روايات

رواية بين دروب قسوته الفصل الثاني 2 بقلم ندا حسن

موقع كتابك في سطور

رواية بين دروب قسوته الفصل الثاني 2 بقلم ندا حسن

رواية بين دروب قسوته الجزء الثاني

رواية بين دروب قسوته البارت الثاني

بين دروب قسوته
بين دروب قسوته

رواية بين دروب قسوته الحلقة الثانية

“قسوة الأيام ومرارة الفراق قادمة”

لم يشتهي القلب سواه، أعوام وأشهر، أيام وليالي داخلها ساعات ودقائق وبين كل هذا لم يكن هناك سواه، قد عشق القلب والتهبت الروح بشدة بعد أن علمت بالخطر المحيط بها لأجل ذلك العشق..

منذ أن كانت طفلة صغيرة تحبه، مراهقة تحبه، شابة تحبه، فتاة راشدة تحبه، وإلى الآن تحبه، كان هناك خطر دائم كمثل أمواج البحر الثائرة، تهبط وتهدأ ثم على حين غرة تأتي إليها من دون ميعاد لتدمر كل ما بنته.. ولم يكن هذا الخطر إلا هو..

كان صبي مشاغب وفتى مرح يحب خوض تجارب كثيرة في الحياة والآن هو رجل ناضج عاقل ومن حين أن أصبح كذلك يفعل كل ما يحلو له، دون أخذ أمر من أحد أو الاستماع إلى نصيحة من أحد، يلهو كثيرًا مع فتيات الملاهي الليلية، يعبث معهم بكل جوارحه، يشرب الخـ ـمر وما حرم عليه..

يفعل كل ما يخطر على البال، وهي تعرف كل ذلك، تعرف أنه قاسي، عنيد وحاد الطباع، عندما يرغب أن يكون محب ومرح يفعلها ويكن لأجل نفسه وللاستمتاع قليلًا، وبقية الوقت يكن الرجل الذي يريد أن يكون عليه وهي تدري.. متملك يغير وبشدة، يغضب ويثور في لحظة..

تعرف أنه لا يستمع لأبيه ولا يستمع لأي أحد من أفراد العائلة، حديثه يأتي من عقله ومهما كان خطأ فلا رجوع عنه..

تعرف إنه لعوب خبيث، ماكر وما بعد المكر شيء أسوأ من هذا، مهلًا هناك الأسوأ عندما يمارسه على من يحب.. كيف يحب؟..

مع كل ذلك أحبته، وظلت تحبه وستحبه إلى الأبد البعيد، قلبها عنيد غبي غريب لا يستجيب إليها، يعلم أنه سيواجه كثير من المتاعب، يمكن أن تكون جسد’ية لأنه في كثير من الأحيان يتطاول، يمكن أن تكون نفسية وهذا أكيد..

قلب غبي لا يستمع لأحد مر عليه سابقًا الخيانة وعاد إليه مرة أخرى غافرًا له ما فعله بعد كثير من الاعتذارات، بعد كثير من الندم والقهر الذي ظهر عليه بسببها..

ولكن الآن هذه الأخيرة، لن يكون هناك مانع أن تحبه إلى الأبد وما بعده ولكن المانع في كونها معه..

وضع كف يده اليسرى على وجنته التي تلقى الصفعة عليها، أغمض عينيه بقوة مُستنكرًا ما فعلته بطريقة حادة وقاسية ضاغطًا على أسنانه بقوة وبعنف شديد..

استدار بوجهه ينظر إليها بعد أن فتح عينيه وظهر من خلفها سماء سوداء حالكة ليس بها أي نجم معتم حتى ينير ولو ضوء بسيط بها، أخفض كف يده من على وجنته ونظر إليها بقوة ومن حولهم ينظرون إليهم..

“عامر القصاص” إنه شخص معروف هنا، المكان ملئ بالموسيقى العالية وأصوات الغناء الصاخبة ولم يرى أحد أو ينتبه لما حدث إلا القريبون منه في الجلسة وللأسف كانوا على معرفة به وبخطيبته..

عينيها لم تهبط من على عينيه، بقيت تنظر إليه بقوة وثبات، يرى الدموع تترقرق خلف الزيتون القابع داخلها ولكنها تحاول الثبات بقوة، يرى العتاب واضح بعينيها وجميع ملامحها تتحدث وهي ترفض الخضوع لكل هذه المشاعر..

وضع يده اليسرى على البار خلفه وأمسك بمفاتيحه، وضعها في جيبه وعينيه مازالت عليها دون حديث، ثم بيده اليمنى أمسك معصمها يعتقد أنه من هنا سيأخذها ويذهب للخارج ثم يعود كل شيء إلى طبيعته بكلمتين وظهور الندم عليه..

لم يحذر أبدًا نفضت يدها منه بعنف وقوة والتقزز مُرتسم على ملامحها ثم دفعته بيدها في بطنه بقوة ليعود للخلف ولكنه لم يفعل بل وقف ثابتًا..

استدارت بهمجية تُسير للخارج وهي تندب حظها وتعنف قلبها الضعيف الذي لا يتعلم من أخطائه أبدًا، خرج ورائها سريعًا يحاول الإمساك بها لكي يتحدث معها ويجعلها لا تقود السيارة وهي بهذه الحالة.. تبدو قوية ولكن هشة.. ضعيفة..

كل هذا كان تحت أنظار صديقتها “إيناس” التي ابتعدت عنهم ووقفت تشاهد بهدوء..

رآها وهي تنطلق بالسيارة ولم يستطع اللحاق بها ولكن سريعًا أحضر سيارته وذهب خلفها بأقصى سرعة، عنيدة وغبية، لسانها سليط وتتطاول بيدها لا يعلم كيف هم الاثنين يحبون بعضهم البعض.. كيف اثنين كالبنزين والنيران يعشقون بعضهم؟..

ولكنها طيبة القلب وهشة من الداخل خائرة القوى، جريئة وعنيدة ولكنها بريئة، تتمتع بمزيج غريب من الصفات التي لا تتطابق مع بعضها ولأنه تعيس الحظ وقع في حبها منذ أن كانت طفلة وكبر على أنها له هو وحده.. ملكه ومملكته.. ولن تكن سوى ذلك..

يحب كل ما بها ولكنه شخص شهواني غريب.. يعترف بذلك، يحبها هي ويهوى الغرام الأبدي معها، يحب أن يراها انثى متكاملة الأركان وهي للأسف تتمتع بهذا في جميع الأوقات.. تُرهقه..

لكنه يعترف أيضًا أنه غبي، لما قد يثمل الآن؟ لما قد يضع هذه الفتاة بين يده بهذه الطريقة الغريبة!.. لأ يتذكر من الأساس متى فعل هذا؟ هو فقط وجدها تقف أمامه وقبلها جذبته إلى ساحة الرقص دون حديث بينهم.. لما قد يفعل ما تريد تلك الغبية وزفافه بعد شهر واحد منها هي..

وقف أمام بوابة الفيلا الداخلية بالسيارة، خلف سيارتها التي هبطت منها للتو، وسارت إلى الداخل بسرعة، كم حادث حاول أن يتفاداه لأجلها، عقله ليس به إنه إلى الآن ثمل.. دلف خلفها ركضًا ليمنعها من الحديث مع أي أحد، يعلم أنها أيضًا غبية ولن تصمت كما المرات السابقة وتجعل الجميع يعلم بأشياء تخصهم وحدهم..

خيبت ظنه وراها تصعد متجهة إلى غرفتها، تنهد بقوة وتقدم إلى المرحاض في الأسفل، دلف إليه ووقف أمام حوض الغسيل يأخذ من صنبور المياة الذي فتحه ويلقي بقوة على وجهه لكي يستفيق أكثر ويستطيع التحدث معها والإجابة عن كل ما ستطرحه عليه والتحدث عما يريد..

أغمض عينيه بقوة شديدة وهو يلقى المياة مرات كثيرة ثم أخيرًا أغلق الصنبور وأمسك بالمنشفة يجفف وجهه..

خرج إلى الصالة الكبيرة ولم يكن هناك أي أصوات في الفيلا.. نظر إلى الأعلى حيث مكان غرفتها، تقدم يسير بثبات ثم صعد على الدرج بخطوات سريعة..

دلف إلى الناحية الخاصة بهم، لقد كان الطابق العلوي منقسم نصفين، كما في الأسفل تمامًا، النصف الأيسر من الفيلا يخص “أحمد القصاص” وزوجته وأولاده به غرفة نوم له، وأخرى إلى ابنته “سلمى” وأخرى كانت تخص “ياسين” قبل الانتقال للأعلى مع زوجته “هدى”، وغرفة بها شاشة تلفاز وصالون والناحية الأخرى مثلها تمامًا، غرفة نوم لـ “رؤوف” وزوجته وأخرى لـ “عامر” وأخرى لشقيقته قبل الانتقال للأعلى مع زوجها وكل غرفة بها حمامها الخاص..

وقف أمام باب غرفتها ثم أمسك المقبض وفتحه، طل من الخارج ينظر إلى الداخل ليراها تجلس على الفراش منحنية على نفسها تضع وجهها بين كفي يدها ولم تكن تتوقع أنه سيصعد إليها هنا في غرفتها..

وقفت سريعًا عندم استمعت إلى صوت الباب، نظرت إليه بقوة صارخة:

-أمشي من هنا

لم يستمع إليها ودلف إلى الغرفة وأغلق الباب خلفه، رآها تتقدم منه بعنف فأغلق الباب بالمفتاح وأخذه في جيبه، استدار ينظر إليها بقوة، بعينين لونهما أسود حالك واستمع إلى صراخها الحاد:

-أطلع بره يا عامر

وقفت أمامه ثابتة ومحت كل ما رآه منذ لحظات، وأصبحت أخرى أمامه، لم ينسى ما الذي فعلته لذا أول ما قاله كان بصوت جاد قوي:

-أنا هفوت القلم اللي أخدته منك بمزاجي

نظرت إليه ساخرة بشدة، لوت شفتيها بتهكم وأردفت مُجيبة إياه وهي ترفع إحدى حاجبيها:

-لأ متفوتوش.. أنا مش عايزاك تفوته وريني هتعمل ايه؟ هتضربني ولا هتردلي القلم؟ ولا يكونش هتعاقبني وتروح تتوسخ مع واحدة من الأوسا* بتوعك

بلل شفتيه بلسانه، أخذ نفسٍ عميق ثم عقب على حديثها بجدية محاولًا السيطرة على الوضع الذي بينهم:

-سلمى إلزمي حدك معايا.. بلاش الأسلوب ده علشان أنتي عارفه أنه بيعك عليكي في الآخر

صاحت بشراسة وعنف مُردفة:

-لأ دا كان زمان…. دلوقتي مافيش الكلام ده ويلا أطلع بره من هنا

أقترب منها بهدوء ناظرًا إليها بقوة وهتف بنبرة مُنزعجة متضايقة بشدة:

-سلمى أنتي فاهمه غلط.. محصلش حاجه لكل ده

صاحت بعنف وشراسة وهي تعود للخلف ملوحة بقوة بيدها مُتهكمة على الحديث الذي يهتف به:

-آه صح محصلش.. ايه يعني لما ألاقيك سكران وإيدك على واحدة وسـ** في وضع وسـ* زيكم

أقترب هو خطوة وكرمش ملامح وجهه محاولًا التعلق بأي شيء ليقنعها أن تنهي ما يحدث:

-اديكي قولتي كنت سكران وبعدين معملتش حاجه لكل ده هي جت جنبي وكل اللي حصل اللي أنتي شوفتيه والله حتى معرفش حصل إزاي

أبصرت عينيه السوداء بفعل غضبه مما يحدث وتسألت بجدية ثم أجابت على نفسها تُهينه:

-بجد؟ أنت كداب

نفى ما قالته عنه وهو يشيح بيده مثلها بقوة:

-لأ مش كداب

ذهبت إلى الفراش ثم أخذت الهاتف من عليه، وقفت لثواني تفتحه وتأتي بتلك الصور التي كانت في رسائل صديقتها “إيناس” والتي كانت عبارة عنه هو ومعه تلك الفتاة في وضعيات صعبة للغاية عليها كـ خطيبته وحبيبته وزوجة المستقبل القريب للغاية..

أقتربت منه ووضعت الهاتف أمام وجهه على إحدى الصور تتحدث بغل وكراهية لا تدري من أين حلت عليها، تزيح غيرها وهي على نفس الحال:

-طب وده ايه؟. مش بترقص معاها هنا؟ إيدك الزبالة فين؟ ودي شايف دي بتعمل ايه؟.. بتقولها كلمة سر في بوقها مش كده

أخفضت الهاتف من أمام وجهه وألقته بعنف على الفراش مرة أخرى، نظرت إليه وتحلت بالقوة دون الضعف، أجبرت نفسها على الصراخ والظهور في وضع قوي ليس ضعيف وأجبرت عينيها على الصمود إلى حين مغادرته:

-أطلع بره أنا مش عايزة أشوف وشك ده تاني

أقترب مُمسكّا ذراعيها الاثنين ضاغطًا عليهما بكفي يده، تحولت ملامح وجهه للين والهدوء راجيًا منها السماح مؤكدًا على حبه لها:

-سلمى أنا بحبك وأنتي عارفه كده ومش بشوف أي واحدة تانية غيرك، أنا كنت سكران وعارف إني غلطت بس أنا معملتش أكتر من كده

أبصرت عينيه بقوة، تود لو تصدقه ولكنها لن تفعلها، يكفي إلى هنا عذاب منه وإليه، يكفي إلى هنا غفران له، عليه أن يتحمل نتيجة ما يفعل ويرى أنها ليست مضمونة القبول دائمًا:

-المطلوب مني ايه؟ أسامحك؟ واستنى المرة الجاية لما تكون نايم في سريري مع واحدة منهم مش كده؟..

ضغط على يدها أكثر وهتف برجاء أكبر لا يراه أحد أبدًا ولم يخرج يومًا لأي أحد سواها، هي فقط من رأت المرح به والصدق والمكر والخبث والضعف، هي من رأت كل الصفات وهو بغبائه يضيعها من بين يده ولكنه صدقًا لم يفعل هذا بإرادة منه:

-سلمى أنا آسف أوعدك مش هتتكر تاني وهبطل شرب خالص

نفضت يدها الاثنين منه بقوة وعنف وعادت للخلف صارخة به مُتهكمة عليه وكل ما يخرج من بين شفتيه يذكرها بما فعله سابقًا وهي غفرته ولكنه لم يتعلم الدرس:

-يا سلام على الصدق والحنية.. نسيت إني سمعت الكلام ده قبل كده؟. أفكرك؟ تمام مرة قبل كده لقيت صور قذرة أقذر ما يكون على موبايلك!.. وياترى المرة التانية كانت ايه! كانت ايه! آه كنت بتكلم واحدة عليا بردو في القذارة مش كده!.. بقينا في تقدم ما شاء الله أهو استمر

مسح على وجهه بكف يده بضيق وضجر شديد نظر إليها ووضع يده اليسرى في جانبه والأخرى يلوح بها بنبرة جادة قوية بعد أن ارهقته في اللين والهدوء:

-الموضوع مش مستاهل كل ده يا سلمى.. غلطه صغيرة محصلش حاجه وأنا أهو بعتذر وبقولك مش هتتكرر تاني ولا أنتي عايزة مشكلة تانية تأجلي بيها الفرح تاني

عقبت بشرود وعينين ذائغه:

-الفرح!.. صح الفرح

أبصرت عينيه مُطولًا ولكن هذه المرة تخلت عن القوة والشجاعة، أبصرته بعتاب وضعف، عيون مُرهقة وشفـ ـتين ترتجف، نظرت إلى بنصر يدها اليمنى والذي به خاتم خطبة من الألماس، جذبته من إصبعها ثم تقدمت ممسكه بكف يده ووضعته به تغلقه عليه وعادت للخلف خطوة وكأن شيء لم يكن..

فتح كف يده ينظر إلى الخاتم به بذهول، ثم رفع عينيه عليها يتسائل بقوة:

-ايه اللي بتعمليه ده

أردفت تُجيبة بنبرة خافتة ووجهها يحمل ألم ومعاناة لن يستطيع أن يفهمها مهما حدث:

-مافيش فرح ومافيش جواز ومافيش أي حاجه تربطني بيك غير إنك ابن عمي يا عامر

أقترب منها على حين غرة يضرب جانب رأسها بأصابع يده بقوة وعصبية بعد أن أغضبته بحديثها الغير مقبول بالمرة:

-أنتي اتجننتي.. لأ فوقي كده وركزي معايا الفرح في معاده يا سلمى والهبل ده تنسيه

دفعته في صدره بعنف شاعرة أنها تود التقيؤ فقط بسبب رؤيته:

-أبعد عني وأطلع بره أنا أصلًا مش طيقاك.. أطلع بره

صرخ بصوتٍ عالٍ وحاد غاضب للغاية، خطأ ويعلم أنه مُخطئ ويعترف بذلك وستكون آخر مرة لما تفعل هذا؟:

-يعني ايه مش طيقاني؟ يعني ايه.. أموتلك نفسي ما قولت غلطة ومش هتتكرر تاني

إنه إنسان مُذهل حقًا كيف له أن يكون هكذا؟ هل يرى أن ما فعله شيء عادي تستطيع أن تنساه هكذا بسهولة! وحتى لو أنه لا يتعلم من خطأه بل هو يحبها ويهوى أن يكون مع غيرها.. إنسان لم ترى مثله أبدًا..:

-أطلع بره يا بجح يا حيوان.. بره

نظر إليها بقسوة شديدة وتقدم منها مُمسكًا بكف يدها الأيمن بقوة يعتصره بين يده واضعًا بإصبعها البنصر خاتمها مرة أخرى، في تلك اللحظات كانت تحاول دفعه بيدها الأخرى بقوة هشة قائلة بعناد:

-بردو مش هتجوزك يا عامر.. ملعون أبو الحب اللي يعمل فيا كده ويخليني مستحملة القرف ده

لم يكن يستمع إليها من الأساس، ترك يدها بعد أن وضع بإصبعها الخاتم ثم أمسك رأسها بيده الاثنين بكامل قوته على حين غرة وفي لحظة خاطفة بينهم لم تكن متوقعة أن يفعل هذا وأقترب منها بشدة واضعًا شفتيه على خاصتها بعنف وقوة كبيرة يثبت لها ولنفسه أنها حبيبته ملك له وحده تحلو له وتكن معه متى ما أراد..

ضربته في ذراعيه بقبضة يدها الاثنين بقوة محاولة دفعه عنها، ولكنه لم يفعل بل استمر في تقبيلها بطريقة مُرهقة للغاية جعلتها خائرة القوى وكان هو معتاد على ذلك ويدرك الأمر جيدًا، يده الاثنين تتمسك برأسها بقوة وعنف وشفتيه لم تترك لها الراحة بل كان هذا بمثابة عذاب..

تركها في لحظة بعد أن شعر أن قبضة يدها تثقل وأنفاسها تنقطع، عادت للخلف تلهث بعنف وقوة مُنحنية على نفسها ووجهها أحمر قاتم بسبب انقطاع الهواء عن رئتيها..

رفعت رأسها وهي تلهث بعنف وأقتربت منه تضربه بقبضة يدها في صدره صارخة بغضب شديد:

-أطلع بـره

هتف هو ببرود مستفز وهو يتوجه للخارج:

-سلمى القصاص مرات عامر القصاص من يوم ما عينه وقعت عليها وطلبتها غير كده أنتي عارفه إنه مش مقبول وأنتي أكتر واحدة عارفه مين هو عامر يا سلمى فمش محتاجة إني أتكلم كتير

صرخت بعنف وبصوت عالي وهي تتقدم منه تضربه بقبضة يدها الاثنين في أي مكان يقابلها بجسده:

-بره يا عامر

أخرج المفتاح من جيبه وفتح الباب تحت ضرباتها على ظهره وذراعيه ثم خرج وتركها، أغلقته هي من خلفه بالمفتاح وجلست على الأرضية خلف الباب تبكي بقهرة، تبكي كما لو أنها لم تبكي من قبل، وتلك الفتاة التي كانت تصرخ عليه منذ لحظات اختفت وأتى أخرى غيرها لأول مرة تحضر الموقف الآن..

لما قد يفعل بها ذلك! لما يخونها! أهي ليست كافية بالنسبة إليه! ولكنها تعلم وتتأكد أنه يحبها إلى أبعد ما يكون، لماذا إذًا! حاولت كثير من المرات أن تبعده عن ذلك المشروب الذي يدمر حياتهم ببطء ويدمر صحته كل يوم أكثر من السابق ولكنها لم تستطع فعلها!..

هل عليها أن تتقبله بكل هذه العيوب أم تحاول تغيره؟. لن تحاول تغير أحد بعد الآن فهي ملت منه ومن أفعاله الدنيئة الحل الوحيد بينهم هو الابتعاد عنه إلى الأبد.. أحيانًا يكون السم في الدواء وعلاقتهم هكذا بالضبط..

بكيت بقلب مفتور وعينين ذائغه، لقد أحبته كثيرًا ولم ترى غيره طوال حياتها، بُنيت أحلامها عليه هو، حبيبها وزوجها والنصف الآخر لها كيف الآن تتخلى بهذه السهولة، كيف تفعل ذلك..

قلبها مفتور، مُنقسم إلى نصفين، مُحطم تمامًا، تخيل الأمر صعب للغاية وهي قد شاهدته ووضعت به، شعورها الآن لا يصف، خيبة كبيرة حلت عليها مزقت ما بداخلها..

عرسهم كان بعد شهر من الآن!.. لقد تم الانتهاء من عش الزوجية في الطابق الأعلى! لم يبقى سوى أن تقوم بفرشه.. كانت ذاهبه لتحضر فستان زفافها!..

كيف له أن يفعل بها ذلك ويسرق فرحتها منها!.. لم يستطع تمضية بعض الوقت كرجل نظيف عاقل يكتفي بامرأة واحدة بحياته!..

مشاعر غريبة تصف بالخيبة والخذلان، الضعف والإنكسار وكل ما كان يعادل هذه الصفات الآن هي تشعر به مع كثير من البكاء الحاد النادم على كل ما مر بها معه..

❈-❈-❈

“اليوم التالي”

الجميع يجلس على سفرة الطعام لتناول وجبة الإفطار، الجميع يتحدث بمرح كالعادة وفي المنتصف حديث عن العمل إلا هما الاثنين، كانت عينيها مُنتفخة يظهر هذا بوضوح، ملامحها مُرهقة للغاية ووجهها شاحب بشدة، يجلس مقابل لها ينظر إليها من الحين إلى الآخر يحاول أن يفهم ما الذي تفكر به..

إنه غبي لقد أخطأ كثيرًا، ليته لم يخضع للمشروب ليلة أمس وليته لم يرى تلك الفتاة، وضع الطعام في فمه ورفع رأسه ينظر إليها بعمق والتفكير داخل رأسه لم يقف إلى الآن..

هذه أول مرة له يفعلها، كيف علمت هي! كيف علمت بمكان وجوده ومن أين أتت بتلك الصور التي جعلته يراها في هاتفها!؟..

هل هناك من رآه وقام بتصويره لها؟ أم أنها لم تثق به من آخر موقف قد حدث وراقبته؟.. لأ لأ الإحتمال الأول هو الأكثر حدوثًا هي تثق به كثيرًا وتعلم أنه يحبها حتى أكثر من نفسه.. صديقتها الخبيثة الحقيرة هي من فعلت ذلك.. لقد ظهر إسمها وهي تجعله ينظر إلى تلك اللقطات

ما حدث كان خطأ عليها أن تغفره يعلم أنه الخطأ الثالث وهذه المشكلة الأكبر والذي تصعب غفرانها ولكن لن ييأس فهي حبيبته وزوجته رغم عن أي أحد حتى هي.. هي ملك له وحده، هي من ممتلكات “عامر القصاص”

استمع إلى صوت عمه “أحمد” يتوجه بحديثه إليها قائلًا بتساؤل:

-مالك يا سلمى مش على بعضك النهاردة وشكلك تعبانه

أبصرت والدها بعمق وتركت ما بيدها، رفعت يدها على سفرة الطعام، والذي نظر إليها وكانت فارغة من خاتم الخطبة الذي ألبسها إياه بالأمس، أردفت بنبرة خافتة:

-أنا عايزة أسافر يا بابا

مضغ والدها الطعام في فمه وأبعد نظره عنها إلى الطاولة قائلًا:

-ماشي يا سلمى منا قولتلك تمام

أغمضت عينيها للحظة ثم فتحتهما قائلة بقوة هذه المرة:

-بس أنا مش هسافر علشان الفستان

نظر إليها مرة أخرى مُتسائلًا باستغراب وعينيه عليها:

-اومال علشان ايه

أجابته بقوة ناظرة إلى الآخر الذي يجلس مقابلًا لها وأردفت بجدية شديدة غير مبالية به:

-أنا عايزة أسافر امريكا عند خالي ومش راجعه

استدعت انتباه الجميع، الجميع نظر إليها باستغراب جلي وقع عليهم بعد الاستماع إلى كلماتها الغير محسوبة بالمرة، ولكنه الوحيد الذي تدارك ما قالته ووقف على قدميه يصيح بقوة وعنفوان وعروقه بارزة في جسده:

-اللي بتقوليه ده مش هيحصل.. على جثتي

وقفت قبالته بعنف وهمجية تصيح بصوت عالي مثله وأكثر وقد كانت مقررة من الأساس أن هذا الذي سيحدث:

-أنت مين أصلًا علشان تتكلم.. أنت آخر واحد ممكن أسمع منه حاجه

بكامل الغضب أجابها وصوته صارخ حاد يشير بيده اليمنى بتأكيد:

-هتسمعي غصب عنك والفرح هيتعمل في معاده يا سلمى ومافيش زفت سفر

كادت أن تُجيب عليه تحت أنظار الجميع ولكن شقيقها وقف على قدميه وتقدم منها سائلًا إياها بجدية واستغراب بعد أن توصل إليه أنها تريد التأخير مرة أخرى:

-أنتي عايزة تأجلي الفرح تاني يا سلمى!.. أظن كفاية كده عامر عنده حق

أجابت على شقيقها بتأكيد مُتهكمة ثم أكملت بجدية شديدة لا تحتمل النقاش:

-عنده حق آه.. طب أسأل اللي عنده حق هو عمل ايه وبعدين تأجيل ايه ده اللي بتتكلم فيه.. الفرح ملغي ومافيش جواز وعلشان تحط سلمى وعامر في جملة واحدة ده مستحيل

لف “عامر” حول السفرة وتقدم ليقف جوارها جاذبًا يدها لتستدر وتنظر إليه ثم صاح بحدة وبوجه ملامحه حادة:

-لمي الليلة دي وأعرفي أنتي بتقولي ايه

نفضت يدها منه بعنف مُجيبة بقوة:

-أنا عارفة كويس أنا بقول ايه الدور والباقي عليك أنت

نظر “أحمد” إلى شقيقه “رؤوف” الذي بادلة نفس النظرات لقد حظره من الموافقة على زواج ابنه من ابنته، كان على دراية بما سيحدث في المستقبل بينهم، كان يعلم أن ابنه ليس جدير بالثقة الذي أعطاه إياها عمه وأعتقد الجميع أنه يقف أمامهم..

وقف “أحمد” بينهم ونظر إلى ابن شقيقه مُتسائلًا بجدية ونبرة ثابتة:

-عملت ايه يا عامر

لم ينظر إلى عمه بل بقيٰ ناظرًا إليها، عينيه السوداء الذي اختفى لونها الحقيقي منذ أمس تقابل عينيها في صراع بينهم:

-معملتش حاجه يا عمي دا سوء تفاهم بيني وبينها بس هي مكبرة الموضوع شوية

صرخت بعنف وهي تدفعه في صدره أمام الجميع بقبضة يدها اليمنى تقول بهمجية:

-سوء تفاهم!.. لما أشوفك في وضع زبالة مع واحدة ده بالنسبة ليك سوء تفاهم؟

صرخ مقابلًا لها فبعد كلماتها الجميع سيظن شيء آخر:

-هو أنتي شوفتيني في السرير اومال لو مكنتش وسط ناس… وبعدين أيوه سوء تفاهم وموضوع تافهه كل اللي حصل إني شربت ورقصت مع واحدة واتسليت شوية فين المشكلة

أردفت شقيقته متخذة دور “سلمى” وهتفت بتقزز واستنكار لتلك السهولة التي يتحدث بها، واضعة نفسها محل شقيقة زوجها متخيلة أن هذا الحديث المستفز لها:

-بجح

تحت أعين الجميع وبعد كلماته الأخيرة نظرت إليه مُطولًا ولم يجرؤ أحد في تلك اللحظات على الحديث، حقًا الوضع سيء بين شخص يرى أنه لم يفعل شيء مشين وآخر تحطم قلبه لأجل خيانة مقررة من الطرف الآخر..

وضعت يدها في جيب بنطالها وأخرجت الخاتم الخاص بخطبتهم ثم وضعته أمام الجميع على سفرة الطعام قائلة بجدية وثبات واضح وصريح بعد الاستماع إلى كلماته والذي بدى منها أنه غير نادم:

-أنا فسخت خطوبتي بيه.. ومش عايزاه.. مش مستعدة أعيش مع واحد نسوانجي

استدارت برأسها إليه مُكملة بقوة:

-تقدر تشوف واحدة تانية غيري تستحمل قرفك ووساختـ* لكن أنا لأ… خلاص خلصت كده وهسافر يا عامر وغصب عنك

خرجت من الغرفة بعد أن نظرت إليه بحدة وقسوة غريبة عنها، لم تنظر إليه هكذا يومًا، لم تقف قبالته هكذا يومًا حتى في المرات السابقة لم تفعلها، ولكنه لن يصمت ولن يجعلها تفعل ما يحلو لها، ستكون زوجته رغمًا عن أنف الجميع وهي أولهم، لن يترك هذا الخطأ الصغير يبعدها عنه بهذه الطريقة الموجعة، لن يجعلها تهدم كل ما بناه في تلك السنوات الماضية.. ولن يترك حبه يذهب هدرًا

خرج من الغرفة هو الآخر بعصبية شديدة ووجه قاسي ملامحه مخيفة، بعد أن أخذ الخاتم من على السفرة مقررًا داخله أن كل شيء سيكون كما هو مهما حدث..

جلس والدها مرة أخرى وعينيه على شقيقه بطريقة غريبة، وكان الآخر يقول له أن هذه البداية فابنه ليس كأي شخص عادي بل إنه عنيد قاسي يستطيع أن يدمر كل من حوله فقط لإسعاد نفسه..

جلس “ياسين” مرة أخرى في مكانه تحت صمت وفراغ مُميت من الجميع.. فقط نظرات تتحدث وتقول كل ما لا تستطيع أن تقوله الألسنة..

❈-❈-❈

دلفت إلى مكتب والدها بهدوء وأغلقت الباب خلفها، سارت إلى الداخل وجلست أمامه على المقعد بصمت وجدية، رفعت عينيها عليه وتحدثت قائلة بصوت جاد:

-أنا عايزة أسافر عند خالي يا بابا

أبصرها للحظات دون حديث يفكر فيما تقول جيدًا، مُحاولًا أن يرى الأمور من كل الاتجاهات، أردف مُشيرًا بيده:

-القرار متاخد في وقت غضب

عقبت بجدية واضحة ليتفهم عقل والدها ما الذي تتحدث عنه وتفكر به، وما الذي ستفعله مهما حدث ولن تعود عنه:

-لو كان قرار السفر غلط فأنا أقدر أرجع في أي وقت أما قرار انفصالي عن عامر فده مستحيل يكون غلط

لأن والدها أول مرة له أن يستمع إلى هذا الحديث تسائل باستغراب:

-وايه اللي خلاه مستحيل يا سلمى

كرمشت ملامح وجهها بطريقة مُرهقة تسرد بوضوح وكأنها تعاتبه وهو يجلس أمامها:

-عمايله!.. من زمان أوي كان لازم أخد القرار ده وأبعد عنه.. علاقتي بيه علاقة سامة يا بابا عامر عايز كل حاجه على مزاجه حتى لو غلط وآخر حاجه كنت أتوقعها منه إنه يقف يبرر اللي عمله بالطريقة دي.. إنه بيتسلى!..

تسائل والدها مرة أخرى ليتأكد من ثبات ابنته بعد اتخاذها تلك القرارات المصيرية بحياتها:

-يعني أنتي مش هتندمي على القرارات دي

أشارت بيدها موضحة بجدية وعقلانية وكأنها كانت تحت تأثير منوم مغناطيسي والآن قد استفاقت منه:

-حتى لو هندم المهم إني حاولت أنقذ نفسي من وجودي معاه.. أنا مش مستعدة أكون مجرد واجهه في حياته.. اشمعنى ياسين محافظ على أخته

أكمل مُجيبًا قائلًا بنبرة جادة هادئة بنفس الوقت لينة على مسامع ابنته:

-إحنا مش بنختار اللي بنحبهم يا سلمى ولا بنختار صفاتهم وعامر كده من زمان وأنتي عارفه

استدارت تنظر إليه واعتدلت بكامل جسدها على المقعد لتواجهه مُتحدثة بقوة تثبت له أنها كانت تود المحاولة ولكنه لم يفلح معها:

-عارفه وحاولت أغيره بس هو متغيرش

لم يبخل عليها بقول الحقيقة الذي يدور حولها من بداية النقاش وهتف بنبرة واثقة:

-بس بتحبيه!..

نظرت إليه بعينين مُتسعة بفعل ذاتها، تحبه!.. كانت تحبه وتحبه وستحبه ولن تحب أحد غيره، يا لك من قلب غبي لقد فهمت الآن كيف القلب معذبه، أجابت بجدية بعد أن جعلت كل خلية بها تصمت سوى عقلها:

-هيفيد بايه الحب لما نتجوز ويخوني يا بابا؟.. هيفيد بايه إنه يقف يبجح فيا ويقولي بتسلى؟ هيفيد بايه لما يرجع سكران قدام ولاده؟

أومأ إليها برأسه وقد فهم أنها قررت والقرار صحيح وليس به أي ثغرة تجعلها تعود عنه، معها كامل الحق في كل كلمة هتفت بها ليس عليها أن تتحمل منه أكثر من هذا، تسائل بهدوء:

-ناوية تقعدي هناك قد ايه

تجهل إجابة هذا السؤال، متى من الممكن أن تعود هل بعد شهر يمر عليها بالاشتياق ومرارة الفراق أم بعد عام استطاعت فيه أن تتخلى عنهم جميعًا:

-مش عارفة يا بابا

شعر أن عليه التحدث بالآسف لأنه وافق على علاقتهم على الرغم من أنها كانت موافقة والجميع كذلك سوى والده:

-أنا آسف

وقفت على قدميها وتقدمت منه، انحنت بجذعها عليه وهو جالس على المقعد ثم قامت باحتضانه بقوة كبيرة تجذب منه الأمان والسند الأكبر، تتمتع بوجودة الذي ستحرم منه مدة لا تعرف كم هي ومن الأفضل ألا تعرف:

-متتأسفش أنا اللي عملت في نفسي كده

❈-❈-❈

جلست على الأرجوحة في حديقة المنزل، لم تجف عينيها ذات اللون الزيتوني عن البكاء، لا تستطيع أن تصف الشعور الذي يراودها، لا تتخيل أن هذا حدث بالفعل..

منذ ليلة أمس وعينيها الواسعة المرسومة بدقة لم تكف عن البكاء الحاد، على شخص أحبته بكل جوارحها، غفرت له كثير من المرات هفوات سابقة له، تحملته في جميع الأوقات بكل تقلباته وفي النهاية تكن هذه المكافأة الخاصة بها!.. يخونها مرة أخرى ويدعي أن الأمر ليس بهذه الصعوبة بل كان يمرح قليلًا وكأنه شيء طبيعي مفروغ منه وهي من افتعلت كل ذلك!..

مشاعر غريبة تعصف بها منذ لحظة دخولها ذلك المكان ورؤيته بهذه الحقارة تجعلها تود البكاء أكثر، في البداية شعرت بخيبة أمل به، خذلان لم تشعر به من قبل، وقد كسر قلبها وحطمه تحطيمًا، وذلك الحزن الذي ينهش كل عضو وخلية بها، حزن وقهر وبكاء ومرارة الفراق تعذبها من الآن.. من قبل أن ترحل وتتركه..

لا تستطيع أن تتخيل أنه من الأساس فعل هذا، تحزن وتعود تقول أن هذا كابوس “عامر” لن يفعلها مهما حدث فهو مُكتفي بها منذ الصغر وإلى الأبد، ولكن في لحظات تستفيق على ضربات موجعة تأكد أنه فعلها وتناسى كل ما بينهم..

لا تدري حقًا أهذا قلب أم شيء آخر؟.. بعد كل ما يفعله تحبه وتهواه، قاسي وحديثه بغيض، متهور وعصبي وأفعاله دنيئة، خائن ومتملك وإلى الآن تحبه، الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تفرح لأجله أنها استطاعت أن تأخذ قرار الإبتعاد وحتى لو كانت روحها معلقه به، لن تتكيف مع التعايش بهذه الطريقة، ستتركه وترحل، لن تستطيع أن تمنع قلبها عنه ولكن تستطيع أن تمنع نفسها، ستبتعد وإلى الأبد إلى حين أن ترى غيره أو يرى غيرها!!… يرى غيرها!..

لا لن يفعل هذا، هل حقًا سيرى غيرها!، يحبها ويريدها أن تكون ملك له وزوجته كما هي!.. يغازلها بكلماته وعينيه الوقحة!.. يهوى غيرها ويتركها ويجعل الفراق يدلف بينهم!..

لما قد تفعل هذا يا “عامر” لما تسمح لنفسك بالإبتعاد، لما قد تدمر هذه العلاقة وتجعلنا نشتت بهذه الطريقة!..

وجدت بوابة الفيلا الخارجية تُفتح لمرور سيارة عبرها، وكانت سيارته وجدته ينظر إليها من خلال النافذة فور دخوله ومعرفته أنها هنا..

وقفت على قدميها تسير بخطوات واسعة لتدلف إلى الداخل كي لا تتقابل معه، أوقف السيارة سريعًا عندما أدرك أنها تفعل هذا وتحتمي بمن في الفيلا مبتعدة عنه غير سامحة له بالحديث معها..

خرج من السيارة ركضًا إليها وأمسك معصم يدها عندما أقترب منها جاذبًا إياها إليه:

-سلمى استني

استدارت تنظر إلى سواد الليل داخل عينيه قائلة بانزعاج وضيق:

-نعم؟

بهدوء سيتحدث هذه المرة، لن يخرج عن شعوره مهما قالت ومهما فعلت وسيحاول باللين أن يمرر الأمر ويجعلها تعود عما في رأسها:

-عايز أتكلم معاكي

صاحت بقوة وثبات:

-مافيش كلام بينا

نظر إلى شفتيها المكتنزة التي تحركت بقوة تدلى برفضها له وتحدث هو بلين ونبرة هادئة:

-معلش هما كلمتين

جذبت يدها منه ووقفت أمامه تعطي إليه جانبها ووضعت يدها الاثنين أمام صدرها تنتظر منه الحديث:

-قول يا عامر

كرمش ملامحه وأظهر عليها الضعف الشديد مع القليل من الحزن والندم الكثير ولم نقل أنه كان بارع في التمثيل:

-أنا آسف.. أنا آسف بجد، اللي حصل كله كان غلطه معقول تنهي كل حاجه بينا علشان غلطه يا سلمى، هتسيبيني وتمشي علشان غلطه

استدارت بعنف وأخفضت يدها الاثنين إلى جانبيها تتقدم منه بوجهها بعنفوان صارخة:

-غلطه!.. دي اسمها خيانة

أمسك يدها مرة أخرى ووضح إليها الأمور من منظورة الخاص والذي كان خطأ بالنسبة إليها وقرارها ليس به أي نقاشات ستجرى:

-لأ يا سلمى مش خيانة.. الخيانة دي لما أكون عايز غيرك لكن أنا عايزك أنتي ومافيش واحدة غيرك تهز مني شعره.. اللي حصل إني كنت شارب بس وغلطت لما سمحتلها تقرب وأنا اتماديت

أردفت بقسوة وثبات واضح، وبنظرة حادة قوية:

-سيب ايدي وأبعد عني لأنك مش هتعرف تغير رأي، أنا أخدت قراري وخلصنا ومبقتش عايزاك

سيحاول لآخر مرة أن يكون هادئ ويستمر في ذلك النقاش المرهق إليه وإلى تمثيله الذي لا يحب أن يستمر في فعله:

-لأ عايزاني وأنا وأنتي عارفين كده كويس.. أرجوكي كفاية لو حتى عايزة تأجلي الفرح ماعنديش مانع ولو عملتها تاني موتيني مش بس أبعدي عني

نظرت إلى عينيه بقوة مُثبتة عليهما وحركت شفتيها بحديث حاد قوي مزقه من الداخل إلى أشلاء وعبث برجولته بعد الاستماع إليه من بين شفتيها المكتنزة الخاصة به:

-أنت أخر واحد ممكن أكمل حياتي معاه.. أنا محتاجة واحد يكون مكتفي بيا.. مكتفي بوجود سلمى في حياته والواحد ده مش أنت

نفضت يدها منه بعنف وسارت في طريقها إلى الداخل، أقتربت من درجات سلم البوابة وهي تسير جوار حائط الفيلا وهو وقف ينظر إليها بذهول ويفكر في حديثها القاسي والذي أخرجته بكل برود وعنف..

سار بخطوات واسعة ولم يكونوا إلا ثلاث خطوات ووصل إليها أمسكها من يدها الاثنين دافعًا إياها إلى الحائط فـ اصطدم ظهرها به بقوة وعنـف، نظرت إليه بعد أن تأوهت بألم بفعل ذلك الاصطدام لتراه في حالة القسوة الشديدة والخروج عن السيطرة المعهود منه وصرخ قائلًا في وجهها:

-ومهما حصل مش هتكوني غير ليا… أنتي ليا غصب عن عين أهلك

استفزته بضحكتها الساخرة وسؤالها المُتهكم ببرود واضح وصريح:

-ودي هتعملها إزاي

أبصر وجهها بالكامل وأخذ لحظات يفعل ذلك وهو يسير بعينيه على ملامحها، ثم آخر شيء فعله أنه وقف بعينيه على خاصتها قائلًا بنبرة قاسية حادة متناسيًا كل الود الذي كان بينهم ويده تضغط على يدها بقوة مؤلمة:

-مش هخليكي تنفعي يا سلمى… ووقتها هنشوف مين اللي هيطلب الجواز من التاني

تبادلت معها النظرات، نظراتها نحوه كانت ذهول وصدمة خالصة بينما هو حدة وقسوة لا نهائية..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بين دروب قسوته)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى