روايات

رواية قلوب منهكة الفصل التاسع عشر 19 بقلم جهاد وجيه

موقع كتابك في سطور

رواية قلوب منهكة الفصل التاسع عشر 19 بقلم جهاد وجيه

رواية قلوب منهكة الجزء التاسع عشر

رواية قلوب منهكة البارت التاسع عشر

قلوب منهكة
قلوب منهكة

رواية قلوب منهكة الحلقة التاسعة عشر

#الفصل_التاسع_عشر
شُيدَت حُصون فؤادِها بأسوارٍ مُلَغمةٍ بمشاعرها الجياشةٌ لتتمكن من ردعِ المُحتل الغاصبِ عن مجابهتها !
ولكن!!
حُطمَت جميع قواعدها وأزالت عن لوعتها ثوب الجَفاءِ وتلَبستّ رِداءَ اللَهفةِ والشجنِ اللاذع
*****************
لو كانت للقلوب أفواهٍ لصرخت بلوعة مُحرمة عليها طلبًا للخلاص من هذا الألم!
لم يبدي أية تعابير تجاه حديث الطبيب سوى نظرة جليدية جعلت الآخر يقشعر بدنه رعبًا، بعد عدة دقائق من الصمت المُهيمن والذي تخللته أنفاسهم المضطربة وأخرى باردة، هتف ماجد بخشونة ونبرة حادة: شكرًا، تقدر تتفضل على شغلك
اهتزت حدقتيه بتوتر من كلماته المُبطنة وملامحه المقتضبة ولكنه تفادى حديث عقله بسؤاله حول ماذا سيفعل وامتدت أنامله برعشة طفيفة لفتح باب السيارة والهبوط منها بتروي وكأنه ينتظر من لوح الجليد ذاك مناداته!!
تنفس بصعوبة واضحة، شعر بكمٍ هائل من الظلام يحاوطه، رأى نفسه بزوبعة من الفُتات الروحي وكم ألمه تشتت عقله الآن! لطالما كانت خطواته مدروسة ومحسوبة بدقة فائقة ولكن بعد هذه الصدمات التي توالت عليه وقفت إشارات لُبه عن فك شفرة جميع تلك الأمور، أراح رأسه بوهن على مقود السيارة ولم تكف أصابعه عن الدق على جزءٍ بسيط من المقود، شعر بتخدر طفيف بكتفه أثر ضغطه عليها ولكنه لم يهتم، يجب عليه أن يضع أوراقه ويحسب كل خطوة قادمة، يونس اختطف صديقتها ليجبرها أن تأتي إليه وبفضل الله نجدوا من بين يديه وهي طعنته وهو واثق تمامًا من أنه مازال ينتفس وبكامل قواه ففاتنته ترتعش أناملها عند البكاء فهل ستقبض روح ذلك الحقير! الآن علم أنها بِكر ولم يدنسها ذلك العاهر، ولكنها من الصعب أن تنجب وهي بالفعل تقبلت هذا الأمر ولكنه يريد طفلًا منها!، ليس بساذج لكيلا يلاحظ كذب الطبيب، جميع مؤشرات جسده تفشي كذبه من الواضح أنه ليس جيد بتصنع الكذبات! فكانت حدقتيه تدوران بتوتر بالغ ويفرك أنامله بين الحين والآخر مع اهتزاز قدميه المواصل يالسخرية ليس من السهل الكذب على ضابط مخابران، لينحني كل ذلك ليفسح المجال لها برأسه، كم يرغب بالصعود إليها الآن وضمها بشجن لصدره ليطفئ لهيب خافقه، يريد تعويضها بكل سُبله الممكنة لتشق بسمتها ثغرها الجميل !
*****************
شعرت بدغدغة طفيفة بطيات قلبها، فمحبوبها يريدها زوجة له! أجل محبوبها فهي علمت أنها تعشقه لا ليس العشق فقط بل والوجد والنجوى والهيام وكل معاني الحب فرشها قلبها له ! تشعر بارتفاع حرارة جسدها وانقباض وانبساط عضلة قلبها بطريقة مُبالغ بها! وضعت كفها أعلى يسار صدرها لتخمد ضجيج قلبها الثائر وخفقاته المتعالية وبعد صمتٍ أجابت بخجل : لييه؟
رمقها بنظرة لأول مرة تختبرها منه، نظرة متلهفة ممزوجة بنيران شوقه لها، تقدم بالمقعد أكثر منها واحنى رأسه ليمسك بكفها بين قبضتيه، لثم كفها بقبلة ليست ببسيطة بالمره فقبلته جعلته يعبر أنهار عشقه وهيامه بها، قبلته هذه لخصت إجابة سؤالها البسيط! ولكن ليس لديه مانع أن يُسمعها قصايد عشقه بها ويعزف ترانيم عذابه معها مرارًا وتكرارًا ليس لديه مانع مطلقًا طالما هي أمامه ويُشبع ظمأ قلبه بالاختباء بعينيها! انفرجت شفتيه عن بسمة لطيفة مُتيمة بها وأجاب : طافَ قلبي بسائرِ بقاعِ الأرض جمالًا ولم تُحلق أجنحته أمام سواكِ من نساء حواء… لم يُلهب مشاعري غير رضاكِ ولم تَدمع مقلتاي سوى لإياكِ…. وَميضُ عيناي أُضيئ لسماكِ… يا معذبة قلبي لم يسير قلبي ولن يخطو إلا بك ولإياكِ
هل يشعر أحدًا برفرفة أطياف قلبها الآن! ذهب خجلها وتوتر وجميع أحساسيها وبقى فقط فرحتها وبسمتها التي كشفت عن نغزتها اليسرى وكم بدت مُهلكة رغم إرهاق ملامحها !، ارتفعت أناملها بتوتر وخجل لتقربها من كفه الممسك بيدها ولمست قبضته بحركة خفيفة ! أعطته بسمة حملت بجعبتها الكثير من المشاعر التي ودت لو أفصحت عنها ولكن ليس الآن ليس بعد يا فتاة فلتطمئني على رفيقة دربك وحينها يمكنك إعطاء فؤادك الراحة التي يبغاها غمغة بنعومة خالصه : عاوزه أشوف زان، وحشتني
أعطاها لمحة مُعاتبة سرعان ما تحولت لأخرى ماكرة وتمتم بخُبث: طب وأخو زان موحشكيش!؟
توسمت بحدقتيه مرورًا بتفاحة آدم المثيرة خاصته التي لم تكف عن حركتها طوال جلستهم وردت برقة : أنا فتحت عيوني شوفتك وقاعد معايا أكيد مش هتوحشني
افترقت شفتيه بضحكة ضاخبة دوى صداها بصمت الغرفة من حولهم وتاهت معذبته بها وتمتم من بين ضحكاته: بس أنا عارف إني وحشتك يا نوري
أرضى غرور أنوثتها ولُبها بلقبها الذي تعشقه وخاصة منه! فهمست بخجل: ممكن تنادي الممرضة عشان تساعدني أغير عشان أشوف رزان
عبثت ملامحه من فكرة تركه لها ولكن علا ثغره بسمة ساحرة وطبع قبلة راجية على يديها التي مازالت بين يديه وغمغم بهدوء: حاضر يا نوري
******************
اهتزت أهدابها بوهنٍ شديد تبعتها أناملها بحركة ضعيفة برهنت لطبيبها المنتظر إفاقتها، وبعد عدة دقائق استعادت كامل وعيها وانتظمت أنفاسها المسلوبة، صُلطت مقلتيها بجمود لنقطة فارغة كما هو حال خافقها الدموي، عقلها يسرد ما حدث مجددًا ولكن هذه المرة بهدوء وكأنه يدعوها للجنون! عاجزه! أجل عاجزه عن لملمة الأمور واستنباط النتائج لعل عقلها يكف عن جلده الغير مرغوب به لها!
مرت ساعة أخرى ولم يأتيها طيف أيًا من شقيقها أو رفيقتها أو المدعو زوجها! أجل تقبلته برحابة صدر، هي لم تبغضه لسببٍ ما وهو لم يفعل شيء ليجعلها تكرهه! هو فقط كانت مصدر حمايتها وأمانها المفقود! فركت جبينها بإرهاق لعلها تخفف صداعها اللعين الذي يشطر رأسها لنصفين، كادت أن تُغلق جفنيها وتأخذ غفوة صغيرة ولكن منعها دلوفه ! لم تُحيد بنظرها له بل ظلت على جمودها
اقترب منها بخطواتٍ ملتاعة وكأنه على وشك ملامسة إحدى مخاوفه! رأى جمودها لا بل استشعره فهي لم تلتف لتلقي ولو نظرة فارغة له! أصبح أمامها مباشرة ينتظر مبادرة ولو غاضبة منها ولكنها بقت على حالتها الجامدة! جلس بلهفة بجانبها ورُفعت أصابعه لتُبحر بخصلاتها المُشعتة وتمتم بهمسٍ قلق: كويسه!؟
هل يسألها عن حالتها الآن! فصديقتها خُطفت لأجلها وأُصيب هو وشقيقها وبالنهاية أصبحت قاتلة! لُطخت يديها بالدماء حتى وإن كانت دماء عاهر رخيص كيونس مهران ! يالسخرية فمن الواضح أنها تزوجت وأحبت شخصًا آخر غير زوجها! أغمضت عينيها بقسوة وغمغمت بوهنٍ أليم: هو مات!
راقب حالتها التي شطرت قلبه وأزهقت روحه حزنًا عليها وكم فاجأه سؤالها المضطرب ولكنه أراد أن يطمئن خافقها المتألم وربت على وجنتيها وأجاب بشجن: لا، إصابته سطحية
اعتدلت مستندة بجزعها على الوسادات من خلفها وبهتت نظراتها الجامدة واهتزت مقلتيها بلمعة دامية، انفصلت كليًا عن العالم من حولها، بعدما حدث لم يمُتّ! لم يذهب!! معنى ذلك سيعود ليثأر !
احتدا نظراته فور فهمه لما يدور بخلدها البرئ وتمتم بحنان: كله هيكون تمام
فور انتهاؤه من كلماته الحانية سحبها بين ذراعيه ودثرها بقوة ليتنفس ألمها! اشتدت أصابعه قوة حول خصرها مقربة إياها منه دافنًا وجهها أكثر بصدره ليجعلها تُذيب جليد روحها ويعود دفئ نظراتها، سارت أصابعه بنعومة لتغوص بخصلاتها الكثيفة وافترقت شفتاه بحنان: عيطي يا زان، عيطي يا حبيبتي، متقلقيش أنا جنبك يا حبيبتي، أبكي
أعطاها علامة حمراء لتبدأ نواحها المرير الذي مزق فؤاده لفتاتٍ قاسي، شعر برعشة شفتيها موضع قلبه، استشعر أناملها القابضة على قميصه الزيتي، كم تألم لترقرق حبات اللؤلؤ بحدقتيها السماوية، كانت شهقاتها تجعله يرغب بتمزيق يونس بين أسنانه، بعد مدة طويلة تركها تفرغ شحنة أشواك قلبها النابض، تركها تُشبع روحها بكاءً لأنه لن يجعلها تبكي مجددًا حتى وإن كان فرحًا!! رفع رأسها بحنو من بين طيات صدره وتمتم بنبرة يُغدقها العشق: كفاية بُكا كدا، خليكِ واثقه إني جنبك في كل وقت، مش هسمح لأي حاجه تقربلك، صدقيني يا زان أنا معنديش في حياتي أهم ولا أغلى منك، أنا حسيت بقلبي بينزف لما شوفتك واقعه وجسمك كله دم، أنا مبستحملش أشوف دموعك يا زان
صمت برهة ليجمع كلامته النافرة منه وسار إبهامه ليتحسس دموعها برقة وتابع بنبرة يقطر منها الحب: أيًا كان اللي فكرتيه لما طلبتك للجواز هو مش صح، أنا من أول يوم شوفتك فيه وقلبي تاه في تفاصيلك، أنا محبتش ست في حياتي غير أمي الله يرحمها وأختي وأنتِ، بس أنتِ حبك اختلف كتييير، زان دموعك بتحرقني، مش عاوز حد ولا حاجه من العالم دا غيرك بس، عاوزك جنبي، أنا اتجوزتك عشان خوفت…. ايوا خوفت من يونس عليكي…. مكنتش خايف على نفسي رغم إني واثق أن عمره ما هيأذيكي رغم أنه مريض.. خوفت تضيعي مني… مقدرش أخسرك أنتِ كمان….. دا لما بتغيبي عني ببقى زي المجنون… أنا محستش بروحي من بعد أمي غير لما حبيتك… عارف إنك مش بتحبيني وبتكرهيني وكمان بتخافي مني بس أنا حبي قادر يكفي لينا احنا الاتنين! زان أنا من عاوز منك غير وجودك وهرضى ولو بجزء صغير من قلبك…. زان أنا بعشقك
زفر أنفاسه الغائبة من كثرة حديثه المُفعم بالمشاعر، لم يريد أن يعترف لها الآن وبتلك الظروف ولكن قلبه أعلن تمرده وأراد قربها منه، كان يشعر بألمٍ شديد بجرحه ولكنه لم يأبه به فهو غارق بها حد الثماله لا يريد سوى نظراتها وأنها بين ذراعيه وطوع يديه!
جفت كلماته وتحشرج صوتها من اعترافه الصادم لها فهي ظنته تزوجها ليحميها أو ربما لينتقم منها بأي شيء آخر أو رغب بها كزوجة تقليدية ولكن الحقيقة صدمتها بل شلت تفكيرها هو يحبها!! يخبرها بقلبه وروحه عن عشقه لها!! ولكن حقيقتها ومأساتها ستقف عائقًا بينهم لاشك!!
بعد صمتٍ دام عدة دقائق بينهم همست بخجل وتوتر: ماجد أنا مش بكرهك ولا بخاف منك
علت ثغرة بسمة مطمئنة وعاشقة حد النخاع وتمتم بحنان : يعني في أمل !
طأطأت رأسها بخجل تُخفي عينيها اللامعة عنه وهمست بنعومة سلبت أنفاسه: ايوا
لم يشعر بنفسه سوى يرفع ذقنها ويبعد خصلاتها المغطية وجهها البديع ويطبع قبلة ممتنة وراجية على جبينها مكان عرقها النابض ويجذبه شوقه لوصلة من عشقه الملتهب لها يقرر لها مدى حبه وتتيمه بها بقواعده الخاصة !
**************
فترة الظهيرة مرت عليهم بسلامٍ تام، لم تخلو من مشاكسة سامي اللطيفة لها وهي تعد له طعامه المفضل الذي حفظته عن ظهر قلب ورغبة بصنعه له رغم توافر الكثير من الطعام اللذيذ لهم قد أعدته والدتها وشقيقته!
هاهي جالسة تستشف تعابيره الغريبة حول تذوقه للطعام! تتلقى كل شاردة وواردة منه تُريح قلبها، فرغم بساطة الطعام وسهولة ومهاراتها إلا أن تعبيره لا تريحها ابدا!!
خرجت عن صمتها وتحدثت بتوجس: هو الأكل مش عاجبك!
رفع نظرة صوب عينيها وثبت مقلتيه عليها وتمتم بتلاعب: مش عارف أقولك إي والله يا سلمى بس
سحابة حزينة طغت على لمعة عينيها وهزت رأسها بحزن وتمتم بهمس: ولا يهمك واضح أنه معجبكش
شعر بغرابة حول حزنها ألأن الطعام لم يعجبه تحزن بهذا الشكل!؟
تمتم ببسمة صادقة وراضية: سلمى الأكل تحفه وأول مرة أكل كتير كل من وقت موت والدتي، تسلم إيدك
تهلل وجهها بفرحة عارمة كطفلة حصلت على دميتها المفقودة، شعر بالذنب عليها فهي تتقبل أصغر ما يقدمه لها بل وترضى به بلهفة خالصة ولكن عي زوجته!! لن يرضى بذلك أبدًا !!
علا ثغرة بسمة نابعة من صميمه وتحدث برزانة : سلمى ممكن كوباية نسكافيه
هزت رأسها عدة مرات وهي تنهض باستعجال كمن يرغب بالإلتحاق بحلمه وليس لصنع كوب مشروب! طرقت فكرة لطيفة بعقله وسرعان ما هب من مقعده لينفذها أثناء انتهائها من رفع الغداء وتحضير مشروبه
****************
طرقاتٌ مزعجة على الباب أفاقته من لحظات جنونه معها، ألا يحق له الإنفراد بزوجته التي يعشقها ! زفر بعنف ودثرها جيدًا بالفراش وهب ليعلم هوية الطارق الذي لم يكن سوى شقيقها البغيض! أجل صديقه ورفيق دربه ولكنه كحائط سد له عند اقترابه منها، افسح له المجال عندما رأى نورسين تخطو خلفه ببطء وضعفٍ واضح، ابتسمت الفتاتان بحب وتقدمت نورسين بصياحٍ ولفهة تضم رزان لصدرها وغمغمت بشوق وقلق: الحمد لله إنك بخير، وحشتيني يا قلبي
فرت من الأخرى دمعة شاكرة على ما رزقها الله فقد وهبها الله صديقة كالجوهرة بحسنها ونقائها ورغم ما عانته لأجلها هاهي تأتيها بلهفة لتطمئن عليها!
رفعت رزان كفها متشبثة بسترة نورسين الزرقاء وتمتمت بحنان وحب: حمدالله على سلامتك يا نور، وحشتيني أكتر، أنا اسفه، أنا السبب
زجرتها بحدة طفيفة وغضب مصطنع وتمتمت : إياكي تقولي كدا، وبعدين كلنا بخير والحمد لله هو يعني في إيد ورجل سقطوا مننا بس مش مشكلة هنلاقي ليهم قطع غيار
ابتسمت على مزحة رفيقتها البشوشة التي رغم آلالامها وضعفها تمازحها لتخرجها من حالتها ولكن الآن انتبهت لذراع ماجد المُضمد وهبطت بنظرها لساق شقيقها الملتفة بجبيرة صغيرة! ابتعدت عن نورسين بقلق وهتفت بهلع: إيه اللي حصل ليكوا
اقترب منها شقيقها وضمها لصدره بعدما ابتعدت نورسين جالسة بتعب على المقعد قبالتها وهمس بحنان : متقلقيش يا حبيبتي دا مجرد كام خُدش بس وإحنا بخير المهم أنتِ
هزت رأسها نفيًا وهمت بسؤاله ولكن نظرة ماجد الدافئة أوقفتها وبدالته بأخرى هادئة أثلجت قلبه وحينها فقط أراحت رأسها بحضن شقيقها وغمغمت بنعومة لا تليق بسواها: بخير بوجودكوا معايا، بابا عرف !؟
شعرت برأسه تنفي حديثها وهذا طمأنها فوالدها لن يتحمل كل تلك الصدمات ولن يقدر على مجابهة خوفه عليهم وسيمرض منهم، كانت تراقب نظرات ماجد المحترقة والغاضبة وبادلته بأخرى مستفهمة ولكن أتتها الإجابة فورًا عندما اقترب منتشلاً إياها من بين ذراعي مهند مُزيحًا إياه ومحتلًا موضعه وهتف بغضب وتملك: سايبك بقالي ساعه بتحضن وتبوس وأقول أخته وخايف وشوي هيحس ويبعد وأنتَ زي البغل لا بتبعد ولا بتحس
رمقه مهند بنظرة تهكمية وتمتم بسخرية: هو أنا حاضن واحده من الشارع دي أختى ولا شرع ولا دين ولا حكومة نفسها تمنعني، جاي أنتَ يا شحط تمنعني! عجايب
طبع قبلة صغيرة على إحدى وجنتيها مما جعلها تحترق خجلًا وانتصب واقفًا واقترب من مهند وبلمحة كان قابضًا على تلابيب سترته السوداء جالعًا الآخر يبتلع رمقه بصعوبة وهتف بنبرة مخيفة: بحذرك ..عارف يا مهند لو لمحتك بس قريب منها بالشكل دا تاني هشرب من دمك فاهم!!
صرخ بأخر حديثه بعنف جعل مهند يهز رأسه بخنوعٍ وهيستريا مصطنعة وتمتم بتوجس: وعلى إيه يا عم أنا لسه مدخلتش دنيا
تركه مهند واقترب مجددًا محتويًا رزان الضاحكة بين ذراعيه تحت نظرات مهند المغتاظة والحانقة منه وضحكات نورسين الشامتة به
******************
أمسك الصينية الحاملة للأكواب من يديها واضعًا إياها على المنضدة أمامهم وأشار لها بيديه لتجلس جواره ولبت طلبه بخجل وجلست على مسافة لا بأس بها منه في حين تابعها هو بعيونٍ ضيقة يراقب توترها منه وخجلها الزائد وتمتم بهدوء: سلمى أحنا ملحقناش نعرف عن بعض كتير إيه رأيك نتعرف من أول وجديد!؟
رغبت أن تصرخ به بأنها تعرف كل شاردة وواردة خاصة به، تعرف بكل تفاصيله الصغيرة وأدق تعابيره ولكن مهلًا يا فتاة فالصبر مفتاحٍ للفرج !
هزت رأسها دلالة على موافقتها واستحسانها لحديثه وتحدثت بحماس: لونك المفضل؟
اصطنع التفكير لعدة ثوانِ وهتف بحماس مماثل: الأزرق
دقت بأصابعها على جانب رأسها بتفكير وتحدثت: ليه مش بتلبس بِدل ونظرات وكدا يعني
ضحك بهدوء على حديثها الطفولي وهتف بإحراج: مش بعرف أربط الكارفتا والنظرات مش برتاح ليها
ابتسمت ببلاهة وهتفت بلا وعي : بس أنا بعرف ممكن أربطهالك
تصنع التفكير وهتف بسرور: دا يزيدني شرف يا هانم
نكست رأسها خجلًا عندما وعت لما تفوهت به وفضلت الصمت فلسانها وقلبها اتحدوا عليها ويرغبون بالإفصاح عن مشاعرها الملتهبة له !
رأى خجلها وصمتها فقرر إخراجها منه وتمتم بتساؤل: لونك المفصل ؟
أجابت بحماس يتجدد عند سماع نبرته الرجولية الهادئة: السماوي
همهم بتفهم وأعاد سؤالها بتوجس: بتحبي مزيج الألوان!؟
أجابت بعد عدة دقائق شردت بهم : لا، مزيج الألوان بيضيع رونق اللون الأصلي وبيخليه يفقد روحه وحريته بأنه لون فريد من نوعه بيسرق حق غيره، بيتعمق فيه لدرجة تخليه يتمكن منه ويقضي عليه، زي الحياة لو سمحت لحد بقوة يشوفك من جوه هيجي وقت ويستغل دا ضدك بأبشع الطرق ويقضي على هويتك وروحك، كل واحد فينا ليه استثناء وشخصية خاصة بيه مينفعش يدمجها مع حد تاني ولا يمشي على نهج حد تاني، مينفعش اطلع نفسي على حساب غيري وغيري بيموت بالبطيء!
ابتسم بفخر غلى رزانته زوجته الذي خلقها الله له وتمتم بحنان: عندك حق يا سلمى
**********************
مرَّ إسبوعًا هادئ على الجميع، مهند لا يكف عن مشاكسة نورسين والتأثير عليها لقبول الزواج منه وماجد وزران بعد خروجها من المستشفى انتقلت تحت إصراره للعيش ببيته متحججًا بأنه يرغب بالإنفراد بزوجته ولا يقدر عن البعد عن بيت والدته لأنه يشغر بطيفها حوله، انقطعت أخبار يونس ولم يُرى حولهم بأي موضع ولكن هذا ما يقلق ماجد، سلمى وسامي حياتهم لطيفة وهادئة لا تخلو من مقالب سامي لها وسخريته من خجلها الزائد، رزان تعيش أفضل فتراتها ببيت زوجها فصباحًا يذهب لعمله مع مهند ويودعها بقبلة عاشقة منه وتبقى هي تحضر له الطعام وتنتظره حتى يأتى عصرًا وبقية اليوم يتسامرون حول حياتهم وما يحبون ولم يخلو الأمر من تعنيف ماجد لها عند نسيانها دوائها لأن صحتها ليست بخير للآن!!
****************
كانت تعد الطعام لزوجها فقد غفت قليلًا ونسيت بعض الأشياء لم تصنعها فبمهارة شديدة وحنان انتهت الطعام وسارت متجهة لتغير ثيابها متفقدة ساعة الحائط فهي الرابعة ولم يتبقى سوى نصف ساعة حتى يأتي ماجد من عمله، كادت أن تدلف للمرحاض حينما استمعت للطارق فتعجبت فماجد يمتلك مفتاحًا فلما يطرق!
فتحت الباب بهدوء لتعلم هوية الطارق الذي انقبض قلبها فور رؤيته لسببٍ لم تعلمه ولكنها تماسكت أمام المرأة الثلاثينية التي تطالعها بنظراتٍ مبهمة بثت الخوف بقلب رزان
راقبت اندفاع الفتاة نحوها مما جعلها تترنح للخلف سامحة لها بالدخول لمنتصف البيت وانتفضت على أثر صوتها الغاضب : أنتِ مين وبتعملي إيه هنا
رفرفت رزان عدة مرات بأهدابها ونظرت لها كثب، فتاة طويلة القامة، ذات عيونٍ بنية تتوهج غضبًا وخصلاتٍ سوداءٍ قاتمة، ترتدي ثوبًا ضيق من الصدر وينزل باتساعٍ حتى أخمص قدميها، انتفضت من تأملها بها على نبرتها الحادة : بقولك بتعملي إيه هنا وأنتِ مين سمحلك تدخلي
همست رزان بتوتر ولمعت عيونها بدموعٍ تهدد بالهطول: أنا مرات ماجد
صرخت الأخرى بغضب وأمسكت ذراع رزان بقسوة ألمتها وهتفت من بين أسنانها: وأنتِ يحلوة جايبك منين، وياترى عرفي ولا لمزاجه
نفضت رزان ذراعها بقوة متناسية خوفها وتمتمت بغضبٍ حارق : إياكِ تسمحي حتى لعقلك يتطاول عليا، أنتِ في بيتي وبتغلطي فيا وأنا مش هسمح ليكي بدا مين ما تكوني، أنا مرات ماجد على سنة الله ورسوله، أنتِ بقا مين؟
لمعت عين الأخرى بوميض شر وهتفت بقسوة: أنا أخته، أخته اللي أتيتمت بسببه، أخته اللي اتحرمت من أمها بسببه، أخته اللي اتمنت تيجي بيت أهلها تلاقي أمها بتاخدها بالحضن بسببه وكمان مكفهوش لا ابني اتخطف مني بسببه وهو عايش حياته وبيتجوز وولا على باله إني ليه أخت أصلا، عرفتي أنا ميين!! ؟
_ تقيييييي
انتفضت الفتاتان هلعًا من نبرة صوته الحادة والغاضبة، أقبلت عليه رزان محاولة تهدئته ولكن من الواضح أنه بركانْ على وشك الانفجار، ومازاد الطين بلة هو حديث المدعوة شقيقته الساخر : أهلًا باللي قتل أمه وحرمني منها

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قلوب منهكة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى