روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل السادس 6 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء السادس

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت السادس

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة السادسة

أمام واجهة المحل الشهير، وقفت تتأمل الملابس الرائعة، موديلات قصيره وعارية وخفيفة، تصلح للخروج او للسهرة ، تظهر انوثة المرأة وجمالها، تقسم انها ان ارتدت واحدة منهن سوف تصبح حديث المدينة بلفت الانظار اليها، هي جميلة وهذه الأشياء صنعت من أجلها ومن اجل مثيلاتها
لكن حظها البائس كتب عليها ان تظل مدفونة اسفل هذه الملابس السوداء القبيحة ، التي بالكاد تظهر مستواها، المادي المرتفع واصلها الحسن، وهذا ما يصبرها بعض الشيء ويخفف عنها .
– هيليق اوي عليكي الفستان البيج .
اجفلت تلتف لصاحب العبارة الذي هتف بالقول من خلفها، ولكنها تفاجأت به، نفس الرجل الذي حادثها قريبًا، والذي التف ليقف مقابلا لها ، مما ساعدها على الرد بحدة :
– انت تاني يا جدع انت؟ إنت ايه حكايتك بالظبط؟ ليكون مدبجني ومراجبني ، حجة دا تبجى ليلتك طين.
تبسم بجاذبية تليق بمظهره الخاطف للأتفاس وهذه الهيئة الراقية، يضع كفيه في جيبي بنظاله اسفل السترة في الامام، قبل ان يجيبها:
– اخاف اقول ان كنت براقبك صح تطيني عيشتي بجد .
برقت عينبها تطالعه بشراسة أثارت داخله التسلية وقبل ان يفتر فاهاها للهجوم عليه لحق هو يستطرد:
– انا قصدي ان لما شوفتك مقدرتش اشيل عيتي من عليكي، اظن ان دي حاجة غصب عني، الواحد لما بيشوف ست جميله بيتشد ليها، فما بالك لو كانت ملكة جمال كدة زيك.
عرف جيدا ان يؤثر بها بتغزله، حتى ظهر اضطرابها في الرد عليه وصوتها المهزوز:
– لاا بجولك ايه؟ انا مش واحدة هاينة ليك ولا لغيرك عشان ارضى بكلامك البارد ده، نو متعرقش انا مين ولا مين عيلة مين؟
رد ببساطة ومراوغة:
– مش محتاجة تقولي، بنات الأصل العالي بيبان عليهم، ولا انت شايفاني اعمى ومش هعرف افرق ولا اخد بالي ، مكنتش اتصور ان مستوى الجمال متقدم كدة هنا
ما اللعنه، شديد الوسامة بهيئة تذكرها بنجوم الدراما التركية التي تتابعها يوميا على الشاشات، تبا، كيف لها الا تتأثر بمدحه؟
زفرت تظهر امتعاضًا زائفًا لتشرع في الذهاب وتركه:
– ماشي يا سيدي متشكرين على زوجك ، عن اذنك..
اوقفها بقوله:
– استني دقيقة لو سمحتي.
عادت لشراستها تحدجه بعسليتيها :
– افندم عايز ايه؟
تبسم بهدوء يجيبها
– مش حاجة وحشة والله، انا بس عايز اعرفك اني بقعد في الكافيه اللي هناك دايما، وكنت محتاج اوي الاقي شقة هنا في المحافظة، عشان اعملها مكتب لشركتي ، وبما انك هانم ومن اهل البلد ، ف انا حابب اسئلك لو تعرفي حد يأجرلي
ردت تدعي الضيق:
– وما تكلم سمسار يشوف طلبك، انا مالي
اومأ رأسه بأسف:
– حاولت وطلعان عيني معاهم، مفيش حد فيهم جايب طلبي .
– وانا يعني اللي هجيبه؟ دا ايه التناحة دي؟
تهكمت بها وسارت من أمامه تذهب ، وتدعى عدم الاكتراث، غافة عن ابتسامة شقت ثغره من الخلف وهو يتابعها بعينيه.
❈-❈-❈
داخل المبنى القديم المتهالك، بفعل الرطوبة وعامل الزمن، حتى أصبح ايلًا للسقوط ، صعد الدرج الخرساني ، يمر بالأدوار واحدًا تلو الاَخر حتى وصل الى السطح ، ليتابع بخطوته الى الغرفة المنزوية بجهة وحدها،
وضع المفتاح في مغلق الباب، قبل ان يدفعه للأمام ويدلف داخلها، حاملًا عدد من الأكياس ، بما تحتويه من أطعمة وأدويه واحتياجات طبية ومنزلية ، والتي ما ان رأها المستلقي على الفراش بالدخل علق يبادره الحديث بتهكم:
– اسم النبي حارسك وصاينك، توك ما هليت يا باشا ، تنورني بطلتك البهية؟
قابل مالك صيحته بهدوء، ليخرج ما بداخل الأكياس ويضعهم على الطاولة الخشبية العتيقة:
– ليك حق تتريج وتشتكي كمان، انا مش هلوم عليك ولا ازعل، عشان متأكد انك لما تعرف بجى سبب تأخيري هتعذرني.
قال الأخيرة وهو يلتف اليه ، ينزع عن احد الأطباق المغلفة، غطائها ، ثم يضع بها ملعقه قبل ان يقترب من صديقه الساخط ويقدمها اليه، والذي تناولها منه بغضب مستهزءًا:
– لا ومكلف نفسك وجايب دليفري ولحمة كمان؟ ليكون فايز باشا حن عليك وحل كيسه، ولا انفكت عقدة الورث معاك ؟
تبسم مالك ، يخرج طبقه هو الاخر ويجلس بجواره، يتناول من الطعام الساخن، ذو الرائحة الشهية التي عبئت المكان الضيق، ليرد باسترخاء:
– لا دي ولا دي يا صاحبي، بس تجدر تجول كدة انها هانت او بمعنى أصح، احنا جربنا للي أحلى من الورث
للهنا كله، لا وايه، هيجي كدة من غير تعب ولا وجع جلب ، هي بس فيها لاخفيها وبس كدة!
– مش فاهم، انت هتتكلم فوازير ولا ايه؟
قالها صديقه لتبزغ ابتسامته بانتشاء يجيبه:
– يا صاحبي ما انا بجولك انها هانت، يعني اخيرا رسيت على مرسى، بدل الحيرة واللف والدوران اللي كانوا واكلين راسي، انا وانت هنلعب بالفلوس لعب وبكرة تشوف .
تجهم وجه صديقه، ليعقب بضجر متعاظم، مشيرا بعيناه نحو قدمه المصابة:
– والله باينك انت اللي بتلعب بيا بعد ما خيبتني وخدت انا الضربة عنك ، رجلي دي اللي مش عارف اروح لدكتور، ولا اعالجها زين بسببك، مش عارف انا، اي تعويض دا اللي هيكفيني؟
رد مالك بأسى وعتاب:
– ولزومو ايه بس التجطيم؟ ما انا بجولك اها الفرج جريب، انا لو عفش يعني، كنت هاجيلك دلوك عشان ابشرك وانا شايل ومحمل بكافة طلباتك، رجلك بكرة تجف عليها وتنطط بيها ، الواد عنتر التمرجي جايم معاك بالواجب، ومجشنطي بالفلوس اللي بيسفها سف مني، انا مش مجصر معاك يا صاحبي، ومجدر عصبيتك دي وغضبك، بس اللي طالبه منك هو انك تتحمل شوية…… اتحمل يا صاحبي دى انت الوحيد اللي فاهمني ف وسط العالم دي كلها ، انت اللي مأمنه على سري ،
قال الأخيرة باستجداء اثر في الاخر، ليزفر باستسلام، ثم قال ؛
– ادينا صابرين ومستنين، أما نشوف أخرتها.
❈-❈-❈
سقطت بجسدها المرهق على اقرب اريكة وجدتها امامها، وقد عادت مع زوجها الى المنزل بعد زيارة الطبيبة،
عقلها يسبح في النقاش الذي دار منذ ساعات، وهذا الاتهام المجحف بحقها بانها تخطته وكأنها خانت العهد، لكن ماذا كان بيدها؟ هل المشاعر كانت بالسهولة التي نبدلها من جهة لجهة اخرى؟!
ولكنها اجبرت على الاختيار، وهي اختارت عزتها وعزة شقيقها امام اتهام باطل في سمعتها وأخلاقها.
اما هو، وقد رأت بأم عينيها اليوم الفتاة التي تزوجها، صبية صغيرة من عمر ابناء شقيفاتها، بل اصغر ، كيف يلومها وهو يفعل العكس؟ كيف تأتيه الجرأة وقد تركها بالسنوات في انتظاره، لتفاجأ الاَن بحجم الترف الذي وصل اليه؟ لقد شعرت اليوم انها امام رجل غريب عمن كانت تظنه حبيبها؟
– روح .
التفت على النداء نحو زوجها الذي خاطبها بقوة لتنقض عنها شرودها:
– مالك يا برنسيسة؟ ايه اللي واخد عجلك ؟
نفت بكذب مكشوف:
– واخد عجلي كيف يعني؟ ايه اللي هيخليني اسرح اساسًا؟
تنهد يردد بتصميم وهو يجلس على الكرسي المقابل لها:
– لا كنت سرحانة يا روح ومتنكريش، انا مش غبي عشان ما خدتش بالي.
استطرد امام صمتها:
– يا روح دا انتي ما بتعرفيش تمثلي ، طول الوجت ساكتة في العيادة من بعد ما جيتلك ودخلت معاكي عند الدكتورة والست تكلمك وانتي ولا اكنك معانا، لا ضحكتي ولا بان سنك غير قدام الشاشة اللي ظهر فيها الجنين.
تبسمت بحنين وقد عادت بذاكرتها لمشهد الجنين، وهذا النبض الصغير ، الذي كان يرقص له قليها، وابتهاج يغمرها لمجرد الرؤية، حتى تخيلته بين يدأها تحمله، ابتسامة خبئت عقب قوله:
– ليكون الزعل ده عشان شوفتي بت متولي؟
خرج السؤال منه بتردد يشمله ارتياب ظهر مع نبرته، حتى تطلعت اليه بعدم فهم، تنوي ان تسأله عن صاحبة الأسم، ثم ما لبثت ان تستدرك على الفور لتسأله، بأعين توسعت بإجفال:
– تجصد مين؟ على هدير بت اجلال……
– مرة عمر .
قالها يقاطعها بشكه، ليردف بحدة:.
– انتي عارفاني واضح يا روح، وانا مش هخاف ولا اتراجع غير لما اسمع منك توضيح.
– توضيح عن ايه؟
– توضيح عن حالك اللي اتجلب، انا محتاج تفسير؟.
لقد ملأ الشك قلبه، وهو يظنها تغيرت لرؤية من تزوجها الاخر، فما باله لو علم بالحقيقة، بأن سبب التغير، هو نقاشها مع ذاك الأحمق، إذن ماذا تخبره؟ ليتها ما ذهبت الى الطبيبة من الأساس؟
– سكتي ليه يا روح؟ هو انتي جاصدة تأكدي الفكرة اللي في دماغي يعني ولا ايه بس؟
صدر قوله بضجر حقيقي ، وقد تبدلت ملامحه لأخرى
غاضبة لم تعتاد عليها منذ زواجها به، وهي مطالبة الاَن ان تغلق هذا الباب المؤذي لها وله.، ولانها لا تعرف كيف، لم تجد امامها سوى التصرف بعفوية ، بأن نهصت فجأة لتباغته بقبلة على وجنته تجفله بها ، فتربكه عما كان يهاجمها به، ولاحت على وجها تلك الابتسامة الصافية تجيبه:
– انا مش هاحلف ولا ابرر ، اللي اجدر بس اقولهولك عن ثقة، يعلم الله يا عارف ، ان انا ما في اي مخلوق دلوك يشغلني غيرك ، انت والنونو اللي جاي في السكة
❈-❈-❈
– ايه دا؟ يا ساتر يا رب، كل دا دخان.
عقبت هدير متسائلة فور ان ولجت داخل غرفة نومها وقد تفاجأت به، جالسًا بنصف نومه على الفراش يدخن بشراهة ،
حينما لم تجد إجابة بهذه النظرة الشاردة التي كان يرمقها بها، ذهبت للنافذة تفتحها بشكل جزئي ، لتهوية الغرفة،
فخرج صوته في الرد اخيرا:
– أمك مشت؟
جلست على طرف الفراش تجيبه وهي تخلع عنها حجابها؛
– جعدت معايا شوية بعد ما وصلتني وبعدها مشت ، بس انت جيت من امتى؟ انا كنت فاكراك طلعت ع الشغل لما سيبتنا في العيادة لوحدينا .
عوج فمه بضيق وقد انتبه على تلميحها الخفي في عدم اهتمامه، فقال بتجاهل لما ذكرته:
– الدكتورة جالتك ايه ع التحاليل؟
ردت بنبرة خلطت ما بين الثقة بالنفس وما بين حنقها:
– جالتلي زينة واني لسة صغيرة ودا شيء طبيعي، خصوصا اني متجوزة جريب ومفيش داعي للإستعجال
رمقها بغيظ يطفئ السيجارة في المطفأ التي تناولها من فوق الكمود ليرد بحدة:
– جيبي من الاخر…. يعني هنجعد كدة مستنين الفرج، ولا ادتك حاجة تعجل؟
أجفلت لعدائيته، فصدر ردها بنزق:
– كتبت على فتامينات وحاجات بسيطة، عشان بس تساعد مساعدة ، لكن برضوا دي حاجة في ايد ربنا ، نفس اللي جالتوا امي بالظبط.
ردد خلفها بانفعال ، واستنكار لا يخفيه:
– امك امك ، خبر ايه؟ هي امك دي ام العريف اللي محصلتش؟ دي اخرها واحدة جاهلة، تألف من مخها ويا تصيب ويا تخيب….
توقف يطالع غضبها المكتوم وعلامات الاستهجان التي تعلوا ملامحها، ليردف مقتربًا بجذعه منها:
– مش عاجبك الكلام يا هدير؟ ما تكليني أحسن يعنيكي دي؟ ساكتة ليه؟ ما تردي
بصيحته الاَخيرة لم تستطع منع نفسها :
– معلش يعني، اصل انت كل شوية تجولي امك جاهلة ودجة جديمة، طب هي كام سنة؟ دي اصغر منك بسنتين…… اه
خرج تأوهها الأخير بألم، بعدما باغتها على حين غرة بأن حطت قبضته على عقدة شعرها من الخلف، ليضغط بقسوة مرددًا بأعين تلونت بالدماء:
– جصدك ان العيب فيا وان انا اللي كبير عليكي؟ هو دا جصدك يا بت إجلال.
صرخت تدافع بخوف:
– لا والله ما كدة، انا جصدي ان امي خلفتني على اربعة تاشر سنة، يعني فاهمة زيك وزي عمتي جميلة، انا مجصديش اللي في دماغك والله……
ختمت ببكاء ودموع تهطل بكثرة، جعلت قبضته ترتخي، رويدا رويدا حتى تدارك لارتياعها منه، وحاول تمالك غضبه قليلا ليضمها اليه، شعر بانتفاضتها، فرق قلبه ليهدهدها:
– خلاص خلاص، خفي وبطلي بكا، هو انا عملت ايه لدا كله بس؟ دي مكانتش ربطة شعر دي اللي جرصت عليها.
خرج ردها وهي ترفع رأسها عن حضنه:
– انت مبتشوفش نفسك يا عمر ساعة ما تزعجلي، انا بخاف منك، ودلوك كان اكتر من كل مرة.
زفر يكظم ضجره وحنقه المتعاظم، ليتعامل معها ببعض اللطف واللين، فهذه الأمور تزيد من الضغط عليه، ليعقب ساخرا:
– ليه؟ ببجى عفريت يعني؟ ع العموم ماشي يا ست هدير، مجبولة منك عشان خاطرك، وعشان تعرفي اني يهمني رضاكي بس..
لمس في الأخيرة على طرف ذقنها، يطالبها بنعومة متابعًا:
– انا راجل عصبي وانتي لازم تجدريها دي، اغضب بسرعة لكن بتأثر بزعلك ومجدرش اشوفك خايفة مني.
اثرت بها كلمات، تستسلم لملاطفته في صلحها، ثم تقريبه اليه وضمها، حتى اذا شعرت بتحول اللمسات لأخرى تعلم اَخرها، أوقفته من البداية تطالبه:
– انا عايزة اروح اجعد يومين في بيت ابويا
قطب بإندهاش يسألها:
– ما انتي كنتي جاعدة مع امك من شوية، هي شغلانة.
ردت برجاء تستعطفه
– ما انا وحشني الجعدة مع اخواتي والبيت نفسه، حتى اصحابي البنتة هناك…
– خلاص خلاص، موافق باه
هتف مقاطعًا استرسالها لينهي الكلام، ويضيع معها في عالمه، يسرق لحظات من الزمن يخدر بها أوجاعه ويريح عقله من تفكير متواصل لا يهدأ.
❈-❈-❈
داخل غرفة معتز كان يدعي اللعب مع الصغير ومجموعة الالعاب التي ملئت الأرض بفوضوية، وعيناه تتبعها أينما ذهبت، بهذه العصبية المحببة، نتيجة لغضبها من افعالهما في مشاكستهما لها، حيث كانت ترتب في الغرفة ومن حين الى اخر تختطف النظرات الحانقة اليهما وفمها لا يتوقف عن الغمغمة بالكلام الغير مفهوم، حتى في غضبها تجعله يهيم بها،
– ياللا يا معتز شد حيلك وخلص العمارة ، مش عايزين نزعل ماما.
– والله.
صدرت منها تسبقها شهقة ساخرة، حتى جعلته يبتسم بملئ فمه، مما زاد على سخطها ، حتى أصبحت تطوي ملابس صغيرها وتضعها في الخزانة بعنف، وهي مواصلة غمغمة الكلمات الغير مفهومة، ليردد هو للطفل:
– يا بني ماما شكلها زغلانة ، واحنا عايزين نخلص لعب ونرتب الأوضة، بلاش كلكعة يا معتز.
للمرة التي لا تذكر عددها، ينجح في لفت انتابهاها نحوهما ، لبيادلها النظر بعبثية، تجعلها تستغرب بالفعل هذه الافعال الصبيانية منه، عكس المعروف عن شخصيته الجادة والهيبة الطاغية .
كانت مندمجة في الشرود به حتى غفلت عن احدى قطع المكعبات الصغيرة وهي تنهض بدون تركيز لتدعس عليها بقدمها على الجزء المكشوف من الأرض الرخامية وكانت النتيجة انه انزلق بها ، فاختل توزانها وكادت ان تقع، لولا ان تلقفته ذراعيها بسرعة لم تتخيلها..
انتظر قليلًا وراسها على صدره، حتى هدأت أنفاسها قبل ان يسألها:
– انتي كويسة دلوك؟
– تمام الحمد لله
تمتمت بها وهي تحاول نزع نفسها عن حضنه بحرج، ولكنها اهتزت في وقفتها، لتعود مرة أخرى فيضمها اليه بقلق متزايد، ليسير بها حتى اجلسها بجواره على التخت وذراعيه ما زالت متمسكة بها، يسالها
– ايه الحكاية امال؟ هو انتي تعبانة من الاول ولا ايه؟
فركت بإصباعيها قليلًا على جبهتها تجيبه:
– لااا هي بس…..
– بس ايه؟
صدر منه بحدة اجفلتها قبل ان تنتبه على صغيرها الذي ضمها من قدميها يسألها ببرائه:
– انتي تعبانة يا ماما ؟
تبسمت لحركته العفوية، تقربه اليها قائلة بابتهاج:
– لا يا حبيب ماما انت يا حنين، دي شوية دوخة صغيرة .
– هو في دوخة صغيرة ولا دوخة كبيرة خبر ايه يا نادية؟
تمتم بها بحنق انتقل اليها، لترفع رأسها عنه ، وهي تقف وتحاول التوازن:
– يا غازي ما انا بجولك اها مفيش حاجة، هما شوية ضعف ولا دوخة بسيطة، اروح اشوف ابه اللي ورايا بجى
تحركت من أمامه .تذهب الى ما كانت تفعله، لتبدوا طبيعية، ولكنه لم يطمئن ابدا لحالتها،
❈-❈-❈
داخل غرفتها بالمشفى
ابعدت سليمة معلقة الطعام بيدها، معبرة عن استكفائها:
– خلاص كفاية ، معدتش جادرة
اعترضت نعيمة لتعيد المحاولة مرة أخرى بإلحاح:
– ما كفياش، كلي وبلاش تتبعبيني معاكي يا سليمة .
– يا بوووي
عبرت بها سليمة برفض قاطع ، تبعده الطعام عنها ، مما جعل هويدا تتدخل:
– خلاص يا نعيمة، سبيها على كيفها، جالتك مش جادرة،
بررت نعيمة:
– بس انا عايزاها تجوم، ومفيش غير الوكل هو اللي يسند البني ادم
عقبت هويدا على قولها مخاطبة سليمة:
– طب نعملها ايه بجى؟ هي كدة دايما تعبانا معاها، طب حتى افتكري المرة الكبيرة اللي مش راضية تسيب محلها غير وهي يدها في يدك كيف ما بتجول.
قالتها بإشارة نحو والدتها التي غليها التعب فتسطحت على التخت الثاني وغفت جوارهما،
لترمقها سليمة بإشفاق، ثم تعود برأسها للخلف قائلة:
– وانا كنت اجبرتها يعني؟ ما انتوا شوفتوا بنفسيكم، هي رأسها والف سيف تفضل معايا ، انا والله ما يهمني غير صحتها ، بس هي بجى مفيش فايدة فيها
ردت هويدا:
– عتحكبك يا سليمة، كيف ما جوزها بالظبط كان بيحبك، طول عمرك واخدة محبتهم وشايفينك حاجة كبيرة، بيفتخروا بيها .
لا تعلم سليمة لما شعرت في لهجتها بنبرة لم تعجبها، وكأنها تستكثر هذا الحب ومكانتها في قلوب المذكوربن، انه بالفعل لطالما وصلها عذا الشعور ولطالما كذبته!
– صباح الخير عليكم
صدر الصوت المتحشرج من مدخل الغرفة يلفت ابصار الجميع نحوه، لتلتوي افواه الشقيقتان بضيق منعهما حتى من الرد ولكنه لم يكترث، ودلف يدهشهن ببروده في مخاطبه سليمة المتجهمة:
– عاملة ايه النهاردة يا سليمة، رايجة ولا الزحمة تعباكي.،
قالها بقصد وصل الشقيقتان ، يناظرنه بعدائية فتابع مضاعفًا بدرامبة:
– انا جولت من الأول، النفس الكتير في الأوضة يزيد على تعبك ويأخر بشفاكي.
– با سلاااام
غمغمت بها نعيمة ، لتنهض هويدا ثم تسحبها بيدها تردد بحنق:
– جومي بينا يا خيتي ، نشرب كوباية شاي ولا نشم هوا بعيد عن هنا ، حكم انا فعلا بجيت اتخنق.
اطاعتها نعيمة وذهبتا تاركة الغرفة لهما سكينة النائمة بسكون وسليمة الغاضبة ، والتي زفرت تشيح ابصارها عنه بكره، قابله بابتسامة سمجة ليجلس مقابلا لها على طرف التخت الطبي متغزلا:
– وشك نور وراح منه صفار، رجع لبياضه الطبيعي من تاني.
لم يعجبها القول ، لتحدجه نظرة نارية، قابلها ايصا ببرود وضحكة ازدادت اتساعا:
– لا دا كمان ورد لما اتنرفزتي، عيني عليكي باردة
– صبرني يارب
تمتمت بها تشبح بوجهها الناحية الأخرى، وكان رده ابتسامة مرحة ذات صوت متحشرح
❈-❈-❈
اقترب منه وقد كان جالسًا اسفل المظلة الخشبية في الحديقة ، متكتف الذراعين، متجهم الملامح بشكل قد يبدوا كوميديا،
لكزه بخفة وهو يأخذ مقعده بجواره
– لاوي بوزك ومكشر ليه؟ مش ناجصين جقلة احنا
حدجه يوسف بغيظ:
– بقولك ايه ، سيبني في حالي بقى متكلمنيش، انا مش طايقك اساسا ولا طايق الكلام معاك.
تكلم غازي يدعي عدم الفهم:
– طب ليه يا عم انت مش طايجني، كان بيني وبينك طار مثلا، ولا عركة على حدود زرعتنا.
فهم يوسف لمرواغته ، ليعلق بغيظ :
– بتستظرف انت يا غازي صح ؟ يا عم بقولك مش طايقك
لم يقوي على منع ضحكه في البداية قبل ان يتخذ وضع الجدية في الحديث:
– طب انا فاهمك يا سيدي، ومش هستهبل، بس برضك مفيش مرواح على بيت بسيوني .
سمع منه الاخر ليضرب كفيه ببعضها مرددًا بسخط:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب،، تاني برضوا هتقفلي زي اللقمة في الزور وتمنعني، يا بني بقولك مفيش بيني وبين البينت حاجة، دا كلام عادي، وهي البنت دماغها منفتحة وبتعرف تتحاور وتتكلم معايا ، ثم انا بروح لمين اساسا؟ انا بروح لزينهم .
ء يا راجل!
غمغم بها غازي بسخرية منه، ليستطرد حازما:
– وانا للمرة الألف بجولها ، لا زينهم ولا غيره يا يوسف،، خليك عاجل وما تتعبنيش الله يرضى عنك، اسيبك بجى عشان عندي مشوار لحاجة مهمة
قال كلملته ونهض يتركه ممتقع الوجه ، بيأس يفتك به، لبتمتم بتوعد
– ماشي يا غازي ، ماشي
❈-❈-❈
قال سند وهو يخاطب االرجل الغريب داخل محيط المنزل، بصحبة عيسى ابن خالته داخل احدى الغرف التي تم الحفر بها:
– ها بجى يا عم الشيح، كدة احنا جربنا صح؟
دنى الرجل نحو العمق الكبير في الأرض، بتمعن شديد ختى رفع رأسه قائلًا:
– لسة فاضل شوية،
اعترض عيسى يضرب الارض بقدمه:
– فاضل فين تاني يا عم؟ دا احنا ناجص نجيب بترول، ما تجولوا حاجة يا عم سند ، احنا بجالنا كام يوم بلياليهم، في الجرف ده. لما اتهلكنا
ختم عبارته يشير على هيئته المزرية بملابسه المغبره وشعره ووجهه وجسده بالكامل .
فرد سند والذي كان يماثله في الهيئة:
– زي بعضه يا واد خالتي ، خلينا نتحمل شوية مع الشيخ اللي رابط نفسه معانا هو كمان، عشان يبشرنا بالخير اللي هيهل ولا ايه عم الشيخ.
قال الأخيرة مشددا عليها نحو الرجل والذي رد بهدوء يقارب المكر:
– اكيد امال ايه، احنا اساسا ماشين صح والكنز هنا مش تخمين ولا ضرب ودع، دا علاماته باينة زي عين الشمس.
اومأ له سند بشبه ابتسامة، فهتف عيسى بنزق:
– طب همتك معانا بجى، جيل البومة دي ما ترجع، خلينا نخلص بجى ونستريح منها ام الشغلانة دى
❈-❈-❈
عاد من الخارج ينزع عن عنقه الشال الصوفي ويضع من يده الكيس البلاستيكي الصغير، على الكمود المجاور للتخت، وقعت عينيه عليها وقد كانت خارجة من المرحاض، ، تجفف شعرها بالمتشفة الصغيرة، بشرتها الندية وتفاح الوجنتين ، تخطف الانغاس بهيئتها،
رمقته بنظرته عفوية منها ولكنها كادت ان تطيح بثباته ، ليبتلع ريقه حتى لا يتوه ف بحرها وينسى ما يريده الان منها
– عاملة ايه دلوك ؟
– حمد.لله ، مفيش حاجة تجلج، ما انا جولت شوية دوخة عادية
قالتها ثم جلست لتصفف شعرها بالفرشاة، فتجاهل مؤجلا النقاش، ليزوم بفمه قبل ان يسألها:
– اممم ، طب انا كنت عايزة اعرف منك، هي سليمة دي عندها حد بيساعدها في شغل البيت، ولا بتشتري اكل
من برا ؟
قطبت باستغراب تاركة ما بيدها لتجيب عن السؤال بسؤال:
– ليه بتسأل؟ ما انت عارف انها وحدانيه مع جدتي نفيسة……
قاطعها بإلحاح:
– انا بسأل عشان اعرف، حكاية انها وحدانيه مع جدتك سكينة معروفه، انا جصدي ليكون بتشتري حاجة معينة ولا بتبعت على وكل يجيلها جاهز مثلا، اي اكل يجيلها من برا زي الفطير مثلا .
– لا مفيش اكل، هي بس بتشرب لبن بيجيلها مخصوص،
انتبه على قولها ليعيد على السؤال:
– لبن مخصوص كيف يعني؟
– لبن بيجي يوماتي من بيت الحاوي الجريب من البيت هناك ، هو في حاجة .
اومأ برأسه بتفهم وتفكير سريع، لينفي بهز رأسه كاذًا :
– لا مفيش حاجة ، متشغليش نفسك انت .
تحرك يتناول شاله مرة اخرى وعلاقة مفاتيحه ليردف لها على عجالة قبل ان يتركها ويذهب:
– انا ماشي ورايح مشوار ، ماتنسيش تاخدي الدوا اللي جيبته عندك ، وشوفي الحاجة اللي معاه.
تطلعت في اثره باستغراب، قبل ان تتناول الكيس تنظر في محتوياته، لكن سرعان ما رفعت عيناه عنها مغمغمة بدهشة وذهول:
– اختبار حمل،، جايبلي اختبار حمل يا غازي، يخرب عجلك؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى