روايات

رواية فرط الحب الفصل السادس عشر 16 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الفصل السادس عشر 16 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الجزء السادس عشر

رواية فرط الحب البارت السادس عشر

فرط الحب
فرط الحب

رواية فرط الحب الحلقة السادسة عشر

صدح صوت رنين الهاتف فجذبه “بيجاد” في ضيق يطالع اسم المتصل في صمت وعيناه تعكس دائرة الحيرة المسيطرة على أفكاره المتشابكة بين غضب وحزن وألم، زفر في ضيق ثم أغلق الصوت دون إجابه.
قطع وصلة رثاءه للذات دخول “رشاد” صديقه قائلًا بصوته الرخيم ذو البهجة الفريدة:
-لسه مش عايز تواجه الموقف؟
رفع “بيجاد” انظاره نحو “رشاد” صديقه يتفحص ابتسامته متعجبًا من قوته الداخلية وبهجته المريبة، رمق ساقة المبتورة التي انتهت مسيرته كقائد في الجيش بسبب اصابته في مهمة عسكرية بالعريش أسفرت عن بتر قدمه اليمني.
وتساءل كيف يمكن أن يكون مملوء بهذا الكم من التفاؤل والسلام الداخلي رغم ما مر به؟
-أفهم من نظرتك دي انك بتقدرني وبتحترمني؟
قاطعه “رشاد” من جديد وهو يجاوره ويربت على ساقه فارتفع حانب وجه بيجاد متسائلًا في نبرة ساخرة :
-ده جزء من شغلك بردو انك تقرأ الافكار؟
ارتفع حاجب “رشاد” لكن ابتسامته لم تهتز وهو يؤكد له:
-لا بس احسنلك تكون تقدير واحترام مش اعجاب واستغفر الله العظيم.
ألقى “بيجاد” غرض بجواره في وجه رشاد مستنكرًا، فابتسم “رشاد” وهو يلتقطه في سهولة مستكملًا:
-ثم انا قولتلك ان شغفي علم نفس والحاجات دي بتستهويني، شاغل تفكيرك بالموضوع ليه يا بارد؟
ثم اني أقدر أقول بفخر ان ربنا ألهمني أندمج في الدراسة دي عشان يجعلني وسيلة لمساعده النفوس المحتاجة حتى لو النفوس دي عنيدة.
ارتبك “بيجاد” لتلميحاته الصريحة وأبعد انظاره نحو هاتفه يعبث به دون هدف لتتقابل قبضه رشاد بكتف صديقه يجذب انتباهه بمشاغبة قائلًا بنصف ابتسامه:
-أنت خايف ولا أيه يا كوتش؟
-أخاف من أيه، انا مش بخاف من حد في الدنيا.
-غير من نفسك طبعا.
اجابه رشاد باعتياديه وابتسامه واثقه فوقف بيجاد يخبره في نبرة معترضة:
-رشاد متندمنيش اني وافقت اجي اقعد معاك يومين، بلاش شغل الدكاترة النفسيين ده!
-بس أنا مش دكتور نفسي انا مجرد واحد بيحب صحابه وعاملهم مجتمع خاص بيهم للفضفضه وتحفيز التشافي الذاتي عند كل شخص.
عقد بيجاد ذراعيه أمام صدره يحدقه بنظرة ذات معنى فضحك رشاد رافعًا يده باستسلام معترفًا:
-خلاص وانا موافق هكتفي انك وافقت تحضر معانا الاجتماعات الليلية لمده اسبوع.
-مش عارف قدرت تخليني أوافق ازاي!
تمتم بيجاد مستنكرًا فعقد رشاد حاجبيه مؤكدًا بنبرة حاسمة:
-انت اللي أصريت تشكرني أنا والشباب على رحلة الصيد أول امبارح،
جواك النبيل هو اللي فضح رضاك علينا عشان اصرينا منسبكش تغرق في احزانك وانت لوحدك في الجيم.
اخبره رشاد بنبرة ساخرة مستمتعًا بملاح بيجاد المنكمشة في انزعاج فأكد بابتسامه واسعة:
-انت وعدتني يا بيجاد !
-وانا عند وعدي، أنا مش عارف ليه فتحتلكم الباب يومها بس أشوف علاء الكلب لما ارجع.
دوت ضحكة “رشاد” ليهبط بكفه الضخم بقوة فوق ظهر بيجاد مردفًا:
-وعلاء ماله انا اللي اصريت اعرف مكانك لما رفضت ترد على مكالماتي وكان الجيم مقفول،
وهو اعترف انك حابس نفسك في الجيم ومش قايل لحد عشان انا كنت مصر اطلع بيتك أسأل عليك وكلنا عارفين انك مش بتحب حد يختلط بأهل بيتك.
حرك “بيجاد” رأسه يوضح فهمه للوضع وقد عاد تفكيره إلى وسام من جديد وإلى كلماتها التي قتلت داخله مشاعر كثيرة وألقت الحزن فوق قلبه دون مراعاه لأي ود جمعهما يومًا.
لكنه لن يلوم كرهها له فقد كان سببًا في ذلك، منذ اليوم الذي خرج فيه عن السيطرة وهو يعلم ان لا أحد يرغب به او يرغب في البقاء في حياته فلما حارب من البداية للاحتفاظ بحبها وجعلها زوجه له، صدح صوت الهاتف من جديد فجز على أسنانه مغلقًا المكالمة في غضب فتدخل رشاد بكل هدوء:
-مش شايف أنك المفروض على الأقل ترد تطمنها عليك؟
ظهر شبح ابتسامه تعكس خيبة أمل مريرة على وجهه ليجيب بتلقائية:
-ومين قالك انها هي، دي أكيد امها عايزة توصلي، وسام مش هتتصل بيا بعد اللي حصل.
-وايه هو اللي حصل؟
سأل “رشاد” بعيون لامعه متأهبة بنبرة هادئة خفيضة كمن يخشى جذب انتباه عصفور فيطير من فوق الشجرة:
-وسام بتكرهني خصوصا بعد…
صمت بيجاد في حده بينما يطالع صديقه بعيون ضيقة متهمًا:
-أيه ده في أيه؟!
أنت أكتر حد عارف مش بحب أتكلم عن حياتي الشخصية.
وقف رشاد بإحباط يمط عضلات ذراعيه قائلًا:
-براحتك، المفروض اني أقرب أصدقاءك زي ما حضرتك مفهمني،
وأنا كنت حابب أساعدك وأفكر معاك في نهاية وحل للمشكلة بدل ما أنت هتتجنن كده.
-متشكر، أنا عارف نهاية مشكلتي هتكون ايه.
رد بيجاد في اصرار وهو يعدل جلسته المتوترة في تشنج ليستمر “رشاد” في تحذيراته:
-خد بالك انت لو اخدت اي قرار الفترة دي هتندم عليه العمر كله.
-خلاص يا رشاد مش هاخد قرار وهكتم في قلبي لحد ما اموت مرتاح كده.
أخبره بيجاد من بين أسنانه مستهجنًا نصائحه من الأساس:
-لا مش هرتاح هرتاح بجد لو مكتمتش في قلبك وحسيت اني صاحبك بجد وواثق فيا انك تحكيلي مشاكلك،
انا بنصحك لاني بحبك بس لو انت مش هتواجه مخاوفك هتدمر حياتك بنفسك.
حرك بيجاد اصبعه باتهام في وجه صديقة قائلًا في اتهام:
-شايف شغل المرضى النفسيين ده هو اللي بيعصبني ومخليني مش عايز اتكلم معاك.
تنهد “رشاد” في استسلام وهو يفرك ذقنه لكنه أكمل في هدوء يحاول إيجاد مدخل لدواخل صديقه مؤكدًا:
-أنا أسف انت مش مريض نفسي أكيد، شوف اتكلم وأنا هسمع مشكلتك ومش هعلق غير بحل ايه رأيك؟
امسك رشاد بعيون بيجاد المذبذبة قبل ان يزفر في استسلام ناظرًا للجه الأخرى متمتمًا:
-اما نشوف يمكن تحل عن دماغي.
قالها رغم ان داخله يتقلب في اضطراب بين رفضه ورغبته في التحدث والشعور باهتمام أحد به.
سعل بخفة قبل ان يتلوا على صديقه ما حدث في بطء وتأني في البداية ولكنه تدريجيًا وجد نفسه يتحدث ويسترسل في اخباره بعقدة الغضب خاصته بل انه امتد ليخبره عن مقتطفات من حياته بأكملها منذ وفاة والدته.
ودون أن يشعر كان يتحدث بانفعال شديد كمن تذوق قطرات الماء بعد ظمأ تشققت له الشفاه…..
مر الوقت عليهم سريعًا دون شعور ولكن صوت رنين هاتف ينطلق في إصرار جديد قاطع غفلتهم وكاد يغلقه “بيجاد” مرة أخرى لكنه توقف وانعقد حاجبيه في توجس وهو يرى أسم شقيقه يلمع أمامه.
تملكه خوف فليس من طبيعة “ريان” الاتصال إلا في المصاب، ارتبك خوفًا من أن يكون قد حدث سوء لوسام او للجنين في فترة انقطاعه، فرفع الهاتف نحو أذنه مجيبًا بنبرة متحفزة:
-ألو؟
-ممكن أفهم انت فين ومش بترد على حد ليه؟
علا صوت ريان الغاضب المستنكر فرد بيجاد في عدم مبالاة لغضبه:
-سيبك مني دلوقتي وطمني في حاجة ولا أيه؟
صمت ريان المستشيط غضبًا على شقيقه المجنون المختفي وزوجته المبجلة التي لم تهتم بأخباره عن اختفاء بيجاد سوى وهو متجهه نحو منزله مع ليان.
تنفس من أنفه ليتحكم في انفعالاته م أخبره في هدوء وهو يرمق ليان الصامتة بطرف عينيه:
-انا رايح على بيتك قابلني كمان نص ساعة، ليان معايا.
-ليان؟
هي نزلت اجازة مع جوزها؟
-ليان اتطلقت وقبل ما تسأل هفهمك كل حاجة لما اشوفك واحسن لك ما تتأخرش الموضوع مهم جدًا.
زفر بيجاد يشعر بالاختناق والغضب يقتحمه من جديد، شقيقته انفصلت عن زوج هو لا يعلم شكل ملامحه أو رءاه من الأساس، شعر بغضبه يثور في دماءه فمن البداية والجميع يقوم بتهميشه حتى أشقائه لم يحترما وجوده بأخذ آراءه في تلك الأمور الأساسية، وهو بكل غباء يصمت وينعزل في حين ان عليه الصراخ في وجههم بأن لا حق لهم باتهامه والتنمر على مشكلاته بينما هم غارقون في ذنوبهم.
-أنا لازم أرجع في مشكلة حصلت مع اخواتي.
وقف بيجاد يلملم اشياءه فاتبعه رشاد قائلًا في اصرار:
-متنساش معادنا الساعة ٧.
-ان شاء الله مش هنسى.
اخبره أثناء ارتدائه لملابسه بينما هو غارق في تفكير عميق حول رد فعل وسام ووالدتها حين يعود بعد غياب وداخله يقفز في تباين بين خوف وعتاب وشعور ثالث يخالفهما يحارب للتمسك به.
-لما الجهاز العصبي بيتحمل فوق طاقته، بيتعامل مع الأحداث حواليه بطريقة أقرب إلى اللامبالاة، بلاش توصل للمرحلة دي،
خليك عاقل فكر واتكلم وقول أي اعتراض، بس حاول تتحكم في نفسك سواء مع اخواتك او مراتك.
قال رشاد الذي اتبع بيجاد لباب المنزل فتوقف بيجاد الممسك بقبضة الباب ليخطف نظره خلف ظهره قبل مجيبًا في ذهول:
-بطل تبص جوا راسي، كده مش هرجع تاني…
انهي جملته بلمحه مرح تخفي جدية مقولته فأجابه رشاد وهو يصافحه في ثقة:
-مستنيك يا صاحبي.
حرك بيجاد رأسه في قله حيله لا يصدق ما هو قادم عليه، ثم غادر وهو يحارب داخله للوصول إلي حالة من التأهب النفسي تجعله قادرًا على تخطي القادم متسائلًا:
هل كان الوقت كافيً لمعالجة النفوس فتعود كما كانت؟
*****
قدمت والدة وسام المشروبات وجلست بجوار “ليان” تقبل رأسها دون إنذار، تشنجت ليان تناظرها بأعين متسعة غير متوقعة فعلتها تلك فقربتها والده وسام من صدرها غير مبالية بصدمتها قائلة:
-نورتي البيت يا ضنايا.
لمعت عيون ليان وأحست بحرارة دموعها السائلة فوق وجنتها فقابلت عناقها بترحاب شديد تضمها هي الأخرى كأنها تمتث من حنانها واهتمامها قليلًا غير منتبهه لحديث “ريان” المنغمس جوارها مع “وسام” محاولًا تفهم الوضع وما حدث بينها وبين بيجاد:
-ان شاء الله خير، بيجاد طيب وبيحبك متقلقيش.
عضت وسام على شفتيها بخجل وندم فهي لم تخبره بكل ما حدث، خاصة حينما حركت والدتها شفتيها بسخرية متدخلة لتوشي بها:
-لا بلاش العشم اوي كده يا حبيبي، هي محكتش كل اللي حصل بالتفصيل.
-تقصدي أيه يا حاجة؟
-اقصد يا حبيبي ان انا بنتي متربتش.
-يا ماما بقى حرام عليكي هو في كده.
-معلش يا ضنايا هي الحقيقة كده بتوجع.
زفرت وسام في حرج وغيظ خاصة عندما رمقها ريان بنظرة معاتبة فهمست في خجل وهي تضع يدها فوق بطنها المنتفخ مبررة:
-والله مكنت أقصد دي الهرمونات.
-خلي بقى الهرمونات تنفعك يا بنت ابوكي.
-يوووه يا ما…..
قطعت وسام تذمرها من اتهامات والدتها وعلت دقات قلبها في ترقب تدريجيًا حين سمعت صوت الباب يُفتح معلنًا عن وصول زوجها الذي دخل عليهم بملامح واجمه متعمدًا عدم النظر لها رغم إنه وقف يطالعهم جميعًا الواحد تلو الآخر عداها قبل ان يلقي السلام بمشاعر غامضة:
-السلام عليكم.
-عليكم السلام، انت كنت فين؟
تساءل ريان بنبرة جامده معاتبة فنظر له بيجاد نظرة تفوح بالصقيع ليخبره في نبرة باردة:
-هتفرق معاك في حاجة؟
ادخل في الموضوع على طول، ايه اللي حصل؟
-اكيد طبعا هتفرق معايا، انت بتتكلم ليه كده؟
بلل بيجاد شفتيه وداخله اعصار اهوج من الغضب الخام الذي يفشل في السيطرة عليه فركز على الحاضر مستكملًا:
-مش حابب اتكلم دلوقتي يا ريان، قول عايزني في ايه؟
نظر نحو ليان التي تطالعه في ذهول ولمحه من الخوف تسيطر على عيناها البنية فابتسم ساخرًا:
-وانتي كمان وحشتيني ومبسوط أكتر اني شوفتك.
تحركت شفتيها في حرج فاتجهت نحوه بوجه أحمر في خجل بينما تبعد خصلاتها للخلف بعيدًا عن وجهها هامسة:
-وحشتني فعلًا، انا بس محبتش أتدخل ما بينكم.
انفرجت عيون بيجاد في صدمة استبدلت سريعًا بغضب مكبوت وهو يرى أثار الكدمات أسفل عينيها فسمح لها بالاقتراب كي تعانقه وتقبل وجنته في خفه.
أغمض عينيه رافضًا فضح مشاعره التي اشتعلت وما فعلته تلك اللمسة الأخوية البسيطة بمكنوناته الضائعة ما بين حنان يرغبه وانتقام ممن فعل بها ذلك.
-مين عمل في وشك كده؟
كان سؤاله خافتًا يصرخ بالخطورة التي تهرب من جسده الضخم المشنج وعيناه لاتزال مغمضة يخفي خلفها غضب وحشي فتدخل ريان قائلًا في قسوة:
-نادر جوزها ضربها عشان كانت عايزة تطلق منه،
أطمن اللي في وش ليان ولا حاجة جنب اللي عملته في وشه.
خرجت من ريان ضحكة خفيفة مخيفة مرعبة لا تقل خطورة عن شقيقه وهو يؤكد من بين أسنانه:
-يبقى يقابلني لو عرف يفتح عينه الاتنين لشهر قدام.
كيف لاعتراف عنيف دموي كهذا ان يعطيه السكينة لا يعلم ولكنه فعل، هز بيجاد رأسه برضا وقد عدت له بعض السكينة ثم أعاد فتح جفونه ليلقي نظرة لأول مرة منذ دخوله على وسام الواقفة مكانها تطالعه بأعين يشوبها اللهفة والحزن، ترى أهي حزينة لعودته أم انها….
رفض التفكير أكثر في الأمر فهو لن يستسلم لقلبه ابدًا من جديد، التفت نحو ليان التي ابتعدت عنه سريعًا واستبدلت مكانها والده وسام تحتوي وجهه وتحتضنه إليها هامسة بصوت يصله هو فقط:
-أنا سوتها ليك على الجنبين، فبراحة عليها وغلاوتي عندك.
حرك رأسه دون أن يتحدث ومال يقبل جبينها معتذرًا:
-أنا أسف مكنتش برد عليكي، بس كنت محتاج فترة افضي دماغي مع نفسي.
-ولا يهمك يا حبيبي، هعملك قهوتك واقعد شوف أخوك عايز ايه.
تحركت والده وسام التي اومأت رأسها لابنتها المتصلبة مكانها كي تتحرك وتتجه نحو بيجاد أثناء ذهابها للداخل فأطاعتها وسام تتقدم منه لكن قلبها انفطر وتكسر كالزجاج حين ابتعد بيجاد خطوة للخلف رافعًا ذراعه امامها يمنع اقترابها منه.
انغلق حلقها في اختناق وعلت أنفاسها توشك على البكاء أمام الجميع دون اهتمام لمظهرها العام أمام اخوية خاصة حين تأكدت بأنه يتعمد عدم الإمساك بنظرات عينيها المتوسلة.
اندفع “ريان” يكسر الصمت مغتاظ من معاملة شقيقه الابله الذي يحاول خسارة زوجة يعشقها ويعتبرها الشيء الاقدس والاغلى له في نوبة جنونه.
-جرالك ايه يا بيجاد، انت المفروض أعقل من كده.
انعقد حاجبي بيجاد في غيظ لنبرة ريان المتهمة فهتف في وجهه غير قادر على تمالك أعصابه أكثر:
-وحضرتك يا ريان باشا شايف المفروض ابقي ازاي قول وأنا هنفذ.
رد بيجاد ساخرًا، فانكمشت وجهه ريان في غضب هو الآخر ثم اقترب خطوة قوية من اخيه هاتفًا من بين أسنانه:
-فوق لنفسك واظبط طريقتك عشان مترجعش تندم.
-ما هي المشكلة اني فوقت!
هز بيجاد رأسه في ثقة يؤكد كلماته الساخرة، بينما يمرر نظراته بين ثلاثتهما مستكملًا:
-المشكلة اني فوقت لنفسي فعلًا وعرفت ان انا ظالمها بوجودي مع ناس نفسي مش فارقة معاهم.
-ليه بتقول ….
حاولت ليان التدخل بتلقائية فوضع بيجاد أصبعه فوق فمه يهسهس رفضه لسؤالها الواضح مجيبًا في لهجة ساخرة تحمل الكثير من العتاب واللوم:
-انتي بالذات مينفعش تسألي السؤال ده، تقدري تقوليلي اتصلتي بيا كام مرة من يوم ما سافرتي مع ريان.
صمتت ليان عاجزة عن الإجابة بعدد المرات المساوية صفر….
فضحك بيجاد دون أي استمتاع بينما يومأ رأسه لليمين والشمال في رفض قائلًا:
-أنا شاغلني موضوع واحد ونفسي اسمع اجابه، هو انتي فكرتي لما قررتي تتجوزي تبعتلي احضر معاكي؟
ارتبكت ليان التي حاولت الحديث فأسكتها من جديد مؤكدًا:
-لا يا ليان مفكرتيش،
مستحيل تكوني فكرتي ان عندك أخ كان نفسه يبقى شاهد على جوازك حتى لو انتي شايفة الأخ ده وحش او مجنون بس هو في الأول والأخير أخ ليكي.
جذب بيجاد نفس عميق يشعر بانسيابيه أفكاره وجنون مشاعره تفور داخل صدره وترفض التوقف كأنها قطار وضع على الخط الحديدي ولن يقف إلا بالوصول إلى محطته فزمجر مشيرًا إلى نفسه:
-لما ريان كلمني قالي انك اتخطبتي، انا عملت حسابي على فكرة وكنت بحوش عشان اجيلك الفرح على حسابي ومكلفكيش فلوس.
متتخيليش احساسي لما ريان اتصل قالي ان الجواز اتقدم وهيتم في خلال أيام ولما قولت أحضر، فالي ان ليان قالت مفيش فرح.
حرك بأصابعه باتهام مناظرًا ريان تلك المرة باتهام قاسي ينبثق من حدقتيه:
-ساعتها حسيت اني منبوذ وكسرتوا قلبي انتوا الاتنين.
-أنت مش فاهم اللي حصل وقتها، انا مكنتش عايز اعملك ازعاج ومشاكل لما تعرف التفاصيل الموضوع تم في سرعة بسبب مشكلة بيني انا وليان،
انت عارف انك مهم في حياتنا، احنا اخوات وطول عمرنا في ضهر بعض.
تحدث ريان يشعر بغصة قهر في صدره فقد تأكد بأنه أناني باحترافيه وتعجب رغم كونه شقيق أكبر إلا انه فاشل حتى في احتواء أشقاءه وقراءة مشاعرهم.
ابتسم بيجاد دون أن تصل الابتسامة إلى عينيه قائلًا بينما يعقد ذراعيه أمام صدره المتشنج:
-ريان انا مختفي بقالي اسبوع وانت متصل بيا انهارده لما احتجتلي !
مش شايف اهميتي عندك غريب شوية؟
رفع ريان يده في استسلام مسترسلًا:
-ده مش ذنبي، من أسبوع لما حصلت مشكلة ليان انا سافرت في ساعتها ومعرفتش انك مختفي غير الصبح.
-وكون أنك مفكرتش تقولي ان اختنا في مشكلة وانك مسافر ده في حد ذاته مصيبة،
اعترفوا ان انا مش مهم في حياتكم واني مجرد شخص عاله على مشاعركم محدش متقبله.
-لا يا بيجاد عشان خاطري متقولش كده، الكلام ده، اللي بتقوله ده بسببي أنا عارفه،
أنا بتعتذرلك من كل قلبي والله العظيم مقصدتش حرف منه.
قاطعتهم وسام التي اقتربت تمسك ذراعيه المعقودين أمام صدره فتوجم وجهه في جمود حصري لها ثم التفت بعيدًا عن لمستها قائلة في حده:
-لا كنتي تقصدي كل كلمه وكل حرف، متكذبيش على نفسك،
انا طول عمري تحت دايرة الاختبار في علاقتنا والكبام ده كان نتيجة تحليلك بس خلينا نتفق على حاجة وحده.
التفت يواجها متجاهلًا قسوة عينيه المقابلة عيونها الباكية متابعًا في صدق:
-انا لعنة في حياة اللي بحبهم ومينفعش افضل فيها.
حاولت الاقتراب منه وقد ارتعشت ملامحها ببكائها الحار هامسة:
-عشان خاطري متوجعش قلبي بكلامك ده.
-لا يا وسام كلامي مش بيوجع كلامك انتي هو اللي وجع.
اغمضت عيونها في قوة وخجل تشعر بقلبها يتمزق لأنها كانت سبب الألم والحزن المنبثق من عينيه ولهجته، علا بكاءها متسائلة:
هل جاءت النهاية أسرع مما تتوقع، هل حفرتها بأصابعها وبتعلقها بأفكار مجنونة؟…
لا بل أسوأ هي خطت تلك النهاية بأوهامها وقدمت ذلك العشق المهيب الذي زين يوم نظراته نحوها كقربان على محراب الشؤم والشكوك…..
وها هي تقف أمامه ولا ترى خلف جفنيه سوى اتهام غامض خافي بين ضرفتين من الإرهاق والغضب.
-انا مقتنع بكلامك حقيقي مقتنع، انت عندك حق في كل كلمة قولتها،
لأننا قبل ما نعاتبك المفروض نبوص على عيوبنا الأول.
قال ريان أثناء اقترابه من بيجاد حتى صار وجهًا لوجه مع شقيقه قبل أن يفاجئه بميله نحوه ويحتويه بنصف عناق رجولي داعم مستكملًا في قوة ضاغطًا على حروفه:
-بس ده ميمنعش انك اخونا وانك مهم لينا مهما ظهر ليك العكس، كفاية اني قبل ما أنام مكانك هنا وهنا.
حرك اصبعه من صدره نحو عقله لينهي اعترافه في حده:
-انا عارف انك مهم وراضي قدام نفسي طالما بفكر فيك وفيها وسط همومي.
حرك ريان رأسه نحو بيجاد ونحو ليان قبل ان يكمل في تساؤل موجه لشقيقته:
-اعتقد كده حوار انك تقعدي مع بيجاد مش مناسب الفترة دي ولا انتي شايفة ايه؟
دفعه بيجاد عنه في حده يرمقه في غيظ قائلًا:
-لو هي عايزة تقعد معايا ده بيتها قبل ما يكون بيتي،
ومش معنى اني مش طايق حد فيكم انكم مش اخواتي.
ابتسم ريان نصف ابتسامه مغيظة ليخبره في رضا:
-انا كنت بتأكد بس أنك لسه فاكر.
-انا اسفه يا بيجاد انت عندك حق في كل كلمة قولتها، لو مش عايزني انا هتفهم الوضع و….
رفع بيجاد يده يخرسها ليهتف من بين اسنانه في غضب:
-مفيش حاجه اسمها مش عايزني،
انتي جيتي عشان تفضلي معايا واكيد ليكي سببك ومش هتطلعي من هنا غير لما السبب ده ينتهي.
انقلبت شفتي ليان في حزن واتجهت في خطوات سريعة تحتضنه في قوة معترفة:
-أنا أسفة يا بيجاد، أنا حقيقي أسفة ليك ولريان ولنفسي على الأنانية اللي وصلت ليها.
ضمها بيجاد إلي صدره يربت عليها في حزن متقبلًا اعتذارها الذي اندفع مخترقًا حصون داخله لم يكن يعلم بوجودها من الأساس فانضم اليهما ريان الذي مد أصابعه يجذب خصلاتها في مشاكسة قائلًا:
-اللي بيغلط بيتعلم من غلطته، دي مش نهاية العالم وانتي عندك بدل السند اتنين استغليهم صح واتعلمي بسرعة.
رفعت ليان اصابعها تجذب ذراع ريان الممسك بها تقربه منهما هي وبيجاد لتلتف ذراعها الأخرى حوله منغمسة في عناق مزدوج بين شقيقيها التي اشتاقت لوجودهما في حياتها ولن تفكر في السبب الذي منعها منه بعد تلك اللحظة، يكفي عودتها هنا حيث الأمان بينهما وتعجبت كيف وصلت بها الحال لتصديق أوهامها بأن بيجاد سيكون مصدر أذى لها أو أن ريان سيتخلى عن وجودها بعد زواجه.
تابعت وسام الباكية ما يحدث أمام عينيها في حزن وابتعدت للخلف سامحة لزوجها بتلك اللحظة عسى أن تلتئم جروحه التي كانت هي بكل غباء السبب في انشقاقها.
انقبض قلبها وجسدها في ذعر ترفض تفسير ذلك الشعور المرعب المتكتل داخل صدرها بأنه لم يعد يحبها، لا لن تفكر ولن تهلع فحتى وان تولد هذا الإحساس داخله هي أكثر من قادرة على المحاربة وقتله في مهده مدافعة عن حبهما وبذرته النابتة داخل احشاءها.
تابع ريان المشهد حوله كاتمًا تأثره وهو يرى انهيار شقيقاه تواليه الواحد تلو الأخر أمام عينيه، رفع ذراعه الآخر يلامس في دعم وجه بيجاد الذي ابتعد عن مرماه يناظره في انزعاج مختلط في خجل رجولي رافضًا المواساة ومشاعر الحب المباشرة بينهما رغم انه يضغط بقوة فوق جسد شقيقتهما وكأنها حبل الحياة.
تنهد ريان متسائلًا متى سيأتي عليه الدور للانهيار؟
فهو يعلم ان انهياره سيكون أقسى وأكثر ألمًا لأنه لن يكون داخل بؤر الأمان الاخوية تلك بل سيكون بين ذراعين أصغر وأرق وصاحبتهما كاذبة أفعالها قاتلة تسرق منه الاستقرار قبل السكون بعيون الريم المخادعة خاصتها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى