روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الثالث 3 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل الثالث 3 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الثالث

رواية بين دروب قسوته البارت الثالث

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الثالثة

“كان الفراق فراق مسافات، الآن أصبح فراق أرواح”

بقيت بنظراتها المصدومة عليه، عينيها الواسعة اتسعت أكثر برفض تام لما تحدث به، بقيت تنظر إلى عينيه بعمق وذهول غريب، تتسأل في نظرتها كيف استطاع أن يهتف بتلك الكلمات؟ كيف هان على قلبه أن يفكر بتلك الفعلة الدنيئة بها، فقط لكي تكون زوجته ومعه سيفعل أي شيء!.. هي بالأساس كانت معه وهو من أضاعها من بين يده.. هو من خان قلبها وروحها معًا..

من يرى نظرتها إليه الآن يعتقد أنه ضربها بنصل حاد غرز داخل قلبها المفتور ألمًا وحده، يرى كم الخذلان الذي تعرضت له على يده.. يرى كل شيء مؤلم لا يستطيع أحد تحمله أبدًا ولكنها تحملت..

نفضت يدها بقسوة ونظرتها نحوه تحمل اشمئزاز وتقزز لأ نهائي ولكنها تسائلت بعتابٍ واضح:

-قدرت تنطقها!.. قدرت تفكر كده بعقلك؟

أطال النظر عليها، على ملامح وجهها التي تزف الصدمة الكاملة إليه، إنه تحدث بكلمات فقط، ولن يتراجع عنها لأنه ليس مُستعد أبدًا لخسارتها، أجابها بنظرة جادة قاسية:

-آه قدرت وهقدر أعملها وأنتي عارفه كده كويس

حركت عينيها ذات اللون الزيتوني عليه، عقلها لا يستوعب أنه يهتف بنبرة جادة هذا الحديث، كيف لشخص عاشق أن يُخيل له فعل ذلك:

-ده مش حب

نفى ما قالته مؤكدًا بقوة أنه يحبها ساردًا عليها كل ما حدث ربما تكون نسيت ما فعلته وما فعله هو، أترى بعد كل ذلك أنه ليس حب؟:

-لأ حب، حب مُميت كمان.. أنتي عارفه إن في بينا قصة من وإحنا عيال بس إحنا كبرنا خلاص جيت أطلبك للجواز قولتي لأ عندي دراسة وجامعة وعملتي فيها الإنسانة الجامعية وأنتي كنتي فاشلة أصلًا عملت نفسي عبيط وقولت مش مهم محصلش حاجه… خلصتي الجامعة وخلاص الحمدلله نيجي نتجوز بقى لأ نعمل خطوبة على أساس مش عارفين بعض مش كده؟..

لم تخفض بصرها من عليه بل كانت تعمق النظر به وبكل حركة بسيطة تصدر منه، تدور بالكلمات الذي يهتف بها داخل عقلها وحقًا إلى الآن لا تستوعب ما الذي يحدث

أكمل مُشيرًا بيده وعينيه عليها بقوة:

-عامر استحمل الهبل اللي بيحصل وقال ماشي يجي معاد الفرح تقوم الهانم مأجلة الفرح قال ايه بيكلم واحدة عليا.. مستنية مني ايه بعد كل العذاب ده.. إني أقولك ماشي يا حبيبتي مش مهم فركش!.. لأ مش فركش يا سلمى أنتي ليا مهما حصل غصب عن عين الكل

تسائلت بذهول غير مصدقة أنه يرى الأمر هكذا؟ ألا يرى كم المعاناة التي تمر بها معه؟:

-أنت واعي للي بتقوله؟

أومأ إليها برأسه بتأكيد مُكملًا بتوضيح أعمى وكأنه يبرر لنفسه ما فعله:

-آه واعي للي بقوله.. ده طيش شباب استحمليه وبعدين غلطة وأنا اعترفت بيها وقولت مش هتحصل تاني

ضغطت على أسنانها بقوة وهي تعقب على كلماته الغير صائبة، يرى نفسه شاب طائش؟. ولو كان هكذا حقًا أليس هناك إمرأة بحياته وهناك عرس يخطط له:

-ده مش طيش شباب ماشي.. أنت راجل كبير وفاهم وواعي لكل اللي بتعمله متقولش طيش شباب

حاول أن يجاريها في حديثها بنظرة ثاقبة وعينين حادة، حرك شفتيه الرفيعة قائلًا بنبرة مُتهكمة:

-ماشي مش طيش شباب.. غلطة راجل كبير وواعي ايه مافيش حد بيغلط؟..

اختلفت نبرتها عن السابق وأصبحت خافتة مُرهقة لأبعد حد ووجهها يقص مع ملامحها للأعمى أنها اكتفت من ذلك:

-كلنا بنغلط.. بس بنتعلم من الغلط أنت بتكرره ولا كأني موجودة، ليه مش مكتفي بيا يا عامر ليه؟

أقترب خطوة بملامح مرهقة انتقلت له هو الآخر بعد الاستماع إلى نبرتها الخافتة الحزينة وأجاب بعمق وتأكيد:

-وديني مكتفي بيكي بس أنا غبي وبضعف قدام الشرب ومن هنا بتبدأ المشاكل

نظرت للبعيد ثم عادت عينيها إليه مرة أخرى غير قادرة على مجابهته لأنه من الأساس لا يترك لها فرصة يحاول باللين والقوة معًا ولكنها مهما حدث لن تعود عن قرارها:

-بس أنا تعبت ومش مستعدة أكمل كده.. أنا مستحملاك من زمان أوي تملك وغيرة، عصبية بسبب ومن غير سبب قسوة الصبح وبالليل حد تاني، أنا تعبت بجد وطاقتي خلصت

وضع كف يده الأيمن على وجنتها المُكتنزة مُردفًا بهدوء ونبرة رخيمة هادئة لعلها تعود عما في رأسها:

-اوعدك هتغير علشانك.. علشان نبني بيت سوا مش ده كلامك

أمسكت بيده وأبعدتها عن وجنتها مُعقبة بضعف شديد أمام رجل أحبته بكل جوارها ويصعب عليها الفراق هكذا في لحظة خاطفة:

-بس ده مش أول وعد أخده منك ومش بتعمل بيه

مرة أخرى يحاول باللين، ضيق عينيه عليها مُردفًا بتأكيد وتلك النبرة الخافتة مازالت موجودة في النقاش بينهم:

-هحاول صدقيني

يأخذها من القوة إلى الضعف ومن اللين إلى الشدة، يتلاعب بها بقسوة شديدة ويفهم الأمر جيدًا وهي تفهمه أكثر من نفسه، ولن تسمح له أن يفعل بها هكذا، ستكون هي الغصة العالقة بحلقه..

تنهدت بضيق وانزعاج اعتبارًا أنها ستستمع لحديثه وتفكر به جيدًا، لحظة وأخرى خلفها ثم أردفت بنبرة جادة بها القليل من اللين والهدوء:

-طب أنا عايزة أسافر أغير جو وهرجع

تهكم داخله بشدة، المعضلة الأكبر بحياتهم أنهم بتفهمون بعضهم جيدًا أكثر من أي شخص آخر وهو الآن يعلم أنها تقول ذلك الحديث فقط ليسمح لها بالخروج من البلدة ثم من بعدها لن يراها مرة أخرى..

رفض بقوة وتأكيد وأكمل بطريقة أخرى تأخذها ناحية السعادة ربما يغريها ما يتحدث به:

-مافيش سفر يا سلمى لو عايزة تغيري جو بصحيح كلها شهر وهاخدك وهنسافر وهيبقى أحلى جو وحاجه متتخيليهاش

تفهمت حديثه الخبيث ونظرته الوقحة الماكرة، تعلم ما الذي يفكر به وما الذي يريده منها أكثر شيء ولم يخجل في أي لحظة ولا حتى الآن بل يقول ما يريد دون حتى التفكير:

-الحاجه دي تخصك أنت وتغير جو ليك مش ليا

أخذ نفسٍ عميق وأخرجه من فمه بوجهها متسائلًا بحدة:

-قصدك ايه

حركت عينيها عليه وأردفت مُجيبة إياه بقوة وحدة مثله بما أن الأمر لا ينجح عندما يمثلون الهدوء على بعضهم:

-اللي فهمته.. وعن اذنك بقى

استدارت ترحل وتتركه ولكنه أمسك بيدها مرة أخرى فنظرت إليه ثانيةً بقوة كبيرة منتظرة منه أي ردة فعل بعد تلك القبضة، ومن هنا هو تحدث بقوة وضراوة بعينين سوداء لامعة قاسية لأبعد حد:

-أنا قولتلك اللي عندي يا سلمى وأنتي فهمتيه كويس أوي.. بلاش شغل العِند ولعب العيال بتاعك ده علشان هيعك عليكي في الآخر ومحدش هيخسر غيرك

بادلته النظرات الحادة المُنبعثة من عيناه ولكنها وللحق الكبير والبالغ.. خائفة، خائفة للغاية مما يقول ويفعل وللأسف الشديد هي تعرفه جيدًا وتعرف ما الذي يستطع فعله دون أن يرف له جفن..

ترك يدها بهدوء وتحرك بعنجهية وثبات عائدًا لسيارته التي ترك بابها مفتوح وخرج منها على عجلة من أمره، بقيت عينيها عليه تنظر بقوة ووضوح عليه مذهولة من كل ما يحدث حولها ومنه هو بالأخص..

رأته وهو داخل السيارة يعبث بأشياء بالداخل ثم خرج منها وأغلق الباب بقوة، رفع عينيه عليها ليراها كما هي تقف في مكانها وعينيها لا تتركه..

ربما صدمت مما تحدث به.. تعرف أنه قاسي عنيد متملك لن يترك حقه بها بهذه السهولة ولكن أيضًا ليس بهذه القوة والضراوة… ليس بهذه القسوة والأفعال الدنيئة..

مر من جوارها ودلف إلى داخل الفيلا دون أن يتحرك عضو بداخله لأي مشاعر أخرى سوى التملك والقوة، الحب في جانب وحده وقد أغلق عليه لأنه موجود في كل الحالات..

عادت هي مرة أخرى إلى مكانها تجر خيباتها خلفها، لم تكن تتوقع بيوم من الأيام أن من احتمت به من الجميع في الخارج والداخل سيمارس قوته عليها..

سيمارس القسوة عليها!. حبيبته من أخذها في أحضانه في كثير من الأوقات مُبتعدًا بها عن البشر!..

تعود إليه؟ وتتناسى كل ما فعله ويفعله وسيفعله، تتناسى أنه خانها لثلاث مرات؟. أم تتناسى قسوته معها وحديثه البغيض الحاد؟ والأهم من كل هذا تتناسى أنه رجل شهواني للغاية!..

أم تصمم على موقفها الرافض له وتبتعد عن هنا قاتلة قلبها المُحب له مرحبة بحياة ليس بها سوى أفكار العقل وقراراته!..

❈-❈-❈

“بعد منتصف الليل”

خرجت من المرحاض بعد أن استحمت مُرتدية منامة بيتية مكونة من بنطال رصاصي اللون وقميص بنصف كم لونه أبيض مخطط بنفس لون البنطال، خصلاتها متناثرة على جانبي وجهها وجبينها من الأمام تغطيه خصلات قصيرة، ظهرت قصيرة أكثر مما هي عليه مختلطة الألوان الرائعة كالأسود والبُني..

ألقت المنشفة على مقعد المرآة وتقدمت تأخذ مرطب الشفاه تضع منه بدلال على شفتيها المُكتنزة، ضمتهم على بعضهم رافعة حاجبيها الاثنين أمام المرآة بطريقة مضحكة..

تركته على المرآة وكادت أن تأخذ مرطب البشرة ولكنها وجدت باب الغرفة يفتح دون إذن الطارق بالدخول، استدارت تنظر على الباب لتراه هو يبتسم بخبث ووقاحة ناظرًا إليها بعمق..

دلف “عامر” إليها بخطوة واحدة وأغلق الباب من خلفه يتقدم منها بطريقة غريبة، ينظر بثبات وعينيه بُنية لامعة بمظهر رائع خلاب يخطف أنفاسها المسلوبة منها من الأساس..

وقف أمامها مباشرة ولم يفصل بينهم شيء، وضع يده الاثنين على خصرها بطريقة وقحة قائلًا بحنين وشغف:

-وحشتيني

عقبت على كلمة الغزل بحدة دامجة بها الدلال والرقة الحانية كالمُعتاد منها:

-بذمة أهلك في حد يدخل كده؟.. أفرض بعمل حاجه خاصة.. الله

ابتسم بخبثٍ وعبث معها غامزًا بعينيه الوقحة الجريئة والتي اعتادت هي عليها:

-ده المطلوب وحياتك

وضعت يدها الاثنين على يده التي تجذب خصرها تقربها إليه أكثر مما هي عليه، ابتسمت بخبثٍ هي الأخرى وحاولت دفعة قائلة:

-طب اوعى كده وأمشي يلا لو حد شافك هنا هتبقى مشكلة

أردف بقوة وثقة وكأن حديثه جاد بالفعل ليس مجرد مزح رافعًا رأسه:

-محدش ليه عندي حاجه مش مراتي

ضحكت بصوتٍ عالٍ بعد رؤيته وهو يردف بتلك الكلمات الواثقة، مع أنه وقح للغاية:

-لا والله وده حصل امتى وإزاي؟

نظر إلى وجهها بالكامل مُمرًا عينيه عليه بقوة يحفره داخل عقله وقد أغرته ضحكتها الجريئة الصاخبة وبقوة، أقترب أكثر ضاغطًا على خصرها بيده القوية يهتف بنبرة خافتة:

-سيبك من امتى وإزاي المهم دلوقتي إن أنتي وحشاني جامد أوي

جذبت يده بقوة وأبعدته عنها ثم سارت مُبتعدة ووقفت أمام الفراش قائلة بدلال وهي تعطيه ظهرها:

-أنت بقى موحشتنيش

استدار معها بكامل جسده ينظر عليها من الخلف من الأسفل إلى الأعلى بعينين جائعة وتتوق لأي فعله تصدر منها:

-يا بت؟

استدارت تنظر إليه نظرة دلال ورقة بالغة وهناك كم من الحب المكون داخل عينيها لا نهاية له:

-آه.. وبعدين أنا أصلًا زعلانة منك جدًا.. مش كان المفروض نتعشى بره النهاردة ايه نسيت؟.. لأ وكمان من امبارح بره البيت ولا كلمتني ثانية حتى

تذكر يوم أمس الشاق، واليوم أيضًا كان كذلك، منذ صباح الأمس وهو في الخارج ولم يعد إلا في هذه اللحظات، عقب على حديثها يسرد ما الذي حدث حتى تغفر له نسيانه لموعدهم الغرامي:

-طب بذمة أهلك أنتي أنا كنت فاضي وقولت لأ؟ تقدري تسألي أخوكي هو عارف أنا كنت بعمل ايه وكان المفروض يبقى معايا بره من امبارح بس أنا بعته علشان هو واحد متجوز لكن أنا واحد غلبان حبيبتي مش عايزة تحن عليا

تسائلت بحنان أم قلبها يرق ناحية طفلها الذي اعتبرته بالفعل جائع منذ أمس بسبب عمله:

-اتعشيت طيب؟

في لحظة خاطفة بعد استماعه لسؤالها الحاني ورؤيته لذلك الحب داخل عينيها الساحرة أقترب منها بخطوة واحدة يقف أمامها كما كان منذ لحظة ويده الاثنين خلف خصرها يهتف بنبرة خبيثة:

-لأ أنا مش جعان أكل أنا جعان نوم.. نـــوم واخده بالك؟

حرك أنفه فوق أنفها بحدة مقتربًا منها أكثر فدفعته بقوة كبيرة في صدره ليعود للخلف وجلست هي على الفراش:

-أبعد كده يا مجنون ويلا بره كده عيب

ضغط على شفتيه بأسنانه بقوة ناظرًا بعمق إلى شفتيها المُكتنزة المغرية للغاية والشهية بالنسبة إلى رجل عاشق مثله:

-أنتي خليتي فيها عيب.. دا في نار قايده جوايا وحياتك

وقفت على قدميها بسرعة تدفعه في صدره مرة أخرى لكي يذهب إلى الخارج ويتركها فحديثه ونظراته خبيثة للغاية:

-طب ياعم الوالع يلا بره بقى

سار معها بخفه وهي تدفعه ولكنه أكمل في مشاكستها بمرح ومزاح لا يُجيد فعله إلا معها:

-هقولك طيب استني

تصنعت الضيق ومن داخلها تود الابتسام والضحك واستمرت في دفعة بخفة للخارج:

-مش عايزاك تقول يلا بره

أردف بصوتٍ خافت متصنع الحزن لأجل ما تفعله وهو الذي ترك كل شيء فقط لأجل رؤية عيناها والتمتع بالنظر إليها:

-بقى كده.. يعنى أنا جاي من بره عليكي وسايب كل اللي ورايا علشانك وفي الآخر تطرديني؟

أومأت إليه بتأكيد وبقوة:

-آه يلا بقى

وقف أمام باب الغرفة وتحدث بحرارة تحرق داخلة بقوة وضراوة:

-ماشي يا بطل بس خليكي فاكرة بقى اللي بتعمليه

فتحت الباب بيدها ودفعته للخارج بالأخرى مُبتسمة بقوة لأجل أفعاله الصبيانية:

-فاكرة يلا أمشي

أعاق غلق الباب برأسه حيث أنه كان في الخارج بجسده وأدخل رأسه إليها يهتف بمرح وعينيه على شفتـ ـيها:

-بوسة طيب!

وجدها صامتة تنظر إليه وصمتها يعبر عن أنها حقًا بدأت في الضجر وبقوة، ابتسم أكثر وأغاظها قائلًا بنظرة من عينيه البُنية البريئة:

-طب حضن بريء

دفعته بقوة للخارج صارخة به بعنف ثم دفعت الباب في وجهه مرة واحدة دون سابق إنذار:

-بره يا عامر

وقفت خلف الباب من بعد غلقه تضحك بصوت عالي صاخب وسعادة كبيرة تجعلها كوردة مُتفتحة في حقل بساتين ليس به إلا الزهور السعيدة، وهي كانت من ضمنهم بفعل حبيب عمرها..

استمع إلى صوت ضحكاتها الصاخب قبل رحيله فاقترب من باب الغرفة مرة أخرى متيقن من أنها تجلس خلف الباب وصاح قائلًا بنبرة لعوب:

-بطل بطل يعني مش أي كلام

ارتسمت الابتسامه الواسعة على ثغرها الوردي، وضعت كف يدها على شفتيها وهي تبتسم بمرح، يا الله كم تحبه!.. قلبها يدق بعنف عند النظر إليه، عينيها تشتاق إلى رؤيته وتلمع عند النظر إلى هيئته الرجولية..

تتوق شفتيها للرد على حديث يصدر منه وتمتع أذنها بالاستماع إلى صوته، كثير من المشاعر والأشياء الصاخبة التي تمر بها في وجوده وكأنه حقيقة سعيدة لا تود زوالها أبدًا..

استفاقت من تلك اللحظات السعيدة جالسة على الفراش بعد أن كانت عينيها غفت، جلست تنظر حولها في الغرفة المظلمة ليس بها إلا ضوء خفيف للغاية مريح للنوم..

ما الذي حدث! كانت نائمة أو كانت تود النوم فجلست على الفراش تتمدد عليه لتخلد للنوم ولكن رأسها وعقلها أخذ يذكرها بكل ما بينهم ويبدو أنها غفت وهي تتذكر تلك الأشياء الماضية!..

لم يكن هذا إلا موقف جمعهم من بين ألاف المواقف الجميلة الرائعة، التي تستخدم الآن كذكريات فقط!..

الآن لو دلف إلى غرفتها لن تكون سعيدة بذلك القدر التي كانت به، لن تشعر بالأمان من الأساس بعد تهديده الواضح والصريح لها..

الآن وغد وبعد غد لن تشعر بالأمان بوجوده معها مهما حدث بينهم، سيكون ذلك من المستحيلات أن تترك له نفسها دون خوف كما السابق سيكون من أصعب ما يكون..

في السابق كان يدلف إلى غرفتها في أي وقت وتذهب معه إلى أي مكان دون خوف، الآن الرهبة تعبث بقلبها بسبب وجوده وتشعر أن نهايتها ستكون على يده إن بقيت على وضعها وذلك القرار الذي اتخذته.. الشعور بالأمان في منزلها أصبح صعب للغاية..

وقفت على قدميها وتقدمت من باب الغرفة ثم أغلقته بالمفتاح من الداخل لتحاول كسب القليل من الراحة في تلك الفترة المرهقة..

عادت مرة أخرى إلى الفراش تجلس عليه بعد أن ذهب النوم بعيد عنها تفكر بأفعاله وحديثه الواثق وكأنه لم يفعل شيء.. هل لأنها صمتت في المرات السابقة وجعلت الأمر يمر أعتاد على ذلك وأعتقد أنها لن تتحدث مهما فعل وستكون موجودة معه..

أعتقد أن حبها له سيجعلها تدوم دون رحيل ولكنها لن تجعل الحب يؤثر عليها بهذه الطريقة مهما كانت مكانته بحياتها، ستحاول الآن أن تحافظ على كرامتها وتعز نفسها أمامه أكثر من ذلك ليتفهم جيدًا أنها إمرأة تستطيع أن تكفي رجل وأن يكتفي بها..

الخطأ منه والخيانة من قِبله وقلبها خائن أكثر منه مهما فعل يريد القرب والرحيل بالنسبة إليه موت

❈-❈-❈

جلست صديقتها “إيناس” جوارها على الفراش تحاول أن تواسيها بكلمات لينة تجعلها تخفف من ضراوة الحزن التي قبعت داخلها منذ أن علمت بما فعله “عامر”:

-خلاص يا سلمى يا حبيبتي متعمليش في نفسك كده

رفعت رأسها إليها تنظر بعمق والدموع تسير على وجنتيها المُكتنزة في خطوط ثابتة تردف بحرقة:

-معملش ايه في نفسي؟.. معملش ايه هو اللي أنا فيه ده سهل.. ده عامر

أبعدت “إيناس” بصرها عنها وجعلته إلى الأمام وقالت بقوة وجدية:

-بصراحة بقى أنتي اللي غلطانه.. أنا كتير حذرتك منه وقولتلك خدي بالك عامر مش سهل وبتاع ستات وأنتي عارفه كده كويس

شعرت بأنها تنظر إليها بغرابة وعينيها مثبتة عليها ففعلت المثل واستدارات برأسها وجسدها إليها قائلة بقوة مؤكدة حديثها:

-آه يا سلمي ياما قولتلك عامر مش ليكي

وضعت وجهها بين كفيها الاثنين وأخذت في البكاء بقوة وبصوتٍ عالٍ، قلبها يحترق والنيران لأ تنطفئ بداخله، منذ تلك اللحظة وهي مشتعلة وتعذبها أشد عذاب وهي الآن تزيد البنزين عليها بقولها أنه ليس لها..

لم تعد تستطيع أن تتحمل المكوث هنا في هذا المنزل، لأ تطيق النظر إلى وجهه ولا حتى تذكره، لقد جعلها تخجل من نفسها أمام الجميع وأمام نفسها قبلهم.. لما قد تفعل هذا؟.. لما تحكم على الغرام الذي بينكم بالموت!..

أقتربت منها الأخرى أكثر ووضعت يدها الاثنين على أكتافها تحتضنها قائلة بصوت ناعم يبدو متأثر:

-اهدي يا سلمى متعمليش في نفسك كده

بعد لحظات من المواساة والكلمات الحنونة رفعت رأسها ومسحت على وجهها بقوة تزيل دمعاتها من عليه ثم هتفت بجدية:

-أنا هسافر يا إيناس.. هسافر ومش راجعة دلوقتي أبدًا

يالا الفرحة التي شعرت بها، كل ذلك البكاء التي استمعت إليه وهذه الشفقة التي كانت توزعها عليها لم تجعل قلبها يدق هكذا.. لم يجعل أي شيء قلبها يدق بهذه الطريقة العنيفة الفرحة للغاية بما استمعت إليه ولكنها تحكمت بنفسها قائلة بحزن:

-للأسف ده الحل الوحيد يا سلمى علشان تنسي

أومأت إليها “سلمى” البريئة معها للغاية.. والتي جعلتها الأقرب إليها على الرغم من كلمات “عامر” الدائمة لها عن كونها ليس فتاة صالحة لتكون صديقتها.. والأخرى قد دقت طبول السعادة والفرح داخلها..

الانتقام منه ليس شيء سهل أبدًا، لقد جعلها تشعر بخذلان لا مثيل له، جعلها تبكي ليالي بقهر وحرقة وضياع نفس.. جعلها تتعايش مع مرارة الأيام وحدها بعد الذي فعله معها منذ سنوات..

لقد دمر كل ما كان بها، جعلها أخرى أصبحت لا تعرف نفسها.. وكان عليها الانتقام منه.. الانتقام الشديد الذي استغرقت كثيرًا وصبرت أكثر لكي تقوم به على أكمل وجه ولتكون الضربة القاضية له.. ولم تكن إلا عن طريق روحه “سلمى” وصديقتها الزائفة..

تعلم أنه يفرط من شرب الكحول، ولحسن حظها رأته في ذلك المكان التي لا تحب الذهاب إليه “سلمى”، ورأته في حالة ثمالة لن تتكرر لأنه لا يمثل أكثر من هذا.. ولحسن حظها مرة أخرى كان هذا الوقت المناسب بالتحديد…

جعلت الفتاة تقترب منه للغاية وهي تأخذ اللقطات المناسبة، لم يمنعها عن الإقتراب ولكنه أيضًا لم يقترب.. وفعلت ما كانت تريد فعله.. إنه برئ ولم يفعل شيء.. لم يخونها، ولم يقبل الفتاة.. لم يحتضنها ولم يفعل أي شيء حتى اللمسة لم يفعلها بإرادته هي من كانت تحركه وتفعل ما يحلو لها لتأخذ الأخرى ما تريد وهو الأحمق لا يدري بكل هذا وأصبح أمام نفسه قبل الجميع جاني وقد خانها حقًا ويلوم نفسه لأنه أقترب منها..

نظرت إلى “سلمى” بعينين ثاقبة ونظرة حادة حاقدة، عليها أن تقاسمه العذاب، هي الأخرى مثله عليها أن تنال جزء من الانتقام..

❈-❈-❈

“بعد مرور يومين”

يومين!. كمثل عامين مضوا عليهم في بعد تام..

الإبتعاد عن من تحب وهو أمامك يمثل إليك الموت البطيء، تعرف أنه موت حتمي ولكنه بطيء

منذ آخر مشادة حدثت بينهم جعلته يهتف بحديث بغيض على قلب كل من يسمعه، وعليها هي بالاحتراق، ابتعدت عنه تمامًا تاركه له كامل الحرية في النظر إليها من بعيد كما ستفعل في الأيام القادمة..

تحاول أن تهيأ له ما سيحدث عن قريب، ستكون مُبتعدة عنه كامل الإبتعاد..

بعد أن نامت في منزلها خائفة والذي من المفترض أن يكون هو المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالأمان، قررت أنها لن تبقى هنا لمدة طويلة وعلمت أن القرار الصائب حقًا هو الإبتعاد..

إن بقيت واستمعت إلى حديثه ستكون مضطرة إلى الزواج منه رغمًا عنها وهذا لن يحدث، ستدعس قلبها أسفل قدمها بكل قوة لديها حتى يصمت عن الصراخ داخل قفصها الصدري مطالبًا بالعودة إليه..

مضوا اليومين عليها وهي تأخذ جانب وحدها بعيدة عن الجميع وعنه هو بالأخص، تراه يدلف عائدًا من عمله من نافذة غرفتها وهو يراها تنظر إليه يحاول الصعود إليها ليتحدث معها يجد أنها تغلق الباب من الداخل.. يحاول إرسال الرسائل إليها تقرأها ولا تُجيب عليه فلم يفهم ما الذي تفكر به..

عيناها تطالب بالقرب منه وقلبها يطالب بعناق أبدي من قلبه، تشعر بفراغ مُميت وقع في حياتها منذ أن نشب ذلك الشجار المشؤوم بينهم، تبكي كل ليلة بضعف وقلة حيلة لأجل ابتعادها عنه وترك حياتها التي اعتادت عليها لأربعة وعشرون عام..

أن تترك حب عمرها والرجل الوحيد الذي وقعت عينيها عليه منذ الصغر إلى الكبر، تدريجيًا عام بعد عام تكبر وهو يكبر أمامها وبينهم ذلك العشق الأبدي..

تظهر القوة وداخلها هشة ضعيفة من مجرد هواء مار أمامها تميل معه وتترك له حرية اختيار طريقها..

كان يراها هو في الصباح تهبط إلى الأسفل بعد أن يتناول فطوره مع الجميع.. يحاول معها ولكنها ترفض، أبعدته عنها بطريقة بشعة جعلته يفتقد حتى النظر إلى زيتون عينيها، جعلته يفتقد النظر إلى خصلاتها الغريبة ووجها الممتلئ..

جعلت قلبه يشتاق لكل همسة تصدر منها بعد أن كان كل ما بها له ويتمتع به في أي وقت وأي لحظة تخطر على فكره..

جعلته يشتاق إلى لمسة واحدة منها تؤكد له أنها مازالت هنا حبيبته وملكه الوحيد الذي خرج به من حرب كانت خاسرة لا محالة وبها أصبح القائد المشهور بالفوز العظيم..

كم يحبها وكم يشتاق إليها وإلى حديثها، متملك ومغرور، عنيف وقاسي ومتهور وبه كل الصفات الكريهة ولكن هناك صفة واحدة يهوى بها الغفران إلا وهي أنه يحبها إلى الممات..

الجميع بعد الذي حدث باغض الحديث معه حتى عمه الذي كان يأخذ دور والده في حياته، لم يكن هناك أحد يشجعه على فعل شيء سوى عمه وهو من وافق على زواجه من ابنته قبل أي أحد..

على عكس والده الذي رآه أصبح مُتهور بما يكفي وحاول معه أن يعود عما يفعل ولكنه لم يعود فابتعد والده وأصبح يعلم نتائج كل ما يفعله ابنه..

أصبح قاسي بالنسبة إليهم أكثر من السابق، أصبح شخص آخر غير الذي يعرفونه..

دلف من بوابة الفيلا في منتصف اليوم على غير العادة، نظر أمامه ليجد مشهد غريب على عينيه، الجميع في ردهة المنزل، هناك حقائب سفر موضوعة في الطريق، ابنة عمه في أحضان والده تبكي! والحزن مُرتسم على ملامحهم جميعًا..

ستذهب!.. أيعقل ذلك؟

نظروا إليه عند لحظة دخوله، وهي من بينهم، ولم ينظر بعيناه على أي شخص سواها، نظرة خائبة حزينة لكن لن تدوم كثيرًا..

أقترب بهدوء وبخطوات محسوبة، عينيه عليها بقوة، قلبه يدق بعنف داخل قفصه خوفًا مما قد يحدث في ذلك الموقف:

-أنتي ماشية

كانت تبكي وازداد البكاء أكثر برؤيته وسؤاله الذي خرج من بين شفتيه بحزن وضعف ظهر لها وحدها من بين الجميع.. لم تُجيب ولن تُجيب.. الآن تندب حظها الذي اوقعها به وحظها الذي جعله يخونها بتلك السهولة..

أردف بقسوة وتحولت عيناه إلى سواد قاتم معتم إلى أبعد درجة ممكنة:

-مش هتمشي يا سلمى

عاندته مُجيبة بحدة وهي تمسح تلك الدموع المتناثرة على وجنتيها المُكتنزة:

-همشي يا عامر

أقترب منها في خطوة وحيدة واسعة على حين غرة مُمسكًا بذراعيها الاثنين بكفي يده بحدة وقسوة عنيفة صارخًا أمام وجهها:

-مش هيحصل.. على جثتي سامعه ولا لأ

تقدم شقيقها “ياسين” سريعًا منهما وجذبه من ذراعيه الاثنين الذي يُمسك بها دافعًا إياه بعيدًا عنها يهتف بنبرة حادة:

-أنت اتجننت ولا ايه سيبها.. هي قالت مش عايزاك يا عامر خلصنا بلاش نعمل مشاكل وتخرب البيت ده

أبصره بقوة ونفيٰ رافضًا ما قاله مهما كانت نسبة حدوثه عالية، فالأمر الوحيد الهام في تلك اللحظة، أنها سترحل وتتركه وحده!:

-البيت ده هيتخرب لو مشيت وده مش هيحصل.. وبعدين ايه مش عايزاك دي؟ عدا عليها أربعة وعشرين سنة وهي معايا جاية دلوقتي تقول مش عايزاني

هذه المرة استمع إلى صوت شقيقته “هدى” تعنفه بضراوة لأنها قد وضعت نفسها في موضع ابنة عمها ووجدت أن ما حدث لا تتحمله إمرأة:

-وهو اللي أنت عملته شوية.. مافيش واحدة ممكن تستحملك كده يا عامر حاول تفوق لنفسك

اخرسها بصوته الحاد الصارخ في وسط المنزل وعروقه أصبحت بارزة وجسده بالكامل متشنج:

-مالكيش دعوة أنتي

أقتربت منه “سلمى” ناظرة إليه بعينين ضائعة في وسط كل هذا الحديث، مُحبة إلى وجودها معه، تريد البقاء والتمتع بقربه وأحضانه:

-عندها حق أنت مافيش واحدة تستحملك ومش هتلاقي واحدة بعدي يا عامر.. كان قدامك فرص كتير تتغير وأنا معاك لكن ده محصلش بالعكس بتزيد في الغلط وأنا تعبت

ضيق ما بين حاجبيه وعينيه عليها بدقة عالية مُتحدثًا بكلمات تجعلها تبقى لأجله:

-قولتلك خلاص مش هيحصل تاني.. خلاص أنا آسف أموت نفسي.. عايزاني أموت نفسي يا سلمى؟

الموت! هل وصلت معه إلى هنا؟ إلى الموت؟. لم تكن تريد هذا ولن تريده مهما حدث مجرد الاستماع إلى كلمة منه كهذه جعلت قلبها ينتفض داخل أضلعها:

-لأ متموتش نفسك سيبني أمشي

أطال النظر على وجهها دون حديث والجميع بهذه الفيلا يستمع لما يدور بينهم ثم في غفلة منهم شعر أنه يريد أن يسألها:

-أنتي بتحبيني؟

خرجت الدموع من عينيها مرة أخرى، ارتعشت شفتيها الوردية أمام عيناه، وبقى ينظر إليها مُنتظر منها إجابة على سؤاله البسيط ولكنها لم تُجيب:

-جاوبي.. بتحبيني ولا لأ؟

تنهدت بعمق من بين بكائها المُمزق قلبه إلى أشلاء وجعل روحه فانية، واستمع إلى صوتها الرقيق الخافت الخالي من كل شيء سوى حبه:

-بحبك

أقترب أكثر وأمسك بكف يدها بين يده الاثنين مُتناسيًا كل من يقف هنا، لا يهمه أي أحد من بينهم، هي الوحيدة المهمة له:

-اومال ايه يا سلمى… ايه؟ أرجوكي كفاية كده وعد مني هعمل كل اللي أنتي عايزاه

أردفت ببكاء أشتد عليها وضعف انتاب قلبها، كلمة واحدة أخرى من شفتيه ستكون بين أحضانه وتطالب بالزواج الفوري منه:

-أنا أخدت وعود كتير وعلى فكرة بقى الحب مش كل حاجه.. الحب ولا حاجه جنب حاجات تانية

ضغط على يدها من دون أن يلاحظ أحد ذلك ووقف أمامها شامخًا بعد أن نفذ منه كل الحديث الذي من المفترض قوله وهتف هذه المرة بنبرة جادة عائدًا إلى أصله:

-مش هتمشي

أجابت بنفس تلك النبرة الصادرة منه وعينيها لم تتأرجح من على عيناه:

-همشي

دفع يدها الذي كان يُمسكها بقوة صارخًا بوجهها بصوتٍ عالٍ ولم يكن هام بالنسبة إليه وجود أهلها هنا:

-هتخليني اتغابى عليكي بلاش عِند

عادت للخلف خطوة بعد صراخه عليها بهذه الطريقة وأقترب “ياسين” منه بطريقة هجومية واضحة ولكن والده قد سبقه في فعل ذلك..

أبعد ابنته للخلف ووقف أمامه رافعًا رأسه ليكن بنفس طوله حيث أن “عامر” كان الأطول بينهم جميعًا، نظر إليه بقوة وعنف ولأول مرة يفعلها، نظر إليه بعينين تهتف بتهديد صريح إن أقترب من ابنته:

-ايه البجاحه اللي أنت فيها دي… أنت مفكر نفسك مين.. رد عليا مفكر نفسك مين؟.. دي بنتي وأنا اللي وافقت على جوازها منك ودلوقتي حتى لو هي رجعت في كلامها أنا رافض.. سامع

لم يكن متوقعًا من عمه هذا الحديث ولا حتى ردة الفعل هذه، أيعقل أن عمه من وقف جواره طوال حياته الآن يقف أمامه!.. الآن بالتحديد، لما الجميع يريد سرقتها منه؟:

-يا عمي…

قاطعه عن الحديث بحدة صارخًا به يسرد عليه ما حدث وكأنه لا يعرفه.. كأنه ليس معضلة يغفى ويستفيق بها:

-اخرس خالص.. أنت عارف والكل عارف أن أبوك أول واحد عارض جوازك من سلمى وقال إنك غبي والبنت مش هتستحملك وسلمى خالفت كل التوقعات واستحملت كتير بس أنت فعلًا اللي غبي وبنتي غلطت لما فضلت معاك من أول مرة عرفت فيها إنك وسـ*

أغمض “عامر” عينيه بقوة مُستنكرًا كل شيء من حوله، يحاول التماسك أمامهم، يحاول أن يكون شخص عاقل غير متهور كي يعلموا أنه يحاول التغير لأنه معروف في مثل تلك المواقف:

-أنا لما وافقت قولت يا أحمد، عامر طيب وجواه حد كويس هو بس اللي متهور وعصبي حبتين وجو روميو اللي كان عايش فيه مع بنات الكباريهات ده هيبعد عنه لما تبقى سلمى معاه لكن أنت طلعت غبي

كان يتحدث والآخر مازال مغلق عيناه ولكنه فتحمها على وسعيهما عندما استمع إلى حديثه الجاد الواثق منه:

-سلمى هتمشي ابقى وريني هتمنعها إزاي

صرخ بوجه عمه لأول مرة وأمام الجميع أيضّا، رافضًا ما قاله وما سيُقيل بعد ذلك، رافضًا كل شيء بحياته سواها:

-مش هتمشي.. وديني ما هتمشي

استدار ليذهب إلى خارج الفيلا مُقرر فعل شيء ما يجعلها تبقى دون الرحيل، استدار لهم برأسه يهتف مرة أخرى بقوة وصوت عالي صارخ في وسط الفيلا:

-سامعين كلكم.. مش هتطلع من البلد دي

نظرت إليه وهو يبتعد ووجوه الجميع مصدومة مما يفعله وما توصل إليه.. هو المخطئ الوحيد وهو من أضاعها، هو من تسبب في كل ذلك وعليه تحمل النتيجة.. أيعقل أن يفعل الحب كل ذلك؟

لم يتدخل والده مانعًا نفسه عن فعل ذلك بالقوة، لا يريد أن يكبر الأمر بينهم أكثر من ذلك ويعود ليقول أن والده هو من يُعيق زواجه وسعادته..

خرجت “سلمى” ركضًا إلى الخارج بعد لحظات استوعبت بها أنه سيرحل وهي الأخرى سترحل ولا تعلم متى من الممكن أن تراه مرة أخرى..

خرجت إلى البوابة وجدته صعد إلى سيارته وكاد أن يرحل بها، ناداته بصوتٍ عالٍ وهي تركض إليه بعينين باكية:

-عامر.. عامر

وقفت أمام نافذة السيارة ومالت عليه برأسها ولم تكاد أن تتحدث حتى ألقى عليها الكلمات القاسية المودعة إياها:

-ابعدي عن وشي ويلا روحي شوفي أنتي رايحه فين

بنبرة هادئة خافتة قتلت روحه داخله طلبت منه الخروج للحديث معه:

-أنزل لحظة

خرج من السيارة وأغلق الباب بعد الاستماع إلى نبرتها المُرهقة للأعصاب، وقف أمامها شامخًا يهتف بكل ما خطر على عقله أنها تريد الحديث به:

-نعم عايزة ايه.. عايزة تقولي إنك هتمشي وتبعدي عني وفركش للجوازة وفركش لحبي ليكي.. هقولك مش هتسافري يا سلمى

أمسكت وجهه بيدها الاثنين، وضعته بين كفيها بحنان بالغ ونظرة حزينة احتلت ملامح وجهها، بكائها ازداد وتركت قوتها في الداخل وخرجت له مجردة من كل شيء سوى حبه:

-أنا بحبك بس أنت اللي ضيعتني من ايدك.. اتغير عايزة اسمع إنك اتغيرت وأنا هرجع في لحظتها ومش هستنى دقيقة واحدة تعدي عليا وأنا بعيدة عنك

وضع يده الاثنين فوق كفيها على وجهه، وأقترب منها بنظرة عينيه التي تعلقت بأمل جديد بعد حديثها المُمزق لقلبه، قال بحب مُطالبًا منها البقاء فلو ابتعدت روحه إلى الأعلى أفضل من ابتعادها هي:

-طب وليه.. وليه يابنت الحلال ما أنتي أهو خليكي.. خليكي يا سلمى أنتي عارفه إني ماليش غيرك وسطهم.. أنا عايزك

بكت بقوة في تلك اللحظة، وبعد ذلك الحديث منه، كطفل صغير يريد بقاء والدته معه، يريدها هي فقط ولا يريد أي أحد آخر من أفراد العائلة ولكنها مضطرة لفعل ذلك:

-مش هقدر صدقني.. مش هقدر أقعد معاك كأن مفيش حاجه حصلت.. أنا بنام وأقوم على صورتك وأنت في حضنها.. بنام وأقوم على صورتك وأنت بتبوسها.. مش هقدر يا عامر لأ

نظر إلى شفتيها المُكتنزة التي ترتعش بفعل بكائها، علم في تلك اللحظة أنها لن تنصت إليه إذًا سيصمت هو الآخر، أبعد يده من فوق يدها الاثنين واضعًا إياهم على وجنتيها كما فعلت معه وتبادلوا النظرات الصامتة، ثم أقترب منها بهدوء تام واضعًا شفتيه على خاصتها في قبله حانية غريبة..

قبلها كما لو أنه لم يفعلها من قبل، بطريقة بريئة إلى أبعد حد، حانية رقيقة، قبلها إلى أن شعر بأنه عليه الإبتعاد وقد فعل..

أبتعد بشفتيه وبقى على وضعه معها فاستمع إلى صوتها الضائع بعد قبلته الشغوفة الحانية:

-لو عايزني اتغير وهرجع.. ولو فضلت على حالك شرب وسهر وستات مش هرجع أبدًا وهعرف إنك مش عايزني يا عامر

عقب بنفس تلك النبرة الضائعة، نبرة متعطشة للمزيد منها وتتروى لفعل ذلك بالهدوء ولكنه يقتلها:

-لأخر يوم في عمري أنا عايزك وأنتي ليا وبردو مش هتسافري

عاد للخلف وأخفض يدها الاثنين من على وجنتيه دافعًا إياها للخلف بخفه وتروي لتبتعد عن السيارة، ثم نظر إليها نظرة أخيرة لا تنم عن الخير أبدًا ودلف إلى السيارة وأشعل المقود ثم رحل وتركها تقف في مكانها وحيدة.. وحيدة تنتظر تغيره..

البكاء ليس حل في هذه اللحظات، لقد قالت ما عندها وفعل المثل، لقد ودعها بشيء لم تكن تحلم به، وضعت يدها على شفتيها وخرجت الدموع تتهاوى خلف بعضها..

لقد ودعها بقبلة الوداع..

❈-❈-❈

جلست في المقعد الأمامي للسيارة جوار مقعد السائق والذي كان شقيقها “ياسين” وفي المقعد الخلفي جلست والدتها ووالدها..

كانت تستند على نافذة السيارة تنظر إلى الخارج بشرود واضح، لم تكن معهم من الأساس بل كانت تسبح في ذكريات جمعتها بذلك الحبيب الذي تركته..

استمعت إلى صوت شقيقها يناديها بنبرة جادة وكأنها ليست المرة الأولى:

-سلمى

اعتدلت في جلستها ونظرت إليه باستغراب منتظرة منه الحديث فقال بمرح وابتسامه:

-فينك يابنتي بكلمك.. بتفكري في امريكا من دلوقتي

ابتسمت إليه هي الأخرى بهدوء، ابتسامة مصطنعة ذائفة وأجابته قائلة:

-ومفكرش فيها ليه.. دي بلد الدولار يابني

ابتسم أكثر يصيح بقوة وهو ينظر إلى الأمام على الطريق:

-يا ولا

قالت بنبرة حانية وهي تنظر إليه:

-خلي بالك من نفسك ومن هدى

نظر إليها ثم أبعد نظرة سريعًا من عليها ليبقى على الطريق وعقب قائلًا:

-متقلقيش علينا أنتي خلي بالك من نفسك

استدارت إلى والدها تنظر إليه نظرة طويلة، تريد قول الكثير ولكنها بالتوصية عليه، اكتفت به هو وكأنها ترحل عن مولود رضيع ليس له غيرها، ترقرقت الدموع بعينيها وقالت:

-خلي بالك من عامر يا بابا.. أنت عارف إنه مالوش غيرك.. عمي مش زيك وهو مش بيعرف يتعامل معاه بلاش تزعل منه بسبب اللي حصل خليك معاه وفي ضهره

ابتسم إليها بهدوء وقد تفهم أن ابنته لن تبقى هناك طويلًا ستعود راكضه لتبقى مع من يهواه قلبها، أنها حتى لا تستطيع إيقاف التفكير به ولو لحظة ومن المفترض أنها ذاهبة لأنها تبغضة:

-متقلقيش عليه يا سلمى عامر ابني زيكم بالظبط وأنا مش هسيبه

نظر إليها شقيقها بقوة، كيف لها أن تكون هكذا؟ بعد كل ما فعله تفكر به وتريد من الجميع الاعتناء به من بعد رحيلها.. كيف لها أن تكون تلك الفتاة الناضجة الذي أحبته وتحبه ومع ذلك استطاعت أن تأخذ قرار الإبتعاد عنه جاعلة قلبها يفتر من الحزن..

عادت برأسها للخلف بعد أن جعلتها والدتها تطمئن وبعد أن نظرت إلى الأمام من خلال زجاج السيارة صرخت بعنف وقوة كبيرة جاعلة شقيقها ينتبه لتلك الشاحنة:

-حاسب يا ياسين

لم يستطع فعل شيء فقد فات الأوان، أتت عليهم شاحنة كبيرة الحجم بقوة أكبر من اللازم تصادمت معهم وكأن بالفعل سائقها يريد فعل ذلك بهم، دعست السيارة بفعل الشاحنة وانقلبت أكثر من مرة وتلك العائلة الصغيرة بها..

ومن بعد نطقها باسم شقيقها لم تنطق بحرف أخر..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى