقط تبادل والدتها النظرات وأخيرا نطقت بعيون حادة:
حسنية هي اللي قالتلك!
تبادل “مريم” و “ملك” النظرات بقلب وجل بينما حاولت “هادية” استدعاء كل ذرة ثبات لديها حتى لا تفتك بها قبل التأكد من أي شيء:
قد أمك دي مش واحدة بتلعب معاكي في الشارع، اسمها طنط.
مطت شهد شفتيها وهي تكرر باستهزاء:
طنط؟… وهي اللي تمشي تنقل اللي شافته يبقى اسمها طنط!
_يعني حصل؟
قالتها والدتها بحاجب مرفوع فنظرت شهد للأسفل وحاولت استجماع ثباتها الضائع وهي تقول بتوتر:
اه حصل
ابتلعت ريقها متابعة بضيق:
كنت فاكراه عريس “علا” وعملت كده علشان أبوظ الموضوع.
لقد انتوت فعل ذلك، بعثرت خصلاتها وتصنعت فقد الوعي حتى تظن ابنة عمها أن هذا الغريب فعل لها شيء وكانت ستكمل خطتها حين تستيقظ وتهرول ناحية غرفة عمها وتخبره بتعرض هذا الغريب لها ولكن خطتها فشلت حين علمت ببساطة أنه ليس الشخص المقصود!
جذبتها أمها من خصلاتها وهي تقول بشراسة:
حرام عليكي، أنتِ عايزة تعملي فيا ايه يا شهد
أسرعت ملك تحاول مع والدتها كي تبعدها، وكذلك مريم تحول بينهما في حين نطقت شهد بنبرة باكية:
أنتِ اللي عايزة تعملي فينا ايه تاني أكتر من كده، بصي حواليكي للقرف اللي احنا عايشين فيه.
لم ينجدها أحد من تلك الصفعة التي تلقتها وملك التي ردعتها بدموع:
بتقولي ايه يا “شهد” اسكتي.
صرخت فيها وقد ثارت ثورتها بعد صفعة والدتها:
ملكيش دعوة أنتِ، محدش يدخل أنتوا محدش فيكوا ولي عليا… اللي ليها كلمة عليا ضربتني عايزة تعملي حاجة تاني يا ماما ولا أغور في ستين داهية من الأوضة الغم دي.
خبت دفاع “مريم” فشقيقتها تزداد كلماتها تبجح بينما نطقت “ملك” وهي تدفعها للخلف:
ايه قلة الأدب اللي أنتِ فيها دي، احترمي نفسك واتكلمي مع ماما كويس.
أبعدتهم “هادية” وجذبت “شهد” من ملابسها تنطق بحدة:
أقسم بالله يا “شهد” لو ما احترمتي نفسك هتشوفي مني أيام سودا، أنا معنديش حد مش متربي ومش على اخر الزمن هتيجي أنتِ اللي تخلي سيرتي على كل لسان.
انكمشت إثر نبرة والدتها الجامدة، وتلك العيون التي تحمل التهديد فربتت والدتها على كتفها بقوة تقول:
سمعتي يا بنت “حسن”.
هزت رأسها فتركت والدتها ملابسها وفور ذلك تحركت ” شهد” نحو هاتفها الذي أخذته وغادرت الغرفة بأكملها.
★***★***★***★***★***★***★***★
في غرفة “نصران”
خرج الطبيب الذي أحضرته “سهام” من الغرفة ناطقا بآلية:
يا مدام سهام احنا مش منعنا المنبهات، حاج نصران قلبه مش مستحمل أي حاجة واحنا بنزق علشان الدنيا تمشي معانا.
صمت ثوان واستطرد باستنكار:
يعني ايه القهوة تتشرب يوميا أكتر من ست مرات وأنا منبه عليكي منعها .
هزت رأسها موافقة فهي تعلم الخطأ وعناد زوجها الذي لا يوصف، تحدثت بكلمات مختصرة:
التعليمات كلها هتتنفذ بعد كده.
أعطاها ورقة دون فيها بعض الأدوية وهو يحذر:
أتمنى ده علشان مش كل مرة هنقدر نلحقه للأسف.
خرج معه “حسن” بينما دخلت هي إلى الغرفة تقول بلوم لذلك الراقد على الفراش بعد أن أصابته إحدى النوبات:
عاجبك كده يا نصران، مش حرام عليك اللي أنت بتعمله فيا ده
تابعت معاتبة:
فيها ايه لو نسمع كلام الدكتور؟
لم تجد منه رد وقبل أن تتحدث مجددا طلب منها برجاء:
أنا عايز أنام يا “سهام” لما أصحى هنتكلم.
هزت رأسها موافقة وتركت له الغرفة كي يستريح وبمجرد خروجها قابلت ابنتها “رفيدة” التي قالت بقلق:
بابا ماله يا ماما؟
_تعب شوية يا حبيبتي، سيبيه يستريح دلوقتي.
احتضنتها والدتها وقد شعرت بخوفها على “نصران” فقالت “رفيدة” ما جعل الدماء تتجمد في عروق “سهام”:
عيسى كلمني.
شعرت ” رفيدة” بتراخي ذراع والدتها عنها فقالت:
مالك يا ماما؟
تصنعت الابتسامة وهي تبرر بقولها:
مفيش يا رفيدة بس أنا متلغبطة شوية علشان تعب بابا
وتابعت بترقب:
قوليلي بقى عيسى قالك ايه؟
_عادي سلم عليا، وسأل على الكل … أنا قولتله إن بابا تعبان وهو تقريبا كده جاي.
توقفت عن الحديث حين سمعت صوت تلك النغمة المميزة لهاتفها، رسالة من صديقتها كُتِب بها :
هتنزلي؟
عادت لوالدتها التي شردت مجددا فنبهتها:
ماما أنا هنزل القاهرة بكرا.
قالت والدتها باعتراض:
كليتك فاضل عليها أسبوع، هتقعدي في السكن أسبوع تعملي ايه؟
_علشان خاطري يا ماما… عايزة اخرج مع جيهان.
نطقت بحسم وهي ترحل من أمامها :
لا يا رفيدة … أنا قولت لا.
تأففت بضجر بعد رحيل والدتها وفتحت هاتفها لتسجل رسالة صوتية لصديقتها تقول فيها بانزعاج:
مش هعرف يا جيهان أنزل الأسبوع ده، اسهروا أنتوا بقى.
أجابت صديقتها برسالة صوتية أيضا تتطلب منها فيها المال بسبب ضائقة تمر بها.
فأجابتها “رفيدة” بحزن:
للأسف يا “جيهان” أنا مش معايا المبلغ ده بس حاضر هحاول أتصرف وأبعتهولك.
_ميرسي يا روحي
قالتها جيهان مختتمة الحوار بينما صعدت رفيدة إلى غرفتها بعقل مشغول، ممن تطلب المال مجددا، فهذه المرة الثالثة التي تطلب فيها جيهان منها أموال …. وصحبة جيهان لا تروق لوالدتها أبدا وبالتالي إن عرفت بهذا الأمر لن يحل إلا كوارث وعلى رأسها هي فقط!
★***★***★***★***★***★***★***★
كانت الدموع تُغرِق وجه “شهد”، توبيخ والدتها وملك أيضا التي ظنت نفسها والدة آخرى لها، خرجت وكانت تسير وحيدة أمام منزل عمها فلاحظت خروج الضيف مما جعلها تسرع في خطوتها ولكنه فعل ما لم تتوقعه إذ سمعته يقول:
ممثلة هايلة أوي… تنفعي جدا بجد.
لم تجبه بل واصلت سيرها بطريقة أسرع فنطق ضاحكا:
لا وملكة في الهروب كمان.
استدارت له تقول بحدة وقد كسى الغضب عينيها:
بقولك ايه أنا مش فايقة، مش هيبقى مجانين جوا البيت وبرا كمان.
تابعت صارخة:
دي بقت حاجة تقرف.
قالت اخر كلماتها ورحلت بتوتر فهو لم يهتز ثانية إثر كلماتها، يعلم أن صوتها المرتفع وطريقتها الهجومية محاولة لتخليص نفسها مما حدث.
لم تسر في الطريق العمومي بل تحركت خلف المنزل إلى الطريق الاخر، وجدت ذلك المقعد الخشبي الذي أوشك على التهالك، المقعد الذي اعتبرته صديقها منذ الصغر فجلست عليه وأخذت تتأمل السيارات التي تخرج من هنا للطريق الرئيسي بعين شاردة، تتذكر ذكريات طفولتهم ولهوهم، تتذكر الطامة الكبرى وفاة أبيها الذي وبكل بساطة لم يترك لهم قرشا واحدا بل كان مديون لعمها… تتذكر كثيرا ذلك اليوم
Flash Back
_أنا كنت عارفة إنه خسر فلوسه بس مكنتش أعرف إنه مديون ليك يا مهدي.
قالتها ” هادية” وقد حلت الصدمة على رأسها فزوجها رحل وترك لها مسئولية ثلاثة صغار دون أي شيء يعينها فلا أقارب لها ولا مال تركه يسد حاجتهم ، فاقت من صدمتها على صوت “مهدي” الذي قال مطمئنا:
أنا مش عايز الدين ده، حقي مسامح فيه، بس هو سايب ايه يا هادية، الأرض وباعهالي لما خسر، مش فاضل منها غير نص قيراط، وده مش هيعملك حاجة يا هادية لو بعتيه لا هيأكل عيالك ولا هيصرف على تعليمهم، ولا حتى هيجبلك شقة في حته كويسة، بس ولا يهمك ونتِ وبنات أخويا مكانكم في البيت ده ومصاريفكم هتكفل بيها من أولها لآخرها.
اضطرب قلبها قلقا فمهدي يقدم التنازلات هكذا بلا مقابل ، حقا؟ …. أم أنه يريد الحفاظ على أبناء شقيقه حقا رفعت عينيها له وهو يتابع:
وشهد هترجع مدرستها من الصبح، أنا وحسن عملنا مشروع وخسرنا وأنا عوضت الخسارة دي والأرض رجعتلي تاني، وميرضينيش تبقوا في الشارع طول ما أنا عايش.
كانت تنتظر بتؤدة، تسمع حديثه وهي تعلم أن ما هذا إلا تمهيد لشيء ما، وترجو الله أن يخيب ظنها.
استطرد مهدي كأنما تذكر شيء ما:
بس عندي طلب كده وأتمنى ميبقاش تقيل عليكي
أعطته كامل انتباهها فهي تنتظر هذه النقطة فسمعت قوله:
أنا هاخد أوضة البنات أعملها مكتب، و الأوضة بتاعتك هفتحهالك على الحتة اللي تحت وأوسعها وتبقى أوضتك أنتِ والبنات.
_هقعد أنا وعيالي التلاتة في أوضة واحدة يا مهدي! ….ده بنتك علا العيلة اللي من دور شهد بتنام في أوضة لوحدها.
وضح لها كي يقنعها أن ما يفعله هو المناسب في الوقت الحالي:
معلش لغاية ما الظروف تتحسن بس، ولو عايزة بنت من البنات تبقى مع علا في أوضتها أنا مش همانع.
سألته وقد لمع الحزن في عينيها:
شهد هترجع مدرستها؟
هز رأسه مؤكدا بابتسامة:
من الصبح هترجع، بس ليا عندك طلب تاني ملك هتبقى لابن عمها “شاكر” هو أكتر واحد هيحافظ على بنات عمه ويحميهم.
قالت معنفة:
ده مش أوان الكلام ده… جواز ايه وبتاع ايه البت صغيرة لسه مكملة ال 13 من مفيش
فيها سنين على الكلام ده ووقتها يبقى ربنا يحلها.
بادر بقوله الواثق: هيحلها بإذن الله هيحلها.
_حاجة تانية يا مهدي؟
تحدث يطمئنها:
اخر حاجة، لو كوثر طلبت من بنت من البنات يناولوها حاجة ولا يساعدوا في شغل البيت بلاش الخناقات دي، دول زي عيالها وهي بتعلمهم وأنتِ كمان المفروض تعملي معاهم علشان يتشجعوا.
كل جملة تحمل معنيان، والجملة الأخيرة هذه تحمل الكثير هل سيكون العيش في مقابل أن يكونوا تحت رحمة زوجته!
تابع منهيا الحوار:
ولو مش عايزة براحتك، أنا بقولك من فين لفين بس علشان ميحصلش مشاكل.
تركت مقعدها وهي تهز رأسها موافقة وقبل خروجها ناداها مهدي معطيا إياها مظروف وتبع تقديمه المظروف قوله:
دي فلوس الشهر ليكي وللبنات، والصبح شهد هترجع مدرستها.
أخذته منه والألم يتملك من كل إنش بها، وخرجت تجر أذيال خيبتها، خيبتها وحدها ولن يتحمل أحد سواها.
Back
كانت ما زالت على المقعد تتأمل الطريق شاردة، حتى لمحته داخل سيارة، هل تتبعها ولم يسر من الطريق الأساسي، تجاهلته وقبل أن تبعد عينيها للجهة الآخرى أشار لها بكفه ضاحكا، ورحلت السيارة… ابتسمت بهدوء ووضعت كفها على وجنتها لتعود لشرودها مجددا.
★***★***★***★***★***★***★***★
صبغت الشمس الأجواء بذلك اللون القاني لتخبر الوجود برحيلها
أمام قلعة “نصران” كانت أوراق الأشجار تتحرك يمينا ويسارا إثر نسمات الهواء المنعشة، الأرض المكسوة بالخضرة تسحر النفس بلمسة من عالم خيالي.
كان يزيد يلعب بالكرة مع عمه “حسن”
قذف الصغير الكرة فتلقاها “حسن” مسرعا وهو يقول:
متبقاش غشيم زي أبوك يا “يزيد”، بالراحة يا حبيبي كنت هتلبسهالي في وشي.
هرول ” يزيد” نحوه واحتضنه بحب فمال له حسن كي يتعلق بذراعيه في عنقه وهو يقول:
أنا بحبك أوي يا “حسن” علشان بتلعب معايا.
ابتسم “حسن” وهو يقول بمزاح:
أنت حبيب الكل يا “يزيد” مش عايز أي حاجة تزعلك… اتفقنا؟
هز الصغير نفسه موافقا وطلب بحماس:
يلا اجري بيا بقى.
ضحك “حسن” وهرول به إلى الداخل حتى ثبتا مكانهما حين وجدا فريدة في بهو المنزل
أنزل حسن “يزيد” الذي تشبث بكفه خائفا حين قالت “فريدة” زوجة والده بحده:
عملت واجبك؟
قال “يزيد” مبررا:
بكرا أجازة هعمله.
صرخت فيه بعنف وقد ثارت ثورتها:
وأنا قولت يتعمل النهاردة ولا لا؟
تشبث الصغير بعمه الذي تصدى ل “فريدة” مرددا بغضب:
أنتِ بتزعقيله ليه ما يعمله بكرا ولا ميعملهوش خالص حتى.
_لو سمحت يا “حسن” متدخلش.
قالتها ببرود أثار استفزازه فرد مدافعا عن حقه في التدخل:
ده ابن أخويا ولو أنتِ مش عارفة لازم تعرفي طاهر لما اتجوزك كان علشان تبقي أم ليزيد، ولو أنتِ فاشلة في ده في غيرك كتير.
ضحكت باستهزاء وتحركت خطوات قليلة لتصبح مواجهة لحسن وهي تنطق بتشفي:
ده كان زمان، كان جوازنا علشان هو يبقى أب لجويرية بنتي وأنا أم ليزيد، لكن دلوقتي طاهر بيحبني وأنا بحبه وعلشان كده من حقي أتدخل في حياة يزيد.
انتهت وجذبت الصغير عنوة تقول بحسم:
اطلع اعمل الواجب.
دخل “طاهر ” من البوابة فهرول الصغير هاربا يتشبث بقدم والده في حين نطق “حسن” بنفاذ صبر:
أنا صابر عليها بس احتراما ليك، لكن أنا مش هتعامل مع البني آدمة دي تاني، وياريت تلحق “يزيد” منها قبل ما تجبله عقد الدنيا كلها.
رحل “حسن” باشتعال بعد أن ألقى كلماته هذه، فمسح طاهر على لحيته سائلا بتعب:
ايه اللي حصل تاني يا فريدة؟
تحدث الصغير بدلا عنها وقد عرف البكاء طريقه:
يا بابا أنا عايز ألعب مع حسن وقولت لماما هعمل الواجب بكره علشان أجازة وهي مش راضية، مع إن جويرية بتلعب بالتاب ومش بتعمل الواجب.
_اطلع فوق يا “يزيد”
قالها “طاهر” وهو يمسح على خصلات صغيره فهز “يزيد” رأسه موافقا وتحرك للأعلى بينما تحرك “طاهر” ليصبح مواجه لزوجته وهو يسألها:
أنتِ عايزة إيه يا فريدة؟
ابتسمت قائلة ببساطة:
أنت عارف أنا عايزة إيه.
هز رأسه موافقا وقد ارتسم على شفتيه ابتسامة باردة أثارت التوتر في قلبها:
حاضر.
التحمت عيناهما وهو يلقي بقنبلته الأخيرة وقد طفح كيله:
أنتِ طالق يا “فريدة” .
تركها مصدومة لا تصدق وتحرك جوارها يقول بألم:
سهل أوي نحب، بس الحب بيموت بحاجات كتير أوي، وأنا حتى لو بحبك مش هقبل بمقارنة ابني طرف فيها، علشان حتى لو هو الكسبان أنا مرضاش إنه يبقى في موضع اختيار أصلا.
لم تكن تجب ما زالت تحت تأثير الصدمة وما إن فاقت حتى نظرت له بلا حديث، كان ينتظر تبرير واحد منها، كلمات خرقاء تدافع بها عن نفسها ويستخدمها هو ليغفر لها ولكنها لم تنطق فقط نظرات خاوية
لذلك صعد على الدرج متجاهلا وجودها وهو يقول خاتما الحوار:
فرصة سعيدة يا “فريدة”.
★***★***★***★***★***★***★***★
كانت ما زالت على جلستها في الطريق تتأمل السماء التي اخترقتها النجوم فصُنِعت لوحة بديعة تطرب القلب…. اعتادت منذ الصغر حينما تحزن تأتي إلى هنا ترافق هذا المقعد وتجلس متأملة، سمعت رنين هاتفها ونظرت لتجده رقم والدتها، ضغطت على زر الإجابة وانتظرت قول أمها بصمت:
أنتِ فين؟
_بشم هوا… أنا قريبة من البيت، لو عايزاني اجيلك.
سمعت صوت والدتها وهي تخبرها:
الساعة 8 اهي متتأخريش عن 9 ، مريم نايمة وملك خرجت هتجيب من صاحبتها حاجة خمس دقايق وجاية، وأنا هروح للخياطة عايزة أرجع تكوني جيتي.
ردت باختصار:
حاضر .
هي لم تعتد ضربها أبدا، ونادمة الآن فهي ابنتها الغالية ولكن أفعالها تُتلف الأعصاب، وتشعل ثورة الشخص.
أغلقت الهاتف وعادت لتأمل السيارات حين رأت شقيقتها ” ملك” تسير من هنا مراقبة الطريق حولها بحرص، رفعت شهد حاجبها باستغراب إلى من تذهب “ملك” في هذا التوقيت، هي لا تتردد منذ بداية الدراسة إلا على صديقتها “تقوى” فهما يكملا الدراسة بعد انتهاء الأربع سنوات في كلية التجارة للحصول على درجة الماجستير، ولكن منزل تقوى ليس من هذا الطريق.
قامت شهد وتتبعت شقيقتها بهدوء حتى تعلم إلى أين تذهب من كانت تأمرها بالتأدب في الصباح.
بعد ربع ساعة تقريبا، توقفت شقيقتها في منطقة بعيدة عن الأعين، يجلس لديها عجوز كبير في السن يبيع الذرة المشوي.
جحظت “عين” شهد حين وجدت ذلك الشاب الجالس على الأريكة الخشبية المجاورة لبائع الذرة وهو يقول باشتياق:
ده أنا لو بقابل رئيس الجمهورية كان الموضوع بقى أسهل من كده….
تابع بابتسامة واسعة:
وحشتيني يا ملك.
ابتسمت وهي تجلس جواره تقول مبررة:
مكانش ينفع أقابلك الصبح كان في مشاكل في البيت…. بس أنت كمان وحشتني أوي.
آتى لهم الرجل بأكواز الذرة المشوي فأعطاها “فريد” أحدهم، وتناول هو الاخر مرددا وهو يشير لها بقلادته:
حرف ال “m” أهو اتفضحت بيها في البلد كلها دي بس مش مهم علشانك.
ابتسمت وأخرجت من حقيبتها علبة مغلقة زُينت بأنشوطة حمراء وقالت:
هو عيد ميلادك مش دلوقتي، بس أنا عارفة إنك هتتبسط
رمقها باستغراب وأخذ منها العلبة، قام يفتحها ليجد بها سوار فضي نُقِش عليه اسمه، سوار مماثل تماما للخاص به الذي فقده منذ شهر وبحث عنه في كل مكان فلم يجده وعبر لها عن حزنه لضياعه.
ضحك عاليا وهو يرمقه غير مصدق:
يا نهار أبيض، ده بجد!
ارتداه وهو ينظر لها بفرح وقد تحدث قلبه قبل فمه:
أجمل ملك في كل العمر.
تأمل السوار في يده وابتسم ناطقا:
أنا كلمت “سهام” عنك وقولتلها على حوارنا، قريب هاخدك انتِ وماما واخواتك تعيشوا في بيت نصران، وعمك ساعتها مش هيقدر يتكلم ولا حتى هيقدر ياخدكم، لو دخل القرية علشان شر مش هيخرج منها غير بالدم.
انقبض قلبها حين قال الجملة الأخيرة فطلبت برجاء:
طب بلاش سيرة الدم دي علشان بتتعبني، مش عارفة أصلا هنخرج برا حدود عمي ازاي، شاكر لو عرف هيخرب الدنيا… ده بقى مجنون طور وطايح في الكل.
_تهربي؟
نطقها بتركيز وهو يتناول من حب الذرة المشوي فرمقته بيأس ناطقة:
بتهزر حضرتك!
هز رأسه نافيا وهو يؤكد كلماته قاصدا كل حرف بها:
أنا مبهزرش يا “ملك” أنا وأنتِ عارفين إنه صعب نكون مع بعض هنا يبقى منقعدش مستنيين الوقت المناسب بقى، تيجوا معايا عندنا حماية ليكوا.
اضطربت حقا في هذه اللحظة وكأن طوق النجاة عبوة سامة أيضا نجاتها جمعت النقيضين فتحدثت بتردد:
محدش هيسيبنا نخرج إيه الثقة اللي بتتكلم بيها دي.
ضم كفها متحدثا بعيون صادقة لمع فيها حبه لها:
أنا مش هسيبك يا ملك… أنا عندك مش كفاية!
قرية نصران دي تولع كلها علشانك بس .
_طب نفكر تاني في طريقة أنسب.. ممكن يا “فريد” ؟
سألته منتظرة إجابة تريحها فتحدث بابتسامته التي تجعلها تحلق عاليا:
ممكن يا عيون فريد.
كانت تراقبهم بل كانت أقرب لهم من أنفسهم، ابتسمت بسخرية وهي تلتقط صور لشقيقتها الأكبر مع ذلك الجالسة معه وعيونها تلمع ببريق جذاب فقالت بنبرة منخفضة ضاحكة بسخرية:
يا اخواتي عليكوا عصافير!
تابعت وهي تعدل من وضع الطاقية الخاصة بسترتها على رأسها كي ترحل من هنا:
لما نشوف أمك بقى يا ست ملك هتعمل ايه لما تشوف صورك وأنتِ دايرة على حل شعرك كده ، شاطرة بس تنصحيني الصبح.
اختتمت بعيون لامعة بالتحدي:
مبقاش إسمي “شهد” لو ما ربيتك يا “ملك”.
_أنا همشي بقى.
قالتها ” ملك” بحزن وحينما لاحظت ذلك عليه أيضا أردفت:
قولت لماما ربع ساعة بس كده داخلة في الساعة وشوية…. متزعلش يا “فريد”.
قام من مكانه وقال بغيظ:
مش زعلان بس كنت عايز نقعد أكتر
تابع بضحكته المرحة:
يلا مش مهم… لما تروحي هبعتلك ونتكلم.
هزت رأسها موافقة بسعادة وتحرك هو معها عدة خطوات من هذا الطريق الجانبي حتى لا تسير فيه بمفردها.
★***★***★***★***★***★***★***★
الثانية عشر منتصف الليل
يسير بخطوات هادئة، متمهلة ذلك الفارع القامة، والمائل للسمرة، عينان يشبها عينا والده وشقيقه، تلك اللمعة الحادة في بنيتاه، ارتدى جاكت خفيف يناسب هذه الأجواء الخريفية ولم يكن يعلم أن الطقس البارد قد بدأ هنا في قريته، لديه كل ما يجعله سعيد
جذاب كانت النعمة الأهم والقاعدة الأساسية في حياته
(ليست الوسامة بل الجاذبية فقط كن جذاب والربح الأكبر سيكن من نصيبك)
جاذبية، ثراء، أشقاء، عائلة كبيرها يحكم قرية بأكملها
ولكن هل هو حقا سعيد؟
كل شيء لديه خطة، الخطة التي إن لم تعطيها كامل تركيزك تصبح على المحك
الحياة بأكملها بالنسبة له لعبة!
دق الباب وهو يتأمل المكان حوله بابتسامة لا يعرف من يراها هل هي تأمل أم حنين أم شيء آخر!
فتحت ” تيسير” البوابة وبمجرد أن رأته هرولت للداخل تهلل بفرح:
عيسى بيه هنا يا “سهام” هانم.
_عيسى!
هل حقا قالت “عيسى”
سقط الكوب من يد “سهام” حين رأته بغتتة أمامها الابتسامة لم تفارق وجهه وهو يقول:
مساء الخير يا مدام “سهام”.
★***★***★***★***★***★***★***★
هنا حيث الساعات التي تسبق الفجر، تلك الساعات التي إن وقعت عيناك فيها على الطريق تحمد الله أنك محتمي بجدران منزلك، آمن، مطمئن ومجرد تخيل نفسك وحيدا في الخارج والكلاب تنبح حولك يجعل الذعر يتملكك .
كانت الطريق هنا مظلم، بارد، كئيب، فقط ذلك الضوء الخافت والذي يثير الذعر أكثر
ماذا يحدث!… هي لا تعلم شيء… هل حقا فقدت عقلها
حبيبها ” فريد” وابن عمها “شاكر” يفتكا ببعضهما هنا الأمر وصل إلى نقطة أن أحدهم سيقتل الاخر
“شاكر” ذلك الذي لطالما شكل اسمه أكبر كوابيسها
صرحت باكية وهي تحرك رأسها رافضة ما يحدث تماما، وتستغيث بفريد أن يتوقف ويبتعد، وشقيقتها “شهد” تحاول فعل أي شيء ولكنها لا تستطيع
أخرج شاكر سلاحه وعيونه لمعت بالشر وهو يتحدث بنبرة سمعها الجميع:
اختاري.
نظرت لفريد تطلب منه العون ولكنها وجدته يدفع “شاكر” بكل قوته ناطقا بغضب:
السلاح ده يتحامى فيه اللي زيك ، انت لو كلب معدي من هنا مش هيختارك
تبع حديثه وهو يبصق عليه وأشار لها بعينيه على شقيقتها “شهد” الواقفة على الناحية الآخرى ترتعد مما يحدث، آتت لتسير ناحية “شهد” الواقفة جوار “شاكر” ولكن يد شاكر جذبتها وهو يقول بلهجة حاسمة:
كده انتِ اختارتي.
لا يعلم أحد ما حدث ولا كيف حدث، وكان أخر توقعاتهم أن تخرج طلقة واحدة من هذا السلاح لذلك استهتر “فريد” بشاكر ، هو لا يتجرأ على ذلك… هل يقتل؟ بل ومن فرد من عائلة “نصران”
ولكن على عكس المتوقع
أعيرة نارية تخترق جسد “فريد” من سلاح “شاكر” امتزجت بصراخ “ملك” العالي باسمه وكأن ما يحدث كابوس تنتظر أن ينتهى ولكن لا نهاية.
هرولت ناحية “فريد” الذي وقع على الأرضية، مالت عليه وهي ترجوه بالقلب والعين وكل حواسها:
فريد لا يا فريد، ….
نطق بنبرة متقطعة وعيناه لا تفارق تقاسيمها:
هتفضلي أحلى حاجة في كل السنين.
جسد شقيقتها متيبث من الصدمة، الصدمة التي جعلت ألم قلبها يتزايد وكأنه ينزف اخر دقاته
عيونها مثبتة عليهما
وسكن كل شيء في الطريق عدا نباح الكلاب المختلط بالنداء المتكرر له هو
النداء المتكرر ل
“فريد”
سقاني الهوى كأساً من الحب صافياً
فيـا ليته لمـا سـقاني سقاكـم
أيا سـاكنين القلب والروح والحشى
فحاشاكـم ان تقطعون حشاكـم
حلفت يميناً لست أسـلو هواكـم
وقلبـي حزيـن مغـرم بهواكـم
من قصيدة (متى يا كرام الحي)
_بهاء الدين الجيوشي_
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وريث آل نصران)