رواية بيت البنات الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل صالح
رواية بيت البنات الجزء السادس عشر
رواية بيت البنات البارت السادس عشر
رواية بيت البنات الحلقة السادسة عشر
تطلع مَجد لهاتفه بصدمة بعد أن انقطع صوتها وقد ظن أن مكروهًا أصابها لذا أنهت المكالمة ولكنه تفاجئ بنفاذ بطارية هاتفه في موقف كهذا.
تحرك للداخل بسرعة يسأل كلَ مَن يقابله عن شاحن لأمر هام حتى اقترب من والده وعمه فحاول أن يكون متزنًا وألا يظهر اي شيء قد يثير شكوكهما.
كان والده حامد يقف بالقرب من الغرفة يتحدث بهاتفه فنظر لعمه ووقف أمامه وتحدث كاذبًا وهو يمد يده: معلش يا عمي تلفونك اطمن على أمي والبنات وأكلم سامر أو طارق بالمرة أشوف هم فين دلوقتي.
أعطاه توفيق الهاتف وعاد لشروده مجددا، فكانت ندى قد أخبرت والدها عن أمر عصام وعما فعله بمكتب جنى وعن بإنفصالهما وختمت بذهاب جنى لقسم الشرطة للإبلاغ عن الفاعل والذي اتضح أنه عصام.
قصت له الأمر بإيجاز واختصار شديد لمراعاة أنهم في المشفى وليسوا في منزلهم وقد كانت قلقة جِدًّا من رد فعله ولكن يالا العجب! لم يبدو عليه أي علامات تشير إلى أنه غاضب!
فقط ارتسم الضيق على وجهه وهو يقول: مكنتش مرتاحله لا هو ولا أهله وزاد الطين بلة لما مجاش يعزي في الظروف اللي فاتت، عرفت إنه عيل ومش قد مسؤولية وميعرفش حاجة في الأصول.
ردت ندى بهدوء رغم الألم الذي داهمها لذكرى ابنتها الراحلة: اللي فهمته من جنى إنه جه فعلًا بس عشان ياخد حاجته مش عشان يعزي، لسة معرفش سبب فسخ الخطوبة بس أنا برضو مكنتش حباه ولولا موافقتها عليه وقتها أنا كنت قولت الكلام ده بس محبتش أكسر فرحتها.
ثم تابعت بغيظ وكراهية: كلب وراح في داهية، المهم يعني يا بابا…
قطعت حديثها بتوتر وهي لا تعرف كيف تخبره أن يكون هادئًا والا يغضب عليها؛ فكلمات جنى لازالت تتردد بعقلها وتُشعرها بذنب كبير لا دخل لها فيه، لاحظت أنها محقة في كل ما قالت ولكن كيف تغير من والديها ومن أفعالهما النابعة عن قلقهم!
نظر لها توفيق للتتابع فابتلعت ريقها وهي تسترسل بإرتباك: يعني لما جنى تيجي ياريت ما تتعصبش عليها، أو … أو تزعق يعني هي أكيد مخنوقة ومتضايقة بسبب اللي بيحصل لينا كلنا.
اومأ توفيق بهدوء خارجي عكس ما يعتريه من ضيق وغضب ومشاعر سلبية أخرى كثيرة، كانت تلك المشاعر من نفسه بالأساس والتي نتجت بسبب ردة فعله التي خرجت منه بالمنزل عقب معرفته عن هذا السحر الذي صنعته لهم “منة”، تذكر صراخه بوجه بناته الغاليات، تذكر تلك الكلمات التي كانت بمثابة سهام قاتلة ضربتهن واحدة واحدة.
لام نفسه كثيرًا على ما قال، تذكر كم من مرة قال لهم تلك الكلمات الجارحة، كم من مرة صاح بوجوههن أنهن مجرد فتيات لا فائدة ترجى منهن، كم من مرة أخبرته وجيهة زوجته أن تلك الكلمات تؤذي مشاعر بناته ولكنه في كل لحظة غضب يعود ليذكرهم بتلك الكلمات ليزيد من كرههن لذاتهن، مرة ومرة ومرة حتى شيّدت تلك الكلمات سورًا عاليًا من الجفاء بين الأب وبناته.
فلم يكن غضبه في ذلك اليوم بسبب ذلك السحر، كان محور غضبه وسببه الرئيسي هو تصرف “جنى” وتحركها دون علم منه!
رغم أنه بعد أن هدأ حمد ربه على دهاء ابنته وذكائها وعقلانيتها التي جعلتها تتصرف هكذا بمفردها ولكن وقت أخبرته أعادت له وابل من ذكريات الماضي، ذكريات مرت عليها أعوام ولكنها منحوتة في ذاكرة قلبه وعقله.
عندما كان شابًا وقد كان توفيق ثاني أخوته بعد كبيرهم حامد الذي كان ذراع والدهم طه الأيمن، كان يعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة بينما توفيق لم يتلقى سوى التوبيخ والكلمات القاسية عن مدى فشله وأنه لا ينفع بأي شيء، كان “طه” والده دائمًا ما يأخذ رأي حامد عمله ويتجاهل رأي توفيق ساخرًا بـ(مبقاش غيرَك أنت آخد رأيه؟؟ قوم يا توفيق قوم، شوف وراك ايه.)
كان يُشعره أنه منبوذ، يهمش وجوده وكأنه ليس فردًا من العائلة، كان يراه مجرد صبيٍ صغير لا نفع منه، حتى كبر توفيق بهذه العقدة وتلك الكلمات لم تفارقه حتى الآن!
رغم اعتذار والده الدائم له قبل الوفاة ورجائه له بأن ينسى تلك الكلمات البشعة القاسية إلا أن هذا ليس بمحض ارادته! لا حكم له على عقله الذي كلما سنحت له الفرصة يعود لتلك الذكريات السيئة.
لذا فقد رأى توفيق بتصرف ابنته جنى دون علمه أنها لا تهتم لوجوده وأن لا رأي له أو حكم في تحركاتها فثار ذلك الوقت وصب غضبه عليها وعلى أخوتها كما رفض قدوم الشيخ محمد ليقوم برقيتهم كما من المفترض أن يحدث!
ظن أنه هكذا هو المسيطر وأن الكلمة كلمته، أراح عقدته ولم يرح قلبه الذي صاح يعاتبه على ما فعل وقال واستفاق فجأة ليتفاجئ بهول ما فعله.
وزن الأمور وعقلها، علم أنه أخطأ عندما غضب على تلك المسكينة جنى التي فعلت ما لا يستطيع فعله مئة رجل، علم أنه كان غبيًا عندما استعر من خلفته ومن بناته.
لذا عندما أخبرته ندى بأمر عصام وأمر إبلاغ جنى عنه لم يغضب وإنما شعر بالرضا والفخر، ودّ لو أن كانت جنى أمامه ليخبرها بمدى فخره بها، ليعتذر لها ولبقية بناته؛ قرر عينيه.
ربما فات الأوان يا توفيق، وربما لا.
بجانبه وعلى بُعد سنتيمترات، حيث يقف حامد واضعًا هاتفه فوق أذنه وهو يتحدث مع أخيه الأصغر سلطان، صاح حامد بغضب مكتوم وهو ينظر حوله: بقولك مراتك تعبانة جِدًّا وحالتها زفت ومش فاهمين مالها تقولي شغل! أقسم بالله لو ما سيبت اللي في إيدك وجيت يا سلطان هيبقى في تصرف تاني.
أجابه سلطان بصوت ساخر غير مبالٍ: ده كان زمان يخوفني الكلام ده، وأنا مش نازل البلد غير لما اصفي شغلي هنا وهي ولا تعبانة ولا حاجة دي تلاقي بس الصدمة مأثرة شويتين معاها.
هدأ حامد قليلًا يسأله بغرابة ولم يفهم مقصده من الجملة الأخيرة: صدمة إيه؟؟
– إني اتجوزت.
جحظت عيني حامد ولم ينطق بأي كلمة للحظات، ما لبث أن استوعب ما قاله سلطان ليصرخ به بعصبية وقد تناسى كل ما حوله ولم يرى سوى فعلة أخيه المتبجح: أنت اتجننت يا سلطان؟؟ سايب مراتك وبنتك ومتبهدل في الغربة عشان تتجوز عليها، ايه ياخي مفيش عندك شوية من الأحمر!!
فصاح الآخر بالمقابل بغضب مماثل: هي الغبية وماستنتش أفهمها، هي حرة بقى تولع ولا تروح في داهية، أنا اللي ميقدرنيش ابيعه.
ارتفع صوت حامد عن ذي قبل وهو يشعر أن رأسه سينفجر: ما تجننيش يا سلطان، ماتجننيش! يعني غلطان وعامل فيها مظلوم؟!! بقولك مراتك هنا الله أعلم بوضعها وكذلك بنتك وأنت مش فارق معاك وفوق كل ده مش شايف إنك غلط؟؟ مفيش إحساس؟؟؟
اقترب منه توفيق الذي توجهت له إحدى الممرضات تشتكي من صوت حامد الذي يسبب إزعاجًا للمرضى، أغلق حامد بوجهه وجلس فوق المقعد وهو يتحدث بعدم تصديق يشرح لتوفيق ما حدث: بيقولي مصدومة من اللي حصل؟؟ اتجوز عليها برة وبيغلط فيها ومش فارقة معاه وكأنها هي اللي غلطت مش هو!! أنا مش فاهم أخوك ده دماغه فيها إيه!!
زفر توفيق بضيق وهو يردد “لا حول ولا قوة الا بالله” بينما يحاول أن يفكر في أية حلول لتلك المشاكل التي تنهال على العائلة.
بغرفة “منة” ظلت ندى بجانبها بأمر من الطبيب الذي أكد لهم ضرورة وجود أحد لجانبها؛ فهم لا يعلمون ما بها حتى الآن ولا يعلمون سبب فعلها هذا بنفسها لذا جلست ندى بجانبها لكي تلحق بها إن فكرت القيام بشيء كهذا مرة أخرى.
استمعت لحديث حامد فتطلعت لزوجة عمها بحزن وشفقة وقد خمنت أنها ربما فعلت هذا بنفسها بسبب صدمتها بخبر زواجه عليها ولم يخطر ببالها أن زوجة عمها بالأساس …. ممسوسة!!
فهي لم ترى حالتها التي رأتها نرمين، ولم تسمع كذلك الصوت الخشن الذي يعود لمن يوجد بداخلها فكان إحتمال أن بها شيء – كالجن أو المَس – مستعبد تمامًا ولا يخطر على بالها.
أما عن المستلقية فوق فراش المشفى فكانت قد استيقظت منذ عشرة دقائق تقريبًا ولكنها ظلت تتصنع النوم، لا تتذكر أي شيء من الساعات الماضية سوى أنها تلقت خبر زواج زوجها بأخرى.
ومنذ قليل استمعت أيضًا لصوت حامد وحديثه على الهاتف ومع توفيق، هبطت دموعها بصمت ودون أن تتحرك وهي ترى كم ان لا قيمة لها بالنسبة لذلك الذكر الذي ظنته رجلًا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت جنى من مكتب الظابط “مصطفى” ومن بعدها سامر وطارق الذي شُرح له الأمر كاملًا وفهم ما يحدث من حوله، كان خروجها يصحبه صوت صراخ عصام الرافض لعقوبته والمتوعد لها كذلك.
فقد ظن أنها ستتراجع عندما تعلم هويته وأنه هو مَن فعل هذا بمحل عملها، ظن أنها ستهاب الحديث أو البوح عن أي شيء ولكنها بكل بساطة أخبرت الظابط عن توعده لها بعد انفصالهما، ولم يخطر بباله أنها ستقوم بعمل محضرين ضده!!
الأول كان (محضر اثبات واقعة) والثاني والذي فتحه الظابط للتو (محضر عدم تعرض) عوقب بالسجن ودفع غرامة مالية كبيرة أثر ما فعله بمكتبها ومعدات عملها، سيخرج بكفالة على أي حال لكن قضائه ولو مجرد ساعات في هذا المكان وسط تلك الوجوه الإجرامية يجرح كبرياءه.
ثار وصرخ وهو يحاول الإفلات من بين أيدي العساكر بينما يسب ويلعن وهو يتوعد لجنى التي خرجت ترفع رأسها بثقة ولامبالاة لتهديداته الصريحة.
بينما بخارج القسم كان يجلس فوق مقدمة سيارته يستند بكفيه للخلف بينما يدندن وعينه تطلع للسماء بشرود وابتسامة صغيرة: الليل وسماه ونجومه وقمره، قمره وسهره..
نظر ناحية باب القسم ثم للساعة التي تحتضن معصمه وزفر بملل وهو يعيد نفس المقطوعة: الليل وسماه ونجومه وقمره، قمره وسهره..
دقيقة تقريبًا ووجدها تندفع للخارج مع هذين الشابين الذي تبين له أنه رآهما أيضًا في المشفى، فاتسعت ابتسامته وهو يتابع غناءه بينما ينظر إليها: وأنت وأنا..
قفز عن السيارة واقترب منهم بتمهل، كانت جنى تتحدث بإنفعال وغضب عندما تفاجئت هي والشباب بذلك الغريب يقف أمامهم، عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تطلع إليه بينما يتحدث بجدية: الحجة عاملة ايه دلوقتي يا آنسة جنى؟
ردد سامر بدهشة وهو ينظر لجنى: مراة عمي؟؟ حصل إيه يا جنى؟؟
نظرت له بنفس الدهشة وأجابت: معرفش والله مالها…
ونظرت لعثمان الذي يتابع الحوار بغباء هو الآخر وتحدثت بحدة: أمي مالها يا جدع أنت؟ أنت تعرفها منين أصلًا!!
وعندما فتح فمه ليجيبها قاطعه طارق الذي تذكره فورًا فوقف أمامه بإبتسامة: معلش يا دكتور حقك عليا هم بس مصطبحين ودماغهم مش فيهم.
فضحك عثمان ضحكة صغيرة أبرزت غمزة صغيرة بخده الأيمن وهو ينظر لها: الصنف عالي باين!
لقد تعرفت عليه الآن!
إنه نفس الطبيب من المشفى، الذي تحدث بلطف وحنان مع السيدة التي فقدت ابنتها، لقد تذكرت.
نظرت جنى أرضًا بحرج لتلك السخرية التي تدور عليها وتحدثت وهي ترفع حقيبتها فوق كتفها: بعتذر أنا بس مش مركزة دلوقتي..
صمتت لبرهة ورفعت وجهها لتجيب عن سؤاله الأول بصوت هادئ: معرفش بصراحة أحوالها دلوقتي بس أنا سيبتها هي وجوزها وهي نوعًا ما هادية عن الأول بفضل كلامك معاها.
قالت جملتها الأخيرة بإبتِسَامة صغيرة رقيقة فبادلها إياها وهو يوضح لها سبب سؤاله: أنا فكرتِك حد من أفراد عيلتها عشان كده جيت أسالِك، ربنا يرحمها ويصبرهم على فراقها.
ابتسم وهو يمد يده مصافحًا طارق بالبداية ومن بعده سامر وهو يتحدث معرفًا عن نفسه: عثمان أشرف القاضي؛ اتشرفت بيكم.
أشار سامر عليه وعلى جنى وطارق معرفًا بمرح: أحفاد عيلة الهلالي، إحنا أشرف.
لكزه طارق وهو يصافح عثمان بحرج: تشرفنا بيك يا دكتور..
وقبل أن يغادروا نظر لها وتحدث بصدق وهو يضيق عينيه بتفكير: حاسس إني شوفتِك قبل كده!!
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تحاول أن تتذكر إن كانت بالفعل قد رأته من قبل ولكنها لم تجد شيئًا في عقلها الفارغ.
تفرق كل منهم لوجهته بعد هذا التعريف الصغير؛ دخل عثمان القسم وتحرك الثلاثي للسيارة لتعود جنى للبيت ويعود طارق وسامر للمستشفى كي لا يتركوا والدهم وعمهم بمفردهم.
وبينما كانت شاردة في السيارة شهقت فجأة صارخة وهي تنظر للطريق خلفها بغضب بعد أن تذكرت: الحقير!!!
ولج مكتب شقيقه بعد أن سُمح له بواسطة أحد العساكر بالدخول، تحدث بغيظ وهو يجلس على احد المقاعد أمام المكتب: يعني مزاجي يبقى رايق وداخل بغني يقوموا موقفني برة وقال ايه لازم حضرة الظابط يسمحلك الأول، ولاا أنت مش أخويا يالاا، لا يمكن تكون أخويا وتعاملني كده!
وقف مصطفى يلملم متعلقاته وهو يجيبه بجدية وهدوء: وأنا قولتلك الدخول هنا مش سداح مداح، قولتلك برضو متجيش الشغل هنا إلا للضرورة يا عثمان مش كل شوية الاقيك ناططلي هنا ولا كأنه بيت أبوك!!
رفع عثمان قدمه ليضعها فوق المقعد المقابل له متحدثًا ببسمة مستفزة وبرود: أومال لما تعرف إني سيبت الشغل في المستشفى بقى!! دانا هجيلك بعد كده قبل كل وجبة، نتشارك بقى وكده أنت عارف إني مبعرفش آكل من غيرك!
ترك مصطفى ما بيده وجلس على كرسيه: سيبت الشغل ليه؟؟
وقف ينظر لساعته: لأ دا موضوع يطول شرحه في الطريق بقى، بس قولي…
نظر له مصطفى فاقترب منه الآخر بمكر: حتة البُغاشة اللي كانت هنا معاك تفاصيل بيتها ورقمها وكده صح؟؟
– الآنسة جنى!
اومأ بإبتِسَامة واسعة وثقة فأردف مصطفى وهو يتحرك للخارج ومن خلفه عثمان الذي ينصت بتركيز: بعد اللي قولته يوم ما شوفتها انسى تديك فرصة للكلام، واحدة بنت ناس ومحترمة زيها مش هتقبل بواحد يقول عنها حتة عباية سمرا..
توسعت عينيه وقد تذكر أين رآها لأول مرة، تمتم وهو يرفع يده ووجه للسماء بعد أن صارا خارج المكان يدعو برجاء: يارب ما تفتكر يارب..
صعدا سيارة عثمان حيث جلس مصطفى لجانبه وهو يقود: وأنت لحقت عرفتها امتى يا عثمان؟؟ جاي تسأل مرة واحدة عن رقمها وعنوانها؟؟!!
أجابه بإبتسامة وهو يشرح له بجد: الحقيقة مفيش حاجة في شكلها جذبتني ليها عشان أكون صادق بس شخصيتها لوحدها حوار، حاجة special كده ومزيج رائع من القوة والحنية والحياء.
صاح به مصطفى بتحذير وهو يشير للأمام: والطريـــــق…
ضحك عثمان وهو يتابع بعد أن تركت تلك الضحكة بسمة صغيرة لتزين ثغره: ماتفهمش إزاي عرفت تعمل دول كلهم وهي شخص واحد! يعني ساعة ما لسعت الواد على وشه حسيت إنها واحدة بمية راجل وقد المسؤولية وفي المستشفى كانت بتتكلم مع الست بحنية وأسلوب عسول أوي!!
إبتسم مصطفى على وصف أخيه الأصغر لتلك الفتاة ثم اخرج هاتفه على رقم جنى المسجل معه وأرسله له في رسالة على أحد التطبيقات.
في حين كان عثمان مستمر في وصفها بإعجاب: ولما وقفت واتكلمت معاها حسيتها حد تالت خالص، كانت رقيقة وبسكوتة كده فاهم؟؟
اومأ مصطفى ضاحكًا بخفة: ايوة أيوة فاهمك.
نظر له واسترسل بجدية: بعتلك الرقم اللي كلمتها منه بس يستحسن ماتكلمهاش إلا لما أبعتلك العنوان بكرة، اسأل الأول واعرف أهلها مين…
تنهد مصطفى ونظر للطريق أمامه وتابع: اللي ضربته النهاردة ده خطيبها السابق أصلا، انفصلوا بكل هدوء واحترام زي ما فهمت من كلامها، بس هو كان شخص زبالة زي ما أنت فاهم، أجّر شوية بلطجية دمرولها مكان شغلها، كان باين عليها مقهورة وزعلانة عشان كده معرفتش تتماسك لما شافته..
ورغم صدمته بأمر خطبتها إلا أنه تحدث بضيق: يلهوي على الإنسان لما يتفرعن ويفكر نفسه حاجة! ده إيه الجحود ده يا جدع! صحيح عيل كِلح ويستاهل بدل القلم عشرة.
ضحك مصطفى عاليًا وهو يسأله: أنت سمعتها؟؟
شاركه عثمان الضحك وهو يجيبه: دانا كان نفسي أسقفلها والله، بت king بصحيح.
وتبادلا أطراف الحديث بين مزاح عثمان وغيظ مصطفى حتى وصلا للوجهة المقصودة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميعنا رغم كثرة مَن يحومون حولنا من أصدقاءٍ وعائلة إلا أنّ هناكَ بعضُ الأوقات التي نحتاجُ فيها للإختلاءِ بأنفسِنا، لإفراغ الشحنات السلبية وإعادة تجديد طاقتنا، لا تخبرني عزيزي القارئ أنك لم تمر بتلك اللحظات؟!!
دخلت جنى منزلها أخيرًا بعد ذلك اليوم القاسي، وتوجهت مباشرة لغرفتها تجر قدميها الثقيلة رغمًا عنها للداخل.
ألقت الحقيبة والحذاء بعشوائية بعد أن اوصدت الباب عليها من الداخل، جلست فوق الفراش صامتة لدقيقتين، تسترجع أحداث اليوم من البداية.
أولًا عندما استيقظت من نومها على خبر مفزع وهو تحطم مكتبها، ثانيًا لمّا وبخت من قبل والدها بعد أن علم بأمر السحر الذي صنع لهم، ثالثًا فقدان بسملة لوعيها لتمر لحظات مؤلمة وقاسية على الجميع وهم ينتظرون أن تستفيق، رابعًا ما حدث لزوجة عمها منة وإستكشافهم أنها من فعلت هذا بهم، خامسًا هوية مَن دمر لها حلمها وجعل منه مجرد حطام، وأخيرًا تلك المواجهة بينها وبين شقيقتها ندى والتي لم تزدها سوى ألمًا.
كل هذا بيومٍ واحد، كل تلك الأحداث دفعة واحدة وكل هذا تحملت هي أمره بمفردها، رفعت وجهها تطلع لسقف الغرفة بدموع أغرقت وجهها، أليس هذا كثيرًا يا الله؟!!
انفجرت بالبكاء وهي ترفع قدميها عن الأرض تخبئ وجهها بينهما لتبكي براحة، يفوق كل هذا قدرتها، هي ليست بتلك القوة التي تظهرها، لا يمكن لبشر أن يتحمل كل هذا مهمًا كان!!
– يارب … يارب.
رددتها من بين بكائها، رددتها وهي تتمنى أن تشرق شمس الأمل لتزيح ظلام الحزن واليأس الذي يحيط بها، انهارت بمفردها تشكو حزنها إلى الله، تدعوه أن يبدل ذلك الحزن فرحًا وأن تعود لها ذاتها التي فقدتها بين ليلة وضحاها.
ومر ذلك اليوم الثقيل على الجميع، كان يومًا متعبًا مليئًا بالصدمات والأحداث المؤلمة للجميع، يومًا رغم بزوغ الشمس وانتشار ضوئها الذي يبث الأمل في نفوس الكثير إلا أنه كان مظلمًا للبعض..
في صباح اليوم التالي عند الساعة التاسعة وبضع دقائق، كان صوت الضجيج عاليًا ببناية عائلة الهلالي الذين كانوا يتحركون بعجلة في كامل المبنى.
كان كلٌ من سامر وطارق يساندون زوجة عمهم التي خرجت صباحًا من المستشفى ومنذ ذلك الحين لم تنطق بأي كلمة، من خلفهم كانت تسير ندى وهي تحمل بعض الأدوية التي كتبها الطبيب لها ولجانبها مجد الذي كان يراقب السلالم على أمل أن يراها ويتحدث معها.
بينما خارج العمارة كان يصف حامد السيارة بينما يتحدث مع أخيه توفيق يحاولان إيجاد حل مع تصرفات اخيهم الذي لا يهتم بالمرة لزوجته وابنته.
وبالطابق الأخير حيث منزل سلطان، كانت السيدة شهيرة زوجة حامد ترتب المنزل بمساعدة بسنت ووجيهة وبسملة استعدادًا لعودتها.
ورغم زهولهم وتعجبهم من هيئة المكان إلا أن لا واحدة منهن نطقت ببنت شفة، حتى وصلت منة مع الشباب لمنزلها.
لم تستطع وجيهة ان تستقبلها أو ترحب بعودتها سالمة كما فعلت شهيرة فمجرد أن سمعت صوتهم يقترب حتى تركتهم وتحركت للأسفل ولحقت بها بناتها.
وتلك اللافتة جذبت انتباه الجميع ولكنهم رغم هذا التمسوا لها العذر فما فعلته منة ليس بشيء صغير يغفر.
– بسملة!
همس لها مجد وهي تمر من جانبه فرمقته بنظرة مؤلمة لم يفهم سببها، أدار رأسه للخلف بعد أن تخطته للأسفل علها تطالعه ويفهم منها سبب تلك النظرات لكنها لم تلتفت نصف التفاتة حتى!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت البنات)