روايات

رواية كبرياء صعيدي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نور زيزو

رواية كبرياء صعيدي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم نور زيزو

رواية كبرياء صعيدي الجزء السابع والعشرون

رواية كبرياء صعيدي البارت السابع والعشرون

كبرياء صعيدي
كبرياء صعيدي

رواية كبرياء صعيدي الحلقة السابعة والعشرون

بعنــــــــــوان ” يحيا قلبي بك”
احيانًا لا يقتلنا الوجع، بل يُحينا ويُعيد لنا الحياة التي سلبتها غمامة المشاعر المزيفة، خرجت “فيروزة” من المرحاض تحيط رأسها بمنشفة بيضاء تجفف بها شعرها الاسود المبلل مُرتدية بيجامتها القطنية السوداء المُزينة بالفراشات الوردية الضيقة التى تظهر تفاصيل جسدها ومفاتنها، تسمرت مكانها حين رأت “مصطفى” عاد من الخارج ويجلس على الفراش مُنهكًا من درجة حرارة الصيف بالخارج، أعتدل فى جلسته بدهشة من جمالها فتنحنحت بحرج وظلت عينيها تتجول هنا وهناك مُتحاشية اللقاء معه، غادر الغرفة فى صمت مُدركًا أنهما لم يصلوا لبر الآمان حتى الآن ورغم زواجهما لكن ما زال هناك حدود بينهما لم يجرأ على تجاوزها، جلس على الأريكة فى صمت بينما قلبه لم يكن صامتًا نهائيًا، بل جن جنونه من رؤيتها هكذا وجميلة لأول مرة ينبض هذا القلب بقوة هكذا، تراقصت دقاته على ضلوعه التى كانت بمثابة أوتار موسيقي تطرب صدره، تنفس بهدوء وأغمض عينيه باسترخاء هائمٍ بسحر لذة هذا الشعور الذي تملكه الآن، فـ باتت أمنيته الوحيدة الآن هو ضمها لمرة واحدة فقط
فُتح باب الغرفة وخرجت “فيروزة” مُرتدية فستان قطني بأكمام وشعرها مسدول على ظهرها، حافية القدمين لتراه نائمًا على الأريكة كالمعتاد منه وكأنه أحب هذه الأريكة أكثر ليلقي بجسده عليها رغم أن “فيروزة” لم تطلب منه هذا من قبل، تنحنحت بنبرة خافتة حتى لا تفزعه؛ ليفتح “مصطفى” عينيه على صوتها فقالت بنبرة أكثر هدوءًا:-
_ أنا مخنوجة جوى يا مصطفى، ينفع نخرج نتمشي شوية على البحر
نظر إلى ساعة معصمها الموجودة على الطاولة المجاورة وكانت الساعة واحدة بعد منتصف الليل ليقول:-
_ دلوجت يا فيروزة
أومأت إليه بنعم ووجهها عابسًا من الضيق وقالت:-
_ اه، ممكن … حاسة حالى هموت لو فضلت هنا ثانية واحدة كمان
هز رأسه بفزع من كلماتها بينما يقف من مقعده قائلًا:-
_ لا بعد الشر عنك، أدخلى غيرى خلجاتك
هزت رأسها بالموافقة ودلفت مُسرعة فهندم “مصطفى ثيابه وهى عبارة عن بنطلون أسود وتي شيرت وردي اللون وبعد القليل من الوقت خرجت فيروزة مُرتدية فستان وردي مثله ولفت حجابها الأسود فنظر إلي ثيابها من الرأس لأخمص القدم ثم ملابسه التى تشابهت معها وغادر الأثنين معًا، كان حريصًا على إحاطتها جيدًا من أنظار الجميع خوفًا عليها وغيرة من أن يراها رجل غيره بهذه الجمال، تبسمت “فيروزة” عليه وعلى غيرته الواضحة وتذكرت نظرته إليها من قليل حين رأها بملابس بيتها وهمست إليه بعفوية ناعمة:-
_ مصطفى متجلجش أنا محدش هيشوفني ببيجامتي غيرك
تقدمت للأمام نحو الشاطئ تاركة إياه مُندهشًا من كلماتها فنظر إلى ذراعه الممدود فى الهواء جانبًا محلها ليدرك تصرفه الذي فعله دون وعي، كان غيورًا جدًا عليها وأمام عينيه جمالها ومفاتنها الجذابة بملابس بيتها دون أن ينتبه انها تحشمت فى ملابسها قبل الخروج بفستان فضفاض لم يظهر من جسدها أنش وحجابها الذي زين رأسها يخفى شعرها الناعم عن أنظار المارة، رفع يده إلى مؤخرة رأسه يبعثر شعره مُحرجًا من تصرفه الغير لائق بعقليته لكنه لائقًا جدًا مع منطق قلبه العاشق وهذه الفيروزة قد تسللت إليه وتمكنت من احتلال قلبه وضلوعه المحيطة به، تابعها بنظره وهى تركض ببراءة إلى الشاطئ وقد نزعت حذاءها الرياضي الأبيض لتتداعب الرمال الباردة أصابعها، أنحني يحمل حذاءها فى يده ويتقدم خلفها، رأى رجل يبيع البلالين على وشك الرحيل بعد تأخر الوقت فأسرع إليه وأشتري إليها بالونة على شكل قلب وطلب من البائع أن يملأها بغاز الهيليوم…
ألتفت “فيروزة” ببسمة رقيقة تنير وجهها من تلبية “مصطفى” لطلبها وقدومهم إلى البحر الآن بعد أن كانت تشعر أنها تكاد تموت فى الغرفة، تتحدث بسعادة:-
_ أنا مبسوطة جوى …..
لم تجد زوجها بالجوار لكن ما أفزعها حقًا حين سمعت شاب يسخر من لهجتها الصعيدية ويقول:-
-جوى جوي يا جمر
أبتلعت لعابها خوفًا من هذا الشاب خصيصًا بعد أن وقف مع زملائه من أماكنهم لتبتعد مُسرعة عن طريقهم تسير مع الشاطئ وعينيها تبحث عن “مصطفى” فى الأرجاء بخوف يزداد أكثر من تتبع هؤلاء إليها، تحدث شاب أخر بمزاح:-
_ طب أستن يا جمر بس مش حرام تمشي كدة حافية
ظل يسخروا من لهجتها بحديثهما بينما هى تسرع فى خطواتها ويديها ترتجف من الخوف لكنها تمكنت من الحصول على الهاتف من جيب فستانها وأتصلت على “مصطفى” وقبل أن يُجيب أوقفها يد أحدهما حين مسكها من كتفها لتصرخ بفزع وسقط الهاتف منها، تحدثت بنبرة خافتة تتلعثم فى الحديث:-
_ إياك تلمسني يا حيوان
أستقبل “مصطفى” اتصالها بسعادة وهو يدفع للرجل ثمن البالون بيده الأخرى ويقول:-
-أنا جاى ….
توقف عن الحديث حين سمع جملتها تنعت شخص بالحيوان وتحذره ألا يلمسها مما جعله يركض للخارج بفزع خائفٍ عليها حتى وقع نظره عليها، تقف على الشاطئ يحيط بها ثلاث شباب يمنعوها من العبور فبدأت قدميها تعود للخلف نحو مياه البحر بخوف تملكها منهم، لم يتمالك أعصابه وترك البالون من يده مُهرولٍ إلى فتاته وزوجته الرقيقة…
أبتلعت لعابها بخوف من إحاطتهم لهما، أقترب شاب منها يحاول أن يمسك يدها من الغضب بعد أن ضحك أصدقائه عليه من سبها إليه قال بحدة غليظة:-
_ أنا حيوان يا بنت الكلــ ــب
لم ينجح فى لمس يدها بسبب لكمة “مصطفى” إليه التى أسقطته أرضًا فبلل جسده من الماء، مسك يدها بطمأنينة بينما أختبئت “فيروزة” خلف جسده القوي وقد حل الآمان فى قلبها وأطمنت بظهوره، أجتمع الشباب معًا لضربه وبدأ يتلقى لكمة ويسدها إليهم حتى جاء إليهم بعض المارة ورجال الكافتيريات المجاورة يفكوا النزاع بينهم وأخرجوا الشباب من الشاطئ، أقتربت “فيروزة” منه بوجه عابسة باكية لترى وجهه الذي ينزف، رفعت يدها إلى جبهته المجروحة تلمس هذا الجرح الذي تلقاه لأجل الدفاع عنها وقالت بحزن باكية:-
-أنا آسفة يا مصطفى
مسك “مصطفى” يدها بلطف وهو يهز رأسه بالنفي وقال بنبرة خافتة:-
_ أنا اللى أسف أنى هملتك لحالك فى وجت متأخر أكدة، حجك على رأسي يا فيروزة
سألته بفضول عن سبب أختفائه فجأة قائلة:-
_ كنت فين؟
بحث حوله عن البالونة ليراها تلحق فى السماء فأشار عليها بسبابته وقالت:-
_ كنت بجيب لك دى
نظرت إلى البالونة بعينيها الباكية ثم إلى “مصطفى”، زوجها الذي يفعل أى شيء يدور فى ذهنه لأجل إسعادها والتخلص من حزنها ووجعها الكامن بداخلها، أخذها معه وذهبوا إلى الفندق بعد أن دمرت نزهتهما ………….
________________________________
دق باب المكتب بلطف ثم فُتح ودلفت “عطر” بخطوة واحدة ثم قالت:-
_ ممكن أدخل
نظر “عيسي” إليها بدهشة من نزولها إلى المكتب رغم تحذير الطبيبة لها من الحركة فوقف من مكانه بقلق مُتلهفٍ إليها حتى وصل إليها وأخذ يدها فى يده يساندها قائلًا:-
-طبعًا، أي اللى نزلك يا عطر؟ مش جولنا نسمع كلام الدكتورة لحد ما تولدي
نكزته فى خصره بغضب مُصطنع وقالت مُتذمرة عليه:-
-دا لما جوزى يسمع الكلام ويبطل شغل لحد نص الليل، بقالي أكتر من ساعتين قاعدة مستنيك تطلع يا عيسي
جلس الأثنين على الأريكة ويديهما مُتشابكة بدفء، نظر إلى عينيها الزرقاء التى لطالما عشق النظر إليهما مسحورًا بجمالهما الخلاب ثم قال:-
_ غصب عني يا عطر، عندي شغل كتير جوى عايز أخلصه ومصطفى سايب الشغل كله عليا وسافر يدلع مع مرته
تبسمت “عطر” على حديثه ثم رفعت يديها بدلال إلى صدره مداعبة إياه بحُب مشتاقة لزوجها فقالت هامسة إليه:-
-طب وأنت مش ناوي تتدلع مع مراتك شوية
تبسم عليها بعفوية ونقر أنفها بسبابته مُشاكسًا إياها بحُب وهذه الفتاة تُذيبه بكلمة واحدة ونظرة من عينيها تكفى ليقدم عمره كاملًا لها فقال بعفويةٍ مازحٍ معها:-
_ واااا، أنتِ اتعلمت الشجاوة دى كلتها منين؟
-أنا شقية مع حبيبي بس، ممكن طلب؟
قالتها بدلال مُفرط تستحوذ على ما تبقي من دقات قلبه وعقله ليؤمأ إليها بنعم فقالت مُتابعة الحديث بنعومة ودفء:-
_ ممكن تضمني، عايزة أشم رائحتك يا عيسي
فتح ذراعيه الأثنين لها لتضع رأسها على صدره وبدأ قلبها المُفتن به فى تسارع نبضاته شيئًا فشيء وتنفست الصعداء بأريحية كأنها كانت تغرق فى قاع المحيط وتبحث عن الأكسجين لتتنفس وقد حصلت عليه للتو من عبيره، تبسم “عيسي” بحُب شديد على زوجته الطفولية مُطوقًا إياها بذراعيه بأحكام حتى لا يفرقهما شيء ولا يترك مجال للهواء أن يغلغل بينهما ووضع رأسه على رأسها وقال:-
_ أنتِ بتتوحمي على رائحتي ولا أي يا عطري
أومأت إليه بنعم بينما تغمض عينيها الأثنين مُستسلمة لهذا الآمان الذي أحتلها فى ضمته إليها، تبسم رغم مزحته معها لكن مُدرك أن طلبها للعناق الآن بسبب خذلان والدها لها، بحثت عن مأوى يضمها بعد تخلى والدها عنها وأختياره للمال مُضحيٍ بأبنته مرة أخرى وتأكد شكوك “عيسي” حين سمعها تقول:-
_ متسبنيش يا عيسي، أنا مبقاش ليا غيرك، ماليش ضهر ولا سند غيرك فى الدنيا دي، أوعى تتخلى عني زى ما الدنيا كلها أتخلت عني ووقفت قصادي تجرح فيا
تبسم بلطف إليها ثم قال بنبرة دافئة:-
-مهسبكيش يا عطري، يا بت دا أنا روحي فيك، دا أنا رغم جوتي بجي استخبي فيكي تسترني من هموم الدنيا اللى تحاربني، يا عطر أنا ماليش حضن وبيت وستر غيرك ومفيش أيد بطبطب عليا غيرك ودموعي مبتنزلش غير معاكي وعمرى ما اتكسفت أكون ضعفي وياكي، أنتِ بيتي وحياتي والله مهتخلاش عنك واصل ولا هيفرجني عنك حاجة ولا حتى الموت هيجدر يفرجني عنك لان حتى بعد ما أموت هفضل أحبك
رفعت يديها تتشبث بعنقه كطفلة رضيعة تختبي من قسوة العالم فى والدها وبهذه اللحظة كنت تشعر “عطر” أنها بين ذراعي والدها حقًا وليس زوجها، رأت به الأب الذي بحثت عنه طيلة عمرها …….
________________________________
جلس “مصطفى” أمامها على الفراش لتضمد جروحه السطحية بلطف بينما هو يتطلع بعينيها الحزينة كأنها تلوم نفسها على ما حدث معه فقال بلطف:-
_ فيروزة
لم يتوقع رد فعلها المفاجئ حين ضربت صدره بقوة بقبضتها غاضبة منه وتصرخ به مُنفعلة كأنه حين لفظ أسمها نزع فتيلة القنبلة التى انفجرت للتو به قائلة:-
_ فيروزة!! أنت بتهزر ويايا صُح، عامل فيها بطل ملاكمة فى البلد ومحدش يجدر يغلبك وهنا شوية عيال فرافير يشلفطوك أكدة
نظر إلى عينيها بحيرة تغلبه، فى كل مرة تتركه فى حيرة من أمرها إذا كانت بدأت تكن له المشاعر أم ما زالت عالقة فى مشاعر “عامر” ليقول بهدوء شديد عكسها:-
_ كنت عايز أعرف غلاوتي عندك
أتسعت عينيها على مصراعيها من كلماته، يتسائل عن قيمته فى حياتها ومن تخلى “عامر” عنها لم يربت عليها أحد غيره ولم يتحملها أى شخص غيره، لم تنسي أن “عيسي” أخاها كاد أن يصفعها يوم زفافها دون أن يرحم ضعفها وكسرتها بينما “مصطفى” هذا الرجل ربت عليها وضم جروحها بحنانه ولطفه، لم يتخلى عنها ولا عن ثأرها من “عامر” الذي جلبهما إلى هنا، رفعت يدها بحرج من سؤاله تضع خصلات شعرها خلف أذنها مُتحاشية النظر إليه مما جعل “مصطفى” يفهم صمتها رفض للجواب فقال بهدوء:-
_ على راحتك أنا مطمعانش فى حاجة أكثر من أنى أشوف ضحكتك ولو عاوزاني أطلجك أنا برضو معنديش مانع
أتسعت عيني “فيروزة” على مصراعيها من هول الدهشة التى الجمتها بسبب كلماته وحديثه عن الأنفصال بعد أن شغل بالها وفكرها، ضحكتها التى يتحدث عنها الآن وحده السبب فى ظهورها على شفتيها من جديد، وقف من مكانه لكى ينهي الحديث بينهما ومر من أمامها ليغادر لكن أستوقفه يدها الباردة من مكعبات الثلج، لم يحرك ساكنًا وهكذا لم ينظر إليها حتى لا تغلبه عواطفه أمامها حتى غلبته حقًا حين تحدثت “فيروزة” باستحياء مُتلعثمة فى الحديث:-
_ بس أنا عايزك تتطمع يا مصطفى
ألتف برأسه إليها ناظرًا إلى يدها المُتشبث به ثم إلى وجهها الذي رفعته بخجل حتى رأى وجنتها المتوردة بحمرة خجلها وهى تطلب منه أن يطمع بها ويطمع بفعل الكثير معها، نظرت إليه بحياء شديد وقالت:-
_ أنا مش عايزاك تطلجني يا مصطفى، أنا عايزاك أنت
عاد للجلوس أمامها من جديد وما زالت الدهشة تتملكه ولا يستوعب ما يحدث، يرمقها بنظره فقط الجماد الذي لا يتحرك، حدقت “فيروزة” به بخجل رغم استغرابها الشديد لتجمده هكذا أمامها وفقالت بلطف:-
_ مصطفى
ظل ينظر إليها ويحرك حاجبيه إليه كأنه يخبره دون التفوه بالكلام أن تكمل الحديث فطأطأت رأسها خجلًا من حركة حاجبيه ونظراته المُسلطة عليها ليبتسم بخفة علي فراولته الجميلة وكأنه قد قطفها للتو من شجرتها بعد أن نضجت وباتت صالحة لتذوق، رفع يده إلى ذقنها يرفع رأسها المنحنية أمامه حتى تقابلت عيونهما وبدأ قلبها يتسارع بجنون يكاد يمزق صدرها ويخترق ضلوعها ذاهبًا إلي هذا الرجل الذي أحياها من جديد وأعاد النبض إلى قلبها أو بالأحرى الرجل الذى أنتزع قلبها المريض وزرع لها قلب جديد لا يعرف شيء عن الوجع، فقط قلب يتمنى البقاء جوار هذا الرجل المفتون بها، وضع قبلته الأولى على جبينها لتنتفض خجلًا وسارت القشعريرة فى بدنها كاملٍ ………….
____________________________________
لم يصدق “ناجي” ما سمعه عن ابنه “نصر” الذي بات مُدمنًا على المخدرات ولا ينطق بكلمة واحدة فقرر “ناجي” الاتصال بمصحة الإدمان لأخذ ابنه من أجل العلاج، كاد “نصر” أن يفقد عقله بسبب حاجته إلى جرعة المخدر ووقف من فراشه بجسد هزيل وضعف وقد تبدل به الحال ووضع يديه فى جيوب عباءته ووجد بداخلها كيس صغير به كمية من المخدر فأخذ الجرعة كاملة ….
وصل موظفين المصحة لأخذه وفتح لهم “ناجي” الباب لكنه صُدم عندما وجد ابنه طريحًا بالأرض فاقدٍ للوعي، هرع إليه اشخاص المصحة وبعد الفحص ويرؤية المادة البيضاء على أنفه أبتعدوا عنه وقال الطبيب:-
_ شد حيلك
أتسعت أعين “ناجي” على مصراعيها من خبر وفأة ابنه بينما صرخت “خيرية” بهلع من فراق أخاها بسبب تجرعه للمخدرات، لم يشارك أحد فى أجراءات الدفن والعزاء لم يجرأ أحد على القدوم إليه بسبب علم بالخلاف القائم بين “عيسي” وبين أسرة “ناجي” رغم صلة القرابة بينهما وحمل الجميع لنفس الدم…..
_________________________________
استيقظ “عيسي” من نومه على صوت دقات باب المكتب ووجد نفسه نائمًا على الأريكة وجميلته غارقة فى نومه جواره مُطوقها بذراعيه، تحرك بلطف حتى لا يقظها ثم حملها على ذراعيه واتجه نحو الباب يفتحه بقدمه ووجد والدته “هدي” تقف مفزوعة وعينيها تبكي فسأل بقلق:-
_ فى حاجة يا أمى
_ نصر ولد عمك مات الفجر وعمك واجف لحاله فى العزاء عند المجابر
قالتها بحزن شديد مُشفقة على حالة عائلتها التى تدمرت بسبب الورث والمال وهم يسقطون شخص وراء الأخر، تحدث “عيسي” ببرود قاتل لم يعري أهتمام لما يحدث:-
_ الله يرحمه ميجوزش عليه غير الرحمة رغم أن اللى زي دا مهيلاجيش اللى يترحم عليه من أفعاله
تقدم للأمام بزوجته النائمة لكن استوقفه صوت والدته الغاضبة من برود ابنها تقول:-
_ عيسي، ما لك يا ولدى؟ جبت الجحود دا منين؟ طب هم انا عارفة أن حجودهم وجسوتهم جت عشان الفلوس لكن أنت اللى مش فاهماك
ألتف غاضبًا من عتاب والدته له رغم كل ما مر به وقال بانفعال أيقظ “عطر” مفزوعة:-
_ مفاهماش أي يا أمى، بكرههم ليه؟ ولا مكنتش معايا فى كل مرة غدروا بيا فيها، موت أبويا وجدي اللى عرفت أن عمي اللى دبر له عشان الفلوس ولا ضرب النار عليا أنا وعطر ولا شرف مرتي اللى حاولوا يدوسوا عليه لما خلوا البلد كلتها تتكلم عنها وعن شرفها ولا محاولتهم فى إقناعي أن مرتى خاينة واللى فى بطنها مش ابني ولا اي ولا اي يا أمي
أنزل “عطر” على الأرض من الغضب بعد أن استيقظت بفضل صراخه، تقدمت “هدى” منه بدهشة لا تصدق كم الكره الذى تراه فى عيني ابنها لتقول:-
_ من ميتى يا ولدي وجواك الكره دا؟
ضحك “عيسي” بسخرية من كلمات والدته ثم قال بجدية:-
_ أنا عمرى ما كرهت حد، وعمري ما كنت فعل ولا مهاجم أنا طول الوجت كنت رد فعل ومدافع، بيدافع عن شرف مراتي وعرضي اللى هم بيحاول يدوسوا عليه ولو كنت عفيت عنهم مرة كان زمان عرضي مداس تحت جزمهم، ولسه متخلجش على وش الأرض اللى يجرب من عرضي ولا شرف مرتي يا أمي، جولتلهم خدوا المال لكن الحجد والكره ملي جلوبهم وأختاره الحرب
صعد إلى غرفته غاضبٍ من لوم والدته له وإشفاقها عليهم دون أن تهتم لما يعاني منه ابنها وقساوة ما عاشه بسببهم…
_______________________________
تسللت “فيروزة” من الفراش برفق حتى لا تقظه ودلفت للمرحاض مُسرعة لتأخذ حمام دافئ ووقفت أمام المرآة تنظر لوجهها الملاكي حتى ظهرت بسمة ناعمة على شفتيها وتضع يديها على جبينها تتذكر قبلته وقلبها البرئ قد سقط من جديد فى الحُب لكن هذه المرة مع زوجها الذي أختاره القدر وليس قلبها، توردت وجنتيها خجلًا وعقلها يسرد لها ذكريات الليلة الماضية والدفء الذي شعرت به فى قربه منها الذي أربكها وكان بمثابة المُخدر الذي تعاطته بين ذراعيه ليغيب وعيها كليًا مُستسلمة لمشاعر قلبها التى أستحوذت عليها، وضعت يديها على وجنتيها تتحسس حرارتهما لتنتفض خجلًا أكثر حين دق الباب وسمعت صوته يناديها:-
_ فيروزة أنت جوا
فتحت الباب بخجل من لقاءه، تبسم “مصطفى” عليها وهى تتحاشي النظر له من الخجل فضحك بعفوية عليها ووضع يديه أمامها يمنعها من الخروج فقالت بنبرة خافتة:-
_ عدينى يا مصطفى
_ تدفعي كام؟!
رفعت نظرها إليها لتتقابل عيونهما التى لا تحمل سوى السعادة والحُب بداخلهما، تمتمت بدهشة من سؤاله:-
_ نعم؟!!
أنقر بسبابته على وجنته مُطالبٍ بقبلة بريئة حتى يسمح لها بالمرور فخجلت “فيروزة” أكثر منه وعادت للداخل مُتذمرة على طلبه وتقول:-
_ خليك مش عايزة أخرج أصلًا
ضحك وهو يفسح لها الطريق لكي تخرج قائلًا:-
-خلاص متزعليش، أخرجي عشان منتأخرش ورانا سفر
أومأت إليه بنعم وخرجت بينما دلف هو، ضحكت “فيروزة” على انتصارها عليه لكن لم تدوم ضحكتها كثير حين عاد “مصطفى” من الخلف بعفوية وطبع قبلته على وجنتها وركض مُسرعًا للداخل قبل أن تصرخ به فضحكت أكثر على جنونه، حتى أمس كان يستأذن قبل أن يمسك يدها أم الآن بات مُشاكسًا يسرق القبلات منها دون أذن، بدلت ملابسها بتنورة بيضاء وقميص بلون اللافندر ولفت حجابها المموج بألوان كثير، خرج “مصطفى” من المرحاض ليراها استعدت للرحيل حقًا وتقف أمام الفراش تجمع أغراضهما فى الحقيبة ليقترب أكثر منها مُطوقًا إياها من الخلف ويهمس فى أذنها قائلًا:-
_ معاوزش شهر عسل جبل ما نرجع البلد
ضحكت عليه بلطف وفكت أسر يديه عن خصرها مُستديرة إليه وقرصت وجنته بغلاظة تقول:-
_ أنا مكنتش أعرف أنك لئيم أكدة، يلا روح غير هدومك عشان هنتأخر
أقترب أكثر منها لتحتد عينيها فى النظر إليه وتقول:-
_ وبعدين يا مصطفى وياك، هم أمال هنوصل أكدة فى عز الليل
تذمر عليها غاضبًا كطفل صغير بعد أن أخذ ملابسه وقال بضيق:-
_ عريس أي دا اللى يسافر فى صباحيته
ضحكت على كلماته وأنحنت قليلًا تغلق الحقيبة مُستعدة للعودة إلى الصعيد وطنها بروح جديدة وندوب قد ضمدتها “مصطفى” ولم يبقي منها سوى القليل سيمحيهم مع مرور الوقت…..
___________________________________
فتحت “ذهب” باب السرايا لتجد “سكينة” أمامها تبكي بذعر وترتجف مُتسائلة عن “هدى” أختها:-
_ ستك هدى فين؟
_ مين يا دهب
قالتها “هدى” من الداخل لتركض إليها “سكينة” وكانت جالسة على المقعد وفزعت حين رأت أختها بهذه الحالة التى يُرثي لها ودموعها بللت وجهها كاملًا وخصيصًا بعد أن جلست “سكينة” على الأرض قرب قدم أختها تتحدث بذعر:-
_ بالله عليكي يا هدى تخلى ولدك يرحم عامر
عقدت “هدى” حاجبيها باستغراب لم تفهم شيء من حديثها وماذا حدث لـ “عامر” وكيف وصل “عيسي” له، أعتدلت “عطر” فى نومها على الأريكة من حالة “سكينة”، سألت “هدى” بعدم فهم:-
_ ماله عيسي بولدك، مش اكفاية اللى عمله حيلة أمه ابنك، أنا بعد كل دا عاوز يفضح بنيتي، أخص عليه وعلي تربيته، تربية ناجصة بصحيح، على رأي اللى جال تربية حُرمة
_ أنا ولدي ابن ستين فى سبعين ويستاهل الحرج بس بالله عليكى وغلاوة كتاب الله اللى متسبهوش من يدك وحياة كل فرض بتصليه يا هدى تخلى عيسي يهمل ولدى لحاله
قالتها بترجي وحزن شديد لتتعجب “هدى” وهكذا “عطر” من حديثها فسألت بقلق:-
_ دخل عيسي أي؟ مش ولدك عمل عملته وهرب
_ رجالة عيسي خدوه من إسكندرية ، حلفتك بالغاليين كلهم تهملوا ولدي لحاله، أنا عارفة أنه غلطان بس دا اللى باجي ليا فى الدنيا كلتها
_ عيسي عمل كدة؟
قالتها “عطر” بصدمة الجمتها من قسوة زوجها لتستدير “سكينة” لها فكانت تمدد جسدها على الأريكة لتسرع نحوها زحفًا على ركبتيها وقبلت قدمي “عطر” بأنكسار وإذلال قال بذعر:-
_ أبوس رجلك يا عطر، وحياة ولدك اللى فى بطنك تخلى عيسي يدينى ولدي
سحبت “عطر” قدميها بسرعة من “سكينة” رافضة تقبيلها بغضب من زوجها ودمعت عينيها على أم مُستعدة على تقيبل الأقدام لأجل ابنها وفقالت بثقة:-
_ متقلقش، قومي من الأرض وعامر هيكون فى حضنك النهار دا، قومي وحقك عليا أنا
فتح باب المنزل وولج “عيسي” مهرولًا بعد أن أخبره الرجالة بقدوم “سكينة” إلى المنزل فقال بغضب:-
_ أنتِ اي اللى جابك أهنا ؟
لم تجيب “سكينة” بعد أن وقفت “عطر” من مكانها لم تترك لها مجال للجواب، وقفت أمام زوجها بغضب يحتل عينيها مُشئمزة من فعلته القاسية لتقول:-
_ عامر عندك؟
لم يُجيب عليها، بل ظل يرمق “سكينة” بغضب سافر فصرخت “عطر” بوجهه غاضبة وأنفعالها كاد أن يقتل جنينها أمامها حين قالت:-
_ متبصلهاش ورد عليا ، عامر عندك …. ااااه
أخذ يدها يُساندها بخوف بعد أن وضعت يديها على بطنها من الألم ليُدهش حين نفضت “عطر” يده عنها بغضب سافر مُشمئزة من لمسه إليها قائلة:-
_ أبعد عني ، إياك تفكر تلمسني تاني؟ أنت أزاى جالك قلب تعمل كدة؟ ها رد عليا
-وحج خيتي، وثمن دموعها وكسرة جلبها
قالها بعنادٍ واثقٍ من فعله لتقول “عطر” بضيق شديد:-
_ فيروزة نفسها عفت عنه وأعتبرت دا خير لها وربنا كشف لها قذرته ونجاها منه عشان يرزقها برجل كويس يصونها ويكون سندها ، مين أنت عشان تقرر نيابة عنها؟ أسمع يا عيسي يا ترجع عامر لأمه سالم يا أم مش هتشوف وشي عمرك كله وزى ما جالك قلب تحرم أم من ابنها أنا كمان هيجلي قلب أحرمك من ابنك اللى لسه مشوفتوش
تركته يقرر مصيره بنفسه وصعدت إلى الدرج غاضبةمن زوجها، حدق “عيسي” بها بينما هى تغادر لا يُصدق أنها وضعت نفسها فى خيار مع “عامر” ذلك الخائن اللعين الذي دهس أخته ببرود والآن طوق نجاته الوحيد من الموت هو قلب “عطر” زوجته البريئة التى تعفو عن الجميع رغم أفعالهم الشنيعة وما عاشته فى الحياة لكنها ما زالت تتشبث بالبراءة والرحمة ولين القلب الذين خلقت بهم كأنه ملاكًا رغم ما تواجه فى الحياة تحتفظ بطهارة روحها ونقاء قلبها …….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كبرياء صعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى