روايات

رواية قلوب منهكة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم جهاد وجيه

رواية قلوب منهكة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم جهاد وجيه

رواية قلوب منهكة الجزء الرابع والعشرون

رواية قلوب منهكة البارت الرابع والعشرون

قلوب منهكة
قلوب منهكة

رواية قلوب منهكة الحلقة الرابعة والعشرون

الفصل الرابع والعشرون
يقولون لا يجب الأخذ بكلمات الغاضب والمخمور لأنها تنبع من غياب عقله! ولكنها دومًا ما تكون صادقة! أجل صادقة ونابعة من صميم القلب وخاصة القلب المنشطر حزنًا! ولكن ماذا عن قلبٍ على الحافة وينتظر الكف الذي سيمسك به ليضمه لأضلعه!
جلست تنستند بمرفقها جواره على الفراش، تسترجع كلماته التي لا تعرف صوابها من خطأها بعد! هل قصد حروف تلك الكلمات التي أثلجت نيران قلبها! حينما بثق أبجديتها ألجمتها الصدمة واكتفت باحتضان كفه بأصابعها! بينما عقلها ينسج تخيلاتها الحزينة وتتوقع استفاقته نافيًا كل اعترافاته، هي بالأصل لم تأخذها على مَحمل الجد لأنه مريض! والمريض كالمخمور وخاصة إذا كانت حُمى كالتي آتته!!
محت عِباراتها الحزينة التي توالت واحدة تلو الأخرى عبورًا بشفتيها المتشققتين، تلك الغصة التي جرحت حلقها سارت لتعنف قلبها، لقد دفنت حزنها منه وفضلت العناية به وتناست وعودها لروحها بتأديبه وجعله يتذوق من نفس كأس ألمها، ملست بأناملها فوق جبينه لتتحسس حرارته وابتسمت من بين دموعها براحة عندما انخفضت حرارته، شبكت مرفقيها أعلى الفراش جاعلة منهم مسندًا لرأسها وعلا ثغرها بسمة أخيرة قبل انغلاق جفنيها من إرهاقها ….
يقولون للعشق قيود وأسياد ولكن حينما يكون للعشق جِراحٍ خاصة به، حينما تنطوي الطرق وتتقابل على بُساط الفُراق حينها تنشطر القلوب بسكينٍ أبرد من الجليد، الأمر أشبه بالإمساك بمغناطيس يجذب المختلف عنك وينفر المشابه لك ولكن الإنجذاب للمختلف يؤلم والنفور من المتشابه يحرق !
**********************************************
القلق ينهش قلبها عليه، هي لم تقصد كلماتها مطلقًا، ظنته سيحاول إرضاؤها وسيمر كل شيء، نفضت أفكارها السيئة التي تطايرت بعقلها، سيعود، حتمًا سيعود وحينها تعتذر منه، لم يغضب عليها ولم يعنفها هو فقط لامها بنظراته الأليمة التي اخترقت قلبها، تنهدت بسأمٍ من فعلتها الهوجاء معه، قبضت على هاتفها مقررة مهاتفته والاعتذار منه ولكنها ما إن كادت تضغط زر الإتصال حتى سمعت خطواته الثابتة، أغمضت عينيها لتستجمع كلماتها ثم فتحت إحداهما بتوجس لتستقبل ردة فعله وتستشف تعابير وجهه ولكنه جامد! لا مبالي! لم يعطيها نظرة واحدة وإنما اقترب من خزانته ليختار ملابس للنوم وتوجه للمرحاض بهدوءٍ يوازي دخوله، تعلقت عينيها بباب المرحاض الذي اختفى خلفه منذ دقائق، لا تعلم ماذا تفعل معه فمهند من الصعب مراضاته وخاصة إذا كان الأمر يمس كرامته كرجل! نهضت متوجهه للمرأة لتلعب بأقوى أسلحتها كأنثى! رمقت ثوبها الأبيض المجسم لكامل مفاتنها بسخاء وكم بدت فاتنة بل إلهٌ للفتنة متجسد بفتاة عشرينية هوجاء! انتفضت على صوت فتحه للمرحاض ثم تابعته بعينيها عندما اقترب منها وابتسمت الأنثى الماكرة داخلها ظنًا منها أنه وقع بفخها! ولكن علت الخيبة وجهها عندما رأته يتوجه للمرأة! ولم يعيرها أية اهتمام!!! ولكن مهلًا إن كنت تريد العبث فعليك بالصمود سيد مهند !!
اقتربت منه بدلالٍ خالص حتى أصبحت خلفه مباشرة ورفعت يديها لتتناول فرشاة الشعر منه وتمشط خصلاته المُبتلة عوضًا عنه! ابتسمت بمُكرٍ شديد عندما رأت بروز تفاحة آدم خاصته وأنفاسه التي يجاهد لجعلها ثابتة بحضورها الأنوثي الطاغي عليه! شعر بأصابعها تستبيح خصلاته بنعومة أفتقدها لساعاتٍ! ، التف ليطل بكامل جسده الرجولي عليها مما جعلها تترنح للخلف خجلًا منه فهي رغبت فقط بمشاكسته حتى يحادثها ويتخلى عن جموده الذي أطاح بصبرها ولكن! حينما شعرت بأنامله تشتد حول خصرها يقربها بشدة منه حتى ألتصقت بصدره العضلي وأنفاسه اختلطت بأنفاسها رفعت يديها تنوي دفعه بعيدًا عنها لتهرب من مشاعرها نحوه ولكنها ما إن همت بذلك كان مكبل يديه بقبضته رافعًا إياها لتلتف حول عنقه مجبرًا إياها التمسك به كما هو معها! وبلحظة كانت شفتاه تهبط بنهم لتقتص منه خاصتها، تعمق بقبلته عندما شعر بأناملها تتحسس عنقه وتشتد عليه فما زاده هذا سوى لهفة وشوقًا لها وزمجر بسعادة وتحركت شفتيه لتكتشف كل إنشٍ من شفتيها ويلتهم كل جزءٍ تلتقطه شفتيه القاسيتين، ضغط بقوة على خصرها جاعلًا إياها تلتصق به أكثر حتى كاد يدخلها بين طيات قلبه ولم تبخل عليه هي أيضًا بل ارتفعت يديها لتقبض على خصلاته الفحمية وحينها فقط تدرج بقبلاته لعنقها يدفن وجهه بها طابعًا صك ملكيته وعشقه عليها، سارت شفتيه بشغف ورقة تُقبل نحرها الناعم وخاصة موضع عرقها النابض، طبع قبلاتٍ متفرقة على عنقها ورفع وجهه ليقابل خجلها المحبب له وتمتم بأنفاسٍ لاهثه: هتعملي فيا إيه تاني ؟
ابتسمت بدلالٍ ونعومة لا تليق بسواها وغمغمت ببراءة زائفة: مبعملش حاجه والله
علا ثغره بسمة ماكرة وتمتم بتوجس: يعني مش بتغريني عشان أصالحك؟ ولا تكوني بتصلحيني مثلًا !؟
صدحت ضحكاتها التي سلبت لُبه بروعتها وهبط ليبتلع باقي ضحكاتها بقبلة لذيذة سحقت أنفاسهم ولكن لم يكترث كلاهما سوى لاشتياقهم وجنون لحظتهم ومشاعرهم العاصفة! نافضين حزنهم وما حدث، فليحترق كل شيء بالجحيم ما داما قلبيهما عرفَا طريقهم !!
**********************************************
الجانب الحزين منا يجبرنا على الصمت بل والصمت التام المُغلف بالتوتر! الأمر يشبه تعرض وطنك للإستعمار من مغتصبٍ لعين ولكن ماذا إن كان ذاك المستعمر نابعًا منك! فيجعلك دائم الشرود بالتفاصيل التي ترهقك! أحيانًا تتعلق القلوب بالحزن لتوقعها بأنه الألطف عليها من قسوة وبشاعة العالم……
اسندت ذقنها على كفيها المُبتلين، منذ إفاقتها وحديثها مع الطبيبة التي أخبرتها بفحوصات الحمل التي أجرتها لها وهي جالسة تبكي حسرة على قسمتها! ليست ناقمة ولا معترضة بل على العكس تمامًا هي راضية وشاكرة لخالقها لقد تذكرت قول أحد أمثال جدتها رحمها الله ( اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته) نعم من يرى مصائب البشر يبكي لومًا لنفسه على مصيبته ! لكنها تعشق الأطفال من صغرها وتعشق رائحتهم، لم ترغب بالكثير فقط أسرة صغيرة وزوجٌ حنون وصغيرين أو أكثر يشبهونهم! هل كانت أحلامها بتلك الصعوبة ! لقد ذُبحت بأسوء الطرق وتقطعت أحبالها الصوتية من صُراخها الدائم ونحيبها الدامي للعقول، أغمضت عينيها بقهر وسقطت المزيد من دموعها لتروي جفاف روحها الذي طال أمده ولا يعلم أحدًا سوى الله متى فرج كربها، تداخلت نسمات الهواء لتعبث بخصلاتها الناعمة التي ابتلت من دموع خديها، علا ثغرها بسمة حانية عندما تذكرت حديث ماجد عن عشقه لشعرها الذي لم يخفيه بل دومًا كان يخبرها بعدم تقييده وتركه يتمرد عليها، ولكن أين هو ماجد! أين زوجها! أين رفيق دربها! أين من بكت بين ضلوعه وتعرت من ثوب قوتها أمامه! أين هو من أُنهكَ قلبها عليه؟!!!
********************************************
الألم النفسي هو الأسوء على الإطلاق، يجعلنا أشبه بالجثث المتحركة أو الدُمىَ، تتلقى الصفعات وتظهر اللامبالاة ومرة تلو الأخرى يصبح التظاهر حقيقية ملموسة داخلك، تعتنق الألم وتُعايش الوحدة وتلتزم بجلد الذات الليلي، والأسوء هو إقتناعك التام أنك بخير وتستمر بتبلدك والذي يعود بالسلب على جميع من حولك، فقلبك أسواره تجمدت وروحك قيودها أحكمت وأصبحت آله متحركة فاقدة للشعور والإحساس!
ذكرياتهم القليلة تحوم بعقله، يقول البعض أن عند الموت ترى أحب الاشخاص لقلبك! هل هي الأحب إليه! هل هو على مشارف النهاية ولن يأخذ بثأرها؟ ألن يراها مرة أخرى؟ ألن يخبرها بطهارتها وعفتها ليتوقف ألم قلبها؟ متى سيتوقف ذلك الألم الذي يتكمن منه داخليًا !؟
هز رأسه بوهنٍ شديد، لماذا يتحمل جسده كل تلك الآلام بعد؟ لأول مرة يتمنى أن يفقد وعيه لعله يراها ولو للمحة بسيطة! هو يعلم أنه من المستحيل نومه بسبب حقنه الدائم بموادٍ منبه استجاب لها جسده بسرعة شديدة، لقد فقد الكثير والكثير من الدماء، وجهه ظهره، يداه، قدماه، عنقه، وكتفيه جميع جسده ينزف دمًا، لقد تمكن منه الصداع بطريقة مريبة جعلته يغمض عينيه بقوة ثم فتحهم وسرعان ما داومه دوارًا عنيفًا ابتسم على أثره بتعب، أغمض جفنيه تلك المرة عنوة عنه رافضًا واقعًا أطاح به بل وقضى عليه بالكامل ……
*********************************************
أعلنت السماء عن بداية يومٍ جديد، جيد للبعض وسيء لآخر، كانت أشعة الشمس المنبعثة تنعكس بضراوة على مقلتيها الحزينتين، لقد قضت الليل بشرفة غرفتها بالمشفى تنتظر الطبيبة، القلق ينهش قلبها كفيروسٍ لعين بوقت نشاطه، انقباض قلبها بهذا الشكل يجعلها بأوج لحظاتها خوفًا، انتبهت على صوت الطبيبة التي لا تعلم متى أتت ولا كيف دخلت إليها، رمقت الطبيبة بنظرة مستفسرة بادلتها الأخرى بإطمئنان واقتربت جالسة أمامها وهتفت بعملية : آنسه رزان
قاطعتها رزان متهكمة : مدام
هزت الطبيبة رأسها بنفي شديد وتمتمت بتوضيح: حضرتك آنسه !
ضحكت رزان سخرية من حديث الطبيبة التي ظنتها جُنت وتمتمت بتهكم: ودا إزاي بقا مع تحليل الحمل اللي عملتيه؟
اعتدلت الطبيبة بجلستها ورمقتها بنظرة متعجبه وهتفت: أنا عملت تحاليل خاصه بالحمل عشان اتأكد من شيء معين وهو إن حضرتك بتاخدي أدويه لتثبيت بطانة الرحم لأن عندك مشاكل مستعصيه فيها والأدوية كانت في جسمك بشكل مستمر ودا اللي التحاليل بينته وعشان كدا لما شكيت عملت لحضرتك سونار وفحوصات شاملة وواضح جدًا إن حضرتك بِكر!
صدمة تلو أخرى سقطت فوق رأسها، تشعر كأنها بزوبعة من الآلام تلتهمها دون شفقة ولا رحمة، كيف أنها عذراء؟ كيف تتواجد تلك الأدوية بجسدها؟ مهلًا أيمكن أنها بأحد كوابيسها وستفيق بعد قليل مذعورة!؟ هزت راسها بإنكار ورمقت الطبيبة بصدمة وهتفت: حضرتك أكيد غلطانه أنا متجوزه !
لما كذبت!؟ هي ليست زوجة بالمعنى الحرفي هي فتاة تم اغتصابها وسلب براءتها فقط! هي فتاة حُرمت منغريزة الأمومة فقط!
ابتسمت الطبيبة بحنان وربتت فوق ظهرها وتمتمت بتوضيح: يا حبيبتي واضح إنك فاهمه غلط أو زوجك فهمك كدا من خوفك وفضل يستنى عليكِ بس واضح جدا إنك لسه عذراء وكمان غشائك رقيق جدًا وكمان الأدوية اللي في جسمك واضح إن في حد بيدهالك بانتظام عشان كدا
لم تنتظر لتسمع المزيد، خطت مسرعة خارج تلك الغرفة بل المشفى بسبب شعورها الشديد بالإختناق، كل تلك التراهات التي تفوهت بها الطبيبة حقيقة! هل حقًا هي عذراء؟ ولكن كيييف؟
*********************************************
تقلبت بنومها بصعوبة بسبب ذراعيه القابضين فوق خصرها، ابتسمت بنعاس عندما وقع نظرها على وجهه النائم، شديد الوسامة بجميع أوضاعه، ياله من مُهلك عفوًا زوجها المُهلك، أغمضت عينيها بضيق من شعاع الشمس الساقط على قزحيتيها الزيتونيتين، رفعت أناملها لتتلمس قُسيمات وجهه الهادئة، رفعت خصلاته المتمردة على عينيه الغائبتين، ابتسمت بهيام واقتربت لتطبع قبلة خفيفة فوق شفتيه وابتعدت سريعًا عندما رأت حركة أهدابه الطفيفة، أراحت جانبها جواره وابتسامة عاشقة تزين ثغرها الوردي، راقبت حركة أهدابه التي أعلنت عن بزوخ عينيه الأكثر من رائعتين، اتسعت بسمتها عندما بادلها بأخرى حانية بمظهره الرجولي شديد الوسامة
– صباح الخير
خرج صوته الرخيم بنعاسٍ واضح لمسمعها
اقتربت دافنة وجهها بعنقه بعشقٍ ولدته أيامهم سويًا ونثرته حروفهم وهمست بنعومة: صباح الورد
فعلتها نفضت النعاس من عقله وأيقظت براكين شغفه لها فضم خصرها لصدره بقوة وهمس بمشاكسة: هو في صباح أحلى من صباحك يواد يشقي أنت
لكزته بكتفه بحدة طفيفة وهمست بخجل: مهند بس
صدحت ضحكاته لتكسر صمت الغرفة من حولهم وتمتم بخبث: قلب مهند، بس مكنتش أعرف إنك جريئة أووي كدا
لم تجد مفر من حديثه الوقح غير غرس اسنانها بعنقه ليتألم من وسط ضحكاته الماكرة ويشدد من ضمه لخصرها وهتف بغيظٍ: بتعضيني يا نور، بس مقبولة منك على مجهودك بتاع ليلة امبارح
صمت ليرمق وجهها المدفون بقوة بعنقه وخجلها الذي انبعثت حرارته لجسده وأغلق إحدى عينيه بمكر وهمس بشجن: لو كل ما نزعل هتصلحيني زي امبارح يبقى هزعل منك علطول
نهض متناولًا منامته التي نزعتها عنه أمس وسط عاصفتهم التي أطاحت بهم لبحورٍ من النعيم والحنان وابتسم لها بمشاكسة عندما رآها تدفن وجهها بوسادته خجلا منه، تذكر أفعالها أمس وتركه لذاته بين يديها وكم كان سعيدًا باشتياقها له مثلما هو دائماً لها ……..
꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
لا تعلم لما قادتها قدميها لهنا ولكن كل ما تعلمه أنها تشتاق لوالدتها بجنون وتركت روحها تأتي إليها، دلفت بضعف من بوابة المقابر وسارت خمس خطوات، خمس خطوات تحفظهم عن ظهر قلب، خمس خطوات كانت تأخذهم بكاءً لترتمي على قبر والدتها تشكوها ألمها ونزيف روحها، لما تركتها تواجه بشاعة العالم بمفردها؟ لما هجرتها وحدها بين شر البشر وحقدهم؟ لما فارقت قلبها؟ أليس هي من وعدتها بعدم ذهابها؟ لما رحلت الآن؟
ارتمت بإهمالٍ على قبر والدتها غير مكترثة لثيابها التي لُوثت بأتربةٍ وُجدت لتواسي مقابر الذين فارقونا، وضعت رأسها على مقدمة القبر الحجري وهمست بلوعة مشتاقة: وحشتيني، وصعب أقولك وحشتيني من غير ما احضنك، وحشني حضنك أوووي، تعرفي إن العالم دا بشع، مكنتش بصدقك لما كنتِ بتقوليلي أنتِ اضعف من إنك تواجهي العالم دا، بس انا فعلاً ضعيفة، ضعيفة من غيرك ومن غير بابا ومن غير مهند ومن غير نور ومن غيره! ايوا من غيره، تعرفي إنه شبهك! بيحبني نفس حبك وبيحضني زيك وكمان بيلعبلي في شعري عشان أنام لما بشوف كوابيس واقوم مفزوعه بس ……. بس أنا مبقتش اشوف كوابيس من وقت ما شوفت عنيه يا ماما من وقت ما بقى حضنه وطني وقلبه مسكن لروحي
انسابت دموعها بهدوء لتروي قحط روحها واسترسلت حديثها بألم واشتياق: هو كمان مامته مشيت زيك، أكيد هتتقابلوا، هو كمان بيحب مامته زي، هو كمان بيحبني وأنا كمان بحبه يا ماما….. بحبه بحجم الوجع اللي سابه يونس جوايا…. بحبه بنفس قسوة يونس وقسوة اللي عمله فيا…. بحبه بحق كل مره طمني فيها وكان جنبي واستحملني…. بس…. بس لما جيت اقولوا ملقتهوش…..
همس بمرارة وحسرة شديدة وهزت رأسها بأسى وتحدثت بخفوت: هو… كان عارف إن يونس اغتصبني.. وكمان كان عارف إني مش هكون أم… كان عارف إن راجل غيره لمسني يا ماما ورغم كدا حبني وفضل جنبي… بس أنا طلعت طاهره يا امي… هو ملمسنيش… معرفش أزاي بس ملمسنيش ولا وسخني… كنت حاسه طول السنين اللي فاتت إني مش نضيفة وإني بنت وحشه… كنت حاسه بروحي محبوسه…. كان نفسي اجري عليه واقولوا أنا… أنا نضيفه ومفيش راجل هيلمسني غيرك واقولوا إني بحبه وإني امنيتي الوحيدة طفل يكون هو باباه….. بس هو… هو مش موجود!! أنا قلبي مقبوض وخايفه!! خايفه يكون مشي زيك! خايفه يكون سابني وارجع لواحدي مع كوابيسي!! ماما هو انا كنت وحشه عشان اتوجع كل الوجع دا من الناس اللي بحبهم؟ …. وحشتيني…. وصعب اقولها وانا مش في حضنك….
مسح دموعه التي قررت الهطول لأول مرة منذ وفاة زوجته التي خُلقت من ضلعه، دموعه التي انجرفت على ابنته وصغيرته وفلذة كبدة، طفلته التي قتلتها الأيام وانتقمت منها شر انتقام، أين كان هو وطفلته الرقيقة تواجه بشاعة العالم وتفقد قوتها بتلك الطريقة؟ لما عليها أن تعاني حسرة الفقدان دوماً؟ هز رأسه بعنف واستند على عكازيه واقترب منها وسط شرودها حتى أصبح أمامها مباشرة يتمعن بملامحها التي كانت نسخة مصغرة من زوجته الراحلة ولكن الآن بُدلت تلك الملامح الجميلة بأخرى حزينة ومؤلمة، بأخرى شاحبة ومتعبه، قبض على كفها بين كفه الخشن وتمتم بحنان: وحشتيني يا زان
فاقت من سرد حزنها لوالدتها على صوتٓ تعرفه، صوت والدها الحنون، ابتسمت بحزن وهمست: وحشتك؟
هز شهاب الدين رأسه بتأكيد وهمس ودموعه لم تتوقف ولو للحظة: وحشتيني يا موج
ابتسمت بألم على ذكر والدها للقبها الذي لا يعرفه غيرهم وغير والدتها الراحلة فهو لقبها بذلك بسبب لون عينيها الذي يشبه أمواج البحر الثائرة، ربتت على كفه بكفها الصغير بضعف وهمست: عرفت إني هنا منين؟
مد كفه ليمحو دمعاتها التي أحرقت روحه حيًا وهمس بحنوٍ: معرفش بس قلبي حس بيكِ ولقيت رجلي جابتني هنا وهي كمان كانت وحشاني
قبلت يده الموضوعة على شطر وجهها الباكي وهمست بلوعة: وهو كمان وحشني أووي
ضم رأسها لصدره بقوة لعله يخفف ألم قلبها الذي التمسه قلبه وتمتم بتأكيد: هيرجع والله هيرجع وكل حاجه هتكون بخير، «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» ربك رب قلوب يا حبيبتي وعارف بحال قلبك أكتر من أي حد وربنا بيختبرك ولو مكنش عارف إنك هتخرجي من الإختبار دا مكنش ابتلاكِ بيه، اصبري وجوزك راجع مهما غاب راجع…..
كلماته مست قلبها واصابت صميم روحها الدامية، كم تطمئن بحضن والدها بسبب رائحة والدتها التي لازالت عالقة به، أيمكن ذلك؟ تشعر بأن طيف والدتها يبتسم لها من بعيد… شددت من احتضانها لوالدها بقوة وابتسامة راضية مريحة تزين ثغرها……
كم من المؤسف فقدان الأم فهي كالشعلة الموقدة التي تُنير عتمة دربنا، حتى وإن تعرجت دروبنا تربت بكفيها على قلبنا ليطمئن، تكفي بسمتها صباحًا لتجعل اليوم ببريق الألماس الخالص وتكفي ضمتها لتمحو غُبار قسوة العالم وبرد الشتاء القارص… تكفي قبلتها لتضمد داء فؤادنا الثائر…. فهي كنسمة لطيفة تأتي لتزين صيفًا حارًا…..
꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂ ꧂
تألمت من ظهرها بسبب نومتها الخاطئة فهي ظلت منحنية على الفراش طوال الليل جانبه، نهضت من مكانها متوجهة للمطبخ لتعد الفطور قبل استيقاظه، كادت أن تذهب لولا قبضته التي جعلتها تترنح بوقفتها وسقطت على الفراش من خلفها بالحقيقة سقطت فوقه وهذا ما أسعده كثيرًا، قبض بقوة فوق خصرها النحيل مقربًا وجهه منها لتفلح أنفاسه الساخنة بشرتها، تهدجت أنفاسها بعنف بسبب قربه الشديد منها، حاولت مقاومة حصاره وفك قبضته عن خصرها ولكن بأت محاولاتها بالفشل وخاصة مع ابتسامته المستفزة التي تزين شفتيه!
همس بنعاسٍ واستمتاع: راحه فين
اغمضت عينيها بقوة لتنفض تأثرها من قربه وهمست بتوتر: ممكن تسيبني يا سامح؟
هز رأسه بنفي وبسمة ماكرة تزين ثغره واقترب لاثمًا شفتيها بقبلة طفيفة بعثرت حواسها ثم ابتعد وهمس أمام شفتيها بحبٍ: لا يا سلمى
تنهدت بضيق وسأمٍ من تصرفه وتمتمت: عاوز إيه يا سامح
تهللت أسايره وهتف بسعادة: فرصة!؟
꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
احتضنها مقربًا إياها لصدره بحنان وهموا للخارج بعد الكثير من الدعوات والآيات القرآنية التي أنهالوا عليها بها، ابتسمت بحب ونظرت لوالدها وهمست: ربنا يديمك نعمه في حياتي يا بابا
ابتسم بحنان وتمتم: ويديمك يا حبيبة بابا
ظهرت سيارة سوداء من العدم قطعت طريقهم لسيارتهم وخرج منها حائط بشري لم تتبين ملامحه وألقى عليهم جثة لم تتبين ملامحها أيضًا ولكن ليس مُلثمًا وإنما مغطىَ بالدماء!! تحركت السيارة من أمامهم كما أتت بينما هي سقط قلبها عندما علمت هوية المُلقى أمامها والذي تتمنى بشدة لو تُخطئ بمعرفته!! هزت رأسها بهستيريا شديدة نافضة فكرة كونه هو!! زوجها وحبيبها!!
همس بلا وعي: ماجد!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب منهكة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى