رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل نصر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الثاني عشر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الثاني عشر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الثانية عشر
بداخل غرفتها ، وهي تتجهز للمغادرة، والذهاب معه في ميعادها اليومي كي يصحبها الى شقيقها، ثم يتركها في المشفى، ولا يأتي سوى بعد ان ينهي عمله، ويعود بها اللى المنزل، وفي اثناء ذلك لا يكف عن الإتصال والاطمئنان عليها ومتابعة اخر الاخبار عن صحة المذكور وما يستجد بحالته،
امام المراَة كانت تحاول ضبط حجابها جيدًا، بعدما هندمت ثيابها بعض الشيء حتى لا تبدوا في حالتها المزرية السابقة، وتضيف اليه مزيدًا من الحرج، بعد ان كلف نفسه واعلن امام العالم بزواجه بها، اللعنة، ليته ذكر اي صفة أخرى، ولا ان ترى نظرات الاستهجان الموجهه اليه من السكان والمارة، بغرابة ان يرتبط بواحدة مثلها ظنها حارس البناية خادمة!
– ورد
هتف مناديًا وقبل ان تجيبه بالدخول، وجدته يدفع الباب فجأة ويطل بكليته امامها؛ ليلقي التحية ببساطة اذهلتها:
– صباح الفل.
تمتمت تجيبه بملامح ارتسم عليها الإجفال بوضوح، حتى غفلت عن الحجاب الذي أنزلق للخلف، دون ارداتها
– صباح الخير، في حاجة؟
– حاجة ايه بس؟
ردد بها من خلفها وابتسامة مشاغبة توسعت بفمه، يخفي ارتباكه، وانبهاره لرؤية شعر رأسها، ولأول مرة من وقت ما عرفها، ثم رقبتها حتى الجزء المكشوف في الأعلى من بلوزتها:
ليردف بمشاكسة دون ان تخطو قدميه للداخل:
– مفيش داعي للخضة دي يا ورد؟ اللي واقف قدامك مش حد غريب، انا راجع تاني اهو على ما تفتكري صفتي ايه عندك؟ بس ياريت متتأخريش بقى عشان عايزك لحاجة ضروري، ماشي يا قمر؟
قالها والتف ذاهبًا لتغمغم من خلفه بغيظ:
– وانا نسيت يعني من اساسه؟ جوزي ع الورق، ايه جيمتها يعني عشان تخش كدة من غير استئذان؟ شكلك مش معدل يا يوسف.
ختمت بها تعود لمراَتها، ثم ما لبثت ان تشهق بأعين توسعت بزعر بعد انتباهها لهيئتها:
– يا مري دا شاف شعري.
بعد قليل خرجت اليه، وقد احكمت الحجاب عليها جيدا، بصورة أثارت الحنق بداخلها، ولكنه كالعادة تمكن من إخفاءه لهذا الشعور، ليهتف مرحبا بخروجها اليه اخيرا بجلسته في وسط الصاله بعد مدة من انتظاره لها:
– يا أهلا بالقمر، كل ده بتظبطي حجابك يا ورد؟ هو انتي خارجة لمقابلة عمل؟ دا انت خارجة لجوزك يا حبيبتي مش حد غريب يعني؟
– جوزك، وحبيبتي.
غمغمت داخلها بالكلمات الغريبة على اسماعها ، لتقطب امامه باندهاش، ثم تتمكن سريعًا من خمد استغرابها، كي ترد بلهجة طبيعية :
– ما انا بجهز نفسي بالمرة، مش دا ميعاد المستشفى برضوا؟
– اه يا ستي ميعاد المستشفى، بس انا بقى عايزك تتفرجي ع الحاجة اللي جيبتها الاول ، قبل ما تختاري منها اللي هتخرجي بيها؟
قال الأخيرة ليلفت انتباهها نحو مجموعة من الأكياس كانت جواره على الاَريكة الأخرى، تناولهم مرة واحدة ليضعهم على الطاولة الصغيرة امامه يردف:
– عايزك بقى تقيسي وتنقي براحتك اللي يعجبك، انا اختارهم اون لاين ووصلوا حالا عن طريق الشحن.
تابع يخرج لها القطع، وقد تسمرت محلها بدهشة غلفت ملامحها، بعد ان فاجئها بسرعة التنفيذ في ما وعد به الأمس:
– شوفي يا ستي انا حاولت بقدر الإمكان اجيبهم حسب الاستايل اللي انتي بتلبسيه وانتي رايحة جامعتك، يارب اكون اتوفقت، تعالي شوفي واقفة مكانك ليه؟
ابتعلت بحرج لتقترب منه قائلة:
-، دول شكلهم كلفوك شيء وشويات، انا شايفة انك ترجعهم احسن، عشان انا مش هجدر…….
– ورد
قاطع استرسالها، ليحسم بقوله:
– انا قولت مفيش نقاش، اتفضلي خديهم من غير رغي.
همت تجادل، ليعود اليها حازمًا:
– اخلصي يا بنتي عشان تلحقي تلبسي منهم، ونحصل مشوار المستشفى، ياللا بقى انا ورايا شغل متعطل.
اضطرت بصيحته الاَخيرة لتذعن وتتناولهم منه على مضض، حتى سارت تحملهم بعنف وملامح عابسة، ثم ما لبثت ان تلتف عنه، حتى اوقفها:
– ورد تعالي خدي الكيس الاخير ده
التقطته منه سريعا دون ان تنظر لمحتواه، فلم تنتبه سوى في وسط الطريق، وقبل ان تصل للغرفة، لتشهق ملتفة برأسها له بأعين متوسعة، حينما بصرت القطع الداخلية،
تطالعه بحدة قابلها هو ببساطة قائلا:
– الحاجات دي بقى جيبتها ع الوايم كدة، يارب تطلع مقاسك.
حينما ظلت على زهولها، تابع بهتافه:
– انتي لسة هتندهشي؟ يا ورد عايزين نلحق مشوار المستشفى، ياللا بقى
❈-❈-❈
بخطوات متسارعة، يرافقها القلق، خرجت من باب المنزل الداخلي، تبحث بعينيها عنه علٌها تجده بالحديقة، ولكنها لم تجد سوى جدتها فاطمة، جالسة في مكانها المعتاد مع الأطفال حولها اسفل المظلة، وصلت لتلقي التحية على عجالة قبل ان تسألها، وعينيها مازالت تجوب في الأنحاء
– صباح الخير يا جدة ما شوفتيش غازي؟
تبسمت المرأة بخبث تجيبها:
– صباح الفل يا عين ستك، طب ادي الصباح حجه وبعدها اسألي ع اللي انتي عايزاه؟ ولا هو الشوق غالبك جوي كدة.
– وه
خرجت منها بخجل شديد ، لتصعد السخونة وجنتيها على الفور متمتمة في ردها بتلجلج:
– ايه اللي بتجوليه ده بس يا جدة؟…. انا بسأل عشان ما شايفوهوش من الصبح، ودي مش بعادته يعني يصحي جبلي ويطلع كمان من غير ما احس بيه، ليكون حد طلبه في موضوع مهم يخص البلد ولا العيلة؟
– لا يا ختي محدش طالبه ف موضوع مهم ولا دياولوا، هو اصلا مباتش في البيت اساسًا يا خم النوم .
قالتها فاطمة بمزيد من التسلية، تراقب رد فعل الأخرى والتي توسعت عينيها باستدراك، تتذكر برودة الفراش حينما استبقظت، وفتحت اجفانها للنور، وهي التي ظنت بعد سهرها لمدة طويلة بالأمس في انتظاره، انه ربما يكون قد أتى في وقت متأخر من الليل وخرج صباحا قبلها ايضا.
امتقعت ملامحها بحرج متزايد، شاعرة بخزي امام المراة التي اشفقت عليها، لتلطف بابتسامة حانية تجيبها:
– يا خايبة انا بنكشك بس، عشان اغلس عليكي واضحك معاكي، غازي دي مش اول مرة يعملها، هو كدة معود لما يكون مضايق ولا شايل الهم، او عايز يختلي بنفسه، تلاجيه يسهر في الحوش الوراني تحت عرش العنب، يبص ع الخيل ، وياما غلبه النوم ع الكنبة هناك ، روحي شوفيه، يمكن صحي ولا تلاجيه لساتوا نايم .
اومأت لها بابتسامة متوترة، حتى كادت ان تتحرك، ولكنها تذكرت لتسالها:
– طب وانتي عرفتي ازاي انه نايم هناك، شوفتيه يا جدة؟
– لا ما شوفتوش، بس عرفت لوحدي من شكل وشك انتي دلوك، وشكله هو امبارح
اهتزت رأسها لها تدعي التفهم، لتبرق عينيها فجأة مع انتباهها للكلمات:
– جصدك ايه بشكله وشكلي؟ انتي فهمتي ايه بالظبط يا جدة؟
اطلقت فاطمة ضحكة رنانة تتميز بها رغم تقدمها في العمر، لتردف بمشاكسة:
– يا بت وانتي مالك باللي فهمته عاد؟ مش تروحي تشوفي جوزك الاول وتصالحيه، ولا هتستني لما يمشي يشوف مصالحه، ويروح عليكي اليوم يا خايبة؟……. خلصي يا بت اتحركي
اضطرت نادية لتزعن ذاهبة من امام المرأة المحنكة، بكشفها وكشف ما تمر به مع زوجها، هذا عيب السكن مع نساء كبيرات في العمر، وخبيتثات في الفكر
❈-❈-❈
– غازي انت بيت هنا صح وسيبتني ليلة امبارح؟
بادرته بالسؤال فور ان وقعت عينيها عليه، وقد كان واقفًا بجوار حصانه، يربت عليه ويطعمه بقطع السكر من كفه الكببرة، حتى اجفلته بصوتها، ليلتف اليه نصف التفافة برأسه، ثم يجيبها بنبرة فاترة:
– غلبني النوم بعد ما سهرت هنا يا نادية، عادي يعني.
اقتربت بتحفزها تردد باستهجان:
– هو ايه اللي عادي يا غازي؟ ما تجول انك زعلان ولا مش طايج تنام ع الفرشة جمبي احسن .
– لا حول ولا قوه إلا بالله يارب،
تمتم بها مبتأسًا ليترك ما بيده، ويقابلها في الوقفة مردفًا:
– وايه اللي هيخليني مش طايقك يعني؟ شوفتيني واخد جمب منك مثلا؟ ما انا جدامك اها وبتكلم معاكي، ولا هنعمل زي العيال الصغيرين، ونتنفخ ونزعل من بعض على اي حاجة تافهه.
بجرأة ادهشته، وجدها تقرب نفسها منه، تواجهه بشجاعة وانفعال:
– لا هي مش حاجة تافهه يا غازي، بدليل ان نفسك مجبلتهاش، ولا اتخطتها، بس انا والله ما كنت اجصد، كنت سرحانة ساعتها وغلفت انك…….
– سرحانة في ايه؟
قاطعها بسؤاله بحدة انتبهت لها، وقد اشتدت ملامحه واشتعلت عينيه بنيران استعرت من داخله، بفراسة انبأتها لما توصل اليه بذكائه الحاد.
ابتلعت تحاول التصليح من خطأها:
– يا غازي انا جاية عشان نتفاهم، مش نوسعها مع بعض.
ظل صامتًا عاقد ما بين حاجبيه، ولكنها لم تستسلم لتزيد من قربها، واضعه عينيها نصب عينيه:
– غازي انا مش عايزة ألامور تتعجد ما بينا، انت حاولت كثير معايا، وانا مش جبلة عشان محسش، لكنك كمان عارف من الاول ان الطريق ما بينا مش سهل، يعني مش في يوم وليلة هتخطى اللي فات…… غازي، انتي فاهمني؟…..
خرجت كلماتها الأخيرة بهمس اطفئ بعضًا من وهيج النيران بداخله، لا ينكر انه سعيد بما يلمسه من تقدم منها، ولكن قلبه المكتوي بعشقها، لا يتحمل حتى التخيل انها تفكر في غيره في أشد أوقاتهم حميمية، حتى وهو يعلم ان الأمر ليس هينًا عليها ايضا.
سألته برقة ونعومة تستجدي رضاءه:
– هتفضل ساكت كدة كتير؟ مش ناوي ترد عليا يا غازي؟
زفر يطرد دفعة كبيرة من الهواء المشحون بصدره، وما هم ان يجيبها، حتى اوقفه الصوت الصغير:
– هتلكبني الحصان يا عم خازي؟
ارتبكت تبتعد عنه سريعًا، لتلتف نحو صغيرها الذي هرول فور ان اشار اليه الاخر ليقترب، وقد تمالك زمام امره سريعًا، ليتلقفه بين ذراعيه، طابعا على خده عدة قبلات بحنو، قبل ان يضعه فوق الحصان، لينتبه اليها بعد ذلك، وقد اعوجت ثغرها للأسفل بطريقة فكاهية كادت أن تضحكه، قبل ان يطالبها:
– خلاص انتي روحي دلوك، ونأجل كلامنا احنا بعدين.
مطت شفتيها بضيق قائلة قبل ان تذهب :
– ماشي يا غازي، اجل على كيفك كمان.
نظر في أثرها وهي تذهب رافعا حاجبًا واحد، بتفكير جلي لا يدري ان كان يفرح بفعلها، ام يحزن لاستمرار تعلقها بالماضي، وهذا الشيء المهين لرجولي.
❈-❈-❈
بمشاعر متضاربة، جمعت ما بين الفرح لارتداء الملابس العصرية الجديدة، والتي اعجبتها بحق، وما بين حنق شديد، يفتك بها بعد قياسها لتلك القطعة الداخلية لتتبين انها ناسبت مقاسها بالمظبوط
وهو يدعي انه اختارها عشوائيًا، تبا له من مخادع،
لقد ثبت اليها بالدليل القاطع الان، انه قليل الحياء والأدب،
زفرت تريد خلع ما ترتديه، والتعبير عن رفضها، بعند حتى لا يظنها طوع امره، ولكن اوقفها صوت جرس المنزل، قبل ان يصلها صوت امرأة تصيح بغضب:
– كدة برضوا يا يوسف، تعملها من ورايا وتتجوز ، العمارة كلها تعرف قبلي، يا خسيس يا قليل الأصل، هي دي أخرت تربيتي فيك تجيب لنا واحدة لا نعرف لها أصل من فصل، وفي يوم وليلة، ليه ملهاش اهل؟
– خلي بالك من كلامك انا مسمحلكيش يا خالتي.
– عنك ما سمحت، انا وشي بقى في الأرض منك وهما بيكلمونى عنها وعن الخناقة اللي دبتها انت مع عبد المتجلي بعد اما افتكرها جاية تخدم في العمارة.
– خالتي ارجوكي بقى!
صرخ بالاَخيرة ليسحبها بعد ذلك ويدلف بها للداخل، وعادت ورد لداخل الغرفة تسقط بجسدها على طرف التخت بحزن
❈-❈-❈
دلفت داخل مكتبه بخطوات مترددة، بناءًا على استدعائه لها، تخشى ان يصدق قول رئيسها، الذي هددها عدة مرات بطردها، او التبليغ عنها لصاحب المزرعة، كي يبت بنفسه في أمرها.
– تعالي يا نفيسة، جربي، واجفة ليه مكانك؟
هتفت مناديًا لها، يلقي من يده علية السجائر التي سحب منها السيجارة التي يدخن منها اللاَن، يطرد الانفاس لأعلى، وعينيه الضيقة ترمقها بنظرات زادت من توجسها.
– عمر بيه انا معملتش حاجة، حن عليك ما تطردني ولا تجطع عيشي، انا ما صدجت لقيتلي لجمة عيش اكل منها، كلهم هنا بيكرهوني انا مليش ذنب والل……
– بس .
قاطعها كي لا تكمل قسمها، ليردف متابعًا:
– حتى حلفان ع الكدب مش عاتجة يا جزينة، ايه يا بت ما تختشي شوية.
انكمشت على نفسها برعب امامه، وقد اصابها الزعر على اثر صيحته، ليخفف مخاطبًا لها:
– اترزعي واجعدي، انا مش بعتلك اساسا عشان امشيكي، لأني لو عايز كنت طردتك من اول يوم ، مكنتش صبرت على عوجك.
قطبت بعدم استيعاب، لتزعن بطاعة تجلس امامه. بأدب القرود كان يراها، لتبزغ ابتسامة ساخرة على فمه، قائلًا:
– متجيش على نفسك جوي يا نفيسة، خلي التمثيل دا لحد غيري، حد ميكونش من البلد اصلا ولا يعرفك.
تجمدت تسأله بريبة:
– جصدك ايه يا بيه؟ انا حمد لله سمعتي زينة ، واللي بجول كلمة في حق الولايا ربنا يجازيه بعمله.
جلجل عمر بضحكة صاخبة حتى أدمعت عيناه، امام دهشتها وامتقاع وجهها، حتى توقف أخيرا، يحاول الجدية:
– اسمعي يا بت من غير ما نلف وندور على بعض، انا عايزك في موضوع مهم…… بس لو حسك طلع ولا سمعت كلمة طلعت برا، هجطع راسك.
اجفلت بزعر لهذا التحول المفاجئ، لتبتلع نافية بهز رأسها:
– لا والله ما هنطق بكلمة يا عمر بيه.
– ما جولنا بلاش حلفان.
– طب اعمل ايه طيب؟
– متعمليش حاجة ، تنفذي بس اللي هطلبه منك.
– ايه هو طلبك يا بيه؟
– عايز رقمها؟!
– رقم مين يا بيه؟
سالته بعدم فهم، لكن سرعان توصل عقلها الخبيث الى المقصودة، لتحتج رافضة بتبرير:
– والله ما اعرفه، الجديم هي اساسًا رمته، وانا اتحرم عليا نجعهم اساسًا…..
– مش هتغلبي.
هتف بها مقاطعًا ليميل بجذعه نحوها، مشددًا بتهديد:
– تتشالي تتحطي هتجيبه يا نفيسة، وحطي في مخك، ان انا مش مشغلك هنا لشطارتك، ولا لأدبك وإحترامك، الرقم هايجيني يا بت.
❈-❈-❈
استيقظت من غفوتها على اثر اصوات الجلبة من حولها ، لتعتدل بجذعها، فتفاجأت به يتحرك من حولها ، يحمل الملابس التي قد ارتداها سابقًا، يلملمها من الجوانب التي قد القاها بها دون اهتمام كعادته، في السلة الغسيل او على طرف الفراش، او على الأرض ليدنو اسفل التخت يجفلها .
– بتعمل ايه يا عارف
خرج اليها بأنفاس لاهثة يجيب :
– بجيب البنطلون اللي وجع مني امبارح، اكتشفت ان في كذا فردة شراب هنا تايهين، انتي بتخميني يا روح، وانا اجول الشربات بتروح ، وانتي تقوليلي بتضيع منك،
شهقت مقارعة:
– ما هي بتضيع منك فعلا يا ناصح، انت بنفسك بتجول تايهين، وهما تايهين ليه بجى؟ عشان حضرتك بترمي وبس وانا بلم من وراك، يا دلوع .
افتر فاهه يدعي الاجفال، يردد خلفها:
– دلوع! انا برضوا دلوع يا ست روح؟ كل اللي بعمله ده يا ولية يا نكرية وتقولي دلوع، اطبخ وانضف واغسل، وبرضوا مش عاجب..
قال الأخيرة ليقف امامها ف انتبهت على هيئته، وقد كان مرتديًا فانلة داخلية على بنطال بيتي شمر اقدامه الى ما فوق الركبة.
هي رأت ذلك وانطلقت في الضحك مرددة:
– يخرب عجلك يا عارف، ايه اللي انت عامله في نفسك ده؟ هو انت بتغسل في طشت غسيل، دي غسالة اوتوماتيك كاملة يا حبيبي، يعني تطلع ع الناشف، مشمر رجليك ليه؟
قطب حاحبيه يستدرك صحة قولها، ليردف بطرافة:
– انا بشوفهم كدة في التليفزيون، مخدتش بالي من حكاية الغسالة الاوتوماتيك دي، بس عادي يعني……. اعتبريني عاملك اغراء يا ختي .
رددت خلفه ضاحكة:
– اغراء! انت بتسمي رجلين المعيز دول اغراء، لا وبالفروة اللي عليهم كمان
تطلع الى ما تقصد، ليكبت بصعوبة ابتسامته، ويتصنع الضيق قائلًا:
– كمان بتعيبي ع النعمة، دا شرف الرجولة دا، لهو احنا ستات ومطلوب مننا النعومة، يا جليلة الحيا.
لم تعد قادرة على التوقف صارت تقهقه حتى تلونت بشرتها بالحمرة القانية، وادمعت عينيها تضع كف يدها على فمها، ليقترب مشاكسًا بقلق:
– خلاص وجفي للعيل ينزل انا مش ناجص، وجفي يا بت .
ختم بالاخيرة ليطبع قبلة حانية على جبهتها ثم تفاح الوجنتين، وقد لامست بمرحها شغاف قلبه، تملأه بهجة
وغبطة، ما أسعد المحب بسعادة المحبوب.
لتلتقط أنفاسها اخيرًا:
– ربنا ما يحرمني منك يا عارف.
❈-❈-❈
عودة الى يوسف ونقاشه المحتدم
– يا خالتي ارجوكي، بلاش تجبريني اتجاوز معاكي، اللي بتتكلمي عنها دي تبقى مراتي
– مرانك يا خويا، طيب هي فين؟ ولا مكسوفة تورينا طلتها البهية
– يووووه، تاني برضوا؟ ما تكلمي والدتك يا نانسي خليها توقف انا ماسك نفسي بالعافية
صاح بها يوسف تجاه الفتاة الصامتة من وقت دخولها المنزل، فجاء ردها ببرود على كلماته:
– وانا مالي، انا جاية مع مامتي النهاردة متفرج، مش انت روحت واتجوزت لوحدك، دافع عن نفسك لوحدك برضوا؟
ردها الا مبالي زاد من انفعاله بها غاضبًا:
– يخرب بيت تناحتك يا شيحة، انتي جبلة يا بت؟
– اه جبلة عادي مبيهمنيش
– يعني بتعترفي انك جبلة عادي؟
– سيب البنت وخلي كلامك معايا انا يا يوسف.
خرج الرد الاَخير من المرأة المتخفزة ، وقبل ان يعود للشجار معها، توقف مجفلًا على توقف أبصارهما، نحو جهة ما من خلفه، فاغري فاههم بازبهلال؛ جعله يلتف هو الاَخر، ليفاجأ بها امامه، تقترب بهيئة كادت ان توقف قلبه عن دقاته، ترتدي إحدى الاطقم التي ابتاعها عبر شحن الاون لاين، بلفة عصرية لحجابها وزينة خفيفة على بشرتها، وابتسامة ضعيفة افتقدها، تلقي التحية مرحبة بهم برزانة:
– السلام عليكم.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تمتم ردا لها بصوت عالي، لينتفض من محله يضمها بذراعيه من كتفيها اليه،ثم يسحبها بفخر يقدمها اليهما:
– دي ورد، عروستي يا خالتو. ايه رأيك بقى، شوفتي عروستي حلوة ازاي يا ست نانسي؟
❈-❈-❈
على أطراف الأرض وقد كان يتابع حركة العمال بها في تعبئة الفواكه في صناديقها الخاصة، ثم نقلها داخل السيارات التي سوف تذهب بهم الى وجهتها في التوزيع، بنشاط وهمة ازدادت بوجوده في الإشراف عليهم الاَن.
حتى تفاجأ بزيارة اخر فرد يتوقعه:
– صباح الخير يا كبير ناسك، عامل ايه يا غازي باشا؟
عض على نواجزه بغبظ شديد ، وعينيه استعرت بلهيب من جمر بتذكره رجله الأوفى ورقدته الاَن في المشفى بلا حول له ولا وقوة، يجزم ان هذا الثعبان له دور فيما حدث له.
– شجة غريبة يا صدجي، يا ترى ايه السبب؟
ابتسامة مقيتة لاحت على ثغر المذكور يجيبه بلؤم:
– بجى دي اصول يا غازي؟ مش هاين عليك حتى السلام ترده يا راجل؟
ضرب الأخير بعصاه على الأرض ينهره بغضب صريح :
– بلاش لف ودوران يا صدجي، انا مفيش بيني وما بينك اي ود، وانت عارف زين يشهادتي ضدك في النيابة، تبجى جاي ليه؟ هتشرب الشاي معاي مثلا ؟
ضحك يزيد من استفرازه، ثم قال بفحيح :
– يعجبني فيك غشمك دا اللي بيسموه الناس المخبلين شجاعة، بس انا هاجي معاك من الاخر برضوا، خف دعبسة من وراي يا غازي، انا راجل في حالي، خليك انت كمان في حالك ، وبلاها حكاية الشهادة ضدي لانك متأكد ان مفيش منها فايدة، بدليل اني واجف جدامك اها ومحدش ماسك عليا دليل ، انا بتكلم معاك بصراحة يا ابو البنات ولا صح انا سمعت ان جالك واد ع الجاهز من مرتك الجديدة…..
– قسما بالله لاخلص عليك لو بس جربت منه ولا جيبت سيرته تاني على لسانك الزفر دا يا صدقي.
هتف بها ينقض عليه، ويجذبه من تلابيب جلبابه، بملامح أظلمت بوحشية، حتى اثار الرعب بقلب صدقي قبل ان يتمالك سريعًا امامه، ليظهر عدم الاكتراث حتى أتى الرجال ليفرقاه عنه.
– صلي ع النبي يا كبير، ايه الحكاية امال؟
– اللهم صلي وسلم عليك حبيبى يا رسول الله.
تمتم بها غازي وهو يسحب بيد الرجال، ليعلق صدقي ببرود:
– فهمتوا غلط يا رجالة، دا الكبير بس كان بيهزر معايا، مش كدة برضوا يا غازي؟
لم يرد ولكن حدجه بنظرة حارقة لم يأبه بها الاخر، ليضيف بسماجة؛
– هسيبك دلوك يا غالي عشان ورايا مصالح، عن اذنكم يا رجالة ، الله ينور ويعينكم.
تابعه غازي وهو يصعد السيارة التي كان يركنها في جهة قريبة، ليغمغم بمقت:
– ماشي يا كلب ، انا وراك والزمن طويل
❈-❈-❈
بتعملي ايه عندك يا هناء؟
صدرت بصيحة انتفضت له الفتاة وهي تؤدي عملها، لتستدير اليها تجيبها بهلع:
– يعني هكون بعمل ايه يا مشمش؟ مش شيفاني بشتغل؟ لزومها ايه الخضة اللي تقطع الخلف دي؟ مش وقت هزار خالص على فكرة.
تخصرت الأخيرة توقفها مرة أخرى بقولها:
– وانا مهزرتش يا حبيبتي، انا عاملة اتفاق مع ست الريسة، ان حالة المريض هنا محدش يتابعها غيري، ليه العك بقى؟
عقبت هناء :
– عك ايه يا منيلة؟ دا احنا بنشتغل مش بنطبخ
اقتربت تخاطبها بحدة:
– لأ يا هناء اسمه عك ، عشان انا منبهه على ست الريسة ان حالة بسيوني محدش يقرب منها غيري، هي الست وافقت عشان عارفاني شاطرة، وانا الحالة دي بالذات تخصني ومقبلش حد يقرب منها غيري.
رددت هناء من خلفها بذهول:
– متقبليش حد يقرب منه غيرك، وكمان يخصك…. طب انا عايزة اعرف بقى يخصك ف إيه؟ جوزك ولا
خطيبك، ولا اخوكي ولا ابن عمك؟
– يا ستي انتي مالك، ان كان خطيبي ولا جوزي ولا ابن عمي؟ متقربيش منه وخلاص يا هناء.
ضجرت الفتاة من تصميمها حتى استنفزت طاقتها لتخرج وتتركها، لتتغمغم اثناء ذهابها:
– خديه يا ختي واشبعي بيه، اشحال ما كان في غيبوبة كنتي عملتي إيه؟ بلا نيلة.
– نيلة ف عينك يا هناء .
هتفت بها هي الأخرى في اثرها، قبل ان تعود إلى المريض المستلقي لا حول له ولا قوة، تبصره مستندة بخدها على قبضة يدها، ثم تخاطبه:
، اممم عاجبك الحال كدة، ما انت لو صاحي ومفتح عنيك كنت هترفضهم لوحدك من غير ما تجيبلي الكلام، لكن اعملك ايه؟ وانت شكلك استحلتها؟
زفرت بيأس لتهتف هذه المرة بقوة:
– لا بقولك ايه، انت هتقوم يعني هتقوم، دا انا اخترتك دونًا عن الجميع ، عشان عارفة ان انت نصيبي، بأمارة ما حكيتك كل حاجة عني وعن اخواتي وعن امي تنكر، هتنكر يا بسيوني ولا هتعملي فيها مُغيب..
قالتها لترتفع رأسها فجأة، فتجد شقيقته امامها تقف تطالعها بذهول ، ليخرج صوتها بعد ذلك:
– انتي بتزعجي في اخويا؟
ابتعلت مشمش بحرج لبكها عن الرد بجملة مفيدة، حتى دلف يوسف اليهما سائلًا باندهاش لهيئتهم:
– ايه يا جماعة، باصين لبعض كدة ليه؟
تلبكت مشيرة امام حدة النظرات التي كانت تصوبها نحوها ورد، لتبرر لها بكذبة بلهاء:
– انا كنت بجرب مع المريض، يمكن من مكانه يسمعني ويرد عليا وانا بكلمه، هو النهاردة مردش، بس ان شاء الله يرد المرة الجاية، عن اذنكم
خرجت سريعًا من امامهم، لبعلق يوسف ضاحكًا:
– مين النمرة دي؟
عبست ورد تجيبه:
– دي البلوة اللي بتراعيه، عليا النعمة لو اخويا صاحي ، كان سفخها جلمين يعدلوها ، البت المجنونة دي.
ضحك معقبًا لها بتسلية:
– طب والله عسل، دا كفاية الفكرة المجنونة اللي قالتها.
– عسل !
رددت بها بملامح انكمشت بغضب وحنق، لتسدير عنه نحو شقيقها تذهب اليه وتقبله دون إضافة أي كلمة أخرى .
قطب هو قليلًا يستوعب، ليتمتم بعد ذلك والفراشات الملونة تحلق من حوله:
– انا بتكلم كدة مجازًا والله، مش قصدي حاجة……
رمقته بسهم شعاعها العسلي، بنظرة جمعت ما بين الدلال والحدة وكأنها لم تصفح بعد، ليردد داخله بقلب
ينتفض بفرح يغمره:
– حبيبي يا زينهم.
❈-❈-❈
– (( ما بتروديش ليه)) (( كام مرة اقولها عشان تصدقي؟)) (( وحشتيني يا فتنة، وقلبي نار بتحرق فيه من وقت ما فارقتك ))(( انا غبي لو سيبتك تضيعي مني تاني))
كلها رسائل كانت تأتيها على الهاتف، تقرأها بابتسامة متسعة وانتشاء يغمرها، تشعر انها ملكت العالم بأن اوقعته في عشقها وتتسلى بعذابه الاَن، بعد ليالي عاشت بها بإحباط يقتلها، وقد ظنته هرب منها بعد معرفته لحالتها كمطلقة وام لأولاد.
– (( فتنة، هموت واشوفك ردي عليا بقى))
ضحكت هذه المرة لتضغط على حروف الشاشة بلهجة معاتبة تقول:
– (( تشوفني ليه؟ مش انت راجل اعزب وانا ست مطلقة، ايه اللي يجبرك على واحدة زيي؟ ولا انت نسيت الصدمة اللي حلت على وشك ساعة ما عرفت؟)؟
انتظرت ارسال الرد بعدما عرفت بقرائته لها، ولكنه فاجئها باتصاله على رقمها، تلبكت في البداية واضطربت، حتى اضطرت في الأخير ان تجيبه، بنبرة جعلتها حادة:
– اللوو…. عايزة ايه يا صلاح؟ ما انا رديت على رسالتك وخلصنا.
وصلها الصوت بهدوء يدهش:
– خلصنا فين بس يا قلبي ، هو احنا ابتدينا اصلا؟ وحشتيني يا فتنة، وحشتيني اوي
❈-❈-❈
– جاعد عندك في الضلمة بتعمل ايه يا غازي؟
هتفت بها تضغط على قابس الكهرباء تجفله، وهي تقتحم عليه غرفة المكتب الذي كان جالسًا خلفه، واضعًا كفيه على رأسه المطرق بهم يثقل كاهله،
انتبه لها ليصمت متابعًا دلوفها اليه ثم سؤالها له بقلق:
– مالك يا غازي؟
ابتلع ينفض عن رأسه الافكار السوداء ليجيب بلهجة بدت عادية:
– مفيش حاجة يا نادية، انا بس خلصت شغل وعجبني جو الضلمة، عشان اصفي عجلي شوية،
– تصفي عجلك في الضلمة!
قالتها بتشكيك وعدم تصديق، ليضطر هو لتغير دفة الحديث ، وعينيه تجول على ملامحها وما ترتديه ، ليردف بغزل:
– يا ما شاء الله، شايفك رايجة حاطة الاحمر والاصفر ولابسة الشفتشي…..
توقف بنظرة ذات مغزى، تزيد من ثقتها لتمرر يديها على الشعر الحريري بدلال ، تسأله بمكر:
– وايه رأيك بجى؟ حلو الشفتشي، ولا اغير احسن؟
تبسم بخبث وعيناه ذهب لجيدها وتكشفه المنامة بسخاء، يقول:
– والله انتي في كل الحالات عجباني، اشحال بجى وانتي مزغللة عيني بالاحمر لون الليالي الزينة ده؟
تبسمت بخجل تجاهد ان تخفيه، لتنهض فجأة، تمد كف يدها اليه تدعوه:
– طب جوم تعالى معايا عشان اعشيك، وبعدها اتغزل براحتك .
تنهد يزفر بقنوط فعقله المشتت الاَن لا يعطيه فرصة للإندماج والصلح الذي تبغيه، فهو بالكاد نجح في التجاوب معها الاَن:
– روحي دلوك وانا جاي وراك، هعمل بس شوية مكالمات .
ردت باعتراض:
– ليه يا غازي؟ ما تأجلها المكالمات، الوقت اصلا متأخر.
– مما انا كمان هراجع على كام ملف بعتهم يوسف، وعايز الرد عليهم بسرعة، روحي يا نادية مش هعوج عليكي.
تمتم بالاخيرة يقلب ف بعض الاوراق امامه، يدعي الانشغال بهم، كي لا يرى حزنها، والذي شعر به من نبرتها الفاترة، وهي تخبره بخيبة امل:
– ماشي يا غازي انت حر ، ع العموم انا مستنياك، ف اي وقت هتدخل الأوضة…… مش هنام.
اوما بهز رأسه دون ان يرفع ابصاره إليها، ليظل على وضعه حتى ذهبت من امامه، ينتظر خروجها من الغرفة،
ليرفع رأسه فجأة مجفلًا على صوت تأوهًا صدر منها:
تطلع بتساؤل ليجدها تستند بكفها على الحائط بضعف جعله ينتفض، ليرى ما بها:
– مالك ؟ فيكي حاجة
امسكت بكفها على جبهتها تجيبه:
– حاسة نفسي دايخة، وكان الدنيا بتلف بيا… اه
في الأخيرة كادت ان تقع، لولا ذراعيه التي تلقفتها لترفها محمولة عن الأرض، يسألها بقلق:
– تروحي معايا للدكتورة ولا اتصل اجيببها هنا احسن .
وعلى عكس ما توقع، تبسمت تلف ذراعيها حول عنقه، تقول بدلال:
– لا ده ولا ده، وديني اوضتي عشان توكلني بيدك ، اصلي حاسة اني جعانة، والدوخة بسبب النونو، ولا انت ناوي تكسف النونو.
ابتسامة واسعة لاحت على محياه، ليرد باستسلام ضاحكًا:
– ويعني بعد اللي حصل ده، ليا عين انا اكسف النونو ولا ام النونو.
ضحكت بانتشاء نجاح خطتها ليتمتم هو بمرح وقدميه تتحرك بها:
– والله وطلعتي ما ساهلة يا نادية؟ عرفتي تغلبي الكبير يا بت هريدى.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))