روايات

رواية فرط الحب الفصل السابع 7 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الفصل السابع 7 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الجزء السابع

رواية فرط الحب البارت السابع

فرط الحب
فرط الحب

رواية فرط الحب الحلقة السابعة

بعد مرور أسبوع، وقف “بيجاد” على باب الغرفة التي بات ينمق عليها لقبوع زوجته الغاضبة بها بينما هو يتلوى وحيدًا مرهقًا في غرفتهما التي تعذبه بما تحمله من أطياف ليالي حُبهما سويًا.
مال برأسه يحاول التصنت عليها وحين تأكد أنها لا تزال نائمه حتى وقت الظهيرة تأوه في شوق وحنين قبل أن يعود لغرفته مرة أخرى لتبدأ رحلة تعذيبه النفسية مبكرًا عن موعدها الليلي، فابتعادها يسرق قطعة من روحه كل ليلة فتخرج من جسده هائمة في توق للانضمام إليها.
خرج من افكاره وهو يلعن يوم الاجازة على رنين هاتفه لكنه ابتسم حين أتاه صوت اخيه المتذمر:
– أنا كرهت كل الستات اللي في الدنيا، هي فاكرة نفسها مين عشان تعمل معايا كده؟
– ريان ركز يا حبيبي إنت اللي عامل وإنت اللي سيبتها فاكرة نفسها مطلقة لما يقارب السنة.
– مش مبرر.
هتف “ريان” منفعلًا في حنق وهو يبحث عن سجائره ليزداد انفعاله حين لا يجدها ففتح باب الغرفة وصاح بصوت عالي من بين اسنانه:
– علبة سجايري فين؟
– رمتها من البلكونه.
انفجر “بيجاد” ضاحكًا حين وصلته كلمات ريم اللامبالية وازدادت ضحكاته وهو يستمع إلى انفاس شقيقه تعلو وتعلو تعلن عن انفجاره الوشيك فقال “بيجاد” وهو يحاول التحكم في ضحكاته:
– اهدى هي بتلاعبك عشان تطلع اسوأ ما فيك متدهاش الفرصة.
– وتطلع أسوأ ما فيا ليه، انا هتجنن دي بتعامل عُمر كأنه أكبر مني.
– إنت بتغير من ابنك ولا ايه؟
اخبره “بيجاد” في لهجة مشاكسه وللحظه شعر بالاستمتاع لمعاناة شقيقه الذي خرج عن طور لامبالاته:
– أغير ده ايه انت كمان، لا طبعًا بس انا راجل وليا طاقة احتمال وشغل التجاهل ده مش هيجيب معايا نتيجة.
استطرد “ريان” في دفعة واحدة وكل جسده ينتفض في حاجة ماسة إلى الدخان قبل ان يقتل احد ما خاصة هي التي تتعمد تجاهله وكأنه لا قيمة له.
– طيب ايه رأيك تعزمنا على الغدا ونخلي وسام تحنن قلبها عليك، ريم بتحب وسام.
– ان شاء الله عنها ما حنت، وبردو هتفضل على ذمتي ورجليها فوق رقبتها.
للحظة شعر “بيجاد” بالامتنان لإن ابتلاءه كان الغضب فقط وإلا كان سينتهي به الحال مقتولًا على يد وسام زوجته الغالية، سعل بخفة قبل ان يخبر ريان في نفاذ صبر:
– يا ابني العناد مش من مصلحتك جُر معاها ناعم بلاش غشم.
– هي مدياني فرصة دي طول الوقت في اوضه عُمر، أدخل تطلع المطبخ، أروح المطبخ ترجع الأوضة.
اخبره “ريان” في حقد وهو يتابع من خلف الباب المفتوح خطواتها الهادئة وهي تتمايل وتسرق ما تبقى من عقله في ذلك الرداء القطني البيتي الفوق العادي لكنه تفنن في إبراز مفاتنها أم انه الشوق فقط قد نال منه ويهيئ فتنتها إليه مهما ارتدت ولو كانت قطعة قماش بالية.
– قولتلك اعزمنا.
انتفض “ريان” على صوت “بيجاد” وقد تناساه تمامًا ثم بلل شفتيه قائلًا في موافقة:
– خلاص مستنيكم على الغدا، متتأخرش ساعة وتكون هنا.
ما ان انتهت المكالمة حتى اتجه “ريان” لإعلامها بحضور شقيقه وزوجته، ومشاعره تتسابق داخله في حالة يرثى لها.
*****
تأففت “ريم” في احتجاج واحباط من مشاعرها التي تتلاعب بها لكنها لن تيأس وستبقى على موقفها الناقم عليه يكفي تذكرها لرغبته في ان تبحث له عن عروس ليتصاعد الغضب والحقد داخل صدرها، بالطبع لن تبحث له عن امرأة مسكينة ليعذبها بجفائه هي متأكدة انها كلها أيام قليلة وسيتوجب عليه العودة لعمله في الخليج ووقتها لن يجد مفر من تطليقها.
كما ستحرص على تجاهله حتى تحصل على حريتها مهما كلفها الأمر، يكفيها سذاجة بأن تعود للإيمان بالحب والسعادة فالواقع اقسى من ذلك بكثير، تنهدت متعجبة كيف انخدعنا وقد كان الزمن صريحً فجً في النهايات فما كانت ليلى لقيس ولا كان الحب عفيف إلا لابن بني العَذرة.
ضحكت في سخرية حتى اننا لا نعرف من هو جميل ابن قبيلة بني العَذرة لأننا اخترنا إشهار قيس وجنونه على العفة، شعرت بالاختناق رافضه العقل والتفكير يكفيها ما يدور في خلدها ففتحت البراد لإخراج الحليب ثم جزت على اسنانها تحاول تجاهل دقات ذلك الخائن بين أضلعها حين دلف “ريان” في خطوات حازمه واثقة ليقف بجوارها في صمت.
رفعت حاجبها بتساؤل ورأسها يميل للجانب قليلًا في تعجب لهذا الاقتراب المباشر وقد تعمدت تجاهله والاختفاء عنه قدر الإمكان.
وتعترف بانه لم يشعرها شيء برضا وتشفي اكثر من نظرات الغضب والشوق في عيناه الجذابة الساحرة التي تسرقها من متاهات العقل وترميها في دوامات العشق المدمرة.
جحظت عيناها في شراسه لمنحنى افكارها وابتعدت خطوة هربًا من نظراته المشتعلة فأوقفها بصوته الخشن الأمر:
– روحي غيري هدومك ومتعمليش غدا، بيجاد ووسام هيتغدوا عندنا وهبعت اجيب غدا جاهز.
تنفست ببطء كي لا تنفجر في وجهه الوسيم الحاد بانها ليست في مزاج يسمح بوجود ضيوف كما ان وضعهم المريب لا يسمح باستضافتهم لأي كائن كان، لكنها تحاملت على ذاتها لاستكمال مسرحية اللامبالاة والتجاهل التي تعلمته منه وعلى يده فهو الأستاذ الأول والأخير.
جذب “ريان” سكين من جوارها وبدأ في تقشير ثمرة فاكهه، منتظر إجابتها وهو يحارب الهاء أفكاره مجنونة عن تملكها لكنه لم يتحمل صمتها فقال في حده:
– أنا بكلمك، ردي عليا.
ارتفعت عيناها تتعلق بنظراته المشتعلة، فثارت الدماء في عروقها وهي تتذكر هيامها به وتصريحاتها اللامتناهية عن سعادتها فضلًا عن اعترافاتها المراهقة بالحب ما أن تزوجها بينما هو الخبيث الماكر لم ينطق لها مرة واحدة باعتراف عن حبه لها ورغم ذلك كانت مغيبة تقنع ذاتها بأن الحب يشع من افعاله ولمساته الحارقة لها.
ارتبكت دقات قلبها فسألت ذاتها ساخرة الا تثير ذكرياتك شعورك بأمرً ما وكأنه لا ولم يحبك من الأساس أيتها الساذجة البائسة!!
فكرت وهي توبخ كل خلية صرخت بحبه يومًا، تخطت جسده للخارج دون اهتمام بعينيه المتسائلة فاتبعها ريان يشعر بكل عضلة في جسده تتصلب في تمرد لتجاهلها وكاد يصرخ بها ولكن شعاع ذهبي خافت حين رفعت يدها لفتح باب غرفتها سرق صوابه قبل أنفاسه فلم يشعر إلا بفوران رأسه وصوت كصهيل الخيل يعلو في أذنه.
وتلقائيًا وجد ريان نفسه يندفع من خلفها مغلقًا الباب خلفه مزمجرًا في جنون وهو يعتصر كفها الأيمن بين اصابعه القوية ويديرها نحوه:
– ايه ده ؟!
تأوهت “ريم” بألم وهو يكاد يكسر عظام اصابعها فصرخت به في هلع:
– هتكسر إيدي يا متوحش، ابعد ايدك عني.
لم يبالي بألآمها وآهاتها بل رفع كفها امام وجهها ليعيد سؤاله في جنون ومشاعر أخرى سلبية لا تستطيع تحديدها:
– ايه اللي إنتِ لابساه في صباعك ده؟
انتبهت اخيرًا إلى تلك الحلقة الذهبية التي تحيط بأصبع الخطوبة في يدها اليمنى وقد نست تمامًا خلعه ولكن مهلًا لما عليها الهلع والتبرير.
جذبت يدها في عنف من بين اصابعه القوية ودفعته في صدره بهجومية وشراسة لم يعهدها منها ثم استطردت في استهجان:
– اعتقد انت مش أعمى وأكيد شايف أيه هو ده.
اقترب منها بتهديد وقد احاطت الغيرة بكل كيانه وجوارحه ليعتصر ذراعيها ويزمجر:
– اقلعيها حالًا.
حاولت إبعاد ذراعيه الصلبة عنها وحين فشلت قبضت بغل على مقدمة ملابسه فوق صدره ثم صرحت في تحدي:
– مستحيل.
– اقلعي الدبلة بقولك.
دوت ضحكتها المكان لتعض على شفتيها قبل ان تخبره في تشفي وغرور:
– اقلعها ليه لما قريب هنقلها للايد التانية.
اغمضت جفونها في راحة وغرور رغم اصابعه التي ارتفعت لتنغرس في وجنتيها تقبض على فكيها في وحشية قبل أن يصرح مستنكرًا:
– على جثتي يا ريم، اقلعي الخاتم بالتي هي احسن بدل ما اقطع صوابع ايدك كلها.
شهقت حين انتبهت للسكين الصغير الذي لا يزال بين قبضته فضغطت على جفونها وللحظة تملكها الرعب وتصارعت دقاتها بين طيات صدرها.
انتبه “ريان” فألقى بالسكين أرضًا وأقترب يؤكد في قوة مزمجرًا :
– وفري خوفك عشان لازم يكون مني أنا لو مسمعتيش كلامي.
تعمد الاقتراب للتلاعب بمشاعرها المرتعبة ولكن كل ما فعله اقترابه هو دب الارتباك داخلها وقد صارت تائهة هائمه في قوة جسده وهيمنة حضوره المختلطة بتلك الرائحة الرجولية الخلابة التي تحيطها من كل جانب فارتعش جسدها في شوق لكن لحسن حظها ترجمها الغبي كرعشة ألم وتبًا لغرام يقذفك في التهلكة ويتركك خالي الوفاض بلا حول لك ولا قوة.
خفف “ريان” قبضته وهبط بها لتلتف حول عنقها الناعمة ثم همس بصوت أجش مخنوق غلب عليه طوفان مشاعر بين خنقها والانتهاء من عذابه أو ضمها نحوه ليمتلكها حتى أخر قطره عسى أن ينطفئ شوقه وتعود إليه راحة البال:
– ما تخرجيش اسوأ ما فيا واسمعي الكلام.
انفرجت عيناها في حده وتعجب ريان لتلك اللمعة التي انبثقت من مقلتيها، ولكن سرعان ما انغلقت عيناه وعلت انفاسه في قسوة عندما أخبرته ببطء فج وكأنها تستمتع بإيلامه:
– لو قلعتها كده هتطلع أحمد من حياتي؟
صمتت “ريم” ثوان قبل ان يشعر بأنفاسها تقترب من وجهه لتدحرج كلماتها في دلال أنثوي ماكر مملوء بالإغاظة:
– وعلى فكرة حتى الهدوم اللي انا لبساها من محل أحمد.
شعرت برضا وانتصار للوجوم المرتسم على وجهه “ريان” ليظهر اخيرًا نقطة ضعف ستعمل على استغلالها أفضل استغلال للحظة تمنت لو يفتح عيناه فتعايش في سرور الألم داخلهما.
ولكن ذلك الرضا تراجع أمام ارتباكها ما ان ظهر شبح ابتسامته على شفاه المحاطة بخصلات شاربة القصيرة والتي اتسعت ببطء على وجهه المزين بذقن أسود منمق.
لتنحصر أنفاسها داخل صدرها في ذعر عندما اطلق صراح جفنيه وطالعها بتلك العيون السوداء الملتهبة كالحمم البركانية قبل انفجارها من أعماق الأرض.
صرخت في صدمة وهي تشعر بأصابعه تتشابك مع مقدمة قميصها الحريري فيجذبه بقوة ليعلو صوت تمزق الثياب فوق اعتراضها وهي تحاول الابتعاد عن يداه المدمرة:
– إياك، إياك تعملها يا ريان .
ضحك في قسوة بلا اهتمام لتهديداتها واتجه لجانب كتفها لتمزيق القميص وخلعه عن جسدها بالقوة لكنه تفاجئ بها تقبض علي تلابيبه في عنف وهي تصرخ مستهجنه:
– بقولك إياك تلمسني.
– اهوه بلمسك وريني هتعملي ايه؟
قالها وهو يجذبها نحوه ويستمر في عبثه بملابسها متعمدًا ملامسه جسدها الذي صار شبه عاريًا فمالت على عنقه تغرس اسنانها الحادة فيه بقوة مخرجة صيحة كصيحة المحاربين.
كتم ريان تأوه قاتل وهو يبعد عنقه عن مرمى هجومها فأحكم قبضته خلف عنقها ودفعها بشيء من الحدة حتى سقطت فوق الفراش فاندفع يجذب ساقها محاولًا انتزاع باقي ملابسها وسط صراخها المرتعب ويقسم انه كاد يضحك في مرح لولا القهر في صدره حين هتفت من بين اسنانها محاولة الزحف بعيدًا عنه:
– يا عُمر الحقني، تعالى شوف أبوك بيعم …
كتم أنفاسها بكفه الكبير وهو يثبت ساقيها بركبتيه ويستقر شبه مستلقى فوق ظهرها وهدر بين انفاس متهدجة:
– نادي عُمر وماله خليه يجي يشوفك وانتي بالمنظر ده،
بطلي عض، قولتلك من الأول اقلعي اتحملي بقى نتيجة عنادك.
حذرها وهو يضغط بكفه على فمها يمنعها من قضمها ثم هبط بصدره فوق ظهرها يوقف بثقله مقاومتها الباسلة الرهيبة بإخراج الهواء من صدرها فصارت تحارب لالتقاط انفاسها ليس بسبب ثقله فقط بل لهذا الاقتحام المهلك السافر على مشاعرها خاصة حين مد ذراعيه مستهدفًا بقايا ملابسها الفضفاضة.
غمغمت في ذعر وكل لمسه عشوائية من يديه الخشنة تشعل داخلها ذكرى لمشاعر ترفض الاعتراف بوجودها، ضغط عليها يكتم أنفاسها اكثر فخرج منها صوت كحيوان جريح يرفض الاستسلام للموت قَابله هو بزمجره مفترسه وقد تاه في شعوره بجسدها الصغير ومن غيره يدري السعادة الكامنة خلف امتلاك ذلك الجسد.
نسى هدفه الاساسي وتوقف فجأة يسب بألفاظه الفجة وقد انتصر الشوق والحنين عليه فترك ذراعها المرتعش يعيد ما تبقى من ملابسها لمكانه واتجه هو لجانب عنقها مستقرًا بشفتيه فوق بشرتها الحمراء نتيجة معركتهما الحامية لتتولى شفتيه مهمة وشم كل مكان تصل إليه فوق عنقها وكتفها في شغف وشوق مجنون.
غرقت “ريم” في طوفان عشقه وأنينها المخجل يعلو دون هوادة وسط جسد ضعيف قطع عنه الهواء وضوء ابيض يدور تحت مقلتيها يمنعها من السيطرة على انفعالات جسدها لكنها نجحت في الهمس بين اصابعه المرتخية على فاهها في تقطع:
– ريان كفاية…هقلعهم …لا … كفاية يا ريان ابعد…
لم يبالي لاعتراضاتها الواهية فقد ارتوى كبرياء رجولته وغروره اخيرًا وهو يشعر بها تتفاعل معه بعد تجاهل احرقه أيام وليالي فرفع صدره عنها قليلًا يسمح لها بالتنفس ويسمح لكفه بأن يرفع رأسها للأعلى فيستقر بشفتيه في لوعه فوق ثغرها ضاغطًا عليه بعنف قبل ان يلتهم روحها في اقتحام ضرب فيه أفكارها داخل خلاط بيولوجي حار اذاب خلايا عقلها لينتقل معها في قبلة كشفت الستار عن مكنونات مجنونة تتخبط في صدره وتندفق في دماءه.
شعر بها بعد مدة تتصلب وتحاول الابتعاد فتركها في محاولة للسيطرة على جسده المهتز بالعاطفة فوصل إلى مسامعه همسها الخفيض الغير مفهوم:
– الجرس …عُمر ..الباب.. مش قادرة اتنفس.
انهت جملتها وهي تحاول زجه من فوق ظهرها ليبتعد في سرعة ما أن اتاه صوت صغيره المرحب بعمه “بيجاد”، حاول السيطرة على انفاسه المتهدجة بينما يعدل ملابسه المنكمشة بسبب صراعهما لكنه توقف ومال في سهوه منها ليجذب الحلقة الذهبية في خفة من اصبعها وسط استسلامها قبل أن يردف:
– بيجاد ومراته وصلوا، غيّري ومتتأخريش.
مسح وجهه بملاءة السرير في تعجل وكأنه يزيل أثار شوقهما ثم حرك اصابعه يعدل خصلاته القصيرة قبل ان يتنفس في بطء ويتجه للخارج بينما حالة السكون والاسترخاء الذي تملك جسدها الذي لم يتحرك من موضعه انشًا منذ ابتعاده عنها يعبث في ثباته ويكاد يدفعه للخروج فقط كي يطرد ابنه مع اخيه وزوجته حتى يتمكن من العودة واقناعها على طريقته الخاصة بأنها امرأته.
خرج “ريان” بوجه يعبر عن انفعالاته وما ان تعلقت جميع العيون عليه حتى لعن بين أسنانه، ارتبكت “وسام” وابعدت انظارها لعُمر بحرج قبل ان تقول:
– فين الحمام يا حبيبي، ازيك يا ريان؟
– الحمدلله، ودي طنط يا عُمر.
ابتعدت بخطوات متعجلة في خطى عُمر الراكض فالتفت “ريان” نحو “بيجاد” الذي استقبله بابتسامة واسعه مشاكسة وهمس في نبرة مازحة:
– الله ما انتوا زي السكر اللي محطوط على كريمة اهوه،
اومال انت جايبنا عايز مننا إيه؟
قذفه “ريان” بنظرات محذرة قبل ان يجيبه في حده:
– ركز نباهتك في مهمتك وحط لسانك في بؤك.
مرت دقائق قبل خروج “ريم” الخجلة التي ارسلت ابتسامه ضعيفة لبيجاد فلا تزال تشعر بالحرج منه لأنها دأبت على رفض مقابلاته والتشاحن معه كلما أرسله ريان اليها، وتخجل لأنها كانت تصب بغضبها على أخيه فوق رأسه دون مبرر.
– أهلا يا بيجاد.
– أهلا بيكي، ازيك؟
رد بحرج فهو الآخر كان يدأب على مشاجرة رئيسها في العمل المزعج كلما ذهب لها، انقذ كلاهما خروج “وسام” التي اتجهت بكل مرونة واريحيه لاحتضان “ريم” في عناق حاني قائلة بسعادة يشوبها لمحة من العتاب:
– الناس اللي مفكرتش تسأل مرة ووحشتني موت.
اغمضت “ريم” جفونها ولوهله انتفض قلبها بين ضلوعها، فكم مر عليها منذ عانقها أحد، احتضنتها “ريم” هي الأخرى قبل ان تجيب مشيرة إلى بطنها المنتفخ:
– حقك عليا، بس اكيد النونو لهاكي عني وعن الدنيا.
– حصل.
اجابت “وسام” بابتسامه واسعه هام بها “بيجاد” المبتسم كالأبله وهو يتابع عفوية زوجته التي غابت عنه كثيرًا وتنهد حين لكزه ريان هامسًا باستنكار:
– إنت جاي تحل مشكلتي ولا مشكلتك عشان ابقى معاك على الخط.
– يا ساتر اهي الانانية اللي فيك دي هي سبب كل مشاكلك، فيها ايه لما احللك مشكلتك واحل مشكلتي!
نظر له “ريان” بتوجس وتابع كلاهما وسام وريم وهن يبتعدن عنهما دون اي اهتمام بهما، فعقد “ريان” حاجبيه وهو يشبك ذراعيه أمام صدره قائلًا:
– أتمنى انها تكون وخداها بعيد عشان تعقلها.
ابتسم بيجاد في مشاكسة مغيظة ومط شفتيه بقلة حيلة مجيبًا:
– والله انت وحظك مع الستات.
مرت الساعات سريعًا بين الأربعة ولأول مرة منذ فترة طويلة يشعر ريان براحة الوجود في المنزل رغم تعمد ريم لتجاهله.
نظر لها وهي منسجمه في حديثها مع زوجة أخيه بينما أصابعها تداعب خصلات عُمر المستلقي على ساقها فشعر بغيرة لان الجميع يتمتع بحنوها وحبها المفرط عداه هو.
جذب أنفاس متمردة و ود لو يحملها فوق كتفه ويعود بها لتلك الغرفة ليتمكن من استرجاع لحظاتهم المسروقة في الصباح بشكل أكثر عمقًا حتى يرضى كلاهما ولكن لديه شعور قوي بانه ان فعلها ستأكله حيًا.
تنهد وعاد للحديث مع بيجاد الذي مال نحوه مؤكدًا في مكر:
– انك تكتم كلام عينيك بتصرخ بيه وتبقى فاكر انك بتحمي نفسك ده قمة الوهم.
تسمر “ريان” للحظة ثم ارتفعت عيناه السوداء لالتقاط عيون أخيه المتفحصة والواعية بما يدور في خلده من زوبعة لا نهاية لها، عم الصمت بينهما ولم يجيبه “ريان” لكنه شعر بثقل كبير يجثم فوق صدره وكاد يصرخ في أخيه لأنه يصر على تذكيره وربط حياته واحداثها بالماضي المقزز الذي يحرص على نسيانه بجفاء.
فأستكمل “بيجاد” في اصرار بنبرته الخفيضة الجادة:
– كون انك مقولتش انا حزين بعد وفاة ابونا مش معناه انك مش حزين عليه ولما متقولش انك محروق من جواك عشان مات مقهور مش معناها انك مرتاح.
أغمض “ريان” عيناه في غضب وقد عادت به الذكريات لسنوات مضت حيث توفى والدهُ المسكين عامل المصنع البسيط الذي عمل بكد وطاعة ليملئ بطونهم ، لازال يتذكر وقوفه فوق رؤوسهم ليوقظهم لصلاة الفجر بل أسوأ فهو لازال يتذكر ذلك اليوم الأسود الثقيل حين عاد أبيه بملامح تحارب لقمع شعور بالقهر والذل وفي ذيله دلف شقيقه “بيجاد” الصغير الذي أصر منذ أيام مرافقه والده المسن إلى العمل لمساعدته متحججًا إنه لا يهوى الدراسة مثل ريان وليان.
ليتقدم “ريان” من والده متسائلًا هل كل شيء على ما يرام؟
فيجيبه والده بأن الأمور كلها على ما يرام في حين انه لا يوجد أمر واحد في هذه الدنيا بخير او على ما يرام، فقد علم من شقيقه وقتها انه تشاحن مع ابن مالك المصنع المدلل الذي يتعمد إلقاء قمامته لإذلال والده الذي يناديه ليقوم بتنظيفها امام عينيه ليتفاجأ بعدها بهبوط مالك المصنع الذي وقف أمامهم فصفع والده بمنتصف المكان متهمًا إياه بالفشل في تربية ابناءه، وقتها حاول “بيجاد” الثوران في وجهه الرجل فمنعه والده الذي اكتفي بنكس رأسه والاعتذار وربما هذا هو سر اهتياج شقيقه الأبدي مع أي غريب.
يتذكر فوران دمائه والقهر الذي شعر بها وقتها ولكن لن يفوق شيء ابدًا شعوره بالحسرة والقهر حين دلف لأيقاظ ابيهم فوجده جثة هامدة، ضحية لأرواح أعمتها متاع الدنيا وتجردت من الإنسانية.
اضطرب حين هاجمه صوت شقيقه من جديد وهو يستكمل مهمته القاسية:
– ولو انت مش بتقول أنا بحبك يا ريم .. ارجعيلي،
ده مش معناه ابدًا ان عينيك مش راكعه تحت رجليها وبتتمنى بس تبصلك بطرف عينيها.
وقف “ريان” يصك أسنانه بحده وجسده يغلي ويكاد ينفجر من هول مشاعره المتفاقمة، هاتفًا في شقيقه مجفلًا الفتاتان:
– روّح يا بيجاد.
وقفت “ريم” بفم مفتوح لا تصدق أفعاله المهينة وقالت محذره وهي تلاحظ ارتباك “وسام”:
– ريان !
وقف “بيجاد” في بطء وارتسمت ابتسامه كبيرة منتصرة على وجهه وهو يشير لزوجته بمنتهى اللامبالاة معلنًا:
– كده كده هنروح عشان اتأخرنا على أم وسام، يلا يا حبيبتي.
اتجه “بيجاد” نحو زوجته المرتبكة ليقبل رأسها في حنو ويطمئنها بنظرة حب، ولم يفت “ريان” المشهد المفتعل من شقيقه كما لم يفته تلك اللمعة الصغيرة التي انطفأت سريعًا في عيون الريم طفلته.
ابتلع إهانة جديدة لشقيقه وعرضه المسرحي حين أصر على احتواء زوجته تحت ذراعه وهو يرمي السلام عليهما ويغلق الباب خلفهما.
التفتت “ريم” الغاضبة نحوه وقالت في نبرة مغتاظة حائرة:
-بنى أدم جاحد، طالما هتطردهم عزمتهم ليه من الأول؟
– مطردتهوش، سمعتي بيجاد قال لازم يروحوا.
قال في هدوء لا يزال تائه في دوامات ايقظها شقيقه الأحمق داخله فأومأت رأسها بقلة حيلة قبل ان تلتف لعُمر هامسه:
– يلا يا عُمر عشان ننام.
جلس “ريان” ما ان اختفى كلاهما وتنهد في مرارة فعقله لن يتوقف عن الدوران الليلة مشاركًا بذلك عقارب الساعة في رحلتها.
********
نبذة عن جميل بن معمر من قبيلة العذرة للتوضيح:
تلك القبيلة، وكانت مشهورة منذ العصر الجاهلي بالقوة والمنعة والشرف وقد دخلت بنو عذرة الاسلام في السنة السابقة للهجرة، وشارك أبناؤها في غزوات الرسول وفي الفتوحات الإسلامية وإلى بنى عذرة ينسب الحب العذري، وهو نوع من الوجد يستبد بالعاشق فيسيطر عليه خيال محبوبته، ويظل يفكر فيها ليلا ونهارا، ممتنعا عن العمل والطعام حتى يصل إلى درجة من الهزال قد تفضى به إلى الموت .
حدث هذا للشاعر جميل عندما رأى بثينة وهو يرعى إبل أهله، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء، فنفرت إبل جميل، فسبها، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه، أى سبته هى أيضاً وبدلا من أن يغضب أعجب بها، وتطور الإعجاب إلى حب، ووجد ذلك صدى لديها، فأحبته هى الأخرى ، وراحا يتواعدان سرا. وكلما التقيا زادت أشواقهما، فيكرران اللقاء حتى وصل الخبر إلى أهل بثينة وبدلاً من أن يقبلوا يد جميل التى امتدت تطلب القرب منهم في ابنتهم رفضوها، وتوعدوه بالانتقام، ولكي يزيدوا النار اشتعالاً سارعوا بتزويج ابنتهم من فتى منهم.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى