روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الرابع 4 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الرابع

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الرابع

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الرابعة

هل هذا هو قلبه؟!
هذا الذي يضخ الدماء الاَن بخفقان متسارع ولا يتوقف ابدا عن التوتر في انتظار من يطمئنه عليها،
هل هذا هو قلبه؟!
من شعر بتوقفه فور رؤيتها ملقاة على الأرض بلا حول لها ولا قوة،، والدماء تسيل منها، كبركة صغيرة تتوسع حولها، تنذر بخروج الروح الى بارئها، ليحملها على الفور دون انتظار، ثم يركض بها نحو مقر الوحدة الصحية في وقت متأخر يقترب من الفجر.
هل هذا بالفعل قلبه؟
هذا الذي ظن انه مات منذ سنوات لا يذكر عددها، حتى أصبح لا يشعر ولا يتنفس هواء طبيعا كباقي البشر،
هذا الذي خدغه بزيف كرهه لها، بعدما فاض به من عنادها وتجاهلها له.
من به القدرة لفهمه الاَن؟ لا أحد يستطيع فهمه، لا أحد يستطيع فهم العلاقة المعقدة بينها وبينه،
علاقة رجل من فرط حبه كان جفاءه…. كان ظلمه… كانت غيرته!…… نعم، هي الغيرة العمياء، من
جعلت احمقًا مثله يضغط بكل قوته، حتى لا يعترف بضعفه، يتخلى عن كبرياءه، ويعترف بعشقه لها، غيرة أحرقت قلبه حتى أصبح يحقد على من تسبب في بعده عنها ، من استولى على اهتمامها، من استغنت به عنه وعن الجميع، حاز على حبها الاعظم، ليزيحه من الصورة، ويحل هو بديلا له، كان ابنه من دمه ولكن بالنسبة اليه، كان غريمه! ابدًا لم يكرهه،، ولكن كان يحقد عليه، لاستئثاره بحب الجميع، وأولهم هي .
– الست سليمة عاملة ايه يا فايز؟
صدر السؤال من مسافة قريبة جعلته يستفيق من شروده لينهض عن مقعده في الانتظار، يستقبل غازي الدهشان، والذي أتى مهرولًا فور سماعه بما حدث،
– ايه اللي حصل؟ وايه اللي جرا ؟ انا مش فاهم حاجة.
قالها غازي في تعبير واضح عن غضب امتزج بارتياعه على المرأة التي يحمل لها مشاعر معزة بغير حدود ، وكان رد فايزة بزفرة معبأة بإجهاده:
– جوا مع الدكاترة، محدش طلع لسة طمني عليها
حدق ببه غازي مستغربًا حالته، ليسأله بتشكك:.
– وانت كيف جيبتها؟ مين اللي بلغك باللي حصل عشان تروح تنجلها ع المستشفى في الوجت المتأخر ده؟
تحمحم فايز يجلي حلقه بارتباك ليجيب بنصف الحقيقة، بأنه كان يسير عائدًا من سهرته مع أحد الأصدقاء قريبًا حينما سمع بصوت الطلقة النارية من منزلهم، ليركض على الفور يستطلع الأمر ويرى ما بها، قبل ان يأتي بها إلى هنا،
اما عن الحقيقة كاملة فهو حينما سمع بصوت الطلقة النارية كان داخل المنزل بالفعل، بعدما ترك شربات ودلف بمفتاحه برغبة مجنونة قاصدًا رؤية سليمة في هذا الوقت، أو حتى مراقبتها وهي نائمة، كما حدث سابقًا قبل ذلك ليته قدم دقيقتين، ربما لحق بمن فعل بها ذلك، لكن من يعلم، قد يكشف هوية الفاعل غدا
❈-❈-❈
– اه يا راسي.
غمغمت تأن بوجع الأخيرة، وهي تخرج من غرفتها بعدما استيقظت اخيرًا من غفوتها، وقد باتت ليلتها في البكاء بعد تركه لها بقسوة ليست غريبة عنه، وجدت اكبر ابناءها جالسًا بوسط الصالة ممسكًًا بالمتحكم بالقنوات، يقلب بها، يرتدي زي الخروج.
– واد يا مالك هو ابوك صحي ولا لسة؟
سألته بعدم تركيز، لتفاجأ برده الساخر:
– صحي ولا لسة؟ هو بات في البيت اصلا ياما؟
عبست تستفسر منه بحنق:
– ليه يعني؟ دا عمره ما عملها اصلا، وانت التاني…… لابس ومتأنتك، طالع ولا راجع؟
ارتباك طفيف لاح في لهجته قبل ان يحتد بقوله:
– اانا كنت رايح مشوار، بس رجعت في كلامي ، المهم بجى خلينا في جوزك ، اللي سيرته ماليا البلد النهاردة.
جزعت ضاربة على صدرها تردد بتساؤلها:
– جوزي انا سيرته ماليا البلد؟ ليه يا واد؟ عمل ايه الجزين ده؟ انا عارفاه، طول ما بيشرب، عمره ما هيجيبها لبر ابدا؟
تبسم ساخرًا يكيدها بقوله:
– ومين جال انه عمل حاجة عفشة، دا بالعكس بجى، الكل بيحكي ويتحاكى عن بطولته! الراجل اللي لحج مرته جبل ما تموت وفر بيها على الوحدة ينفذها،
اسبهلت امامه بعدم فهم، ف استطرد موضحًا:
– ايوة يا ست الكل، ما انتي عشان صاحية متأخر متعرفيش ان الست سليمة، اتعرضلها حرامي هجام وطعنها في صدرها بعد ما وجفتله، ابويا السبع بجى هو اللي دخل عليهم في وش الفجر، وراح شايلها على ايديه الاتنين عشان الدكاترة يلحجوها
بأعين برزت بجحوظ، ترفض الاستيعاب هتفت مرددة من خلفه :
– شالها بيديه الاتنين يا واد، انت واعي للكلام ده؟
أومأ يزيد عليها:
– وفضل يجري بيها طول المسافة من بيت جدي لحد مكان الوحدة ، حتى ما استناش يطلب النجدة من حد.
الى هنا ولم تتحمل ، صرخت داعيه بقهر، وحقد يفتك بها، متذكرة انه لم يفعلها ابدا معها:
– روح يا فايز، الهي تتشل ولا تلاجي اللي يشيلك، كيف ما انت جاهرني كدة وكاسر بخاطري.
❈-❈-❈
تانقت كالعادة وبالغت في تزين وجهها، بالإضافة لهذه الاكسسورات التي تظهر حجم البذخ الذي تتنعم به كالساعة الفاخرة، والأساور الثقيلة والسلسال الذي يغطي الصدر الأمامي من العباءة الباهظة الثمن هي الأخرى.
انتبهت عليها رئيسة من داخل مطبخها، فخرجت اليها على الفور منادية، كي توقفها:
– رايحة فين يا فتنة النهادرة كمان؟ اوعي تجولي هتشتري لبس ولا دهب، عشان الحجة دي باظت ومسخت.
تبسمت لها معقبة ببساطة:
– خلاص ياما بلاها منها الحجة دي، انا طالعة اشم هوا، او اجضي وجت حلو في المول التجاري.
أثارت غضب رئيسة والتي عبرت باستياء توبخها :
– وجت حلو ايه؟ هي البعيدة ما بتشمش ولا عندها دم تحس بامها اللي بيطلع عينها مع البنات، انا معدتش عندي صحة معاهم يا جزينة، خلي عندك دم وشيلي مسؤليتهم، ولا انتي ما صدجتي.
ردت تذهلها :
– بلاها عنك خالص ياما، وديهم عند ابوهم، خلي المحروسة مرت ابوهم تجوم بواجبها معاهم، ولا هي صدجت نفسها وافتكرت انها حلت محلي وهاتبحى هانم بجد.
لم تتفاجئ رئيسة بقولها، فعقل ابنتها الأحمق، ونفسها السوداء ترفض رافضًا قاطعًا، مبدأ ان تحل محلها امرأة أخرى، بل وتفضيلها عنها ،
تمالكت بصعوبة عن الغضب، فعقبت تنهيها بنصح عله يأتي بفائدة معها، او حتى تأخذ حذرها ف السباب، والحماقة في الرد.
– عيب عليكي يا فتنة، الكلام بيوصل، راعي انها بت عمك حتى.
– عما الدبب، خليها تسمع هي وجوزها ولا هيهمني، ع الأجل كل واحد يعرف مجامه، اخرها خدامة لعيالي….
اردفت بالاخيرة بعجرفة كادت ان تجلط الأم ، قبل ان ترحمها بالأستأذان:
– مش هتأخر ان شاء الله، مشواري خفيف .
قالتها وتحركت للذهاب، لتتمتم رئيسة وهي تتابع اثرها،
– على كيفك يا بت بطني، مش ابوكي فارطلك الحبل ع الغارب، اعملي اللي يلد عليكي.
تجاهلت فتنة التهكم المقصود من والدتها، وتابعت طريقها نحو المغادرة، حتى تفاجأت بمن يدفع الباب، بملامحه العابسة، يسحب حقائب سفره من خلفه، فسبقتها رئيسة بالتهليل في استقباله:
– تاجي يا ولدي، حمد الله ع السلامة يا نور عيني .
القت بنفسها عليه تقبله وتضمه باشتياق، لتعقب فتنة بتهكم:
– خفي شوية عليه ياما، ولدك شكله راجع مفرهد وتعبان ، الله يكون في عونك يا واد ابوي، شكل الوفد السياحي اللي طلعت معاه الرحلة، باينهم كانوا جامدين وتعبينك جوي.
قالتها بمغزى فهمه ناجي ليحدجها بنظرة نارية معقبًا بحنق شديد:
– اهو نبرك الدكر ده هو هبجيب أجلي، غوري يا شيخة جيبتلي الفجر بكلامك ده
❈-❈-❈
تقطع الغرفة ذهابًا وايابًا بقهر يفتك بها، من وقت ما اخبرتها والدتها بما وصل اليها من اخبار، كباقي اهل البلدة، عن اصابة سليمة ومحاولة قتلها، ثم علمها بالسيارة المجهزة التي اخذتها لتتلقي العلاج داخل المحافظة، بتدبير من زوجها الذي خرج وفعل كل ذلك وهي نائمة غافلة عن كل شيء، ثم عجزها الاَن عن اللحاق بهم ، بعد تحذير والدتها.وتهديد شقيقها بضرورة عدم الخروج دون علم زوجها، مقيدة بإرث العادات، لابد لها من الطاعة، لابد لها من الالتزام حتى وهي ممزقة الان بلوعة الخوف على من كانت هى الام الأقرب اليها لعدد ليس هين من السنوات،
انتبهت فجأة لصوت القدمين التي تقترب من الغرفة، لتعلم بعودته :
– ليه مجولتليش ان امي سليمة نجلوها ع المستشفى ؟
صرخت بها فور ان ولج داخل الغرفة، لتجفله بحدتها تلك وهيئتها المذرية ، باحمرار وجهها من فرط البكاء والغضب الذي جعلها تندفع نحوه متابعة بهياج:
– بتسبيني على عمايا يا غازي، وامي سليمة بين الحيا والموت؟ هان عليك تطلع بيها وتوديها على مستشفى المحافظة وانا نايمة على سريري زي البهيمة، بعدها ياجيني الخبر زي اي حد غريب، ليه بتعمل معايا كدة يا غازي؟ ليه؟ عايز تبعدني عنها وعن اي شيء يخص اللي رحل…..
– بس..
هتف بها يقاطعها بحزم، ليوقف هذيانها، قبل ان يصدر ما يتسبب في جرحه منها ، وقد كانت في حالة اقرب للجنون، ليردف بصرامة:
– جبل ما تخربطي وتهلفطي بكلام مالوش عازة، انا لما طلعت ع الاتصال اللي بلغني باللي حصل، مكنتش اعرف بحالة الست سليمة، ولما وصلت للمستشفى وعرفت انها محتاجة تتنجل للمحافظة، كان لازم استعجل ومتأخرش، مكنش ينفع اتصل جبل ما اطمن عليها، فضلت ان اجي اخدك بنفسي بعد ما افهمك وانا وشي في وشك، مش بتلفون.
ردت بنظرة راجية حطمت الجزء المتبقي من غضب نحوها :
– جلبي كان هيوجف من الخوف عليها يا غازي، كنت حاسة نفسي مربوطة بسلاسل، وشيطان بيهيألي في كل دجيجة، انها ممكن تروح زي اللي راح وانا جاعدة مكاني……
هذه المرة مقاطعته لها كانت بالعناق، بأن سحبها الى صدره تفرغ مكنون ما يجيش داخلها، من بكاء موجع اَلم قلبه ، ليردد بمهادنة:
– بعد الشر عليكي وعليها ، سليمة شديدة وجادرة تهزم اي شيء حتى الموت ، دلوك تشوفيها وتطمني بنفسك
لم تجيب برد من فمها، بل كان ردها بعفوية لا تقصدها، بأن شددت بذراعيها على خصره.
وكأنها وجدت حصن امانها، وكأنها كانت في انتظاره، انتظار هذا الصدر الرحب، بدفء قادر على بث الطمأنينة اليها دون جهد .
أما عنه فقد اغمض عيناه بألم يكتمه، ماذا يفعل؟ ماذا يفعل مع امرأة تهزمه دائمًا بأقل فعل منها، بنظرة واحدة، تجعل الجبل الشامخ يخر راكعًا امامها، تبًا له من عشق، هذا الذي يجعله مجردًا من كل اسلحلته ولا يملك درع دفاع واقي ضد الهجمات المباغتة منها .
❈-❈-❈
في ركن متخفي داخل المجمع التجاري الكبير، توقف خلف الزجاج يراقبها بتمعن، ينفث دخان السيجار بتفكير متعمق، يراها صيد ثمين وسهل، بهذه الشخصية الواضحة اليه كوضوح الشمس بالنسبة اليه كرجل خبير ، طاف وجال، وخاض مغامرات بعدد شعر رأسه، لم يخسر في واحدة على الإطلاق
– لسة بتدورلها على مدخل صح؟
انتفض ملتفا لصاحب الصوت، والذي كان يقف خلفه تماما ، يرمقه بنظرة كاشفة، بابتسامة ساخرة تثير الدهشة، فخرج رده على الفور بإنكار:
– ايه يا عم عمر! جاي رايق انت، تحلل وترسم قصة عشان يس شوفتني ببص عليها، دي نظرة عابرة يا عم الحج، يعني اعجاب خطافي كدة، ما انت عارف بقى ، صاحبك ميقدرش يحود عينه عن واحدة حلوة
زاد اتساع الابتسامة على وجه عمر ليتحرك من أمامه خطوتين حتى سحب كرسي وقربه ليجلس مقابله قائلًا :
– عيبك يا صلاح، ان عجلك الذكي ده، لساتوا بيخونك
وبينسيك مين عمر ، تربيتك وتلميذك اللي اتفوج عليك.
– اه
تمتم بها صلاخ، ليسحب هو الاخر كرسيه، يجلس أمامه بأرستقراطية واضعًا قدما فوق الأخرى، يتابع تدخين باقي سيجارته وهو يرد :
– ماشي يا سيدي، مقبولة منك، انت برضوا حبيبي وياما كلنا مع بعض عيش وملح .
ارتفعت كفي عمر يضيف على قوله:
– وأيام حلوة وفرصة العمر اللي تمت على يدك…. اينعم انا دفعت التمن جبالها، بس لا ينكر الفضل الا ندل ، وانا مش ندل عشان انسى جميلك .
ضاقت عيني صلاح بارتياب يسأله:
– مش فاهم، وضح اكتر يا عمر.
رد الأخير بحماس عارضًا:
– انا عايز ارد لك جميلك واساعدك توصل للي شاغلة بالك وحاطط عينك عليها.
قال الأخيرة بإشارة نحو ما خلف اللوح الزجاجي، ليرد الاخر باستغراب وعدم تصديق:
– يا سلام، ما انت قولت ان مينفعش، وانها سكتها صعبة واهلها اصعب دا غير شخصيتها…….
– ورجعت ف كلامي يا سيدي
قالها بمقاطعة جعلت الاخر ينتبه له، حتى ومض عقله الخبيث، ليعقب بفراسة:
– واضح انك قالب ع الست او عيلتها، بدليل انك اختارت وقتك بعناية في مقابلتي وعرض خدماتك، انا طبعا مش هسألك عشان عارفك مش هتجاوب، وبصراحة مش مهتم مدام هيصب في مصلحتي، لكن المهم بقى، امان المغامرة؟
تبسم بثقة متحدثًا:
– بمساعدتي ليك، هتبجى امان الأمان.
– اشطة .
تمتم ره لينهض عن مقعده ، عائدًا لمكانه الاول في مراقبتها، وهي تتحدث مع النادل بتعالي وتعجرف، لينفث دخان سيجاره بانتشاء
– حلو اوي، حبيبي يا عمر، والله وجتلي في الوقت المناسب.
❈-❈-❈
فتحت عينيها للنور اخيرا، بعدما تم نقلها لغرفة عادية ، وقد اطمأن الأطباء لاستقرار حالتها ، تطلعت قليلًا للسقف الأبيض، ثم دارت مقلتيها قي الأجواء حولها حتى اصطدمت بعينيه، جالسًا بالقرب منها، ويبادرها حديثه:
– حمد الله على سلامتك يا سليمة، عاملة ايه دلوك؟
رمقته بصمت ثم ما لبثت ان تحيد بنظرها عنه ، ليتابع هو بأسئلته لها:
– مين اللي عملها وأذاكي يا سليمة، لو شوفتيه وعرفتيه جولي وخبريني عنه، جولي الاسم بس يا سليمة وانا كفيل به.
ظلت على صمتها ، لا تعيره أدنى اهتمام، وهو يطالعها بقلب يتمزق برجاء يخاطبها:
– معاكي حج في كل اللي تعمليه معايا، بس احنا دلوك دخلنا في الأذية يا سليمة، انتي كنتي هتموتي وانا جلبي اتخلع من محله وجت ما شوفتك سايحة في دمك، كفايانا عند يا سليمة.
عند الأخيرة رمقته بنظرة اربكته ، وكأنها ترسل باقتضاب رسالة يعلمها جيدا، تخبره عن حقارته في تركها، عن ذنبها المعلق في رقبته، دائمًا ما تنجح في إيصال ما تريده دون حتى ان تنطق بحرف من شفافها، حتى جعلته يطرق باستسلام مرددًا بخزي:
– عندك حج، وانا عارف ان معاكي كل الحج، انك تبصيلي النظرة ده وأكتر كمان .
– دفع باب الغرفة فتهللت ملامحها، ليشرق وجهها على الفور بابتسامة ضخت الدماء به، لتزبح عنه شحوب المرض مع دلوف حبة قلبها، الغالي ابن الغالي محمول على ذراع والدته، زوجة ابنها الراحل، والتي ركضت نحوها فور رؤيتها مرددة بجزع:
– امي سليمة .
❈-❈-❈
كان غازي يسير في طرقة المشفي بعقل شارد، في الحديث الذي دار بينه وبين بعد لطبيب المختص بحالة سليمة، والذي فضل الانفراد به بغرفته، نظرا لخطورة الامر:
قبل قليل
((- انت بتجول ايه يا دكتور، متأكد من كلامك ده ؟
هتف بها غازي بعدم استيعاب، لكلمات الطبيب المفاجأة له، والذي أكد بلهجة لا تقبل الشك:
– يا غازي بيه، احنا عدنا التحاليل كذا مرة، وكل مرة تطلع النتيجة واحدة، السيدة سليمة بيجري في دمها مادة غريبة، المادة دي ممكن تم تكون تناولها عن طريق الأكل او الشرب، المهم من الاخر كدة ، تصنيفها سم بالبطيء، بتشتغل ع الجسم حسب قوة تحمله ، بس اخرها شهور والانسان روحه تصعد للي خلقه……
بعقل مشتت سأله :
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، طب انا عايزة افهم يعني، هي ممكن تكون بتاخد دوا غلط ولا حاجة مش فاهمها، اصل يعني هتحصل كيف دي؟ والست بتعمل حاجتها لوحدها، ومفيش حد معاها في البيت يطبخلها، حتى حماتها ام جوزها، دي ولية عجوزة وتعبانة، بالعافية بتمشي خطوتها.
عقب الطبيب بلهجة عملية:
– حضرتك انا ليا دعوة بالنتايج وبس، يعني مش هقدر افكر ولا اخمن باللي حصل حصل ازاي؟، انا بشتغل دلوقتي على مريضتي، بنحاول علاجها بمواد مضادة لنسبة السم اللي في جسمها بالإضافة لعلاج الطعنة بالألة المدببة، في التهاية دلوقتي بقى عايز أسألك، ابلغ البوليس بكل المعلومات دي لما يجي يحقق، ولا اعمل ايه بالظبط؟
ضرب غازي بالعصا على ارض المكتب تصدر صوتا، بتفكير حاسمَا، لبردف مجيبها له:
– انا هوجلك تتصرف ازاي))
عاد من شروده وهو يدلف لغرفة سليمة، ليفاجأ بحضور هولاء القوم يحيطون بالمرأة، زوج الثيران عيسى وسند ووالدتيهما ، وتلك المرأة العجوز التي كانت جالسة بحزن تضم معتز اليها ، تتخذ اقرب المقاعد بجوار سليمة، تنقل بنظرها نحو نجمته، الجالسة المجاورة لها من الناحية الأخرى، تتحدث معهم ببساطتها كالعادة دون حذر .
– السلام عليكم.
القى التحية بخشونة قاصدا لفت نظرهم اليه، وكي ينبه هذان الاحمقان كي يرفعا أعينهما عمن هو ملكه.
– يارب تكوني بخير دلوك يا ست سليمة .
اومأت له بابتسامة راضية، لمست قلبه، فتدخلت هويدا مخاطبة:
– الف شكر يا غازي بيه، احنا بلغنا باللي عملته عشان تنجدها في العربية المجهزة، جميلك في رجبتنا، حكم سليمة دي غلاوتها عندنا متتوصفش.
اضاف على قولها سند:
– اه امال ايه؟ دا احنا بمجرد ما سمعنا، هبينا ركبنا العربيات نطمن عليها على الفور،
– ربنا يديم المعروف .
كان رده معقبا على قولهما قبل ان يوجه الحديث نحو الأخرى:
، بينا يا نادية، عشان نروحوا، ياللا يا معتز انزل من على حجر جدتك، سلامتك يا خالة سليمة.
بعد خروجه بهما من الغرفة وقبل ان يصل لسيارته، اجرى اتصاله:
– ايوة يا بسيوني، عايزاك تستناني وما تطلعش، اوصل البيت الاجيك حاضر عشان هكلمك في موضوع مهم
❈-❈-❈
مساءا
وبعد ان اطمأنت.على حالة المرأة المسكينة من اتصال أجرته مع نادية، وقبل ان تذهب للنوم، تفاجأت به عائدًا من الخارج، ليجفلها بهذا الكيس الورقي ، الذي وضعه بحجرها، وصوته بمرح قائلًا:
– الأمانة وصلت يا حلوة
طالعته بعدم فهم في البداية، لكن سرعات ما تذكرت هذا الاتفاق الأحمق ، الذي ورطت نفسها به، لتدعي الاستهبال قائلة:
– ايه دا يا عارف،، هو انت اشتريتها بجد؟ انا كنت فاكراك بتهزر.
ضحك لكذبها المكشوف، ف اقترب يخرج لها القطعة القماشية المزخرفة والمزينه بنقاش زاهية بالإضافة إلى الفتحات التي لا حصر لها
ليرفعها امام عينيها يردد بحماس وابتسامة من الاذن للأذن:
– لا يا جلب عارف، لازم تتعلمي ان جوزك في الحتة دي بالذات معندوش هزار
برقت متوسعة العينان بصدمة، تنتقل بنظرها منه و والى قطعة القماش التي كانت مرفوعة امامها ، بعدم استيعاب، حتى جعلته يعلق بمكره:
– ايه يا ست روح، ليكون مش عاجبك ولا ناوية ترجعي في كلامك؟
زمت فمها، بغيظ شديد ترد:
– بصراحة بجى صح مش عاجبني وشايفة انه استغلال منك وبفكر جديًا ارجع في كلامي
قال ببرائة:
– انا برضوا مستغل عشان بطلب من مرتي حاجة من حجي، ثم كمان انتي ليه مكبراها جوي كدة، انا شايف انك تهدي وتفتكري انك بتعمل عمل خيري، هينفع البنات والبلد.
– يا راجل!
– ايوة والله زي ما بجولك كدة
قالها بجدية وخبث العالم تراه متراقصًا قي عينيه
زفرت تقول بحنق:
– بس دي مفتوحة من كذا جيهة، انت جيبتها منين دي،؟ مصبرتش ليه على ما روحت انا اشتريها بنفسي؟ هي طارت يعني
كان يكتم الضحك بصعوبة، ف اقترب يرفعها من ساعديها يوقفها، ليأمرها بحزم:
– احنا مش هنفضل طول البوم نحكي في المحكي، ولا هنرجع في اتفاقنا يا ست روح، زي الحلوة كدة تدخلي تغيري وتلبسيها ، ولا تحبي البسهالك.
– لا يا حبيبي كتر خيرك.
قالتها برفض تام ، واستغل هو ليدفعها بخفة:
– يبجى ياللا يا عسل، مش عايزين تاخير.
تحت اصراره ، زفرت تضرب الأرض بقدميها وهي تتحرك مجبرة لتنفيذ شرطه، تذكر نفسها بالمشروع وضرورة انشاءه.
غابت عنه حتى ظن انها تراجعت في قراراها، ولكن حينما خرجت اليه توقف النفس بصدره، رغم الحنق المرتسم على ملامحها، ليخرج صوتها بعبوس امام عينيه التي تمشطها من أعلى لأسفل .
– على فكرة لازم تفتكر اني حامل، يعني الحركة اساسا غلط عليا.
تبسم يرد عليها وعينيه تجول بوقاحة على المناطق التي كشفتها البدلة ببذخ:
– يا ستي كفاية انك لبستبها ، انتي بس تميلي وجلب حبيبك يميل معاكي .
اثر بها تغزله حتى ارتخت ملامحها، رغم غيظها من جراءة نظراته والتي تصيبها بالأضطراب، لتوميء رأسها، قائلة بتوعد :
– تمام يا عارف، بس خد بالك، جبالها دي هتدفع من جيبك وتساعد بمجهودك وبنفوذك وبكل حاجة هعوزك فيها.
ضحك مجلجلا وهو يذهب لاشعال السماعة والتي دارت على موسيقى هادئة، فبدأها هو بأن اقترب بجذبها اليه يدندن مع انغام الموسيقى، ليخفف من تشنجها الذي كان في البداية، ثم بدأت تلين رويدا روايدا وهي تميل بخفة على انغام الاغنيه الموسيقى المعروف
قبل ما تشوفك عنيا، عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا
انت عمري انت عمري اللي ابتدى بنورك صباحه
انت عمري انت عمري .
انغام الموسيقى المطربة للأذن مع دندنته المبهجة، تجعل الجمود يلين ليزول الخجل الفطري منها ، بالتمايل بخفة امام تشجيعه لها، مرة بالتصفيق مرة بالرقص حولها، احيانا بالطرافة ليجعلها تضحك، والغناء مستمر، ولحظات سعيدة يختطفاها من الزمن، لتصل بهما الى الغوص في عالم خاص بهما، وحدهما.
❈-❈-❈
أتت رئيسة على نداء الصغيرات بعدما اخبرنها بوجود امرأة أجنبية دلفت للمنزل، تطلب مقابلتها.
حدقت بظهرها باستغراب ، وقد تفاجأت بامرأة تبدوا ثلاثنية، بشعر اصفر خفيف متوسط الطول ، وبشرة شديدة البياض ، ترتدي كنزة رمادية في الأعلى وفي الأسفل بنطال من الجينز الملتصق كجلد ثاني بها ، تضحك مع الصغيرات ، وكأنها من اصحاب المنزل، دون الرهبة لدخول منزل غريب .
– اهلا يااا…..
توقفت الكلمات بحلقها، وقد لفها الارتباك ، لا تدري بأي لهجة تخاطبها وهي امرأة جاهلة من الأساس ، لا تعرف اي لغة، ولكن تبقى الكلمة المعروفة.
– ااا هالو، هاللو.
– انا جوليا يا طنت .
فاجئتها بنطق العربية الغير متقنة وهذه اللهفة التي تبدوا عليها ، لتتقدم نحوها تقصر عليها نصف المسافة بداخل المنزل، وامتدت كفها اليها لتعرفها بتفسها:
– انا جوليا، مرات ناجي، هو فين هبيبي ناجي .
نزعت رئيسة كفها من مصافحتها على الفور ، وقد تحولت ملامحها لرفض تام ، وتكذيب، وما ان همت للتعبير عنه ، حتى فاجئتها الفتاة بتهليها :
– ناجي هبيبي، هو انت لسة مبلغتش مامي
تطلعت رئيسة نحو ما تنظر اليه الفتاة، فتفاجأت بشحوب كسى بشرة الاَخر، وكأنه رأى شبح امامه والفتاة تضحك بعدم اكترات او بلاهة، لتهدر رئيسة بابنها:
– ليكون البت دي كلامها صح يا جزين وعملتها؟ ليلتك طين يا ولد سعيد

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى