روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل التاسع 9 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل التاسع 9 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء التاسع

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت التاسع

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة التاسعة

بخطواته السريعة كان يخترق الرواق الطويل، ثم يصعد الدرجات الرخامية للسلم اللولبي على اقدامه، فلم يأتيه صبر لانتظار المصعد الكهربائي،
واصل ركضه حتى وصل الى القسم المقصود، وقعت ابصاره عليها قبل الجميع، منزوية بأحد الاركان وكأنها طفلة ضائعة ، تنتظر والدها ان يعثر عليها، رغم امتلاء الردهة بعدد الأفراد من البلدة، ومؤازرة شقيقة غازي لها، وهي واقفة الان جوارها، إلا انها كانت وحيدة.
هي وحيدة دون شقيقها، وحيدة دون معلمها، وحيدة وسط الجميع، كم يؤلمه الأمر هو يراها هكذا ؟ ولا يملك المقدرة على احتوئها، ان يراها ضعيفة، وردته البرية الجميلة.
تحمحم يجلي حلقه، ليملك زمام امره متوجهًا نحو غاازي اولا، وقد كان هو الاقرب اليه، حيث كان جالسًا على احد مقاعد الانتظار، وبجواره عدد من الاشخاص لا يعلمهم من أهل البلدة.
– ايه الاخبار؟
كان هذا هو السؤال الاول منه، فور ان صافحه على عجالة، يتخذ مقعده بجواره ، فجاء رد الاخر بقنوط زافرًا دفعة كبيرة من الهواء من انفه:
– لا جديد، الدكتور بيقول كله بأمر ربنا، وشكلها كدة مطولة، والله اعلم بجى ان كان فيها نجاة ولا…..
– ولا ايه؟ لا طبعا فيها نجاة.
قالها بلهفة يتابع بأمل:
– المستشفى دي من احسن المستشفيات في الجمهورية، والمنطقة كلها، انا بحثت عنها رغم ان سامع من زمان عن سمعتها ، كل التقارير عنها بتأكد كلامي، وانت ربنا يجازيك خير، مستنتش عليه وجيبته فورًا ع القاهرة في طيارة خاصة ومجهزة
– ويعني كنت لحجته؟
قالها بما يشبه السخرية بمرارة، ضاربًا بكف يده على عصاه يسند رأسه المتعب عليه ، وقد بلغ منه الاجهاد مبلغه، بعد قضاءه ثلاث ليال في المشفى، في انتظار ولو بشرى صغيرة تريح قلبه عن رجله الاول والاخير، بسيوني .
عقب يوسف على قوله بانفعال:
– يا غازي بلاش يأس، وانا شايف اننا لحد دلوقتي ماشين صح، انت متأخرتش عنه وكله بإيد ربنا، لا تقنطوا من رحمة الله.
– ونعم بالله
تمتم بها غازي، ممسكا بطرفي اصبعه أعلى انفه، في تعبيرا لا ارادي عن الأرهاق الشديد الذي كان يعصف به في هذه اللحظة،
ربت يوسف بكف يده على ركبة الاَخر يحادثه:
– قوم يا غازي ريح نفسك شوية واحلق دقنك، مش كدة يا حبيبي، كفاية علينا واحد، مش ناقصنا انت كمان توقع..
اومأ له بكف يده ، بحركة يفعلها كي يوقف اي حديث معه في هذا الشأن، رأسه اليابس لا يقبل النصح ولا الأرشاد في شيء يراه لابد من فعله.
حينما يأس منه يوسف، تركه ليتقدم بخطوات مترددة نحوها، يحافظ بصعوبة على رزانة القول في مخاطبتها، بعدما القى التحية عليها وعلى روح الواقفة بجوارها:
– عاملة ايه النهاردة يا وردة يا رب تكوني احسن من امبارح.
اومأت بهز رأسها يخرج صوتها بصعوبة:
– الحمد لله، الحمد لله ، كل اللي يجيبه ربنا كويس، هو أكيد هيجوم ومش هيسبني، هو عمره ما سابني أصلا، انا متأكدة منها دي.
قالت الاَخيرة بصوت بح من فرط التأثر، حتى جعل الأخرى لتزيد من ضمها اليها، تقبل رأسها بدعم، امام قلب يتلوى بلوعة الحزن عليها، لا يملك الحيلة في التخفيف عنها والتهوين.
انتبه لتصلبها المفاجئ، وراسها الذي ارتفع بنظرة متجهمة، مسلطة على أحد ما من خلفه ، حتى جعلته ينظر هو الاخر في نفس الإتجاه ، نحو احد الرجال، يبدوا انه من أهل البلدة من ملابسه والعمامة التي تعلوا رأسه، ظن انه ربما يكون قريب لها، قبل ان يصدم بما وصل الى اسماعه بعد ذلك .
– ودا ايه اللي جابه ده؟ تو ما افتكر؟!
– معلش يا ورد، يمكن سمع متأخر.
– والله.
– هو مين يا جماعة اللي سمع متأخر؟
كان هذا سؤاله الموجه لهما ، فجاء الرد من روح:
– دا ابوها، والد بسيوني وورد .
– نعم! ابوها!
قالها بعدم تصديق، يتابع بعفوية لم يقصدها:
– انا كنت فاكر…….. انهم يعنى…..
– يُتمى وملهمش غير بعض، انت مكدبتش، احنا فعلا ملناش غير بعض
قالتها ورد ليلتف اليها مصعوقًا لوقع الجملة التي خرجت منها، لا يستوعب صحتها
❈-❈-❈
توقف بسيارته في ساحة واسعة قريبة الى حد ما،
ليترجل منها يغلق بابها بإحكام امام النظرات الفضولية من المارة، يسير بتخايل، حاملا على يده علبة مغلفة للحلوى، يعلم انها سوف تثير الأنبهار لدى هذه الصغيرة ، علُه يستعيد لهفتها القديمة نحوه قبل زواجه بها، لتنعش داخله هذا الاحساس الذي افتقده منها، في ألفترة الأخيرة، لقد فترت لهفتها لدرجة تجعلها تردف بالحجج من أجل أن تطيل من فترة بقاءها عند اسرتها، بذاك المنزل الطيني، الذي اصبح امامه الاَن، بعدما دخل الشارع الضيق، الذي كان يوجد بها منزل شقيقته ، قبل ان تتركه وتسكن في شقة جديدة قام ببناءها زوجها، بفضل عمله معه.
تأفف بازدراء وهو يتجنب بخطواته بركة مياه فعلتها احدى النساء بغسيل فراش المنزل في الشارع، والتي انتبهت لتخاطبه بما يشبه الاعتذار:
– معلش يا بيه، ما انت عارف بجى الشتا وعمايله ، لازم عنينا تطلع في كل مرة نغسل فيها على ما تنشف الارض.
اومأ لها بملامح ممتعضة، ليكمل السير نحو المنزل الذي وصله اخيرًا، ليطرق على الخشب مغمغمًا بقرف:
– لا والهانم عاجبها الحال في القرف دا وعايزة تطول الجعدة ومش مكفيها اسبوع!
فتحت له احدى شقيقاتها الصغار مهللة:
– عمو عمر ، اختي هدير جاعدة عندينا.
– امال انا عارفها جاعدة عند مين؟
تمتم بها ضاحكًا، يحمل الصغيرة ويقبلها ، قبل ان يسألها:
– امك ولا وابوك ولا هدير فين جاعدين.
اجابته الطفلة بلهفة :
– امي جاعدة جوا في الحوش بتنضف الشرشارة، وابويا راح شغله في المصنع، وهدير جاعدة في اوضتها مع اصحابها هند وزينب
تبسم لعفوية الصغيرة فقام بتقبيلها مرة أخرى قبل ان ينزلها امرًا:
– طب ياللا بجى روحي اندهي امك، وخدي العلبة دي معاكي .
شهقت بفرحة للتناول العلبة وتطير بها نحو والدتها، فتبعها بنظراته ضاحكا قبل ان يتقدم بخطواته داخل المنزل، وما هم ان يجلس على احد الارائك حتى وصله صوت الضحكات العالية لزوجته العزيزة ومعها الفتيات صديقاتها
كانت القهقات عالية لدرجة جعلته يقترب بفضول ليعرف سر المرح الذي ينتابها هنا، عكس ما يراه منها في منزله.
– شوفتي كان هيجن عليكي ازاي لما عديتي امبارح جدامه.
– خدت بالي يا حبيبتي، دا حتى ساب الجعدة مع أصحابه، وجه دخل ورايا وانا بسلم على خالتي، جال بطلتي ليه ما تاجي بيتنا يا بت خالتي.
انطلقت ضحكات صاخبة ثم تبعها صوت للفتاة الاخرى:
– يا عيني عليه صعبان عليا جوي ، بصراحة بجى ، هو اللي كان مناسب لك يا هدير كدك في السن و……..
قطعت الفتاة لتنتفض واقفة مع صديقتها هي الأخرى حينما باغتهم بدفع الباب يطل بجسده الضخم عليهن، بعدما فاض به، ولم تعد به طاقة على التحمل .
– مساء الخير
قالها ببرود يناقض تماما فعله الأرعن بعدم تقدير لخصوصية الفتاتان داخل الغرفة ، والاَتي لاح الضيق على وجههما، قبل ان يجيبنه على عجالة ثم يستأذن في الذهاب :
– اهلا مساء النور، عن اذنك طب يا هدير
– استنوا يا بنات .
– لا معلش مرة تانية نبجى نجيلك.
انسحبنا ليخرجن من جواره بهدوء، امام صدمتها، والتي عبرت عنها فور اطمأنانها بمغادرتهن من المنزل:
– مش كنت تستأذن ولا تخبط الباب جبل ما تدخل .
– افندم…… ناوية تعلميني اداب الدخول يا ست هدير،؟
قالها واقدامه تقترب منها بهدوء خطر، ف استطردت هي بعفويتها غير منتبهة:
– انا بتكلم على حرمة البنات معايا في الأوضة المجفولة علينا، يعني مثلا هند كانت جاعدة بشعرها، شدت التحجيبة بسرعة لما دخلت، وهند كانت متكية على جنبها انتفضت منبوطة اول ما شافتك
رد ببساطة :
– يستاهلوا عشان يحرموا ياخدوا راحتهم في بيوت الناس، دا غير ان انا راجل مأدب، عمري ما هبص لحريم غيري، وافرحهم بكلامي ليهم….
صمتت تطالعه بازبهلال وتوجس لقوله، حتى فاجئها بالقبض على ذراعها، يهدر بصوت خفيض يخيفها بأعين تشتعل من الجحيم:
– مين في عيال خالتك اللي كان هيتجن عليكي يا بت؟ ولقاء الأحبة كان اخره ايه بالظبط في بيت خالتك؟
– اااه.
خرجت منها بألم شديد، بفضل ازدياد ضغطه على عظام ساعدها، لترد بدفاعية:
– والله كان اخره سلام وانا مشيت على طول مجعدتش، واد خالتي معتبرني زي اخته من ساعة ما اتجوزت،
زاد بضغطه ليقارعها بعدم تصديق:
– وعايزانى اصدق! بجالك سبوع بتلفي على كيفك وانا مديكي الامان واتاريكي ماشية على كيفك، اخلصي لما هدومك وجهزي نفسك، مش عايز امك تحس بحاجة بدل ما اجلبها هي كمان عليكي والموضوع يكبر
قال الأخيرة ودفعها عنه سريعًا، بعدما شعر باقتراب قدوم المرأة ، والتي دلفت اليه بعد ذلك ترحب به:
– يا مساء الهنا، عمر بيه منور عندينا .
وكأنه شخص اخر، تحولت ملامحه لمصافحة المرأة والحديث معها بتباسط، يصرفها بمكر عن الانتباه لابنتها الجالسة فوق التخت ، تمسك على ذراعها المتألم، والدموع تغشى مقلتيها.
❈-❈-❈
جالسًا بجواره وعينيه لم يرفعها بعد عنها، في متابعة لكل همسة منها، ونظرات غاضبة توجهها نحو هذا الرجل المدعو اباها،
– ابوها ازاي يعني؟ ولما هو ابوها، ازاي هما ساكنين لوحدهم؟ ايه حكاية الراجل ده مع ورود وبسيوني؟
توجه بالاسئلة نحو غازي المجاور له، والذي اجاب ليرضي فضوله:
– ابوها اللي مخلفها يا يوسف، بس الحكاية انه طلق والدتها من زمان ، من ساعة ما جابلها ضرة والمرة مردتش، ولدها الله يقومه بالسلامة وجف جصاده وهو شاب معداش السبع تاشر سنة ، خد امه واخته يشتغل ويصرف عليهم، الست كان حظها جليل، ماتت بلدغة عقرب، فضلت البت الصغيرة مع اخوها اللي مجبلش يرجع لابوه بيها ، ورباها هو لوحده، والراجل فضل على حاله بعيد عنهم.
– اااه
تمتم بها يوميء بهز رأسه ليردف باستدراك:
– عشان كدة هي كانت بتقول على نفسها يتيمة من غير اخوها، ربنا يقومه بالسلامة يارب، الاب اللي ما يربيش ولا يعطي حنانه ورعايته لولاده، ميبقاش اب ولا يستاهل اللقب من اساسه.
وافقه غازي الرأي ، مكتفيًا بالصمت ، لتظل جلستهما على هذا المنوال حتى انتبها، لدلوف عارف عائدًا من الخارج، متجهًا صوب زوجته.
❈-❈-❈
في المنزل الذي اكتسى بالسواد، كان الصراخ من المرأة المكلومة يشق الضباب بقوته، لا أحد قادر على ايقافها، او اسكاتها، رغم مرور ايام على الحادثة ، حرقة قلب ام فقدت عزيزها، فلا يعرف بحرقة النيران سوى من اكتوى بها .
ومن مثلها زاق الوجع؟ تقدمت سليمة بداخل المنزل، تغلب قهرها وتغلب كل ما يعتمل داخلها الاَن، من أجل تأدية الواجب، حتى وجرح الإصابة بصدرها، ما زال ظارجًا ولم يكتمل شفاءه،
اخترقت جمع النساء الاَتي انتبهن لقدومها، يراقبن خطواتها، يتمتمن بالهمسات واللمزات عليها، فسرت معظمها وتجاهلت عن عمد ان تلتفت اليهم، حتى اذا وصلت الى والدة الفقيد امتدت كفها بمواساه:
– البجية في حياتك يا شربات .
تطلعت لها الأخيرة بانتباه، لتبرق عينيها وكأن شيطان تلبسها، تنقل بالصراخ عليها:
– جاية تشتمتي في موت ولدي يا سليمة، جايا تفرحي فيا، عشان ولدي مات يا سليمة؟ مش كنتي عايزة فايز ، خديه واشبعي بيه، بس هاتي ولدي، هاتيلي الغالي، انا عايزة ولدي، هتولي ولدي
عادت سليمة بكفها لترتد تبتعد عنها ، لم تكلف نفسها ف الرد على صفاقتها وتبجحها، تعلم ان نيران قلبها الان اقوي من اي تحمل.
انتبهت على سكينة منزوية في احد الاركان تشير اليها بكفها، ف اقترب تجثو نحوها، ف اختطغتها المرأة لتحتضنها وتفرغ طاقة من البكاء بحرقة لها:
– اه يا سكينة انكتب عليكي الحزن ، الشباب بيموتوا، وانا جاعدة اتكوي بنارهم يا سليمة، ياريته ربنا يفتكرني ويرحمني ادعيلي يا بنتي تعبت.
ظلت سليمة تربت على ظهرها بحنان، حتى هدأت ، لتسالها بانتباه:
– امال ولدك فين؟ محدش شايف فايز يعني،
اجابتها سكينة بأسى:
– حابس نفس يا بتي ف الأوضة، مش بيسمح لحد يخش له غير البنتة الصغيرين ، الله يكون في عونه
التفت سليمة نحو الغرفة المقصودة لتغمغم بصدق حقيقي:
– الله يكون في عونه فعلا.
❈-❈-❈
عبر الهاتف وحينما انفرد بنفسه قليلًا، كان الحديث بينهما ، بعدما استجاب للرد بعد محاولات عدة اضطر ان يتجاهلها مضطرًا، في غمرة انشغاله مع احدى الطبيبات المكلفين برعاية بسيوني.
– الووو يا نادية عاملة ايه؟
– ايوة يا غازي، انا زينة والحمد لله، اخبار بسيوني ايه، طمني عليه؟
خرجت اجابته بتنهيدة مثقلة محملة بما يعتمل داخله:
– لسة مفيش اي حاجة تطمن، الحالة مستقرة بس الغيبوبة لسة، الدكاترة بيقولوا مفيش وجت محدد لفوقة المريض، مش عارف انا اعمل ايه لو طالت اكتر من كدة .
– لا حول ولا قوة الا بالله، طب ورد دلوك عاملة إيه؟ روح بتبلغني ان حالتها تصعب ع الكافر.
– دي بجى ربنا معاها، واجفة على حيلها ملامة، البت في حالة ما يعلم بيها غير ربنا، دا مش اخوها وبس، دا كل عيلتها، ما انا حكيلك جبل كدة على ظروفهم.
– ايوة فاكرة طبعًا، ربنا يوجف معاها يارب.
– اللهم امين يارب.
قالتها ثم مرت لحظة من الصمت بينهم، قبل ان تقطعها هي بعتابها:
– طب لما هو كدة، ليه ما تردش عليا وتطمني ولا تبلغني باللي حاصل، انا كمان كان نفسي اكون معاكم، بس انت عارف الحمل جديد، دا غير مسؤلية جدك والبنات ومعتز.
– عارف يا نادية، ربنا يكون في عونك ما انا سايبك تسدي عني برضوا، انتي كديها وانا واثق فيها
اعجبتها نبرة التأكيد منه، انه يثق بها بالفعل، تمالكت لتتابع حديثها:
– ماشي يا غازي، بس انت كمان بتفجع لي مرارتي لما بتردش ع التلفون، انا ببجى نفسي اطمن با غازي وانت ولا معبر .
– والله كنت مشغول،
قالها بدفاعية يتابع:
– ساعة ما كنتي بتتصلي من شوية، مكنش ينفع ارد عليكي وانا مع الدكتورة، البنية بت حلال وتتحط ع الجرح يطيب…..
– عندها كام سنة الدكتورة دي يا غازي؟
قاطعته بسؤالها السريع، ليقطب عاقدا حاجبيه في الرد لها:
– بتسالي ليه على سنها؟
وصله ردها بحدة:
– يا سيدي عايزة اعرف بت الحلال اللي تتحط ع الجرح يطيب عندها كام سنة فيها ايه دي؟ حتى عشان اعرف درجة حنانها دي موصلة لفين؟
تندفع بالقول دون ترتيب حتى جعلته يستدرك ويزداد تأكيدا داخله من صحة ما يشعر به، حتى غزت ابتسامة ملامحه في الرد بادعاء عدم الفهم:
– حاسك بتتريجي يا نادية، بس هي ست محترمة وشاطرة، ماسكة منصب مهم في المستشفى على الرغم ان سنها صغير ، ما يجيبش التلاتين أصلا، ممتازة زي ما بجولك.
– امممم واضح انها زينة بدليل انها عجبتك
كاد ان يضحك لولا الهموم التي تثقل كاهله، ولكنه لم يقوى على احجام تسليته:
– لا وبت ناس يا نادية، مفيش مرة اطلبها في توضيح، الا ما كنت الاقيها ترد على طول من غير تأخير، تاخد وتدي كدة، مش مستعجلة زي المعظم.
– وحلوة
– وحلوة….. وه ايه بتجوليه دا يا نادية؟ خلتيني خربطت معاكي في الكلام
هتفت مرددة خلفه بانفعال:
– خربطت برضوا؟! اسمع يا غازي، بناتك مطلعين عيني ، كل شوية يسألوا عليك، وانت عارفهم بجى اشقيا، وجدتك اساسًا تعبانة ومحتاجاك، دا غير الناس اللي بتسأل عليك كل شوية، وانا بصراحة تعبانة والحمل مدوخني، امتى هتيجي يا غازي؟
– وه وه، مش كنتي بتجولي من شوية ان الحال تمام.
– كنت بتجمل، لكن انا تعبانة يا غازي، وانت حر بجى لو مش هامك تعبي، ومع السلامة بقى عشان مزودتش عليك، لتكون مش حامل كلامي كمان.
– وه .
تفوه بالأخيرة مزبهلًا ، يطالع انتهاء المكالمة ع الشاشة، منذ متى كانت بهذا الجنون؟ نفض رأسه يحاول الاستيعاب، ليغمغم محدثًا نفسه بصدمة:
– دي هرمونات الحمل دي اللي هبت فجأة ولا انا اللي لسة بستكشف شخصيتها من جديد….. بتجفلي التلفون في وشي يا نادية!
ومن جهتها سقطت جالسة على طرف التخت باضطراب يعصف بها، كالطفل الذي لم يعلم بالخطأ سوى بعد فعله
لا تدري كيف فعلتها؟ انها ابدا لم تكن بهذه الفظاظة، دائما ما يضرب بها المثل في الحلم، لكن هذا الرجل بالفعل يخرجها عن شعورها، ولكنها الاَن اخطأت في حقه، ترى ماذا سيكون رد فعله؟
.ابتلعت ريقها وهي تضع نفسها محله الان لو حدث معها هذا الفعل،
– ان شاء الله ينسى على ما يرجع او حتى لما يتصل مرة تانية، يمكن نتصالح.
اقنعت بها نفسها حتى تطمئن
❈-❈-❈
خرجت فتنة من غرفتها بملابس الخروج، ف استعداد الذهاب بحجة جديدة، في روتين أصبحت تجيده هذه الأيام، لفعل ما تود فعله دون حساب او مراقبة
توسعت عينيها بإجفال، فور ان وقعت ابصارها على هذه الملعونة جوليا بملابسها المكشوفة، تظهر ساقيها وذراعيها ببزخ،
فارت الدماء برأسها لتهتف غاضبة بها:
– انتي يا زفته انتي، طالعة بالشورت كدة ف الطرقة، فاكرة نفسك في مارينا؟
تبسمت لها جوليا تميل بدلال كي تغيظها بلكنتها العربية الغير متقنة:
– لا يا هبيبتي مش ف مارينا، بس في بيتي، مع جوزي حبيب قلبي .
– حبك برص يا بعيدة، انتي اتجنتي يا بت، بتمشي بالعريان في قلب البيت، جوزك سمحلك كيف تطلعي كدة من جمبه؟
اتت والدتها على الصوت ، وخلفها ناجي ايضا، ليرد على قولها وهو يصعد الدرج اليهما:
– مالوا جوزها يا ست فتنة؟ انا كنت جاعد تحت في الجنينة اصلًا:
نقلت بغضبها نحوه تردد:
– طب يا محروس يا للي كنت جاعد تحت في الجنينة، يعجبك اللي السنيورة لابساه ده؟ افرض حد من خواتك شافها ولا عيال اخواتك، هيبجي منظرك ايه يا سبع الرجال؟
سبقته جوليا بقولها:
– انا يا هبيبي كنت هنده عليك وهرجع تاني ع الغرفة، ولو كنت شوفت اي راجل، كنت هجري على طول على، انا مقبلش حد يشوفني كدة غيرك انت يا هياتي .
ختمت بابتسامة يغمرها الدلال، اطاحت بثباته، وهي تتمايل بجسدها أمامه، ليبادلها ببلاهة حتى انتفض على صيحة فتنة الغاضبة:
– انت لحجت تريل يا جزين، البت دي لحست عجلك، ما تصحى للكلام اللي بجوله، خلي البت دي تتعدل ، يا تلبسك الطرطور.
– تلبسني الطرطور، ما تحترمي انت نفسك يا فتنة وبطلي جلة حيا ، انا مرتي بتلبس في بيتي، وحتى لو اتجرأت شوية، دي خواجية يعني هتاخد وجت على ما تتعود، وهتبجى عال العال كمان، مش كدة يا جوجو؟
– كدة يا هياتي، تعالي بقى لما اقولك انا كنت عايزاك في إيه، عن اذنك يا هماتي.
قالتها تسحبه من ذراعه، لتردد من خلفها رئيسة:
– اذنك معاكي يا حبيبتي.
عقبت فتنة بجنون ما تشعر به:
– شايفة الأهبل ياما بيضحك ازاي وهي ساحباه زي البغل، دا مهموش الكلام ، ولا شكله جصدانا، البت دي كلت بعجله حلاوة، زي ما عملت مع ابويا بدلعها عليه، بتخليه يفوتلها ويبلعلها، وانتي كمان شايفة كل عوجها وساكتة.
تكتفت رئيسة بابتسامة هازئة ترد:
– وايه الجديد؟ ما انا شايفاكم كلكم معوجين وبرضك ساكتة، جات ع الخواجية، ع الأجل هي بت حِركة وبتعرف بتاكل عيشها، وتبلف اللي حواليها بشطارتها.
شيليها انتي من مخك بس وخليكي في نفسك ، مش انتي برضك طالعة النهاردة يا غالية، والله عرفت من ساعة ما سربتي البنتة على بيت ابوهم، رغم انك عارفة زين انه مش جاعد، لكنك طبعا مستجصدة مرة ابوهم كالعادة،
التوى فمها بعدم اكتراث، فتابعت رئيسة بسخطها، قبل ان تذهب وتتركها:
– ربنا يهديكي يا بتي.
❈-❈-❈
تتفتل في نفس المجمع التجاري ، مقلتيها تذهب يمينًا ويسارًا في البحث عنه، رغم ادعائها الشموخ في السير بتعالي كعادتها، والتسوق من محل الى اخر، حتى وجدته فجأة امامها يعترض طريقها :
مساء الجمال.
شهقة مكتومة من فمها تصنعت بها الإجفال قبل ان تقول:
– إنت تاني؟ هو المول ده كان بيتك؟ ولا انت فاضي ومعندكش شغل
قالتها ثم تحركت من امامه بدلال، ليتبعها هو قائلًا:
– طب اعمل ايه طيب في اللي وقفت حالي، وخلتني زي المجنون اجي كل يوم وفي الوقت ده بالذات الف بالساعة والساعتين عشان اشوفها، يومين يا جبارة، تغيبيهم، دا انا كان عقلي هيشت مني.
هذه المرة وقفت تطالعه بعدم تصديق قائلة:
– يا سلام، مش لدرجادي يعني يا اخينا، انت يدوب شوفتني مرة او مرتين، خلي بالك انا مش دج عصافير عشان اصدج انك وجعت في هوايا.
اطلق ضحكة عالية ليستند بمرفقه على الحاجز الحديدي الذي توقفت جواره، يردد خلفها:
– طب وان قولتلك اني فعلا وجعت في هواكي، هتصدقي بقى ولا تكذبيني؟ لو كذبتيني يبقى انتي مش واثقة في نفسك، ما هو بالعقل كدة واحدة في جمالك تنطق الحجر، مش توقع في هواها وبس.
اصدرت تنهيدة تدعي الضيق رغم التماع عينيها الذي يبدوا واضحا امامه وقد اطربتها الكلمات من الداخل:
– وبعدين معاك يا جدع انت، انا مش عيلة صغيرة عشان اتأثر بالكلام ده، انا واحدة سبق ليها الجواز والخلفة كمان .
رد بما يشبه الصدمة امامها:
– ايه ده معقول؟ انتي اتجوزتي وخلفتي قبل كدة؟ امال ليه مش باين عليكي.
استطاع بمكره ان يلمح اضطراب هيئتها لرد فعله، حتى ظهر في اهتزاز صوتها رغم ادعاء العكس:
– وافرض يعني؟ ما انا اتجوزت صغيرة جدًا، ف شيء طبيعي انه ما بينش عليا، حضرتك بجى، ايه اللي خلاك زعلت؟
– لا ابدا، انا بس متفاجئ مش أكتر، اصل كنت فاكرك سينجل زي حالاتي، اصل انا ما سبقليش الجواز قبل كدة أبدا.
قالها وعينيه تراقب كل خلجة في ملامح وجهها الذي بهت امامه، بعدما شتتها بقوله، لترد بعد ذلك:
– واديك عرفت، وعشان اجيبلك الصورة أوضح، انا كمان مطلجة وعندي تلت بنات .
افتر فاهه بشهقة خرجت من جوفه معبرا عن صدمته:
– تلت بنات.
– ايوة تلت بنات
رددت بها من خلفه بحنق، قبل ان تتحرك ذاهبة من أمامه، غافلة عن ابتسامة لاحت على ثغره من خلفها.
❈-❈-❈
انهى غازي مكالمته الهامة مع احد المسؤلين ، بملامح يعتليها الهم، ليعود بعد ذلك الى الرجال يستأذنهم:.
– طب انا لازم انزل البلد الليلة عشان طالبني في القسم للشهادة، ابن الكلب، صدجي ابو سليم، محدش فيهم عارف ياخد منه حق ولا باطل
عقب يوسف:
– صدقي دا الراجل اللي قولت انه اهم طرف في القضية
تكفل عارف بالرد عليه:
– هو بعينه، ابن الفرطوس، عامل حسابه، ومأمن نفسه، كلهم هربوا الا هو ، جعد في بيته مستني الحكومة، ودلوك لما بيسألوا، بيقول انا كنت نايم في بيتي مشتفتش حاجة.
– دا تعبان كبير بقى .
– دا جحر تعابين لوحده
تمتم بها غازي، وابصاره اتجهت الى الفراغ، بشرود فيما ينتظره مع هذا الرجل الداهية، لكن سرعان ما نفض التفكير عنه على قول عارف:
– طب احنا كمان نسافر معاك ، ملهاش لازمه الجعدة، واحنا معرفينش امتى هيفوق .
اشاح غازي برأسه عنه، وقد اَلمته العبارة، مما اضطر عارف للتطليف مطمئنًا:
– يا غازي خليك مطمن، بسيوني قوي، وانا متأكد انه هيقوم منها.
– ان شاء الله، اللهم امين
تمتم بها الثلاثة قبل ان يجفلهم الصوت القريب
– خلاص يبجى كلنا ماشين.
قالها والد بسيوني، ثم تحرك نحو ابنته، وما هي سوى لحظات وبدا صوت الشجار بين الاثنين:
– انا بجولك مش ماشية معاك، عايز تروح روح لوحدك
– يا بت بطلي جلة حيا، بنجولك كلنا ماشين، هتجعدي هنا مع مين ولا ناوية تنامي في المستشفى.
– انت مالك انت انام في المستشفى ولا تحت الجطر، داخلك ايه بيا من اساسه؟
– يا بت يا جليلة الأدب
هدر بها، رافعًا كفه، يهم ان يضربها، ولكنها توقفت في الهواء بعد ان اوقفتها يد أخرى، اكثر صلابة وقوة:
– جرالك ايه يا عم جعيدي، هتمد يدك ع البت واخوها نايم في العناية جوا؟
انتفض الرجل من هيئة غازي، لترتخي ذراعه، ويخاطبه بضعف:
– ما هي اللي بتجل بقيمتي يا غازي يا ولدي، يرضيك يعني عمايلها دي؟ انا مهما كان برضوا ابوها.
اثرت كلمات الرجل عليه، ليرخي قليلًا من تحفزه، مراعيًا حقه كأب ، حتى وان كان لا يستحق. اما يوسف ف امام بكاء الأخرى، لم يقوى على كبت انفعاله:
– على فكرة حتي لو كنت ابوها، برضوا لازم تراعي حالتها ، مش شايف انهيارها ازاي على اخوها اللي هو سندها وكل دنيتها.
– انت بتجول ايه يا جدع انت؟ إنت مالك اصلا؟
هدر بها جعيدي نحو يوسف، والذي هم ان يواصل غير ابهًا بما يقال عنه من الجميع، ولكن غازي لحق عليه، ليسحبه ويبتعد عنهم بمسافة امنة بعض الشيء ليحذره هامسًا:
– اهدي بلاش فضايح، الراجل دا مخه تخين، مش ناجصين إشكال معاه.
– يعني عاجبك اللي بيعمله دا يا غازي؟
– يا سيدي مش عاجبني، بس ايه في يدي؟ دا ابوها الوحيد اللي فاضلها دلوك، وانا مهما كانت سلطتي، لا يمكن هجدر اتعدى ابوها
وف الناحية الأخرى كانت ورد ما زالت مستمرة في البكاء تضمها روح بحنان وحمائية، ليتدخل زوجها في محاولة لمهادنة الرجل الذي كان مصرًا بغباء على الذهاب بها:
– طب خلاص يا عم جعيدي، روح انت وخليها معايا، انا ومرتي هنجعد كام يوم كمان، حتى عشان لما اخوها يفوج يلاقيها جمبه
– جوله يا عارف بيه.
صاحت بها ورد تنزع نفسها من حضن روح، لتردف بانهيار:
– اسافر كيف البلد واخويا بين ايدين ربنا؟ انا لازم اجعد جاره عشان يفوج ، مليش مكان غير جمبه، انت بجى روح لعيالك ومرتك، ملكش دعوة بيا .
صاح جعيدي بعدم تقبل ف البقية:
– عشان تعرفوا بس ان معايا حق، طب بالزمة اسيبها كيف في بلد غريبة ببن واحد ومرته، معلش يا عارف يا ولدي، انت ومرتك على عيني وعلى راسي، بس انا بتكلم في الأصول، انت مهما كان برضك غريب عنها .
– طب ينفع مع جوزها؟
التف الجميع نحو صاحب الصوت، ليجفلهم يوسف بقوله:
– ورد مش هتفارق اخوها ولا البلد، ورد هتفضل مع جوزها اللي هو انا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى