رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء السابع والثلاثون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت السابع والثلاثون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة السابعة والثلاثون
٣٧– ” حلم عروس ماريونيت ”
جلس راسل بالفراش ،بعدما كان متكئاً على الوسادة الموضوعة خلفه ، يحدق بالقلادة الموضوعة بكف يده تارة ، ويحدق بوجه إيلين تارة أخرى ، أصابته رجفة خفيفة ، ولكن كانت كافية بأن تجعل جسده ينتفض على إثرها ، فآثار الحمى التى أسقطته بحالة من الإعياء الشديد باليومين الماضيين ، مازالت ساكنة جسده ، كتلك الحرارة التى غزت وجهه وأشعرته بصداع جعل من الصعب عليه أن يمعن نظره بما حوله جيداً
– معقولة أنتى إيلين بجد
هتف راسل بعبارته ، وأعتصر جفنيه لعله يتأكد حقاً أن من تجلس أمامه الآن هى إيلين ، وليست شبحاً أو طيفاً ، كتلك الأطياف التى زارته بأحلامه المحمومة بمن أوردت قلبه مورد الهلاك وتركته غير عابئة بما سيعانيه ويلقاه برحيلها عنه
– أيوة أنا إيلين يا راسل مش مصدق
أماءت إيلين برأسها مراراً ، كأنها تريد ترسيخ حقيقة وجودها أمامه ، فأدركتها حالة من السعادة لرؤيته ، ولكنها لم تكن تريد مقابلته بتلك الظروف العصيبة ، التى لم تعلم أسبابها حتى الآن ، فرياض رفض البوح لها بما أصاب ولده ، مكتفياً بإخبارها أنه أصيب بحالة من المرض والإعياء ، الناتج عن إرهاقه الشديد بعمله
فوضعت شعرها خلف أذنها متسائلة بشئ من الفضول :
– بس إيه اللى جرالك خلاك تعبت أوى كده ، وأنت حياتك عاملة إيه دلوقتى ، أنا كل اللى فكراه أخر مرة قابلتك فيها قبل ما أسافر روسيا
رد قائلاً وهو يتبسم بألم ، كأنه يسخر من حاله :
– يااااه دا حصل كتير أوى يا إيلين
قطبت إيلين حاجبيها بتعجب ، من رنة صوته المرهقة والمتألمة ، فأشفقت على حاله وهى تقول برقة :
– شكلك موجوع أوى يا راسل ، صوتك بيقول أن اللى حصل مش كتير بس لاء دا كمان يوجع الروح والقلب
حرك رأسه صامتاً ، كأنه لم يعد لديه طاقة على أن يخفى معالم الألم عن وجهه وصوته ، كمن ظل يركض بطريق طويل حتى أنهكه كثرة الركض ، وليس هذا وحسب ، بل أصابته الندوب والجروح التى تركت بصماتها واضحة على روحه ، التى كأنها ستظل معذبة ، ولن تنال راحتها بيوم ، كمن أرتكب ذنباً يجهله ، وسيظل يعانى تبعاته وآثاره لما تبقى من حياته
حاول أن يغير دفة الحديث ، فتبسمت شفتيه لرؤيتها بعد كل تلك السنوات الطويلة ، فقال متسائلاً:
– سيبك من كل ده ، وقوليلى أخبارك إيه وبتعملى إيه فى حياتك دلوقتى
أنزلت ساقها الأيمن الموضوع على ساقها الأيسر ، وردت قائلة بهدوء لا يخلو من الحزن :
– بعد بابا ما أتوفى من حوالى عشر سنين ، وبعده ماما ، فضلت عايشة مع أهل ماما ، كنت فاتحة مركز رياضى كبير وقررت أرجع أسكندرية وأستقر هنا ، وهفتح مركز تانى هنا ، لأن أنا بقيت زى ما تقول كده بقى عندى هوس بالرياضة واليوجا والعلاج النفسي بالطاقة الروحية والتأمل ، بقيت شاطرة أوى فى الموضوع ده ، وخصوصاً لما يبقى عندك سلام داخلى وتتعايش مع كل حاجة بتحصل حواليك من غير ضغوط ولا عصبية
مط شفتيه من حماسها بالحديث من الجزء الخاص المتعلق بعملها ، فهو كان يعلم بشأن حبها للرياضة منذ صغرها ، ولكنه لا يعلم أنها صارت مهنة لها
نهضت إيلين من مكانها وأقتربت من يده المعلق بها المحلول المغذى ، فسحبته بعدما رأته قد أنتهى ، كانت لمستها حانية ولكنها حازمة
ظن أنها ستتركه يعود لنومه ، ولكنها أحثته على ترك الفراش وهى تقول بإصرار :
– يلا قوم خدلك شاور وتعال ننزل الجنينة تحت نكمل كلامنا ، بلاش تسلم نفسك لليأس ، علشان متتعبش أكتر
رفض راسل ترك الفراش ، فعاد وأستلقى عليه قائلاً بحزم :
– مش عايز أقوم عايز أنام يا إيلين
أغلق عينيه فظن أنها ستتركه بحاله ، إلا أنها أعادت حديثها ثانية قائلة بدعابة :
– هتقوم لوحدك ولا تحب أخلى الحرس ييجوا يشيلوك وأعتبر نفسك مخطوف
فتح عيناه فجأة بعد سماع كلمتها الأخيرة ، فتلك الكلمة أخبرته إياها حياء من قبل وهى تمزح معه ، فقبض على غطاء إحدى وسائد الفراش بألم ، فلم يكتفى بذلك ، بل سحب الوسادة ووضعها على رأسه ، كأنه يحاول إخفاء معالم الحزن والحسرة والقهر
ولكن تلك الصيحة الطفولية ، التى دوى صوتها بالغرفة ، جعلته يسرع بمحو تلك العبرة الحارة ، التى سقطت من عيناه ، قبل أن يزيح الوسادة عن رأسه
– بااابى
قالت سجود وهى تقفز بجانبه على الفراش ، فعلى الفور أعتدل بجلسته ، وأخذها بين ذراعيه وهو يقبل رأسها بحنان
فنظرت إليه الصغيرة قائلة بإلحاح :
– بابى هى مامى راحت فين مجتش معانا ليه
ما أن يأتى أحد على ذكرها ، حتى تصبح أنفاسه ثقيلة ، كأنه لا طاقة له على أن يلتقطها بصورة منتظمة ، أو أنها ستظل عالقة برئتيه ويشعر بثقلها الجاثم على صدره
هبت إيلين لنجدته ، على الرغم من جهلها من تكون زوجته أو ماذا حدث له ، فهى لا تعلم سوى أن تلك الصغيرة الجميلة هى إبنته ، فهى قابلتها منذ مجيئها ، ولا تنكر أنها إستطاعت أن تجعلها تقع بغرامها على الفور من عفويتها بحديثها وأفعالها الطفولية ، التى لا تخلو من المشاكسة
فداعبت رأسها بحنان وهى تقول بإبتسامة :
– سجود ماما هتيجى قريب يا حبيبتى
بسماع راسل قول إيلين ، قال محدثاً نفسه :
– يارب ما ترجع وأنا بالحالة دى علشان مأذيهاش ، لأن قلبى محروق وموجوع منها وعقابى ليها هيكون صعب
تتقاذفه الحيرة والرغبة ، فعقل يرفض عودتها ، وقلب يتمنى لو أن يرى طيفها ليعاتبه على ما فعلته ، فلما هان الود عليها هكذا ، بل أنها حطمت قلبه بدم بارد ، فهو لن ينسى حديثها المهين بحقه ، من أنها غير مسئولة عن سوء إختياره ، وأنها لم تكن تحبه ، لأنه لا يستحق أو أنه غير قابل للحب
تتابعت أنفاسه وأهتاجت أكثر ، عندما تذكر كل كلمة مهينة قالتها بحقه ، فإن كان منذ برهة تمنى أن لا يقابلها حتى لا يسبب لها أذى ، صار الآن يتمنى لو تقع بقبضة يده ويذيقها من شتى ألوان العذاب ، سيجعلها تتجرع الندم على كل كلمة تفوهت بها ، سيصبح كابوساً يطاردها ، جاعلاً إياها لا تهنأ بعيشها ، سيجعل أملها فى أن يمنحها الغفران ، كروح تتنازع على البقاء قبل أن تبلغ النزع الأخير
لم يخرج من شروده وأفكاره إلا على جذب سجود لذراعه ، فهى ترى يومان كافيان لعدم حصولها على دلاله ولعدم رؤيتها لحياء ، فهى الآن ستطالب بحقها كإبنة مدللة ، كأنها تعى مدى تأثيرها على أبيها
فنظرت إليه وقالت بوداعة وبراءة ، تأسر القلوب بزرقاوتيها :
– بابى يلا قوم علشان نروح لمامى هى سافرت تانى ليه عايزة أروح لها هى كانت بتقول هتعملى مفاجأة فى عيد ميلادى
آهات مزقت شغاف قلبه وهو يهمس بإسمها لنفسه ، فكيف يحقق لصغيرته مطلبها ، وهو أصبح من المحال ؟ فهو لا يعلم أين هى الآن ؟ ولا يريد أن يعلم ، فخيراً لها وله ألا يتقابلا الآن
ولكن ربما حيلة صغيرة من تلك الحيل التى كانت يستخدمها سابقاً لإسكاتها ، ستفيده الآن ، فداعب وجنة صغيرته وهو يقول بحنو بالغ :
– ماهى يا روحى راحت علشان تجيبلك هدية عيد ميلادك وهتيجى ودلوقتى إسبقينى على تحت على ما أخد شاور وأجى معاكى نشوف الخيل سوا
شبت سجود من مكانها وتعلقت بعنقه ، تقبله قبلات متتابعة ، فتركت الفراش وركضت للخارج ، فنظر لإيلين التى شعرت بحرج طفيف وهى تراه يترك الفراش
فتلعثمت بحديثها وهى تتجه صوب الباب :
– أ أنا هستناك تحت علشان علشان نكمل كلامنا يا راسل بس متتأخرش
خرجت وأغلقت الباب خلفها ، فهو ظن أنه قادراً على السير ، ولكن أرتجاف ساقيه ، جعله يعود ويجلس على طرف الفراش ، فقدميه ثقيلتان وربما يعود ذلك لقضاءه اليومين الماضيين نائماً علاوة على تلك الحمى التى أنهكت جسده ، ولكن هو لقى ما أشد من ذلك سوءاً ، فلن يكون القيام من فراشه والذهاب للمرحاض أمراً شاقاً ، خاصة أنه لا يريد أن ترى صغيرته مدى ضعفه وشعوره بالخذلان من تلك التى لم يضع بباله يوماً من أنها ستكون كطعنة الخنجر بقلبه ، ولن يبرأ بعدها أبداً كمرته الأولى
– أنت أقوى من كل اللى بيحصل ده لازم تقاوم
شحذ قوته فنجح بترك الفراش ، وذهب للمرحاض ، فشعوره بالخواء ، جعله يجلس بالمغطس كأنه يتهيأ للنوم ثانية ، فأسند رأسه لحافة المغطس ، وترك العنان لتلك الدموع الأبية ، التى لم يذرفها إلا بأقسى ظروفه ، فتتابعت شهقاته ولولا أنه يخشى أن يراه أحد هكذا أو يسمع صوته ، لكان صوت صيحته وصراخه هز أرجاء القصر ، ولن يخرسه شئ سوى إنقطاع أحباله الصوتية وإصابة حنجرته بالتلف
– ليه يا حبيبتى تعملى فيا كده ليه يا حياء
قضم شفته السفلى ليوقف أرتجافها ، عندما جال طيفها بمخيلته ، وجهها المضئ الباعث على سريان الشوق بعروقه ، وصراخ خلاياه مطالبة بها ، فهى كانت بين يديه كالحلم الدافئ ، فأنامله مازالت تشعر كيف كانت تتوهج وجنتيها أسفلها عندما يلاطفها ، فهل كل هذا الخجل والنعومة والرقة ، كانت أدوات بيديها لخداعه ؟ فحتى وإن كان مستاء منها ، فما زال قلبه رافضاً تصديق كل ما حدث
بروده الماء جعلته يعى على أنه قضى وقتاً أكثر من اللازم بالمغطس ، فالبرودة تسربت لأطرافه ، وهزت أوصاله بإنتفاضة قوية ، فأنهى إغتساله وأرتدى مأزر أبيض وتوضأ وخرج للغرفة ، بحث عن ثيابه وجد كل شئ مرتب بغرفة الثياب الواسعة ، فأخذ منها ما يريد وأرتداه ، وخرج يتهيأ للصلاة ، فلا سلوى ولا منجا له الآن سوى اللجوء إلى الله
______________
منذ متى وهى أصبحت شديدة العناية بمظهرها من أجل زوجها هكذا ؟ منذ تلك الليلة التى تهدمت بها حصونها الهشة ، التى شيدتها من وهم أنها تكرهه وترفض أن تكون له زوجة بالإكراه ، ولكن هو إستطاع أن يجعلها تشعر برعونة وسخافة أفعالها وأفكارها ، على الرغم من أنه كثيراً من الأحيان يتصرف بغرابة ، ولا يعطيها جواب يريح به بالها من كثرة تفكيرها بما يشغله أو يفعله ، ولكن تلك اللحظات الحالمة ، التى تقضيها برفقته ، هى من تجعلها تراه على حقيقته المجردة كرجل يهيم بها عشقاً وراغباً فى ودها ووصالها بوصال المحبين والمغرمين
فالليلة عقدت عزمها على أن تجعله يبوح بسر مناداته لها بذلك اللفظ التحببى ” ماسة ” ، ولن تتركه إلا إذا أخبرها الحقيقة كاملة
– كده كله تمام
أنتهت من زينتها التى ستسلب عقله لا محالة ، وخرجت من غرفة الثياب ، فلم ينتبه عليها بادئ الأمر لإنهماكه بإنهاء عمله على حاسوبه الشخصى وهو جالساً على تلك الأريكة العريضة والوثيرة
ضيق عمران عينيه وقطب حاجبيه من إستنشاقه لرائحة ذلك العطر الأنثوى الفواح ، فرفع عيناه عن الحاسوب ، فوجدها تقف على مقربة منه واضعة يديها بخصرها النحيل ، وتبتسم له بغواية
فتح فمه حتى كاد يصل للأرض ، فقال وهو يجاهد على إبتلاع لعابه :
– يا خبر أبيض معقولة أنتى ميس ولا حورية نازلة من الجنة
أطاحت بما تبقى من عقله وهى تخطو بخطواتها المدللة تجاهه ، فأنحنت إليه قائلة بهمس ناعم ورقيق:
– تفتكر إيه يا عمران
أغلق الحاسوب وترك مكانه ، ففرض حولها آسر ذراعيه ، فتلك هى المرة الأولى التى تأتيه طواعية ، فخرج صوتها ناعماً وهى تكمل حديثها بتساؤل :
– عمران إيه سر أنك بتقولى يا ماسة أنت كنت تعرفنى قبل كده أو شوفتنى قبل أول مرة أقابلك فيها فى مطعم الفندق بتاعك ، عايزة أعرف ها
تبعت حديثها بمداعبة لحيته الكثيفة ، كأنها بذلك تأمن أن يكون مستأنساً بحديثه ، وأن يجيبها على سؤالها ، فأزاح خصلة ناعمة غطت عينيها وهو يقول بصوت متهدج :
– أنا أعرفك من يوم ما أتولدتى يا ماسة
– من يوم ما أتولدت ! مش فاهمة فهمنى أكتر
قالت ميس والفضول يكاد يقتلها لسماع باقى حديثه ، ولكن رنين هاتفه أخرجه من تلك الحالة من الهدوء التى كان عليها ، فتركها وأخذ الهاتف وابتعد قليلاً ، فبعد إنهاءه المكالمة ، أخبرها بضرورة ذهابه
فأخذ يديها بين كفيه قائلاً بإعتذار :
– معلش دلوقتى لازم أخرج يا ميس فى حاجة حصلت ولازم أخرج ضرورى مش هتأخر عليكى
ذهب لغرفة الثياب ، فأرتدى ثيابه على عجالة وخرج منها ، أخذ هاتفه ومتعلقاته ولم ينسى تقبيل رأسها قبل خروجه كإعتذار على تركه لها خاصة بهذا الوقت
لم تكن تنتوى الذهاب خلفه ، ولكن حدسها كأنثى أنبأها بأن هناك أمراً خفياً يحدث وهى لا تعلم ، فأن يكون معها وهما على وشك بدأ جولة جديدة من جولات عشقهما حديثة العهد به ، ويورده إتصال هاتفى جعله يتركها متذرعاً بأن هناك أمراً طارئ يستدعى ذهابه ، دون أن يخبرها أى شئ ، سوى أنه سيعود إليها قريباً ، كان كل ذلك مبعثاً للقلق بنفسها ، فأول ثوب وجدته بغرفة الثياب وضعته عليها وهرولت خارجة من الغرفة ، بعد خروج عمران
رأته يخرج من القصر بسيارته ، فتبعته بسيارتها هى الأخرى ، فكلما قاد السيارة بمكان تتبعه ، حتى صارت لا تعلم عدد تلك الشوارع والأزقة التى مرت بها ، فوجدت نفسها بالأخير تفقد آثر سيارة عمران
فضربت مقود السيارة بغيظ :
– كده يا عمران يا ترى أنت رايح فين وتوهتنى علشان ممشيش وراك
ظلت تتمتم بغيظها من أفعال زوجها ، فعندما حاولت أن تدير محرك السيارة ، وجدت أنه لا يستجيب لمحاولتها ، فمن الواضح أن سيارتها أصيبت بعطل مفاجئ ، بينما كان عمران بمكان ليس ببعيد يراها وهى تخرج من السيارة تلتفت حولها
فتبسم على حيرتها وقال بعد أن تنهد بعمق :
– أه منك يا ميس ومن فضولك
أخرج هاتفه وتحدث مع أحد رجاله قائلاً بأمر :
– المدام فى شارع ***** تيجوا تاخدوا حالاً تروحوها البيت ولو أتكلمت قولولها دى أوامر جوزك يلا بسرعة
أنهى مكالمته ، فهو ترك الحرس بالقصر وخرج بمفرده ، ولكن تلك العنيدة هى من جعلته يرجئ أمر ذهابه لوجهته ، حتى يأتى رجاله لأخذها والعودة بها للمنزل ، فلن يبرح مكانه حتى يتأكد من ذهابها معهم بسلام
طالت جلسته بالسيارة ، ينقر على المقود وينظر بساعة معصمه ، حتى رآى سيارة الحرس تقف قريباً من سيارتها
فأقترب أحد الرجال منها وأنحنى لها بإحترام قائلاً وهو يشير بيده للسيارة الأخرى :
– ميس هانم أتفضلى معانا نروحك البيت دى أوامر عمران بيه
قالت ميس وهى تعقد ذراعيها ، وتجز على أسنانها بغيظ :
– وهو فين عمران وراح فين
– معنديش علم يا هانم كل الأوامر اللى عندى أن أروحك البيت
عندما يأست ميس من الحصول على إجابة منه ، أو أن تجعله يفشى بمكان وجود زوجها ، دبت الأرض وهى تسير أمامه ، حتى وصلت للسيارة ، فأمرت أحد الرجال بأن يرى العطل بسيارتها وبعد أن ينتهى يعود بالسيارة للمنزل
بعد تأكده من سلامتها وأنها ستعود للمنزل بأمان ، قاد سيارته حتى وصل لتلك البناية السكنية ، التى أودع ليالى بإحدى شققها ، فهو لم يأتى إليها إلا من أجل أمر مُلح
– أيوة يا ليالى أنا تحت وطالع دلوقتى ، علشان كنت عايزة أتكلم معاكى شوية بخصوص نصر السلمانى ونادر أخوه
قال عمران بهدوء ، فهو فضل إخبارها بشأن صعوده إليها ، حتى لا تتفاجئ بمجيئه ، فأنتظر بسيارته لمدة خمس دقائق مفسحاً لها المجال ، بأن تتهيأ لمقابلته
ترجل من السيارة وأغلق بابها ، ودلف للداخل ، أثناء وجوده بالمصعد الكهربائى ، كان عقله لا ينفك عن التفكير بما حدث لنادر ، فهو علم بشأن مقتله برصاصتين ، وعثور الشرطة على جثته ملقاه بأحد الأماكن المهجورة ، فقتل نادر بذلك التوقيت ، جعله يفكر من سيكون هو قاتله ، فربما الأمر لم يكن يقتصر على تخطيط نادر وشقيقه للإيقاع براسل ، وأن هناك ضلع أخر ليكتمل ذلك المثلث الذى كان نادر أحد أطرافه ، حتى تم إقصاءه عن اللعبة وتم قتله
وضع يده على الجرس ، فما مرت برهة وجيزة ، حتى وجد ليالى تفتح الباب بشوق متبسمة وهى تقول وعيناها ملتمعتان بألق عاطفى :
– أهلا وسهلا أتفضل
تنحت جانباً ودعته للدخول ، فما كاد يطأ الشقة بقدميه ، حتى أغلقت هى الباب ، وأحتضنته واضعة رأسها على ظهره وهى تستأنف حديثها الذى أقتصر على جملة الترحيب :
– وحشتنى أوى بقالك كام يوم غايب عنى ومجتش سألت عليا غير بالتليفون
أنتفض جسده فجأة ، محاولاً الفرار من ذلك العناق ،الذى باغتته به فجأة ، فعلى الرغم من أنه هيأ لها مسكن وعمل ، ويجب أن تمتن لما فعله ، إلا أنها لم تستطع منع نفسها من الإنجراف خلف رغبتها بقربه ، فهى لا تستطيع أن تنكر أنه خلب لبها منذ أن رآته بالمرة الأولى ، فحتى وإن كانت تظن أن التعارف بينهما لم يتم إلا من أجل علاقة غرامية عابرة ، إلا أن الآن مشاعرها صادقة تجاه تلك العاطفة التى باتت تشعر بها نحوه
حل عمران تشابك يديها من حول خصره ، وأبتعد عنها وإستدار إليها فطالعها بغضب شديد وهو يقول بصوت عالى :
– ليالى إيه اللى عملتيه ده أنا قولتلك قبل كده أنا مليش فى شغل الشمال ، ومبلمسش واحدة متحلش ليا فهمتينى ، ثم أنا مش جاى علشان كده أنا جاى علشان حاجة تانية زى ما قولتلك تخص نصر السلمانى ونادر أخوه
صموده ورفضه لكم تلك المغريات ، مازاده بعينيها إلا مقاماً عالياً ، فصدرها يعلو ويهبط بوتيرة سريعة ، وعيناها لا تكف عن تأمله بنهم ، كأنها جائعة وجاء لها طعامها ، متغافلة عن أن عدم غض البصر ، ربما يوردها مورد الهلاك ، إذا تركت العنان لغرائزها ، ولم تلجمها بلجام القيم والأخلاق
– أنا مش عايزة أفتكر ولا أشوف حد غيرك أنت أنا نسيت كل أيامى اللى كانت قبل منك ، دلوقتى مفيش فى عقلى ولا تفكيرى غيرك أنت وبس ، أتجوزنى حتى لو لليلة واحدة أكون فيها مراتك وحلالك ، حتى لو قتلتنى بعدها هكون راضية بس أتجوزنى
أصبح الجو بينهما مشحون بالتوتر والقلق من جانبه ، فماذا فعل جعلها ترغبه إلا هذا الحد من الهوس والجنون ، وهو بالأساس لم يقابلها إلا من مدة قصيرة ؟ ضيقت عليه الخناق بتوسلها له وهى راكعة على ركبتيها ، تعيد مطلبها مراراً وتكراراً ، كأنها إسطوانة علقت بها نغمة واحدة ولا تردد غيرها ، أو أنها ستلقى حتفها بعد قليل وتريد تنفيذ أخر أمنياتها
_______________
أزاحت غزل جفنيها بصعوبة ، بعدما أزعجها الضوء المتسلل من النافذة العريضة ، التى غطتها ستائر لم تكن كافية لحجب ضوء الشمس الساطع ، والذى ملأ الأجواء ، فكلما فتحت عيناها تعود وتغلقها ثانية ، ولكن ما جعلها تفتح عيناها بالأخير تلك الذراع ، التى أُلقيت عليها بتملك ظاهر ، فتبسمت بخفوت وهى تمرر يدها على طول ذراعه ، فألتفتت بجانبها ترمق زوجها النائم بعينان ناعستان باعثتان على الدفء والحب
ولكن ضمت حاجبيها وهى تراه يبتسم على الرغم من كونه مازال نائماً ، أو هكذا ظنت خاصة وأنه مازال يغلق عيناه
ولكن جذبها إليه متمتماً بأذنها بصوت مازال أثار النوم عالق به :
– صباح الجمال على حبيبة قلبى
أزدردت لعابها وهى تشعر بالخجل ، فخرج صوتها ناعماً خافتاً :
– صباح النور يا حبيبى
فتح عاصم عيناه ، يتفرس بملامح وجهها النضرة ، فزاغت هى بعيناها عنه ، فعلى الرغم من أنهما تزوجا منذ عدة أيام ، ويعشقان بعضهما البعض منذ سنوات طوال ، إلا أنها تشعر بالخجل كلما مرت ليلة بينهما ، وتتأكد بها بأنها أصبحت له زوجة ، بعدما كان تظن أنه من المحال أن يجتمعا سوياً مرة أخرى
فبتلك الأيام القليلة الماضية ، ذاقت بها سعادة كانت قد حرمت على قلبها ، ولكن كل تلك السعادة التى تشعر بها لم تكن كافية لتجعلها تكف عن التفكير بما حدث لعائلتها
– مالك يا حبيبتى فى إيه
نطق عاصم عبارته بقلق ، خاصة بعد سماعه صوت تلك التنهيدات القوية التى خرجت من بين شفتيها ، بل أنها أنسلت من جانبه وتركت الفراش ووقفت أمام النافذة وأزاحت ستائرها جانباً
تنهدت غزل بشعور من التيه :
– مش عارفة يا عاصم موضوع أهلى شاغل تفكيرى هموت وأعرف مين اللى عمل فينا كده وليه وكان عايز مننا إيه ، إحنا طول عمرنا مأذيناش حد ولا عملنا حاجة وحشة فى حد
أزاح عنه الغطاء الخفيف ، تاركاً الفراش راغباً بأن يجعلها لا تفكر كثيراً بهذا الأمر ، فهو خير من يعلم طباعها ، فستظل تفكر بالأمر حتى ينهكها كثرة التفكير
فأحاط كتفيها بذراعه ، ومال برأسه إليها وأستند بذقنه على كتفها وهو يقول بهدوء حازم :
– إحنا مش قولنا مش هنفكر فى الموضوع ده دلوقتى وأن نحاول ننبسط شوية وكفاية اللى حصل
زفرت بقوة وهى تومئ برأسها فأجابته بخفوت :
– عارفة يا عاصم ، بس بجد مش قادرة أفرح بحاجة ولسه مشهد قتلهم قدام عينيا وحمام السباحة اللى كان زى بركة الدم ، كان يوم صعب صعب ومش قادرة أتخطى الموضوع
يتفهم هو كل هذا ، فهى وإن كانت تشعر بالسوء والحزن لفقدان عائلتها ، فهو أيضاً حزين لفقدانه وجدى إبن عمه وزوج شقيقته
إستدارت إليه غزل وهو تقول متسائلة :
– عاصم أنت ممكن يكون عندك فكرة بالخناقة اللى حصلت بين وجدى ومراد قبل ما يحصل اللى حصل ده كله كان إيه سببها لأن هم الاتنين كانوا أكتر من الاخوات وعمرهم ما زعلوا من بعض يبقى إيه اللى خلاهم يتخانقوا ويحصل الخلاف من الأول
حك عاصم جبهته بتفكير ، يحاول أن يتذكر تلك المشادة الكلامية بين مراد ووجدى ، فهو ظن أن الأمر عابر بين صديقين ، ولم يمعن التفكير به
فأجابها قائلاً على قدر ما أسعفته ذاكرته بسرد ما حدث :
– هو أنا كل اللى فاكره أن قبل ما أدخل على وجدى مكتبه فى الشركة اللى كانت مشتركة بين باباكى وعمى رياض ، لقيته بيزعق وبيقوله إحنا لازم نبلغ البوليس ، وأن الشحنة اللى فى المينا لازم تتفتش ، وإلا هم اللى هيروحوا فى داهية ، ومراد قاله ساعتها أنه يهدا وهيتصرف ولازم يبلغ صاحب شركة الشحن الأول ، علشان صاحب شركة الشحن كان صديق ليهم ، وأنه ممكن يتأذى لو لقوا حاجة فى وسط الشحنة اللى جاية ، بس وجدى ساعتها قاله أنه مش هيستناه يتصرف وإن هو اللى هيتصرف وبعدين خرج وبعد كده عرفت أن مراد قاله مكنش لازم يتصرف من دماغه فالموضوع كبر بينهم وبس هو ده كل اللى فاكره
نقرت غزل بإصبعها على طرف ذقنها وهى تقول بتفكير :
– وتفتكر صاحبهم ده هو اللى ممكن يكون أذاهم وعمل كده وقتل وجدى وقتل عيلتى
رد عاصم قائلاً برفض :
– مظنش لأن أصلاً اللى عرفته أن صاحبهم عمل حادثة ومات هو وعيلته قبل ما يموت وجدى
اتسعت عينى غزل وهى تقول بما يشبه الذهول:
– هو أنت قصدك أن صاحب شركة الشحن هو دانيال صاحبهم اللى مات فى الحادثة
– هو أنتى كنتى تعرفيه
قال عاصم متسائلاً بغرابة ، فهو لم يكن يعلم بشأن معرفتها بأصدقاء شقيقها
فأماءت برأسها مرارًا بالإيجاب :
– أيوة كنت أعرفه وشوفته كذا مرة مع مراد بس مكنتش أعرف عنه حاجة غير أسمه و أنه صاحبه من أيام الدراسة بس مكنتش أعرف أن فى شغل بينهم ، وسمعت مراد بيحكى عن حادثة موته هو ومراته وولاده
أخذ التوتر بالتصاعد ، فإن كان دانيال هو صاحب تلك الشامة التى رآت مثلها على يد حياء ، والتى لفتت إنتباهها إليها ، فربما هناك صلة بين ما حدث ماضياً وبين حياء ، فيوم الحفلة لم يسعفها الحظ بإخبارها من يكون صاحب تلك الشامة ، فالأمر أصبح معقد للغاية ، ويجب عليها أن تبحث أكثر لحل ذلك اللغز المحير ؛ لتنجلى الحقائق كاملة
_______________
حقن الطبيب نصر بإبرة محقن ، ليجعله يخلد للنوم ، بعد موجة عارمة من الإهتياج والصياح بإسم شقيقه ، فالطبيب جاء على وجه السرعة بعد تلقيه إتصال هاتفى من أدريانو يحثه على ضرورة المجئ من أجل فحص نصر ، الذى جعل القبو عبارة عن كومة من الأخشاب والزجاج المحطم ، فهو لم يترك شئ قابل للكسر أو التحطيم ، إلا ونال منه ، وكلما كانت تزداد أفعاله جنوناً ، يعلو صوت صيحته وهو ينادى شقيقه كالمجذوب ، أو كأنه والد تلقى خبر موت ومقتل ولده الوحيد
أقترب الطبيب من أدريانو وهو يقول بمهنية :
– عنده حالة أنهيار عصبى حاد الأفضل يروح المستشفى
أزاح أدريانو يده التى كان يسند بها ذقنه وهو يستمع لما يقوله الطبيب ، فحرك رأسه بالإيجاب ، ليس لشئ سوى أن ينهى الحديث بينهما :
– تمام يا دكتور هنوديه أتفضل أنت مع السلامة
أخذ الطبيب حقيبته وخرجت من تلك الغرفة ، التى أمر أدريانو بأن يقطنها نصر ، خاصة بعد أن حطم كل ما كان بالقبو ، ولم يعد بالإمكان إقامته به
سمع صوت همهمات نصر وهو يقول بلوعة :
– نادر ، نادر روحت فين وسيبتنى لوحدى ، ليه يا نادر ليه
عِلم نصر بمقتل شقيقه ، جاء بإطار أن أدريانو أخبره بشأن هروبه من المنزل ، ووقوعه بقبضة الشرطة ،وهم من قتلوه ، فعلى الرغم من أنه لا ينكر يوماً بأنه سفك دم أحد ، إلا أن تلك المرة حاول نفى التهمة عنه ، فنصر أولاً وأخيراً أحد رجاله المتفانين بعملهم ، فهو لم تزدهر أعماله الغير مشروعة من غير مساعدته ، خاصة بجلب الفتيات ،اللواتى كان يربح من بيعهن أموالاً طائلة
ولكن بإزدياد همهمته وعدم صمته عن مناداته شقيقه ، أصابه بالنزق ، فسحب سلاحه النارى من زنده ، ووضعه بمنتصف جبهته ، فقبل أن يضغط بإصبعه على الزناد ، رآى بيرى تلج الغرفة بعد أن بحثت عنه بكل مكان بالمنزل
فأتسعت عيناها على آخرها وهى ترى أبيها بإستعداد لإطلاق النار على نصر ، الذى يبدو عليه أنه غير واعياً لما يحدث
فوضعت يدها على فمها وهى تقول بدهشة :
– بابى هو أنت هتقتله زى ما قتلت أخوه
أهتزت الدموع بمقلتيها، فهى أكتفت من رؤية الدماء ، ولم يعد لديها طاقة على رؤية المزيد ، فأزاحت عبراتها التى سقطت سهوا وهى تستأنف حديثها:
– كفاياك بقى قتل أنا خلاص مبقتش قادرة أستحمل كل ده وأعصابى تعبت أكتر ماهى تعبانة
اعاد أدريانو السلاح النارى إلى غمده ، فأقترب منها وطوقها بذراعيه ، فشعرت بعدم الراحة ، كأن رائحة الدماء تفوح منه ، فتململت بين ساعديه ، حتى جعلته يطلق سراحها
فأزاح شعرها خلف أذنها وهو يحاول تلطيف الجو المشحون بينهما :
– خلاص يا حبيبتى إهدى مش عايزك تزعلى وأنا اصلاً كنت عايز أسفرك علشان تريحى أعصابك شوية
أجابته بيرى بقرار لا رجعة فيه :
– بابا أنا خلاص مش هقعد فى البيت ده دقيقة واحدة أنا هسافر فرنسا ومش هرجع هنا تانى ، مبقتش طايقة البيت ولا حياتى هنا ، سنين وأنا عايشة من غير روح زى الجثة اللى بتتنفس ، أنا مكنتش حابة أسيبك وأسافر بس خلاص مبقتش قادرة
قالت ما لديها ودارت على عقبيها إستعداداً لمغادرتها الغرفة ، فأستشاط منها أدريانو غضباً ، فهى تعلم مدى تعلقه وحبه لها ، فإن كان سيسمح لها بالخروج من المنزل ، فكان ذلك من أجل زواجها ، أو من أجل قضاء عطلة قصيرة ، ولكن أن تأتى الأن تخبره برحيلها النهائى عنه ، فهو لن يسمح لها بذلك ، فهو يعلم كم من العيون ترصدها للإنتقام منه ، فهو لديه من الأعداء ما يفوق خيالها ، وكل منهم ينتظر اللحظة المناسبة للنيل منه ، ولكنه لن يسمح بأن تكون إبنته ثمناً للثأر
خرج من تفكيره على صوت هذيان نصر ثانية ، وتلك المرة حسم قراره ، فوضع إحدى الوسائد على وجهه ، وأخرج سلاحه النارى ثانية ، فوضع فوهته بمنتصف الوسادة وأطلق الرصاص على رأس نصر ليخرسه للأبد وخرج من الغرفة كأنه لم يفعل شيئاً ، آمراً رجاله كالعادة بأن يتخلصوا من آثار الدماء والجسد المغدور ، فإن كان بالبداية أظهر بعض اللطف والعطف على نصر وأتى له بطبيب ، فبالأخير أصابه السأم لمجرد أنه دار شجار بينه وبين إبنته ، فطباعه المختلة لا يستطيع أحد تفسيرها
_____________
لا تعلم أى شيطان وسوس لها ، جعلها تأتى لهنا ، فهى بعد مقابلتها له للمرة الثالثة خلال تلك الأيام الفائتة ، وهى صارت تريد رؤيته بشكل مستمر ، على الرغم من معرفتها التامة ، بأن ما تفعله شئ لا يصح ، ولكن قلبها السخيف ، هو من صار يتحكم بها ، ويصدر أوامره ويتبعه العقل بدون تفكير هل ما تفعله خطأ أو صواب ؟
ولكن اليوم ربما تكون أخر مرة تقابله بها ، فهى على وشك مغادرة الأقصر ، والعودة إلى الإسكندرية ، ولكنها فكرت أن ربما تتذرع بحجة مجيئها لرؤية الصغير سويلم ، فهى قابلته أيضاً بكل مرة كانت تقابل بها كرم بمحض الصدفة ، وكأنه مقدر لها مقابلته من غير ميعاد
مدت يدها بتردد ودقت جرس منزل الحاج سويلم ، فهى جاءت لهنا أولاً ، لكى تقابل الصغير ، وربما تجعله ينادى كرم من أجل أن تراه
فتح الحاج سويلم الباب ونظر لنورهان متسائلاً:
– أيوة مين حضرتك
تبسمت نورهان وهى تضم تلك الحقيبة الصغيرة ، التى تحوى لعبة متخذة شكل سيارة للسباق ، أتت بها هدية من أجل الصغير
فأجابته بتوتر :
– هو ده منزل الحاج سويلم مش كده ، أنا جاية أشوف سويلم الصغير قوله نورهان
رفع الحاج سويلم حاجبه وقال متفكهاً :
– هو الواد سويلم بيعمل إيه من ورايا بقى يعرف بنات ولا إيه دا بدأ الموضوع بدرى أوى
ضحكت نورهان بصوت منخفض على قوله الممازح لها ، فدعاها للدخول وهو ينادى زوجة ولده ، على أن تأتى برفقة الصغير
فجلست نورهان بتململ بغرفة المعيشة ، ولكن خفق قلبها بقوة ، وهى تسمع صوت كرم ينادى الصغير من الخارج ، قبل أن يأذن له الحاج سويلم بالدخول
ولج كرم غرفة المعيشة ، فلم ينتبه بالبداية على وجود نورهان ، ولكن بعدما وقع نظره عليها تلاحما حاجبيه قائلاً بغرابة لرؤيتها بالمنزل :
– أنسة نورهان
نقل الحاج سويلم بصره بين كرم ونورهان ، وهو لا يفقه شئ مما يحدث ، إلا أن هجوم الصغير على الغرفة وهو يصيح كعادته ، جعل كرم يلتفت إليه هرباً من النظر لنورهان
أشارت نورهان للصغير بأن يقترب منها وهى تقول بوداعة :
– تعال يا سويلم خد الهدية دى وكمان جبتلك الصور اللى صورتهالك، تعال شوفها
أقترب الصغير منها وأخذ المظروف الأبيض الموضوع به الصور ، ففتحه بحماس ليرى صوره ، فجلس بجانب جده ، ليشاهدا الصور سوياً ، وكل صورة يراها يصيح بسعادة وهو يقص على جده ما فعله حينها
تبادل كرم ونورهان النظرات الصامتة بينهما ، فأخذت كوب الماء المرفق مع أكواب المشروبات المرطبة ، وأرتشفت منه لتقضى على شعورها بالتوتر ، حتى قررت أن تذهب وتعود للفندق المقيمة به ، فهبت واقفة وهى تقول بإبتسامة هادئة:
– طب عن إذنكم لازم أمشى
ترك الحاج سويلم مكانه وهو يقول برفض :
– لاء تمشى إيه مش هتمشى إلا لما تتغدى معانا يا بنتى قولها يا سويلم
أشار لحفيده بإبتسامة ، فأقترب الصغير منها وألح عليها بالبقاء ، أرادت أن ترفض دعوته ، ولكن رغبتها فى إطالة الوقت لرؤية كرم ، كانت هى الغالبة ، فبعد تناولها طعام الغداء برفقتهم ، إستعدت للمغادرة ، فأصر كرم على توصيلها للفندق هو والصغير
خرجت من المنزل ، فجلست على أريكة خشبية ، بجوار إحدى الأشجار ، تنتظر الصغير ريثما ينتهى من إستعداده لمرافقتهما
إسند كرم ظهره للشجرة وهو يقول بطيف إبتسامة :
– أنتى خلاص راجعة إسكندرية تانى
حركت رأسها بالإيجاب وهى تقول بصوت منخفض:
– أيوة خلاص خلصت شغلى هنا ولازم أرجع البيت علشان بابا وماما ميقلقوش عليا
صمتت لثوانى معدودة فعادت مستطردة :
– هو أنت مش هترجع إسكندرية تانى وهتقيم هنا على طول
زفر كرم قائلاً بحيرة :
– مش عارف إذا كنت هرجع ولا لاء بس كل اللى أعرفه أن حالياً مش هرجع
إبتسمت لتدارى شعورها بالإحباط من قوله ، إلا أنها سريعاً ما شعرت بالسعادة وهو يقول بهدوء وصوت رصين :
– بس بجد كانت فرصة سعيدة أن قابلتك واتعرفت عليكى يا أنسة نورهان وأكيد لو رجعت إسكندرية هاجى أزورك فى الإستديو بتاعك ، وعلشان أتعرف على باباكى ومامتك
أحس بأنه أسهب كثيراً بقوله ، فألجم لسانه وأشاح بوجهه عنها ، بل أنه عاد للمنزل ، ليحث الصغير على ضرورة الإسراع بإنهاء ما يفعله ، فخرجا سوياً وأشار لنورهان بأنهما على إستعداد لمرافقتها ، فمد الصغير يده ووضعها بيدها ، فسار ثلاثتهم ، والصغير بينهما يمسك بيديه كف كل منهما ، كأنه همزة الوصل بينهما ، فتمنت أن تطول المسافة للفندق ، لتظل برفقتهما وقت أطول
______________
ولجت حياء المتجر الخاص ببيع المشغولات الذهبية ، وآمرت الرجلان اللذان يسيران خلفها ، بأن ينتظراها أمام المتجر ، فهى لن تفر هاربة منهما ، خاصة أن لا يوجد أمامها منافذ للهرب ، خلعت نظارتها السوداء ، وسألت البائع إذا كان يتحدث باللغة الانجليزية أو ماشابه ، فهى لا تستطيع التحدث بلغة أهل تلك البلدة ، فكأن ديفيد أراد إحباط كل محاولاتها ، بأن أتى بها لهنا وهى لا تستطيع التحدث مع أحد غيره
فكان إعلان البائع عن إجادته للتحدث باللغة الإنجليزية ، بمثابة إرتياح لها ، فجلست على مقعد أمام ذلك الفاصل الزجاجى بينها وبين البائع ، فتحدثت معه قليلاً ، وأخرجت هاتفها لتجعله يرى الصور ، التى تريد منه أن يصنع لها سلسال ذهبى يحمل هاتان الصورتان الخاصتان براسل وسجود
فأماء لها البائع قائلاً بإحترام :
– حسناً يا سيدتى سأصنع لكى ما تريدين ولكن أمهلينى بعض الوقت حتى انتهى منها ، وأريد منكِ أن ترسلى لى الصور على هاتفى
– سأرسلها لك ولكن أريدك أن تنتهى من صنعها بأقرب وقت وتلك هى النقود التى تريدها
قالت حياء وهى تفتح حقيبتها لتخرج منها النقود ، التى أخذتها من ديفيد صباح اليوم ، متذرعة بأنها تريد التسوق
فبعد أن تم الإتفاق بينها وبين الصائغ خرجت من المتجر ، تجولت بعدة متاجر ، حتى وقفت أمام متجر خاص ببيع ثياب الأطفال ، فرآت ثوب يجمع بين اللونين الأبيض والأزرق ، فسجود كانت ستصبح أكثر فتنة وجمال بهذا الثوب ، فدخلت المتجر وأصرت على شراءه ، فرأت أيضاً ثياب أطفال لحديثى الولادة
تلقائياً وضعت يدها على بطنها تتحسسها وهى تقول بأمل وصوت هامس :
– معقولة ممكن أكون حامل دلوقتى
فتأخر أيام حيضها جعلها تأمل بأن يكون ذلك دلالة على حدوث الحمل ، فهى تنظر مرور يوم أخر للتأكد من هذا الأمر ، ولكن إذا صح ظنها وكانت تحمل بأحشاءها طفلاً الآن ، فما سيكون مصيره ومصيرها وهى على يقين بأن ديفيد لن يجعلها تحنث بذلك الوعد والعهد الذى قطعه عليها
فتهدلت قسمات وجهها ، عندما تذكرت ذلك اليوم ، الذى أنقلب به عالمها رأساً على عقب ، إذ كانت كعادتها ذاهبة لشراء بعض المستلزمات الخاصة بالمنزل ، وهى تفكر بتلك الرسائل المرسلة إليها
فلم تنتبه إلا على وجود سيارة أخرى تعترض طريقها ، فقبل أن تعبر عن ضيقها من فعل سائق تلك السيارة ، كان أحد الرجال يقترب من نافذة سيارتها ، بل أخر ما تذكرته ، ذلك العطر الذى نثره على وجهها
تململت برأسها وتلك الرائحة القوية تنفذ لأنفها ، ففتحت عينيها رويداً رويداً ، فطالعها زوج من العيون الزرقاء ، فأنتفضت مكانها وهى تصيح :
– إيه ده أنا فين وبعمل إيه هنا وأنت مين
ظلت تدور حول نفسها ، لتستطلع ذلك المكان الموجودة به ، فوجدتها حجرة معيشة كبيرة ، بها أثاث فاخر، ولا يوجد بها أحد سوى ذلك الرجل الذى لا تعرف من يكون
حاولت أن تطلق لساقيها الريح للهروب ، فوجدته يسد عليها الطريق بقامته الطويلة ، فأصابها الخوف وبدأت الدموع تتجمع بعينيها
فرفع ديفيد يده ليحاول تهدئتها :
– إهدى خالص ومتخافيش منى أنا مش هأذيكى يا حياء
قطبت حياء حاجبيها قائلة بغرابة :
– هو أنت مين وتعرفنى منين
قبض على ذراعها بحزم ، فأجلسها بمقعد مواجه لذلك المقعد الذى جلس عليه فيما بعد ، فأجابها بهدوء :
– أنا ديفيد دانيال إسكندر وأنا اللى كنت ببعتلك الرسايل وبكلمك فى التليفون
صعقت بالبداية ، فحاولت إخفاء رهبتها منه برفع شفتها العليا وهى تقول بعدم فهم:
– طب وأنا مالى وأنت عايز منى إيه بالظبط وليه بتعمل معايا كده
– عايزك أنتى يا حياء
قال ديفيد فجأة ، فأنتفضت حياء من مكانها برعب
فصاحت بوجهه :
– عايزنى ده إيه كمان أنا ست متجوزة أنت مجنون
وضع ساق على الأخرى وهو يقول ببرود مزعج :
– عارف أنك متجوزة إبن النعمانى ، الدكتور راسل رياض النعمانى
عقدت ذراعيها ، وهى تحاول أن توقف إرتجاف جسدها ، فردت ببرود مماثل :
– طب طالما عارف مين جوزى ، بتطلب طلب زى ده ليه
ترك ديفيد مكانه وهو يقف أمامها بطوله الفارع ، فوضع يديه بجيبى بنطاله قائلاً بشر :
– لأن زى ما تقولى فى تار بينى وبين عيلة النعمانى وجوزك هيدفع تمنه
جفت دماءها لذكره ما سيحدث لزوجها ، إلا أنها حاولت إخفاء خوفها وهى تتصنع الشجاعة :
– دا كلام فاضى ، أنا جوزى ملوش عداوة مع حد ولا عمل حاجة فى حد وياريت تبعد عنه وعنى لأن أنت متعرفش أبوه ممكن يعمل إيه علشانه وأنا هقوله على كل السخافات اللى أنت عملتها دى
هبت حياء واقفة ، إستعداداً لمغادرتها ، وما كادت تصل للباب حتى تخرج منه ، سمعت ديفيد يقول فجأة:
– ولو قولتلك أن أنا أبقى اخوكى يا حياء
جمدت أصابعها على مقبض الباب ، فما هذا الهراء الذى تفوه به لتوه ؟ فإستدارت إليه عاقدة حاجبيها قائلة بغرابة :
– أخويا ! إزاى يعنى ، هو أنت إيه حكايتك بالظبط
أشار لها بالإقتراب ، إلا أنها ظلت مكانها ، فأقترب من أحد الطاولات وأخذ عدة صور وأوراق ، وناولها إياها :
– بصى فى الصور دى كويس دى صورك لما اتولدتى لحد ما كان عمرك ٣ شهور والسلسلة اللى فى رقبتك اللى متعلق فيها الخاتم
نظرت حياء بالصور وهى فاغرة فاها ، فتلك الطفلة تشبهها حقاً ، وموضوع حول عنقها السلسال الذهبى وبه الخاتم ، فما جعلها متيقنة من أن تلك الصور هى صورها ، أنه كان لديها صور مثلها وهى ببيت عرفان الطيب ، فمديحة كانت تحتفظ لها بصورها وهى بمثل هذا العمر ، وتذكرت مرة عندما سألتها عن صورها بعد مولدها مباشرة ، فأخبرتها مديحة بأنها لم تتذكر تصويرها ، بل بدأت بأخذ صورها وهى بعمر الثلاثة أشهر
قالت حياء وهى فاغرة فاها من الصدمة :
– إزاى أنا مش فاهمة حاجة ، إزاى أنت أخويا وأنا أختك أو إزاى بعدت عنكم وليه وإيه علاقة راسل جوزى بده كله ، ثم إن الصور مش دليل أن أنا أبقى أختك ما يمكن تكون متفبركة عادى وبتضحك عليا
إلتوى ثغر ديفيد بإبتسامة وقال وهو يشير للأوراق بيدها :
– الاوراق دى تبقى كل التقارير الطبية اللى تثبت أنك فعلاً أختى من لحمى ودمى وأنك بنت دانيال إسكندر.. إينچيل دانيال إسكندر
– إ اينچيل
نطقت حياء الإسم بصعوبة ، فلابد أنها هى تحلم الآن ، لا فهذا ليس حلم بل كابوس كاد يزهق أنفاسها ، فشعرت بالدوار فأسرع ديفيد بمساعدتها
فنفضت يده عنها وهى تكمل حديثها:
– أبعد إيدك عنى متلمسنيش أكيد أنت واحد كداب وبتضحك عليا
جلس ديفيد بمكان قريب منها وهو يقول ببرود:
– أنتى ليه مش عايزة تصدقى أنك أختى فعلاً ، ولو عايزة هحكيلك عرفت إزاى وإيه اللى حصل من أكتر من ٢٢ سنة
مسح ديفيد وجهه وأستأنف حديثه قائلاً بحزن :
– من حوالى ٢٢ سنة اتولدتى أنتى ، كنا أربع أولاد وأنتى البنت الوحيدة ، بابا وماما كانوا فرحانين جدا انك اتولدتى بنت ، لدرجة أن بابا الخاتم بتاعة واللى المفروض بيتورث فى العيلة وبيلبسه الأبن الكبير ، حطه فى سلسلة ولبسهالك ، وسموكى إينچيل ، أنا أخوكى الكبير ، وأخواتك التلاتة التانين ، ماتوا مع بابا وماما فى الحادثة
بابا كان عنده شركة شحن فى المينا ، كان ورثها عن جدى ، كان بيتعامل مع شركة الزناتى والنعمانى وكان هو وعمى أدريانو أصحابهم ، بس حصل مشكلة فمراد ووجدى النعمانى أتهموا بابا بأنه بيجيب مخدرات وسط الشحنات اللى هو بيستوردها من برا ، ومش بس كده البوليس عرف وكانوا هيقبضوا عليه ، من خوفه قرر يهرب أخد ماما واخدنا فى العربية وكان بيحاول يهرب ، والبوليس كان بيطارده ، لحد ما العربية اتقلبت وحصل فيها إنفجار ، أنا وقعت فى مكان بعيد وفضلت عايش عمى أدريانو أخدنى ربانى ، وسفرنى عشت معظم حياتى فى صقلية ، وقرر ينتقم من وجدى ومراد ، وأنا مكنتش أعرف أن ممكن تكونى لسه عايشة ، لأن افتكرتك موتى معاهم فى الحادثة ، لحد ما فيوم فرح حفيدة رياض النعمانى وعمى أدريانو شافك وشاف السلسلة وكمان شاف الشامة اللى على إيدك ، فبعتلى ورجعت إسكندرية ، كان لازم أتأكد من أنك أختى أو لاء ، راقبت كل خطواتك لدرجة أن بقيت أعد عليكى أنفاسك ، وبعت الرجالة اللى دخلوا الحمام وخدروكى أخد منك عينة علشان أعرف واتأكد أنك فعلا أختى ، بقيت أكلمك فى التليفون وابعتلك الرسايل لأن أتجننت لما عرفت أنك مش بس عايشة لاء ومتجوزة أخو اللى كان السبب فى دمار أهلنا
لم يبدو على وجهها سوى تعبير الصدمة والدهشة ، لا يوجد كلمات تصف حالتها الآن ، إلا أنها إستطاعت القول بعد جهد :
– وجوزى ماله بالكلام ده كله هو ملوش ذنب فى أى حاجة وأنت ليه عايز تاخده بذنب حد تانى
أرادت الرحيل ولكن قبل ذهابها إلتفتت إليه وقالت بما يشبه التحذير :
– وحتى لو كلامك صحيح وأنت أخويا مش هسمحلك تأذيه ولا تيجى جمبه ، وأنا لازم اقوله على كل حاجة
إبتسم ديفيد إبتسامة مختلة قائلاً بصوت كالصقيع :
– لو ده حصل وقولتيله جهزى لبس إسود علشان تلبسيه بس مش عليه هو لاء على بنته ، واللى متعرفهوش إن أنا واحد من الاتنين اللى عذبوا جوزك فى السجن فى إيطاليا ، ولولا أن أبوه أنقذه كنت خلصت عليه علشان أقضى على عيلة النعمانى نهائى ، وقدامك حل من الاتنين ، يا تسبيه وتيجى لعندى ، يا إما تستحملى اللى ممكن أعمله فيه وأستنى وشوفى اللى هيجراله الأيام الجاية ، ومش بس كده أنا هخليه يخسر حبايبه واحد واحد لحد ما يوصل لدرجة أنه يفكر فى الإنتحار وساعتها يبقى شفيت غليلى منه
قبل أن تتوغل أكثر بتفكيرها بما حدث بينها وبين ديفيد ، خرجت من حالة الشرود التى ألمت بها على إشارة الحارس لها بأن وقتها أنتهى بالتسوق ويجب عليها العودة للمنزل
باليوم التالى مساءًا…وضعت حياء القناع الذهبى ، فأخفى عينيها ونصف وجهها الأعلى ، فلا تعلم سر إصرار ديفيد على أن يقيم حفلة تنكرية ، وأن يرتدى المدعوين أقنعة للوجه ، ولم يكتفى بهذا بل جعلها ترتدى ثوب كأثواب الملكات بالعصر الفيكتورى ، إلا أنه حرص أن يكون ثوبها محتشماً كما أرادت وأخبرته بأنها ملتزمة بثيابها وحجابها ، فهو لم يرد لها أمر ، بل جعل كل مطالبها وأوامرها محل التنفيذ ، شرط أن تكون هى الأخرى ، أكثر تقبلاً لحياتها ومعيشتها الجديدة
مسحت بيدها على صدرها حتى وصلت لبطنها ، فكم كانت تود لو حملت معها بذرة من زوجها ، لتنبت بأحشاءها لكى تصير أكثر تحملاً للفراق بينهما ، عوضاً عن أنها لم تحظى بشئ منه سوى عدة صور وقميص يحمل رائحته ، وقلب يحترق شوقاً لرؤياه ، فأيام حيضها التى بدأت صبيحة اليوم نسفت حلمها ، بأنها ربما حملت معها قطعة منه
– كان نفسك تكونى حامل منه وتخلفلى ليه أطفال يا حياء
جاءتها تلك العبارة من ديفيد ، الذى يبدو عليه أنه ولج للتو ، فنظرت بالمرآة ورآت إنعكاس صورته أمامها ، فحُلته السوداء وقميصه الأبيض ، وذلك القناع الذى رفعه عن عينيه ووضعه بمنتصف رأسه ، أكسبوه مظهراً وسيماً وأكثر خطورة من رؤيتها له بالأوقات العادية خلال النهار ، أو أثناء تنزهها برفقته
أجابته حياء وهى ترفع يدها تمسك بطرف قناعها بأصابع مرتجفة :
– أظن دى حاجة خاصة بيا يا ديفيد وملوش لازمة كل شوية تضايقنى بكلامك ده وعلشان أريحك أنا عمرى ما حبيت ولا هحب حد زى ما بحب راسل جوزى تقدر تقول رجالة العالم بكفة وهو لوحدة بكفة ومفيش غيره يملى قلبى وعينى لأنه راجل بمعنى الكلمة ومن كافة النواحى
رفع ديفيد حاجبيه تزامناً مع مط شفتيه وتحريك رأسه ببطئ فقال بإبتسامة شيطانية :
– أمم للدرجة دى بتحبيه يا حياء بس أحب أقولك أن خلاص قصة حبكم دى مش هيبقى ليها وجود خصوصاً أن زمان جوزك إستلم إعلان المحكمة علشان قضية الطلاق اللى المفروض رفعتيها عليه وخصوصاً لما يعرف أسباب دعوى الطلاق إيه وأنه أنتى طلبتى الطلاق لأنه عاجز أن يعيش معاكى حياة طبيعية زى أى زوج وأن بعد جوازك منه لسه عذراء زى ما أنتى
___________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)