روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخمسون 50 بقلم نورهان آل عشري

موقع كتابك في سطور

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخمسون 50 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الخمسون

رواية في قبضة الأقدار البارت الخمسون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الخمسون

لا بأس إن أخطأنا بإختيارنا لبعض الأشخاص، لا بأس إن ظننا أن بعض العلاقات قد تدوم للأبد. لا بأس إن قدمنا قلوبنا قربان لمن ظنناه سيُعطيها قدرها ولكنه تفنن في إزهاقها، ولكن كل البأس يكمُن في أن نظن بأن الحياة ستقف عند هذه النقطة، وأن كل البشر سيئون. فذلك الظلام الذي يحيط بنا لابد وأن يتبعه شروق شمس الأمل على قلوبنا لتُعيد إليها السكينة والطمأنينة من جديد.

نورهان العشري ✍️
رواية (تردى في العشق قتيلًا – ورقي -)

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

بعد مرور أسبوع

لم يكن الذنب ذنبي بل كان قدرًا معتدًا لم أقوى على عصيانه
واخترت بكامل أرادتي أن أموت بعينيك حامله بقلبي سرًا لا يسعني سوي كتمانه..
كم كان الأمر مؤلمًا أن أفارق و بقلبي حنين و شوق و حلم لا يقوى قلبي على تجاوزه أو حتى نسيانه..
ليتني لاقيت حتفي بين يديك ولا اهلك بقلبك الذي لم أشتهي في الحياة سوي العيش بين بُطينانه؟
تُري يا حبيبي هل ستغفر يومًا؟ وهل تُبسِط لقلبي الأمل أن يحيا بعد أن أهلكه الذنب وشانه؟
ذريعتي الخوف و ذنبي هو الضعف و جزائي لا استحقه و قلبي يتضرع و ينشد بين ذراعيك الأستكانة …

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

بخطٍ مرتجفة توجهت إلى باب الغرفة و قامت بفتحه بأنامل مرتعشة تحكي هول ما يعتمل بداخلها فوجدت الغرفة مظلمة إلا من نور بسيط ينعكس على ذلك الجسد الذي يتكئ على الأريكة المقابلة للشرفة فزفرت بتعب قبل أن تقول بنبرة مهتزة:
” ياسين .. جيت من بره امتا؟”

اخترق أذنيها صوت تنفسه الحاد والذي كان غلافًا لمحاولته في التحكم في غضبه العنيف فتقدمت منه خطوتين قائلة بنبرة أقوى :
” ياسين مش بكلمك ؟”

” كنتِ فين طول النهار ؟”
رغمًا عنها تراجعت خطوة للخلف لا تعلم بسبب رعبها منه أم قوة دقاتها الهادرة هي من جعلتها تتراجع ولكنها حاولت الثبات وتحمحم بخفوت قبل أن تقول بإرتباك:
” كنت.. كنت. مع بنات أصحابي ..”

نصب عوده و وثب قائمًا يتقدم منها بأعين يلتمع بها شيء غريب لم تره من قبل بينما كانت ملامحه مشدودة بطريقة بثت الذعر بقلبها و خاصةً حين تحدث بهسيس مرعب:
” وأنتِ في كام يوم لحقتي عملتي أصحاب هنا؟”

كان الأمر مُريبًا و الهواء معبًأ برائحة الغضب الذي يتجلي بعروق رقبته البارزة و صدره الذي يعلو و يرتفع و كأنه يتشاجر مع أنفاسه ولكنها تجاهلت ذلك كله و ارتدت قناع القوة وهي تقول بغضب يغلف خوفها الكبير :
” هو أنت بتحاسبني ولا إيه يا ياسين ؟ اه عملت أصحاب و خرجت معاهم إيه المشكلة ؟”

شوهت ملامحه إبتسامة مروعة و اشتدت قبضته وهو يتمتم بسخرية مريرة:
” صح فين المشكلة ؟ أقولك أنا فين المشكلة ؟”

قال جملته الأخيرة تزامنًا مع ارتفاع كفه بالهواء ليسقط بقوة فوق وجنتيها مما جعلها ترتطم بقوة في الأرضية الصلبة فلم تكد تتغلب على صدمتها حتى تفاجئت به يعتليها برأسه و يديه تمسكان بخصلات شعرها تكاد تقتلعه من مكانه وهو يهدر بغضب جنوني:

” اه يا كلبة يا رخيصة يا كدابه… بتكذبي عليا وأنتِ عينك في عيني .. يا قذرة دانا شايفك بعيني وأنتِ في حضن واحد غريب .. يا قذرة …”

لم تبالي بصفعته الثانيه و توقف الكون بها إثر جملته فخرج الكلام من شفتيها دون وعي:
” أنت شفتنا ازاي ؟”

انشق قلبه لنصفين فكان الألم لا يحتمل و كأنه يتقيئ روحه و هو يتخيل هذا المشهد الذي روع قلبه و هي بين أحضان آخر

عودة الى وقتًا سابق

كان يقف مع أحد زملائه بالعمل في المبنى الرئيسي للكلية وإذا بعينيه تلتقمان تلك التي كانت تهرول الى خارج المبنى هائمه علي وجهها حتي أنها لم تستمع الي نداءاته فاستأذن من صديقه و خرج خلفها فتفاجئ بها تخرج من البوابة الرئيسية للجامعة فاختلط بقلبه الفضول و القلق معًا و توجه يتبعها الي أن خرج فلم يجدها أمامه فظل يتلفت حوله باحثًا عنها فإذا به يشعر بطلق ناري يجتاح صدره حين وقعت عينيه عليها في الطرف الآخر من الطريق تحتضن رجل آخر في وضح النهار و أمام العالم أجمع !
ألم هائل اجتاح صدره حتي أفقده التنفس للحظات انحبست أنفاسه المحتقنة داخل صدره الذي تعاظم به الألم حتي كاد أن ينفجر وهو يراها تُشدِد من عِناقِها لذلك الشاب الذي كان يعطيه ظهره و لم يكد يتجاوز صدمته حتي وجد الشاب يمسكها من رسغها يجرها خلفه و يستقلون سيارة أجرة منطلقين في وجهه غير معلومة بالنسبة له فجن جنونه و هرع الي سيارته و أخذ يدور بها باحثًا عنهم في البلد بأكملها بأقصى سرعة يمتلكها حتي كاد أن يدهس أكثر من ثلاث أشخاص في مرات متفرقة من فرط غضبه الممزوج بألم قاتل وهو يتخيل ماذا تفعل زوجته مع هذا الرجل ؟

جن جنونه أكثر عندما لم يجد لهما أي أثر حتي أنه حاول الاتصال بها مرات ومرات فلم تجيبه فلم يعد يحتمل ما يشعر به و توقف بسيارته أمام الشاطئ الذي هرول إليه بخطْ مبعثرة تحكي مقدار الثقل الهائل الذي يرسو بصدره فلم يعد يحتمله أكثر من ذلك فأخذ يصرخ حتي جُرِحت أحباله الصوتية و قام بسحب رابطة العنق التي يرتديها و إلقائها ثم فتح ازرار قميصه العلوية فلم يعد يصل الهواء إلي رئتيه فكادت أن تنفجر لولا شلال العبرات الذي تدفق من مقلتيه فخفف من وطأة عذابه الفاحِش فتهالك جسده وخر علي ركبتيه ينتحب بصمت و مشاهد مروعة لزوجته بأحضان رجلًا آخر تجتاح عقله الذي لم يعد يحتمل فأخذ يضرب علي رأسه بقوة حتي يوقف هذا الفيلم المرعب الذي سيقضي عليه بأشنع الطرق .. وهكذا ظل قابعًا في مكانه وقتًا طويلًا لا يعلم مدته الي أن هب من مكانه ينوي الذهاب الي البيت و داخله عزم علي شئ واحد كان هو الحل القاطع لما حدث !

عودة إلى الوقت الحالي

سرعان ما تحول الألم الهائل الذي يعصف بصدره الي غضب مرير تعدي مرحلة الجنون فخرج كل شيء عن السيطرة و صاح بصوت هز أرجاء البيت:
” دا كل اللي هامك يا رخيصة .. يا كلبة .. أنا هموتك و أغسل عارك …”

كان يصرخ بعنف ويديه تقبضان على عنقها يعتصرها بقوة جعلت من مرور الهواء إلى رئتيها أمرًا مستحيلًا وقد تضاعفت قوته بفعل الغضب لتجعل من مقاومتها له أمرًا مستحيلًا فاستسلمت لنهايتها القاتمة وكان آخر ما شاهده بعينيها هي نظرات إعتذار لم تستطيع الشفاة التعبير عنه
” يالهوي بتعمل ايه يا ياسين أتچننت ..؟”

هكذا صاحت «تهاني» التي سمعت صوت «ياسين» الغاصب فهرولت لتري ماذا يحدث و إذا بها تجده كان قاب قوسين أو أدني من أن يجهز علي زوجته !
بصعوبة استطاعت تخليص «حلا» من يديه والتي اخت تسعا بقوة وهو يناظرها بسهام مشتعلة اختلط بها الاحتقار و الألم معًا ولم يجيب علي تساؤلات والدته التي أخذت توبخه بغضب
” حوصول ايه عشان تعمل في البنته أكده ؟ دي الأمانة الي أهلها امنوك عليها يا ضكتور؟ “

كان يطحن أسنانه بغل وهو يمنع سيل العبرات من المرور عبر شفتيه لا يريد الإفصاح عن جُرمها أمام والدته يشعر بالخزي منها و من ألمه و غضبه و ثورة مشاعره التي تكاد تقتله في تلك اللحظة..
” أنا خارج ارجع الاقيكي لميتي شنطة هدومك و غورتي في ستين داهيه من هنا . مبقتيش تلزميني …”

هكذا تحدث بقسوة تطل من عينيه و تتجلي في نبرته و قد عزم علي التخلص منها و من عار قلبه الموشوم بعشقها فاوشك علي إطلاق سراحها من أسر زواجهم
” أنتِ طا….”
” اجفل خاشمك و إياك تنطوجها يا ولد …”

ارتعب الجميع من صوت «عبد الحميد» الذي دخل الي الغرفة في التوقيت المناسب ليحول دون وقوع الكارثة وسط شهقات «حلا» التي ارتفعت حتي اوشكت أن تمزق جوفها واخذ جسدها يهتز بقوة بين يدي «تهاني» التي أخذت تشدد من احتضانها بشفقة علي حال تلك المسكينة التي كادت أن تُزهق روحها قبل لحظات
” أنا حر يا جدي و هي معدتش تلزمني.. “

هكذا تحدث بنبرة حاول أن تتضمن اكبر قدر من القسوة التي كانت الستار الوحيد الذي يخفي خلفها ألمه الهائل فصاح «عبد الحميد» بحدة
” كنك چنيت ولا اي ؟ ايه الحديت الماسخ ده ؟ كنه الچواز و الطلاج لعبة ولا اي؟”

طفح الكيل و تعاظم الغضب بداخله حتي أظلمت عينيه فصاح بشراسة
” انا قولت اللي عندي . أنا بكرهها مبقتش عايزها . كلم أهلها ييجوا ياخدوها. ارجع ملاقيهاش وإلا وعزة جلالة الله لهكون دافنها هنا …”

انهي كلماته و هرول للخارج مارًا بجده الذي فطن إلي أن الأمر جلل فحفيده ليس بشاب طائش ليفعل كل هذا دون أسباب قوية لذا لم يجادله و تركه حتي يهدأ قليلًا ثم القي نظرة جامدة يشوبها الشفقة علي تلك التي كانت ترتجف بشدة بين احضان «تهاني» وقد علا صوت بكائها مما جعل «تهاني» تشاركها البكاء وهي تقول بنبرة متحشرجة
” جوليلي حوصول ايه يا بتي؟ انا عمري ما شوفته أكده أبدًا .. طمني جلبي و جوليلي في ايه ؟”

رغمًا عنها ارتقت نظراتها الي «عبد الحميد» الذي كان الفضول يقرضه لمعرفة ماذا حدث ولكن ما أن رآي نظراتها حتي تراجع إلي الخارج بصمت فما أن سمعت «حلا» صوت إغلاق الباب حتي التفتت الي «تهاني» وهي تقول بلهفه
” أنا واقعه في مصيبة يا طنط . و مش عارفه اعمل ايه ؟ “

«تهاني» بذعر
” حوصول ايه يا بتي مصيبة ايه كفانا الله الشر.. جولي سيبتي ركبي ..”

أغمضت عينيها تتذكر الساعات القليلة الماضية التي قلبت حياتها رأسًا علي عقب ..

عودة لوقت سابق

جالسة بالقاعة تدون أحدي المحاضرات فوجدت رقم مجهول يتصل بها فلم تعيره انتباه في البداية و تابعت ما كانت تفعله ولكن تفاجئت من رسالة نصية تصل إلي هاتفها فالتقطته تري فحواها الذي جعل حواسها كلها تتأهب
” حلا ردي عليا ضروري عايزك في حاجه تخص اخواتك ..”

داهمتها حوافر القلق واحتارت ماذا تفعل ؟ و ما أن رن الهاتف مرة أخرى حتي انصاعت لفضولها القاتل و أجابت ولكن دون ان تتفوه بحرف و فجأة شعرت بالدنيا تدور بها حين سمعت صوتًا تحفظه عن ظهر قلب
” حلا . “

نفي عقلها تلك الحقيقة المستحيلة بينما أكدها قلبها الذي لم يخطئ في معرفة أحبابه
” ردي عليا يا حلا .. انا عارف انك مصدومة بس دي حقيقة انا لسه عايش مموتش ..”

تخبطت سحب عينيها بقوة فأمطرت بينما كل خلية بجسدها ترتجف فوصله صوت بكائها فصاح بنبرة مختنقة
” بالله عليكِ تردي عليا .. اقولك لو مش مصدقاني انا قدام الجامعة عندك اخرجي من البوابة هتلاقيني واقف الناحية التانيه . تعالي و أنتِ هتتأكدي بنفسك ..”

قادتها قدماها الي حيث وصفه وهي في حالة من اللا وعي و كأنها منومه مغناطيسيًا فلم تسمع نداءات «ياسين» لها فقد كان قلبها يقودها إلي الخارج بلهفة جعلت دقاته تتخطي المليون دقة في الثانية الواحدة ..
توقف بها الزمن للحظة وهي تري ذلك الظل الذي لم تخطئ عينيها في معرفة صاحبه ..
كان الامر دربًا من الجنون فلم تتمالك نفسها و هرولت غير عابئة لا بالسيارات التي كادت أن تدهسها ولا بصراخ الناس فقط تريد أن تتلمس ملامحه تستنشق رائحته ..
هل خابر أحدكم هذا الشعور ؟
شعورًا لا يضاهيه أي شعور في العالم.. أن يعود ذلك الغائب الذي هلك الفؤاد حزنًا علي رحيله ؟
أن تري فقيدك الذي جفت ينابيع الدمع ألمًا علي فراقه و اهترأت الروح لوعةً له و اشتياق ؟
(ياليت الغائبون يعودون يومًا 💔 رحم الله فقدائي و فقدائكم و جعلهم في الفردوس الأعلي )

عناق طويل وقوي كاد أن يحطم صدورهم و بكاء حار جعل المارة يتلفتون إليهم ولكنهم لا يأبهوا لذلك فقد طال الشوق و تعاظم بالصدور حتي أضناها ولكن همسات الناس من حولهم جعلته يتراجع عنها وهو يقول بتوجس
” تعالي معايا نمشي من هنا عايز اتكلم معاكِ ..”

لم تفطن الي ما حدث فإذا به يأخذها ليستقلوا سيارة أجرة انطلقت بهم الي وجهة لا تعلمها فالتفتت تناظره بعد أن استعادت بعضًا من هدوءها و تيقظ عقلها لحقيقة عودته فقالت بصوت مبحوح من فرط البكاء
” انت ازاي مموتش يا حازم ؟ و كنت فين كل دا ؟ و ايه اللي حصل ؟”

سقط في بئر الهاوية الذي صنعته يداه فلم يعد يعلم من اي خطيئة سيبدأ لذا قال باستهلال
” الموضوع كبير و يطول شرحه يا حلا .. المهم عايزك تعرفي اني مظلوم و كنت ضحية لناس عايزين يأذوا اخواتك ..”

جن عقلها من حديثه فصاحت بغضب
” انت كدا بتفهمني ولا بتقلقني و تلخبطني اكتر ..”
صرخ بتأفف
” حلا اسمعيني مش وقت استجوابك . قولتلك هحكيلك علي كل حاجه .. “

قاطعته بحزم
” احكي سمعاك .. ”
مسح صفحة وجهه بيدين ترتجف من فرط التوتر ثم هدر بيأس
” أنا كنت مسافر بره ..”

“و بعدين ..”

نكث رأسه في خزي وهو يقص عليها مقتطفات من جرائمه
” كان في بنت . وانا مكنتش في وعيي و بعدين فوقت لقيتها غرقانه في دمها. انا مكنتش حاسس بحاجه اقسم بالله.. معرفش ازاي عملت كدا . “

«حلا» بذهول
” بنت! انت تقصد جنة ؟ ولا دي بنت تانيه غيرها ؟”

ضيق عينيه حين سمع اسمها ثم قال بحشرجة
” لا . دي واحدة تانيه .. صدقيني أنا ماكنش قدامي حل غير اني اهرب .. انا .. انا “

برقت عينيها من حول ما استشفته من حديثه فقد اخذت ترتب قطع الأحجية حتي وصلت إلي حقيقة مروعة فخرجت كلماتها مذبوحة الأحرف حين قالت
” انت ايه يا حازم ؟ ”
صاح مدافعًا عن جُـرمه العظيم
” أنا هربت عشان كنت خايف عليكوا من الفضايح ..أنتِ و اخواتك و ماما .. ماما كانت اكيد هتموت فيها لو عرفت حاجه زي دي.. خوفت عليكوا …”

تناثر القهر من عينيها علي هيئة عبرات أحرقت صفحة وجهها بسخونتها كما أحرقت كلماتها المشتعلة جوفها حين صاحت به
” خوفت علينا . بقي كل العذاب اللي عشناه و المرار الي دوقناه و احنا بندفنك بإيدينا و تقولي خفت علينا.. و ماما اليي كانت بتموت مننا و دخلت المستشفي كام مرة تقولي كنت خايف عليها ! دا انت لو قاصد تموتها مكنتش هنعمل كدا .. انت ايه شيطان .. ؟”

قالت جملتها الأخيرة صارخه حتي احترق قلبها فاحرقته حين صاحت وهي تضربه علي صدره بقبضتيها وهي تصيح بقهر
” ياريتك ما رجعت ..ياريتك كنت فضلت ميت .. ياريتك فضلت ميت .. ياريتك ما رجعت.. علي الاقل كنت هفضل احبك و حزينه عليك العمر كله .. “

حاول تهدئتها قدر الإمكان فصوت بكائها كان ينخر في عظام رأسه و لم يعد يحتمل لذا قال بيأس
” الله يخليكِ تسمعيني . أنا مقداميش حد غيرك يساعدني .. انا هضيع يا حلا . ابوس ايدك سامحيني ..”

ناظرته بعينين يقطر منها الذهول و الاستفهام الذي انبثق من شفتيها علي هيئة حروف مبعثرة
” اساعدك ؟ انت عايز ايه ؟”

صاح بلهفه
” عايزك توصليني بسالم و سليم بعد ما تحاولي تحنني قلبهم عليا شويه . والله مكنش ذنبي دا ناجي الكلب هو اللي دبر لي كل دا .. “

” ايه ؟ ناجي ابو سما ؟ ”
هكذا استفهمت بصدمة لونت معالمها فأجابها بتأكيد
” ايوا هو …”
قاطع استرساله في الحديث رنين هاتفه فما أن رأي المتصل حتي أطلق سُبة نابيه من بين شفتيه قبل أن يجيب بتأفف و يبدو أن ما سمعه علي الطرف الآخر أثار جنونه لذا هدر بقوة
” المرة دي اقسم بالله هقتلك يا ناجي .. استناني و اياك تعمل اي حاجه انا جايلك ..”

اغلق «حازم» الهاتف فصاحت بذعر
” في ايه يا حازم ؟ عايز منك ايه الراجل دا ؟’

«حازم» بلهفه
” أنا هروحك دلوقتي واوعدك هكلمك و هجيلك تاني نكمل كلامنا. لكن أنا لازم امشي دلوقتي عشان الحق ابن الكلب داقبل ما يضيعنا كلنا ..”

صاحت بعويل
” ابوس ايدك عرفني في ايه انا هموت من الرعب ..”
«حازم» بطمأنه
” متخافيش . اوعدك كل حاجه هتتحل .. بس أنتِ اوعي تقولي لحد انك قابلتيني و خصوصًا جوزك دا ممكن يقتلني ..”
” يا نهار اسود .. طب و الحل ..”
اخذت تلطم خديها بذعر فصاح بها معنفًا
” بطلي لطم بقي و اسمعي اللي قولتلك عليه . و أنا هكلمك في اقرب فرصة ..”

عودة الي الوقت الحالي

أنهت «حلا» سرد ما حدث وهي تقول بقهر
” ياسين شافني وأنا حضناه و افتكرني بخونه…”
” يا مُري .. بتجولي ايه . بجي حازم لساته عايش ؟ دي مصيبة و حلت فوج روسنا .. ”
هكذا صاحت «تهاني» بعد أن قصت عليها «حلا» ما حدث و أخذت تولول فاوقفتها «حلا» قائلة من بين انهيارها
” ابوس ايدك متعمليش كدا .انا قولت أنتِ الوحيدة اللي هتساعديني ..”
«تهاني» باستنكار
” اساعدك ! اساعدك في ايه ؟ ده مرار و هيحوط علينا كلاتنا. و اول اللي هيطوله المرار الطافح ده البنية الغلبانه اللي بجت متچوزة اتنين دلوق.. ولا اخوكي إلى عيعشجها هيعمل ايه ؟ ولا ولدي . اه علي ولدي اللي مش هيمرجها واصل .. يامري ياني .. يا مري ياني ”
صاحت «حلا» في محاولة منها لتهدئها
” مانا بحمد ربنا أن ياسين شافه من ضهره . و إلا كان ممكن يرتكب جريمة قتل ..”

«تهاني» بسخرية
” ماهو كان هيرتكب ياختي . ماني شايله يده من فوج رجبتك و أنتِ بتطلعي في الروح ..”
اخفضت رأسها بألك وهي تتذكر نظراته الكارهه و المحتقرة لها و قالت بألم
” ياريتها تيجي علي قد موتي و كان كل شئ يتحل .. “

«تهاني» بغضب مقيت
” و ابني يبجي جتال جتلة عشان خاطرك أنتِ و اخوكي؟”
التف طوق الذنب حول عنقها حتي كاد أن يخنقها فقالت بقهر
” متقلقيش انا هخرج من حياته و همشي قبل ما يرجع زي ما هو قال ..”

صرخت بها «تهاني» و قالت بصرامة
” اجفلي خشمك و بطلي تخربطي بالكلام . أنتِ مهتخرجيش من هنا واصل .. سامعه يا بت الوزان .. “

«حلا» بذهول
” أنتِ بتقولي ايه ؟ دا حلف لو رجع و لقاني هيموتني..”
«تهاني» بصرامة
” مش هيجدر يعمل أكده . لكن لو عرف أن المحروس اخوكي لساته عايش هيبجي بحر دم مالوش آخر . جعادك هنا الحل الوحيد اللي هيمنعه أنه يعمل اي حاچة.. ”
فطنت الي ما تقصده «تهاني» و اخفضت رأسها بألم فما حدث لا يصدقه عقل و كذلك القادم سيكون سئ علي الجميع و من بينهم هي و تلك المسكينة «جنة» …

★★★★★★★★

الإيمان قوة لا تقهر . لا يضام من آمن قلبه بأن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا . و الصبر على الابتلاءات هو أشد أنواع الإيمان . و إختبار ل معادن القلوب التي إما أن تضِل و تسير هائمه في دروب العبث و اللهو أو تنشد أصعب الحلول و أشقها وهو الصبر.

كان طريق الوصول سهلًا للحد الذي يبعث الريبة في النفوس بأن القادم لن يكُن هينًا.
اندفعت سيارات الدفع الرباعي عبر البوابة التي كانت مفتوحة على مصراعيها و كأنها في انتظارهم !
عادت به الذاك
لم يكُن هناك الكثير من الحرس وكأن من بالداخل يعلم مقدمًا بأنهم لم يأتوا لسفك الدماء أو ما بحوزته يغنيه عن استعمال السلاح !
” اول ما اديك الإشارة تخلي القوات تهجم . في حساب لازم اصفيه معاه الأول ..”

هكذا تحدث 《سالم 》إلى《صفوت》 الذي تفاجئ به يترجل من سيارته في آخر صفوف السيارات وهو يزمجر بغضب :
” قصدك نصفيه يا ابن اخويا .. عمك مش عيل .. هيسيبك تدخل تنقذ بنته و مراته وهو واقف بره مستنيك ..”

زفر 《سالم》 حانقًا :
” هتقدر تتحكم في اعصابك ؟”
《صفوت》 بقسوة:
” هو ونصيبه ..”

كانت تلك آخر كلمة تفوه بها و هو يقف أمام 《سالم》 و 《طارق》 الذي هدر بعنف :
” لازم نهايته تبقي عبرة يا سالم .. اللي عمله الكلب دا مش قليل ! “

يعلم جيدًا مقدار ما يجيش بصدورهم من غضب لذا صاح مُحذرًا :
” مش عايز دم .. ولا اسم ناجي الوزان يتذكر اللي جوا دا دانيال روبرت .. ومش هسمح بأي خساير! مفهوم ؟”

ردد الجميع ما عداه فشدد على كلماته بنبرة أعنف:
” صفوت ؟”
قست عينيه و شابهتها لهجته حين قال :
” قول يارب ..”

تقدم 《سالم》 بعينين سوداء يغلفهما الغضب و بدا و كأنه يتشاجر مع خطواته فقام بركل الباب الداخلي لهذا المبني المقيت و كلًا يحمل سلاحه و خلفهم مجموعة كبيرة من الرجال المُدججين بالسلاح فوجدوا القاعة خالية تمامًا بها درج كبير يصل للاعلي و على الجانب الأيسر يوجد ثلاثة أبواب مغلقة وعلى الجانب الأيمن ثلاثة أبواب أخرى و ساعة حائط كبيرة و التي كانت تدق بشكل مُثير للأعصاب فمشط 《سالم》 المكان بعينيه بصمت دام لدقائق فلم يتمالك 《طارق》 نفسه وقام بالتصويب على تلك الساعة اللعينة و فجأة سمعوا أصوات الأبواب و النوافذ المُحيطة بهم تُغلق و غمر الظلام المكان من حولهم . فقام الثلاث رجال بشد أجزاء أسلحتهم تحسبًا لأي شيء فتفاجئوا بدائرة ضوء تنحدر من أعلى الدرج أمامهم و بداخلها أكثر الأشخاص بغضًا لثلاثتهم!
” يا أهلًا بالحبايب .. متجمعين عند النبي (عليه أفضل الصلاه واذكى السلام) ان شاء الله “

انكمشت ملامحه غضبًا لدى سماعه صوت 《ناجي》 الذي بدا مُستمتعًا فأراد تعكير صفو شره حين قال :
” إحنا دايمًا متجمعين .. و دى أكتر حاجة تعباك .”

صوت 《سالم》 الفظ و ثباته الذي لطالما تمتع به إضافة إلى حديثه المقيت بالنسبة إليه جعلوه يقول محاولًا استفزازه :
” دا اللي أنت بتحاول تقنع نفسك بيه ! إنك الكبير اللي محاوط حبايبك و لاممهم حواليك بس الحقيقة غير كده ..”

زفر بحنق أتبعه قوله الفظ وهو يشير للظلام حولهم:
” بقولك ايه بلاش شغل الافلام دا وأقف زي الرجالة نتكلم . عشان مجهزلك شويه مفاجئات انا واثق أنها هتعجبك “

《ناجى》 بإستمتاع :
” وماله .. انت تؤمر ! أصل أنا كمان مجهزلك مفاجأة ايه جبارة بس الأول خد البت مرات اخوك دي اللي صدعتني هي و ابنها عياط من امبارح “

قال جملته الأخيرة بتأفف وهو ينظر خلفه إلى《جنة 》التي كانت تحتضن 《محمود》 بين ذراعيها تهرول إلى 《سالم 》الذي احتضن كتفيها بيديه وهو يقول بإهتمام:
” أنتِ كويسة ؟”

اومأت برأسها وهي تقول بهمس
” كويسه..”
” عملك حاجه ؟”

صاح 《ناجي》 بملل :
” يا عم والله ما عملتلها حاجه .. دا أنا اللي أنقذت الواد الزنان دا . و بعدين انا كل اللي كنت عايزة أنها تحضر جمعتنا الحلوة دي ..”

سالم بهسيس مرعب:
” حسابك تقل اوي ! ”
《ناجي》 بنفاذ صبر :
” بقولك ايه يالا نبدا العرض “

فرقع 《ناجي》 بإصبعه فعم النور المكان ليتفاجأ الجميع بانفتاح أول باب ليظهر منه《 مروان》 الذي كان يقف بجمود مُشبِكًا يديه خلف ظهره فناظره كُلًا من 《صفوت 》و 《طارق》 بصدمة ترجمها الأخير دون وعي
” مروان !”

قهقه 《ناجي》 قبل أن يقول بغضب مفتعل:
” أخس عليك يا مروان .. مش كنت تخليني أمهد لهم الأول ؟؟ كدا تطلع في وشهم فجأة! “

《سالم》 بجفاء :
” مروان الخاين ؟ هي دي المفاجئة بتاعتك !”

ابتسم 《ناجي》 بتفاخر :
” لا دا أول كارت في اللعبة .. مروان باشا جوز بنتي الغاليه اللي باعك و باع عيلته عشان ست الحسن و الجمال ! و الشهادة لله نفذ المطلوب منه بالحرف الواحد . أنا كنت شاكك فيه لحد آخر لحظة بس كسب ثقتي لما عمل الكبيرة و مضي الباشا على ورق التنازل عن الأرض مهر سمسمه بنتي.. الحريم بردو ليهم تأثير جبار .. ها ايه رأيك يا كبير ؟”

أطلق تنهيدة قوية قبل أن يقول بفظاظة :
” هات كل اللي عندك؟”

《ناجي》 بتهديد :
” لا جامد .. سالم الوزان جامد بردو مش حتة عيل زي مروان دا يهزه.. بس أنا بردو واجب عليا أحذرك مش هتقدر على اللي عندي !”

” بطل لك النسوان دا و هات اللي عندك عشان أنا خلقي ضيق !”

هكذا أجابه 《سالم》 بملل فابتسم بتخابث قبل أن ينفتح الباب الثاني و تخرج منه 《هِمت》 التي كانت ملامحها جامدة و عينيها زائغة و لم تتفوه بحرف واحد فصاح《 ناجي》 بتهليل :
” همت هانم الوزان .. ملكة عيلة الوزان .. المدللة الأولى لأبوها و أخوها و البلد كلها .. مراتي ! اللي فاقت وعرفت قيمة جوزها .. و قد ايه اتظلم زمان .. و قررت انها أخيرًا تقف معاه.. و الشهادة لله شغلها كان على نضيف أوي و عرفت تخليك تبيع هدومك صح ! “

شيعها 《صفوت》 بنظرات الخسة قبل أن يقول بإحتقار:
” يا خسارة . الغالي رخص أوي !”

صاح 《ناجي 》معنفًا:
” عندك يا باشا .. انت اخويا الكبير اه بس إلا مراتي .. مش مراتك بس اللي خط أحمر ! مع أن ناجي الوزان نسوان الدنيا كلهم متقفش قصاده ! “

انكمشت ملامح 《صفوت》 بحيرة من حديث 《ناجي《 الذي لون الخبث عينيه التي توجهت إلى الباب الثالث فخرجت منه 《سهام 》تحتضن 《نجمة》 ابنتها بملامح واجمة و عينين شوهتها خطوط حمراء خلفها كثرة البكاء فجمدت ملامح 《صفوت》 بثوان قبل أن تخترق آذانه كلمات《 ناجى》 المسمومة:
” سهام هانم النجار .. حرم سيادة اللواء .. دي العشق بقي . أول حب في حياتي و أول حضن أول بوسة ، أول دقة قلب .. “

صمت لبرهة قبل أن يتابع بمرارة:
” و أول سكينة اتغرزت في قلبي .. بس الحمد ربنا هداها و صلحت غلطها و رجعتلي تاني ! بعد ما أطلقت منك ..”

عودة الي وقتًا سابق

مين ؟”

جاءها الصوت الساخر علي الطرف الثاني لتتجمد الدماء بأوردتها
” لسه نفس التكبر بردو .مغيرتوش السنين !”

ابتعلت ريقها محاولة الإبقاء علي هدوءها وقالت بمراوغة
” مين معايا ؟”

عاتبها بتهكم
” معقول نسيتي صوتي ؟ ولا مش معقول ليه إذا كنتِ نستيني بعد ما كنتِ في حضني بيوم واحد و اتجوزتي اخويا .. يبقي هتفتكري صوتي بعد كل السنين دي ؟”

أخذت دقات قلبها تدق بصخب تجلي في نبرتها المرتجفة حين قالت
” لسه كنت بقول مين الوقح اللي بيتصل و مش عايز يبطل دا . قلبي كان حاسس ..”
” وحشتيني ..”
” اخرس ..”
قهقه بصخب قبل أن يقول بجدية
” جوزك فين ؟”
” و انت مالك ؟”

زفر بحنق قبل أن يقول بتهكم
” سمعت أنه بيفكر يتجوز اليومين دول. وبصراحه انا عاذره أنتِ مقصره معاه اوي و الراجل كان اصيل و صبر عليكِ كتير .. إلا قوليلي يا سهام . مكنتيش بتديله حقوقه عشان حزينة علي بنتك ولا مكنتيش قادرة أنه يلمسك وأنتِ بتحبي اخوه ؟”

” غرور ولاد الوزان الحاجة الوحيدة اللي خدتها منهم.. بالإضافة للاسم..”
هكذا خاطبته بتهكم فأجابها بمرارة
” اهي حاجه خدتها منهم ماهم خدوا مني كل حاجه . حتي الحاجه الوحيده اللي حبتها في حياتي خدوها مني ..”

اخترقت سهام كلماته جراحًا ظنتها شُفيت منذ زمن ولكن اتضح بأنها مختبئة خلف رماد العمر الذي مضى دون أن تلحظ
” متصل عايز ايه ؟”
” بنتك لسه عايشه . و معايا ..”

لم تصدق أذنيها و تدلي فكها من فرط الصدمة التي تجلت في نبرتها حين قالت
” بتقول ايه ؟”
” اللي سمعتيه.. بنتك لسه عايشه و معايا ..”

فخًا نعم إنه فخ . هكذا أقنعت نفسها و رددته شفاهها حين قالت
” كذاب . ايوا انت كذاب . و بتقول كدا عشان توجعني زي ما وجعتك زمان ..”

تشكلت غصة صدئة بجوفه قبل أن يقول بمرارة
” مش أنتِ اللي وجعتيني يا سهام و إلا مكنتش هسيب نجمة عايشه لحد دلوقتي .. بس احنا لسه فيها..”
صرخه خرجت من اعماق وجعها متبوعة بتوسل مؤلم
” لااا . ارجوك يا ناجي وحياة اغلي حاجه عندك . تقولي بجد بنتي لسه عايشه ..”

لم يدع مكان لتلك المشاعر الغبية التي اجتاحته ما أن سمع ألمها فقال بقسوة
” قولتلك لسه عايشه .. البنت الشغالة اللي في بيت عبد الحميد عمران”
توقف عقلها عن العمل للحظات وهي تسترجع ذاكرتها نعم. هي حدثها قلبها بلهفة فقد ذكرتها بوالدتها . دق قلبها لها دون أن تعرف هويتها. ولا يمكن لقلب الأم أن يكذب
” عايزة اشوف بنتي يا ناجي .. ارجوك أتوسل اليك عايز اشوف بنتي ..”
كلماته كانت كسكين نافذ نحر عنقها دون رحمة حين قال بقسوة
” لو عايزة تشوفي بنتك تطلقي من صفوت و تجيلي …”

هالها ما سمعت فقالت بصدمة
” أيه ؟ ”
” اللي سمعتيه…”
بشفاه مرتعشة و قلب ينتفض جزعًا جادلته
” ليه؟”
” هاخد حقي اللي مخدتوش زمان….”

«سهام» بذعر نشب مخالبه في قلبها الملتاع
” انت بتقول ايه يا ناجي ؟”

صرخ بصوت قاسٍ
” اللي سمعتيه .. دي آخر فرصة ليكِ عشان تشوفي بنتك و إلا هدبحها قدام عينك و عينه . ”
” لا لا لا لا .. هعمل كل اللي انت عايزه .. “

هكذا صرخت بقهر فأرضاه جوابها كثيرًا فتحدث بحزم
” هكلمك بكرة في نفس الميعاد تقوليلي انك اتطلقتي و أنا هقولك تعملي ايه ؟”

لم يعطيها الفرصة لتجيبه فقد اغلق الهاتف فأخذت عبراتها تسقي الأرض أسفلها فهذا الحقير هو من تسبب في معاناتها طوال السنوات الماضية ؟ وهي التي كان الذنب يأكلها كونها لم تستطيع أن تدافع عن عشقهم في الماضي و أجبرت علي الزواج من أخيه و اتضح أنها نجت بالابتعاد عنه.
فأي وحشًا هذا الذي قد أحبته و سلمت له قلبها بيوم من الأيام ؟
” دا مش وقته يا سهام .. بنتك اهم من أي حد . لازم تعملي المستحيل عشان ترجعيها لحضنك تاني .”

هكذا حادثت نفسها وهي تكفكف عبراتها متوجهه الي الأسفل لتنفيذ ما طلبه منها هذا الوحش و ما أن وصلت إلي غرفة الجلوس حتي تسمرت بمكانها وهي تستمع الي كلمات «صفوت» المعذبة وهي يقول لسالم عبر الهاتف
” لا طبعًا مقولتلهاش حاجه . هخاف عليها دي ممكن تقع و متقومش المرة دي ..”

رق قلبها لنبرة الخوف في صوته وانخرط قلبها في نوبة ألم عنيفة كادت أن تجهز عليها ولكنها ابتلعت غصتها الحارقة و تجاوزت ألمها لأجله مذكرة نفسها بأن سلامة ابنتها اهم من أي شئ و أي شخص ..
دلفت الي الداخل وهي تناظره بقسوة تجلت في نبرتها حين قالت
” من غير اي جدال ولا كلام كتير طلقني…”

تفاجئ «صفوت» من حديثها و زاغت نظراته الي «عمار» الذي شعر بالحرج فتحمحم قبل أن يقول بخشونة
” طب هستأذن أنا بقي يا صفوت بيه و ابجي أچيك وجت تاني ..”

ما أوشك أن يتحرك من مكانه حتي أوقفته كلمات «سهام» الحادة
” استني عندك يا عمار. عشان تبقي شاهد عاللي هيتقال هنا …”
جهر «صفوت» بتحذير
” سهام … ”
سهام بقسوة
” طلقني …”

التفت إلي «عمار» قائلًا بأمر
” امشي دلوقني يا عمار ..”
صاحت بانفعال
” مش هيمشي و هتطلقني . “

تحلي بفضيلة الصبر و هو يحاول ألا يؤذيها بقول أو فعل قد يندم عليه فهو يعلم بأنها ليست في حالتها الطبيعية
” اهدي يا سهام وهعملك اللي أنتِ عيزاه …”

سهام بحدة خلفها قلب يحترق قهرًا من نظراته التي تتوسل لها بألا تحرجه أكثر
” حلو يبقي عمار يجيب المأذون و يشهد علي طلاقنا…’
” أنا لحد دلوقتي مش عايز افقد اعصابي . فبلاش تتمادي اكتر …”

علمت أنها لم تخرج ظافره في هذه الحرب الهوجاء لذا استخدمت أكثر الطرق خسة تاركه قلبها ينتحب في الزاوية
” طب ايه رأيك بقي انا هشهد عمار عليك .. قولي يا عمار . لما الراجل ميبقاش عارف يحمي بيته ولا مراته يبقي في عينيها راجل..؟”

أنهت كلماتها تزامنًا مع صفعة قويه نالها خدها من يد «صفوت» الذي انتفض كبرياءه الذي دهسته كلماتها فلم يستطيع التحمل أكثر بينما هي تركت روحها تحترق قهرًا علي جرمها في حق كبرياءه و التفتت تقول له بجمود
” طلقني …”

” أنتِ طالق …”
هكذا قالها «صفوت» كرد قاطع لم يتواني لحظة عن نطقه فانطلقت الكلمة كطلق ناري في منتصف قلبها الذي تناثرت أشلائه قهرًا تجاوزته بشق الأنفس وهي تقول بلهجة مرتجفة
” خلي عمار يجيب المأذون عشان يخلص …”

بعد مرور ساعتين انتهي المأذون من إجراءات الطلاق و هرولت هي إلي غرفتها هاربة من عتب لم يتجاوز حدود شفتيه انما ارسلته عينيه علي هيئة نظرات قاتلة لم تستطيع تحملها و هرولت الي الأعلي تلملم حاجياتها بعشوائية اخترقها رنين هاتفها فالتقطته من علي المنضدة وهي تجيب فتفاجئت حين سمعت صوته الذي تشوبه فرحة غامرة حين قال
” مبروك يا عروسه .. لو اعرف ان نجمة هتخليكِ تتصرفي بسرعة كدا كنت خطفتها من زمان ..”

«سهام» بذهول
” انت عرفت منين ؟”
تجاهل استفهامها و اشتعل بجوفه شوق عارم مهما حاول قمعه لا يفلح فقال بصوتًا أجش و انفاس محترقه
” مش مهم .. المهم انا عايزك .. عايز اشوفك ”
لامس الذعر قلبها عندما سمعت حديثه وما أوشكت أن تجيبه حتي تفاجئت حين سمعت الباب خلفها يفتح و صفوت يقترب منها باندفاع و قام بسحبها بقوة ليلصقها بالخزانه خلفها وهو يزمجر بألم
” ليه ؟؟”

لم تفلح في قمع عبراتها التي قذفها بركان وجعها الثائر فتعالت شهقاتها لتشق سمع الشقيقان فأردف «صفوت» بصراخ
” ليه عملتي كدا ؟ كنتِ قاصدة تكسريني قدامه؟ “

ازدادت عبراتها إنهمارًا تزامنًا مع كلماته الجريحة حين قال
” انا في نظرك مش راجل يا سهام ؟”
همست بألم من بين عبراتها
” أرجوك سيبني .. كفاية بقي ..”

أي ألم هذا الذي يتجاوز حدود العقل فيجعل كل خليه في الجسد ترتجف حتي الحروف التي خرجت من بين شفتيها حين قالت
” كل شئ انتهي خلاص ..”

لحظة ضعف أن تجاوزها سينجو و لكن كيف له أن يتجاوز تلك العينين التي وقع بعشقها منذ أكثر من خمسة و عشرون عاماً والتي كانت تصاحبه في لياليه الطويلة حين كان في كلية الشرطة و التي كانت حلمه الوحيد و لكن بعد أن وقع بعشقها احتلت كل شئ داخله وأصبحت حلمه الوحيد ..
نفضها من يده كمن ينفض قذاره علقت بثيابه و شيعها بنظرات تعانق بها الضدين الكره و العشق معًا و قال بنبرة قاسية
” عندك حق بس للأسف انتهي متأخر اوي. كان مفروض ميبتديش أصلًا “

أظلمت عينيه من فرط الألم الذي ضاق به الفؤاد فأراد أن تتجرع جزءًا ولو بسيطًا منه فهدر بقسوة
” أنتِ مكنتيش تستحقي غير واحد زي ناجي .. هو دا آخرك . “

أيا قلب قتله العشق ماذا أنت فاعلًا بنا أكثر ؟
ألا يكفيك تلك اللوعة و هذا الهوان الذي أصاب خيلائِنا في مقتل ؟
علِم الحبيب مكانته بين طيات الروح فولى و اعرض و علي هوانا تكبر !
هل يُرضيك عذابنا و جِراحنا أم أنك اعتدت علي الجوى ولم تعد به تتأثر ؟
فلتغربي يا شمس الهوى عن كوننا واخبري حبيبي أن الفؤاد الذي اكتوي بنار الشوق قادر علي تحمل كمد الفراق بل أكثر ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

انهي كلماته وخرج صافقًا الباب خلفه دون أن يدري وقع كلماته علي تلك التي انتفض جسدها كمن تلقت ضربة سوط قصمت ظهرها الي نصفين و تكومت علي الأرض وهي تعيد الهاتف الي أذنها حين سمعت صراخه يناديها فأجابت بصوت يتضور وجعًا
” سمعت.. عايز ايه تاني ؟”

هدر بكل ما يجيش بصدره من وجع
” الحقير .. جاي دلوقتي يقولك كدا .اومال خدك من ناجي ليه زمان . ؟ حرق قلبه وموته بالحيا ليه ؟ وديني لهخليه يندم باقية عمره .. هاخد حقي وحقك وحق قهرة قلبي عليكِ يوم ما اتجوزك و حرمني منك “

همسات بقهر
” كفاية بقي .. انا مش عايزة منكوا حاجه . عايزة بنتي وبس ..”
تجاهل ضجيج الألم و حرقة الشعور و قال آمرًا
” هبعتلك عربية تاخدك .. مش هتباتي ليلة واحدة في بيته ..و متخافيش هو مش هيدور عليكِ بعد اللي حصل ..”

عودة إلى الوقت الحالي

ناجى !!”
كان هذا صوت 《همت》 التي تفاجأت بل صعقها حديثه فلم يعلق عليه إنما كان مشغولًا بإشباع جراحه و التشفي من 《صفوت》 فخيم الصمت لثوان إلا من أنفاس الأخير المسموعه بوضوح وكأن هناك منازعات و حروب تجيش بصدره وهو يفرق عينيه بين 《ناجي》 الذي بدا الألم على وجهه و بين 《سهام》 التي كانت تنكث رأسها بتعب مما جعل الدماء تندفع إلى عروقه البارزة بوضوح في رقبته و كفوف يده التي قبضت على السلاح بعنف تجلي في نبرته وهو يصرخ بغضب مقيت:
” هقتلك يا حيواااان…”

فطن 《سالم》 إلى ما ينتويه فمد يده على الفور يقبض على ذراع 《صفوت》 قبل أن يطلق النيران على《 ناجي》 و هو يصيح مُحذرًا :
” اوعى تسمع له يا صفوت دا بيستفزك ..”
انهى《 سالم 》كلماته وهو ينتزع السلاح من يد 《صفوت》 فقد التقمت عينيه تلك القناصات التي تحاوطهم من الأعلى :

” برافو يا سالم .. بالمناسبة طول عمري بيعحبني عقلك و حكمتك في التصرف تستاهل أنك تحكم عرش مملكة الوزان بصحيح ..”

هدر 《صفوت》 بوعيد :
” وديني لهخليك تتمني الموت كل لحظة و متطولهوش ..”

لونت ملامحه ابتسامة مريرة ترجمتها شفتاه حين قال :
” لو دا آخرك فأحب اقولك ان دا حصل من اتنين و عشرين سنه وانا شايف حبيبتي بتتزف لأخويا قدام عيني ! انا فعلًا كنت بتمني الموت كل لحظة. “

《صفوت》 بصراخ :
” ماتقولش حبيبتي دي تاني !”

《ناجي》 بمرارة نابعه من قلب يغزوه ألم حقيقي لا يزال يئن بعد مرور كل تلك السنوات :
” لا حبيبتي.. و انت كنت عارف أني بحبها بس انانيتك و غرورك خلوك تختارها من بين كل البنات و تروح تطلبها من أبوها و أنت عارف أنه عمره ما يقدر يرفض طلب لابن فريد الوزان .. و عرفت انها بتحبني و انضربت و اتبهدلت عشان مش موافقة عليك و مع ذلك اتجوزتها… “

برقت الأعين من حديثه المُدجج بالألم و القهر و تعلقت النظرات على 《صفوت 》الذي انتفض غاضبًا ينفض تلك التهم الملتصقة به منذ زمن :
” اتجوزتها عشان حبيتها .. وهي حبيتني بعد كدا..”

《ناجي》 بقهر شيعته نظراته أولًا :
” حبتك امتى ؟ يا راجل دا انت قعدت سنة كامله تحاول تقرب لها وهي مش راضيه ..”

توجهت أسهم نظراته علي تلك التي تحتضر بصمت يتخلله عبرات غزيرة حفرت وديان الألم فوق خديها فتابع 《ناجى》 بإندفاع ينفي تلك التهمة عنها :
” متبصلهاش أوي كدا مش هي اللي قالتلى .. أنا سمعت الكلام دا لما كنت بتتكلم مع الحاجة الله يرحمها .. “

تدخل 《سالم 》محاولًا تغيير دفة الحديث و إنهاء ذلك الصراع الذي سينتهي بكارثة لو ترك العنان لهذا الرجل فسيدمرهم جميعًا :
” هو دا اللي عندك ! دا انت غلبان اوي !”

انقشعت غيمة الألم من عينيه وعادت تلك النظرة المظلمة وهو يقول :
” لاااا انا اللي عندي كتير . دي المازة بتاعت القاعدة إنما التقيل جاي ورا …”

التفت إلي الحائط الأيمن لينفتح أول أبوابه و الذي أطل منه 《أحمد 》طليق 《شيرين》 الذي كان منكث الرأس فصاح به 《ناجى》 بسخرية :
” ايه يا حماده حاطط وشك في الأرض ليه ؟ أرفع راسك كدا يا راجل دا انت بطل ! احمد بيه جوز شيرين بنتي .. بالمناسبة بعد ما أجبرته يطلقها كبر في نظري اوي لما خد فلوسك وخلع بيها فخليته يردها تاني يعني أي حد حاطط عينه عليها الباشا هيخلعهاله ..”

قال 《ناجى》 جملته الأخيرة و عينيه تناظر 《طارق》 بخبث والذي لم يحتمل فكرة أنها لازالت مقترنة بذلك الرجل فهدر بعنف انبعث على هيئة سهام من عينيه و شفتيه معًا حين قال:
” وحياة امي لهرقدك أنت و هو جنب بعض زي النسوان.. و ابقي قول طارق الوزان قال..”

《ناجى》 بتهكم:
” الغيرة وحشة وانا حاسس بيك و منكرش اني خايف منك بس اللي مطمني أنك مش هتخرج من هنا على رجليك ! خلينا بقي في المهم و متقاطعنيش عشان فيه سيناريو في دماغي بخططله بقالي سنين و هنسى الكلمتين اللي ما صدقت جمعتهم..”

قال جملته الأخيرة بحدة ساخرًا فخاطبه 《سالم》 بفظاظة:
” اتمنى تكون خلصت تمثيليتك السخيفة عشان صدعت! ”
” سلامتك يا كبير .. لا بس فرح هانم غيرتك .. كان بالك طويل و كنت العاقل….”

《سالم 》بهسيس مرعب:
” متنطقش اسمها على لسانك مره ثانيه عشان وشرف أمي ما هتلحق تكمله ..”

《ناجى》 بخوف مفتعل :
” خُفت .. عارف لو مش القناصين اللي محاوطينكوا دول وربنا كنت اترعبت . يلا خلينا في المهم. احمد بيه صاحب شركه الفيروز اللي رسيت عليها المناقصة اللي كعيت فيها دم قلبك .. وطبعًا هو أسسها بفلوسك .. اللي ادتهاله كرم منك عشان تخليه يجيب رجلي قوم الناقص .. سوري يا حماده”

قال جملته الأخيرة وهو ينظر 《لأحمد》 باعتذار مسرحي ثم عاود النظر إلى 《سالم》 قائلًا بجدية:
” الناقص راح باعك ليا.. بس هو معذور اللي انا ماسكه عليه يا سالم يا خويا يخليه ميخرجش من بيته العمر كله …”

وجه أنظاره مرة أخرى إلى《أحمد》 بطريقة مسرحية وهو يقول :
” سوري مرة تانيه يا أحمد..”

زفر 《سالم》 بقوة قبل أن يقول بجفاء:
” الفلوس بتروح و تيجي يا ناجى . واللي ضيعته أنا كفيل ارجعه تاني . “

قهقه 《ناجي》 طويلًا قبل أن يقول بسخرية :
” ياخي يخربيت ثباتك .. دانا قربت اغير منك .. لا بس أنت بردو اتضايقت..”

كان محافظًا على جموده وحتى رفرفة عينيه كانت بحذر فتنهد يجيبه بملل :
” بصراحة ولا اتهزيت .. أنت فاشل .. للأسف خليتني اتحمست على مفيش ! “

استفزه جمود 《سالم》 و كلماته فصاح بكره تجلى بوضوح فى عينيه :
” ودي تيجي بردو .. الصبر .. لسه التقيل جاي ورا ..”

وجه أنظاره علي الباب الثاني فاطلت منه 《شيرين》 التي كان وجهها باهتًا و كأن شبح ما تلبسها ليمتص منها جميع أنواع الحياة فبدت كتمثال جميل نُحت من حجر إلا من نظرة معاتبة كانت خاطفة لذلك الذي أخذ يهز برأسه ينفي فكرة أنها لازالت متورطه مع هذا الرجل .. أو أنها أرادت الإنتقام منه بأكثر الطرق بشاعة !

” الحصان الرابح بتاعي .. شيرين بنتي حبيبتي.. دي بقي اللي ظبطت الأداء صح ! شيرين هي اللي خدت ملف الصفقة الحقيقي من دولاب اوضة نومك ! “

انكمشت ملامحه لوهله فهلل 《ناجى》 قائلًا :
” اوبااا .. صدمة صعبة مش كدا ؟ و خصوصًا انك اتهمت فيها حبيبة القلب .. اللي يا حرام كانت جاية تقولك خبر حملها . و اللي بالمناسبة نزل بسببك ! “

انكمشت ملامحه بألم تجلى في عينيه التي اغمضهما لبرهه علي حديث 《ناجى》 المسموم:
” يجيلك قلب تضرب بنت الناس بالطريقة الوحشية دي لدرجة تخليها تنزف ! ياخي خلي في قلبك شوية رحمة . يالا معلش . خلينا في المهم ..”

التمعت عينيه بسعادة مرضيه وهو يقول بتمهل :
” أحساسك ايه لما شفت ابنك عبارة عن دم عالأرض ؟ متقوليش متأثرتش ؟ ناهيك طبعًا عن أنها عمرها ما هتبص في وشك تاني ..”

ارتسمت الشراسه بعينيه و تجعدت ملامحه حتي بدت مُخيفه و قال بلهجة أرسلت الرعب إلى أوصال 《ناجى》:
” هقولك احساسي ايه لما تقولي احساسك أنت أما تعرف أن كل العرض دا معمول علي شرفك …”

انكمشت ملامحه بحيرة فتابع 《سالم 》بقسوة:
” تخيل أنك كنت مجرد عروسة ماريونيت انا بحركها في أيدي .. حتي كروتك دي كلها أنا اللي كنت بحركها !”

حاول لملمة شتاته قائلًا بسخرية :
” دا كِبر ولا أنت اتجننت خلاص ؟”

لمع وميض الإنتصار بعينيه و قال بقسوة :
” لا دا ولا دا ! دي حقايق…”

كلمات مبهمة لم يلقي لها بالًا ولكن ما أدهشه هو التفاف الجميع نحوه و تلك الابتسامة المتشفيه على أفواههم فهوي قلبه بين ضلوعه وعاد بانظاره إلى《سالم 》الذي قال بفظاظة:
” ابدأ انا العرض بتاعي بقي .و بما اني مش رطاط زيك فهقولك بإختصار .. أنا فعلًا مضيت على تنازل عن الأرض لمروان بس بمزاجي هو مضحكش عليا زي ما فهمك..”

《ناجي》 بصدمة :
” يعني ايه ؟”

عودة إلى وقتًا سابق

التف الجميع لأول مرة منذ سنوات حول تلك المنضدة علي سطح القصر و التي شهدت طفولتهم و مراهقتهم و الآن تشهد علي تجمعهم مرة أخرى و هم رجال أقوياء
” سالم انت اشمعنا جبتنا هنا ؟ “

هكذا تحدث «سليم» بإستفهام فأجابه «سالم» باختصار وهو ينظر إلي «مروان»
” احكي “

انطلق «مروان» يروي لهم ما حدث بينه وبين «ناجي» ثم انهي حديثه قائلاً بتهكم
” عايز يجندني ابن الوارمة ”
علق «طارق» بامتعاض
” الراجل دا هيفضل ناقص طول عمره …”

أطلق «سليم» جأشه مكبوته من صدره قبل ان يقول بحنق
” معدش ينفع نسكت يا سالم . لازم نوقفه عند حده …”
«سالم» بفظاظة
” احنا مش ساكتين يا سليم . أنا برقدله عشان يوم ما هضرب هتبقي هي القاضية …”

هب «مروان» مولولًا
” اه يا بختك الاسود يا مروان .. اروح فين وآجي منين يا ربي. .”

«سليم» بامتعاض
” بتولول ليه يا اخرة صبري ..”
ناظره «مروان» بحنق تجلي في نبرته حين صاح و هو يفرق نظراته بينهم
” حضراتكوا قاعدين تفكروا و تخططوا و محدش حاسس بيا وبوكستي .. اه انا طول عمري نحس انا عارف ..”

” بطل ياد انت وقول وكسة ايه قرفتنا ..”
هكذا تحدث «طارق» بنفاذ صبر فكاد أن ينخرط في نوبة ولولة أخري ولكن أوقفته أعين «سالم» المحذرة وكذلك نبرته حين قال بجفاء
” مش هتحملك كتير . ادخل في الموضوع علي طول ..”

اعتدل في جلسته وقال باندفاع
” دلوقتي من بين كل البنات اللي في الدنيا انا حبيت بنت الكلب دا .. والكلب دا حاطت جوازه من بنته في كفة و اني اساعده ينفخكوا في كفه اعمل ايه انا بقي في الورطة دي ؟”

ناظره «سليم» باستخفاف تضمن لهجته حين قال
” ولا ورطة ولا حاجه .. سما اصلا مش بتطيقه يعني كلامه ولا هيفرق معاها ..”

«مروان» بحنق
” يا غبي ماهي عمتك معاه . و سما ماشيه زي البقرة ورا امها يعني تقدر تخليها متعبرنيش ولا تسأل عني . و كمان ورقة الجواز العرفي اللي معاه دي اكيد مش هيعملها حجاب يعني ..”

تدخل «طارق» قائلّا بحكمة
” الفيصل في الموضوع دا هو سما .. لو بتحبك فعلًا و عوزاك محدش هيقدر يفرق بينكوا..”
«مروان» بسخرية
“دا لو بقي ..”
أيد «سليم» حديث «طارق» قائلًا بخشونة
” طارق عنده حق .. و لو انت متعرفش مشاعرها من ناحيتك ايه تبقي دي الخيبة اللي تستحق تولول عليها ..”

«مروان» بحسرة
” اه مانا عارف اني هولول للصبح ..”
أضاف «طارق» بتقريع
” بصراحه يا مروان أنت كلك علي بعضك خيبة . بقي راجع من السفر داخل في سنه اهوة و مش عارف تلين دماغها . دا لو مراهق في ثانوي كان زمانه علقها ..”

«مروان» بغل
” قصدك صايع في ثانوي . أنا مش صايع .. و بعدين كنت اعمل ايه يعني ؟ مانا راجل محترم عايز ادخل البيت من بابه .. ماليش في اللف و الدوران ”
تأفف «سليم» و قال بحنق
” هو انت يا ابيض يا اسود . ما تمهدلها يا ذكي . الفت انتباهها ليك و حسسها انك بتحبها ..”

صاح «مروان» ساخرًا
” ههه تعالوا شوفوا مين بيتكلم سلومة الاقرع بتاعنا بقي يفهم في الأحساس .. ايوا هي القرعة بتطلب احساس فعلا ..”
أوشك «سليم» علي لكمه فتدخل «طارق» مانعًا إياه وهو يقول بنفاذ صبر
” بطل بقي استظراف ياد انت وانت يا عم الحساس اركن علي جنب هو لسه هيحسسها . نكون غرقنا .. بص يا ابني البنات بتحب الواد المخلص . يعني اول ما تشوفها تشدها من وسطها و تديها بوسه تدوخ و بعدين تقولها بحبك و عايز اتجوزك هتلاقيها سلمت علي طول و نخلص ..”

برقت عين «سليم» و كذلك «سالم» المستمع الي حديثهم بترقب أما «مروان» فهب من مكانه ينتزع كفوف «طارق» و يبحث بسائر جسده قائلًا
” وريني ايدك كدا .. اديني قفاك طيب ؟ “

ابتسم «سالم» ساخرًا بينما تعاظم فضول كلا من «سليم» و «طارق» الذي قال مدهوشًا
” في ايه يا ابني ؟ بتدور علي ايه ؟”

تابع «مروان» استكشافه لجسد «طارق» وهو يقول
” استني بس هلاقيه ..”

صاح «طارق» بغضب من أفعال شقيقة
” هو ايه اللي هتلاقيه يا بغل ؟”

صدمتهم كلمات «مروان» حين صاح بانفعال
” الوشم .. دقيت وشم ولا لسه يا طارق؟ ”
لم يستوعب «طارق» سؤاله فأردف بصياح

” بااااس تبقي اتصهينت يا معلم … انا قولت دي اخلاق يهود بردو ..”

انكمشت ملامحه بحنق وقال بتقريع
” اتصهينت ايه يا غبي انت و وشم ايه اللي بتدور عليه ؟”

اجابه «مروان» بتفكير
“طب ايه بقيت بوذي يعني؟ بتعبد العجل مثلًا ولا ايه؟ “

اغتاظ «طارق» من حديثه فتابع مروان بصياح
” ما تقولي جنس ملتك ايه ؟ ابوس مين و احضن مين؟ مفيش عندك اسلام خالص ؟ متعرفش أن في حرام و في حلال . هتشوي في نار جهنم بسببك . يخربيتك.. “

قهقه «سليم» علي حديث «مروان» الذي تابع ساخرًا
” يا شيخ دانا صلة الدم اللي بيني و بينها نقحت عليا و هقوم اسكع نفسي شبشبين. دانا لو مصاحب فتاة ليل مش هعمل كدا .. “

أوشك «طارق» علي لكمه ولكن لفت انتباهه الجملة الأخيرة فقال بتساؤل
” بغض النظر عن الدين عشان مش هنكر أنه كلامك فيه صح.. بس ايه علاقة انك تبوسها بأنها فتاة ليل ؟”

«مروان» بسخرية
” عشان مفيش واحده محترمة هتقبل ان واحد يقرب منها وهو مش جوزها . و مفيش واحد بيحب واحده وعايز يتجوزها هيعمل معاها كدا.. و يوم ما يعمل معاها كدا هتعرف أنه بيعتبرها زي ما قولتلك قبل كدا فتاة ليل أو صايعة أيهما اقرب؟”

شرد «طارق» للحظة وهو يتذكر «شيرين» التي غلف الألم نظراتها حين قبلها بتلك الطريقة و هنا شعر بالغضب من نفسه التي دهست علي كل شئ و جعلته يرتكب تلك الحماقة في حقها و حق صلة الدم التي تجمعهما .. استفاق من شروده علي كلمات «مروان» وهو يقول بتحسر
” يا ربي دانا محترم والله مردتش حتي امسك أيدها و قلت هحوش كل حاجه لحد ما تبقي حلالي ..”

«سليم» بامتعاض
” متقرفناش بقي وبطل ولولة …”
«مروان» باستهجان
“بقولك ايه متكلمش عالقرف مدام مبصتش لنفسك في المراية. “

” خلصتوا ؟”
قطع صوته الحاد شجارًا كاد أن يندلع بين كلًا من «سليم» و «مروان» و التفت الجميع اليه فقال بجفاء وهو يوجه أنظار قاتلة الي «طارق»
” طيب انا هتغاضي عن الكلام اللي انت قولته دا و مش هحاسبك عليه وأنت بالمقابل تمحيه من ذاكرتك احسن ما امحيك أنا من علي وش الدنيا .. احنا مجتمع شرقي مسلم و عندنا ضوابط و التزامات . جو القطط والكلاب دا مش بتاعنا. مفهوم ..؟”

أومأ «طارق» بالموافقة فالتفت «سالم» إلي «مروان» قائلًا بخشونة
” أما أنت بقي فمن وسط غبائك و هريك الكتير جبت الحل.. و هديك فرصة العمر ..”

صاح «مروان» باندفاغ
” الهي يسترك دنيا و آخرة حل ايه قول ..”
«سالم» باختصار
” هجوزك سما النهاردة قبل بكرة ..”

عودة للوقت الحالي

لون الاستمتاع ملامحه وهو يضيف ساخرًا
” و بصراحه سما ممانعتش أبدًا لما قولتلها ان جوازها من مروان هو الحل الوحيد .. و حصل ..”

تدلى فاهه من فرط الصدمة فتابع 《سالم 》ساخرًا:
” اه صحيح واجب عليك تبارك لمروان عشان كتب كتابه هو و سما كان الاسبوع اللي فات .. بنتك أصيلة رجعت الحق لأصحابه الحمد لله مش طلعالك…”

«ناجي» بتحسر و صدمة
” بتقول ايه ؟

تدخل 《مروان》 بتهكم :
” بيقولك ان انا اشتغلتك .. ممكن اقولهالك بمعني تاني بس الكبير واقف عيب !”

ابتسم 《سالم 》على حديث 《مروان 》قائلًا بخشونة:
” هفهمك .. انا ادتله الأرض بمزاجي وهو كتبها لسما فعلًا وسما بعد ما كتبنا الكتاب عملتله توكيل و بالتوكيل دا باع ليا تاني و عملنا صحة توقيع عالعقد و الارض رجعتلي !”

كان يطالعه بابتسامة لم تصل لعينيه وخاصةً حين رأي تبدل مظهر 《ناجي》 فقد كان و كأنه يتشاجر مع أنفاسه وصدره يعلو و يهبط من فرط الغضب فتحدث《 سالم》 بفخر:
” عمتي بقي ! ملكة عيلة الوزان زي ما قولت .. و هتفضل كدا العمر كله .. مقدرتش تبيع ولاد أخوها .. و خصوصًا لو كان البديل رخيص أوي زيك كدا ..”

عودة لوقت سابق (من الفصل الخامس و العشرين )

“عايزة اتكلم معاك يا سالم .. لوحدنا ! “

التفت 《سالم 》إلى 《همت》 إثر حديثها الذي أثار استفهام الجميع فقال بفظاظة قاطعًا أي مجال للحديث الجانبي:
” تعالي معايا ..”

خرج «سالم» و برفقته «همت» من غرفة «مروان» بالمشفي متوجهًا إلي سيارته ليصعد الي مقعد السائق وهي بجانبه ثم التفت إليها بنظرة استفهام لتبدأ حديثها قائلة بندم
” في حاجات كتير عايزة احكيلك عليها بس قبل اي حاجه . عيزاك تسامحني ”
«سالم» باختصار
” علي ؟”
اخفضت رأسها بخزي قبل أن تقول بندم
” غلطات كتير اولها اني حاولت اخلي جنة تسقط . ”
«سالم» بفظاظة
” عارف . و مش انا اللي مفروض تطلبي مني اسامحك . اكيد عارفه تطلبي من مين ؟”
«همت» بحزن
” عارفه انك اكيد عرفت . و عارفه هطلب من مين السماح .. بس قبل كل دا لازم تعرف اني مش وحشة . أنا وقعت في فخ الشيطان . أنا بحبكوا اوي والله انتوا ولاد اخويا حبايبي . و عمري ما هرضي بالأذي ليكوا. ”
تجاهل حزنه علي هذا الموقف الذي يراها به فعلي الرغم من كل شئ هو يحبها و يقدرها ولكن اخطائها اكبر من ان تغتفر لذا قال بخشونة
” و إيه اللي يثبت كلامك دا ؟”
ارتفعت عينيها تناظره بالم قبل أن تقول
” كنت عارفه انك هتقول كدا …وانا هثبتلك اني معنديش اغلي منكوا… “

صمتت لثوان قبل أن تتابع بنبرة متحشرجة
” ناجي كلمني و طلب مني اني اساعده ياخد حقه منكوا. ”
أطلق الهواء المكبوت بصدره في زفرة قوية قبل أن يقول بخشونة
” هاتي اللي عندك يا عمتي ..”

قصت عليه كل ما حدث يوم قابلته في المشفي و تلك الرسالة التي تأكدت من خطأها فانتفضت عروق رقبته تحكي مقدار غضب هائل يجيش بصدره ولكنه حاول قمعه قدر الإمكان حين قال بجفاء
” اتأكدتي أن الرسالة متفبركة ازاي ؟”
” روحت لخبير خطوط و خدت معايا رسالة تانيه بخط امك كانت كتبهالي اوديها لأبوك وهما مخطوبين و الخبير قالي ان الخط متقلد باحترافيه بس لا مش لنفس الشخص …”

أنفاسه الحارقة جعلت الجو يشتعل من حولهم فتشعب الخوف في أوردتها ولكن هذا هو الخيار الصحيح
” كملي و بعدين .؟”

تعلم أن القادم سيجعل غضبه جنوني ولكنها لا تملك سوي ان تخبره بما يحدث خلف ظهره
” بصراحه في حاجه مهمة لازم تعرفها .. انا عارفه انك هتتصدم بس للأسف مقدرش مقولكش ..”

«سالم» باختصار
” قولي …”
اخرجت كلماتها دفعة واحدة و كأنها تتخلص من وطأتها علي قلبها
” مروان خاين . بينزل اخبارك لناجي ..”
برقت عينيه بصدمة من حديثها فتابعت بلهفه
” وحياة بناتي ما بكذب عليك .. و لو مش مصدقني خد شوف الفيديو دا . دا ناجي وراهولي عشان يعرفني أن الكل معاه وان كفته هي الرابحه ..”

كانت تتحدث بينما هو بعالم آخر لا يسعه من الصدمة و الخذلان الذي يجيش بصدره وهو يريد و يسمع حديث مروان مع ناجي ..
مرت دقائق من الصمت لا يسمع بها سوي صوت أنفاسه الحارقة و صدره الذي يعلو و يهبط من فرط الألم و لكن قطعها صوته الذي خرج قاسيًا يتناسب مع غضبه في تلك اللحظة
” ناجي طلب منك ايه ؟”
” عايز يرجعلي دي اول حاجه و طلب مني اطالبك بورثي كله فلوس حتي الأرض و اطلب أضعاف تمنها و اني اجبله ورق المناقصة اللي الشركة دخلاها و اداني فلاشه احطها عالجهاز و هي هتنسخ كل اللي عليه .. ”
أنهت جملتها وهي تمد يدها إليه فالتقطها من بين يديها وهو يقول بجمود
” لو عايزة تثبتي انك باقيه علينا صح. تعملي اللي هقولك عليه ..”
«همت» بصدق
” هفديكوا بروحي لو لزم الأمر ..”
” حلو .. أنتِ هتنفذي كل اللي قالك عليه ..”
هكذا تحدث «سالم» فشهقت مستنكرة
” انت بتقول ايه يا سالم ..؟”
«سالم» بغموض
” هتوافقي ترجعيله و هديكي الفلوس و هتحوليها علي اسم ناجي الوزان اللي لما يموت محدش هيورثه غيرك و كدا فلوسنا مخرجتش بره ..”
استفهمت بشفاة مرتجفة
” هتقتله يا سالم ؟ “

«سالم» بقسوة
” هموته بالحيا…”

*************

عودة للوقت الحالي

ابتسمت 《همت 》بتشفي وهي تناظره بإحتقار تجلى في نبرتها حين قالت :
” فكرت أني ممكن اصدقك أن أمينة خانت منصور الله يرحمه !”
تسللت السخرية الي صوتها حين تابعت:
” أمينة اللي كانت روحها فيه .. و لا حتة الجواب اللي ادتهولي فكرت أنه ممكن يهز شعره فيا ؟ على فكرة أنا سمعتك وانت بتحاول معاها كذا مرة و هي تصدك . و كتمت في قلبي عشان ولادي. و آخر حاجه لما اتولدت سما و كنت مفكرها ولد و سبتني محمومة و مسألتش فيا و حاولت مع أمينة اللي ضربتك بالقلم و هددتك لو مبعدتش عنها هتقول لمنصور و بابا .. والجواب اللي انت ادتهولي دا أنا وريته لخبير خطوط هو وجواب تاني من اللي كانت أمينة بتبعته لمنصور وهما مخطوبين و قالي أن الجواب بتاعك دا مش خطها. طول عمرك كذاب و قذر …”

أنهت جملتها وهي تشيعه بنظرات الخسة وهو يبادلها بأخرى قاسية غاضبة فقطع 《سالم》 حرب النظرات المتبادلة بينهم وقال بفظاظة:
” عمتي جت قالتلي على كل حاجه .. و ورتني كمان الفيديو بتاع مروان اللي انت صورته وهو قاعد معاك ! وورتهولها و حاولت تقنعها أنه خاين عشان متوافقش على جوازه من سما ..”

تخللت السخرية نبرته حين أردف بتشفي:
” على فكرة عمتي حولت الفلوس باسم ناجي الوزان اللي كان عليه أحكام تجبله علي الأقل اتنين إعدام وخمسة أشغال شقة مؤبدة و طبعًا دا ميلقش بينا قوم ايه؟؟ طلعنالك شهادة وفاة مزورة”

ابتسم بتسلية قبل أن يتابع:
” و بديهي أن اللي يورثك عمتي .. فمش محتاج اقولك أن فلوس الوزان في إيد أمينة! “

قال كلمته الأخيرة وهو ينظر إلى《همت》 التي بادلته الابتسامة بأخرى حانية فصاح 《ناجي》 بقهر:
” و أيه يعني مانا خدت منك ملايين في الصفقة الأخيرة . “

لمعت السخرية في نظراته و تجلت في نبرته حين قال:
” بتستعجل على رزقك و دا عيبك .. اللعب له أصول .. في التأنى السلامة يا دانيال روبرت! “

لون الفضول نظراته فتابع《 سالم》 وهو ينظر إلي 《أحمد》 و يقول بجفاء:
” أما أحمد بقي فهو مش ناقص ولا حاجه ! لأن كل اللي هو عمله دا باتفاق مني و الشركة دي أنا المالك الاول ليها و أحمد الواجهه بس.. حتى الرسالة العبيطه اللي بعتهالي و أنا في المستشفي لما بعتلي كلابك عشان يخوفوني و كنت عايز توقعني في الهلالية ! فاكر ؟”

لم يجبه انما توسعت نظراته بعدم تصديق فتابع 《سالم》 بقسوة :
” احمد بعتلي أنه طلق شيرين و أنه هرب بالفلوس عشان يخليك تثق فيه .. سهل أوى نتوقع أنك بتراقبه .. معرفش جايب غبائك دا منين !”

صاح 《ناجي》 بصراخ موجهًا أنظاره الى 《أحمد》:
” آه يا كلب ! وديني لهخلي فضيحتك على كل المواقع ..”

《سالم 》بتسلية :
” بلاش كلام أنت مش قده .. ناهيك عن أنه في حمايتي و متقدرش تقرب منه بس أحب اقولك ان كأس السم اللي بعتهولي انا قلبته و بعتهولك عشان تشرب منه !”

《ناجي》 بذعر:
” تقصد ايه ؟”

《سالم 》وهو يوجه أنظاره إلى 《شيرين 》بفخر
” شيرين الوزان بنتنا ، تربية منصور الوزان اللي عملت المستحيل عشان تحولها نسخة منك و مفلحتش .. عشان أصلها الطيب و تربيتها غلبوها. “

عودة لوقت سابق

جالسة في الحديقة تناظر النجوم بأعين حزينة تشعر بأن كل شئ حولها لا ينتمي لها أو أنها هي من لا تنتمي الي هذا المكان .. فهي لطالما كانت وحيدة به. لا تعلم هل الخطأ يكمن بها أو بمن حولها ولكنها لم تكن سعيدة أبدا هنا .. حتي تلك الزيجة التي كانت ستجمعها بسالم ظنت أنها قد تكون سبب نجاتها و سعادتها كان الدافع الاول و الكبير لها والدها حتي يستطيع أن يتغلغل أكثر داخلهم ولكنها لم تكن سعيدة معه . كانت منبهرة بوسامته و هيبته ولكنها بحثت عن الحب خارجًا .. مخطئة و تعلم ذلك ولكن كانت روحها تنشد اي بادرة حنان وحب لطالما افتقدته حولها .
زفرت بقوة فاخطائها عظيمة و أفعالها مشينه هانت نفسها التي هي أمانة من الله ولكنها لم تصُنها بل أهلكتها و أهانتها بأفعالها الخرقاء المشينة والتي تجعل الخزي يحني رأسها و العار يثقل كاهلها ولكن أكثر مايؤلمها في الأمر برمته هو أن المتسبب في كل ذلك والدها .. !
ذلك الرجل الذي من المفترض عليه حمايتها من نفسها اولًا و تعنيفها أن سولت لها الخطأ كان هو من يزينه لها.. استخدمها كدمية رخيصة في أفعاله المشينة دون النظر الي اي شئ..
نشيجًا حارًا كان يمزق جوفها و عبرات محترقة تكوي بسخونتها وجنتيها و شهقات متألمة تفتت روحها كلمات كثيرة تتردد في عقلها حتي إصابته بالجنون ولكن من يستمع لإمرأة مثلها ؟

” ياتري اللي أنتِ فيه دا ندم ؟ ولا وجع ولا ايه بالظبط ؟”
هبت معتدله وهي تشهق بعنف حين سمعت صوته القاسي و كلماته المستفهمة فسارعت أناملها بمحو آثار ضعفها وهزيمتها وحاولت جعل نبرتها قوية حين قالت
” انت ايه اللي جابك هنا ؟ هو انا مش هخلص منك ؟”

اقترب منها بهدوء مثير للأعصاب قبل أن يقول بلهجة تماثله
” لا مش هتخلصي مني .. و جاوبيني علي سؤالي ..”

تنحي الحزن جانبًا و اصبحت في مواجهه بين ضربات قلبها المتلاحقة و ذلك الشعور الغريب و المثير بقربه. و خاصةً حين تذكرت تلك القبلة الساحقة التي اغتالت عذرية شفاهها فداهمت جسدها رعشة قويه جعلت حدقتاها تهتز فلاحت ابتسامة خافتة علي شفتيه و قد فطن إلي أنها تذكرت قبلته وقد انتشي قلبه بذلك كثيرًا
” أنا هسيبلك المكان كله وامشي عشان حقيقي زهقت منك ..”

ما كادت أن تلتفت تنوي المغادرة فأسرت معصمها قبضته القوية ونبرته التي تماثلها حين قال
” مش عايز أتجاوز حدودي معاكِ تاني عشان كدا اقفي نتكلم ..”
تلك المشاعر الغريبة هي أكثر ما يستفزها لذا سارعت بجذب يدها من اسره و هي تلتفت قائلة بنفاذ صبر
” انت عايز مني ايه؟ ”
” جاوبي علي سؤالي .. عامله في نفسك كدا ليه ؟”

لم تفلح في إيقاف سيل فيضان الكلمات التي أنسابت من بين شفتيها و انساب معها وجعّا قاتلًا يقتات علي روحها
” عايز تعرف عامله في نفسي كدا ليه .؟ حاضر هقولك. أنا اكتر واحده وحشه في الدنيا دي .. انا زفت و رخيصة و خاينه خنت خطيبي زمان مع صاحبه .. خونت عيلتي و الناس اللي عشت معاهم عمري كله… حاولت أأذي فرح و أبعدها عن سالم بكل الطرق .. حاولت أأذي جنة و ابعدها عن سليم و اتواصلت مع ابن عمها و عرفته كل اللي حصل بينها و بين حازم . بص علي قد ما تقول قول . مفيش حاجه وحشة معملتهاش .. “

كانت كلماتها تقطر ألمًا انبعث من عينيها علي هيئة عبرات غزيرة ارتج لها قلبه ولكنه لم يستطيع منع الكلمات التي خرجت من فمه قاسية توازي قسوة شعوره
” و متحمله نفسك كدا ازاي ؟”

صاحت بقهر
” مين قالك اني متحملاها ..انا اكتر واحده كارهه نفسها و بتأذيها في الدنيا دي. و اكتر واحده رخصت نفسها و حقرت منها… ”
لم يتمالك نفسه وهو يهزها بعنف قائلًا بغضب مرير
” و ليه تعملي في نفسك كدا ؟ هاه . ليه تهينيها و ترخصيها كدا ؟ ردي عليا . ليه ؟؟”

صرخت بكل ما يعتمل بداخلها من قهر و ألم
” أنا مختارتش اعمل كدا.. مختارتش اي حاجه بإرادتي . مختارتش ..”
انهت كلمتها الأخيرة وهي تتهاوي علي الأرض بين يديه التي لم تفلتها انما هبط معها ليجلس أمامها يناظرها بألم و حزن حين تعالت شهقاتها التي كانت تشق السكون حولهم
” مفيش حد بيختار يبقي وحش .. مفيش حد بيختار يبقي مجرد كومبارس او عروسة بخيوط الناس بتحركها.. “

هكذا تحدثت بألم ثم اخفضت رأسها وهي تتابع بخفوت
” بتسألني ندمانه ؟ ندمانه دي كلمه بسيطة علي اللي جوايا .. انا عندي استعداد اضحي بعمري كله قصاد أن الدنيا ترجع بيا عشان اصلح كل غلطاتي و بعدها اموت.. انا راضيه ..”

لم يعد في مقدوره احتمال وجعها اكثر فمن الواضح أن تلك المرأة تعني له اكثر مما كان يتوقع لذا أخذ قراره و اشتدت يديه الممسكه بكتفيها و قال بقوة
” هتعيشي و هتصلحي كل اخطائك .. وانا جمبك وهساعدك ..”

كان قارب النجاة وسط بحر هائج يكاد يبتلعها بين أمواجه الثائرة ولكنها خشيت أن يكن سرابًا يتخيله قلبها الملتاع لذا نفضت يديه التي تحيط بها و قالت بقسوة
” وانت هتبقي جنبي ليه و بأمارة ايه ؟ اوعي تفكر اني بالرغم من كل اللي عملته واحدة ممكن تفرط في نفسها. لا .. دا هي دي الحاجة الوحيدة اللي بقيالي ..انا مش واحدة من إياهم .. و اعمل حسابك انك لو قربت مني تاني والله لهقتلك ..”

لا يعلم لما شعر بالإنتشاء لكلماتها اهي النزعة الشرقية التي لازالت جذورها بقلبه ولم تفلح سنين الغربة في اقتلاعها ؟ أم أن تحول مشاعره تجاهها هو ما يجعله يشعر هكذا ؟
” حلو وانا بحب الستات الشرسة دي .. بس خلي موضوع الشراسه دا بينا .. انا فعلا هقف جمبك و هساعدك وهنصلح كل العك اللي حصل دا سوي .. و عمري ما هقرب منك تاني غير في حاله واحدة بس ..”

خربش الفضول جدران قلبها من حديثه ولا تعلم كيف همست قائلة
” اي هي الحالة دي ؟”
ابتسم بتخابث قبل أن يقول مازحًا
” إلا لو طلبتي مني ..”

اغتاظت من حديثه أو خاب أملها فقد ظنت أنه سيقول شيئًا آخر فصاحت بحنق
” دا بعينك.. و اوعي كدا عشان اقوم..”

هدر بجفاء مفتعل
” اترزعي مكانك اما اخلص كلامي. ابقي قومي..”

نظراته اخافتها و كذلك نبرته فاستكانت بمكانها فرقت لهجته قليلاً حين قال
” أنتِ اكيد حاسة باللي انا حاسه . بس انا عايز ندي لنفسنا فرصه نفهم فيها مشاعرنا عشان لما ناخد خطوة منرجعش فيها أبدا .. اتفقنا “

كلماته أثلجت صدرها المحترق و لأول مرة منذ سنوات تشعر بتلك السكينة فلم تستطيع سوي ان تومئ بالموافقة ولكنها تفاجئت حين وجدته ينحني برأسه ويده تمسك كفها الذي اقترب ليلثمه برقه جعلت الوخزات تتفشي في سائر جسدها ناهيك عن قلبها الذي كاد أن ينخلع من مكانه تأثرًا بتلك القبلة التي بعثرت كيانها و أتت كلماته لتجهز علي الباقي من ثباتها حين سمعته يقول بصوتًا أجش
” مش عايز أشوف دموعك تاني .. عايز اشوف شيرين اللي كانت ضحكتها ترد الروح..”

تزامناً مع كلماته ارتسمت اجمل ضحكة علي ثغرها الممتلئ فزادته إغراء كما زادت ملامحها فتنة فكانت كشمس اتبثقت من بين عتمة أحزانها …
اخترق جلستهم صوت أتي من هاتفه معلنًا عن وصول رسالة نصية فتراجعت «شيرين» بحرج الي الخلف بينما هو انكمشت ملامحه بغضب و قام بالتقاط هاتفه الذي حاز علي انتباهه لثواني قبل أن يرفع رأسه بعد أن تبدلت نظراته كليًا و قال بخشونة
” يالا تدخل جوا عشان متبرديش .. “

اطاعته بصمت و توجهت الي الداخل بينما تباطئت خطواته حين وصلت علي غرفتها و حين أوشكت علي فتح الباب تحدث بلهفه
” هتنامي ؟”
التفتت قائلة بخجل
” هحاول ..”

حاوطتها نظراته بطريقة اربكتها خاصةً حين قال بخفوت
” لو منمتيش ابعتيلي …”
اومأت برأسها بخجل ثم التفتت لتدلف الي الغرفة تحت أنظاره التي تقول الكثير و الكثير .
ما أن أغلقت «شيرين» باب غرفتها حتي توجه إلي أحد الغرف و قام بالدخول إليها دون أن يطرق الباب فالتفتت «أمينة» تنظر إليه بابتسامة فهم معناها علي الفور فتحرك تجاهها واضعًا يديه في جيوب بنطاله وهو يقول بجمود
” نعم .. “

«أمينة» بتهكم
” أنا اللي عايزة اسمعك مش انت ..”
«طارق» بخشونة
” كل اللي طلبتيه حصل ..”
«امينة» بمكر
” حلو و أيه كمان ؟”

زفر بنفاذ صبر قبل أن يقول بجفاء
” و شيرين خلاص من النهاردة مفيش قلق ولا خوف منها …”

أوشكت «أمينة» علي الحديث ولكنها تفاجئت حين وجدت باب غرفتها يفتح و تقف أمامه «شيرين» تناظرهم بأعين يلتمع بها الدمع و الخذلان ولكن كانت المفاجأة الأكبر من نصيبه حين رآها و قد هوي قلبه بين ضلوعه حين سمع كلماتها حين قالت بتهكم مرير
” ها يا مرات خالي اطمنتي من ناحيتي ولا لسه ؟ “

«أمينة» بارتباك
” شيرين ….”
حاولت أن تتواري خلف جدار السخرية التي تضمنها لهجتها حين قالت
” تعرفي كل حاجه قالهالي ناجي الوزان كانت غلط الا حاجه واحده بس .. انك فعلا مش سهلة …”
” مش سهلة عشان عايزة احمي بيتي و عيلتي ؟”
هكذا قالت« أمينة» بحدة بعد أن تجاوزت صدمتها فاجابتها «شيرين» بلهجه تفوح منها رائحه الألم
” واحنا ايه نظامنا ؟ مش من ضمن عيلتك بردو ولا احنا حلال فينا الغدر و الخيانة عادي ؟ بصي مش بلوم عليكِ كلنا وحشين زي بعض . أنا بس حاسه انك كبرتي الموضوع اوي لدرجة أنك تبعتي تجيبي طارق باشا من آخر الدنيا عشان بس يرسم الدور عليا قوم انا الهبلة بقي هصدقه و احبه صح ؟”

قالت جملتها الأخيرة وهي تناظره بعينين تجمع بها هزائم العالم أجمع فلم يتحمل سهامها أبدًا فاقترب منها وهو يقول بتوتر
” شيرين الموضوع غير كدا . اصبري أما هفهمك…”

نفضت يديها بعنف من بين يديه التي حاولت لمسها و هي تقول بتهكم مرير
” لا تفهمني ايه انا فاهمه كل حاجه وانت الصراحة كنت ممثل بارع . بس مش لوحدك انا كمان مثلت عليك و اقنعتك تنكر ؟”

يعرف انها تكذب فحدقتاها تهتز بقوة من ثقل ما تحمله من عبرات و كذلك شفتاها ترتجف من شدة الألم لذا تجاهل ما تقوله و قال بحنو
” بس انا مكنتش بمثل عليكِ..”
” اسكت .. ”
هكذا قاطعته بقوة فلا طاقة لها علي احتمال كذبة جديدة وذلك الحنان في نبرته سيجعلها تنخرط في نوبة بكاء عنيفة ستطيح بما تبقي لديها من كبرياء لذا التفتت تقول لأمينة بفجاجة
” العيلة دي أنتِ غريبة عنها احنا اللي ولادها وان كانت غلطاتي كتير فأنتِ ولادك مش ملايكه و البيت دا بيتنا و لينا فيه و من هنا و رايح اوعي تفكري تتعرضيلي تاني و وفري خططك التافهه دي لحد غيري انا «شيرين» الوزان و محدش يقدر يخدعني ولا يضحك عليا ..”

قالت جملتها الأخيرة و عينيها تصدر سهام حارق استقرت في قلبه ثم ولت هاربة من أمامهم بخطوات حاولت جعلها ثابته قدر الإمكان و ما أن أغلقت باب الغرفة حتي أطلقت العنان لعبرات غزيرة كالأنهار و هرولت للأسفل قاصده مكتب «سالم» الذي تفاجئ بها تقتحم غرفته صافعه الباب خلفها وهي تقول من بين عبراتها
” عايزة اصلح كل الأخطاء اللي عملتها .. و في المقابل هتديني حقي و تسبني امشي من هنا .. “

عودة للوقت الحالي

ناظر 《شيرين》 بصدمة توسعت حين تابع 《سالم 》بقسوة :
“اولًا كدا الفلاشة الي بعتها مع عمتي مروان ظبطها و شيرين نزلتها عندك عالجهاز و بعتتلي كل الداتا القذرة بتاعتك . بتاعت دانيال ! بمعني اصح كل اعمالك المشبوهه و الفيديوهات اللي ماسكها على الزبالة اللي بتتعامل معاهم بقت عندي !”

تزامنًا مع حديث《 سالم》 تقدم 《طارق》 يمسك بيد 《شيرين》 بقوة ليجذبها لتقف بجانبه ثم تنتقل يديه إلي خصرها بتملك و كأنه يعلن للجميع بأنها شيء يخصه فقط ولكن 《ناجي》 كان في وادٍ آخر فصاح دون وعي :
” ايه ؟”

《سالم》 بسخرية :
” لا متفرهدش مني ! إحنا لسه في الأول ..”

ارسل له غمزة ساخرة قبل أن يضيف بتسلية :
” مروان نزل فيروس قوى عالفلاشة اللي ادتهاله و شيرين بعد ما بعتتلي الداتا حطت الفلاشة بتاعت مروان في الجهاز بتاعك و دمرت كل حاجه عليه ! و دا بالمناسبة كان النهاردة الصبح ! “

التمعت عينيه بتشفي وهو يشاهد صدمته و تابع بقسوة :
” و على فكرة مراتي وابني بخير و مستنيني أخلص منك و ارجعلهم .. و التمثيلية اللي حصلت دي اتعملت عشان تصدق نفسك تقدر تقول كدا كانت الختم اللي خدته علي قفاك يا حمار .. !”

عودة إلى وقت سابق

” سالم عيزاك ضروري ..”
هكذا تحدثت« أمينة» بخفوت بجانب أذنه فاومئ لها بصمت فتابعت بتأكيد
” دلوقتي.. هسبقك علي اوضتي ..”

قالتها «أمينة» ثم توجهت الي غرفتها و فعل هو بالمثل فما أن دخل حتي جذبته من يده وهي تغلق الباب جيدًا قبل أن تتوجه به الي الأريكة وسط أنظاره الذاهلة و ما أن جلست بجواره حتي قال بخشونة
” في ايه يا امي ؟ و ايه كل اللي أنتِ بتعمليه دا ؟”
«أمينة» بتحذير
” الحيطان ليها ودان واللي انا عيزاك فيه دا مينفعش حد يعرفه …”
«سالم» بفضول
” سامعك في ايه ؟”
” فرح حامل !”
هكذا قالت «أمينة» بسعادة فهب من مكانه كالملدوغ و انحبست الأنفاس داخل صدره من فرط المفاجأة
” أنتِ بتقول ايه ؟”

خرجت الكلمات من فمه دون أن يشعر فجذبته «أمينة» من يده وهي تقول بتحذير
” اقعد هحكيلك ..لما فرح تعبت من كام يوم والدكتور قال قاولون بصراحه انا مرتاحتش و قلبي قالي ان في حاجه غلط .. و خدتها تاني يوم وروحت للدكتور و خليته يعملها تحاليل شاملة و الحمد لله طلع إحساسي صح و طلعت حامل .. و عشان الحمل لسه في أوله الدكتور معرفش دا بس تحليل الدم بينه..”

لأول مرة في حياته يرغب في أن يرقص من فرط السعادة التي اجتاحت قلبه حين سمع هذا الخبر الذي كان كنقطة ضوء وسط غياهب الظلمات التي تحيط بهم .
طرق خافت علي باب الغرفة ثم أطلت« فرح» برأسها فقد كانت تبحث عنه ولم تجده و ما أن رآها حتي تعاظم الشغف بقلبه و اطلت من عينيه نظرات عشق كانت فريدة من نوعها وكل هذا لم يفت علي «أمينة» التي قالت بلهفة
” تعالي يا فرح . خليكِ هنا مع سالم عشان عايزك في موضوع.. “

تقدمت لتقترب من «سالم» وهي تقول بتنبيه
” بارك لمراتك و خليك فاكر أننا مش عايزين حد يعرف دلوقتي لحد ما تدب فيه الروح و يشيل نفسه شويه مش ناقصين قر وحسد ..”

برقت عيني« فرح» حين سمعت كلماتها و قد فطنت بأن «أمينة» قد أخبرته وهي من كانت تموت شوقًا لاخباره و رؤيه ملامحه وهي تزف له هذا الخبر السعيد ولكن سبقتها «أمينة» ..
” تعالي هنا..”
هكذا امرها فظنت أنه غاضب منها فتقدمت بخطٍ وئيدة وهي تقول بتبرير
” علي فكرة أنا كنت هموت و اقولك وماما أمينة هي اللي مرديتش….”

لم تكد تنهي جملتها حتي امتدت يديه تجذبها بقوة الي ذراعيه بينما كانت شفاهه تسطو بقوة علي خاصتها بشغف و عشق فاض بهم قلبه الذي كان يتراقص من فرط السعادة التي يشعر بها فقد تحققت أمنيته في هذه الحياة علي يديها..
أخذ يقربها منه أكثر و يسكب عشقه الضاري فوق ملامحها ببذخ حتي أنها لم تملك القدرة علي مجاراته فتركت نفسها له يقودها كيفما يشاء بينما هي تترنح معه من فرط الثمالة فنبيذ عشقه كان مُسكِرًا يُغيب العقول ويأسر القلوب وقد وقعت أسيرة له و قد كان هذا اجمل ما حدث لها في هذه الحياة
حررها من سطوته ولكن لم تفلتها يداه بل ظلت تحتضنها بينما أسند جبهته علي خاصتها و أنفاسه المشتعلة تحرق بشرتها الرقيقة التي توردت بفعل قربه و خرجت كلماته الرائعة من بين لهاثه المحموم
” أنتِ أجمل حاجه حصلتلي في حياتي..”

كلماته العاشقة دغدغت حواسها فهمست بخفوت
” و انت حياتي كلها..”
همس بخشونة أمام شفتيها المغوية
” اعمل فيكِ ايه دلوقتي ؟ “

ابتسمت بدلال خالط لهجتها حين قالت
” انت عايز تعمل ايه ؟”
لون العبث نظراته وكذلك لهجته حين قال
” أنا مبقولش انا بعمل علي طول ..”

قهقهت بصخب علي كلماته التي دغدغت مشاعرها ثم قالت بحب
” فرحان ؟”
” طاير …”

لامست كلمته و سعادته اوتار قلبها فهمست بلهجة عاشقة
” فرحتك دي تسوي الكون عندي ..”
همس بعذوبة
“و أنتِ فرحتي ..”

حاوطت عنقه بيديها وهي تهمس بغنج
” عايزة اطلب طلب ينفع ؟”
يروق له دلالها و كل شئ بها
” الدنيا بحالها تحت رجليكِ ..”
لامست أناملها ذقنه وهي تقول بتمني
” عايزاك تفضي نفسك ليا شويه . أنا مبعرفش اتلم عليك خالص…”

سحب اكبر قدر من أكسجين أنفاسها الدافئة وهو يقول بتأكيد
” هيحصل .. صدقيني أنا محتاج دا اكتر منك ..”
ما أن أوشكت علي الحديث حتي تعالي رنين هاتفه فالتقطه ليجيب علي الفور فجاءه صوت« شيرين» المحذر
” سالم هي فرح حامل فعلا ؟”
استفهام قاتل أصاب قلبه فقال بحدة
” عرفتي منين ؟”
” بابا لسه قايلي … ”
زأر غاضبًا
” و عرف منين ؟”
” عرف من الدكتور اللي كانت عنده هي و طنط أمينة من كام يوم … بابا بيراقب القصر و عارف كل حاجه بتحصل و تقريبًا له عيون جوا ..”
أطلق انفاسًا حارقه من جوفه فجاءه تحذيرها ليزيد من اشتعال صدره أكثر
” خلي بالك هو كمان عرف نتيجه المناقصة قبل ما تتعلن و اتصل يفرحني بأنه خدها منك و طلب مني أنه افرحه انا كمان…”

هوي قلبه بين قدميه لأول مرة يشعر بالرعب الحقيقي فقال بترقب
” تفرحيه ازاي ؟”
«شيرين» بارتباك
” عايزني احاول أسقطها …”
مرت ثواني كان صامتًا فقالت بخفوت
” سمعتني يا سالم…”
قاطعها بقسوة
” اقفلي و هكلمك كمان شويه ..”
انهي المكالمة وقال بفظاظة
” ركزي معايا و اسمعيني كويس ..”

«فرح» بذعر
” في ايه يا سالم قلقتني ؟”
«سالم» بجفاء
” كل اللي في القصر دا ماعدا انا وأنتِ لازم يعرفوا النهاردة انك كنتِ حامل و سقطتي ..”

«فرح» بصدمة
” ايه ؟”
نهرها بقوة
” مفيش وقت تتصدمي . دا الحل الوحيد عشان ابعد عيون الكلب دا عنكوا .. ”
قالها ويديه يعانق بطنها المسطحه فغزا الخوف أوردتها وتجلي بنبرتها حين قالت
” طب هنعمل دا ازاي ؟”
صمت لثوان قبل أن يقول باختصار
” هضربك ..”
شهقت مفاجئة فأوضح بلهفه
” كدا و كدا يا فرح هنمثل يعني .. ”
القي نظرة علي ساعته قبل أن يقول بخشونة
” بعد ساعة إلا ربع بالظبط «سليم» هيكلمني يقولي أننا خسرنا المناقصة الي كان ورقها معاكِ… وقتها مش هيكون قدامي حد اشك فيه غيرك …”
«فرح» بصدمة
” أنا مش فاهمه حاجه …”
” هفهمك .. بس مش دلوقتي.. مفيش وقت . اعملي اللي بقولك عليه . ووعد مني هعرفك كل حاجه بعدها و مش هخبي عنك حاجه خالص …”

عودة للوقت الحالي

بدا وكأنه علي وشك الجنون فصاح بهستيريا :
” لا .. لا .. اللي أنت بتقوله دا مش حقيقي ..”

《سالم》 بأسف مصطنع :
” للأسف حقيقي ..”

برقت عينيه و تصاعدت أبخرة الغضب إلى رأسه و حاوطته نظرات الشماتة من كل حدب و صوب فصرخ بصوت هز أرجاء المكان حولهم :
” انت مفكر أنك انتصرت . انا ممكن ادفنكوا كلكوا هنا. القناصات محاوطاكوا من كل ناحية ..”

تجمد بمكانه إثر هذا الصوت الساخر الآتي من الخلف:
” لو تقصد شويه العيال الفافي اللي ممسكهم مسدسات لعبة دول فأنت مسنود علي حيطه مايلة… انما احنا بقي مسنودين علي بعض .. و طبعًا مش محتاج اقولك مين اللي صورلنا المكان و عرفنا كل دخلاته “

عودة لوقت سابق

انقبض قلبها و داهمته حوافر القلق فأغمضت عينيها تناجي ربها أن يرفع عنها ذلك الشعور و أن يسكن داخلها و تطمئن روحها و سرعان ما أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا تطرد تلك الكوابيس وصبت اهتمامها كله علي مظهرها في المرآة و ذلك القماش الاسود اللامع الذي يعانق رشاقة جسدها و يبرز منحنياته الرائعه علي استحياء لم يخدش برائتها التي تُميز ملامحها الرقيقة و عينيها التي كانت تشبه بحر أسود براق أضفي عليه العشق لمعه مميزة ليتبدل بهوته الي وهج مُتَلأْلِئ انعكس علي بشرتها الصافيه و تقاسيمها الرائعه التي زينتها بحمرة شفاه قانية تشبه حمرة وجنتيها الممتلئة . بدت ساحرة متألقة تشبه قمرًا يتوسط سماء حالكه السواد . و قد كان هذا ما أرادته بالتحديد فقد تزينت من أجله . تعلم بأنه ينتظرها و قد شعرت بحاجتها لأن ترى سعادته و ابتهاجه حين يراها .

خطت أقدامها تهبط درجات السلم تحاول التغلب علي شعور القلق الذي ما أنفك يداهمها بشراسه إلي أن توقفت علي آخر درجه في السلم علي إثر إنقطاع التيار الكهربائي و هي تردد بحنق
” اوف كانت نقصاك انت كمان !”

غضبت و تعاظم القلق بداخلها فسمعت صوت السائق الذي كان ينير كشاف هاتفه و هو يهتف بقلق
” ست جنة . مش يلا بينا ؟”

صدح صوتها الذي تخلله نبرة غير مرتاحه
” يالا بينا …”

توقفت علي بعد خطوتين من باب المنزل و قد تذكرت شيئًا فالتفتت إلي السائق قائلة بعجالة
” معلش يا عم مجاهد هروح اطمن علي محمود و آجي .. ”
” براحتك يا بنتي .”

اضاءت كشاف هاتفها و عادت أدراجها للأعلى بخطٍ أثقلها القلق و قامت بفتح باب غرفة طفلها الغارقة في الظلام إلا من ضوء خافت يتسلل من النافذة التي لدهشتها كانت مفتوحة علي مصرعيها فهوى القلب و ارتعب حين وجهت ضوء الكشاف علي مخدعه الذي كان فارغًا !

حاولت تجاهل رعبها و هي تتوجه الي غرفة أمينة و بداخلها تتوسل أن يكون معها. ولكن وجدتها فارغة !
اخت تدور حولها في الظلام كمن سيفقد عقله و صدح صوتها يبدد عتمة الليل الحالك
” دادا نعمة .. ماما أمينة . انتوا فين ؟”

لم يجبها أحد فتقاذف الدمع من مقلتيها يأسًا و عادت الي غرفة صغيرها تصرخ عليه و كأنه سيسمعها فتفاجئت بآنات الألم التي انبعثت من زاوية ما هرولت إليها لتتفاجئ من نعمة الملقاة ارضًا تنزف فافترشت الأرض بجانبها وهي تقول بصوت مرتجف
” دادا نعمة مالك ؟ فيكِ ايه و محمود فين ؟”

نعمة بصوت متألم يحاول جاهدًا الخروج من بين شفتيها
” اخدوه مني .. ضر ضربوني .. و أخدوه.. ووو”

لم تطاوعها شفتاها بالحديث فقامت بمد يدها بورقة مطوية التقطتها يد جنة متلهفه ليسقط قلبها ذعرًا حين قرأت الحروف المدونة
” لو عايزة تشوفي ابنك تاني تعالي عالعنوان دا . لوحدك . اياكِ تجيبي معاكِ حد و خصوصًا حبيب القلب !”

” ابني .. ”
صدح صوتها المحترق رعبًا علي صغيرها الذي طالته أيدي الغدر و لم تتردد ثانية بل توجهت بخطٍ مبعثرة الي الأسفل تنادي بصراخ جاء من قلبً مكلوم
” عم مجاهد … يا عم مجاهد ”
” نعم يا ست جنة ..”

جنة بلهفة
” اطلب دكتور لدادا نعمة مخبوطه علي دماغها و بتنزف…”

لم يكد يجيبها حتي رأت سيارة طارق التي اصطفت أمام الباب فتوجه إليها قائلًا بمزاح
” الأميرة اللي طلعان عنينا من الصبح عشان خاطرها ؟”

الدمع المتلألئ بعينيها كان يبعث علي القلق فتقدم منها قائلًا بلهفه
” في ايه يا جنة؟”

لوهلة كانت ستخبره ولكنه الخوف الذي جعلها تتراجع بآخر لحظة قائلة بتوتر
” دادا نعمة مخبوطه على راسها فوق اطلع شوفها ارجوك …”

هرول طارق دون حديث إلي الأعلى فالتقمت عينيها سيارته التي غالبّا ما يترك بها المفتاح حتي يأتي أحد الحرس ليصفها في الجراج فهرولت إليها و قامت بإدارة المحرك و المغادرة غير عابئة بصوت طارق الذي صاح محذرًا من النافذة
” جنة .. استني يا جنة…..”

تحولت السيارة لوحش ينهب الطريق أمامه فهرول طارق للأسفل و هو يحاول الاتصال بسليم الذي ما أن أجاب حتي صاح طارق
” الحق يا سليم محمود اتخطف و جنة راحت تجيبه…..”

انشق قلبه الي نصفين حين سمع كلمات طارق فبعد أن كان يخطط لعمل مفاجأة سارة لها في أول عيد ميلاد لها بجانبه ينقلب اليوم رأسًا علي عقب بتلك الفجيعة التي لن يحتملها قلبه وهي خسارتها…
” شيرين يا طارق .. حاول توصل لشيرين .. وانا هجيب مروان و أجيلك ..”

اغلق طارق الهاتف و قد سنحت له الفرصة للتقرب منها فقد أعلنت رايه العصيان في وجهه و أغلقت أمامه كل الطرق لنيل رضاها .
هاتفها مرارًا و تكرارًا ولكن دون جدوى فقام بإرسال رسالة نصية فحواها
” ردي ضروري . ناجي خطف محمود و جنة راحت عشان تنقذه . اول ما تعرفي تكلميني كلميني …”

نصف ساعة مرت ولم يصل اليه خبر منها و لكن وصل كلًا من سليم و مروان الي المنزل الذي كان خاليًا ف
أمينة برفقة فرح عند الطبيب و الخدم عادوا الي بيوتهم و همت و سما نائمتان بينما هو والرجال كانوا يحضرون اليخت استعداداً لقدومها ..
” عملت ايه يا طارق كلمتها ؟”
كان هذا صوت سليم الملتاع فأجابه طارق بيأس
” للأسف مابتردش ..”

هاج غضبه كوحش كاسر فصرخ بعنف و هو يقوم بحمل الطاولة و إلقائها بقوة لتتحطم الي أشلاء كما تحطم قلبه تمامًا فاقترب منه مروان محاولًا تهدئته
” سليم اللي انت بتعمله دا مش هينفع جنة . لازم تهدي عشان نلاقيها.. “

كيف يهدأ القلب و المحبوب بعيد ؟ كيف يهدأ وهو لا يعلم اين هي و كيف حالها ؟ تلك السكينة التي حاوطته منذ فترة كانت بفعل قربها فكيف وهي بعيدة يمكنه الهدوء أو الراحة؟
التقط هاتفه و قام بإجراء مكالمة هاتفيه و سرعان ما أجاب سالم
” في جديد يا سليم ؟”
همس سليم بقهر
” ناجي خطف محمود و جنة راحت عشان تنقذه و مش عارف اوصلها … “

هب سالم من مقعده و كذلك صفوت الذي كان بجانبه يحاولون دراسة الأمر حتي يحكموا الخناق حول ناجي و الإيقاع به
” حصل امتا الكلام دا؟”
سليم بألم
” من حوالي ساعة . وبنحاول نوصل لشيرين و مش عارفين ..”

زفر بقوة قبل أن يقول بحدة
” اسمعني كويس . أنا هحاول اوصلها و انت جهز نفسك و جهز الرجالة خلاص مش هنستني اكتر من كدا …”

سليم باستفهام
” ناوي علي ايه يا سالم.. خلي بالك جنة و محمود معاه ..”
سالم بفظاظة
” مش هيقدر يقرب لهم . دول كارت عشان يضغط بيه علينا و يأمن نفسه . نفذ اللي قولتلك عليه و استني مني تليفون …”

اغلق سالم الهاتف و فعل سليم ما أمره به و بعد مرور ساعتان جاءته رساله نصية من شيرين
” جنة معايا .. هبعتلك صور القصر وهعرفك المداخل و المخارج و اماكن الحراسة ..”

عودة إلى الوقت الحالي

كان هذا صوت 《سليم》 الساخر الذي نزل درجات السلم و توجه رأسًا تجاه 《جنة》 ليحتويها بين ذراعيه بلهفة و خلفه «عمار》 الذي لمعت عينيه بشوق وهو ينظر تجاهها و خلفهم مجموعه من رجالهم والتي كانت تجذب رجال《 ناجي 》المُكبلين بالأصفاد مما جعله يشهق بصدمة فأتاه صوت《 سالم》 القاسي حين قال :
” مقولتليش ايه رأيك في مفاجأتي ؟ “

برقت عينيه و ألتمع بها الجنون و اشتدت ملامحه وهو يتقدم من《 سالم 》قائلًا بتخابث:
” حلوة.. مفاجأت حلوة و غير متوقعة بصراحة . بس أنا بقي مكنش عندي ثقة في ولا واحد من الكلاب دول ؟ عشان كدا عملت حسابي “

منذ وقت ليس بقليل يشعر بأن هذا الرجل يخفي شيئًا كبيرًا ولكنه لم يفلح في معرفته فتابع《 ناجى》 بسخرية :
” ايه هي شيرين مش قالتلك ؟؟”

التفت إلي 《شيرين 》يطالعها بحقد قبل أن يلتفت إلى 《سالم》 يتابع بسخرية:
” تصدق مطلعتش أصيلة اوي زي مانت فاكر!”

التمعت نظرات الفضول من كل مكان حولهم فتجاهل ما يشعر به وزأر بقوة :
” قولتك خلصت خلاص. و انتهيت من حياتنا و قدامك حل من الاتنين وانا عشان راجل كريم هخيرك “

أطل السؤال من عينيه فتابع 《سالم》 بقسوة:
” يا نخلي البوليس ييجي يقبض عليك .. على دانيال روبرت .. اه مانا نسيت اقولك أنا قدمت كل الداتا اللي عندي للنيابة .. يا نولع في المكان وانت جواه و نبقي خلصنا البشر من شرك و دا احسن فى رأيي “

ارتجفت ملامحه و تعالت أنفاسه قبل أن يلتمع بنظراته شيء جنوني وهو يقول بمكر:
” طب مش تستني تعرف مفاجأتى الكبيرة .. مسألتش نفسك في مين ورا الباب دا؟ “

التفت ناظرًا إلى الباب السادس و الذي لا يزال مغلق للآن فتوجه إليه يفتحه و يقوم بجذب شخص ينكث رأسه بخزي ليرميه أمام أعينهم المزهولة و هو يقول بتشفي :
” أحب أكون الملاك اللي هيلم شمل العيلة من جديد و أقدملكوا حازم بيه الوزان ! حلوة المفاجأة دي ؟”

برقت الأعين و توقفت الأنفاس بمنتصف الصدور و تجمد الجميع بذهول فعم صمت مريع المكان لم يقطعه سوى ذلك الصوت المرتجف الآتي من خلفهم :
” حاااازم !!! “

إلى اللقاء في الجزء الثالث و الأخير من سلسلة الأقدار بعنوان “أنشودة الأقدار ” واللي هينزل أن شاء

#نورهان_العشري
#قيثارة_الكلمات
#بين_غياهب_الأقدار
#أدمن سهر
جماعه حاليًا الأدمن هما اللي ماسكين البيدج و الجروب بتوع نور بسبب ظروف الوفاة فلو في أي حاجه التواصل معانا علي جروب الفيس بوك
و دعواتكم لنور و لأهلها

تنويه

الأحداث دي بعد مرور أسبوع من آخر فصل نزل و أن شاء الله مع بداية الجزء التالت نور هتنزل اول فصل فلاش باك
بسبب الظروف اللي حصلتلها مقدرتش تكتب اكتر من كدا

أنا سبت التنويه اللي فوق دا عشان الناس اللي لسه هتقرأ الروايه جديد تعرف سبب اللخبط اللي حصلت
نيجي بقي هنا للحلويات دي دي روايتي و حلوة قلبي اللي أن شاء الله هتنور معرض الكتاب السنة دي

و دا اقتباس منها

بين دروب الحياة المليئة بالعقبات تعثرت بعجوز تدعي بأن روحها تستشعر المستقبل، وكعادتي سخرت من حديثها فتقبلت سخريتي بصدر رحب و غرزت حروفها أنياب الفضول بقلبي
” أرى بنهاية طريقك المظلم نورًا يشِع من قلب امرأة ظاهرها الهلاك وباطنها النعيم.. سيُرديك عشقها قتيلًا، قد تجد نفسك ضائعًا بقسوتها شريدًا بين دروب الوجع الساكن بعينيها ولكن بيدها غوثك.. وبين جنبات صدرها ستجد راحتك. ستجعلك تقع بعشق الحياة من جديد وسيُرمم قُربها جُراحك النازفة.. بحور العسل الذائب بعينيها ستُحلي مرارة لياليك الطويلة، وستكون مرفأك الآمن الذي سيُنقِذك من أمواج الغدر المحيطة بك.
هدأ الفؤاد بكلماتها وخرجت الكلمات تحمل رذاذ الأمل الذي كدت أفقده من شدة الوجع
” وكيف سأتعرف إليها؟”
“يعرفها قلبك جيدًا.. فقط اتبعه.”
هكذا كانت إجابتها فلم تروي ظمأ فضوله فسارع بسؤالها:
“لا أفهم قصدك!”
لونت الابتسامة تجاعيد وجهها قبل أن تقول بغموض
” لم تُخلق الصدف عبثًا.”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى