روايات

رواية غوثهم الفصل المائة والسادس والعشرون 126 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل المائة والسادس والعشرون 126 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء المائة والسادس والعشرون

رواية غوثهم البارت المائة والسادس والعشرون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة المائة والسادسة والعشرون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الواحد والأربعون_الجزء الثاني”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
يا من هداك أضاء كل مكان…
يامن هداه فوق كل بيان..
يا من أحاط بكل شيء علمه
يا واحدا في الملك مالك ثاني.
يا مبدعا في كل شيء خلقه..
يا من هداك أضاء كل مكان…
يامن هداه فوق كل بيان..
يا من أحاط بكل شيء علمه .
يا واحدا في الملك مالك ثاني.
يا مبدعا في كل شيء خلقه..
_”ابتهال”
__________________________________
اليوم، دعي المهزوم من العالم بداخلي هو من يتحدث، ليس ذاك الآخر الذي انتصر على عالمه بكِ، وإنما الثاني الذي لم يرأف العالم به، فأنا يا سيدتي ترعرت في مدينةٍ قاسية، مُظلمة بكل أرجائها حتى تسربت عتمتها لداخل الأفئدة، كنتُ بها وحيدًا وبين الناس كئيبًا، مدينتي كانت مقبرةً تضم الأحياء لتلحق بهم الموت في أي وقت، تعلمت هناك أن الذراعين لا فائدةً منهم إلا للقتل، أما العناق، فهو فقط مجرد وسيلة لإشعال النيران بجسدٍ أنهكته الحروب ولازال حيًا، تعلمت هناك في أيام اعتقالي بين آسرهم أن الحياة لا تُحب من يَحبها، بل هي تُعطي من يُعاندها ويدخر كرهه لها، وسطهم كُلما حاولت أنجو بذاتي، وجدت الحرب تشتعل خلفي ولا نتيجة بها إلا مماتي، وسط مدينتي تعلمت أن رقص الطيور يكون فقط عند الذبح، وأن الزهور خُلقت للقطف، تعملت هناك القضاء على كل ماهو جميل، تعلمت أن أقتل قلبي حتى لا يخونني ويميل، أتظنينها بيسيرةٍ أن أقف أمامكِ ولم أنبهرُ بوهجك وأهرب من شفائك وأبقى العليل؟ الأمر بأكمله في مدينتي القاسية، تلك المدينة التي رفعت فيها الذنب فوق أكتافي، ورأيت بها كل قُبحٍ للجمالِ يُنافي، بها القلوب مُغبرةٌ كوادٍ تعكر ولم يعد مجراه صافٍ، لكن لا يَهُم، فلتغلق المدينة القاسية أبوابها، وتُكبلني بأصفادها، وليعم الظلام أنحائها، لكن دعي باب قلبك مفتوحًا لقلبي، وعينك أتركيها تُعانقني بين أهدابها، فإن كنت بينهم مُحاربًا سأقتنص من سهام جفنيكِ درعًا لي وأقول أن الجُندي المجهول لنصري على العالم ماهو إلا البقاء بقربها..
<“مدينتي الظالمة تقتل البريء وتَحمله ذنب نفسه”>
هناك ذنبٌ يقع فوق عاتقي لا شك أنني لم اقترفه لكنه التصق باسمي، حتى المدينة التي حرمتني من الدفء والعيش بها في رغدٍ تُعاقبني على اشعال نيران الحرب فيها، مدينتي تلك لا يَسكُنها الفضلاء، بل يسكنها خِسة البشر يقبضون على الأحلام، ويعرقلون الخير؛ حتى ولو كان مجرى المياه العذب بالنهر..
اعترف على نفسه بكامل قواه العقلية وهو يقف أمام “إيـهاب” الذي رفرف بأهدابه مستنكرًا فيما استطرد “مُـنذر” حديثه بصراخٍ هادرٍ كما بدأه:
_كل اللي قتلتهم كانوا يستاهلوا الموت، علشان كلهم كانوا بتوع خراب في الأرض وبس، واحد بيتاجر في أعضاء الناس وفاكر العالم كله ملكه، وواحد بيتاجر في الشباب وفاتح مدرسة يعلمهم أوسخ العمايل، واحد بيتاجر في البنات كأنهم هدوم، واحد بيصنع المخدرات ويدخلها للعيال الصغيرة، واحد بيزرع الشذوذ في عقل الشباب والعيال، واحد بيصدر للعالم كله المحتوى الإباحي، وغيرهم وغيرهم كتير، كل مرة واحد فيهم بيموت بيبقى عبرة لغيره، الوحيد اللي الموت لحقه مني كان “شـوقي الحُصري” الوحيد اللي اتمنيته يعيش وآخد روحه بأيدي.
ما عاشه اليوم كان لا يُحتمل ولا يُطاق، فاقت الأوضاع حوله قدرته على التحمل، أضحى كمن يقف على جُرف هاويةٍ يعلم أنها ستُلقيه لأسفل قاعٍ، كغزالٍ شاردٍ يقف على سفح جبلٍ في المُنتصف لا يدرك له نهاية ولا يعلم كيف كانت البداية حتى الوقوف محله يؤلم قدميه، لذا انفجر كبركانٍ ثائرٍ أمتدت أياديه لتسحب معها الجحيم، لاحظ ذلك “إيـهاب” فاقترب منه يمسك كتفيه وهو يهتف بقوةٍ لم تنفك عن طباعه:
_غلط، القتل مش حل علشان الروح مش بتاعتنا إحنا، فيه قانون هيرجع الحقوق لصحابها، القتل دا كبيرة من الكبائر، اسأل واحد اتعذب شهور والنوم فارق عينيه لما قتلت أبويا بالغلط، على قد راحتي إني خلصت منه، بس ضميري مخلصش من الوجع، أنا في ضهرك ومعاك، بلاش يكون الحل الوحيد عندك القتل، بعدين دا قتلته الباقيين هتعمل فيهم إيه؟ هييجي غيره وغيره وغيرهم، القتل مش حل.
حديثه ألهب نيران جوفه لذا اندفع في وجهه بقوله مُغتاظًا:
_لأ حل، علشان هما جُبنا ومفيش حاجة بتخوفهم غير موت حد منهم، اللي أنا قتلته دا كان هيسافر علشان يهرب شوية بس قبلها كان هيسلمهم ملف بالبنات اللي ينفع ياخدهم، البيه مش حاسس بالندم علشان بيقتل ويغتصب بنات، لأ دا متعصب علشان اتهموه إنه مش شايف شغله، عاوزني أرحمه؟ بعدين قانون إيـه؟ القانون اللي بتكلمني بيه دا هو اللي أداهم الحق يعملوا كدا، علشان اللي حاطين القانون هما اللي مسهلينها ليهم، فتح عينك يا “إيـهاب” وخد بصة على العالم كله، إحنا في أي وقت هنبقى في حرب مفيهاش رحمة ولا نزاهة، يبقى الحل إنك تدرب نفسك للحرب دي.
اطال “إيـهاب” النظر إليه مُشفقًا فيما تنهد “مُـنذر” بارتجافةٍ ونطق بصوتٍ مُهتزٍ:
_أنا واحد كانوا بيصحوني بالكهربا في جسمي، والنار في أيدي وصوت القصف في ودني، علشان أي وقت تقوم فيه الحرب نبقى إحنا في صفهم وولائنا ليهم، عودونا منخافش بس نخوف الكل مننا، أنتَ قدامك واحد عاش حياته كلها في حرب فماتجيش تقولي خليك في السلام، علشان أنا واحد عمري ما جربت السلام.
أنهى حديثه ثم تجاوزه في حركته بل ترك المُحيط له بأكمله وترك الآخر يُطالع أثره بضياعٍ، ثم وقع في جُب التفكير هل يتركه في هذا المُستنقع أم يُحارب بكل إقدامٍ لأجله؟ تيهٌ سيطر عليه وصدمة تلقاها لأجل أخٍ ورفيقٍ تربى في كنفه منذ صغرهم، والآن طريقه أضحى مُعتمًا..
تحرك “إيـهاب” نحو شقته ثم ولج لغرفته وضم زوجته لصدره وهو يتنهد بعمقٍ مُتذكرًا ذكرى مريرة عَلُقَت بذهنه ولم تنفك عنه، ذكرى تخصها هي وحدها حينما قرر أن يسأل عنها وعن حياتها حتى يعلم من تلك التي من وسط النساء أجبرت قلبه أن يُعصيه..
(منذ عدة سنواتٍ)
خرج من سيارته بكل هيبته الطاغية وتحرك نحو عنوان بيتها في منطقة شعبية غريبة عليه لكنه يعلمها ويعلم طبيعة سُكانها، “حـي الإباجـية” منطقة شعبية عُرف عن ساكنيها القوة والحِدة والخطورة، لذا أراد أن يحاول معرفة أي شيءٍ يخصها وحينها قصد شقة جارتها التي أخبرته عنها هي بكل عفويةٍ وتلقائية تنتهجها في حياتها:
_خالتي أم “رحـاب” دي ست طيبة بس جلدة أوي الجنيه يطلع منها وينصب شادر إن ربنا فك كَربه، لما هباب السكك دا كان بيضايقني كنت بجري استخبى عندها أحسن يطولني وهو شارب، أيده اللي تتشل كانت تقيلة.
وقتها توجه لتلك السيدة خفيةً لكي يستفسر عن حياتها فرحبت هي به حينما أخبرها أنها أمست في حمايته وكان جواب المرأة براحةٍ تخللت ملامحها:
_روح يابني ربنا يطمنك دا أنا قلبي بياكلني عليها أوي من ساعة ما مشيت في الشارع وكلاب السِكك هتنهش في لحمها، من كام يوم بيقولوا فيه بت يا حبة عيني حد ابن حرام خد غرضه منها ورماها على الطريق كنت خايفة تبقى هي، بس الله يفتح عليك طمنتني، معلش هي عفوية شوية ولسانها طويل بس والله غلبانة وربنا كتبلها عمر جديد على ايدك وكتبلها تفضل بشرفها.
حينها عقد ملامحه وسألها مُستنكرًا آخر حديثها:
_معلش يا حجة متأخذنيش في الكلام، يعني إيه تفضل بشرفها دي؟ هو فيه حاجة أنتِ مخبياها؟.
_لأ لأ يا أخويا، خالص أصل اللي ميتسماش اللي اسمه “فـتحي” واد بتاع ٣ ورقات وصايع، كان عاوز ياخد منها غرضه وبعدها يبيعها لواحد من البهوات هنا ولا المعلمين بتوع المنطقة يتكيف ويتبسط بعدها تترمي في الشارع وياخدها “فتحي” يوديها بقى كباريه ولا شقة مفروشة، “سـمارة” دي شيبت المنطقة كلها، كلهم هنا هيموتوا عليها وكلهم عاوزين يدفعوا كتير وهو واخد من الناس فلوس على حِسها كتير أوي، بس هي بت ولا كل البنات محافظة على شرفها وقالت الشارع أهون عندي من إن واحد زي دا يقرب مني وياخد مراده.
هكذا اندفعت المرأة تجاوبه بما يُثلج نيران روحه ووقتها تنهد هو براحةٍ ثم أكمل بحثه في تلك المنطقة ليعلم أن هناك نوعٌ من المُتاجرة تتم وتُحاك وهي المتاجرة بالفتيات الصغيرات ووقتها أدرك أن لا شيء من محض الصُدفة، بل هي قدره ونصيبه.
(عودة لتلك اللحظة)
خرج من شروده على همهمتها أثناء نومها وحينها رفع الغطاء يُدثرها به ويفرض حمايته عليها بين ذراعيه وقد أمعن النظر في وجهها البريء وهو يرى بعين عقله ماذا لو لم يقابلها هو بنفسه وتجمعه السُبل بها؟ هل كان مصيرها سيشبه هؤلاء الفتيات؟ عند وصوله لتلك النقطة شدد ضمته لها ووضع رأسها فوق صدره ثم تمتم بحسرةٍ تباينت بها المشاعر ما بين الراحة لأجلها والحزن لأجل الأُخريات:
_طب أنتِ وربنا جمعك بيا، الغلابة دول مين يلحقهم؟.
سؤالٌ قاتمٌ أخرجه من جوفه ليترك العديد من علامات الاستهام لديه، حقًا هؤلاء الفتيات من سيلحقهن من هذا المصير وينتشلهم من وسط تلك العصابات التي انتزعت من قلوبها الرحمة وأغدقها السواد الحالك بدون شعاع رحمةٍ حتى، لكن الخالق وحده هو القادر على كل من ظن نفسه قويًا.
__________________________________
<“كيف يُشفىٰ قلبٌ عِلته كانت الحُب”>
لا شيءٌ يُنسى ويبرح العقل قبل أن يترك أثره في القلب، فأنا وأنتَ وغيرنا نُعاني بدرجاتٍ متفاوتة من أشياءٍ خفية رُبما احتفظنا بها داخل صندوقنا الأسود لتصبح مع مرور الوقت ذِكرىٰ أليمة كل تراوحت بذهنك ليؤكد صدى ألمها قلبك..
بُكاءٌ لا يتوقف، عبرات تسيل على وجنتيها كُلما تردد اللقاء الأخير بذهنها وأُصدرت على صداه رجفة من قلبها، وجعٌ لم تنساه وهي تؤلمه كما ألمت نفسها، جرح توسط قلبها ولم يُشفى، وكيف يُشفى قلبٌ علته الحُب؟ تكوكرت في نفسها فوق المقعد بشرفة شقتهم حتى أشرقت الشمس من جديد لكن الظلام لازال يسكنها، وقد تذكرت موقفها أمسًا حينما صفعها فوق كرامتها..
أتت في تلك اللحظة “حبيبة” زوجة “جـواد” شقيقها ثم جاورتها قبل أن تذهب لعملها ثم مسحت فوق رأسها بحنوٍ وهي تقول بأسىٰ لأجلها:
_وبعدين؟ هتفضلي عاملة كدا في نفسك؟ أنتِ اتهورتي وغلطتي باللي حكيتيه ليا، كلامك كان مؤذي ليه والقلم مؤذي أكتر، بس أنا شايفة إن محدش اتأذى غيرك أنتِ، بصي شكلك يا “فُـلة”؟ ليه دا؟ ما طول عمرك مش عاملة حساب للمشاعر ولا الحب، دا من ساعة ظهوره وهو مغيرك؟ مالك طيب؟.
هرولت عبراتها من مجراها بدون مرسى، كرامتها المجروحة على يديه لم تنس هي أثر ذاك الجرح، لم تنس أنه رفضها بتلك الطريقة المُهينة بعدما فضلته على الجميع، لذا حركت رأسها للجهة الأخرى تخفي عبراتها ثم عادت برأسها تستقر على وجه “حـبيبة” تتفحصها بعينيها وقررت أن تنطق أخيرًا بعدما جاهدت نفسها:
_”حبيبة” هو أنا ماتحبش؟
داهمتها “فُـلة” بذاك السؤال الغير متوقع بصوتٍ مرتجفٍ دلَّ على رجيف قلبها الحزين خاصةً بعد فعلتها أمسًا، وقد انتبهت لها زوجة شقيقها وهي تسألها بلهفةٍ دفاعية:
_إيه الكلام دا يا “فُـلة”؟ متتحبيش إزاي بس؟.
رفعت عينيها الباكيتين تواجهها مُجددًا بهما وهي تسألها ببكاءٍ أعرب عن جُرحٍ توسط كرامتها وهي تستفسر بقهرٍ:
_طب هو ليه ماحبنيش؟.
بكت وهي تسأل ذاك السؤال الغريب القاتل لكبرياء أنثىٰ عشقت رجلًا لم يدرِ بها؛ لتجد زوجة شقيقها تحتضنها بين ذراعيها وهي تُمسد فوق كتفيها وجذعها فوجدتها تنطق بندمٍ لا تعلم إن كان على نفسها أو عليه هو بذاته، أم على سذاجتها وإهمالها لنفسها ومشاعرها أمامه:
_كسرني أوي يا “حبيبة” أنا اخترته هو أروح أفرحه بعيد عن الناس كلها، كنت زي الفراشة وأنا رايحة أقوله إني عندي إيفينت للصحة النفسية في الجامعة الأمريكية وإنهم اختاروني علشان أتكلم، كنت داخلة أفرحه قبل ما أفرح عيلتي، لقيته بيطردني من مكتبه كأني بفرض نفسي عليه، وجعني أوي وهو بيعاملني كأني واحدة رخيصة ملهاش أهل، ولما وجعته اتوجعت زيه وأكتر..
انتحبت باكيةً بوجعٍ أخذ يتفاقم حتى ربتت الأخرى فوق خصلاتها المسترسلة فيما مسحت هي وجهها ونطقت ببكاءٍ:
_أول مرة أحس إني بحب حد كدا، حاولت علشانه رغم إنه كان بيبعدني عنه، كل شوية آخد خطوة ليه وهو يحاول يبعد، كنت حاسة إني بفرض نفسي عليه بس هو قلل مني وطردني، أنا ساعتها قولت هو أول واحد يشاركني فرحتي، أختارته هو قبل “جـواد” اللي مربيني وماما اللي هتفتخر بيا، أول واحد جريت عليه علشان عاوزاه يكون معايا، كان نفسي أشوف فرحته بيا، بهدلني وبهدل مشاعري، ولسه بكرهني علشان حاسة إني وجعته، أنا زعلانة مني علشانه هو، شوفتي؟؟.
كانت تبكي وهي تتحدث بصوتٍ مختنقٍ حتى مسحت الأخرى وجهها بكلا ابهاميها واحتضنت وجهها بكلا كفيها وهي تقول برجاحة عقلٍ وحكمة تمتاز بها:
_عارفة ليه؟ علشان أنتِ ركزتي بمشاعرك كلها معاه، زهقتي من دور الدكتورة النفسية وسيبتي مشاعرك هي اللي تحركك، أنتِ متعرفيش حاجة عنه، دا دكتور ناجح، عاش حياته كلها برة، وسيم، حياته كلها عملية فطبيعي مشاعرك اللي دخلت حياته دي هو يستغربها لأنه شخص عملي، وواضح من شهادته ونجاحه وشغله إنه متفاني في عمله أوي.
أغمضت “فُـلة” عينيها لكي تَكُف عبراتها عن الظهور لكنها تذكرت هيئته أمامها وهو يخبرها بحديثٍ لم تتذكره إلا لتوها، بماذا كان يقصد أنه يُبعدها عن طرقاته وبماذا قصد أنه يخشى عليها هي؟ إذا كان هو الطبيب النفسي الماهر، والدكتور الجامعي صاحب المنصب الرفيع بواحدةٍ من أشهر الجامعات العالمية؟ فلما كل ذاك الغموض حول حياته إلا أنه حقًا لم يرغب في قُربها معه؟ لكن هل السبب ذاته هو عدم تحرك مشاعره نحوها، أم أن السبب هو تحرك مشاعره لها؟
وقعت في دوامة ساحقة من الاسئلة تُشبه الحلقات المُفرغة بدون بداية وبغير نهاية، وبدأت العقلانية هي التي تعمل لديها، فإذا كان يكرهها ولا يكترث بأمرها، فلم من الأساس أتى ووقف أسفل بيتها ولما اهتم أن يعتذر منها؟ الحلقة المفقودة هُنا هي كلماته هو ونظراته وقبل كل ذلك حياته بذاتها، لكن هل التعقل سيبقى سبيلًا أم أن تمرد الكرامة سيعلو مُجددًا؟.
__________________________________
<“والدي لم يحبني، وأنا مثله أيضًا لم أحبني”>
اللحظة التي يتمناها المرء لكي يعيشها من الممكن أن يدفع عمره لأجل تحقيقها وليتقط فيها فقط لو عدة ثوانٍ عابرة، هي لحظة واحدة في حياتنا عند مجيئها نحتسبها عُمرًا بأكمله، ولعل لحظاتنا المُنتظرة تأتِ لتسعد قلوبنا خلالها..
حالة من الهرج سادت في الأجواء تجهيزًا لعقد قران “سـراج” و “نـور” عصرًا قبل إقامة الإحتفال الكبير ببيت “نَـعيم” أمسًا، كان البيت على قدمٍ وساقٍ في العمل بعد ذبح الأضاحي وتوزيع الوجبات لأجل العريسين معًا، سعادة لم تقترن بغيرها من المشاعر، أملٌ طفق ينتشر في القلب ماسحًا على كل ندباته التي تركها الألم.
وقف “نَـعيم” بجوار العاملين في بيته مُتممًا على الوجبات التي ستنتقل للتوزيع ثم تابع هو بنفسه ما يفعله وهو يعاون الشباب، فرحته هي المحرك الأكبر والدافع له، سعادته بالشباب وصلاح أحوالهم هي التي تقوده، لذا لم يُدرك أي شيءٍ سوى أنه سعادته أضحت كما الجناحين وجعلته مُحلقًا فوق السماء وقد ولجت له “سـمارة” تمسك الشاي لأجله وما إن انتبه لها التفت يعاتبها بعينيه وقوله:
_بقى دا كلام؟ جاية بنفسك طب كنتِ هاتيه مع أي حد.
ابتسمت له وهي تطيح برأسها وقد ضحك هو لها ثم أجلسها بجواره والتقط منها كوب الشاي بينما هي راقبت انبساط ملامحه وسعادته الظاهرة فضحكت وهي تقول بمشاكسةٍ:
_دا إحنا عال العال أهو، وشنا الله أكبر بدر منور.
ضحك هو معها ثم سحب قطعة من اللحم ومد يده بها لها وحثها برأسه حتى تناولته بأناملها من يده بخجلٍ فيما هتف هو يُفسر لها بقوله:
_هتهملي نفسك من حماسك النهاردة أنا عارف، عاوزك تخلي بالك من نفسك علشان مش ناقص ييجي يموتني علشانك، وبيني وبينك أنا مبسوط أوي إني هفرحه وإنه هيكون مع اللي بيحبها أخيرًا، والواد “سـراج” من صغره “نـدى” كانت بتحبه وهي اللي مربياه علشان كدا فرحان لفرحتهم.
ضحكت له بوجهٍ مُشرقٍ فيما استأنف هو عمله وهي تتابعه مبتسمة الوجه فيما التفت لها بطبقٍ من الأرز ثم وضع معه ملعقة من الخلطة الأخرى وأشار لها بقوةٍ قائلًا:
_كُلي الطبق دا علشان أخرجك من هنا، يلا.
ضحكت “سـمارة” بصوتٍ ثم تناولت منه الطبق وجلست بجواره كقطةٍ تحتمي بصاحبها فيما شعر هو بمدى سعادته لتوه وجميعهم بجواره، لقد رأى الفرحة باديةً على أوجههم لذا انتقلت له بالتلقاء من نفسها.
في الخارج وقعت المسائل بأكملها على عاتق “إيـهاب” و “يـوسف” اللاذي لم يبرحا مكانٍ ولا إنشٍ إلا ومرت وسارت به توجيهاتهما سويًا، حتى الإتمام على الإحتفال الليلي في البيت تم التحضير له، وقد تناسى “يـوسف” غضبه وغله وأندمج مع الشباب وخاصةً “إيـهاب” الذي لم يتركه وحده.
في الداخل كان “مُـحي” بغرفته يتجهز لأجل حضور عقد القران وهو يُهندم ثيابه وقد صدح صوت طرقاتٍ فوق باب غرفته وما إن فتح الباب وجد أمامه “مُـنذر” يحدثه بنبرةٍ جامدة شبه آلية:
_باباك عاوزك تجيب ورق “سـراج” اللي شاله معاك علشان كتب الكتاب وبيقولك افتح موبايلك واعتبره واحدة حلوة عاوزاك.
ضحك “مُـحي” مُرغمًا ثم أشار له أن يتحرك معه نحو غُرفة “نَـعيم” ووقتها سحب هو حقيبة عملية من خزينة ملابسه وهتف بثباتٍ:
_الشنطة دي عاملة زي الحاوي، أي ورق ملهوش لازمة أو ليه لازمة عمك بيدهولي أحطه فيها، أداني ورق “سـراج” قولت أحطه فيها يمكن يرجع في كلامه ولا حاجة، طلع شبطان فيها وكان هيقلب عليا، المهم لحد ما أظبط شعري افتحها وطلع الورق اللي في الفايل البُني.
التقط منه “مُـنذر” الحقيبة وجلس على الفراش يفتحها بنفس الجمود فيما وقف الآخر أمام المرآة يُتمم على هيئته الخاطفة كما اعتاد أن يظهر، بينما الآخر التقط الملف المرغوب بمللٍ لكن مهارة عينيه لم تخُنه حيث التقط صورة لعمه في شبابه فوق الخيل وبجواره وقف شخصٌ لم يعرفه، حينها دفعه الفضول لمعرفة من هذا فالتقط الصورة بكفه ليجد خلفها صورًا عديدة لنفس الشخص، وقتها حُبِسَت أنفاشه خشيةً من معرفته لهويته، فيما التفت له “مُـحي” يتابع ما يفعله ووقتها وقف جواره يرمقه بخوفٍ من القادم..
ثبت “مُـنذر” عينيه على الرجل بالصورة وبكل آسفٍ وجده يُشبهه، لقد امتلك جزءًا كبيرًا من ملامحه الوسيمة التي بالطبع ساعدت في استغلاله للنساء، وقبل أن يتدخل “مُـحي” ويسحب الحقيبة منه أوقفها بكفه وسألها بغلظةٍ:
_دا هو صح؟.
لم يجد الآخر مفرًا من الجواب المؤكد لذا أومأ موافقًا بحركةٍ خافتة لتزداد الرجفة بقلب “مُـنذر” أكثر، فمن يصدق أن هناك ابنٌ بهذا العالم لم يرَ أبيه إلا من خلال صورٍ له بشبابه، هل يُعقل أن طيش رجلٍ مثله في شبابه يتسبب في دمار شخصٍ لما يُقارب الثلاثين عامًا؟ مهزلة غريبة لم تُقبل بينما ازدادت رغبة الانتقام بداخله جموحًا، أضحىٰ كخيلٍ يرفض الرضوخ وكل ما يوده أن يركض في ساحة القتال ويقوم بضرب عدوه، لذا التقط الصورة الخاصة به بمفرده وثبت عينيه عليها وقد ازداد صوت ضحكاته تدريجيًا بشكلٍ أقرب لمرضٍ نفسي أو هيسترية مَرضية..
ظل يضحك بقهرٍ ووجعٍ خافيًا خلف تلك الضحكات الكاذبة ألمه ونيران قلبه ليلحظه ابن عمه الذي سأله بصوتٍ مهتز:
_أنتَ كويس يا “مُـنذر”؟ بتضحك على إيه طيب؟.
توقف عن الضحكات وسحب نفسًا عميقًا وهو يجاوبه بصوتٍ مُرتجفٍ وقهرٍ لم يقو على احتوائه بداخل جوفه:
_بضحك على خيبتي، بضحك على عمري وعلى نفسي يا “مُـحي” بضحك من القهر علشان في الآخر يطلع دا سبب اللي أنا فيه، أنا بسبب دا حياتي خربانة، جاب عيل في الحرام وسابه ومهموش العيل دا، دا أول واحد اتمنى موتي كان هو، بسبب دا أنا اتكتبلي هنا أكون حاجة من اتنين يا قاتل يا مقتول، والاتنين آخرهم نار، بــسبـب دا أنا عيشت متهان زي العــبد تحت رجولهم وهما بيتاجروا بيا، بسبب دا أنا كل يوم بكرهني أكتر، علشان أنا واحد أبوه وأمه من البداية محبونيش، هحب نفسي أنا إزاي؟.
صرح بما يحمله في قلبه ورغمًا عنه بكى، رغمًا عن ثباته ساورته هزة خفية لتجعله يترنح ليسقط على الفراش بكامل جسده وقد مر حديثها من جديد في سمعه أو عفوًا هو لم يُبرح العقل وظل عالقًا به بعدما صرحت له بكراهيتها علنًا، الأمر لم يقف فقط عند هذا الحد، الأمر أضحى كما النيران بداخله وهو يود أن يبكي بين ذراعي أحدهم، لكن كما سبق ووصف له قلبه نفسه أن:
“مواطني كلها غُربة،
وطرقاتي بأكملها ضياعٌ،
فإلى أي موطنٍ يلجأ جسدي وبه يرتمي
وبأي مأوى به من نفسي احتمي؟”.
وقف “نَـعيم” على باب غرفته يراقبهما بعينيه حينما اقترب ابنه يسحب منه الصورة لكنه رفض وضغط عليه بقبضته وهدر بنبرةٍ جامدة:
_خليها معايا، علشان كل ما يبقى عندي أمل في حاجة افتكر إن دا أبويا اللي أنا هنا فوق الأرض بدفع تمن شهوته اللي مقدرش يتحكم فيها، خليها علشان يوم ما نهايتي تيجي وأروح جهنم أعرفه هناك، بس يا ترى بقى النار فيها عتاب؟ ولا حتى وأنا في النار مش هطول اللحظة دي؟.
تألم عمه لأجله لكنه لم يعاتبه، الحق بأكمله معه، مهما تحدث ومهما فعل لن يحصل على حقه المسلوب من بشاعة هذا العالم، مثله سيرى أن أي عناقٍ يُفتح له بالطبع سيضيق عليه الخِناق حتى يلقى حتفه، لذا توجه له “نَـعيم” وأشار بعينيه لابنه الذي فهم عليه وسحب الورق وخرج من الغرفة وحينها اعتدل “مُـنذر” لكي يتبعه ويرحل لكن كف عمه أوقفه وتواصلت حينها المُقل ببعضها، تلاقت الأعين معًا تفصح عن آسفٍ وندمٍ وعن قهرٍ ووجعٍ..
أخفض “مُـنذر” عينيه دون أن يقوى على مُجابهة نظرات عمه، فيما ضمه الآخر لعناقه كعصفورٍ كِسرَ جناحيه وفقد قدرته على الطير، أو كخيلٍ بلغ عليه التعب أشده ويحتاج لمواساة رفيقه، أما الآخر فلم يرد الهرب من هذا الأمان الذي حاوطه، لم يرد أن يترك عناق عمه، أراد أن يظل هنا ويعيش هنا ويموت أيضًا هنا، ورغمًا عنه بكى بصوتٍ، ما إن استشعر أن هناك أحدهم يحبه ويكترث لأمره حتى في أسعد لحظاته، بينما “نَـعيم” مرر كفه فوق ظهره وخصلاته وهدهده كما لو كان يُهدهد صغيرًا بين ذراعيه هاتفًا:
_بس، بس أنا معاك أهو، لو كل الدنيا دي بتكرهك أنا بحبك ياض أنتَ، بحبك وعندي استعداد أولع في اللي ييجي على سكتك، وعد مني حقك هيرجع، والله حقك هيرجع وهترتاح قريب، عمك معاك وفي ضهرك واستحالة أسيبك، متزعلش نفسك، بس عيط هنا وخرج اللي جواك كله، علشان لما باب الأوضة دي يتفتح ترفع راسك وتعاند الدُنيا كلها، خرج وجعك يلا.
ازداد بكاء “مُـنذر” أكثر وتشبث بظهر عمه وهو يتذكر الجحيم الذي سبق وعاش به، تذكر كيف كانت الضربات تتوالى على جسده وكيف تعذب وتألم وصوت القصف كان يتردد في سمعه، وحينها ازداد الخوف لديه وازداد ضغطه على جسد عمه الذي شدد مسكته له وأراد في تلك اللحظة أن يحفظه في كنفه ويدخله بين ضلوعه.
__________________________________
<“اللقاء المنتظر لمرءٍ عاش حياته فقط لكي ينتظر”>
ورقة فارغة يجاورها قلم وهذه هي حياتي، شخصٌ أنا امتلأ بالعديد من العبرات والكلمات التي تدل على اسمى المعاني لكني لازلتُ مُبهمًا بين الناس ولم يقو أحدهم على فك شفراتي، أنا التي كبلته الحياة عن الحِراك وقامت بتكسير جناحيه حينما حاول أن يُحلق وأقنعه البشر أن الطير جريمة يُعاقب عليها ببتر الأجنحةِ..
ببهو مسجدٍ كبيرٍ في منطقةٍ راقية تليق بابنة المسئول الحكومي نائب محافظة القاهرة تم الاستعداد لأجل عقد القران، حضر “نَـعيم” بالشباب وزوجة كلٍ منهم معه، كانت العائلة بأكملها تقف في إنتظار العروس التي توقفت سيارتها وترجلت هي منها بصحبة والدها..
وقتها وقف “سـراج” يحفظ أدق تفاصيلها بعينيه، تلك البريئة التي لازالت تخطفه منذ الوهلة الأولى كما هي حتى حينما قررت التمرد اختارت أكثر الأفعال براءةً وفعلته، لا يُصدق أن حبهما عاد من غُربته واستقر بموطنه في قلبيهما، لا يصدق أنها تتوهج مثل النجوم الساطعة لأجله هو وليس رجلًا غيره، لا يُصدق أن بسمتها الآسرة تختصه هو فقط، وأن عينيها تُرفرف لأجل أن تلتقطه، وقتها صدح صوت قلبه مُعلنًا بحبٍ وهيامٍ بها:
_من أي زمانٍ أتيتِ أنتِ
لتملكين سطوةً على فؤادي؟
وبأي بلدٍ هربتي مني حتى
أضحى الجحيم برحيلك يسكن بلادي،
بربك هل تسمعين صوت قلبي؟
قلبي الذي منذ أن رآكِ وهو عليكِ
يهفو ولأجلك باسم الحُب يُنادي.
شرد وهام بها وهي ترتدي فستانًا باللون الأبيض العاج وتمسك في يد والدها كطفلةٍ تُساق لأول يومٍ في دراستها وحينها ابتسمت له بلطفٍ ثم لوحت بكفها لتكتمل هيئتها في مخيلته وتنفرج شفتاه بضحكةٍ واسعة ثم التفت لمن يقفا خلفه وهتف بنبرةٍ أقرب للهمس:
_كتب الكتاب يخلص، وحد فيكم يثبتلي “عادل أبو الحسن” في أي رُكن علشان مش ناقص حكم ومواعظ، خلوني أشحن طاقتي قبل ما أشحر منكم هنا، “إيـهاب” أبعده عني أبوس إيدك.
ضحك “إيـهاب” عليه فيما نطق “يـوسف” بضجرٍ:
_ما تلم نفسك بقى متفضحناش، فرحك بكرة وابقى قول اللي أنتَ عاوزه وأشحن براحتك، بعدين هتعمل إيه؟ الحكومة مرشقة في المكان كله كأننا في القسم، لم دنيتك.
انتبه له “سـراج” الذي رفع كلا حاجبيه وسأله بتهكمٍ:
_البيه خاربها وهيقفلي أنا ولا إيـه، بعدين إيه ما أنتَ كاتب وعارف، محضنتش في كتب الكتاب؟ أنتَ تلاقيك خربتها يومها بس حظك إنك معندكش حما يقفلك.
استمع لحديث رفيقه والتوى ثغره ببسمةٍ ساخرة أقرب للتهكم وهو يضيف باستخفافٍ واستهتارٍ:
_رَيـح، هي أصلًا مكانتش طيقاني يوم كتب الكتاب ولو عليها كانت هربت مني، اللي بعد كدا هو المهم، اسمع مني.
ضحك “سـراج” لهما ثم التفت خلفه ليجد “قـمر” تقترب من شقيقها الذي سحبها تقف بمحاذاته فلمحت هي “سـراج” وتذكرت المرة التي وقعت بين يديه بها حينما التقت بشقيقها وقد لمح هو توترها منه فنطق بأدبٍ قلما تعامل به:
_أنا آسف يعني لو لسه متضايقة مني، بس عامةً وبكل أسف أنا صاحب أخوكِ وأمان متقلقيش، لو حد فكر يبصلك كلنا نخرمله عينه، اسأليه وهو هيقولك.
حركت رأسها موافقةً وتحدثت بثباتٍ وهي تُحيد بعينيها عنه:
_حصل خير دا كان سوء تفاهم، مبروك لحضرتك.
_الله يبارك فيكِ عقبال ليلة فرحك.
هكذا رد عليها فيما ابتسم “يـوسف” لشقيقته التي التصقت به أكثر ونطق بمراوغةٍ بعد رحيل رفيقه وانشغال البقية عنهما:
_طبعًا لو كان مطروف العين بتاعك هنا مكانش زمانك عرفتي تتنفسي حتى، كان زمانه طبق وش “سـراج” مش كان جه وخدتلكم صورتين حلوين هنا للذكرى؟.
حركت كتفيها وهي تقول بأسفٍ عليه:
_ماهو مشغول علشان فرح أخته وعلشان النهاردة عازمين الناس في الحارة وبيأكلوهم، بعدين ما “عـهد” مجاتش هي كمان وقالت عندها شغل مهم، مش كانت جت وصورتكم مع بعض كام صورة حلوين؟.
تنهد مُرغمًا وحرك كتفيه ليجد “ضُـحى” تقف بجوار “نـور” وهي تعاونها في الاهتمام بهيئتها فتذكر “أسماء” أيضًا التي تملك ذكاءً اجتماعيًا يجعلها كما الشُعلة المُضيئة بين الناس وابنتها مثلها، وقد كان “إسماعيل” يقف خلفها يبتسم لها كلما رآها تتحرك أمام عينيه على عكس “قـمر” التي دومًا تلتزم الصمت والهدوء خاصةً إن كانت تجاور شقيقها.
كانت “رهف” تقف على مقربةٍ منهم وهي تبتسم برقةٍ وقد تخلت عن نظارتها الطبية التي تخفي عينيها وارتدت فستانًا باللون الأزرق البترولي وقد تناسب مع جسدها بشكلٍ مُلفت له هو تحديدًا، يبدو أن مدينة عكا اليوم تُعلن فرض الحصار على الفاتح، وقد أتى “عُـدي” يجاور أخيه فلمحته هي ووقتها انتفض قلبها لأجل رؤيته أمامها، الشعور الذي يساورها في حضرته لم تعهده من قبل، في كل مرةٍ تراه بها تتمنى أن تظل بقربه وتخرج الفتاة الرقيقة صاحبة المشاعر المُرهفة وليست تلك العملية التي يراها دومًا..
كانت تظن أن أمر تخطيها لعلاقتها السابقة مستحيلٌ لكن في تواجده هي لم تعرف غيره وفقط، خاصةً وهو يضحك بجوار “قـمر” و “يـوسف” ويمازح “ضُـحى” و”إسماعيل” يتولى الدفاع عنها بقوله ضاحكًا:
_متكترش علشان مزعلكش، القسيمة في جيبي.
حينها ضحك “عُـدي” رغمًا عنه وسأله بتعجبٍ:
_ماشي بالقسيمة ليه؟ مش مصدق نفسك صح؟ أقولك مبروك عليك “ضُـحى” بس خلي بالك أنا أختي لحد ماهي عندي ومعايا معاك في أي حاجة، بس لما تيجي بيتك هي مبتغلطش، وملاك بجناحين.
حينها ضحكت “ضُـحى” لشقيقها بامتنانٍ كونه يدعمها فيما تفعل وقد التقط هو نظرتها وومض بأحد جفنيه لها فأرسلت له قبلة في الهواء تشكره بها، أما هو فالتفت نحو معذبته التي يبدو أنها تتهرب منه ولم يعلم أنها في الحقيقة رفعت حصونها لأجل قربه حتى تقدم نحوها ووقف بقربها يتحدث بثباتٍ أجاد الاتصاف به:
_حلو الفستان واللي لبساه أحلى.
كادت أن تلتهف وتسأله باندفاع مراهقة تختلس رؤية حبيبها سرًا بحديثه المعسول لكنها تراجعت عن اللهفة ولم تتراجع عن ابتسامتها وهي تقول بصوتٍ خافتٍ:
_شكرًا، أنتَ كمان شكلك حلو.
كتم ضحكته على طريقتها التي تمتاز بطابع الرقة والعملية معًا فيما تحركت هي نحو “زيـزي” شقيقة “عـادل” تحتضنها بلهفةٍ وقد ضمتها الأخرى بحماسٍ بالغٍ وهي تقول بلهفةٍ:
_وحشتيني أوي أوي، كل دا مشوفتكيش؟.
ضحكت لها “رهـف” وهتفت بقلة حيلة:
_حقك عليا بس أنا نزلت الشغل مع “يـوسف” وأنتِ عارفة يعني تشتغلي مع “يـوسف” يعني لو اتنفستي يبقى كتر خيره، بيتحول علينا في الشغل.
ضحكت الأخرى لها ورآت “عُـدي” الذي تتبع الأخرى بعينيه فمالت عليها تسألها بدهاءٍ استشفته من نظراته:
_طب إيه قريب هحضرلك الفستان؟.
التفتت “رهـف” بنصف رأسها وقد التقطته عيناها فعاودت النظر إليها وأومأت لها بحركةٍ خافتة رافقها الخجل الفطري فضحكت الأخرى فخرًا واعتزازًا بذكائها وقوة ملاحظتها للأمور والأوضاع حولها..
بعد مرور دقائق في بهو المسجد الكبير اجتمعوا بأكملهم يلتفون حول الطاولة التي توسطها المأذون وجلس على طرفيه كلًا من “عـادل” و “سراج” و “نـور” بجوار “سـراج” و “نَـعيم” بجوار والدها وخلفه وقفوا الشباب ومعهم الفتيات وقد وقفت “سمارة” تضحك بسعادةٍ وهي تقف بجوار “إيـهاب” الذي قبض على كفها بتملكه الواضح لها بين الناس وهي تستقبل حركته تلك بترحيبٍ وما يفوق ذلك.
أما “سـراج” فهي دقائق فقط ما كانت تفصله عن عناق أحلامه حتى ظنها أعوامًا تمر عليه وليست دقائق عابرة، تُرى هل العلة في ساعته أم أن العقارب تتسكع اليوم في ساعتها؟ بحث بعينيه عن صغيرته الشقراء فوجدها تمسك بكف “مُـنذر” ولم تتركه وحينها ابتسم لها لتبادله بسمته بضحكةٍ واسعة وقبلة أرسلتها بكفها له ليضحك هو لها ثم أمعن وأنصت بكامل تركيزه مع المأذون لتأتِ اللحظة المنتظرة بقوله ثابتًا:
_قبلت الزواج من موكلتك وابنتك “نـور عادل أبو الحسن” على كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خيرٍ.
اختُتِمَ عقد القران بتلك الجملة ليصدح صوت زغرودة من “ضُـحى” عاليًا لتضفي مرحًا في الأجواء وبدأت المباركات والتهنئات تنهال على العروسين والقُبلات الودودة فوق الوجنتين، أما “سـراج” فاقترب يُلثم جبينها أمام الجميع ثم همس في أذنها بنبرةٍ خافتة:
_دي حاجة كدا خفيفة لحد ما أبوكِ يختفي.
كتمت ضحكتها حتى لا تفضح أمر وقاحته بينما هو عاد للشباب وهم يباركون له وقد تحرك “عـادل” نحو ابنته التي بكت فور أن اقترب منها لتجده يحتضنها أمام الجميع والعبرات الحارقة تلسع مقدمة أهدابه، تلك الصغيرة التي تركتها له زوجته أتى اليوم لكي يودعها ويتركها لغيره يحصل عليها، لا يعلم لولا أن الجدار يلتصق بغيره لكان كيف أصبح وضعه؟.
دقائق مرت وبدأ المكان يفرغ من الناس وحينها تحرك “سـراج” يأخذها من والدها وهو يقول بشموخٍ ورأسٍ مرفوعٍ:
_بقت حلالي دلوقتي عن إذنك بقى.
كلصٍ قفز على عش طيور وأختطف من وسطهم عصفورة بريئة ثم احتضنها ليبدد بهذا العناق ظُلمة روحه، عناقها شفاؤه من ألم الجراح والوحدة والرفض وكل ذنبٍ اقترفه، عناقها الذي جعله مكافأة يحصل عليها بعد أن طهر نفسه من كل الآثام والذنوب، ولازال أكبر آثامه تُرتكب في حق العشق، يخاف؟ نعم يخاف العالم حوله لكن بقربها هو في الأمان، لها ينتمي وبها يحتمي وفي أرضها من بين كل الأوطان يرتمي…
في قوانين العشق العناق الأول بتلك الحُجة القوية هو خير دليلٍ على براءة من أذنب ووقع في إثم العشق، فالهوىٰ ذنبٌ نقترفه دون أن نعي، والحُب جُرمٌ نرتكبه في حق القلوب البريئة وما من نقاءٍ تدعي، وفي تلك اللحظات يُهلل القلب بفرحٍ، ويقول لا يهم إن كنت أحببتُ واقترفت ذنبًا ما دُمت أنت من بين كل العالم معي…
هكذا ردد لسان قلبها بين ذراعيه وهي تعود لمكانها من جديد آمنة بين ذراعيه تحتمي به من وحدةٍ تقتلها، وتملأ بصوته فراغٍ انهكها، وتستقر من بعد الغُربةِ في موطنٍ فتح لها ذراعيه وبين أحضانه استقبلها.
__________________________________
<“أكان حُلمي أكبر من الواقع لتلك الدرجة حتى ينهدم”>
أعوامٌ تطير من حولي في اتجاه الرياح ومعها أخذت أحلامي نحو المجهول وأنا أقف مكاني أحسبها تتحقق، لم أعلم حينها أنها تُسرق مني وتسلب معها نفسي، ولكن حينما وصلت لموعد تحقيقها وجدت عُمقي فارغًا من كل حُلمٍ، حينها لم أجد بداخلي نفسي ولم أعلم في تلك اللحظة هل أنا من قصدت أن أُضيعني أم أن العالم هو الذي أراد أن أضيع مني؟.
جلس في شرفته كما هو أمسى منبوذًا من نفسه قبل الجميع، أراد أن يتخلص من كل الماضي الذي حسب نفسه به بريئًا فيه، أكان لتلك الدرجة ساذجًا حتى تُحاك كل تلك الألاعيب خلفه؟ أحلامه البسيطة رُفِضت من الواقع والعالم بأكمله لذا أطلق تنهيدة مُتحسرة على نفسه لتعود ذكرى البداية في عقله لتصفع قلبه معها..
(منذ ما يقرب الأربع أعوامٍ)
وقف بين والده وخاله تائهًا وهو يرى “عـاصم” يبرع في مخاطبته بأسى هاتفًا بما يحاول اقناعه:
_بقولك والدها خايف عليها، دا واحد محافظش على بنت بيحبها وحاول كذا مرة يستغل حبها ليه ويخليها تسلمله نفسها، تفتكر دي حاجة يتسكت عليها؟ أتجوزها أنتَ علشان تلحقها وعلشان والدها يكون متطمن على بنته، هي بتخاف من “يـوسف” علشان ميفضحهاش، بعدين والدها علاقاته كتيرة ومكسب لينا لما يناسبنا، صدقني بموقفك دا هتخليه يبطل الدور اللي هو عايشه، “يـوسف” محول حياتها لجحيم، وهي فاكرة نفسها بتحبه.
حينها تدخل والده يطرق فوق الحديد الساخن بقوله:
_اسمع كلام خالك وركز فيه كويس، البنت دي طيبة وجميلة حرام تقع في أيد “يـوسف” ويدمرها، خصوصًا أديك شايف أسلوبه وطريقته من ساعة ما نزل السمان، واللي زاد وغطى موضوع جنانه دا، ناسي إنه مريض نفسي؟ يعني البت دي هتموت معاه، ألحقها أنتَ علشان تبعدها عنه وعلشان تبقى أثبت مين فيكم على حق، وياسيدي هي هتوافق، مالكش دعوة وهتوافق..
وقتها تخبط وتشتت ولم يعلم ماهو الصواب وأين هو الخطأ لكنها بعد يومين أجادت اللعب هي الأخرى حينما بكت أمامه وهتفت باكيةً بصوتٍ مُرتجفٍ:
_أنا حسيت إنه بيستغلني كتير وكذا مرة يحاول يقرب مني أو يتخطى حدوده وكل مرة كنت ببعده عني كان بيهددني إنه هيقول لبابي، بس أنا كنت بحبه وبحاول أكون معاه وأساعده بس هو كان غريب وكل شوية بشخصية شكل، موضوع مرضه دا أنا هضعف قصاده، كل حاجة كنت شايفاها فيه مُزيفة وهو بيقدر يخليني أتعلق بيه، أنا هطلب منك طلب، جوازنا يفضل فترة على الورق بس لحدما كل حاجة تستقر وأقدر أتقبل الوضع.
وقتها وقع في براثن برائتها وترك لقلبه حرية الفعل وأنصاع خلف أكاذيبٍ وظن أنه بذلك ينجح في إثارة حنق “يـوسف” ويمتاز عليه بفعلٍ يثبت له الأفضلية عليه وأن مهما حدث من تقارب بينهما في القوة، سيظل هو صاحب الحق، ولم يعي أنه يُلقي بنفسه في أسفل قاعٍ ليرتطم فؤاده ويصبح هشيمًا بين أضلعه ورغم ذلك لازال حيًا ويتنفس..
خرج من شروده على صوت اشعارٍ من أحد التطبيقات الخاصة بمواقع التواصل الإجتماعي ليجده اشعارًا من “نـورهان” فعقد ملامحه وضغط عليه أعلى الشاشة لتظهر له محادثها وهي تطمئن عليه، فرد يجاوبها بحيرةٍ:
_بخير يا “نورهان” الحمدلله أنتِ إيه أخبارك؟ أكيد فاكرك يعني.
حيرة غريبة تمكنت منه بسبب رسائلها والأدهى لما تحديدًا؟ في تلك الفترة؟ على كُلٍ هو لم يعد يرغب بأي شيءٍ في هذه الحياة إلا لملمة شتاته النفسي وقد وجدها ترسل له في الحال:
_أنا بخير جدًا وبقيت بخير علشان طلعت فاكرني، عمومًا أنا كنت بتطمن عليك وفرحانة إنك رديت، اسمحلي أكلمك تاني أتطمن عليك لو تقبل يعني؟.
ازدادت حيرته أكثر من السابق لكنه بكل ودٍ عاملها وكتب لها يُرحب باقتراحها:
_براحتك طبعًا، أنا في إنتظارك في أي وقت.
رسالته تلك ماهي إلا وسيلة لجعل الفراشات تُحلق فوق معدتها وتبتسم بسعادةٍ لكونه رحب بها في حياته أخيرًا، تنهدت هي بولهٍ وأغمضت عينيها تتذكر أول لقاءٍ يجمع بينهما في النادي الرياضي حينما ذهبت هناك مع “شـهد” بعد إلحاح كلا الأبوين عليهما..
وقتها كانت تتحدث في الهاتف بالخارج ومرت بجانبها سيارة بها مجموعة من الشباب يحاولون تعدي حدودهم معها لكنه قفزت في أحد الرُصفان بخوفٍ فأتى هو يُدافع عنها حينما التقطها بكفهِ وأوقفها باستقامة يسألها بلهفةٍ:
_أنتِ كويسة؟.
حركت رأسها موافقةً له بخوفٍ من الموقف فيما تنهد هو ثم تتبع السيارة التي يجلس بها مجموعة من الشباب الطائشين وصوت الموسيقى الصاخبة يعلو من السيارة فعاود النظر إليها يهتف بآسفٍ:
_هما تقريبًا مش في وعيهم، خلي بالك من نفسك.
تركها وولج للداخل وهي تنظر في أثره ببسمةٍ هادئة ثم تبعته نحو الداخل فوجدته يقترب من سيدةٍ ما يجلس بقربها فرجحت أنها ربما تكون أمه، وقد تحركت نحو “شـهد” التي كانت تجلس برفقة “يـوسف” يتسامران سويًا وهو يستمع لكل أحاديثها وما إن اقتربت منهما هي استأذن “يـوسف” لمكالمةٍ هاتفية فيما سألتها “شـهد” بتعجبٍ:
_أنتِ كنتِ فين ومتوترة كدا ليه؟.
انتبهت لها “نورهان” وسردت عليها الموقف الذي حدث بالخارج ثم أشارت على “نـادر” بعدما أنقذها فقالت “شـهد” بعدما تعرفت عليه:
_دا “نـادر سامي السيد” قبطان بحري ويبقى ابن عمة “يـوسف” على فكرة وهو عارفنا.
ضحكت الأخرى وهتفت تتغزل بوقاحةٍ فيهما:
_هي العيلة دي كل رجالتها حلوة كدا وفورما وشيك؟ طب خلاص سهلة أهيه، أنتِ “يـوسف” وأنا هاخد “نـادر” علشان شكله شهم وجدع، وأهو حاجة جديدة.
_طب خلي بالك علشان “نـور” صاحبتي بتحبه.
هكذا جاوبتها “شـهد” وقتها وقد خرجت من شرودها على نيران الغضب الموقدة بداخلها بسبب “شـهد” التي هدمت كل آمالها، وفي خلال اسبوعين فقط علمت بأمر زواجها منه دون أن تكترث لمشاعرها نحوه، بل دهست على كل العلاقات الودية في الصداقة والعائلة ولم تكترث إلا بنفسها، والآن هذه الغامضة لن تكترث إلا بنفسها.
أما “نـادر” فاستند على عصاه وتوقف يُخاطب أمه بضجرٍ ونفاذ صبرٍ من جلسته هكذا:
_أنا نازل أتمشى شوية زي ما الدكتور قالي علشان زهقت من القعدة، وبالمرة لو لقيت حاجة تتجاب هجيبها بدل ما “يـوسف” يجيب هو كل مرة، فيه حاجة معينة عاوزاها؟
ظهرت لهفتها وخوفها عليه فسألته:
_طب آجي معاك؟ هتنزل لوحدك؟.
أومأ موافقًا وأضاف بتيهٍ ويأسٍ من نفسه:
_عاوز أكون لوحدي شوية، عن إذنك وهجيبلك بالمرة حاجة تتسلي فيها بدل القعدة كدا لحد ما نشوف حل في القعدة دي وآخرتها هتبقى إيه، عن إذنك.
تحرك صوب باب الشقة فأوقفته هي بقولها الذي جمده مكانه:
_أنتَ اتغيرت أوي يا “نـادر”.
ابتسم بوجعٍ نطقت به عيناه وجاوبها دون أن يلتفت ويواجهها إنما آثر الهروب من سطوة عينيها لعينيه:
_مكانش ببلاش، خسرت حاجات كتير وأولهم نفسي.
هذه هي الحقيقة التي حينما تتذوقها تجد نفسك تلعق معها مرارة الخذلان وكأن نكهة الإجبار المزودة لاختياراتك لم تتذوق منها إلا الخُذلان وفقط، شيءٌ لا مذاقه شهيٌ، ولا نهكته مُحببة، وإنما مُـر المذاق وفقط.
__________________________________
<“لم أعد لبيتي إنما بيتي أتى لي يحتضني”>
العودة!! هل تعرف معناها؟ تلك الكلمة التي حينما تنطقها تجد حالك أشبه بسفينةٍ رست أخيرًا في مرساها من بعد الإبحار في طوفانٍ حطمت رياحه السُفن حتى لم تعد قادرة على الإبحار، لكن العودة للشاطيء هو الشعور الأحب، خاصةً إن كان بيتك ينتظرك ثم أتى لك يحتضنك..
صوت دمدمة الطبول بالخارج مع رقصات الخيول بحوافرها في الأرض، مع صيحات الناس المُباركين، ليلة أنسٍ أقاموها فرحًا بأمراء البيت وكأنهم ملوك كسرىٰ والحجاز في قديم أيام العروبة، الشباب بالخارج يرحبون بكل قادمٍ وزائرٍ كأنه صاحب بيتٍ ثم يأخذه المرشد نحو الخيام والجلسة العربية وكأنهم عادوا بزمانهم لأوقات العرب قديمًا، فمنذ الوهلة الأولى ستجد نفسك في مكانٍ يشبه الأندلس بكل مافيه..
بالداخل وقف “نَـعيم” بغرفته يرتدي حُلة سوداء اللون من اختيار الشباب وهندم ثيابه وصفف خصلاته السوداء التي خالطها بعد الخصلات الرُمادية لتعبر عن أعوام عمره التسع وخمسين، وقد سحب نفسًا عميقًا وهو يتذكر شبابه وشقاوته فتنهد بعمقٍ ثم التفت يواجه نظرات زوجته بالصورة المُعلقة خلفه وهتف ضاحكًا كأنها تتغزل به:
_شكلي حلو يا “ندى” صح؟.
أمعن عينيه في نظراتها فضحك رغمًا عنه وحدثها بقوله:
_أنا كدا وفيت بوعدي ليكِ، “سـراج” أمانتك أهو بفرحه ومعاه مش هسيبه لحد ما يبطل شقاوة، وابننا في رقبتي لحد ما أجيلك، أتطمن بس على “مُـحي” واتأكد إنه فاق وبطل وساعتها هبقى ارتحت بجد، بصحيح الواد “تَـيام” طالعلك في خفة الدم، ضحكته حلوة أوي زيك، بس الدنيا كسراه وباين في عينيه، بس أوعدك ابنك هينام فرحان، وأنا فرحان برضه، بس الفرحة دي وحشة من غيرك ومن غير وجودك فيها، عن إذنك هروح أفرحه.
خرج من الغرفة وقد ترك عصاه جانبًا كأنه لم يحتاجها، فيكفيه أن يستند على ابنيه وخاصةً كبيره وقد تحرك نحو غرفة “تَـيام” الذي اختلى بنفسه بحزنٍ اتضح عليه، وكأن الغربة هي فقط ما يشعر بها هنا، بيتٌ كبيرٌ تخطى أفق أحلامه، أبٌ يغدقه بالحنان وهو أقل بكثيرٍ من أن يستحقه، حياة ثراءٍ وترفٍ لم يعهدهما في السابق، أمه التي اعتاد عليها لم تعد بأمه، حتى الظروف أصدرت حُكمًا ليصبح وحيدًا هنا بغير رفقائه الثلاث..
ولج له والده وضمه بأحد ذراعيه ثم هتف بثباتٍ:
_أنا مخليتكش تكلمها علشان أتأكد إنك ابنها بجد، هي لو عاوزة تفرحك هتيجي وتكون معاك مش هتسيبك تفرح من غيرها، دا اختبار صغير ليها ووعد لو جت، والله أنا هشيلها فوق راسي، بس لو مجاتش تنساها خالص وتخليها لأهلها هما أحق بيها وبفلوسها، وركز معايا وحياة أمك شوية.
ضحك “تَـيام” رغمًا عنه وضم والده بقوةٍ ثم هتف بما لم يقوَ على إخفائه أكثر من ذلك:
_كل مرة بحضنك بحس إن دا مكاني بجد، كأني حتة صغيرة من لوحة كبيرة مجرد ما أقرب منك اللوحة دي بتبان كويس، صدقني أنا مش زعلان، بالعكس أنا مستكترك عليا مش أكتر والله، أنتَ أبويا وحبيبي وصاحبي كمان ولا تزعل.
ضحك الآخر بسعادةٍ بالغة ثم أشار لابنه وخرج به من البيت وسط الرجال بالخارج وفي الداخل كانت “نـور” تجلس برفقة الفتيات و “سـمارة” التي كانت تشعر بالألفة معهن، دقائق وولج “مُـحي” برفقة “إيـمي” التي أتت لحضور الليلة وأجلسها برفقة النساء وبعدما أطمئن عليها خرج ليجد أمامه “نـجلاء” تبحث عن مكانٍ للدخول، حينها وقف يُطالعها بحقدٍ وأراد أن يرد لها فعلة شقيقتها ويقوم بطردها، لكنه رجح التعقل ثم أتى بشقيقه لها..
وقف “تَـيام” أمامها مصدومًا من مجيئها بغير عزيمةٍ منه بعدما رفض والده ذلك وحينها ابتسم بحنينٍ لها ووقف أمامها يسألها بصوتٍ مبحوحٍ:
_جيتي يعني من غير ما أكلمك؟ حد قالك؟.
ضحكت بغلبٍ على أمرها وهتفت بانكسارٍ أمامه:
_هستنى حد يكلمني علشان أحضر فرح ابني يعني؟ بس إيه يا واد الحلاوة دي، كبرت يا حبيب ماما وبقيت أحلى عريس في الدنيا، تعالى في حضني يا واد.
فرقت ذراعيها لكي يُلقي بنفسه بينهما وقد ضحك هو وضمها بين ذراعيه ثم لثم قمة رأسها بحبٍ بالغٍ وهي معه تنتهد أخيرًا كعائدٍ من تيهٍ وجد الطريق أخيرًا نحو مسكنه، أما هو ففرحته اكتملت بها وأخبر والده الذي رحب بها وأمر أن تجلس مُكرمة بالداخل بين النساء إكرامًا لابنه..
وهي فقط دقائق مرت وسادت حالة من الهرج والصيحات العالية بشكلٍ مُلفت حتى انتفضت “سـمارة” تسأل “تــحية” التي ركضت بلهفةٍ:
_حصل إيه برة يا ست “تحية” فيه إيه؟.
جاوبتها الأخرى ضاحكةً بسعادةٍ مفرطة وبلغت حدودها:
_دا الحج برة هو والشباب بيرقصوا بالخيول مع بعض ومقومين الدنيا برة على رجل واحدة، الحج من فرحته مفرح الناس كلها برة.
خرجت الفتيات خلف بعضهن تباعًا ليجدن “نَـعيم” والشباب معًا فوق الخيول وكأنه قائد المعركة يقود جنوده المُخلصين، فارسٌ ماهرٌ يعتلي الفرس ويتحصن فوق حصانه، وخلف الفُرسان الشُجعان يسيرون على خُطاه والجميع يشاهدون تلك الملحمة التي قلما يشهدونها بأنفسهم، هذا الرجل الذي ابتعد عن العالم وأغلق على نفسه، اليوم يعود لصباه لأجل فرحةٍ زارت أيام عمره.
__________________________________
<“فرحي وحزني وجهان لعلمةٍ واحدة وهي حُبك”>
أتعلم أن هناك شعورٌ يُشبه الوجهين لعملةٍ واحدة؟ الفرح الذي يُزاحمه الحزن، شعورٌ يشبه الفرح باجتياز مرحلة الاختبارات في إحدى المراحل التعليمية رغم أن النتيجة غير مرغوبة وغير متوقعة، لكن الفرح يكمن في كونك أنهيت تلك المرحلة أخيرًا مهما كانت النتائج…
لم يختلف الحال كثيرًا بمنطقة حارة “العطار” فالجميع هنا يعلم أن الغد هو موعد زفاف عروس الحارة بأكملها، أو كما يُلقبها البعض هي الملاك الذي يسكن بين البشر في قصرٍ تحتمي بداخله قبل أن تغيرها قسوة البشر، الحارة بأكملها أضاءت بأضواءٍ ذهبية، تم توزيع الطعام والوجبات لأجلها، تم إشهار زفافها على الجميع بالمسجد، الجميع يعلم أن الفرحة تلك لأجل أجمل الفتيات.
كان كلًا من “أيـوب” و “أيـهم” يشرف بنفسه على جزءٍ يخصه ومعهما “بـيشوي” و “يـوساب” وتم فتح البيت بالطابق السُفلي بأكمله استقبالًا للرجال والتجار ومن تجمع بينهم العلاقات مع “عبدالقادر” والمحرك الأساسي لهم هو الفرح وفقط، “أيـوب” كان يتحرك بكامل طاقته ينقل الوجبات بنفسه للناس ويدعوهم ويخبرهم بزفاف شقيقته حتى تقابل مع “نـادر” الذي كان يسير في الحارة بتيهٍ..
حينها أقترب منه وهتف بعتابٍ يلقي عليه بالإيلام:
_زعلان منك على فكرة، مجيتش ليه؟.
انتبه “نـادر” لصوته فالتفت له بكامل جسده وهو يقول بقلة حيلة وآسفٍ:
_آسف، بس أكيد يعني مش هاجي مكان محدش عاوزني فيه، أنتَ عزمتني من ذوقك وأنا أكيد مقدر إن اللي حصل مش شوية ولا ينفع أتعامل إنه عادي، ألف مبروك وعقبالك أنتَ و “قـمر” تستاهلك وأنتَ برضه تستاهلها.
أقترب منه “أيـوب” يمسك مرفقه ويسحبه معه وهو يمازحه بقوله المرح:
_وأنتَ تستاهل بقى طاجن من الطواجن اللي في بيتنا، تعالى بس معايا كدا جيبتلنا إكتئاب يا أخي معاك.
ضحك “نـادر” مُرغمًا وهو يسير خلف “أيـوب” الذي قاده نحو بيته وولج به لمجلس الشباب فانتبه له “بيشوي” الذي أجلسه ووقف بجواره يهتف بقوةٍ كما المعتاد منه:
_كويس إنك جيت، عامةً إحنا ولاد أصول واللي يدخل بيتنا يشيلنا حق وحقه فوق راسنا، أوعى تبقى ترجع تاني عن الأصول دي، إحنا هنا كلنا في ضهرك لو أنتَ متعرفش.
ابتسم له “نـادر” وأومأ موافقًا ثم حرك عينيه للجهةِ الأخرى يبحث عن “أيـوب” لا يعلم لما تحديدًا لكنه يطمئن له كثيرًا، يشعر بنفسه كطالبٍ في أحد الفصول الدراسية ويبحث عن صديقه الذي يعرفه من بين جميع وقد لبى الأخر النداء وأتى يجلس بقربه مُرحبًا به بطبقٍ من الحلويات بمختلف أنواعها ثم سأله بنبرةٍ هادئة:
_والدتك فين تيجي تقعد مع البنات فوق وتغير جو شوية؟.
أخبره بأسفٍ أنها لم تنزل معه بل هو من آثر عدم مجيئها:
_أنا كنت نازل أتمشى شوية علشان مخنوق من القعدة وشوية كنت بفكر في الإنتحار خلاص، بس قولت أنزل أكتشف المكان اللي المفروض إنه هو مكاني الأصلي وهي لوحدها هناك لو أعرف كنت جيبتها بدل ما هي زهقت لوحدها من القعدة فوق.
لاحظ “أيـوب” حالته وتخبطه لذا ربت فوق كتفه ومال عليه يهتف بنبرةٍ خافتة:
_أخلص بس فرح أختي دا وأفوقلك عشان تقول هنتحر تاني كويس، شكلك محتاج تتربى من تاني يا “نـادر” ويا أنا يا أنتم يا أحفاد “الـراوي” في العيلة دي.
ضحك له “نـادر” وقد انتبه لهما “عبدالقادر” فتنهد بضجرٍ وهو يتعجب من نقاء قلب ابنه، لما لم يُصر على غضبه تجاه الآخرين؟ ولما لم يستمسك بكرهه لأحدهم؟ لما لم يصبح مثل “أيـهم” الذي يقف على شفا حُفرةٍ من الإنفجار بسبب رحيل شقيقته حتى أن الضُجر بات واضحًا عليه من مجرد حديثٍ ينفعل في وجه الآخرين هو وابنه الذي يماثله في كل شيءٍ..
أما في الأعلى بالطابق الأول لدى الفتيات كانت جلسة نسائية مرحة بين رقصٍ وغناءٍ وطرقٍ فوق الدفوف وصيحات عالية ما بين زغاريد وغناءٍ من العروس وصديقاتها ومعهن “نِـهال” التي تبخر خجلها بالتدريج وسطهن وأصبحت تقوم بجر “آيـات” معها والأخرى تحاول أن تجلس محلها حتى قامت “مهرائيل” بتلك المهمة وتبدل المكان وازدادت فرحته أكثر باحتضان العروس لصديقتها.
كانت “عـهد” في العمل تحاول أن تذهب للعروس لكي تكن برفقتها لكن العيادة لم تفرغ بعد، تشعر بالملل والتعب وهي تقف هنا، والأدهى أنه لم يجد الوقت الكافي لكي يتحدث معها، منذ يومين وهي لم تلمحه، فقط يُحدثها يطمئن عليها ثم يغلق نظرًا لانشغاله، منذ متى وهي تكترث لذلك؟ ألم يكن هذا هو من حاولت الركض بعيدًا عنه؟ الآن تنتظر منه مكالمة فقط لكي تُكمل يومها؟.
زفرت بقوةٍ وفتحت هاتفها لتجده سبق وأرسل لها منذ دقيقتين بالتحديد:
_وحشتيني.
ابتسمت “عـهد” بحماسٍ وكأنه طاقتها امتلأت حتى نهايتها وكتبت له بلهفةٍ:
_وأنتَ برضه، يومين بحالهم مش بشوفك والفرق بينا دور ومش لاحقة أكلمك، المهم الفرح عندك أخباره إيه؟ هشوفك بكرة صح؟.
كانت تُطمئن نفسها قبله هو حتى جاوبها هو كتابةً:
_حلو آه، بس كان هيحلى أكتر بوجودك فيه كلهم هنا سألوني عنك، حتى “لـيل” خصوصًا بعد آخر مرة شافك.
تخيلت برائته أو ربما وقاحته وهو يكتب لها تلك الرسالة خاصةً أنها لم تعد تعرف مع من تتعامل بين شخصياته، وقد وجدته أرسل لها رسالة صوتية رُبما هي مقطع من تسجيلٍ آخر، فضغطت عليها لتجده مقطعًا من أغنيةٍ يفضلها كلاهما وأرسلها كرسالةٍ لها دون أن يُخبرها بها عن طريق لسانه:
_سألوني الناس عنك يا حبيبي
كتبوا المكاتيب وآخدها الهوا،
بيعز عليِّ غني يا حبيبي،
لأول مرة ما بنكون سوا.
تنهد هي بعمقٍ ثم أغلقت هاتفها حينما وجدت الباب يفتح وخرجت الحالة لتعلن عن الحالة الأخرى لكن تلك المرة بحماسٍ تجدد ونشاطٍ عاد لها ولا سبب غيره هو وحديثه وذوقه الرفيع حتى في اختيار الأغاني.
أنسحب “أيـوب” من بين الجميع وأخرج هاتفه يهاتف تلك التي لم يعلم عنها شيئًا منذ صباح اليوم وما إن هاتفها وجدها تجاوبه بلهفةٍ تعاتبه بقولها:
_يا ناسيني وأنتَ على بالي، إيه يا شيخنا؟ نسيتني خالص كدا؟ مش كفاية سايبني لوحدي من غيرك وسطهم هنا، مكانش العشم فيك والله.
ضحك رغمًا عنه وهتف بصوتٍ مُتعب للغاية:
_جوزك أتمرمط النهاردة، مابين المسجد وبين البيت وبين تحضيرات بكرة، بس مش مهم الحمدلله إني عندي كل الحاجات الحلوة دي، كنت عاوزك تكوني معايا ومع “آيـات” النهاردة، بس شكلك ماسكة في طرف العريس أوي.
ضحكت هي بخفةٍ على رد فعله المتذمر ثم أخبرته بهدوء:
_جايالك كلها شوية وهتلاقيني عندك، “يـوسف” هيبات هنا وطبعًا أنا و “ضُـحى” مش هينفع نبات و “عُـدي” هياخد العربية ونيجي استناني ومتغيرش القميص بتاعي اللي أنا جيبتهولك، عاوزة أتصور معاك النهاردة، استناني ها.
_هستناكِ، مقداميش غير كدا.
هكذا كان جوابه قبل أن يُغلق معها المُكالمة ثم عاد يقف بين الناس مُرحبًا بهم في منزله وما إن جاور شقيقه وجده يزفر بقوةٍ وهو يشعر بالضجر من الجميع وأولهم “تَـيام” أو بلقبه الجديد “عـريس الغفلة” كما أطلق عليه “أيـهم” غيظًا وحُنقًا لأجل سرقته لشقيقته من بينهم، وقد جاهد “أيـوب” لكتم ضحكته حتى التفت له شقيقه يحذره بقوله:
_لو شوفتك بتضحك وفرحان هأجل فرحك ٣ سنين قدام، عارف ليه؟ علشان مبقاش بخسر أخواتي الاتنين في نفس الشهر، أضحك كويس بقى.
ضم “أيـوب” شفتيه سريعًا يُطبقهما معًا حتى لا تنفلت من بينهما الضحكات ويُنفذ شقيقه تهديده ووقتها ضمه “أيـهم” بأحد ذراعيه وربت فوق كتفه بعدما ضحك مُرغمًا وضحك معه “أيـوب” هو الآخر بيأسٍ فهو يعلم أن شقيقه دومًا ينساق خلف سعة قلبه الكبير لكنه انتبه للساعة المُعلقة وضيق جفنيه وهو ينتظر الوقت المناسب
كانت “فـاتن” تجلس في الشقة بمفردها وهي تنتظر قدوم ابنها الذي شارف على ساعةٍ يتجول بالأسفل وقد يأست هي من الجلوس بمفردها فصدح صوت جرس الباب حينها ضحكت هي أخيرًا وتحركت تُطالع العين الكاشفة فوجدته يضع كفه فوقها فضحكت رغمًا عنها وهي تعلم أن تلك هي حركته المُفضلة، وما إن فتحت الباب توسعت عيناها بهلعٍ وهي تقول بتلجلجٍ:
_أنـ…أنتَ.
ابتسم لها “سامي” أكثر البسمات التي تكرهها هي حينما أومأ موافقًا ووضع جسده يحول بين الباب وقفله:
_آه أنا، جوزك وأنتِ مراتي يا “فـاتن” وجاي آخد منك حقوقي الشرعية، إيـه هتعترضي؟.
حاولت دفعه بعيدًا عن الباب وهي تنقذ نفسها فوجدته يصفعها فوق وجهها لتسقط أرضًا وهي تبكي بقهرٍ لتجده يستعد لغلق الباب وهو يقول بوقاحةٍ:
_إيه يا “فـاتن” هتستقوي عليا؟ دا حقي وعاوزه، وقولتلك جاي آخد منك حقوقي الشرعية يا بنت “الـراوي”.
أغلق الباب لكنه وجد عائقًا يحول بين الباب والمزلاج ووقتها توسعت عيناه ليجد العائق يتحدث بتهكمٍ لاذعٍ وسخريةٍ أعربت عن تقليله منه:
_وماله أنتَ تاخد حقوقك الشرعية، وأنا هاخد منك حقوقي الغير شرعية، بسم الله، توكلنا على الله.
أنهى حديثه ثم دفعه وأغلق الباب وقام برفع أكمام قميصه وهتف بمراوغةٍ رافقتها السُخرية ومعها نظرة شرٍ شمله بها:
_لولا إن الغالية وصتني مقلعهوش، كان زماني بستعد بطريقة تانية خالص ليك، قولتلك بلاش أنا، بس شكلك مش بتصدقني يا عمو.
_________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى