روايات

رواية فرط الحب الفصل العشرون 20 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الفصل العشرون 20 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الجزء العشرون

رواية فرط الحب البارت العشرون

فرط الحب
فرط الحب

رواية فرط الحب الحلقة العشرون

بعد عدة أيام أصر ريان على تجميع أسرته مخصصًا يومًا أسبوعيًا يجتمع فيه الأخوة الثلاث بشركاء حياتهم متأثرًا بخطاب شقيقه الذي لفت انتباهه إلي التقصير الأسري المحاط بدائرتهم وسلبية وجودهم في حياة بعضهم البعض فقط وقت الضيق والمصائب.
فقرر أن يصلح الأوضاع بصفته الأخ الأكبر الذي يقع على عاتقه الاهتمام بترابطهم وقت الفرح قبل الشدة، وقد وضع خطة لتصويب أخطاءه نحوهم بإمساك لجام المسئولية في حياتهم والتعويض عن واجب أهمله عندما تخلى عنهم بسفره في أنانية بحتة باحثًا عن ذاته بعيدًا عنهما.
نعم كان يرسل لهم الأموال التي يحتجانها ولكن ما فائدة الأموال وقد أُرهقت القلوب بالوحدة والأحزان؟
ابتسمت “ريم” وهي تتذكر انفعاله أثناء حديثة عن “بيجاد” الذي يهمل زوجته ويدفعها بغبائه لأن تتركه، وقتها ودت “ريم” لو تخبره بانه لا يقل غباءً عن أخيه لكنها قررت الصمت راضية بالتغيير الطارئ على شخصيته القاسية في خطوة تترجمها في قاموسها بأنها خطوة طيبة كريمة لشخص أناني كان يبخل في الاعتراف حتى بمشاعره نحو أحبائه.
ورغم قساوة الوضع إلا إن هناك جزء مظلم داخلها سعيد بانه لم يقتصرها وحدها بهذا البخل العاطفي حتى أشقائه لم يسلما منه، ويمنحها هذا الشعور مبرر لمسامحته أكثر وأكثر، ارتبكت عندما سعلت وسام لتعيدها للواقع بعيدًا عن سارق أفكارها فقالت في توتر منتبهة للصمت الحاد بينهم:
-هجبلكم الفشار لحد ما ريان يوصل بالغدا.
تحركت في خفة فضربت وسام مرفقها بجسد ليان التي تعطيها ظهرها وتلاعب عمر، هامسة بفم مقلوب في عدم رضا:
-انتي بتهببي ايه، انتي كده بتحرجيها مش بتحسني الوضع بينكم.
-انا عملت أيه ؟
أنا سيباكم براحتكم وبلعب مع عمر.
ضربت وسام يدها على رأسها بنفاذ صبر لتخبرها:
-أكيد ريان لما عزمنا، مكنش عشان تلعبي مع عمر،
حقيقي انا بدأت أشك في ذكاءك خصوصًا بعد اللي عملتي مع أحمد.
وضعت ليان يدها فوق فمها بوجه شاحب تطلب منها الصمت لتوبخها:
-وسام بلاش تندميني اني حكيت عن حاجة، وانتي عارفة كويس اني مقصدتش اللي قولته لأحمد.
زفرت وسام في حنق وهي تعتدل على الاريكة تطالع الركن البعيد تتأكد من غياب ريم لتستكمل:
-يا مزغودة انا مش قصدي أضايقك بس أنتي تصرفاتك بتطلع عكس مشاعرك ودي مشكلة كبيرة يا ليان.
-خلاص بلاش كلام هنا أرجوكي.
توسلت ليان وهي تضغط فوق عينيها في حرج فأكملت وسام:
-ماشي بس حاولي تندمجي معانا أكتر، وأحمدي ربنا ان ريم بتتعامل مع الموقف كده، عارفه ده معناه أيه؟
-أيه؟
تحركت أعين ليان داخل مقلتيها بتفكير قبل أن تسألها في غباء، فضربت وسام أعلى رأسها مزمجره من بين أسنانها بنبرة خافتة:
-صبرني يارب، معناه انها بتديكي فرصة عشان الحياة ترجع طبيعية،
فحتى لو مرجعتوش زي الأول بس على الأقل هي عايزة تتعايش مع الموقف عشان خاطر أخوكي ولازم تظهري امتنانك مش تفضلي قاعدة زي اللوح كده.
صمت كلاهما في ارتباك عندما خرجت ريم التي عكست ارتباكهما بسبب صمتهم المفاجئ الذي يفشي بأنها كانت محور حديثهما، قاطعت وسام التوتر الذي ملء المكان بين ثلاثتهم قائلة:
-تسلم إيدك، ااه صحيح مكملتيش الست عملت ايه لما ريان طردها.
جلست ريم جوارها محاولة تفادي النظر إلي ليان ثم ابتسمت بخفة متذكرة تهليل سونيا الذي عقب طردها من المنزل مجيبة:
-ولا حاجة مشيت وبعدها خرجنا قضينا اليوم عادي.
-مجنونة مش مصدقة انك عرضتي عليه عروسة فعلًا بعد ما كنتوا خلاص.
قالت وسام وهي تضرب كف فوق الأخر، فبررت ريم في سرعة بابتسامة منتصرة:
-لا والله ما حصل، أنا آه كلمتها بس كان من فترة لما هو استفزني وقالي عايز عروسة،
بس هي اللي مجنونة وطبت علينا زي القضا المستعجل.
-أحسن عشان يحرم يضايقك تاني!
تدخلت ليان بابتسامة مترددة وقد عزمت على المحاولة والاندماج بينهما، فأرسلت لها ريم في أدب وهي تومأ رأسها بالموافقة.
-أنا هكلم ريان أشوفه اتأخر ليه؟
-قوليله اوعى ينسى يعدي على بيجاد يجيبوا معاه.
قالت وسام في لهجة سريعة متلهفة فضحكت ريم محركة رأسها بالموافقة.
******
وضع ريان الطعام داخل السيارة ثم تنفس الصعداء سعيد بتلقي طلبيته بعد أن تأخر المطعم كثيرًا في تسليمه، الهاهُ عن تذمره رنين الهاتف ليجيب سريعًا:
-عارف اتأخرت بس المطعم كان زحمة، اديني نص ساعة وهكون عندكم انا استلمت الأكل خلاص.
ابتسم وهو يتحرك بالسيارة قائلًا في صوت مُسكر ببحته الرجولية:
-طيب مش عايزة تقوليلي حاجة تانية؟
سقطت ملامح وجهه وهو يستمع لها ليخبرها في نبرة غليظة:
-بيجاد أيه دلوقتي، حاضر يا ستي مش هنساه!
صمت وارتفع طرف فمه في ابتسامه مسلية مستكملًا:
-براحتك يا ريم اتقلي عليا كمان، أنا سايبك بس عشان بحبك.
عض ريان شفتيه يعلم انه يعكس نفس حركتها فبرغم انه لا يراها لكن انفاسها المضطربة تصله وتؤكد له بأنه ان اغمض عينيه سيتمكن من تصور وجنتها الحمراء الخجلة واسنانها الصغيرة كاللؤلؤ تقبض على شفتيها تمنع كلماتها الحلوة عقابًا له، أخرجه صوتها الناعم من جنة خيالاته ليجيبها بنبرة تعكس الحرارة داخله لكنها نجحت في مداعبة قلبها:
-مش هتأخر يا ام قلب حنين.
ضحك عندما خرج أسمه من لسانها موبخًا في دلال طفولي قبل ان يغلقا الهاتف، كم يعشقها ويود لو يمحي الحياة وكل ذكرياتها ولا يبقى فيها سواهما ومشاعر حبهما.
-ايه السنترال ده!
تذمر في حنق عندما عاد رنين هاتفه من جديد لكنه تفاجئ برقم صديقه “بهاء” تعجب لكنه فكر بانه يريد في الاطمئنان عليه وعلى شقيقته بعد عودتهما وقد كان حاضرًا معهما في الخارج خلال أزمة شقيقته فأجابه في ترحيب:
-اهلا يا بهاء، أخبارك إيه؟
-الحمدلله بخير يا حبيبي، وأنت أخبارك إيه انت وأختك؟
-الحمدلله كل حاجة تمام.
-يارب دايمًا، أنا آسف لو بكلمك في وقت مش مناسب،
بس علاء لسه متواصل معايا وسألته عن الظرف بتاعك وقالي ان اللي استلم الظرف هو أخو مراتك.
انعقد حاجبا ريان في تعجب هامسًا:
-أخوها؟
بس ريم معندهاش أخوات!
-مش عارف هو قالي ان أخوها اللي استلمه منه.
قبض ريان على عجلة القيادة في قوة وعقله يصور له من يمكن أن يكون ذلك الأخ فسأل في حدة يحاول التحكم في غضبه المشحون:
-ممكن ابعتلك صورة تبعتها لعلاء وتقوله هو ده اللي استلمها منه ولا لا؟
-اه ممكن بس ابعت على طول قبل ما يقفل النت.
-على طول اهوه متقفلش.
ركن ريان سيارته على جانب الطريق في عجلة غير مبالي بأصوات السيارات المعترضة من حوله، عبث بهاتفه بضع لحظات طويلة حتى وصل لصورة من زفافه هو وريم يظهر في خلفيتها “أحمد” فأرسلها بأصابع مهزوزة وكأنه يخشى الإجابة قائلًا بصوت خشن:
-بعتهالك.
-تمام انا بكلمه اهوه هو لسه فاتح هبعتله الصورة حالًا، خليك معايا.
ساد الصمت وزاد التوتر والغضب مع كل ثانية تمر حتى صدح صوت بهاء القائل في نبرة مؤكدة:
-أيوة هو ده.
جز ريان على أسنانه في غضب وظهرت ملامح الازدراء على طرفي فمه المثني للأسفل في مواكبه مع أفكاره المجنونة التي بدأت تتملكه.
-ريان انت لسه معايا؟
سأل بهاء في حيرة فأجابه ريان بصوت أجش محمول بالكثير من المعاناة:
-متشكر يا بهاء، تعبتك معايا.
-لا ابدًا تعبك راحة، انت كويس؟
قال بهاء متعجبًا من التحول الذي طرأ على نبرة صديقه فأجابه ريان مطمئنًا إياه:
-ايوة انا كويس بس مضطر أقفل عشان اتأخرت وهرجع اكلمك من تاني.
-ماشي يا صاحبي، مع السلامة.
-مع السلامة.
أغلق ريان الهاتف ثم هبط من السيارة يجذب أنافس عميقة لتهدئه النيران المتصاعدة داخل صدره يحاول التحكم في تلك الذبذبات التي تحاول السيطرة على عضلات جسده المشنج.
كان يحاول السيطرة على الوضع داخله ولكن التصورات التي تتلاحق داخل كنف رأسه عن سبب وجود أحمد مع ريم ذلك اليوم…
أفكار بشعة بغيضة تجعله ثائر…
ثائر كثور حليم يتفادى ضربات إنسان خسيس يرغب في غرس السيوف في بدنه…
لكنه لا يجد مفر سوى بالغضب والاستسلام لرغبة غريزية مصوبة نحو تمزيق جسد ذلك الخسيس الجبان.
ضرب ريان قبضته بمقدمة السيارة ثم اتجه يركب سياته في حده مشغلًا المحرك في رتمٍ واحد مع الغضب داخله لينطفئ سراج العقل ويزمجر في توعد مرعب:
-أنت اللي فتحت على نفسك طاقة جهنم وريني ازاي هتلاعب الشياطين.
*****
وقف أحمد بوجه واجم يضغط أزار ماكينة الكاشير قبل ان يعطي زبائنه الباقي تاركًا “دعاء” ترافقهم للخارج، نظر لعقارب الساعة في بغض شديد كارهًا بطء حركة عقاربه واليوم الذي يطول وتطول معه جبروت هلوساته القاتمة.
زمجرة محرك سيارة بالخارج لفتت أنظاره ثم اتسعت عيناه وهو يطالع ريان الغاضب يترجل ويقطع الطريق في حزم بعيون تضيق كالصقر.
ارتفعت شفتيه في حقد تعميه طاقة سوداء من الكره مجسده نحوه متأكدًا ان قدومه ليس خيرًا فتلك النظرة التي يحدقه بها تعني انتهاء كل شيء فاندفع هو الأخر لمقابلته في منتصف الطريق بعيدًا عن الغوغاء داخل متجره.
وقف الرجلان وجهًا لوجه ومن يمر بينهما يشعر بالطاقة الهمجية التي تمتلك جوارحهم، كان ريان هو البادئ قاطعًا الصمت بصوته الرخيم الذي يعكس الوعيد في أعماقه:
-أسوأ حاجة في الدنيا ان الجبان يفتكر ان الرجولة لعب على الحبال.
جحظت عيون أحمد وعض فمه من الداخل ولذاعه كلماته تضرب وتر حساس دون قصد:
-لو هنتكلم عن الرجولة، فمش هسمعها من واحد ضاحك على واحدة ويقول بحبها عشان تربيله ابنه.
مد ريان ذراعه يمسك بتلابيبه قبل ان يدفعه إلى شارع جانبي ملاصق للمتجر دافعًا بجسده في عنف نحو الحائط هاتفًا من بين أسنانه:
-لو اتجوزتها عشان تربي ابني من غير ما احبها مكنتش استحملت وجودك ووشك النحس ده في حياتي!
-أنت اللي اقتحمت حياتنا، من البداية أنا وريم نصيبنا لبعض وأنا أحق بيها منك.
لا يدري كيف أتته تلك الشجاعة الوليدة ليتمكن بصراخ تلك الكلمات في وجه زوجها ولكنه يشعر كقنبلة موقوتة من التمرد والرغبة في إثبات الذات.
كان مغمور في اكتشافاته الداخلية المعقدة لدرجة لم يرى قبضة ريان التي التقت بقوة بفمه لتتناثر الدماء من شفتيه في لحظتها.
والألم الحاد الواثب في رأسه المرتطم بقوة في الحائط من خلفه منعه من رد القتال بشكل لائق لكنه حاول دفع “ريان” عنه دون جدوي فالأخير عاود بإمساك مقدمة ملابسة في قوة مزمجرًا في تحذير مباشر:
-إياك تجيب سيرة مراتي على لسانك يا جبان بعد ما خدعتها.
دوت ضحكة أحمد ليزيد ريان من خنقة في غل، قبل أن يخبره أحمد بخساسة حديثة العهد لم يعهدها داخله ابدًا:
-ومين قالك أني خدعتها وانه مش بمزاجها…امم؟
نقل ريان معصمه لعنق أحمد يمنع عنه الهواء في حركة هوجاء باصقًا حروفه في غضب :
-والمفروض أني أصدقك مش كده فاكرني مغفل عشان أصدق واحد فاكر ان من الرجولة انه يخوض في عرض واحدة ست.
ضحك ريان في سخرية مظلمة وهو يومأ رأسه خائبًا الرجا ممسكًا بعيون أحمد الغامضة مردفًا في خفوت كالفحيح:
-كان جوايا ليك شويه احترام لوقفتك مع ريم لكن بعد ما عرفت انك اللي فتحت الظرف وخدت الجواب عشان ريم متعرفش اني ردتها لعصمتي فتقدر تروح انت وتخطبها،
بقيت شايفك على طبيعتك … مجرد انسان مريض نفسي …. قابل على نفسه إنه يتجوز واحدة وهي على ذمة راجل غيره يا عديم الرجولة!
استشاط أحمد غضبًا عند سماعه لكلمات ريان المحتقرة وقد أثبتت له حروفه بأنه يعلم عن تفاصيله الكثير، شعر بالخيانة والغضب ورغبة قبيحة بالانتقام من ريم أخذت تكسو معالم نفسه، فضحك في غموض متوقفًا تمامًا عن المقاومة ممسكًا بعيون ريان في جمود ساخر ليدفعه ريان في حدة من جديد نحو الخائط يفرغ غضبه المشحون، متجاهلًا تساؤلات بعض العيون المارة بالطريق الرئيسي والمتعجبة من وضعهما المريب داخل الأزقة ثم قال في حدة:
-وليك عين تضحك يا مريض…
-مريض وماله….طالما ده اللي هيريحك وتقبل بوجودي في حياة ريم…
-تقصد إيه؟
سأل ريان الذي ابتلع شكوكه رافضًا الاعتراف بتلميحاته ولكن أحمد استغل انشغاله بالتفكير ودفعه عنه قليلًا قبل ان يعدل ملابسه رافعًا وجهها في نصف ابتسامة بغيضة متلاعبًا بعقلة:
-مش غريبة ان كل اللي بتفكر فيه اني أخدت الجواب في حين ان السؤال الأهم أنا كنت بعمل أيه في بيتك ومع مراتك ؟
صمت “أحمد” قبل أن تتسع ابتسامته المقيتة وهو يميل برأسه لليمين متابعًا جسد “ريان” المتحجر وعيونه الواسعة هامسًا في سعادة مرضية:
-يا مغفل !
انقض ريان نحوه كالحيوان البري الباحث عن مذاق الدماء ليتشابك الاثنان في عراك قاسي بالأيدي كأنهم يخوضون حرب شوارع ضارية.
انتهى بريان فوق جسد أحمد أرضًا يلكمه دون توقف بينما أحمد مستمرًا بركل ركبته في جانب جسد ريان في قوة حتى التم حولهما المارة في هلع وتم تفريقهم بنجاح فهتف ريان في صوت مخيف من بين أنفاسه اللاهثة:
-أبعد عني وعن بيتي وإلا يمين بالله ما هيكفيني فيك موتك … أنت سامعني …!
نفض أحمد أيادي من حوله ومرر لسانه على طرف فمه يتذوق دماءه قبل ان يخبره في تحدي:
-مش هتقدر تبعدني عنها لأني مش هسيبها ولو على موتي.
كاد يندلع الشجار من جديد ولكن مرور رجل من الشرطة وتدخله اجبرهم على التراجع وتم اقناعهم بالتفرق الودي.
ابتعد ريان نحو سيارته وكل جسده ينتفض في جنون مرعب من كلمات أحمد الحارقة نعم لا يرغب في أن يتملكه الشك من جديد ولكنه رجل من لحم ودم ووجود أحمد داخل منزله مع زوجته في سفره ليس أمرًا طبيعيًا.
انطلق بالسيارة غير مهتم بزئير المحرك الذي يحاكي الزئير الصامت داخل صدره وكل ما يرغبه هو مواجهة زوجته حتى تجد رجولته المجروحة بضعًا من السكينة ويرتاح قلبه.
*****
تعجب “بيجاد” عندما رفض شقيقه الكثير من اتصالاته وعندما تأخر تملكه القلق والتوجس فتوجه بمفرده إلى منزل ريان، ترجل من سيارته البسيطة يحكم إغلاقها قبل ان ينتبه لسيارة أخيه التي تدلف للشارع في سرعة جنونية غير عابئ بالأخطار.
ركض نحوه وهو يترجم التشنج المسيطر على لغة جسده وجفونه الضيقة التي تكاد تتقابل في غضب هاتفًا:
-ريان، في أيه؟
نجح في ايقافه ثانية واحدة قبل ان يتجاهله ريان ويبدأ في رحلته للمبنى فلحق به راكضًا يجذب ذراعه يمنع تقدمه في تساؤل قلق:
-في أيه يا ابني مالك زي المجنون ليه كده؟
-أحمد هو اللي فتح الظرف وخد الجواب عشان ريم متعرفش اني ردتها لعصمتي.
قذف ريان كلماته في اشمئزاز واستدار متابعًا تقدمه مستجيبًا لكل خلية تنتظر تبرير زوجته فأمسكه “بيجاد” من جديد داخل المبني:
-ممكن أفهم انت ناوي على ايه وليه متعصب كده ما أنت عارف إنه سبب المصايب!
دفع ريان جسد بيجاد من امامه في غضب ولكنه تمسك بموقفه دون ان يتزحزح هاتفًا من بين أسنانه:
-قولتلك مية مرة متطلعنيش من حياتك وقولي الحوار من البداية خليني أساعدك.
تحرك ريان نحو اليمين واليسار غير قادر على السكون والتوقف في مكانه وهو يشدق كلماته في سرعة وحده النصل:
-اللي حصل اني روحت واجهته منكرش بالعكس ده وقف في وشي يضحك ويتبجح بانه كان في بيتي ويا عالم كان بيهبب ايه فيه.
اتسعت أعين بيجاد مصدوم من التدني الذي وصل به أحمد، تابع حركة أخيه الجنونية وعذره فمن يسمع تلك الكلمات ويبقى هاديًا ولكنه أستطرد في نبرة متأنية:
-ريان أنت لازم تهدا عشان بتسرعك ده من غير تفكير هتعيد نفس غلطتك الأولى وترجع للخانة صفر في علاقتك مع ريم،
لازم يكون عندك ثقة في مراتك ولو مش عندك يبقى تبعد عنها نهائي وتريحها وترتاح.
أمسك ريان برأسه يعصر الآلام داخلها قبل ان يخبر شقيقه في حده:
-أنا مش ههدى قبل ما اتكلم معاها وافهم ايه اللي حصل بالظبط،
اطلع خد البنات وعمر وروحوا، وسيبني معاها شوية.
-طيب والجثة؟
سأل بيجاد ساخرًا فرمقه ريان في تحذير قائلًا من بين أسنانه:
-لو في جثة هتبقى جثتك لو مبطلتش استخفاف!
ابتعد “بيجاد” خطوتين رافعًا يديه في استسلام لينطلق ريان راكضًا على الدرج كمن تلاحقه النيران، سب بيجاد حياتهم التي لا تخلوا من الأعباء وركض خلفه يتبعه وينفذ ما طلبه منه.
فتح ريان باب المنزل في صعوبة بأصابع متصلبة في غضب ثم دخل يبحث عن ريم، انتبهت “وسام” لحضوره اولًا فاستقامت مبتسمة بترحيب ولكن تلك الابتسامة اهتزت وهي ترى نظراته السوداوية وسمعت صوته الرخيم:
-فين ريم؟
-في المطبخ..
وقفت ليان تنظر إلي وسام في تساؤل متعجبة شقيقها الراكض نحو المطبخ دون أن ينتظر نهاية حروفها وشعر كلاهما بالخوف والتوتر خاصة عندما اندفع “بيجاد” خلفه بشفاه مضغوطة في خط رفيع وعيون قلقة قائلًا:
-هاتي عمر ويلا بينا دلوقتي.
*****
-ريم….
كادت تسقط الصحون التي تجهزها ريم للغداء من يدها عندما علا صوت ريان الغاضب من خلفها فاستدارت نحوه هامسة في خوف كغزال عالق وسط الزحام:
-نعم، في أيه؟
تجاهل ريان رعشة الخوف التي مرت بأطرافها قبل أن يلف أصابعه القوية فوق معصمها الصغير قائلًا من بين أسنانه:
-تعالي معايا ..
-ريان جَررني على فين والناس برا.
لم يجيبها وانطلق للخارج ليوقفه بيجاد في محاولة أخيرة قائلًا:
-براحة عشان هتندم.
-برا كلكم دلوقتي حالًا وسيبوني لوحدي مع مراتي.
شعرت ريم ان ساقيها على وشك خيانتها وتركها للسقوط، نظرت بتيه نحو “بيجاد” تريد ان تفهم ماذا يدور وفي ماذا أخطأت حتى يعود زوجها لطريقته البرية الهوجاء.
لم ينتظر ريان خروجهم وجذبها خلفه يدفعها نحو غرفتهم قبل ان يحكم إغلاقه بالمفتاح.
اندفعت ريم بضع خطوات للداخل وكاد يختل توازنها من عنف دفعته لكنها حافظت على توازنها والتفتت تنظر نحوه بوجه شاحب وقلب يدق في عنفوان ولسان ألجمه الخوف فصار لا يقدر على الاعتراض أو حتى السؤال.
-أحمد كان بيجيلك البيت وأنا مسافر؟
رمشت أكثر من مرة تحاول استيعاب كلماته داخل عقلها قبل ان تتحرك عينيها بتفكير داخل مقلتيها موشية عن الحقيقة لعينيه المتفحصة لأدق تفاصيلها دون أن تنطق، فأقترب ريان منها رغم إصرارها على التراجع من امامه هامسًا في نبرة هادئة:
-كان بيجي ليه همم؟
أبعدت نظراتها عن عيناه السوداء التي تخيفها كثيرًا في تلك اللحظة بنظراتها الحارقة وتلعثمت قائلة:
-كان بيجي عشان أرضى أنزل.
اقترب منها ريان وعندما مل من تراجعها المستمر مد ذراعه يجذبها نحوه في قسوة كاسبًا شهقة مرتعبة من بين شفتيها، أحكم ذراعه في قوة ألمتها حول خصرها مثبتًا إياها في أحضانه لكنها أصرت على ابعاد وجهها عن مرمى عينيه المتهمة لها بجريمة لا تعلم ما هي.
شعرت ب “ريان” يرفع إصبعه يلفه حول إحدى خصلاتها المتمردة قبل يميل يستنشق عطرها مستشعرًا كأن الجنون قد تلبسه مشجعًا إياها على الاستكمال بصوته الغريب الهادئ بطريقه أثارت رعبها وهزت أطرافها أكثر وأكثر:
-كملي، كان بيراضيكي ازاي وانتوا لوحدكم في بيتي..!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى