روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الرابع 4 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل الرابع 4 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الرابع

رواية بين دروب قسوته البارت الرابع

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الرابعة

“دام الألم، للمُنتهى”
ورد إلى الجميع ما حدث مع بقية العائلة، عائلة بها شقيق وزوج وحبيبة وأم لولدين.. كان خبر صادم مفزع هلعت له القلوب خوفًا ورهبةً من فقدان أحدهم.. السماء تمطر دمًا والقلوب تدمع من الداخل جاعلة بقية الأعضاء تحزن عليها، والعيون وما بها إلا النزيف كشلال لا يرى مستقر له..
فور أن استمع “رؤوف” هذا الخبر القاتل لقلبه ولبقية عائلته وقع على الأريكة التي كانت خلفه بعد أن ألقى الهاتف من يده التي فقدت أعصابها ولم يستطع أن يفعل أي شيء، فقط ينظر إلى الأمام بصدمة تامة وعيون زائغة مذهولة تود البكاء، لم يتفوه بأي شيء، غير قادر على الحركة أو النطق، لقد شعر بأنه عاجز عن فعل أي شيء ولم يسعفه جسده على ذلك..
مكالمة قاسية للغاية لم تكن بالحسبان، لقد كانت العائلة بالكامل حزينة لما حدث بها ولكن لم تكن تريد هذا الحزن! ومن يهتف من الناحية الأخرى كان يحمل قساوة أكثر من المكالمة نفسها ناطقًا بفقدان شخصين!.. شخصين يا الله من عائلته!.. تُرى من؟.
شقيقه ورفيق دربه!.. ابن أمه وأبيه، والد ابنه وحامله وقت ضعفه وجواره وقت قوته، أم زوجته المرأة طيبة الأصل والروح، كريمة القلب وجميلة اللسان.. أم فقد ابنة شقيقه، “سلمى”! ابنته الثانية وروحه الضائعة حبيبة ولده المتهور، ويالا القهرة إن كان سنده وقوته “ياسين” ابنه الآخر وزوج ابنته..
ومن بعده ابنته الوحيدة تلقت الصدمة بقهر لم تصادفه بحياتها، صدمة! هذه ليست صدمة إنه كابوس وعليها أن تستفيق منه هي ووالدها ولكن فور استيعابها لما حدث أخذت الصراخ السبيل الوحيد لها للتعبير عما تشعر به..
زوجها كان معهم؟. “ياسين”!. حبيبها! من فُقد في هذا الحادث! عمها وزوجته؟ أم ابنة عمها وحبيبتها والنصف الآخر لشقيقها!.. أم نصفها هي! وملاذها وكل ما تملكه في الحياة!.
كل منهم كان يحمل قلبه على يده ويسير به في رواق المشفى مُتقدمًا للاستماع إلى أي حديث غير متوقع بعد الذي استمعوا إليه والقلب خارج مكانه ليتلقى الصدمة ويلقى حتفه..
لم يبقى سواه الذي لم يكن يعلم بشيء، أخبرته والدته بعد أن فقدت السيطرة على زوجها وابنتها وكأنه هو الذي يستطيع أن يسيطر عليهم..
وقع قلبه بين قدميه بعد أن بدأ بالخفق بقوة، ولأول مرة بحياته يشعر بالخوف الشديد، لأول مرة حقًا والرغبة الحارقة لقلبه وجسده في الوصول إليهم ليعرف ما الذي أصابهم.. ليته تركها تذهب!.. ليته تركها تفعل ما يحلوا لها..
ما الذي من الممكن أن يحدث! من الذي تركهم ورحل إلى الأبد لن تكون هي!. مؤكد لن تكون هي حبيبته! روحه وعمره، كيانه وكل ما به، إن حدث لها شيء لن يسامح نفسه إلى الممات..
عند وصوله إلى المشفى ولحظة إدراكه أن عمه وزوجته قد فقدوا من وسط العائلة، اشتد البكاء على عينيه ولم يستطع أن يمنع نفسه من فعلها، لقد كان عمه بمثابة والده.. لا لقد كان والده حقًا ودون أي مقابل.. لقد أخذ دور والده وأعتبره ابنه أكثر من “ياسين” نفسه، لقد كان يقف جواره وفي كل طريق يبدأ السير به يشجعه على التكملة.. لم يكن يستمع لحديث أي شخص سواه.. عمه!..
أبتعد عن الجميع في تلك اللحظات ودلف إلى مرحاض في المشفى بعد أن علم أنها في غرفة العمليات ولكن حالتها على ما استمع إليه ستكون مستقرة ليست كما الجميع، وشقيقها في غرفة العمليات أيضًا ولكن في حالة حرجة، دلف إلى المرحاض وبدأ في البكاء الحاد وكان يلوم نفسه على ما حدث وبقوة..
لما قد يفعل هذا؟ لما لم يتركها ترحل من البداية ويبتعد عن طريقها هو المخطئ الوحيد.. هو من فعل كل هذا وهو من جعل البيت يخرب عليهم مثلما قال ابن عمه..
انحنى على نفسه كجبل أصابه زلزال بقوة كبيرة واشتد البكاء عليه وبصوت نحيب عالي يخبئ وجهه بيده الاثنين متذكرًا عمه الحنون وزوجته..
ماذا سيقول لها عندما تستفيق؟ ماذا سيقول لابن عمه؟ الجميع الآن سيراه المخطئ وهو كذلك.. قلبه لن يرحمه وضميره يقاتله الآن بقوة معترضًا على كل ما حدث من قِبله.. لقد كان قمة في الحقارة والدنائة..
وقف أمام حوض الغسيل بالمرحاض ورفع أكتافه للأعلى ونظر إلى وجهه بالمرآة، حاول أن يتماسك في تلك اللحظات والساعات القادمة فهو سيكون يد العون الوحيدة للجميع..
فتح صنبور المياة وأخذها بين يده الاثنين يلقيها على وجهه بقوة وعنف عله يستفيق مما حدث، ولكن ذلك لن يحدث.. لن يستفيق أحد مما حدث ولن تعود الأمور كما كانت.. الآن ومن هنا بدأ التحول الحتمي في عائلة “القصاص” ستكون الليالي القادمة أسوأ من أسوأ ليالي مرت على دولة كاملة تموت جوعًا وعطشًا في ظل حروب ضارية..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
فتحت عينيها ببطء شديد، وجدت نفسها تنظر إلى سقف غرفة لونه أبيض لحظات تحرك عينيها على السقف ولا ترى أي شيء سوى أنه أبيض، لم تستطع تحريك رقبتها جيدًا، شعرت بألم بها، وصداع داهم رأسها فور أن فتحت عينيها..
رفعت يدها إلى أعلى رأسها بعد أن كرمشت ملامح وجهها بألم شديد يداهمها، هناك شيء على رأسها، خصلاتها ليست أسفل كف يدها بل كان هذا قطن وشاش!.. أدوات طبية!.. رأسها ملتفة بأدوات طبية، حركت كف يدها لأبعد قليلًا لتجد خصلات شعرها أخيرًا..
يدها لا تستطيع تحركها جيدًا أيضًا، أبعدت كف يدها من أعلى رأسها ونظرت بدقة إلى ذراعها لتجده به كدمات كبيرة وبعد المعصم ملتف هو الآخر!..
الذراع الآخر كان حر ربما ولكنه يؤلمها أيضًا، إنه مجبر ليس حر!، جسدها بالكامل يؤلمها وقدمها اليسرى لا تستطيع تحريكها جيدًا!..
أغمضت عينيها لحظة وعادت إلى وضعها التي كانت عليه ثم بدأت الذكريات تأتي إلى عقلها واحدة تلو الأخرى، واحدة من بعدهم ثم تتلوها الأخرى، خانها “عامر”!.. كانت ذاهبة إلى بلد خالها الذي يستقر بها، كان معها والديها وشقيقها ثم حدث ما لم يكن متوقع ولم تراهم من بعدها وها هي هنا!.. أين هم؟..
فتحت عينيها على وسعيهما وفي تلك اللحظة كان الباب يُفتح ودلفت منه “هدى” لتطمئن عليها، نظرت إليها بقوة وهي تراها تتقدم منها ثم دون سابق إنذار أردفت بتساؤل مُتلهف على عائلتها:
-فين بابا وماما.. وياسين؟
أقتربت منها “هدى” ووجها يعبر عن كل شيء حزين، عينيها كما لو أنها وردة دبلت بسبب عدم شربها للماء، ووجها شاحب كشحوب الأموات، وقفت جوار الفراش تبتسم بتصنع يظهر في كل حركة قائلة:
-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي
مرة أخرى تفوهت بنفس السؤال السابق التي لم تحصل على إجابة له من ابنة عمها:
-فين بابا وماما وياسين يا هدى
ربتت عليها بهدوء ويدها ترتعش فوق جسدها ثم أردفت بنبرة مترددة خائفة من الحديث التي ستقوله وكم كان الحزن ظاهر عليها:
-موجودين يا حبيبتي متقلقيش
نظرت إليها “سلمى” بعينين تشكك بذلك الحديث، عينيها وشفتيها ولغة جسدها بالكامل تقول غير ذلك:
-هما فين؟
ابتلعت تلك الغصة التي كان بحلقها ثم قالت جزء صغير جدًا من الحقيقة المُدمرة لعائلة بالكامل:
-ياسين في العناية.. محتاج إنه يكون فيها لكن هو كويس وهيقوم بالسلامة إن شاء الله متقلقيش
وكانت هي عقلها منشغل بالجميع، رغم أنها لا تصدق تلك الكلمات وقلبها يتحدث بشيء آخر داخلها ولكنها استكملت متسائلة:
-وبابا وماما؟
كذبت الكذبة الأكبر على الإطلاق، كان من المفترض أن تقول بأنهم الآن أجساد ليس إلا وقد صعدت الأرواح إلى خالقها ولكنها قالت:
-في اوض تانية
لن تنتظر أكثر من هذا، تتسائل وهي تُجيب بحديث كاذب، قالت بجدية وهي تستدير لتذهب حتى أنها لم ترى وجهها:
-أنا هخرج أقول للدكتور إنك فوقتي
لم تعاملها جيدًا، لم تظهر اللهفة عليها لكونها استفاقت من حادث مروع كهذا!. ما بها؟ أهناك شيء حدث وهي لا تعلم! قلبها يقول ذلك ولكنها ستحاول أن تكذبه لا تريد أن تستمع له.. ومن بعدها إلى أخباره الحزينة الموجعة..
وجدت “عامر” يدلف الغرفة بلهفة وشوق كبير يرتسم على وجهه كأنها كانت مع الموتى!.. أليست تلك نفس الملابس الذي كان يرتديها منذ أن كانت ترحل!.. ترى هي هنا منذ متى! اليوم فقط؟ لما وجهه هكذا؟..
عينيه مُنتفخة بشدة، فاقدة بريقها، وجهه منحوت وظاهر عليه الإرهاق التام، ملابسه ليست مهندمة ومظهره بالكامل ليس على ما يرام.. لو الجميع بخير لما هو هكذا! لما عينيه منتفخة
جلس جوارها على الفراش وأمسك بيدها رافعًا إياها إلى فمه بخفه مقبلًا إياها قبلة مطولة للغاية، يبث بها كامل خوفه الذي شعر به منذ أن استمع إلى ما حدث إليهم:
-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي
أبصرته بقوة وعينيها تتحرك عليه بغرابة، لن تشعر بالاستغراب بسبب خوفه ولهفته الظاهرة تلك ولكن هناك شيء آخر يربكها..
استمعت إلى صوته الخافت المرهق، الخائف من كل شيء ولأول مرة تستشعر ذلك به:
-سلمى.. أرجوكي متبعديش عني أنا كنت هموت.. والله العظيم كنت حاسس إني هموت.. أنتي روحي
أجابته بضعف شديد والألم برأسها يزداد:
-بعد الشر عليك
تسائل بجدية وعينيه عليها ليطمئن من أنها أصبحت بخير فيكفي من رحلوا:
-أنتي كويسه؟ حاسه بتعب
أردفت لما تشعر به بجسدها وتذكرت أنها من وضعت حزام الأمان بالسيارة وقالت لشقيقها أن يفعل ولكنه لم يعطي للأمر أهمية:
-صداع جامد أوي وجسمي كله بيوجعني… اومال لما أنا حصلي كل ده هما حصلهم ايه.. دا أنا الوحيدة اللي كنت حاطة الحزام
أخفض رأسه إلى أرضية الفراش ومازالت يدها بين كفه العريض، نظرت إليه بغرابة، لما صمت الآن! لما لم يُجيب عليها!.. تسائلت هي:
-بابا فين وماما وياسين
أحمرت عينيه الفاقدة للحياة بسبب ضغطه على نفسه ألا ينصاع خلف رغبة البكاء التي تلح عليه، تفوه بالكلمات بتوتر وارتعشت شفتيه:
-في العناية.. الحمدلله عدت على خير
وجدها تتحرك بألم في الفراش وعينيها عليه بدقة كبيرة لا تصدق الذي يقوله، وجهه وعينيه، جسده هو وشقيقته يقول غير ذلك وقلبها الأحمق هو الآخر يخفق بقوة كبيرة تجعلها تخاف أكثر..
-استني أساعدك
وقف على قدميه وأقترب منها، وضع يده أسفل ذراعيها وعدل من الوسادة خلفها ثم رفعها ببطء لتجلس نصف جلسة على الفراش..
في لحظة وجدوا الباب يفتح بقوة وعلى مصراعيه ووالده يدخل بلهفة شديدة والبكاء يغرق وجهه بالكامل وخلفه شقيقته تنادي عليه أن يعود لغرفته..
لقد انتكس في الأمس ليلًا واضطر أن يكون هو الآخر في غرفة مرضى مثلهم ليعتنوا به، لم يتخطى ما حدث وعند الاستماع إلى أن ابنة شقيقه قد استفاقت أتى ركضًا إليها ليتشبع منها ومن رائحة شقيقه بها..
هتف باسمها بلهفة وحزن وهو يدلف إليها:
-سلمى
نظرت إليه باستغراب شديد، رأته وهو يتقدم منها ركضًا ورأت “عامر” يفسح له الطريق ليقترب منها وقد كان.. أتى إليها وجلس أمامها على الفراش والدموع لا تتوقف عن الخروج من عينيه..
نظرت إليه مطولًا وفعل المثل، لم يتحدث ولم يقترب منها! وزعت بصرها على من معها بالغرفة غيره لترى “هدى” في الخلف تحاول مداراة دموع عينيها وحزن قلبها المرسوم على ملامحها، زوجة عمها التي استدارت وأعطت إليها ظهرها.. و “عامر” الذي وضع يده الاثنين أمام وجهه وأبتعد للخلف لاعنًا لحظة دخول والده.. لم يستطع أن ينتظر قليلًا حتى يهيئ لها الأمر..
نظرت إلى عمها مرة أخرى خرجت الدموع من عينيها بصمت رهيب وبدأ رأسها في تجميع خيوط الفكرة التي تُحكى أمامها!.. أين عائلتها!؟
حركت شفتيها المكتنزة بارتعاش واضح ورهبة ظاهرة بقوة في نبرتها:
-بابا وماما فين يا عمي
لم تجد منه ردًا إلا إنه بدأ في البكاء بصوت مرتفع! لما؟ نظرت إلى “عامر”وتسائلت بنفس تلك النبرة السابقة والخوف الذي يرافقها:
-ياسين فين يا عامر
لم تجد ردًا من أحد منهم والجميع على وضعه، ازداد بكائها المُمزق للقلوب المتجمعة حولها وهتفت مرة أخرى بانين:
-هما فين
أقترب منها “عامر” سريعًا بعد الاستماع إلى نبرتها الباكية ويعلم أن قلبها لن يتحمل هذا أبدًا، وقف جوارها وصاح قائلًا بنبرة محاولًا أن يجعلها جادة:
-ياسين في العناية متقلقيش عليه إن شاء الله هيبقى كويس
رفعت ذراعها بألم ولكنها تريد أن تتعلق بأي شيء يشعرها بالأمان، أمسكت يده ونظرت إليه بعمق متسائلة مرة أخرى:
-بابا وماما فين؟
أخفض رأسه إلى الأرضية ولم يستطع أن يقول شيء، نظرت إليه بقوة مُنتظرة أن يُجيب، مُنتظرة أن يُمحي كل ما خطر على بالها من مظاهرهم، ولكنه أزاد العذاب على قلبها عندما رأت دمعة تفر من عينيه أزالها سريعًا:
-أنت بتعيط؟.. بتعيط يا عامر
“عامر” والبكاء معًا، هذا مُستحيل؟ كيف لعامر أن يبكي ولما ولأي سبب قد يفعل ذلك؟.. حدث شيء لوالديها!.. حتمًا حدث شيء لهم، تسائلت بحدة هذه المرة متحاملة على نفسها:
-هما فين
أقترب منها عمها يجهش بالبكاء المر على قلبه وأحتضنها بخفه مراعيًا ما الذي تمر به ثم هتف في أذنها:
-تعيشي أنتي يا بنتي.. تعيشي أنتي
لم تتحرك!.. لم تبدي أي ردة فعل!.. بقيٰ عمها مُحتضن إياها وهي تنظر إلى الأمام في الفراغ تكرر ما قاله داخل عقلها تحاول أن تستوعبه!.. لن تستوعبه لقد قال أن!… هل يقصد أن والديها توفيا!..
لحظات وأخرى تمر عليهم وعمها محتضن إياها وهي صامتة! لم تفعل أي شيء ولم تبكي حتى بل توقفت عن البكاء.. أقترب منهم “عامر” وجعل والده يبتعد عنها ليرى ما الذي أصابها..
نظرت إليه محركة شفتيها المكتنزة بصوت خافت للغاية غير مصدق قائلة:
-بابا
جلس هو جوارها مُحاولًا أن يخفف عنها الذي تمر به، فنظرت إليه أكثر وقالت بحزن طاغي وقهره حقيقية تمر بها مع مرارة أيامها:
-بابا وماما
حاول مرة أخرى وهو من الأساس عينيه تهدده بفرار الدموع منها، لكنه استمر وهو يربت على كتفيها:
-سلمى ممكن تهدي.. دا أمر ربنا وقضاءه
نظرت إليه مطولًا ودقتت به وهو يحاول أن يجعلها تهدأ، أليس هو من جعلها تذهب وتأخذهم معها إلى المطار؟ أليس هو من كان السبب في كل ذلك:
-أنت السبب
لم تستمع منه إلى أي إجابة وجدت نظرته كما لو أنها تقول أنه يعلم أنه سيوضع في هذا الموقف وسيكون سبب من الأسباب، أكدت حديثها بقوة وهي تنظر إليه:
-لو مكنتش خونتني مكنتش أصريت إني أمشي ومكناش هنا دلوقتي.. مكانوش سابوني
لم تكن تشعر بأي شيء غريب، ما الذي من المفترض أن تشعر به، ألم؟ هو معاها دائمًا ليس جديد، حزن؟ وجد وبكثرة:
-سلمى اهدي
صرخت على حين غرة وفي لحظة طلبه منها الهدوء، صرخة استمعت إليها المشفى بأكملها ومن بها، صرخات تتلوها صرخات أخرى تعبر عن كم القهر والحزن الذي تمر به، تعبر عن كم الألم الذي يرافقها حتى في أسوأ لحظاتها..
تسرد بصرخاتها وحركاتها الهوجاء المسببة لها الألم مرارة الأيام عليها.. تسرد بالبكاء الحاد كم أن القسوة سهل الشعور بها..
صرخات وبكاء، تتلوى أسفل يده الذي تحاول تثبيتها، يحاول أن يقيدها! ألا يكفيه ذلك؟ ألا يكفيه كل هذه المعاناة التي تمر بها!..
لم تهدأ صرخاتها والنداء بإسم والدها ووالدتها، لم يهدأ ذلك العويل إلا عندما سكنت فجأة أسفل يده ولم تعد شاعره بأي شيء من حولها، سحبتها غمامة كان من المفترض أن تدلف بها مُبكرًا ولكنها تأخرت عليها.. والآن هي في مكان آخر..
❈-❈-❈
“بعد يومين”
منذ بضعة أيام كانت عائلة “القصاص” تحضر إلى زفاف أبنائها، أكبر وأفضل زفاف كان سيحدث في البلدة بأكملها ولكن كان للقدر رأي آخر، رأى أن من بين أفراد العائلة جنازات مؤجلة حان موعدها..
إذا تخيلت ما الذي حدث للجميع واحد تلو الآخر من العائلة بعد رحيل اثنين منهم لن تستطيع أن توفي خيالك حقه مهما حدث..
“هدى” ما بين حزنها على عمها وزوجته وابنته الملقية في المشفى لا تبدي أي ردود فعل منذ أن تلقت الصدمة وما بين تمزيق قلبها على زوجها وحبيب عمرها، “ياسين” الذي لم تستطع أن تأخذ قدر كافي منه.. تزوجته منذ ستة أشهر فقط وكان من المفترض أن يتم زفاف شقيقها معهم ولكن “سلمى” اعترضت على هذا وأجلت العرس..
منذ ستة أشهر فقط تبني معه ذكريات سعيدة لتتذكرها في الكبر وهو معها، لم تكن تتخيل أنها ستحتاج لتذكرها الآن وهم في ربيع شبابهم..
لم تجف عينيها من البكاء إلى أن شعرت أنها تأتي بكل ما بها من دموع ولن يتبقى شيء، تبكي بعينيها وقلبها وروحها المأخوذة معه..
وفي تلك اللحظات المُنتظرة تتذكر كم كان رجل حكيم رائع، عاقل وناضج، يحمل من الحنان ما يكفي الجميع وغيرهم، دائمًا كل كلمة له إيجابية ومواقفه مع الجميع سعيدة وفرحه.. حتى في أغلب الأوقات الذي كان شقيقها يزعج شقيقته بها يأخذ الأمر بهدوء ويحاول أن يصلح الأمر بينهم..
لم ترى منه إلا كل طيب وجميل، لم يشعرها يومًا بالحزن ولم يتركها في مرة تنام حزينة منه، لم يتركها وحدها في أصعب الأوقات وأسعدها..
يمر على عقلها كثير من الذكريات معه، سعيدة وفرحه حزينة وسيئة وفي نهايتها تتذكر وجهه وكم كان وسيم مرح محب للحياة معها..
قلبها ينزف ألمًا وحزنًا على وجوده هنا بين الحياة والموت ولا تستطع أن تعرف ما به، ما تستمع إليه أنه في غيبوبة ولا أحد يعلم متى يستفيق منها وها هي بين الوجود والاختفاء، تحاول أن تفهم ما الذي حل عليهم في لحظة خاطفة ليبدل حالهم بهذه الطريقة المُرة
في اليومين الماضيين لم يفعل “عامر” شيء سوى أنه كتم جميع مشاعره في داخله وأظهر رجل جامد التعابير حاد الملامح مع الجميع…. سواها..
كتم كل ما يشعر به من حزن على والده الآخر، وقهر على ما مر بالعائلة بأكملها، كتم مشاعر الألم بعد كل نظرة يلقيها عليها بعينيه البُنية ويرى كم تتألم في صمت ولا تبدي أي أفعال..
بقيٰ جوارها لا يتحرك بعد نوبة الاهتياج الذي صابتها عند معرفة الخبر المحزن إلى قلبها، في الغرفة معها يخرج ليطمئن على ابن عمه ويدلف مرة أخرى ليخبرها بأنه على ما يرام وهذا من أفضل الكذب الذي يلقيه عليها..
سيبقى هذا الوضع ويبقي كل شيء محزن وكل مشاعر مخذية في قلبه ويبقى جوارها هي فقط إلى حين أن تستفيق من تلك الصدمة وتعود مرة أخرى إلى حياتها.. سيكون الأمر صعب ولكنه لن يتركها مهما كلفه الأمر ولن يترك الحزن يتمكن منها أبدًا، سيكرث حياته القادمة من أجلها إلى حين عودتها من جديد لتكون “سلمى” حبيبته..
يدعي كل يوم أن يعود إليها شقيقها ليكون الأمر أخف عليها مما يحدث، لم يأتي اليوم الذي يطمئنهم به طبيب على حالته ولكنه يتأمل أن تحدث مُعجزة ويقف الله معه بعيدًا عن كل معاصيه ويعود شقيقها إليها من جديد..
بينما حالتها لم تكن أفضل منهم بل كانت الأسوأ على الإطلاق، استفاقت مساء اليوم الذي علمت به بموت والديها، وظلت تأخذ أدوية مهدئة لتبقى على وضعها الصامت، لم يكن يعلم أحد أنها ستبقى عليه من دون شيء، لما ستهتاج وتصرخ مرة أخرى؟ هل سيعود والديها أن فعلت ذلك؟..
بقيت في حزنها غائبة، تسبح في قهرها على حياتها الضائعة، تنظر إلى الجميع بعين باهتة تتسائل عن الذي بقيٰ لها من بين عائلتها..
تنظر إليه وتراه مُتلهف عليها، مُشتاق إلى رؤيتها سعيدة، ترى الندم بعينيه كل يوم وكل لحظة تنظر إليه بها، ترى الخوف في عينيه، ترى الحزن في ملامحه مرتسم وكأنه من فعلها..
تستمع إلى صوته الحاد في الخارج ثم يدلف إليها طفل صغير حنون على حبيبته، يبقى جوارها ولا يتركها.. حتى عند وجود صديقتها التي لا يطيق النظر إلى وجهها خصيصًا بعد أن افشت سره لها وكانت هي السبب في كل ما حدث، لم يزعجها وتقبل وجودها معها، تقدر ما يفعله ولكنها مهما حدث يبقى السبب الرئيسي فيما حدث لهم..
يبقى هو من خانها وخان العهد معها، هو من جعلها تُصر على الرحيل بعيد عنه وحبه في قلبها ينبض، هو من أظهر اللا مبالاة وأخفى ندمه بعد فعلته الدنيئة..
لم يظهر ذلك الندم إلا حينما يريد أن يلهيها عما يفعل ويظهر كم هو بريء بتمثيله الرائع عليها..
سيبقى هو من تسبب في فقدان والديها ودمار عائلتها الصغيرة، سيبقى هو السبب الوحيد في تحطيم قلبها وجعله أشلاء صغيرة، سيبقى هو من خان..
كان “عامر” يجلس على المقعد جوار نافذة الغرفة الذي يدلف منها النور، وكأنه يستمد منها أي ضوء يعطيه أمل لحياته، مُنحني على نفسه يضع وجهه بين يده الاثنين يُخفيه مغمضًا عينيه وهي تنام على الفراش كما منذ يومين وإلى الآن على نفس الوضعية..
لحظةً مرت وأخرى مثلها والوضع كما هو عليه كالعادة.. الحديث قليل الصمت أكثر من الكثير، ثم دون سابق إنذار ولحظة عرى للجميع انطلقت صرخة حادة وقاسية في الخارج استمعوا إليها معًا ومن خلفها صوت شقيقته تنادي بإسم زوجها!..
رفع وجهه سريعًا بلهفة وقلق جلي، نظر إليها بعينين مُتسعة وبادلته تلك النظرة للوهلة الأولى وقلبها ينتفض رعبًا..
وقف سريعًا مُتقدمًا من الباب بخطوات واسعة وفتحه ذاهبًا إلى الخارج لينطلق الصوت إليها أكثر وأوضح، ابنة عمها تنادي ببكاد حاد:
-لأ يا ياسين لأ.. متسبنيش يا ياسيــن
مرة أخرى بصراخ اهتز له جدران المشفى بأكملها:
-ياسيـــن
وأخرى بعنف وحرقة قلب مغلوب على أمره، ليس معه أي سبيل سوى الصراخ على الفقيد:
-ياسين راح يا عامر… ياسين راح
صوت زوجة عمها تبكي خارج الغرفة معها بقوة وعنف!.. تحاول أن تهدأ ابنتها الصارخة باهتياج..
عاد إلى الغرفة سريعًا بعد معرفة الخبر وتيقن أنها فهمت كل شيء، وقف أمام باب الغرفة من الداخل ينظر إليها بحزن طاغي على قلبه لو لم تكن ملامحه تحكي ذلك..
بادلته النظرات الصامتة، عينيها تنزف بدلًا عن الدموع دماء، نظراتها نحوه لم يكن يفهم ما هي بالضبط معاتبه وكأنها تقول أنت من فعل ذلك وسلبت مني كل احبائي وعائلتي، ونظرات أخرى حزينة مصدومة لا تعلم ما الذي يحدث لها مصيبة خلف الآخرى وتريد من يقف معاها بها، ونظرات أخرى لم يستطع تفسيرها ولكنها تظهر حرقة قلب بات مقتولًا بعد كثرة المحاولات لاغتياله..
تقسم أنها شعرت برجفة في قلبها لما تشرع بها يومًا، رجفة حادة قاسية مثل كل شيء حولها..
لم تخرج أي صوت ولم تبدي أي رد فعل لكل ما يحدث في وسط ذلك الصراخ الذي تستمع إليه من زوجة شقيقها في الخارج ومعها والدتها وصوت عمها الذي يعلو كل لحظة والآخر يندب الذي يحدث ثم يعود قائلًا “اللهم لا اعتراض”
دلف إليها بقدمين ترتجف ثم جلس أمامها على الفراش وعينيه تنزف الدموع هو الآخر على ابن عمه، أقترب منها وانحنى عليها محتضن إياها محاولًا أن يفعل أي شيء يمدها بالدعم وذلك لن يحدث على الإطلاق..
ولكن كان لها رأي آخر، فور احتضان “عامر” لها بدأت في البكاء الحاد بصوت عالي في أذنه، شاعرة أن قلبها سيتوقف من هذه الصدمة.. ستموت هي الأخرى لا محال.. لم يمر يومان بأكملهم يا الله.. لم يمر يومان على فقدان والديها ليتبعهم شقيقها.. إلى من تركوها هنا!..
إلى من تركوا ابنتهم؟. إلى “عامر”؟ من تسبب في كل ذلك وخان وباع في يوم وليلة!.. إلى من يا الله!..
بكاء حاد من الجميع، حتى هو خرج صوته فقد وضعه في صمت تام منذ بداية الأمر عليهم، عليه الآن الخروج هو الآخر لما لا..
بكى معها في أحضانها وبادلته ذلك بحرقة قلب وقهرة لا نهاية لها، بكت بحزن طاغي وضياع وُجد في حياتها في لحظة واحدة..
ولكن لن يفيد البكاء مهما حدث، لن يفيد..
❈-❈-❈
“بعد مرور أسبوعين”
خرجت من المشفى منذ يومان، وعادت معهم إلى فيلا العائلة، أين العائلة!؟..
لم يكن حال أحد منهم أفضل من الآخر بل كان الجميع في حالة حزن طاغية ولا نهائية، الجميع يتشح بالسواد حتى الخادمتين بالمنزل، الجميع يبكي بقهر كلما مروا على غرفة من غرف أحدهم..
كلما نظروا إلى صوره إليهم، وأكثر من بكى بجوار “سلمى” كانت “هدى” بكيت لأول مرة بحياتها بحرقة مخزية وبروح مفقودة..
ومن هنا معه روح! الجميع فقد روحه بعد هذا الحادث، تحدثت الصفح عنهم كثيرًا وكثيرًا، عائلة “القصاص” تفقد ثلاثة من أفرادها في حادث سير
منعوا التعازي وتأدية ذلك الواجب، لا يريدون أحد حتى خالها الذي كانت ستذهب إليه منعته من القدوم إليها قائلة أنها هي من ستذهب إليه فلا داعي لذلك..
لم تمر ليلة عليها إلى الآن إلا وهي باكية بقهر متذكرة كل لحظة معهم شاعرة بالمرار القادم على حياتها، كيف السبيل للتخلص من كل هذا إلا إذا ذهبت إليهم!..
عقلها لا يمل من كثرة التفكير وقلبها لا يكف عن الشعور بالألم وبين هذا وذاك روحها تموت حرقة لما أصابها..
جلست في حديقة الفيلا بهدوء على المقعد أمام الطاولة، ترتدي بنطال بيتي أسود وتيشرت بنصف كم مثله من نفس اللون، ترفع جميع خصلات شعرها إلى الأعلى دون تمرد أي منهم..
تركت الهاتف على الطاولة بعد أن اكتفت من النظر إلى صور شقيقها ووالديها الذي ملئت المواقع من الأصدقاء والمعارف..
تنهدت بقوة وخرجت دمعة من عينيها فازالتها سريعًا بيدها الحرة قبل أن تبدأ في وصلة أخرى من البكاء، لم يأتي موعدها بعد..
كان يقف في شرفة غرفته يفكر بها تلك التي قاطعته بكل الطرق وابتعدت نهائيًا عنه حتى بالنظرات..
من بعد أن أتوا إلى هنا وهي لا تطيق النظر في وجهه ولا رؤية ملامحه، لا تطيق الحديث معه وتعتبره السبب الأول في حدوث كل ذلك.. من الأساس هو يشعر بالندم لا يريد أحد أن يضغط عليه أكثر من ذلك..
نظر إلى السماء السوداء بعينيه البُنية، أبصر نجومها الذي تشع بالضوء وذلك القمر البعيد، أليست حياته سوداء مثل السماء هذه! وها هي ذلك القمر يبقى النجوم فقط ليعود الأمل..
أخفض رأسه إلى الأسفل ليجدها تجلس على المقعد في حديقة الفيلا، لم يفكر كثيرًا بل استدار وذهب ليهبط إليها..
وفي لحظات كان في الأسفل يقف أمامها ثم لم يطلب منها الإذن بالجلوس وقد فعل ليبقى أمامها، نظر إليها بعمق وطلب بهدوء:
-ممكن أتكلم معاكي شوية
أبصرت ذلك الذي جلس أمامها دون سابق إنذار ووجد من دون أن تلمحه حتى، أظهرت الجمود على ملامحها ووقفت على قدميها مُمسكة بالهاتف الخاص بها:
-لأ مش ممكن.. عن اذنك
أمسك يدها سريعًا بيده وقد ظهر عليه الندم الشديد في هذه اللحظة ليس كالمرات السابقة يمثل عليها لتبقى:
-استني يا سلمى، أرجوكي بلاش كده.. أرجوكي
نفضت يدها الحرة منه فالأخرى بقيت كما هي وجلست أمامها بوجه جامد حاد لا يشجع على الحديث من الأساس:
-نعم عايز تقول ايه
تحامل على نفسه وأقترب منها بجسده للأمام مكرمش ملامح وجهه بعتاب خالص يصبه نوحها:
-عايز أقول إني ماليش ذنب في اللي حصل، ليه محملاني ذنب شيء معملتوش
ضيقت ما بين حاجبيها باستنكار وضجر واضح له، ذمت شفتيها المُكتنزة أمامه تظهر كم هي مذهولة من حديثه ثم أردفت بنبرة حادة ساردة به كل الذي تناساه:
-معملتوش؟!.. معملتوش إزاي؟ مين اللي خاني؟ مين اللي بجح قدام الكل؟ مين اللي وصلني لمرحلة إني مش قادرة أشوفه وعلشان كده عايزة أمشي.. مين اللي خلاني أسافر وأهلي معايا.. مش أنت مش كل دي أسباب لو مكنش كل ده حصل من البداية مكنوش راحوا.. مكنتش أنا بقيت يتيمة الأم والاب ولا كانت أختك بقت أرملة
عاد للخلف مرة أخرى ناظرًا إليها بقوة وبصدمة كبيرة، لما كل هذه القسوة في الحديث! لما قد يتحمل هذا الحديث منها هي بالأخص؟، أردف بلين ونبرة مُنزعجة مُرهقة:
-بلاش القسوة دي… دي أعمار والأعمار بيد الله، ده نصيبهم ومكتوب ليهم كده.. دي بس أسباب
أظهرت إليه الضجر وكم تنفر منه بحديثها ونظرات عينيها وملامح وجهها الرافضة لوجوده معها من الأساس:
-أنا عمري ما هسامحك مهما عملت
أشار إلى نفسه مُكرمش ملامحه بقوة وعينيه البُنية مُثبتة عليها بعد أن انتابه الضعف لمجرد سماع هذه الكلمات منها:
-سلمى أنا بحبك.. بحبك ومقدرش استغنى عنك، صدقيني… وديني وما أعبد وأنتي في العمليات كنت حاسس إني بموت.. والله روحي كانت بتتاخد مني
وقفت على قدميها أمامه ثابتة وملامحها حادة ليست تلك التي كان يعرفها، أردفت بقوة وعينيها مُثبتة عليه بدقة لتوصل إليه كل حرف تود قوله:
-مبقاش ياكل معايا الكلام ده يا عامر.. أنا وأنت طريقنا مش واحد وعمره ما هيكون واحد بعد اللي حصل.. بعد ما أهلي ماتوا
وقف هو الآخر أمامها شامخًا هذه المرة، مُستغرب للغاية مما تقوله وتلقيه عليه، مُستغرب من هذه القسوة الغير محدودة التي تقع في حديثها، تفوه بجدية ضاغطًا على كل حرف يقوله:
-أهلك هما أهلي ولا مش واخده بالك؟.. أبوكي هو أبويا وأكتر كمان وأمك هي أمي وأخوكي يبقى أخويا وصاحبي وجوز اختي. أنتي بتحاولي تدوري على أي حاجه علشان تكملي في بعدك عني
بمنتهى اللا مبالاة ناظرت إليه قائلة:
-قول مهما تقول.. أنا مبقتش طيقاك أصلًا
أشار بأصابعه ناحيتها بعنف وقوة ينفي ما قالته:
-كدابة.. بتحبيني وأنا بحبك
نظرت إليه مطولًا بعينين جادة ليس بها أي أمل للحياة، ثم استدارت وذهبت تُسير من أمامه إلى داخل الفيلا وتركته هو ليبقى مع نفسه بعيد عنها..
❈-❈-❈
“بعد أسبوع آخر”
قد قررت كل شيء بالأمس، وعلمت ما الذي من المُفترض أن تفعله بعد هذه اللحظات التي مرت عليها مع الجميع هنا، لقد فهمت وعلمت إلى أين يوجهها عقلها هذه المرة ولن تعود عما في رأسها حتى ولو كان الموت لها.. وإن كان فهذا سيكون الأفضل على الإطلاق لا تريد حياة ولا تريد زواج ولا تريد “عامر” لا تريد أي شيء مهما كان هو..
وقفت أمام عمها في غرفة مكتبه بملابسها السوداء كالعادة ثم هتفت بقوة وجمود قائلة واضعة يدها الاثنين خلف ظهرها:
-عمي أنا هسافر

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى