روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والأربعون 47 بقلم نورهان آل عشري

موقع كتابك في سطور

رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع والأربعون 47 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء السابع والأربعون

رواية في قبضة الأقدار البارت السابع والأربعون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة السابعة والأربعون

تلك الطعنات النافذة بأعماق روحي لم تأتي من عدوًا يمقتني بل جاءت من حبيب أدرت له ظهري و قد ظننت بأنه خير من يحفظني فكان أسوء من قتلني فلم يجهز على الروح و حسب ! بل أذاقها ويلات الخذلان فكان الألم مزدوجًا من ناحية هلاكِ و من ناحية أخرى غدرك بى..
وهكذا انقطع بيننا درب الغفران ليصبح هوة عميقة تُقصينا للأبد…

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

ذاهبًا بأقدامه إلى دربًا غامض يجهل نهايته ولكنه يعلم كم الصعوبات و العراقيل التي سـ يواجهها . يبدو عدوه ظاهرًا ولكنه يشعر بأن هناك آخر خفيًا يُجيد التلاعب بهم وضربهم في أكثر المناطق حساسية ف 《ناجي》 لا يمتلك من الذكاء ما قد يجعله يقوم بكل ذلك وحده !
” و بعدين يا مروان عملت إيه ؟”

هكذا تحدث بعدما زفر بغضب وهو يقود سيارته في طريقه إلى مدينة القاهرة فأتاه صوت 《مروان》 الحانق على الطرف الآخر
” من حسن حظنا أني قدرت أوصل لناس أصحابي بيشتغلوا في مواقع كبيرة و خلتهم يحذفوا الصور و الخبر كله قبل ما حد يشوفه .”

أطلق زفرة حارقة من جوفه المشتعل غضبًا خاصةً حين أتاه استفهام 《مروان》 الذي لا يملك إجابته
” تفتكر مين عمل كدا ؟ و أيه مصلحته ؟ معقول هيكون الحقير ناجي وصل بيه الحال أنه يشهر بواحد ميت؟”

عينيه التقمت إحدي السيارات التي بدت أنها تسير خلفه منذ مدة ولكنه تجاهل ذلك الهاجس و أجاب مغلولًا
“و يمكن غرضه من التشهير أنه يأذى الحي قبل الميت !”

استفهم 《مروان》 بإندهاش
” تقصد سليم ؟”
” ليه لا ؟ و خصوصًا أن سليم علم عليه و بهدله لما اكتشفنا خيانته .. أنت عارفه مبيقدرش يتحكم في غضبه..”

كان مجرد إحتمال ولكنه لم يكن بعيدًا لذا أردف 《مروان》 بحنق
” عندك حق .. وده يخلينا نعمل زي ما قلت و منعرفش سليم أي حاجه من اللي حصلت دي !”

《سالم》 بخشونة
” مش سليم بس اللي مش لازم يعرف .. البيت كله .. مش عايز توتر عالفاضي .”
” طب وشيرين ؟”

استفهم بخفوت فأجابه 《سالم》 بجفاء
” آخرها أنا عارفه .. وعامل حسابي .. المشكلة أكبر منها. “

تحول هاجسه إلى يقينًا وهو يرى تلك السيارة تتبعه فقال بفظاظة
” أنا هعتمد عليك في حاجات كتير الفترة الجاية عايزك تصحصح .. و خصوصًا مع سما . مش لازم نخسرها.. خصوصًا بعد ما اعترفت لك بـ اللي حصل ! “

عودة إلى وقت سابق..

” مروان .. كنت . كنت عايزة أقولك على حاجه بس.. توعدني .. يعني .. إنك تفكر كويس .. قبل أي حاجه ”
لوّن الترقب معالمه و تنبهت جميع حواسه وهو يقول
” سامعك.. “

أخفضت رأسها بخزي و انبثقت عبرات الندم من مقلتيها قبل أن تقول بلهجة تقطر حزنًا
” انا غلطت غلطة كبيرة أوي و ضميري مأنبني عشانها و مش قادرة أسامح نفسي …”

《مروان》 بقلب مرتعب
” بت يا سما أوعي تكوني اتجوزتِ عرفي ؟ ”
نهرته بغضب
” جواز عرفي إيه و زفت إيه دماغك راحت فين ؟”

《مروان 》بإندفاع
” راحت ل حتت بنت ستين كلب لا يكون حد اتغرغر بيكِ ؟”

《سما 》بصراخ
” الله يخربيتك هتلبسني مصيبة .. لا طبعًا ”
《مروان 》بنفاذ صبر
” ما تخلصي تقولي هببتي إيه سيبتي ركبي . “

《سما》 بخفوت
” من فترة كدا قبل ما شيرين تيجي يوم لما فرح اتخانقت مع ماما و سالم وقف قدامنا كلنا وقالنا أن جنة تبقى مرات حازم . “

عينيه كانت توغل إلى داخلها بطريقة أربكتها و لكنها عزمت عن قول الحقيقة و التخلص من حمل يثقل كاهلها فزاغت بعينيها بعيدًا عنه وهي تكمل
” ماما كلمت شيرين تحكيلها و هي منهارة فكنت متضايقه عشانها و شيرين استغلت دا و خلتني أدخل أوضة فرح و قالتلي ابعت مسدج من على الايميل بتاع الشركه للمخازن أنهم يطلعوا الشحنات فأنا خفت بس هي طمنتني وقالت لي أن دا مش هيخسر الشركه عندنا بس هيخلي سالم يعاقب فرح و أننا لازم نعمل كدا عشان قلة أدبها مع ماما..”

” و بعدين ؟”

هكذا تحدث بترقب ليحثها على إفراغ ما بجعبتها حين رآها لاذت بالصمت فأكملت بصوت كان نشيجًا
” هي قالتلي وقتها أن دي قرصة ودن لفرح .. و أنا كنت متضايقه اصلًا من اللي عملته مع ماما ف وافقتها و عملت اللي هي قالت عليه .. بس والله العظيم ندمت أوى و خفت اتكلم احسن أبيه سالم يعاقبي أو يقول حاجه تزعل ماما و بعد كدا نسيت الحوار خالص..”

كانت تخفض رأسها كطفلة مذنبة تعلم فداحة جُرمها ولكنها اختارت أصعب الطرق و أحسنها و هو الصدق و ليحدث ما يحدث فلم تعد تتحمل هذا الذنب
” و ايه اللي خلاكِ تقرري تقوليلي دلوقتي ؟ “

بشفاه مرتعشة اجابته
” لما سمعت عن المشكله اللي حصلت في الشركة افتكرت اللي حصل و ضميري انبني و مكنتش عارفه أروح أقول لمين و فجأة لقيت نفسي عايزة احكيلك ..”

كان يود احتضانها و طمأنتها لكي يزيل تلك النظرة المنكسرة التي تطل من عينيها و التي تحكي مقدار ألمها كونها وحيدة وسط كل تلك العثرات ولكنه حاول أن يطمئنها علي طريقته حين قال
” يا زين ما اختارتي والله .. تعرفي أنا كل اصحابي بييجوا يقولولي على مصايبهم ليه بقي ؟؟؟ عشان محسوبك بير طويل مالوش قرار..”

قال كلمته الأخيرة غامزًا بطريقة جعلت الابتسامة تضيئ ملامحها فانتشى قلبه بذلك و تابع يثرثر
” و كمان أنا و أعوذ بالله من قولة أنا بتمتع بموهبة نادرة الوجود وهي أنني أجيد الإستماع إلى الآخرين “

رفعت أحد حاجبيها استنكارًا لحديثه فأضاف بتأكيد
” اه والله مش مصدقاني ولا إيه ؟”

تشابهت ملامحها الساخرة مع لهجتها حين قالت
” لا طبعًا مصدقاك .. أنت هتقولي . “

قالت جملتها و أولته ظهرها عائدة إلى السيارة فألقى نظرة مستفهمة على 《ريتال》 و هو يقول بحيرة
” هي مش مصدقاني ولا إيه ؟’

《ريتال》 بتهكم
” لا طبعًا ازاي متصدقكش .. وخصوصًا و أنت بقالك ساعه ترغي لما جبتلنا صداع نصفي ..”

اغتاظ من حديثها فقال باستنكار
” و أنتِ جالك صداع نصفي من ايه ياللي مكملتيش ست سنين ! اومال لما توصلي خمستاشر سنه هتعملي إيه هنوديكِ دار مسنين بقي ؟ ”
《ريتال》 بعفوية
” مش بعيد مستشفى المجانين لو فضلت عايشه معاك يا مُرة !”

ما أن سمع ذلك اللقب البغيض الذي كان يناديه به والده بهدف مشاكسته حتي امسكها من تلابيبها و هو يقول محذرًا
” مُرة ! دا أنتِ نهارك أزرق مش باينله ملامح .. عارفه لو قولتي الإسم دا قدام حد هعمل فيكِ ايه ؟ هشويكِ عالفحم. هبلغ عنك الأمم المتحدة و أقول في نووي في لسانها ييجوا يقطعوه قبل ما يوديني في داهيه ..”

كانت تضع اصبعيها في كلا أذنيها لكي لا تسمع حديثه فقال بإستهجان
” خايفه تسمعي إيه يا ختي؟ فاكرة نفسك طفلة يا عرة الأطفال انتِ .. انجرى قدامي و إياكِ تقولي الاسم دا قدام أي حد و خصوصًا سما و إلا هقطع خبرك.. انجري ..”

عودة إلى الوقت الحالي

” اللي تشوفه يا كبير .”

《سالم》 بفظاظة
” سلام أنت دلوقتي ..”

أنهى مكالمته و انشغل للحظات في متابعة تلك السيارة التي كانت تسير خلفه و بداخله هاجس ينذر بالقلق، فشعر بأنه يريد سماع صوتها حتي يسكُن داخله فقام بالإتصال على الفور ملبيًا نداء القلب و ما أن أتاه صوتها حتى اندفع يشاكسها
” سهرانه لحد دلوقتي ليه ؟ متقوليش إنك بتفكري فيا ! “

أتاه صوتها المتلهف يضيئ عتمة الليل الحالك من حوله
” لا أطمن مش هقول .. انا كنت بقرأ أنت مكنتش في دماغي اصلًا..”

قهقه بصخب على لهفة صوتها التي تتناقض مع كلماتها فألهبت جيوش شوقه ليجيبها بتحدٍ
” طب عيني في عينك كدا؟”

غمرها الخجل وكأنها أمامه فاصطبغت لهجتها بالرقة حين أجابته بشوق
” مش عارفه أنام و أنت بعيد عني ..”

زفرة حارة خرجت من جوفه المشتعل شوقًا والذي تجلى في نبرته حين أجابها
” من قبل ما امشي و أنا شايل هم الكام يوم دول .. “

كانت صامتة تستمع إلى همسه الدافئ الذي يصلها من الهاتف فيذيب عظامها عشقًا و خاصة حين تابع بلهجته الخشنة التي تأسرها دائمًا
” دي آخر مرة هروح في مكان من غيرك.. ”
” بجد؟”

هكذا استفهمت بخفوت فجاءت الإجابة محمله بأطنان من العشق الذي غمرها كليًا
“أنتِ خلاص بقيتي جزء مني .. مقدرش أفارقه لحظة واحدة..”
” بحبك أوي يا سالم …”

لم تتح له الفرصة لإجابتها فقد فاجأته صدمة قوية تلقتها سيارته من الخلف فقد بدأت السيارة التي كانت تراقبه بالهجوم فسقط الهاتف من يده و هو يحاول الفرار من ذلك المجنون الذي كان وكأنه عازم على قتله بتلك الهجمات التي أخذ يشنها على سيارته وهو يحاول تفاديها بمهارة و في خضم ذلك النزال تفاجئ بشيء قوي أخترق كتفه الأيمن و الذي ما كان سوى رصاصة جاءت لتصيبه فقط ! فاهتزت السيارة بين يديه للحظات ولكنه حاول التحامل على ألمه و مواصلة الهرب فصار ينهب الطريق أمامه و بالمقابل تابعت السيارة ملاحقته ف التقمت عينيه تلك الشاحنة المحملة بالصناديق فقام بمحاولة التركيز على هدفه و تجاهل الألم القاتل الذي يكاد يفتك به و أخراج سلاحه من مكانه المخصص بالسيارة ليصوب على هدفه بمهارة ثم قام بالضغط بقوة على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بأقصى سرعة و ما هي إلا ثانية واحدة فصلته عن تجاوز السيارة التي انفرطت منها الصناديق كحبات طوق انفرطت عقدته جراء إطلاقه النار على الحبال المحيطة بها ليعيق تقدم تلك السيارة خلفه و التي التقمت عينيه في المرآة انقلابها وهي تحاول تجاوز تلك الصناديق فبعد أن اطمئن أنه في أمان صف سيارته بأحد الشوارع الجانبية يحاول تهدئة أنفاسه التي كانت تخرج من صدره كالجمرات جراء تلك الاصابة التي جعلته يخسر الكثير من الدماء مما أدى إلى تشوش الرؤية أمامه ولكن صوتًا ما عزف على مسامعه فقد كانت 《فرح》 لا تزال على الهاتف تصرخ بهلع حتي يجيبها فحاول بصعوبة إلتقاط هاتفه والتغلب على ألمه ليطمئنها ولكنه لم يستطع سوى أن يهمس باسمها بألم قبل أن تبتلعه دوامة سوداء

” فرح..”

قلبها يكاد ينخلع من شدة الرعب حين سمعت أصوات الطلقات و تلك الجلبة التي تأتيها من الهاتف فصارت تنشب الأرض ذهابًا و إيابًا وهي تصرخ باسمه ولكن لا رد سوي أصوات صاخبة لا تعلم هويتها و فجأة أتاها همسه المتألم الذي كان كنصل حاد اخترق قلبها الذي صرخ من عمق وجعه
“سااااااالم …”

*************

زفرت بغضب وهي تتابع عملها الذي كلفتها به 《تهاني》 التي وعدتها بأنه آخر عمل ستقوم به في المنزل و من ثم سترسلها لتعمل في المكان الذي تريده فتفاجئت ب«مسعود» الذي كان يحمل بعض المشتريات و يضعها على الطاولة أمامه فلم تعيره إنتباه و تابعت عملها بملل لتجد مسعود الذي تقدم يقف بجوار الطاوله يناظرها بإعجاب تجلى في نبرته حين قال
” معيزاش حاچه تاني يا نچمة ؟”

تجاهلته و قالت بلامبالاه
” لاه..”
تابع تودده لها قائلاً
” متوكده؟”

أجابته بلهجه حادة
” جولت لاه..”
” أني حاسس إنك لساتك شايلة مني بسبب اللي حوصول….”

قاطعته غاضبة
” شايله منك إيه و بتاع إيه .. و أني مالي و مالك يا چدع أنت .. بعد عني خليني أخلص اللي وراي.”

لم يتزحزح و لم يعير نفورها منه أي إهتمام و تابع بسماجه
” طب لو فعلًا مش متضايجه مني يبجي تثبتيلي ..”

للوهلة الأولي بدت وأنها ستستخدم ذلك السكين الملقي بإهمال على الطاوله لنحر عنق ذلك السمج و لكن أتتها فكرة أخرى فلونت ملامحها إبتسامة خبيثة فقالت بلهجة لينة
” عايزني اثبتلك ؟ و ماله جرب مني يا مسعود .. جرب يا غالي..”

لم يصدق أذنيه حين سمع حديثها و أقترب منها بلهفه فتابعت بتخابث
” بجى أنت عايزين اثبتلك أني مش شايلة منيك .. طاب أني هثبتلك ..”

ارتسمت ابتسامه بلهاء على وجهه سرعان ما انمحت حين شعر بسائل ساخن يسقط فوق رأسه لينتفض جسده مبتعدًا وسط ابتسامتها المتشفية فقد قامت بسكب الماء الساخن فوق رأسه حتي تعيده إلى رشده و سرعان ما لونت ملامحها إبتسامة راضيه وهي تراه يقفز هنا وهناك و يولول كالنساء وهو يغادر المكان و عينيها تشيعه بنظرات تشفي انبعثت من عينيها و عين ذلك الذي كان يراقب الموقف من بدايته و قد شعر بالانتشاء لرؤيه ردة فعلها فتلك المرأة تثيره بكل أفعالها و تزيقه شتى أنواع المشاعر التي لا يعرف كنهها..
أخرجه عن شروده نداء جده الذي كان يريده لأمر هام استغرق قرابة النصف ساعه أنهاها و هو يحترق شوقًا لرؤيتها و التحدث إليها على الرغم أنها بكل مرة يحادثها بها لا يسلم من حدة كلماتها ولكنه يشتهي حتى اللوم منها !
توجه إلى المطبخ بخطٍ تحمل اللهفة ليصطدم بأنها ليست موجودة فتحمحم بخشونة قبل أن يسأل زوجة عمه
” إيه يا مرت عمي .. واجفه اهنه وحدك ليه أومال ؟ فين البنات يساعدوكي..”

《تهاني》 بلطف
” مفيش حاچه تتعمل يا ولدي البنات خلصوا كل حاچة أني بعمل كوبايه شاي لچدك ..”

أحتار كيف يسألها عنها دون أن تلحظ لهفته لرؤيتها فقال بإرتباك طفيف
” و ليه مطلبتيش من حد من البنات يعملها .. يعني اجصد أن رچلك وچعاكِ .. بلاش تجفي كتير ..”

” ماتحرمش منيك يا ولدي .. بس الموضوع مش مستاهل .. وبعدين چدك ميشربش الشاي غير من يدي..”

زفر بحنق و قد قرر أن يسألها مباشرة فقد ضاق ذرعًا من المراوغة
” بجولك إيه يا مرت عمي .. أنتِ محتاچه حد ياجي يساعدك اهنه في المطبخ . يعني البنات الي بيشتغلوا مكفيين ولا محتاچه غيرهم ..”

《تهاني》 بلهفة
” والله يا ولدي من ناحية محتاچة فأني محتاچة فعلًا و خصوصي أن البت نعسة اتچوزت و سابت الشغل و نچمة أصرت ترچع تشتغل تاني في الزريبة .. بت غريبة چوي ..”

توقف الزمن به حين سمع اسمها و قد اندهش من طلبها الرجوع الي هذا العمل الشاق فلم ينتبه لحديث زوجة عمه الذي قطعه قائلًا
“بعدين يا مرت عمي ورايا معاد مهم دلوق..”

أنهى حديثه وخرج مهرولًا بينما شيعته بنظرات مزهوله من تغيره المفاجئ ..

كانت قطرات العرق تلمع كذرات لؤلؤ على جبينها الناصع البياض الذي تنسدل فوقه بعض الخصلات الهاربة التي لم تهتم لها فقد كانت منشغله بإنجاز هذا العمل الشاق الذي اختارته طواعيه للابتعاد عن هذا الطاغية الذي كانت عينيه تطوف المكان بأكمله بحثًا عنها و ما أن وقعت أنظاره عليها حتي تعثرت نبضاته بقوة داخل قلبه الذي قاده إليها بلهفة وما أن وصل إليها حتي توقف إثر وخزات الندم التي اجتاحته حين رأى هذا العمل الشاق الذي حكم عليها به ذات يوم .
” بتعملي إيه عندك ؟”

هكذا تحدث متجاهلًا معرفته بالأمر فتسمرت بمكانها لثواني قبل أن تجيبه من دون أن تلتفت إليه
” بشوف شغلي ..”

واصلت عملها دون أن تعيره أي إنتباه مما جعل الغضب يبدأ بالتشعب داخله فخرج صوته حادًا وهو يحادثها
” شغلك اهناك في البيت الكبير إيه رچعك أهنه مرة تانية ؟”

وضعت ما بيدها من أقراص الروث التي تم تجفيفها و التفتت تناظره وهي تقول بقوتها المعهودة
” أني مرتاحه اهنه أكتر .. و بعدين أنت جولت جبل سابج أني لو اشتغلت اهنه مش هتتعرضلي واصل .. ياريت تنفذ جولك و تبعد عني ..”

أثارت كلماتها شتى أنواع الشعور بداخله ليجد الكلمات تنبثق من بين شفتيه
” كني محاولتش ابعد عنك و ابعدك عن تفكيري ! “

أقترب خطوتين و تابع بأعين تحاصرها بسهام نظرات صوبت رأسًا إلى قلبها
” مجادرش ! “

اقترب خطوة أخري مضيفًا بيأس قلما يظهر عليه
” حاولت و مجدرتش .. يبجي مفيش جدامي حل غير أني أواچه اللي بيحصول..”

شعرت بالخطر يحاوطها وهي عاجزة عن مواجهته و لأول مرة ستلجئ للهرب هي بدلًا عنه
” أنا ورايا شغل كتير و مفضياش للحديت الماسخ ده..”

ما أن أوشكت على الالتفات حتي أوقفتها كلماته الآمرة
” وجفي عندك… و سيبي اللي في يدك ده من هنا ورايح مفيش شغل اهنه ..”

” ده شغلي اللي بيوكلني عيش أني و أخواتي و مجدرش اسيبه “

عاندته فخاطب قلبها بلهجه تحمل إعتذار لم يتجاوز حدود شفتيه
” وإني صاحب الشغل و بجولك الشغل ده ميلجش بيكِ ”
” ولا وجفتك اهنه معاي تليج بيك يا كبير .. خلي كل واحد يرجع مطرحه ..”

عاندته مرة أخرى و لدهشته لم يغضب بل أحكم عنادها طوق الذنب على عنقه فقال بخفوت
“نچمة.. عايز اتكلم معاكِ”

لأول مرة تسمع اسمها من بين شفتيه .. و لم تكن تتوقع أن يكون وقعه هكذا على مسماعها فقد شعرت بنبضاتها تدق بقوة و كأنها في سباق فأنذرها ذلك بالخطر لذا تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بتوتر
” خليني اشوف اللي وراي يا كبير الله لا يسيئك سيبني أخلص شغلي “

تحولت عينيه لتلمع بوميض خطر و هو يتقدم تجاهها و فجأة وجدته يقوم بخلع جلبابه فخرجت شهقة خافتة من بين شفتيها و شعرت بقدميها و كأنها التصقت بالأرض لا تسعفها على الحركه فظلت تتابع تقدمه منها بفاه مفتوح و عينان تغلفهما الصدمة التي تعاظمت حين وجدته يغير وجهته و يقوم بحمل اقراص الروث من خلفها وهو يقول بمزاح
” و آدي الشغل اللي عم تتحچچي بيه. “

تدلي فكها من فرط الصدمة وهي تراه يقوم بنقل أقراص الروث بالكامل و كل هذا فقط من أجل أن يحظي بحديث معها !

**************

هرول الجميع في رواق المشفى باحثين بأعين فاض بها الدمع عن رقم الغرفة التي يمكث بها و قد كان من بينهم هي التي شعرت بأن قلبها قد انشق إلى نصفين حين سمعت همسه الخافت باسمها فلم تستطع سوى الصراخ بأعلى صوتها الذي جُرِحت أحباله من شدة دَويها.. و ابيضت عيناها من كثرة ذرف العبرات ولم يفلح أي شيء في تهدئتها ولو قليلًا الشئ الوحيد الذي يستطيع جعلها ترتاح هو رؤيته أمام عينيها تريد رؤيته سالمًا ..

فتح «سليم» باب الغرفة و كان أول من دخل تتبعه هي ثم «طارق» و «مروان» و خلفهم «جنة» بينما «أمينة» لحسن حظهم لم تستيقظ على صراخ «فرح» فقد كان أول من سمعه هو «سليم» الذي قام بإجراء اتصالاته و المتابعة مع المشفى الذي نُقِل إليه شقيقه
” سا.. سالم..”

هكذا خرج صوتها مبحوحًا مُبعثرًا وهي تراه يرقد على السرير عاري الجذع يحيط الضماد خصره و أعلى كتفه الأيمن بينما هو ساكن بطريقة مؤلمه .. و كأنه مستسلم أمام ألمه الذي ينهش بصدرها و يجعل تنفسها شاقًا .
تعالت أصوات بكائها لأول مرة أمام الجميع و قد أفسحوا لها الطريق لتتقدم منه بأمر من «سليم» الذي أشار لهم بالصمت لتتاح لها الفرصة التنفيس عن ألمها الهائل و الإطمئنان عليه فحالته تبدو مستقرة كما أخبره الطبيب على الهاتف ولكن قلبها العاشق لن يرتاح إلا على ضفة ذراعيه الآمنة
خرج كلًا من «مروان» و «طارق» و «سليم» للتحدث إلى الطبيب بينما اقتربت «جنة» من مقعد شقيقتها الذي اجلسها عليه «مروان» دون حديث وقامت بوضع قبلة عميقه علي رأسها و أخرى على كفها الأيسر وأرسلت إليها نظرة مطمئنه هدأت من وطأة الأمر قليلًا قبل أن تخرج خلفهم لتفسح لها المجال معه قليلًا فالتفتت عينيها تحويه بضمة قويه جاءت من قلب يرعبه الفراق و يقتله الألم الذي انبعث من مقلتيها على هيئة أنهار من العبرات التي أغرقت مقدمة صدرها فلم تهتم بل اقتربت منه واضعه رأسها على كتفه السليم و باليد اليسري أمسكت كفه بحنان سكبته يدها اليمنى التي أخذت تتوغل بين خصلاته المبعثرة و قامت بإغلاق عينيها للحظات تستشعر فيها قربه و تملئ رئتيها من رائحته التي حاوطت قلبها بنسائم عليلة فاضفت الهدوء و السكينه عليه وظلت على هذه الحال لدقائق لا تعلم عددها لتشعر بنبضاتها تتعثر بقوة داخلها حين شعرت بشفتيه تنثر عشقه فوق خصلاتها .. فرفعت رأسها بلهفه تناظره بفرحه أكبر من أن تستطيع وصفها فاصطدمت ببندقيتيه اللتان تجلى بهما التعب فتألمت لحالهما و خرجت الحروف من بين شفتيها يخالطها مزيج من الحب و الحزن و الشوق
” حبيبي ..”

إن كان سابقًا يتألم فالآن شفيت جميع جراحه بفعل ذلك البلسم الذي يقطر من بين شفتيها التي كانت لمساتهم كصاعقًا أصاب جسده فعاد إلى وعيه على أروع ما شاهده طوال حياته .. رأسها الملقي بين أحضانه و كأنه يخبره
” أُحِبُك “.. يديها التي تداعب خصلات شعره و كأنها تطمأنه “لا تخف أنا معك” .. و الأخرى التي تتشبك أصابعها بأصابعه و كأنها تؤكد له ” انا لن اتركك أبدًا” ..
فكيف لا تشفي جراحه في حضرة وجودها ؟

” تعرفي أن كلمة حبيبي دي خطر عليا أكتر من الرصاصة اللي خدتها..”

أراد ازاله تلك النظرة الحزينه من عينيها التي اشتاقهم كثيرًا و قد نجح في ذلك فقد رسمت كلماته بسمة رائعه على شفتيها التي غافلتها و اقتربت واضعه قبلة رقيقة فوق جبهته قبل أن ترفع رأسها لتناظره بأعين مشتاقه
” حمد لله على سلامتك .. ياريت الرصاصة كانت جت فيا و لا جت فيك أنت..”

انتفض بلهفه غير مسبوقة له
” بعد الشر عنك .. “

تأوة خافت خرج من بين شفتيه جراء انتفاضته فقالت بلهفه
” أرتاح متتحركش هناديلك الدكتور ..”

منعتها يده التي امسكت بمعصمها بغضب تناثر من بين حروفه حين قال
” مابحبش الكلام دا و متقوليهوش تاني ..”
” حاضر .. حقك عليا . “

حاولت مراضاته فتجاهل حديثها فقد تألم لدعائها و أدار وجهه للجهة الأخرى يحاول إعادة تنظيم أنفاسه فامتدت أصابعها الحانيه تحت ذقنه لتدير رأسه إليها هامسه بأعين فاض بها العشق
” متقساش عليا .. يعني هو ذنبي أني مقدرش أعيش من غيرك يعني ؟ ذنبي أني مقدرتش اتحمل اشوفك تعبان أو بتتألم ..”

امتدت يديه تحتضن جانب وجهها بحنان سكبته حروف كلماته حين قال
” طب يعني ذنبي أنا إني مش قادر أقوم أخدك في حضني دلوقتي ؟”

فاجئته حين اقتربت تحاوط خصره بيدها واضعه رأسها فوق كتفه السليم ملبيه رغبته في عناقها وهي تقول بنبرة مبحوحة
” أنا قلبي أضرب ألف رصاصه من وقت ما سمعتك بتهمس باسمي لحد ما جيت هنا وشوفتك ..”

التفت يده السليمه حول كتفها وهو يضق قبلة شغوفة فوق مقدمة رأسها لا يدرى ماذا يقول؟ بالعادة لم يكن شخص يستطع التعبير عما يجول بصدره بالكلمات و خاصةً إن كانت ستعري ضعفه الذي شعر به تلك اللحظة فقد تمنى فقط رؤيتها قبل أن يموت .. أغلق عينيه وهو يهمس باسمها بضعف يريد نسيانه ولا يريدها أن تتذكره لذه همس بخشونة
” خلاص يا فرح انتهى .. انسي..”

لن يعطها الفرصة لإجابته فقد خرجت كلماته المازحه لتشتت انتباهها
” و بعدين ما أنتِ مثبتاتي قد الدنيا أهو .. أومال مخبى المواهب دي فين ؟ “

رفعت رأسها بخجل تجلى في كلماتها حين قالت
” مواهب إيه؟ و تثبيت إيه ؟ انت بتكافأني أني كنت هموت من الخوف عليك و جيتلك جرى عشان تتريق عليا !”

قالت جملتها الأخيرة بحزن زائف التقمته عينيه فراق له ذلك كثيرا فشاكسها قائلًا
” فكريني أول ما أخرج من هنا اديكِ احلى مكافأة علي طريقة سالم الوزان ..”

اتبع حديثه بغمزة جعلت الخجل يتشعب بداخلها فاندفعت الدماء إلى أوردتها فروت خديها لينبت بهما محصول التفاح الشهي الذي اختطف لبه فامتدت يديه تلامسه بشوق تجلى في نبرته حين قال
” تعرفي أنك لو مكنتيش جيتي كنت أول ما أفوق .. هطلب أشوفك أول واحدة..”

” مكنتش هقدر اسيبك أبدًا يا سالم .. أنا جيتلك أنا و قلبي جري. ”
غازلتها عينيه قبل شفتيه
” سيبك أنت بس انت طلعت قمر و أنت مطيع و بتسمع الكلام . “

رمقته بخجل و قالت بحماس
” لا ماهو أنا أخدت قرار مهم و نويت تنفيذه “

تمتم ساخرًا
” استر يارب .. خير “

تجاهلت سخريته و قالت بجدية
” مش هعاندك و لا هقولك لا على حاجة تاني أبدًا ”
تعجبه بكل حالاتها ولكن تثيره بعنادها و تحديها الشهي لذا استفهم بجديه
” أنا قولتلك أعملي كدا ؟”

إجابته بإختصار
” لا ..”
” يبقي متعمليش حاجة من دماغك ..”
“طب عايزني أعمل إيه ؟”

استفهمت بتيه فأجابها بغزل اخجلها
” أنتِ تعملي و تقولي اللي أنتِ عايزاه ”
هبت بحيرة
” و بعدين بقي حيرتني معاك أعمل ولا معملش ؟”

أضاءت وجهه إبتسامة عاشقة و أجابها و يديه تقربانها إليه أكثر
” سيبيلي نفسك خالص وأنا اللي هعمل ..”

لم تكد تفهم ما يرمي إليه حتي اختطفها معه الي عالم آخر كان ملئ بالسحر و الشغف الذي جعل قلبها يتضخم وهي تستشعر عشقه الذي أخذ يغدقه عليها بسخاء دون أن يستجيب لكتفه الذي يئن بألم فقد أراد أن يرمم ذلك الجرح بداخله والذي لن يداويه سوى شهدها الرائع الذي غيبه عن الواقع و أنساه أمر إصابته ولم يخرجهما من لجة المشاعر التي جرفتهما في تيارها سوى طرقات على باب الغرفة أجبرته على إفلاتها بأنفاس مقطوعه و ألم قاتل فأسند رأسه على الوسادة و هو يئن من فرط الوجع الذي بالرغم منه لم تفلتها يداه و ظلت تعانق كفها بحنان

” يارب يا ساتر .. إيه يا كبير أجى ولا أرجع ؟”

هكذا تحدث «مروان» الذي أطل برأسه من باب الغرفة فأجابه «سالم» بفظاظة
” لا أرجع ..”

تجاهل «مروان» حديثه وهو يتوجه إلى الداخل قائلًا بسلاسة
” حيث كدا الواحد يدخل بقى ..”
أنهى جملته و بدأ كأنه تذكر شيء فتراجع إلى الباب وقام بفتحه و هو يصيح قائلًا
” سليم .. يا سليم .. هات طارق و جنة و تعالوا .. اه قالي ادخلوا و لو في حد عندك عايز ييجي هاته بردو مفيش مشكله ..”

صاح «سالم» بغضب
” أنت أهبل ياله هو فرح !”

ثم التفت إلى «فرح» قائلًا بحنق
” إيه خلاكوا تجيبوا الواد دا معاكوا و أنتوا جايين ؟ أنا ناقص !”

حاولت تهدئته قائلة
” اهدي يا سالم هو ميقصدش .. دا كان هيتجنن عليك .”
” هيتجنن أكتر من كدا إيه !”

كانت تحاول مساعدته في الإعتدال فجاء صوت «مروان» من خلفها
” والله ما أنتِ تاعبه نفسك .. دا كلام بردو ؟ أنا اللي هسند الغالي .. دا حبيبي دا .. دا إحنا كنا من غيره ضايعين بالظبط زي الكبارية من غير جارد .. “

” ايه كباريه ؟ هو قال كباريه؟”
كان يتحدث وهو يتقدم منه بينما كانت «فرح» ترسل الغمزات و التحذيرات الصامتة له بالا يزيد الطين بلة فلم يفهم شيء فأشارت له على عنقها فابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول مصححًا
” لا يا راجل كباريه إيه أقصد زي الميه من غير أرض ؟ “

«سالم» بفظاظة
” أرض إيه يا و مية إيه يا ابني أنت؟”

اجابه «مروان» مصححًا بتلعثم
” لا اقصد زي الكمبيوتر من غير هارد..”

خبطت «فرح» يديها على مقدمة رأسها من غباءه فصاح بها بنفاذ صبر
” أومال إيه يخربيتك زهقتيني ..”
” تصدق أنا غلطانه خليه ينفخك..”
” ينفخ مين يا بنتي دانا حبيبه.. “

انهي جملته ملتفتًا إلى «سالم» وهو يقول بتخابث
” الااه .. أومال ايه يا كبير الحلاوة دي .. ضرب نار إيه بقي و حادثة إيه ؟ دانت وشك مورد و زي القمر .. دانا عيني عليك باردة !”

صدح صوت خلفهم بمزاح

” باس.. أنا عرفت اللي حصلك ده حصلك إزاي و عين مين دي ؟”

التفت جميعهم إلى «طارق» الذي كان يرسل نظرات متشفيه إلى «مروان» قابلها الأخير بحنق فتجاهلهما «سليم» و قام بالتوجه إلى شقيقه يعانقه محاولًا ألا يضغط على جرحه و قد تجلى قلقه في لهجته حين قال
” حمد لله عالسلامه .. عامل إيه دلوقتي ؟”

ربت «سالم» على كتفه وهو يقول بخشونة
” الله يسلمك يا سليم .. أحسن الحمد لله . “

و فعل «طارق» بالمثل فقام بمعانقة «سالم» وعن يقول
” سلامتك يا باشا . “

” الله يسلمك يا طارق .. شكرا ..”
” ألف سلامه عليك ”
هكذا تحدثت جنة بخفوت دون أن تقترب أومأ لها بإبتسامة هادئة فهب «مروان» يمازحه قائلًا
” طب والله وشه ولا وش البدر .. اللي يشوفه يقول طالع من جلسه ساونا .. بقي دا منظر واحد مضروب بالنار يا جدعان ؟”

نهره «سليم» بحنق
” ما تبس بقى يا ابني .. محدش جايبة ورا غير نبرك دا “

تحدث «سالم» بوعيد
” تصدق عندك حق .. الواد دا آخر مرة قالي الكلمتين دول امبارح الصبح وبعدها حصل اللي حصل .. “

تراجع «مروان» للخلف وهو يقول بخوف
” إيه يا كبير أنت هتسبهم يسخنوك عليا ولا إيه؟ دانا مروان حبيبك . كاتم أسرارك “

و هكذا أخذ الجميع يتبادل الأحاديث التي كانت تارة جادة و تارة مرحة إلى أن جاء صوت رسالة نصية إلى «سالم» الذي أشار لفرح بأن تأتي بهاتفه الموضوع على الطاولة و قام بفتحها فكان محتواها
” سالم أنا طلقت شيرين بس هي لسه متعرفش .. و فلوسك هديهالك أول ما أقف على رجلي تاني أنا مكنتش ناوي أخلف اتفاقي معاك بس الظروف أجبرتني أني أعمل كدا .. متدورش عليا أنا سافرت..”

لاح شبح إبتسامة ساخرة على ملامح «سالم» و لم يعلق بل اكتفى بغلق الهاتف والانخراط معهم في الحديث …

بعد مرور يومين صرح الأطباء «لسالم» بالمغادرة نظرًا لإصراره على ذلك فقد تأخر كثيرًا علة ما ينتظره في الخارج و قد كانت «فرح» غير راضية عن ما يحدث و خاصةً عندما صمم بأن يبقى بالقاهرة ليباشر ما جاء لأجله فقد مر اليومين الماضيين بصعوبة على الجميع فقد كان لزامًا عليهم الرجوع كل يوم إلى المنزل حتى لا يشك أحد بما حدث فقد كانوا يحرصون على ألا تعرف «أمينة» ما حدث خوفًا عليها ..

” لسه بردو يا سالم مصمم تفضل هنا ؟”
هكذا تحدث «سليم» فأجابه «سالم» مؤكدّا
” مينفعش أرجع من غير ما أحل موضوع عدى يا سليم . ”
” طب و ضرب النار اللي حصل .. ليه مقولتش أنك شاكك في الكلب ناجي ؟”

كانت الأفكار تطن بعقله كالذباب ولكنه اختصر حديثه قائلًا
” ناجي غلط لما جه عندنا و هو حس بكدا .. و عرف أن أنا كاشفه ”
” إزاي ؟”

«سالم» بخشونة
” لسه معرفتش إيه اللي وراه بالظبط .. بس اللي خلاه يتجرأ و ييجي لحد بيتنا برجليه بعد خمستاشر سنة يبقي مسنود على حاجه تقيلة أوي .. وأنا لازم أعرفها..”

«سليم» بعدم فهم
” و دا إيه علاقته بضرب النار ؟ تفتكر مش هو اللي عملها؟”

«سالم» مؤكدًا
” هو أو حد تبعه .. دي محاولة عشان يشتتنا و يلهينا و بس الأكيد أنه بيخطط لحاجه كبيرة .. و عشان كدا مش لازم عنينا تغفل ثانية. “

أطلق «سليم» بعض السباب من فمه وهو يتوعد لذلك الرجل فربت «سالم» على كتفه بقوة وهو يقول مشددًا على كلماته
” البيت باللي فيه في أمانتك .. أنا مش عارف القذر دا ناوي على إيه ؟ محدش يدخل أو يخرج لوحده.”

«سليم» بطمأنة
” متشغلش بالك.. خلي بالك من نفسك و خليك في اللي أنت فيه ..”
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بلهجة جامدة
” فرح .. بلاش حد يضايقها أو يحاول يضغط عليها لحد ما أرجع .”

تفهم «سليم» حديث أخاه و ما يحمله لذا أومأ دون حديث وانصرف بينما دق جرس الهاتف معلنًا عن اتصال فقام «سالم» بالإجابة ليصدح صوت «صفوت» قائلًا حديثه دفعه واحدة
” سالم اللي ضرب عليك نار ناس من الهلالية ..”

انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
” عرفت منين ؟”
” العيال اللي ضربوا عليك نار العربية انقلبت بيهم و ماتوا كلهم ما عدا السواق كان في العناية المركزة و لما فاق أعترف . “

«سالم» بإستفهام
” وليه يعملوا كدا ؟”

«صفوت» بحنق
” عشان متخيلين أن بما أنكوا رجعتوا تعيشوا في البلد تاني يبقي حد هيترشح للإنتخابات و طبعا الحد دا أكيد أنت .. فبيعملوا قرصة ودن .. عشان متنزلش قدامهم. “

أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول بفظاظة
” و المطلوب ؟”
«صفوت» بحدة
” تترشح في الإنتخابات يا سالم و دا أمر مفيش مفر منه..”

****************

بمكان آخر في أقصى الصحراء ترجل أحدهم من أحدى السيارات الباهظة متوجهًا إلى خيمة كبيرة و قام بالتصفيق على يديه ثلاث مرات و ما هي إلا ثوان حتى خرج رجل يرتدي زي البدو متوجهًا إلى أولئك الزوار و ما أن علم بهويتهم حتى تسمر بمكانه من فرط المفاجئة و خاصةً حين خرجت ضحكة ساخرة من فم أحدهم الذي تحدث باللغة الإنجليزية
” أريد أمانتي التي تركتها معك منذ اثني و عشرون عامًا …”

عشقًا جارفًا يتملكني نحوك فلا أنا بقادر على تجاهله أو حتى الثبات أمامه..
كل ما يسعني حياله هو أن انجرف معه إلى حيث يأخذني طوفانه..
فإما الإحتراق بين أحضان عشقك؟
أو الهلاك شوقًا بنيران بُعدِك.
فـ يا فاتنة احتلت القلب و أسرته.
رفقًا بفؤاد ما ذاق يومًا الهوى و لا عرف لوعته.
فليسعد قلبي معكِ و لتهنئ روحي إلى جوارك.
و ليسلم قدرًا أهداك لي قسرًا رغمًا عن عنادي وعنادك..
فما كان العشق يومًا أمرًا يمكن تجاوزه وليست قلوبنا رهن قراري أو قرارك..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

” حاسة بأيه يا روحي ؟”
استفهام مؤلم خرج من بين ثنايا قلبه الذي يحترق ألمًا عليها حين شاهد مقدار الضعف و الوجع الذي يلون تقاسيم وجهها الرائع فقد خضعت اليوم لأول جلسة كيماوي و التي تجاوزت الستون دقيقة ولكن مرت الدقائق شائكة علي قلبه الذي كان يُحصيها و كأنما يتقلب علي جمر لم يخفف من وطأة ألمه سوي وصية والدته التي اوصته صباحًا
” طول ما هي جوا متبطلش تستغفر و تحوقل يا سليم بنية أن ربنا يخفف عنها الوجع ، و أنا كمان هعمل كدا . و ربنا يجيب الشفا من عنده يا ابني ..”

لولا ذلك ما كان الوقت سيمضي فقد كان يتضرع إلى الله بأن يخفف عنها وطأة الألم و أن يعجل بشفاءها و تنقضي تلك الفترة الصعبة .
كانت تستند بثقلها بين أحضان حنانه الذي كان ينبعث من ذراعيه التي تحاوط خصرها . مُلقية برأسها علي كتفه تحاول تنظيم أنفاسها المُحملة بألم كبير يُلم بسائر جسدها الذي كان ينتفض بين ذراعيه فخرجت كلماتها مبعثرة من بين شفتيها المرتجفة
” ناار .. نار في جسمي .”

شدد من احتضانها بيد و بالأخرى أخذ يمسد أكتافها و ما يطاله من جسدها و شفتيه تسكبان السكينه التي تقطر من آيات الذكر الحكيم علي أذنيها عله يهدئ من وجعها و لو قليلًا فاغمضت عينيها تستجدي الراحة من خالقها فأتتها كلماته الحانية
” ياريت لو بإيدي اخد كل ألمك جوايا و لا تتعبي لحظة واحدة ..”

لامست كلماته اوتار قلبها فسكن للحظات فأخذت نفسًا قويًا حتي تستطيع الرد عليه ولكنها لم تجد بداخلها القدرة علي إجابته فاحتضنت كفه المحيط بخصرها قبل أن تواتيها رغبة قويه في القئ فشعر بأنها غير مرتاحه فقال بلهفة
” ايه يا حبيبي ؟ في حاجه ؟”

خجلة من أن تخبره ما تريد ولكن احشائها اعلنت ثورة ضاريه عليها فلم تعد تحتمل فقالت بأمل أن يتفهم
” اسندني اروح الحمام ..”

بلحظة كانت تسكن بحضنه يحملها مما جعل الأمر يزداد سوء فلم تستطيع التحكم في نفسها و تقيئت بألم و خزي من حدوث ذلك معه فحاولت كبت تفاعلات جسدها فقال بلهفه
” متكتميش جواكِ خدي راحتك ..”

” وديني الحمام و سيبني ..”
رغمًا عنها أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا علامة للرفض فقال بلهجة قوية
” اسمعي الكلام و خدي راحتك و متكتميش جواكِ.. “

لم تسنح لها فرصة للرد فقد تكالبت عليها ثورة جسدها و أخذت تفرغ ما في جوفها محاولة الابتعاد عنه و لكن يديه قربتها منها أكثر و صارت تربت بحنان علي ظهرها و شفتيه ترددان عبارات التهدئة علي مسامعها إلي أن هدأت و ذهبت نوبتها فقام بإمساك أحد المناديل الورقية و قام بمسح وجهها و شفتيها و هو يقول بحنان
” أحسن دلوقتي ؟”

سالت مياة الألم و الخجل من عينيها قبل أن تقول بخزي
” بهدلتك خالص أنا آسفة…”

لم يعطها الفرصة لإكمال أسفها الذي اغضبه فقام بابتلاع باقي حروفها بجوفه ليس لجعلها تصمت فحسب بل ليؤكد لها ب أنه يتقبل كل شئ منها بل ويشتهيه بقوة تمثلت في قبلته التي كانت شغوفة و بنفس التوقيت حانية حرصًا منه ألا يزيد من ألمها ولكن علي العكس فقد سحبها معه في دوامة عشق كان له القدرة علي انتشالها من بين براثن الألم الذي سكن بين ذراعيه و دفء كلماته حين قال من بين أنفاسه المحمومة و هو يداعب أنفها بأنفه بينما استند رأسها براحه علي كتفه
” بطلي تحطي حواجز بينا عشان حبي ليكِ مفيش حاجه ممكن تقف قصاده يا جنتي..”

شقت ابتسامة جميلة طريقها من بين دروب الألم و ظهرت علي شفتيها فتابع وهو ينثر عشقه فوق ملامحها الجميلة
” قولتهالك قبل كدا و هأكدهالك تاني و ثبتيها في دماغك”

طالعته باستفهام ليقوم بنقش حروف من عشق فوق جدران قلبها حين أردف بشغف انبعث من عينيه أولًا
“سليم الوزان مملكهوش حد غيرك. يعني تعملي فيه كل اللي أنتِ عيزاه. “

و كأنه يخبرها بأن لا شئ قادر علي الصمود أمام عشقه الضاري لها و الذي كان اضعافه في قلبها و ترجمته شفتيها علي هيئة حروف استقرت في منتصف قلبه
” بحبك يا سليم … أه مش قادرة يا سليم “

انتهت جملتها تزامنًا مع ملامحها التي انكمشت وجعًا استقر في قلبه الذي احتواها بضمة قوية وهو يقول بخشونة
” قولي الحمدلله يا جنة. شويه شويه هيخف الألم ..”

توالت عبارات الحمد علي شفتيها المرتجفة بينما قام هو
ب إلباسها ملابسها خالعًا عنها ثوب المشفى و قام بتدثيرها جيدًا و توجه لاستدعاء 《فرح》 التي تنتظرهم في الخارج علي جمر محترق فلبت نداء علي الفور فقال آمرًا
” خليكِ معاها عشر دقايق هغير هدومي تكون ارتاحت شويه و نمشي “

اومأت برأسها و توجهت إليها بخطٍ لهيفة و قلب ينتفض ألمًا حالما رأت التعب البادي علي وجهها فاقتربت واضعه قبلة رقيقة اودعتها حنانًا جارفًا يتملكها نحو شقيقتها الغالية ففتحت عينيها المرهقة و قالت بهمس
” فرح ..”
حاولت أن تمازحها قائلة
” ايوا فرح اللي نسيتيها يا ست جنة.. بقي انا اقعد ساعتين بره و البيه مش راضي يسمحلي ادخل و لازق هو فيكِ ؟”

ابتسمت 《جنة》 بوهن فتابعت 《فرح 》بغضب مفتعل
” و قال ايه مراتي انا الي اكون جنبها و أنا اللي اعملها كل حاجه .. طب بالنسبالي مرات ابوكي ولا حاجه؟ ”
اتسعت ابتسامتها و قالت بخفوت
” حقك عليا.. متزعليش.”

” مقدرش ازعل . دانتِ روحي . هو انا لو مش عارفه أن بيعشقك فكرك كنت سكتله ؟ وبعدين كلام بيني و بينك انا عذراه حد يبقي متجوز القمر دا و ميلزقش فيه ..؟ “

هكذا تحدثت 《فرح 》بمزاح فابتسمت 《جنة》 ممسكه بيدها وهي تقول بامتنان
” انا معرفش من غيرك أنتِ وهو كنت هعمل ايه ؟ انا محظوظة بيكوا بجد ربنا يباركلي فيكوا”

تحدثت 《فرح》 بحنان
” قولي الحمد لله الذي رزقني هذا من غير حول لى ولا قوة .. دايمًا تحمدي ربنا علي نعمه عشان تدوم .. و بعدين صدقيني احنا اللي محظوظين بيكِ يا جنة..”

” الله الله اسيبك معاها خمس دقائق أجي الاقيكِ قاعدة تعاكسي فيها؟ دي مراتي علي فكرة وانا بس اللي اعاكسها..”

هكذا تحدث 《سليم》 بعدما قام بتغيير ملابسه و خرج ليستمع الي جملة 《فرح》 فقالت الأخيرة بغضب مفتعل
” علي فكرة بقي دي اختي قبل ما تبقى مراتك !”

《سليم》 بفظاظة
” قبل بعد مش قضيتي . المهم دلوقتي أنها مراتي و حياتي كلها. و مسمحش لحد يحب فيها غيري .. روحي شوفيلك لعبه يالا ..”

انهى جملته وهو يقترب من 《جنة》 ليلثم جبهتها بحنان تجلي في نبرته حين قال
” اتأخرت عليكِ ياروحي ؟”

تولت 《فرح》 الإجابة قائلة
” اتأخرت ايه هو احنا لحقنا نقول كلمتين حتي؟ ”
《سليم》 بمزاح
” و تقولي ليه ؟ و تصدعي حبيبي ليه؟ اسكتي احسن “

《فرح》 باندهاش
” لا يا شيخ انا اللي هصدعها بردو ؟ دانت علي رأي مروان واكل ودنها طول الليل و النهار الله يكون في عونها..”

عبست ملامحه وقال بخشونة
” متجيبيليش سيرة الحيوان دا انا هربت منه الصبح بالعافيه . قال ايه عايز يكون جنب جنة ؟ “

انهي كلامه وقد لونت الغيرة تقاسيمه فبدا غاضبًا علي نحو أسعدها فرفعت رأسها قائلة بخفوت
” متقولش عليه حيوان .. و بعدين احنا اصحاب و مارو جدع .. “

قهقهت 《فرح》 علي ملامحه المغتاظة و شفتيه التي كان يأكلها بحنق لا يستطيع التعبير عنه
” صحيح ذنب ناس بيخلصه ناس …”

تجاهل شماته 《فرح》 الواضحة و قال مغلولًا
” انا بقول نمشي احسن ما اتحجز في العناية المركزة بجلطة في المخ …”

قهقهت 《فرح》 علي ملامحه و كلماته بينما قالت جنة باندفاع
” بعد الشر عنك .. ”
أجابها ساخرًا وهو يحملها كالعروس بين يديه
” بعد الشر عنك أه ! ارفعي ضغطي و ارجعي قولي بعد الشر عنك . يالا يا هانم . “

تقدمت 《فرح》 أمامهم فقامت بوضع قبلة رقيقه علي جانب عنقه كإعتذار عن ازعاجها له ثم قامت بدفن رأسها بين حناياه فاقترب من أذنيها قائلًا بصوتًا أجش
“لو متخيلة انك كدا بتصالحيني ؟ تبقي غلطانه عشان انا عمري ما ازعل منك أبدًا .. بس ابقي فكريني لما نروح اقولك انا بتصالح ازاي احتياطي !”

لم يرى خجلها و لكنه شعر به خاصةً عندما زادت من دفن رأسها في كتفه فابتسم بعذوبة وهو يضع قبلة حنونه فوق خصلات شعرها حامدًا ربه أن أول جلسة مرت بسلام …

****************

عايزة حقي و حق العذاب اللي شفته طول الخمستاشر سنه اللي فاتوا .. هتقدر تساعدني ارجعه ؟”

هكذا تحدثت وهي تنظر إلي ذلك الثعبان الذي قال بنعومه تحوي أطنان من الشر في جوفها
” العذاب مكنش من نصيبك لوحدك يا همت! انا شفت أضعاف ما شفتي و عشان كدا هساعدك لو علي رقبتي ..”

تجاهلت كلماته التي تحمل مشاعر تحاول قدر الإمكان تجنب تيارها الجارف و قالت بجفاء
” في دماغك أيه ؟”
” أنتِ عايزة ايه ؟ و الأهم من دا مش هتتراجعي في نص الطريق و تبيعيني زي ما عملتي قبل كدا؟”

ناظرته بجمود تجلي في نبرتها حين قالت
” عايزة اكسر قلوبهم كلهم . أمينة و ولادها. و متخافش مش هبيعك . مش بعد ما اتأكدت ان كلهم كانوا ضدي و كلهم خدعوني . مبقاش ليهم رصيد جوايا ..”

التمعت عينيه بوميض الضلال و قال بتخابث
” حلو اوي دا .. قوليلي عايزة تبتدي بأيه ؟ ”
” أخد حقي و حق بناتي من غير ما ينقص ولا مليم و أرضي تبقي ليا مش عايزة مكانها فلوس.. و بعد كدا عايزاهم يخسروا كل حاجه عندهم . زي مانا خسرت”

《ناجي》 بتخطيط
” شيرين قالتلي ان سالم قال هيديكوا حقكوا . خدي منه الفلوس و اطلبي ضعف تمن الأرض مرتين وهو مش هيرفض. ”
عاندته غاضبة
” قولتلك عايزة ارضي مش مقابلها!”

《ناجي》 بتخابث
” اتكي عالصبر . الموضوع مش هيتم بين يوم و ليله . سالم داخل مناقصة كبيرة ومن غير الدخول في تفاصيل المناقصة دي تلزمني . و لو خسرها هيخسر كتير . مناقصة في التانيه هيحتاج و خصوصًا أنه لسه خسران مبلغ مش هين . وقتها هتدخلي أنتِ تعرضي عليه تاخدي الأرض مقابل الفلوس اللي هو محتاجها.”

” طبعًا هيرفض ! ”
هكذا تحدثت بسخرية فتابع بمكر
” ماهو هنا الذكاء . هتقوليله ارهنلي الأرض و لما ترجعلي فلوسي ابقي خد ارضك. و هنا مع الضغط و احتياجه هيقبل.”

《همت》 بسخط
” مين قالك اني هقبل ارجعهاله ؟”
” محدش طلب منك دا . ”
” مش فاهماك . يعني بعد ما يقع انا اقف جنبه ليه مانا عيزاه يقع اصلا . و بعدين لو جه قالي هاتي الأرض و خدي فلوسك. و قولتله أنا لا هيقلب الدنيا علي دماغي “

قهقه بشر تجلي في نبرته حين قال
” أنتِ كدا مش بتساعديه أنتِ بتغرقيه اكتر . عشان أنا مش هسيبه يقوم بعد ما يقع. ولا هيقدر يجمع فلوس الأرض عشان كل مناقصة هينط فيها هاخدها منه.”

” ازاي هتاخد منه المناقصات ؟ هو انت مفكر سالم دا عيل ؟ دا تربية جده رفعت الوزان ! يعني يوديك البحر و يجيبك عطشان ..”

《ناجي》 بغموض
” ماهو البركة فيكِ أنتِ بقي !”
《همت》 باستفهام
” تقصد ايه؟”

قام بإخراج شئ ما من جيوبه و أعطاه لها وهو يقول
” سالم بينزل كل حاجه تخصه و تخص شغله علي اللاب توب بتاعه . و مطلوب منك انك تحاولي توصليله و تحطي الفلاشه دي فيه دي عبارة عن هكر هينسخ كل حاجه علي الجهاز و يبعتهالي . “

همت بقلق
” بس انا معرفش استخدم الحاجات دي .”
《ناجي》 بطمأنة
” أنتِ مش هتعملي حاجه غير انك هتحطي الفلاشه في الجهاز بس ..”

” طب افرض منزلهاش عالجهاز دا زي ما بتقول؟”
” رفعت الوزان ابوكي و من بعده اخوكي كانوا بيحطوا كل ورق المناقصات المهمة في الدرج اللي عاليمين من المكتب عشان دا الدرج الوحيد اللي له مفتاح . لو سالم منزلش ملف المناقصة عالجهاز هتلاقي الورق نفسه في الدرج . مطلوب منك يا تصوريلي الورق بس “

زفرت بتعب
” و دا بردو حل صعب ..”
” مفيش حاجه هتيجي سهله يا همت. خليكِ فاكرة أنها حرب . عشان تاخدي حقك و تنتقمي من كل اللي اذوكي..”
اخفضت رأسها بتعب قبل أن تقول
” حاضر . “

التمعت عينيه بالسعادة قبل أن يقول باستمتاع
” نيجي بقي للي بعد كدا .. ”
” اللي هو ؟”
《ناجي》 بتخطيط
” ما هو احنا مش هنبوظ بره بس! احنا هنشتعل بره و جوه!”

دق قلبها بقلق تجلي فى نبرتها حين قالت
” لو عايزة تكسري أمينة يبقي عن طريق ولادها. مثلًا سالم هنضربه في شغله و هنجبها في الحلوة بتاعته . و سليم هنضربه بردو من ناحيه مراته. اللي مش كتير يعرف انها كانت متجوزة اخوه عرفي !”

” لعلمك سليم بيعشقها و لو الناس كلها عرفت موضوع الجواز العرفي دا مش هيفرق معاه عشان هو بيثق فيها جدا و عارف انها ضحية أخوه ..”

أجابها 《ناجي》 بشر
” يبقي ندمر الثقه دي ! و نعرفه أنها مش ضحية ولا حاجه ”
” ازاي ؟”
《ناجي》 بغموض
” هقولك … بس ركزي في كل حرف هقوله عشان الغلطه هنا بحساب ..”

《همت》 بانتباه
” معاك . “

*****************

والله يا سالم بيه ما عملت حاجه ولا حتي اعرف البنت دي ولا شكلها ايه ؟ معرفش ازاي تتبلي عليا كدا ؟”
هكذا تحدث 《عدى》 بيأس إلى 《سالم》 الذي كان يطالعه بجمود تجلي في نبرته حين قال
” البنت ذكرت اوصافك بالحرف . يبقي ازاي متعرفكش و متعرفهاش؟”
وثب الغضب الي محياه و صرخ بقهر
” ماهو دا اللي هيجنني ! معرفش ازاي تقول كده ؟ مرة حازم و مرة انا ! “

《سالم》 بفظاظة
” انت روحت مع حازم المكان دا قبل كدا ؟”
” روحت مرة واحدة و فضلت مستنيه بره عالشارع وهو دخل جوا …”
قطع حديثه المخزي فتجهم وجه 《سالم》 و تابع بجفاء
” اومال كنتوا بتجيبوا المخدرات ازاي ؟”

غمغم بخفوت
” كان الديلر بيجيلنا شقتي يجيبلنا اللي احنا عايزينه .. و ياخد فلوسه هي مرة واحدة زي ما قولتلك اللي روحناله فيها و حازم اللي نزل و راحله انا استنيته علي اول الحارة ..”

أخرج زفرة غاضبة من جوفه قبل أن يقول بفظاظة
” في اليوم اللي حصلت فيه الحادثه كنت فين ؟”

اخفض رأسه و هو يتمتم بمراوغة
” مش فاكر!”
فطن الي أنه يحاول إخفاء شئ فتشدق ساخرًا
” هتفتكر امتي ؟ لما حبل المشنقة يتلف حوالين رقبتك !”
” الموضوع دا حصل من اكتر من تسع شهور اكيد مش هفتكر يعني حصل ايه؟”

تشابهت عينيه مع ملامحه حين قال بجمود
” عندك حق ! بس لما يكون اليوم دا خسرت فيه اعز اصحابك يبقي اكيد هتكون فاكر ولو شويه تفاصيل صغيرة حتي ! “

التقمت عينيه الماهرة تخبطاته التي تجلت بوضوح علي ملامحه و يديه التي كان يفركها بتوتر و نظراته التي كانت زائغة كل تلك اشياء تشير الي كذبه حين قال
” لا. مش فاكر حاجه ..”

نصب عوده الفارع وقام بغلق ذر بذلته قائلا بلامبالاة
” يالا مش مشكله .كل واحد بياخد نصيبه .انا كنت عايز اساعدك بس للأسف انت قفلت كل الطرق في وشي . لكن أنا بردو هخلي المحامي بتاعي معاك في القضايا بتاعتك ..”

انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
” قضايا ؟ قضايا ايه هي قضية واحدة “

زم شفتيه بملل تجلي في نبرته حين قال
” شكلك لسه متعرفش . حماك العزيز هو و بنته رافعين عليك قضية طلاق للضرر .. “

سقط جالسًا مكانه من فرط الصدمة فهل حقً تخلت عنه بعدما اقسم لها بكتاب الله العزيز أنه لم يفعل شئ !
” متلومش عليه ولا عليها . انت اتخليت عن نفسك و مساعدتهاش منتظر منهم أيه ؟ “

صوته الفظ أخرج 《عدى》 من شروده و جعل الغضب يحل محل الصدمة فاشتعلت عينيه و احتدت نبرته وهو يقول
” انا هقولك علي كل حاجه …”

نجحت طريقته في إشعال غضب ذلك الشاب الذي بدا منكسرًا بطريقة مؤلمه و أراد أن يفعل معه ما لم يستطع فعله مع شقيقه الراحل لذا تقدم جالسًا في مكانه مرة أخرى ينتظر منه أن يبدأ بالحديث
مرت دقيقة صمت قبل أن يشرع 《عدى》 في سرد تفاصيل ذلك اليوم الذي لم ينساه أبدًا
“اليوم دا اتخانقت مع ساندي بسبب حازم .. كانت أعصابها تعبانه أنه بعد عنها بسبب جنة لدرجة خلتني أخرج عن شعوري. و سبتها و قعدت الف في العربية لحد ما رجليا خدتني علي كبارية. في مكان مش ولابد . “

كان الخزي يقطر من بين كلماته منكسًا رأسه وهو يسرد ماضيه الغير مُشرف
” كنت عايز انسي الألم اللي جوايا و اختارت أحقر طريقة لدا و ربنا أراد يديني درس . سهرت مع واحدة شمال و كنت هاخدها علي شقتي بس خوفت الاقي مؤمن هناك و كمان شكلها مكنش مريح فقلت لا و قعدنا في عربيتي . اتاريها كانت متفقة مع بلطجيه طلعوا عليا و هددوني سبتلهم العربية و الفلوس و كل حاجه . انا اصلًا مكنش فارق معايا حاجه .”

أخرج تنهيدة حارقة من جوفه فتحدث 《سالم》 بفظاظة
” كمل .”
تابع بقلب محترق
” مكنتش عارف اروح فين ولا اعمل ايه . فضلت ماشي في الشارع و دموعي تنزل من غير ما احس لحد ما سمعت أذان الفجر . فضلت ابص للمسجد و جوايا رغبة كبيرة اوي اني ادخل و في نفس الوقت مش قادر. انا مش طاهر هقابل ربنا ازاي و أنا كدا ؟ فضلت واقف شويه مش عارف اعمل ايه. انا انسان قذر اقذر من اني ادخل مكان زي دا “

قام بمسح دمعة غادرة انبثقت من عينيه قبل أن يتابع بألم
” فضلت واقف لحد ما سمعت صوت ورايا بيقولي مش هتدخل؟ ربنا بينادي عليك مش هتلبي الندا؟ فضلت باصص في الأرض مش عارف أقوله ايه ؟ مكسوف أقوله انا مش طاهر .. لقيته بيقولي تعالي معايا .. روحت معاه في بيت جنب المسجد و لقيته طلعلي جلبيه نضيفه و قالي ادخل بسرعه خدلك دش و اتوضي و تعالي نصلي في المسجد ..”

طوفان من العبرات اجتاز سياج عينيه دون وعي منه وهو يتابع
” و عملت كدا فعلًا و دخلت المسجد معاه و صليت و أنا دموعي نازله مش عارف أوقفها. و بعد ما خلصنا سألني الراجل مالك بتعيط ليه ؟ معرفش ازاي لقيتني بحكيله علي كل حاجه غلط في حياتي و علي كل العذاب اللي شفته و الغريب أنه قعد يسمعلي من غير حتي ما يقاطعني . و معرفش ازاي نمت و أنا عمال اعيط و احكيله و قمت الصبح لقيت نفسي لسه في المسجد و هدومي اللي قلعتها عنده مغسوله و مكويه و محطوطه جنبي . و لما شكرته قالي في أي وقت تكون تعبان أو. مخنوق ومحتاج اللي يسمعك . تعالي نصلي سوى و تتكلم براحتك. دا كل اللي حصل ..”

كان الأمر مؤثرً كثيرًا فبالرغم من كل شئ فحياة هذا الشاب بائسه كثيرًا و أيضًا أفعال شقيقه و أخطاءه التي لا تغتفر أبدًا جعلوه يشعر بالخزي لأول مرة بحياته
” اديني عنوان الراجل دا .. “

قال جملته وهو يمد إليه ورقه و قلم فقال 《عدى》 بضياع “انا مش فاكر العنوان اوي .. هو مكان غريب يعنى معرفش وصلتله ازاي و حتي لما روحت هو اللي وصلني و لما طلبت رقمه قالي أنه معهوش تليفون ..”

زفر 《سالم》 بحنق قائلًا بجمود
” اكتب عنوان الكباريه اللي كنت فيه..”
دون 《عدى》 العنوان و هب 《سالم》 ينوي المغادرة ولكنه توقف عند باب الغرفة قائلًا بخشونة
” متقلقش انا هعمل اللازم و ربنا ييسر الأمر . “

《عدى》 بتعب
” مش قلقان . انا واثق في ربنا و فيك .. وعلي فكرة شكرًا ”
تجاهل 《سالم 》حديثه و قال بفظاظة
” باباك و ممتك بره عايزين يشوفوك..”
” مش عايز اشوفهم..”
هكذا تحدث 《عدى》 بنبرة قاطعة فأجابه 《سالم》 بجفاء
” مينفعش تبقي عايز ربنا يكرمك وانت بتغضبه . الأب و الأم ميتعاندوش . مهما كانت اخطائهم. “

انهي كلماته و خرج دون أن يضيف شيء أو يعطيه الفرصة لقول شئ فقد تركه بعد أن قذف بقلبه جمرات الذنب التي لن يقو علي تحملها ..

********************

تقف شاردة أمام تلك البقعة الزراعية الخضراء الممتدة أمامها لأبعد من أن تصل عينيها تفكر فيما يحدث معها و خصوصًا مع ذلك الطاغية الذي كانت تراه مصيبة حياتها و الآن تشعر بأنه هناك شئ بينه و بين قلبها الذي يدق بعنف كلما سمعت صوته و تتعثر نبضاته بقوة كلما تلاقت أعينهم و لكنها كانت تكذب ما يحدث إلي أن فاجئها بحديثه منذ يومان

عودة لوقت سابق

” اهه و آدي الشغل اللي عم بتتحججي فيه خولوص ..”

هكذا تحدث بعد ما انهي كل العمل الملقي علي عاتقها وسط نظرات مذهوله من جانبها فقد تنازل عن هيبته و مكانته و قام بهذا العمل الغير لائق فقط ليحظي بحديث معها !
دق ناقوس الخطر بعقلها فلجأت للهرب حين قالت بارتباك
” اه . خولوص . و اني معاد رچوعي چه . اني هروح بجي ..”

اوشكت علي الإلتفات فتفاجئت بيديه التي امسكت معصمها بقوة و كأنه توقع أن تفعل ذلك فقطع عليها كل الطرق وهو يقول بتحذير
” بلاش تلعبي وياي عشان مترچعيش تزعلي ..”

لم تخيفها لمسته أو تنفرها بل قذفت بداخلها شعور خاص لم تستطع مواجهته أو حتي تحمل ما خلفه بقلبها من إضطراب فسحبت يدها بقوة من بين يديه وهي تقول بحدة
” يدك يا كبير ! اني مبلعبش . اني خلصت اللي وراي هجعد اعمل ايه؟”

لونت السخرية ملامحه و نبرته حين قال
” أنتِ بردك اللي خلصتي اللي وراكِ!”

زاغت بنظراتها وهي تقول
” المهم انه خولوص . و معدش لجعادي لزوم.”

صوبت نظراته رأسًا إلي قلبها الذي كان يدق بعنف حين سمعته يقول بصوتًا أجش
” هروبك ده معناته انك حاسه باللي چواي و مطير النوم من عيني..”

سمعت نفسها تقول بلهفه
” و ايه اللي انت حاسه و مطير النوم من عينك ”
أجابها بتيه لون ملامحه و نظراته
” اللي محستوش جبل أكده. أنتِ بتعملي فيا ايه ؟ جلبي بجي ضعيف جدامك وهو اللي خلج و اتربي عالجسوة “

انكمشت ملامحها بألم وهي تقول
” انت هتجولي علي جسوتك ! اني اكتر حد داجها ..”

شعر بألمها و لعن نفسه للمرة الألف و اقترب منها يحادث عينيها اولًا حين قال بنبرة خشنة
” لو اجولك أن كان چوايا نار بتنهش في جلبي لما سمعت الكلب دا بيجول…”

لم يستطيع اكمال جملته فالتفتت إلي الجهة الأخرى تقول بألم
” و صدجته .. و جولت علي….”
قاطعها اعتذاره الذي كان شاقًا كثيرًا على كبرياءه الذي انهزم بالنهاية أمامها
” حجك علي.. الغيرة عمتني… غيبت عجلي مبجتش شايف جدامي..”

توقف عقلها عند كلمة واحدة ضربته كصاعقة ” الغيرة ” ولما يغار عليها ؟ هكذا استفهمت بداخلها و لم تكن تعرف أن سؤالها سيعبر من بين شفتيها دون القدرة علي إيقاف سيل الكلمات
” غيرة ! و إنت بتغار علي مين و ليه؟”

كانت لحظة فاصلة وقف بها أمام عينيها فأدرك بأنه لا قدرة له علي الابتعاد عنها فقد أسرته و انتهي الأمر لذا اقترب منها خطوة و عينيه تحاصرها من كل الزوايا
” تتچوزيني !”

شهقة خافته خرجت من جوفها فلم تكن تتوقع سماع هذا الحديث من بين شفتيه بحياتها . حتي أنها ظنت نفسها تتوهم ما سمعت فأخذت تناظره بعدم تصديق فتعاظم الغضب بداخله وقال بفظاظة
” ساكته ليه ؟ مسمعتيش جولت ايه؟”
” جولت ايه؟”

هكذا استفهمت بضياع فالتمعت خضرة عينيه بوميض العشق الذي تجلي في نبرته حين قال
” جولت اني رايدك. “

لم تروي إجابته ظمأها فقالت بشفاة مرتعشة
” و أشمعني اني؟ ما البلد مليانه بنات”
” اسألي جلبي . الحكم له . وهو اللي حكم و جالي أنه مرايدش من الدنيا غيرك ..”

هكذا تحدث وعينيه تبحران بشغف فوق ملامحها التي زينها الخجل و أضاء عينيها بلمعة من عينيها التي تشع فتنة جعلته اسيرًا لها .
” ساكته ليه ؟ طمني جلبي .. و جولي انك ريداني “

كانت تأبى التسليم أمامه فتسلحت بكبرياء مقتصه منه أفعاله السابقة معها
” طب و لو جولت لاه؟”
تبدلت ملامحه العاشقة الي أخرى غاضبة فصاح هادرًا
” هتچوزك غصب عن عين اهلك .. “

أرادت تلقينه درسًا قاسيًا فقالت بدلال غلفته بالتحدي
” ابجى وريني هتعملها ازاي يا كبير .؟”

عودة إلى الوقت الحالي

كانت تنظر أمامها بحيرة لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ؟ هل تطيع قلبها الغبي أم تستمع الي عقلها الذي يحثها أن تقتصر طريق طويل من الألم و العذاب و تهرب منه فما بينهما أشبه بالسماء و الأرض و جده حتمًا لن يقبل بأن يتزوج حفيده من خادمة !
حين كانت غارقة في تفكيرها فجأة وجدت سيارة تتوقف أمامها و هبط منها شخص ملثم قام بالانقضاض عليها في محاولة جرها الي السيارة مكممًا فاهها بمنديل كان به مخدر لم تقاومه كثيرًا بل استسلمت لتلك الدوامة السوداء التي ابتلعتها ..

***************

تجهزت بما يليق بحالة الوفاة التي في البيت فارتدت ثياب محتشمة باللون الأسود الذي تناقض مع بياضها و بشرتها المطعمة بحمره قانيه و تقاسيم منحوته ببراعه يكللها أعين تلمع بخضرة دافئة يشعر الناظر إليها بأنه خطي الي الجنة التي حرمها عليه بفرمان أصدره ذلك اليوم عقابًا له علي ذلك السوء الذي جعلها تشعر به فإذا به حلقة ناريه التفت حول عنقه لتجعله يتراجع كلما فقد سيطرته أمام حسنها الذي يوازي عشقه و ها هو يراها تتغنج بعفوية أمام المرآة و بدلًا من أن يجذبها لتسكن ذراعيه يتنعم معها في جنة حبهم الوردية . ها هو يقف أمامها محترقًا بنيران الشوق التي يكتوي بها جوفه و تتحدي إرادته بمعركة شرسة لا يجروء عن الإفصاح عنها
” خلاص جهزت ..”

هكذا تحدثت بعدما لمحت طيفه في المرآة يراقبها فارتبكت قليلًا و خاصةً حين طال صمته فأرادت كسر هذا الجو الملبد بالتوتر..
” شايف..”

كلمة اختصرتها شفتاه بينما كان أوكل مهمة الحديث لعينيه التي كانت تحاوطها بنظرات شغوفة أرسلت ذبذبات قوية الي عمودها الفقري فسرت رجفة قويه في سائر جسدها الذي طافت عليه عينيه ليتحول خضارها الزاهي الي آخر قاتم يكبح خلفه جموح مشاعره نحوها.
” اللبس في حاجه ملفته ؟ اقصد . عشان ظروف العزا..”

“مش اللبس اللي ملفت ! اللبس مالوش ذنب انك أنتِ اللي لبساه..”

لم يستطيع منع سيل الكلمات من التدفق عبر شفتيه مما زاد من خجلها الذي روى خديها بدماء الخجل لينبت الزهر فوقهما مما زاد من جمالها و توترها أيضًا حين اقترب منها فتراجعت خطوة وهي تقول بتوتر
” ممكن طلب ؟”

” ممكن ..”
نظفت حلقها بخفوت قبل أن تقول بلهجة هادئة
” بما أن دا اول يوم ليا في الجامعه هنا فأنا كنت حابه ان . يعني . محدش يعرف اننا متجوزين ..”

ارتفع احد حاجبيه تعبيرًا عن احتجاج صامت فتابعت بحزن عرف طريقه الي قلبه
” انا حاسه بوحده فظيعه هنا عايزة اعمل أصحاب بجد . انا عمري ما كان ليا أصحاب غير سما و مروان و اللتنين بعيد عني . بس انا محتاجه يكون ليا أصحاب و لواتعرف اني مرات دكتور في الجامعه حاجه من الاتنين يا الناس هتهرب مني خوف يا هتقرب مني نفاق عشان مصلحتها وانا مش عايزة كدا ..”

كان حزنها صادقًا و قد حزن بشدة لأجلها حتي وان كانت دائمة التحدث مع اقربائها ولكنه يعلم ماذا تعني الوحدة في هذا المكان لذا لم يعلق اكتفي بإيماءة من رأسه علامة علي الموافقه و فجأة هالهم الصوت القادم من الأسفل فتوجه الأثنين للخارج لمعرفة ما يحدث

بتجول ايه يا مخبل انت ؟”
هكذا صاح 《عبد الحميد》 حين سمع حديث 《مسعود》 الذي أوشى له 《بعمار 》فقد كان يود الأنتقام من تلك التي إهانته برفضها و أذته
” وربنا المعبود ما بكذب عليك يا كبير اني شايفهم بعيني اللي هياكلهم الدود دول و سامعهم بودني ”
” طب غور من وشي السعادي…”

هرول 《مسعود》 للخارج فتوجه 《عبد الحميد》 الي منتصف الصالة وهو يصيح بحنق
” عماااااار؟”

هروح الجميع من غرفهم علي إثر صراخه فاستفهم 《ياسين》 بجزع
” ايه يا جدي حصل ايه ؟”

” هتعرف حوصول ايه لما الحمار اللي چوا دا يخرچ و هو يجولنا حوصول ايه؟”
” طب اهدي انت يا عمي .صحتك ”
هكذا تحدثت 《تهاني》 في محاولة لتهدئة 《عبد الحميد》 الثائر فلم يجيبها بل صاح مرة أخرى ينادي 《عمار》 الذي استيقظ أخيرا فقد سهر لوقت متأخر يفكر في حوريته الجميلة التي تهرب منه منذ آخر حديث بينهم لتجعله يتلظي بنيران البعد التي تحرقه و تسلب النوم من عينيه
” في ايه يا چدي؟”

تشدق 《ياسين》 ساخرًا
” اهو الحمار صحي اهوة في ايه بقي ؟”

صاح 《عبد الحميد》 بانفعال
” انت ايه حكايتك مع البت المدعوجة الي اسمها نچمة دي ؟”

جفل 《عمار 》من حديث 《عبد الحميد》 وقال مستفسرًا
” حكاية ايه يا چدي؟ و لا حكاية ولا رواية ؟”

ابتلع 《عبد الحميد》 جمرات غضبه و قال محذرًا
” اياك و الكذب . جولي انت فعلاً عايز تتچوزها و لا عايز تهلفطلك شوي ؟”

《عمار 》بنفي
” لا طبعًا يا چدي اهلفط ايه ! انا رايدها علي سنة الله و رسوله..”
《عبدالحميد》 بصراخ
” كنك اتچنيت ولا اي؟ تتجوز خدامة ؟ أخرتها؟”

صاح 《عمار》 مدافعًا عنها
” ومالها الخدامة مش بني آدمه زيها زينا ولا اي؟”
《عبد الحميد》 بتهكم
“أيوا طبعًا و مش أي بني آدمه . دي اللي انت كنت تاهمها من جيمة يامين مع الغفير …”

لم يتحمل ذكر هذا الأمر أمامه فاختلطت غيرته بذنبه و صاح بعنف
” وجف يا چدي .متكملش . الذنب لا ذنبي ولا ذنبها. دا ذنب الكلب اللي اتبلي عليها بالزور.. “

《عبد الحميد》 غاضبًا
” و إنت صدجته . چاي دلوق و عايز تتچوزها؟ تبچي بتحلم . دي لو آخر واحدة في الدنيا لا يمكن اوافج تتچوزها أبدًا”

وصل إلي مرحلة اللاعودة فلا طاقة له بالعيش بدونها ولا تصلح الحياة مع سواها فهو أصبح واثقًا من مشاعره للحد الذي جعله وقف يعاند جده قائلًا بحزم
” يبجي بتحكم علي اني اعيش عمرى كله من غير چواز .لإني مش هتچوز غيرها ..”

《عبد الحميد》 باندهاش
” انت بتعصي أوامري يا عمار ؟”

تألم لحديث جده ولكنه وجد نفسه يقف أمام عينيها التي أن هوى الي سبعين قاع فستكون هي طوق النجاة الوحيد له لذا قال بثبات
” انا طول عمرى ماشي تحت طوعك يا چدي .. عمري ما عصيتلك أمر . جولتلي هتچوز بنت الوزان جولت حاضر . رچعت جولت ابن عمك رايدها جولت حاضر ..”

رغمًا عنه وجد《 ياسين》 يده تمتد ل تحاوط كتف 《حلا》 التي صدمها ما سمعت و خاصةً حين تابع 《عمار 》بحنق
” جولت اتجوز بت عمك جولت حاضر . رچعت جولت البت رايده ولد الوزان مش هكسر جلبها جولت حاضر . المرا مشت كلامها و اتچوزت اللي رايده جلبها واني مش هعرف اتچوز الي رايدها؟ لا ياچدي اني مش تابع ليك ولا شطرنچ بتحركه كيف ما بتعوز .”

صمت لثوان قبل أن يقول بملامح متجهمه و نبرة صادقه
” اني عاشجها و جلبي اختارها و مش هتچوز غيرها و أن كت ماليش غلاوة جواك كيف 《ياسين》 و 《فرح》 و 《چنة》 مش هلومك لو فضلت معارض چوازي منها. “

اتقن احكام الفخ حول عنق 《عبدالحميد》 الذي شعر بأن كلماته اخترقت قلبه و وضعته في منعطف لم يكن يريد الولوج إليه و لم يجد ما يقوله فأنقذه صراخ قوي آت من الخارج فالتفت الجميع ليجدوا إمرأة تتشح بالسواد تصرخ بملئ قلبها
” الحجوني .. خطفوا بتي . الحجني يا كبير و رجعهالي احب علي يدك…”

تحدث 《عبد الحميد》 بفظاظة
” حوصول ايه يا وليه أنتِ ؟ و مين بتك دي ؟”
” نچمة . بتي نچمة خطفوها ولاد الحرام .”

اخترق اسمها أذنيه فتوقف عقله عن العمل بينما تعالت الشهقات و التفتت الأعين مصوبه عليه …

****************

دلف الي داخل المنزل فقد غاب لأسبوع كامل انهكه نفسيًا و جسديًا و فاض به الشوق إلي صاحبة حدائق الزيتون التي تملك سلطة على قلبه لم تكن لأحد سواها و التي سلكت أكثر الطرق إرهاقًا لروحه التي أهلكها الشقاق و الخصام الذي سارت علي نهجه طوال الأسبوع المنصرم لم تجيب علي اتصالاته ولم تحادثه ولو مرة فقط تقف بجانب والدته أثناء إتصاله لتستمع الي صوته و تطمئن عليه سالبه منه ابسط حقوقه في الأطمئنان عليها. و لها فقد قرر الثأر منها علي طريقته ..

” سالم .. حمد لله علي سلامتك “

إلتفت 《سالم》 إثر صوت 《سليم》 الذي كان يخرج من غرفة المكتب لملاقاته بعد أن سمع زامور سيارته
” الله يسلمك يا سليم .. الناس فين مش شايف حد ”
” كلهم متجمعين في اوضه الصالون . و فرح فوق مع جنة ..”

هكذا اجابه 《سليم》 بملامح واجمه فشعر به 《سالم》 قائلًا باستفهام
” لسه بردو تعبانه ؟”
《سليم》 بحزن حاول اخفاءه
” يعني . شويه .. المهم كنت عايزك في موضوع مهم ..”

زفر بحنق ثم قال بفظاظة
” أجله يا سليم تعبان مش قادر اتكلم ..”

عانده قائلًا بتحذير
” ميتأجلش يا سالم ..”

لم يعاند 《سالم》 إنما توجه خلفه الي غرفة المكتب ليلقي بثقل جسده علي الاريكه بينما توجه 《سليم》 الي المقعد خلف المكتب الخشبي الكبير قائلًا بخشونة
” هتعمل ايه في موضوع الانتخابات ؟”

《سالم》 بصرامه
” مش هترشح يا سليم ماليش خلق للمواضيع دى ..”

《سليم》 بفظاظة
” غلط يا سالم . ”
” و ايه الغلط في كدا؟”

استفهم سالم بحنق فأجابه 《سليم》 موضحًا
” أولًا عشان انت الكبير و دي مسئوليتك . ثانياً و دا الأهم دا هيفيدنا في موضوع الكلب اللي اسمه ناجي…”

انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
” تقصد ايه؟ استغلال نفوذ ولا ايه؟”

《سليم》 بتوضيح
“اكيد لا . بس انا بصراحه مش داخل دماغي أن اللي عمل كدا فيك الهلالية ..”
《سالم》 باستفهام
” ازاي و السواق اعترف عليهم ؟”

《سليم》 بتفكير
“عادي جداً ممكن بيتبلي عليهم . بص يا سالم الناس دي معروفه عنها الاحترام و مبيحلوش مشاكلهم بالطريقة دي ابدًا بالإضافة إني كنت قاعد امبارح مع حيدر الهلالي و الراجل محترم جدًا ميختلفش عن ابوك الله يرحمه و وضحلي أن موضوع الانتخابات دا بيتم بالتراضي و هو عارف ومتأكد اصلًا انك مش في دماغك الموضوع و من زمان..”

《سالم》 بحدة
” بردو يا سليم عملت اللي في دماغك ؟”

《سليم》 بخشونة
” ايوا لإني مقتنع أنه صح .. الراجل مش محتاج يعمل كدا الناس هنا من غير حاجه بتحبهم لإنهم فعلًا بيخدموا . “

بدا مقتنعًا بحديث شقيقه فقال بفظاظة
” كمل ..”
《سليم》 بصرامة
” ناجي اللي ورا الموضوع دا . عايز يخلقلنا عدو جديد غيره نتلهي فيه . عشان كدا بقول كفاية نلاعبه بقي . خلينا نخلص منه. “

《سالم》 بجفاء
” اكيد مش هنقتله ياا سليم ”
” مبقولش كدا يا سالم علي الرغم اني عندي استعداد اعمل كدا حالًا لأنه فعلًا يستاهل بس انت اللي حايشنى عنه ..”

حاول 《سالم》 تهدئته وحده أكثر من يعلم بشخصيته الثائرة و اندفاعه للدفاع عن الحق حتي لو كان هو المتضرر
” عارف انك كبران لكلمتي يا سليم و مازلت بقولك اهدي . عايزين تربيه عالهادي من غير نقطه دم . احنا مش قتالين قتلة ..”

دائمًا ما ينجح شقيقه في تهدئة ثورته إضافة إلي كونه يكن له الكثير من الاحترام والمحبة لذا اومئ برأسه بالموافقه ثم قال بخشونة
” شيرين عرفت انها أطلقت ..”

تشدق 《سالم》 ساخرًا
” و ياترى عرفت أن اللي ابوها عمله ؟”
《سليم》 بنفاذ صبر
“معرفش و مش مهتم . على الرغم اني شايفها هاديه اليومين دول علي غير عادتها..”

سالم بتهكم
” متقوليش أنها عقلت أخيرًا ”
أجابه 《سليم》 ساخرًا
” لا وانت الصادق بتحب …”

مرت لحظات قبل أن يقهقه 《سالم》 بصخب و شاركه 《سليم》 الضحكات قائلًا
” مش مصدقني؟”
《سالم》 بفظاظة
” لا و هو انا مش عارفك.. مبتقولش حاجه غير و انت متأكد منها… المهم تخلي بالك الواد طارق طول عمره عايش بره و دماغه لاحسه و دي مهما كان بنت عمتك “

《سليم》 بطمأنة
” مشوفتش منه حاجه لحد دلوقتي بس متقلقش أمسك طرف الخيط و هعدل دماغه لو لقتها مش مظبوطه..”
《سالم》 بتهكم
” و اكسرها لو لزم الأمر ..”

《سليم》 بتسلية
” عيني ..”
” خلي عينك لصاحبتها… مش عايزها.. هقوم انا تعبان و مش شايف .”
توجه إلي باب الغرفة فاستوقفته كلمات 《سليم》 المحذرة
” سالم موضوع الانتخابات خلصان . خلي التعبان دا يفكر أننا بلعنا الطعم . “

لون الضجر ملامحه و نبرة صوته حين قال
” ولو اني كاره الموضوع بس انت عندك حق ..”
《سليم》 بطمأنة
” ربنا بيعين و أنا في ضهرك .. “

تشدق《 سالم》 ساخرًا
” أصيل طول عمرك .البس يا سالم و إحنا في ضهرك .. ”
《سليم》 بتخابث
” طب بمناسبة اللبس بقي فاعمل حسابك انك متحضرلك قاعدة صلح محترمه يا كبير ”
فهم 《سالم》 مقصده فاستفهم بخشونة
” هي عرفت أن انا جاي النهاردة ازاي ؟”

” الواد مروان قالها و تقريبًا من صباحية ربنا بيسلطها عليك.. انجوى..”

*****************

يعرف العشق طريقه إليها جيدًا فهي إمرأة تحمل كل النكهات ضِمن حدود ثغرها . تحوي جميع انواع السحر المتوارِ بين طيات ذراعيها . بلحظة تجعلني ارقي الي جنة مُدججة بلهيب الصبوة و بالأخرى تتركني لـ اكتوي بلهيب اللَظًى. الأحتراق معها يشبه الغوص في بحر من النار و الثلج معًا شعور يصعب وصفه من فرط بهاءه . يكفي على المرء تذوقه مرة ليصبح مدمنًا لا يبغي المُدَاوَاة منه أبدًا

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

كانت تجلس في شرفتها تقرأ كتابًا أو لنقل بأنها تتظاهر بقراءة كتاب لم تلامس نظراتها حروف اسمه فقد كان قلبها يحصي دقاته مع عقارب الساعة التي ستحمله إليها و بداخلها ألف سيناريو و سيناريو لما سيحدث بينهم و كيف ستقابله و كيف ستعبر عن غضبها منه و من رفضه لها أن ترافقه الي القاهرة دون أن تخدش كبرياءها ؟

أخرجها من شرودها صوت الباب الذي انفتح و أطل منه بهيبته الطاغية و رائحة عطره التي حملتها النسمات لتستقر في قلبها محدثة زوبعة شوق جعلت الدماء تثور في أوردتها ولكنها لجأت إلي التجاهل حين هبت واقفة لملاقاته بعد أن أتقنت إرتداء قناع الجمود الذي تجلي في نظراتها و ملامحها و نبرته حين قالت
” حمد لله عالسلامه ..”

الآن علم كيف قررت معاقبته عن طريق الجمود و التجاهل لذا أراد أن يجاريها في لعبتها قائلًا بنفس لهجتها
” الله يسلمك.. “

قالها ثم اقترب يعانقها فبادلته العناق بآخر باردً وقد أتقنت احكام سيطرتها علي مشاعرها فأراد معرفة الي متي ستصمد فقد شعر بضربات قلبها التي تتقاذف داخلها ولكنها تكمم صرخاته بجمودها اللعين هذا

” وحشتيني ..”
قالها و أنفه يتحرك بغير هدي على عنقها يروي رئتيه من رائحتها العذبة التي اشتاقها كثيرًا بينما يديه أحتوت خصرها بتملك مثير لجميع حواسها التي كانت تتوسل إليها أن ترتمي بين أحضان عشقه المُسكر ولكنها وبصعوبة بالغة سلخت نفسها عنه وهي تقول بنبرة جامدة
” يارب تكون السفرية كانت موفقه ؟”

” جدًا متبسطتش كدا في القاهرة بقالي كتير ..”
تحدث و هو يقوم بخلع معطفه بحنق ترجمته شفتاه علي هيئة كلمات ساخرة أيقظت جيوش الغيرة بجوفها ولكنها ابتلعت جمراتها وهي تقول بنفس نبرتها الجامدة
” طب كويس .. فرحتلك والله ”
” فرح !”

جاءت نبرته المحذرة لتنبهها انها تخطو لمنطقة خطر و لكن قاطع حديثهم الطرق علي الباب فتقدمت 《فرح》 لتفتح فإذا بإحدى الخادمات تخبرها بأن 《جنة》 تريدها فاخبرتها بأنها قادمة فانصرفت الخادمة و التفتت إليه لتجده يناظرها بحدة تجاهلتها قائلة بجمود
“معلش بقي . اصل الكبير دا مش ملك نفسه على رأيك . هشوف جنة علي ما تاخد شاور و تغير هدومك عشان معاد العشا مفضلش عليه غير يدوب نص ساعه …”

التمعت عينيه بوميض خطر و كذلك لهجته حين قال
” اقفلي الباب و تعالي ..”

ابتلعت حنظل أوامره استكمالاً لخطتها و تقدمت بخطوات هادئه تنوي الإطاحة بثباته فتفاجئت بيديه التي امتدت تجذبها من خصرها بعنف لتصطدم بسياج صدره الذي احتواها بعناق قوي بينما اختطفها معه الي جنة قربه التي اشتاقتها كثيرًا فبدا وكأنه يلتهم تفاصيلها بنهم عاشق مشتاق لا يكتفي من قربها فصار ينهل من رحيقها و يقطف ثمار ثغرها التوتي تارة بعنف و تارة بتأني و لدهشتها لم يعطيها الفرصة لمبادلته فقد استخدم قوته البدنية في إحكام سيطرته علي يديها وجسدها الذي يعلم مسبقًا شوقه له و ثورته عليها و خضوعه أمام كبريائها الذي أراد الحفاظ عليه ليبدو الأمر و كأنها لا حول لها ولا قوة أمام قوته بينما قلبها في الداخل يرقص طربًا بهجومه الضاري عليها و الذي انهاه بعد لحظات لم تكن كافية لإخماد شوقه ولكنه يعلم أن طال الأمر فلن يستطيع التحكم بنفسه أكثر لذا اقترب ناثرًا عشقه بين حنايا عنقها بالقرب من أذنيها قائلًا بأنفاس محمومة
” من حسن حظك أن كل حالاتك بتعجبني .. “

كان صدرها يعلو و يهبط من فرط تأثيره عليها ولكن ذلك لم يمنعها من إجابته بغرور
” دا من حسن حظك انت . ان انا في كل حالاتي حلوة ..”

لونت ملامحه ابتسامة عذبة ارتسمت علي شفتيه التي وضعت علاماتها بجانب خاصتها قبل أن يقول بخشونة
” و من حسن حظك اني راجل متفهم و مش همنعك عن مهامك ك أخت كبيرة . “

أيقنت بأن كلماته كانت تعني أنه أطلق سراحها ولكنها وقفت لثوان بمكانها تحاول لملمة شتاتها قبل أن ترمقه بنظرة ساخطة حاولت اخفاءها و لكن ليس علي من يحفظ انفعالاتها و تفاصيلها عن ظهر قلب فهو يعلم مقدار غضبها و أن هروبها لم يكن سوي لأعطاءه درس مرددة كلماته التي ألقاها علي مسامعها حين غادر فحاول تهدئة ثورتها قليلًا حتي يأتي الوقت الذي يمكنه من الإطاحة بهذا الغضب المزعوم…

**********************

مشطت شعرها و توجهت الي الشرفه تلجأ الي هدوء الليل الأسود الذي يحيط بهم في هذا الجو المشحون بالتوتر و القلق و قد كانت تشعر بالألم بسبب اختفاء تلك الفتاة التي لم يستطيع أحد أن يصل إليها الي الآن و كاد هذا الطاغية «عمار» أن يجن و كم فاجئها هذا كثيرًا فهي لم تكن تتخيل أن يكن عاشقًا إلي هذة الدرجة..
أخرجها من شرودها دخول 《ياسين》 الي الغرفة فهرولت إليه قائلة بلهفه
” طمني لقتوها ؟”

زفر 《ياسين》 بتعب تجلي و قال بيأس
” للأسف لا . “

اخفضت رأسها بحزن تجلي في نبرتها وهي تقول
” يا حرام … دي بنت غلبانه اوي . ياتري هي فين و مع مين ؟ والله صعبانه عليا ..”

خلع معطفه وهو يقول بتعب
” اللي صعبان عليا اكتر واكتر هو عمار ”
لمعت عينيها بدهشة أطلقت لها العنان حين قالت
” بصراحه دا اللي فاجئني و متوقعتش منه كدا ابدًا “

ابتسم بهدوء قائلًا
” ليه يعني ؟ اللي بيحب بيعمل اكتر من كدا عشان حبيبه..”
《حلا》 بترقب
” ماهو انا متخيلتش انكوا تعرفوا تحبوا زينا كدا عادي ؟”

لمعت عينيه بمكر تجلي في نبرته وهو يتقدم منها واضعًا يديه بجيوب بنطاله
“هو انتوا بتحبوا ؟ “

فطنت لذلتها فصححتها قائلة
“اقصد يعني ان 《سليم》 لو محبش 《جنة》 اكيد مكنش اتجوزها !”
شملتها عينيه بنظرة خاصة اتبعها قائلًا
“طب اخت سليم متعرفيلي ايه نظامها ؟”

هاربة من عينيه الي الجهة الأخرى وهي تقول بارتباك
“تقصد ايه ؟”

وصل إليها حتي كاد أن يلتصق صدره بظهرها وهو يقول بنبرة خافتة
“اقصد بتحب هي كمان ولا ايه ؟ ”
التفتت تناظره بسخرية تصنعتها هربًا من مكيده نصبتها عينيه حولها
” لا والله ؟”
“اه والله “

كان قربه يشكل خطرًا كبيرًا فتراجعت خطوة وهي تقول بدلال غير متعمد
“طب وانت مالك و مالها ؟ ”
تبدلت نظراته الي أخرى جدية حين القي قنبلته التي تردد دويها في قلبها
” حلا هو انا مقولتلكيش قبل كدا اني بحبك ؟ “

تقاذفت دقات قلبها حتي وصل دويها إلي أذنها فلم تكن تتخيل اعترافه هذا المثير بالحب حتي أنها شعرت للحظة بأنها ضائعة أمام عينيه التي غزت قلبها بنظرات عاشقه فتمتمت بخفوت
“هاه !”

امتزجت أنفاسهم بقربه المهلك منها حين أضاف بخشونة
” بحبك .”
” لا …”
اندهش من إجابتها فقال باستفهام
” لا ايه ؟”

فاجأته حين قالت بخفوت
“مقولتليش .”
زينت ثغره ابتسامه رائعه تشبه لهجته حين قال
“طب بحبك يا حلا .. “

مزيج من الأحاسيس الرائعه تشكلت في قلبها مطلقه فراشات الهوى التي حلقت بسماء الحب معلنه عن انضمام ثنائي رائع إلي عالم العشاق الذي لطالما اشتاقت أن تخطو إليه معه فاقترب منها أكثر وقبضته تشتد حول خصرها وهو يقول بأنفاس محمومة و صدر فاض به الشوق
” مش هتردي عليا .. ؟ قولي قرب يا ياسين . متبعدش أبدًا “

يشتهي قربها بل يموت شوقًا لأقتحام جنتها و كسر اللعنة التي تحيط بهم لتزيد من عذابه . يريد أن يبرهن عشقه فعلًا فقد ضاق ذرعًا و قلبه من رؤيتها كالفاكهة المحرمة عليه و كأنها أبت ألا أنت تنتشله من عذابه فقد كان لخوفها ذيول لم يمحي اعترافه آثارها فلم تجيبه بل ظلت تائهه بين خوفها وخجلها الكبير منه ولكن ذلك لم يجعله يتراجع فقام باحتواء وجهها بين يديه قائلًا بخشونة
” قبل ما اشوفك كنت عايش و بس . كان قلبي دا ميت . “

طافت عينيه علي وجهها الذي يشع بحمرة الخجل و يرتجف تأثرًا بين يديه و تابع بخفوت
” أول ما شوفتك و أغمي عليكِ في حضني لقيت قلبي بيدق اوي. زي ما يكون أنتِ الحاجه اللي كانت نقصاه عشان يعيش “

استندت برأسها فوق صدره تستشعر دقاته الجنونيه التي كانت تؤكد علي كلماته العاشقه فاقتربت شفتيه تلثمان جبهتها برقة فهمس قلبها يناجي قلبه
” ياسين ..”

أفرجت شفتيه عن كلمات مُحملة باشواقه العافيه
” انقذيني من اللعنة اللي رميت نفسي فيها. مبقتش قادر اتحمل بعدك اكتر من كدا…”

استجاب قلبها و تغيب العقل طواعية لعشق جارف يكتنف كلاهما فأومأت برأسها بخجل أصابه بلعنه الاشتهاء فقام بحملها كالعروس واضعًا يدًا أسفل ركبتيها و الأخرى خلف ظهرها بينما عينيه كانت تلتهم تفاصيلها وهو يتقدم بها ل يضمهما فراش صنعت خيوطه من عشق تفنن في سكبه بين أوردتها و علي منحنياتها الفاتنة و كأنه اقسم أن يتنعم بكل إنش بها علي قدر عذابه في بعدها أخذ يرمم سنوات خلت منها فتارة يعاقبها بحنو و تارة يدللها بشغف لترتقي معه روحًا و جسدًا الي عالم من السحر سالبًا منها أنفاسها حتى لحظات ألمها بعصاة السحرية حولها إلى جنون لذيذ أطاح بخجلها و تآمر علي ثباتها فصارت تبادله عشقه بنهم فتأجج الهواء حولهم و صار محترقًا بلوعة الحب الذي هدي قلوبهم و جعلها ترفع راياتها مستسلمة بعد أن أنهكها كثرة العناد الذي تبخر في ملحمة عشقهم التي أطاحت بكل شئ حولها و تركت بصمات قادرة علي أن تجعلها تموت خجلًا في الصباح الذي ما أن بدأ في نشر خيوطه حولهم حتي سقطت هالكة بين ذراعيه تتناحر أنفاسها و تتقاذف دقات قلبها الذي سكن بين يديه التي احتوتها بحنان العالم أجمع تنافي مع حرقته حين تحدث هامسًا إلي جانب أذنيها
” تعرفي أنتِ جيتي زي ما اتمنيت بالظبط ..”

ارتسمت ابتسامة رقيقة على ثغرها المتورم فأردف بخفوت
” حليتي حياتي يا حلا القلب و الروح … بحبك “

يكفيني قربك لأحيا و شهدك لارتوي و انفاسك لكي تُسكِر سنوات أُچاچ ظننت بها بأن الجنة لم تخلق يومًا علي الأرض..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

*******************

“قالك خسيس يؤتمن باع الأصيل بالمال .. صبرك عليا يا زمن . حلمك عليا يا خال . الصبر حلو . حلو اوي اوي .. طب والله حلو . حلو اوي اوي “

كان هذا صوت 《مروان》 الذي كان يغني ناظرًا إلى 《همت》 التي تطالعه بحقد كبير تضاعف حين وجدته يحرك حاجبيه في محاولة منه لإغاظتها فتجاهلته و لم ترد الانسياق خلف طريقته الصبيانية فقد كان يجلس بجانب 《ريتال》 لا فرق بينهم سوى في الحجم فقط.

تنبه الجميع الي دخول 《سالم 》الذي ناظر 《مروان》 بعدم رضي قائلًا بفظاظة
” بطل يا ابني انت الضوضاء دي صوتك جابلي صداع . معرفش مين ضحك عليك وقالك أنه حلو ؟”

مروان بسلاسة
” مراتك ..”
التفتت الأنظار الي 《فرح 》التي شعرت و كأن دلو من الماء سكب فوق رأسها و غمرها الخجل كليًا من حديث 《مروان》 الذي أخذ يرسل لها الغمزات يحثها علي مواجهته فحاول الجميع قمع سيل قهقهاتهم بصعوبة من مظهر 《سالم》 الذي كان يأكل شفتيه السفلية غضبًا ازداد حين اقترب منه 《سليم》 قائلًا بتحفيز
” انا لو منك اضربه ..”

تدخلت أمينة لتهدئ من هول الموقف قليلًا فقالت بوقار
” نورت بيتك يا سالم . وحشتنا و اكتر حد وحشته فينا هو مروان عشان كدا بينكشك ..”

كانت تريد أن تجنب ذلك المجنون غضبًا اهوج قد يطيح به ولكنه كان وغدًا بحق فتابع باستفزاز
” بنكشه ايه طب وربنا فرح قالت كدا .و مش فرح بس جنة كمان قالت و البت حلا ولو ان البغل جوزها يزعل. و ريتا صح يا ريتا “

ريتال بعفوية
” لا الصراحة أنا مقولتش صوتك بشع جدًا ”
مروان بتقريع
” أصيلة يا بنت الجزمة ..’

تدخل 《سليم》 قائلًا باستفزاز
” طب مسألتش سما هي كمان عن رأيها ليه ؟ مش يمكن رأيها من رأينا ..”

” اوبا . ضربة تحت الحزام .. ”
هكذا تحدث 《طارق》 ساخرًا و هو يدلف إلى داخل الغرفة فأرادت 《فرح》 استغلال الموقف إذ ارسلت إلي 《مروان》 غمزة كانت قاتلة لأحدهم مضيفه بتحدٍ مبطن
” اه صحيح يا مارو يهمنا نعرف رأيها بما انها الوحيدة اللي مسمعتش صوتك لسه “

للحظة ود لو يذيقها شراب أفعالها ولكن صبرًا فلكل مقام مقال فسوف يتأكد من أن تدفع ضريبة تحديها هذا اضعافًا مضاعفة

” مارو أيه اسمه مُره با انطي فرح ..”
هكذا أضافت 《ريتال》 باندفاع فتدخلت جنة بصدمة
” ايه مُرة ؟ مُرة مين دا؟”
مُرة ايه ياللي يمرروا عيشتك أنتِ . بتهزر متاخدوش في بالكوا…”

هكذا تحدث 《مروان 》لينقذ موقفه و يحد من انتشار هذا اللقب السخيف الذي يمقته فزفرت 《همت》 بحنق و صاحت غاضبة
” بلاش كلام في الهيفات خلونا نتكلم في الجد شوية مُرة ولا زفت هو غبى في الحالتين ”
التفت 《مروان》 الي 《أمينة》 قائلًا بشكوى
” شوفتي جر الشكل ..”

حسم 《سالم》 تلك الحماقات قائلًا بفظاظة
” خير يا عمتي ..”
《همت》 بتشفي
” سما جايلها عريس “

” ايه ؟ عريس ايه دا أن شاء الله ؟”
هكذا خرجت الكلمات من بين شفتين ترتجف و قلب يحترق فتجاهلته 《همت》 موجهه حديثها إلي 《سالم》
” دكتور ومن عيلة محترمة و عنده تلاتين سنه و زي القمر طول بعرض ..”

خرج الكلام رغمًا عنه
“ايه المواصفات الزبالة دي؟ تلاتين سنه ايه هتجوزيها راجل قد ابوها و ايه زي القمر دي يبقي اكيد صايع و طبعًا طول بعرض زي الهلف يعني هيسكعها القلم يطبق وشها و هو اصلًا مش ناقص .. سوري احنا مبنرميش بناتنا.. العريس دا مرفوض..”

جن جنونها فالتفتت قائلة بصياح
” و إنت مالك انت حد كان طلب رأيك؟”
كان الجميع صامتًا تتفرق نظراتهم بين كلا الخصمين انتظارًا لتلك المعركة التي سوف تبدأ بعد لحظات
” ايه مش بنت عمتي ؟”
هكذا قال بنبرة مهتزة فصاحت حانقه
” عمتك ايه هو انا طيقاك اصلًا؟”

” ولا انا طايقك عادي يعني . بس المصلحة تحتم عليا امنع المهزله دي قبل ما تحصل خلاصة الكلام معندناش بنات للجواز قال سما قال ؟ مبقاش الا الهبلة اللي لسه بتجرى ورا عربية الأنابيب دي تتجوز “

كادت أن تنقض فوقه تطيح برأسه ولكنها التفتت تنظر إلي 《سالم》 الذي لون الاستمتاع و الشماته نظراته بينما كانت ملامحه جامدة فصاحت 《همت》 غاضبة
” عاجبك اللي بيحصل ده يا سالم ؟”

كان عينا 《مروان》 تطالعه بتوسل خفي دام للحظات قطعه 《سالم》 حين نظف حلقه قبل أن يقول بفظاظة
” والله يا مرات عمي الفيصل في الموضوع دا سما هي إلي هتتجوز “

اندفعت قائلة
” سما موافقة !”
صاح 《مروان》 غاضبًا
“ايه أمتي حصل الكلام دا ؟ دا يبقي نهارها أسود ..”
تدخلت 《ريتال》 قائلة
” ريتال احنا بالليل علي فكرة “

صحح 《مروان》 حديثه قائلًا
” يبقي ليلة سودا علي دماغها ..”
《همت》 بغضب
” عاجبك يا سالم قلة أدبه ..”

بتر حديثها صوت《 سالم》 القاطع حين قال
“مروان ابن خالها زيه زينا و له حق يقول رأيه ”
《مروان》 بتهليل
” ينصر دينك يا كبير ..”
《سالم》 بحدة
” اخرس خالص ..”

ارسل نظرات تحذيرية الي 《مروان》 قبل أن يضيف بفظاظة
“سما ليها لسان تتكلم بيه قوم يا مروان نادي عليها عشان اسمع رأيها بنفسي”

هب 《مروان》 من مكانه و هو يرسل نظرات امتنان الي 《سالم》 فجاءته كلمات 《همت》 الغاضبة
” واشمعني مروان اللي يقوم يناديها ؟”
《سالم》 بصرامة
” عشان انا عايز كدا ..”

تراجعت 《همت》 أمام نظراته الحادة و نبرته الصارمة فمرت دقائق صمت علي الجميع لم يجرؤ أحد علي الحديث مع ملامح 《سالم》 المتجهمة و فجأة سمعوا جميعهم صوت 《سما》 التي كانت تصرخ بذعر فهرول الجميع إليها ليتفاجئوا 《بمروان》 الذي افترش الأرض غارقًا بدماءه

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى