روايات

رواية قابل للكتمان الفصل التاسع 9 بقلم خديجة السيد

موقع كتابك في سطور

رواية قابل للكتمان الفصل التاسع 9 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء التاسع

رواية قابل للكتمان البارت التاسع

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة التاسعة

قـبـل عـدة سـاعـات.
بعد أن انتهى الزفاف تحرك الجميع للمنزل، بينما بسمة كانت تجلس فوق الأريكة بمنزل حماتها تمسك الهاتف ثم بدأت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يغتم وجهها و تغلقه… لتظهر الشاشه السوداء وترى ملامحها
اعتدلت جالسة ونظرت لانعكاس وجهها المتوتر حتي الآن من الموقف!. حينما التقت مع ديمة بالصدفة وكادت ان تخبرهم بأنها رأيتها بالجامعه ويعرف الجميع أنها تكمل دراستها؟؟.
تذكرت حينما قاطعتها سريعاً وقالت انها تقصد رأتها في قاعه الزفاف قبل قليل واصطدموا ببعضهم وكاد أن يقوم شجار بينهما لكن بعد ذلك اعتذرت منها وعرفتها على نفسها وذلك ما كانت تقصده عندما راتها من قبل؟! لا تعرف هل صدقوا كذبتها ام لأ ؟.
لكن شعرت براحه كبيره لأن الأمر قد مر دون مشاكل، لكن الأكيد بانها مطالبه بتفسير الى ديمه عندما تراها بالمره القادمه، فقد غمزت لها دون أن يراها أحد لتجعلها تصمت وتسايرها الآن و سوف تتحدث معها لاحقاً.. حتى آدم قد تعجب من الأمر لأن ديمة لم تخبره بشيء كذلك ولم تتحرك من جانبه قط! لكن لم يشك بالامر كثيراً عندما تذكر بانها استاذنت منه للذهاب الى المرحاض.. و ربما ذلك حدث بذلك بالوقت.
ساد الصمت المتوتر طويلاً لفترةٍ وهي تفكر أنها لم تستطع خلال تلك الفترات السابقة تواجه أحد بفعلتها التي لا تغتفر في قاموس الآخرين وهي تكتمها داخلها… لتدرك أن هذا الصمت نهايته الحتمية ستكون ما يرجوه قلبها قبل عقلها… أن تسبق القدر قبل ان يحدث موقف مثل ذلك وتتحدث لكنها بالطبع لا تملك القدره لانها تعرف النتيجه .
وفي ذلك الأثناء لم تلحظ اقتراب زوجها منها ولم تشعر بخطواته إلا وهو يقول لها باختصار
= بسمه قومي حطي اي اكل من اللي انتوا عملتوه للفرح عشان صحابي طالعين كمان شويه هنا، يباركوا وياخدوا واجبهم
عبست ملامح بسمة وطالعته قائلة بحنق
= صحابك مين دول؟ اللي جايين بعد الفجر يباركوا والفرح خلص أصلا واخوك خد عروسته وطلع، خلاص ضاقت بيهم الدنيا وما لقوش غير دلوقتي ما الصباح لي عينين
غمغم معاذ باستياء وحنق
= ما هم كانوا هيجوا هناك على القاعه بس اتاخروا، وبكره مش فاضيين! وبعدين انتٍ بترغي كتير ليه ما تقومي تعملي اللي قلت لك عليه وتحطي لهم الأكل.. يلا بسرعه ربع ساعه وهيطلعوا واعملي حسابك هم ١٠ انفار (أشخاص)
كتفت يديها وقالت من بين أسنانها بغضب
= عشان يا فالح مفيش اكل عملناه جوه اعتمدنا ان القاعه هي اللي هتعمل وما فيش حد هيجي هنا، الا لو بكره.. شوف بقي العشره بتوعك ده هتاكلهم فين ولا هتجيبلهم منين اكل يكفيهم في الساعه دي .
لمحت مايسة أبنها معاذ وهو يتجادل مع زوجته بالمنزل بجوار أحد الرفوف فسحبت نفسها لتتجه نحوهما، وتساءلت باهتمام
= خير في إيه؟ هو انتم بتتخانقوا ولا ايه
نظر معاذ إلي والدته ثم هتف بحنقٍ بالغ
= مش عاوزه تروح تعمل أكل لاصحابي اللي طالعين يابيركوا عشان مش هينفع يجيوا بكره، يرضيكٍ يا أمي يعني يجوا اول مره يزوروني لحد هنا وما ياخدوش الواجب… عشان ست بسمه مكسله تروح تعمل لهم اكل
استدارت بسمة تنظر له هاتفة بإصرار وغيظ
= انا ما قلتش مش عاوزه بس انت بتقول كلام ميخشش العقل، انت عازم ١٠ اشخاص وما فيش اكل هنا جاهز.. قولي كده بالعقل هلحق لوحدي اعمل لك اكل ليهم يكفيهم ازاي بسرعه في ربع ساعة، الواحد راجع من الفرح تعبان اصلا ما تجيش تكمل عليه انت كمان، ما لو في خدامات هنا يساعدوني كنت قلت لك مقبوله شويه
اتسعت عينا حماتها وهي تنفث نفسًا مكتومًا حانقًا ثم قالت بتسلط
= نعم خدامه! هو انتٍ كمان عاوزه واحده تعمل بدالك شغل البيت امال هو متجوزك ليه؟اهو ده إللي ناقص ده على اساس الوالد و اختك في حد بيساعدهم؟. ولا حتى من قبل ما تتجوزي يعني الموضوع مش جديد عليكي ولا صعب.. ما فيش خدامات هتدخل البيت هنا ابدأ وكمان يومين يا اختي وهتنزل مرات منذر تساعدك ولا هتفضل عامله لي فيها عروسه
شعرت وكأنهم يتعمدون إغاظتها عن معاناتها في ذلك المنزل ومنع عليها ما يمكن أن يريحها ولن تستطيع طلبه! نظرت إلى زوجها لعله يجيب عليها ويوقفها على تلك الاهانات إلا أنه هتف بهدوء وفتور
= يلا يا بسمه الله يرضى عنك روحي اعملي الاكل بسرعه وانا هحاول اخرهم.. الوقت عمال يعدي كان زمانك دخلتي عملتي اي حاجه
اتسعت عينيها لما تسمعه منه وبدات تشعر بالقهر اذا تحملت تلك العزومه بأكملها بالفعل وحدها التي ظهرت دون مقدمات فسيكون الأمر مرهق بشده ان تطهي لعشر اشخاص بمفردها، ثم عقدت حاجبيها تقول متبرمة
= هو انت مستوعب انت بتقول ايه؟ عاوز تدبسني في عزومه اعملها لعشره. انت عارف هتكلفني كام ساعه غير التعب والمجهود اللي هعمله لوحدي.
كان شاهين يقف في الزاويه في الخلف يستمع الى حديثهم لكن لم يتدخل في البدايه، حتي
اقترح قائلاً
= ما تطلبوا اكل من بره وخلاص طالما الموضوع جه فجاه من اي مطعم هنا و استعجلهم الموضوع مش هياخد وقت
هزت بسمة رأسها بلهفة وأمل لكن عقبت مايسة على كلامه بلهجة شديدة ورافضة
= لا طبعا انا عمري ما دخلت بيتي اكل من بره عشان ابنك قلبه اللي تعبه مش بيستحمل اي أكل متسبك ولي أكل خاص، واكيد لما يطلب الأكل ده غصب عنه نفسه هتروح لي و هيعوز ياكل معاهم ولما يتعب بقي عشان خاطر الهانم اللي مكسله تعمل وعماله تدلع! ولا بعد كده يتعود على الاكل بتاع بره.. بقى انا افضل السنين دي كلها مناعيه وفي الآخر ياكل منه ويتعب .. وبعدين اكل بره معروف مش حلو وما لوش طعم ولا لون
فغرت بسمه شفتيها تهم بالاعتراض ولكنه لجمها عن الرد حين امتقعت ملامح معاذ ووجه ونظره المقتضب لزوجته قائلًا بتأكيد على كلام والدته
= أمي معاها حق، كمان هتبقى شكلها وحش لما اجيب اكل من بره ويكون باين أوي الناس يقولوا إيه؟ خلاص ما بقاش في اكل في البيت مخصوص ليهم وكله خلصناه وما عملتش حسابهم واحنا عندنا مناسبه… واكل بتاع بره مش حلو فعلا ولا لي طعم يعني كمان المره الوحيده اللي هيجي يزوروني اول مره اجيب لهم اي حاجه ومش كويسه..
امتعضت ملامح شاهين بغير رضا لما يقولوا لكن عند احتمال تعب ابنه التفت مغادرا بصمت، بينما شعرت بسمه بالقهر لان الكل ضدها فقالت بحدة واختناق
= بس انا كده ضهري هيتكسر فيها وهعمل كميه كبيره من الأكل يعني انا قلت خلصت من تحضير اكل الفرح تطلع لي بموضوع صحابك دول.. طب حاول عشان خاطري يا معاذ تخليها يوم تاني اكون رتبتله قبليها بكام يوم
بدل ما اعمل كله في كام ساعه
نظرت حماتها لها باستخفاف لكن غمغمت بصوت خافت ساخراً
= دلع ماسخ ما كلنا بنعمل اكتر من كده وعمرنا ما اشتكينا، وتلاقيكي انتٍ كمان كنتي بتعملي اكتر من كده في بيت اهلك بس جايه هنا تدلعي علينا.. يلا يا اختي على المطبخ مش هتعملي حاجه غريبه عليكي بدل ما اتصل بابوكي ياجي يشوفله حل فيكي وانك مش راضيه تسمعي كلام جوزك.
شدت بسمة على نواجدها تكتم غضبها و حسرتها في نفسها، فكأن الجميع يتعمد أهانتها ويقصد أنها الخادمة هنا! حتي والدها التي هددتها به لأنها تعرف جيد بأنه يكون بصفهم دائما حتى وإن كان ليس خطأها.. خوفاً من أن تحدث ماساه أختها غاده وتنفصل عن زوجها مثلها.
❈-❈-❈
كل شيء سار في أمسية واحدة، عِدة تقلبات
وعدة مشاعر في ليلة واحدة فحسب. أخبربها
منذر بكل شئ وبأن أيضاً هناك أشياء أكثر حدثت معه سيئة للغاية وطويلة الأمد يمكن أن تجعلها تغير فكرها في ثانية واحِدة، ثانية واحدة كانت قادرة على قلب حياته رأساً على عقب.. لكن مع كل ذلك لم تشفع له! فكان يجب أن يضع ذَلِك في رأسه و يُدرك معنى كل حرف مما قاله لها سابقآ بأنه سيدفع ثمنه الآن…
إرتمى منذر بجسده على الفراش داخل غرفة الأطفال بتعب يُعيد رأسه للخلف ناظراً نحو السقف يرفع يداه أمام وجهه مُردفاً بنبرة هادئة منكسرة
= شكلها كده ما فيهاش أمل وهفضل أعاني لوحدي.!
شعر بالندم لما فعل معها فلم يكن ذنبها ليتعامل معها بهذه الطريقة ويدخلها في حياته البائسه! ويجعلها تنصدم فيه بالاخير لكن تمناه لو أن يعترف أنه ميت مُنذ زمن و الميت لا يستطيع الشعور بشيء سوى الوحدة..
مرر يده علي وجهه و هو يتأفف بضيق… فلا يريد ان تتركه وتذهب مثل غيرها اكتفى من الوحده والالام والمعاناه التي يعيشها طوال الوقت دون أن يواسي أحد.. لذلك سيظل متمسك بها حتى لاخر لحظه .
صحيح ليس أنثى صارخة الجمال حتي انها عادية جداً بالنسبة لاخريات لكنها مميزة بها رقة و حنان يضاهي جمال أجمل نساء العالم حتي اقل شئ يمكن ذكره يعطي لها مظهراً مميزاً جداً. لا يعلم لكن أصبح يراها هكذا بالنسبة له.
مضت عقارب الساعة وهو وهي صامتين كالذي إحتلهم الأكتئاب حتى حل الصباح علي الجميع أخيراً، كانت ضحي مضجعه فوق الفراش بالغرفة شاردة العينين ومهمومه الذهن.. فما سمعته أمس كان صادما لكن ما يغرقها أكثر ثقتها به! لدرجه جعلتها لم تعد قادرة على الوثوق بأحد بعد الآن، صحيح الحُب لَم يُخطئ في حقها وحسب بل جعلها رماد مُتناثر ضائعة مع عاصفة الخُذلان، رجُل اعطته كامل ثقتها فارهقها وطعنها بخنجر مسموم…
تأففت واستقامت لتتأمل ذاتها في مرآة الغرفة بشرود، كانت ذات بشرة قمحاويه لفحتها الشمس التي اخترقت من نافذه الغرفة المجاوره جانبها، تأملت وجهها المجهد الذابل في مرآة منضدة الزينة.. ثم رفعت أناملها تتفحص وجهها وهي تشعر بإحباط فا الأيام الأخيرة و بسبب عمل تجهيزات الزفاف الماضيه لم تعد تجد أي وقت للعناية بصحتها وبالاخير انتهى الزفاف بصدمة لم تتوقعها ابدأ ولم تعرف ما الذي يجب عليها فعله بعد الان.
صحيح تشعر بالعطف تجاه فحديثه عن عائلته والظلم الذي تعرض له طول حياته يحرك الحجر الذي بلا شعور! فما بالك هي أيضاً كيف شعرت وقتها؟ لكن بنفس الوقت لم تنسى خدعته وكيف كان يمثل عليها طوال الوقت ليستغلها لمصلحته.. لم تعد تعرف هل هو شخص طيب ام سيئ ؟!.
شردت بحديث أمس وهو يترجوها أن تظل معه مقابل اي شيء تطلبه منه وهو سينفذه دون اعتراضاً. سيظل معها وبجانبها ولم يرفض لها أي طلب وسيسعي لاسعادها مقابل أن تظل جانبه و تحفظ سره، بالطبع انجذبت قليلاً الى حديثه مثل أي أنثي تتمنى كل تلك اللحظات تعيشها مع شريك حياتها… لكن المعروف في العلاقات يفعلون ذلك دون مقابل .
فا الحب البقاء ليس للأقوى بل للأوفى..للذي قادر على تحمل زلاتُنا، للقادر على التغاضي عن نوبات الشخط التي نمر بها، والذي يقف بوجه الحزن الذي يهبط على ملامحنا فجأة، وللذي يؤمن بنا في أشد لحظاتنا يأسًا.. ليس المُحِب الذي يُشاركك طقوس الفرح وحسب.. بل الذي يُشاركك حتى لحظات كرهَكَ لِلعالم الذي يبعد معك كل الأشياء التي تعكر مزاجك. الذي يتحمّلك حينما لا تحتمل ذاتك، فالجميع حينما تكون مُشع ومُبهج يجتمعون حولك!. ولكن وحدة الذي يُحبك تجده وأنت في أشد لحظاتك تعاسة وإنطفاء..
علي الجانب الآخر استيقظ منذر بصعوبة فلقد مضى حوالي أسبوع لم يستطيع ان يذق طعم النوم بسبب التجهيزات السريعة للزفاف وما حدث أمس جعله ينام بصعوبة أيضاً.. قام من الفراش وهو يتجه نحو المرحاض أولا ليستعد ليومه الحافل.
بعد مرور وقت. أشاحت ضحي بنظره نحو الباب وقد تناهى إلى سمعها صوت فتح مقبضه لتعرف أنه منذر بالطبع.. لكنها ابتعدت عن منضده الزينه لتجلس بعيد بتجاهل! دلف هو وسط تجاهلها لوجوده وبعد مَضي دقائق تقدم أمامها وبالرغم من ذلك إستمرت بعنادها متجاهلةً أياه مما جعله يُمسِكَ وجَهُها ويُديرَهُ نحوة إكراهاً ليرى ملامح الغضب عليها ..
ابتلع ريقه وهو يقول بصوت باهت
= يااه هو أنا واجعك اوي كدة ! بس إنتٍ السبب علي فاكره.. حنانك الجديد علي حياتي ليا خلاني مافكرش غير في نفسي بعد ما كنت اخر حاجه بفكر فيها نفسي، حقك عليا .. أنا آسف
كان صوته عبارة عن دوامة من الانفعالات الظاهرة من قلق وغضب وعتاب على جفائها بدون أن تطمئنه أو تخمد نيران قلقه من حسم علاقتهما، وكانت دقائق حتى وصله ردها ببرود استشعره من بين صوتها
= مابقاش يفيد خلاص، هى خِلصت خلاص
وانت السبب
ضحي وهي شاحبة الوجه ومتألمة، تتجهز لرد المزيد وتقول بصوت هادئ ومحتار
= هو أنا ازاي هنت عليك كدة؟ من وقت اللي عرفته امبارح ونفسي أعرف القسوة دي جايبها منين.. لا ومن قلقي عليك لا تسيبني بقيت اسمع كل حاجه تقولها لي وامشي وراك زي العبيطه علشان اكسب رضاك.. هو اللي جد في حياتي عشان اتنازل كل التنازلات دي وفي الآخر على الفاضي وتطلع بتستغلني
تطلع لها بخيبة وهو يرى ملامحها الضيق من وجوده، والتردد والحيره ترسم هاله على ملامحها تمزقه.. تقدم نحوها بخطوه مهزوزه، يستقدم قدم ويأخر قدم، حالة الشد والجذب التى تلمع داخل عينيها تؤرقه وتغص قلبه، يريد الخلاص والخروج من متاهة الحرمان والصد، لذلك أردف قائلاً
= أقولك ايه اللي جد.. اللي جد إني في يوم وليلة لقيت نفسي بتركن علي الرف ومطلوب مني اتنازل من غير حتى ما يتاخد رايي، اللي جد إن طول الوقت ناسيني من وانا عيل صغير وطول الوقت عايش مع نفسي مكسور قدام الكل حتي طليقتي..
اعتدل في مكانه محدقًا فيها بنظرات مطولة، ثم جلس إلى جوارها على طرف الفراش،
رغم انزعاجه مما يحدث إلا أنه حافظ على ثبات نبرته، حيث استكانت أنفاسه المتهدجة فتابع بصوت حزين جدآ
= أنا أبويا بخاف منه.. بشوف نظرة عدم الرضا في عينيه طول الوقت رغم ان انا عامل له كل حاجه نفسه فيها وشايل الشغل ومسؤوليه غيري كمان! بس رغم كل ده مش بيعترف ان انا فعلا قد المسؤوليه ولا بيشكر فيا.. طب والله العظيم مش فاكر أن مره في حياتي شفته بيشكر فيا ولا هو ولا امي! رغم ان انا مش وحش معاهم خالص.. بيبصلي نظره بحس كأني أتب في ضهرهم.. يمكن دي طريقة الحب بالنسبالهم إنهم يقسوا عليا بالطريقة دي مفكراني كده هكون قد المسؤوليه و ابقى راجل في نظرهم..
خبت قوة ضحي نسبياً من هول حديثه، اعتقدت في نفسها أنه إشفاقاً على وضعها لكنها تتخطى هذا الأمر بمراحل أكبر.. أبعدت عيناها بصعوبة عنها، وهو تابع بصوت متألم
= بس انا تعبت من اطلع لهم اعذار عشان اعرف اعيش معاهم وأكمل.. بس هم ازاي قاسين عليا كده وأنا ابنهم وازاي عمرهم ما حاولوا يتكلموا معايا ويصحبوني ويشوفوني انا عاوز أي حاجه واحده تمشي مره برايي مش مجبر عليها عشان خاطر معاذ.. طول الوقت عشان أنت الاخ الكبير فلازم تستحمل ودايمًا أنا اللي غلطان.. ودايما انا اللي مسؤول عن اخطاء اخويا الصغير عشان كده لازم انا اللي اتعاقب مكانه، طب الكبير ده مش بيحس هو كمان .. كان نفسي حد يفهمني ويحس بيا أوي يا ضحى، والله انا مهما قلت لك برده مش هتستوعبي اللي انا كنت فيه طول سنين حياتي..
تأكدت من نبرته المتالمة لم تكن كذبه اختلقها عقلها من شدة إحباطها كوسيلة هروبية للاعتذار منها، رفعت عينيها ببطء لتحدق فيه، رأت نظراته قريبة للغاية منها، بينما هو كان متحرجًا بدرجة كبيرة من طلب شيء كذلك لكنه لم يمنع نفسه بعد! وهو يقترب بحذر من على الفراش مرددا بتوسل
= وغلاوتي عندك ما تسيبنيش ابدأ. والله ما ليا غيرك
هذا ما همس به امام وجهها ثم عاد وابتعد ويده على سريرها حركته الا ارادية جعلته يلامس طرفاً من ابهامها الناعم ! فاغمض عينه حيث ان اللمسة كانت كالصعقة الكهربائية على روحه تختلط احساسيه معها يسيطر عليه الجنون الا منطقياً.
بينما الأمر لم يختلف شئ عن الأخري لدرجه تساءل عقلها هل عليها ان تكون شاكره لجسدها الملئ بالدهون في هذه اللحظه؟ حتي لم يلاحظ رعشة جسدها والاضطراب الذي أصبحت فيه بسببه.
قامت ضحي بمسح دمعة منحدرة بسرعة على
ترقرقت الدموع في عينيها ولم تعرف ما
الذي عليها فعله.. شعرت بالكثير من العجز و الضياع.. هي الآن تشفق عليه في وقت عليه
كرهه بسبب – ما فعله بها.
❈-❈-❈
في تلك الساعة وفي هذا الوقت هو وقتها المحبب تتوقف عن الكتابة و الدراسة والتفكير في الماضي! بل تقف عن فعل اي شئ كي تستمتع بذلك الطرب من مفاتيح البيانيو مع معزوفة غريبها الحزينة والتي يكررها لدرجة تجعلها تتخلد داخل روحها الندية… فلقد أصبحت تعرف الموعد المحدد الذي يقوم به آدم بعزف مقطوعته الحزينة بتعدادها المعتاد!
لكن هذه المره تأخر على غير العاده؟ بدأ عقلها يتساءل عفويا لما لا يعزف اليوم مثل كل مره؟ هل هو مريض أم نائم أو مشغول أو ليس هنا من الأساس فهي بالغرفه هنا لا تسمع شيء أو صوت له؟
توقفت في مكانها انتظرت سماع صوت البيانو بأمل ولو صوت صغير يهون على وحدتها أو
ظل طفيف ينعكس خارج باب غرفتها ! بقت
علي هذه الحالة متحجرة متجمده مكانها امام
الغرفة لساعة كاملة، منتظره بفارغ الصبر! دون فائدة.
ثم استقامت من مكانها وتوجهت ببطئ نحو
باب غرفتها لتفتح الباب وخرجت لتجد الصاله فارغة من وجوده، دلفت إلي الغرفه التي يضع فيها البيانو، اقتربت ديمة من البيانو ببطئ بعد ان تأكدت ان آدم في غرفته..ثم رفعت سبابتها على احدى مفاتيحه فصدر صوت اصابع البيانو ترن بالمكان… انتفضت بفزع وبسرعة البرق استدارت تركض إلي الداخل بخوف شديد دون مبرر!.
وظلت تقف خلف الباب مستنده عده دقائق طويلاً وهي تتنفس الصعداء بصوت لاهث، حتى أخيرا صدى الصوت البيانو بالمكان لترسم ابتسامه سعيده فوق ثغرها تلقائياً بفرحه.
وعادت بهدوء تفتح الباب وتقدمت خطوات بطيئه لتجد إياه يجلس خلف البيانو ويعزف مقطوعته! ظلت هكذا تستمع باستمتاع… أما عن آدم فلم يلتفت الى الخلف رغم أنه كان يشعر بها أنها قريبه تقف بالقرب منه.. يشعر بضمور انفاسها خلف ظهره لكنه لم يلتفت حتي لا ترحل! رغم أنه يتمنى ذلك؟ يتمنى ان يلتفت ويناديها تشاركه السمع عن قرب وليس عن بعد.. لكنها تخشى القرب منه وهو يعلم ذلك جيد!
فالاثنين حقا يسيرون خلف فضول بعض لمعرفه المزيد عن شخصهم.
يعلم أن سؤالا عن ذلك ليس من حقه و لكنه
سأل فضول اولاً من حكاية تلك الفتاة الغامضة
بالنسبة له و ثانياً يريد معرفة تصرفاتها تجاه اهي اشغال لوحدتها أم فضول مثله.. فهم يسكنون في منزل واحد! لكن يتقابلون عده مرات قليله بالصدفه، وكل مره يتساءل عقله هل بالفعل هي تستحق الشفقة والإحسان الذي يقدمه لها أم أنها مخبأة داخل قناع البراءة المرسوم علي وجهها… لكن لا ينكر بان داخله جزء صغير يريد مساعدتها.. و يخبرها حينها؟
أعلم أنك تشعرين بالوحدة المُوحِشة، ولكن ليس لنا سوى بعضنا..”
علي الجانب الآخر دمعت عينها دمعة ثقيلة أثر تلك الأجواء الحزينة مع العزف! تعبت من هذا الوضع الرخيم ومن شدة ثقل دمعتها حفرت مجرأ على خدها، ثم ابتسمت بحزن فهي تشبه طائر حزين مبتور اجنحته ولا يستطيع العيش بحرية كباقي الطيور فقط ابسط حقوقه! كما حدث لها أغمضت عينها بألم وعادت تعاتب نفسها بذنب بانها من اوصلت نفسها الى تلك الحاله ولم تستطيع او من حقها التعبير عن الندم او عدم تقبل ذلك الوضع الجديد عليها.
لذلك لم تعد تريد سماع شيء بعد الآن…
بعد الأن…. تريد أن تبقى صماء وبكماء عن الواقع! وكانها تعاقب حالها بذلك الوضع.
فنحن مع الاسف لا نفكر بعواقب إختياراتنا
نَجِد في الغالب الهروب الحل الأفضل حينما
نتعب من التمشك، عواطفنا هي التي تُسيرُنا في أغلب قراراتُنا وهذه هي الكارثة، نحن لا نتوقف عن تدمير ما حولنا بسبب عاطفة وحينما تنتهي ندرك الخطأ الذي وقعنا فيه…
❈-❈-❈
كانت منذر يقف خلف الستائر بالغرفة يراقب الوضع بالخارج بقلق شديد! منذ أن جاءت كوثر حماته لتطمئن على ابنتها وهو بوضع غير جيد؟ خائف بأن تعترف ضحى بكل شيء لها وبالطبع كوثر حينها لم تصمت و ستعرف الجميع ومن المحتمل أن تاخذها معها أيضاً.. لذلك هو يقف بفروغ صبر ليعرف كيف ستتولى ضحى الأمر؟ هل ستعترف بالحقيقه أم ستصمت..
وعلي الجانب الآخر كانت ضحي تمسح بيدها على فرو القطه الصغيره التي احضرتها والدتها معها لها بأمر منها، علي أمل أن تجعلها تلك الصغيره تنسى معاناتها قليلاً وتشغلها، تساءلت أمها بفضول قائله
= هاااه مبسوطة مع منذر ؟
هزت رأسها بالايجاب باختصار دون النظر لها وهي تجيب بصوت هادئ واشغلت نفسها في الطبطبه على القطه الصغيره التي تجلس فوق حجرها بلطافه
= الحمد لله.. الأمور ماشيه تمام ما تقلقيش
ابتسمت أمها براحه ثم هتفت بجدية
= طب كويس و إنتٍ شطارتك بقى، كل ما تعلقي بيكي اكتر وتسمعي الكلام امورك هتمشي كويس معاه وهيبقى زي الخاتم في صباعك وان شاء الله مش هيحصل مشاكل بينكم ابدأ
عقدت حاجبيها متهكمة لتقول باستغراب
= اشمعنا يعني دلوقتي بتنصحيني عشان اموري تمشي معاه اللي يشوفك في الاول ما كنتيش طايقه تسمعي سيرته حتى!؟
لوت شفتاها بضيق وهي ترد بامتعاض
= عشان خلاص يا حبيبتي عملتي اللي في دماغك انتٍ وابوكي واتجوزتي، اكيد يعني مش هقويكي عليه عشان بعد الشر تطلقي وتقعدي جنبي من تاني! وانا اهون عليا كنتي تفضلي كده من غير جواز احسن من الطلاق وقرفه وكلام الناس يكتر ..
كانت ضحى غاضبة لأن والدتها كانت تفكر في الآخرين، لكنها لم تقل أي شيء لأنها توقعت شيئًا كهذا حقًا وعرفت أنها إذا اعترفت بالحقيقة فسوف تثور عليها وتلومها لأنها نصحتها سابقاً بعدم موافقتها علي الزواج مرات عديدة منذ البداية، وكانت أمها على حق، و ليتها استمعت إليها منذ البداية! ثم أضافت عليها أمها بحكمة
= عشان كده يا حبيبتي حوطي على بيتك مش ناقصين مشاكل و مش هنكر هو باين عليه كويس وطيب بس أمه دي مش سهله عشان كده خليكي في حالك وما لكيش دعوه بيها.. أحسن تتلككلك على أي حاجه وتمشيكي من هنا وتخرب عليكي.. وعشان ده ما يحصلش اكسبي عقل وقلب جوزك
شيء من الراحة تسلل لقلب منذر وهو يرى ضحي تتولى زمام الموقف بثبات أمام والدتها ولم تتحدث بشئ مما حدث معهم وذلك مؤشر جيد لعلاقتهما.. لكن بنفس الوقت تمني فقط لو ينفض عن نفسه ذلك الضعف المتخاذل البغيض ويتحلى ببعض الصمود فلا يحتاج لمساعدتها في كل شيء يتعلق به.. فاليوم أو غداً هي لن تضل دائما متواجدة من أجله. كما يفعل الجميع معه دائما. لذلك لا يجب أن يتعلق بها أكثر من ذلك وبعد فترة تفاجئه بطلبها للرحيل لأنها لم تتحمل الوضع طول الوقت بالطبع!
عليه أن يعترف لنفسه يشعر بأن الوحدة أصبحت جزءاً منه طوال حياته.
❈-❈-❈
ظل آدم ساعات طويلاً بغرفته و ديمة في
غرفتها أيضا تريح جسدها من تعب التفكير المستمر ونفسيتها، وعندما جاءت الساعه 12:00 شعرت ديمة بجوع شديد حركها و جعلها تنهض لتخرج من غرفتها تحضر أي شيء ولو بسيط تسد به جوعها، مرت بين
الغرف فكانت غرفة مكتب آدم مفتوحه،نظرت نظره سريعة لتلمح البيانو والكثير من الكتب لم تنتبه لها سابقآ… تجاهلت جوعها تماماً و دخلت المكتب وهي تنظر حولها بفضول و انبهار فكان يوجد سلسله رائعه من الكتب والقصص وذلك يوحي بان ذلك الشخص مثقف ويحب القراءه.
تحركت بخطواتها نحو الداخل الي غرفة المكتب أكثر وظلت تتلامس يديها على الكتب وتقرا اسمائها دقائق كثيرة دون الانتباه للوقت، حتى صدر ذلك الصوت المبحوح من خلفها هاتفآ
=محتاجه حاجه ؟!.
صوته جعلها تعود للواقع رمشت بضع مرات
بعد ذلك استوعبت الأمر جيداً وهنا شهقت بهلع وبسرعة البرق استدارت وراحت تحاول الهروب من أمامه وكادت أن تصرخ ليضع يده علي فمها مغلقاً لها ثغرها، ملتصقاً بجسدها الناصع البياض والرقة، وخصلاتها استقرت تداعب طرف كف يد آدم وزرقاوتيها الفاتنة تنظران بحدقة حادة جعلته يبعد يده بتردد وهو يقول بحذر
= أهدي ما فيش داعي للخوف، ده انا .
تلتفت حولها بارتباك واحراج وظلت تلملم الحديث بهرجلة و لكنه لا يكتمل وهي تهتف بصوت خافت
= آآ انا اسفه ما كنتش عارفه انك هنا و كنـ.. وكنت عاوزه آآ لا مش عاوزه حاجه عند اذنك
حاولت التحرك مجدداً مغادرة الي غرفتها الا انها شهقت بخفوت تضع يدها علي فمها وهي تجده يقف امامها و تقدم منها بتلك السرعة وهي لم تشعر بحركته كيف له ان يسبق حركتها السريعة، ابتلعت ريقها بصعوبة ثم رفعت رأسها اليه ببطئ تنظر اليه باستفهام لما يمنعها من الرحيل؟ ويزيد جرعه احرجها أضعاف أمامه.
لاحت ابتسامة هادئة علي ثغره لـ رؤية ارتباكها
و توترها اللامتناهي حين تراه او يتحدث اليها
تقدم منها ببطئ لـ يراها تتراجع الي الخلف بتوتر و تورد وجنتیها يزداد جمالها الطبيعي
جمال، تنفست باضطراب و هي تسأل بتوتر
= أقدر أخرج
وقف أمامها بالضبط حتي يوترها اكثر من ذلك
ثم دني جوارها وتحدث بهدوء قاصداً يشاغبها
= طب متوترة لية؟.
ابتعدت عنه علي الفور و ابتلعت ريقها بتوتر
مجيبة بتلعثم
= مش متوترة و لا حاجة، ممكن تبعد عشان امشـ…
قاطع حديثها وهو يمسك يدها بعفوية غير مقصودة منه الا أنها قد أصاب جسدها بانتفاضة زلزلت كيانها و هي تشعر بكف يده الكبير يحتضن كف يدها الصغير بدفئ لم تشعر به من قبل ابداً و تقدم من محلها مرة أخري ليترك يدها كما امسكها و هو غير منتبه بما شعرت هي به لـتشعر بالبرودة تحتل كف يدها التي أخذت الدافئ، ثم نطق هو قائلاً بجدية
= اقعدي يا ديمة عاوزه اتكلم معاكي في حاجه.
توقفت أنفاسها للحظات قبل ان تنصاع لـ طلبه
و تجلس علي المعقد امامه ليأتي بذات اللحظة بكوب من الماء كانت جوارهم علي منضدة صغيرة للغاية، قدمها لها لـ تمد ديمة يدها تجاه لـ تأخذ الكوب الذي امسكته بتوتر ثم تراجعت تستند ظهرها للخلف تراقبه بهدوء في حين نظر اليها آدم قائلاً بهدوء
= اشربي الميه عشان تهدي شويه.
هزت رأسها بالايجاب بعد ان نظرت الي
الأرض باحراج عما كانت بها حالتها منذ ثواني
لـ تسرع في شرب الماء بطاعه ثم أضاف يهمس هو بصوت هادئ
= انا ممكن أساعدك بجد علي فكرة بس لو
اقتنعت انك بجد عاوزه تتغيري للاحسن وما تكرريش اخطائك وندمانه.. ما هو انتٍ حتى لو ندمانه زي ما انتٍ بتقولي فعلا يبقي مش بالكلام يا ديمة ولا انك تحبسي نفسك في الاوضه 24 ساعه وما تقبليش حد وتفضلي تلومي نفسك طول الوقت على كل اخطائك اللي وصلتك لكده ده مش هيغير حاجه.. و عمره ما كان حل ولا طريق للتغيير للاحسن .
تنهدت تنهيدة عَميقة أخرَجت بها قليلاً مِن العقل الجاثم على صدرها، عَضت على شفتها السفلى وأرجعت خُصلات شعرها المُموج التي تُداعب وجهها لِخلف إذنُها، ثم رفعت عينيها نَحوهُ و أجابت بصوتاً مجروح ناعم وهادئ
= أنا وافقت على جوازي من هيثم بعد محولات كتير مني لاخواتي أنهم يقربوا مني انا من حقي احس أني عايشه وسط ناس بتحبني وخايفه عليا بجد مش الاسم معايا أهلي ومش موجودين جنبي.. احس بحنان اهلي وحبهم ليا.. انا مكنتش طالبه غير اني اعيش حياه هاديه احس فيها بالحنان والحب اللي ربنا قال عليهم.. انا عاوزه انسى اللي فات هتقدر تنسي اهلي وتنسهولي !
رد آدم عليها بابتسامة تخفف من إحساسها بالذنب
= انا فاهمك في النقطه دي كويس، و انك تعيشي متشافه ومتقدره ده احتياج بشري كل الناس ماتقدرش تعيش من غيره.. انما انك تفقدي القدرة على انك تعيشي سعيدة عشان ماخدتيش الاهتمام اللي انتٍ عايزاه.. ويبقي عندك استعداد تهدي حياتك كلها عشان في احتياج نفسي غير ملبى من شخص واحد فقط.. نقف هنا شوية..كلنا محتاجين نتشاف .. وحاجة لطيفة جدا اننا نتشاف ونسمع كلام حلو ونشعر بالاهتمام من الناس اللي حوالينا.. بس التقدير الحقيقي تقدير ذاتي داخلي.. لو عندك القدرة انك تحسي بقيمتك الداخلية.. مش هتستني رأي حد فيكي ولا إشادتهم بأدائك..
انتبهت لها بكل حواسها وكأنها بالفعل وجدت من يشرح لها ما بداخلها دون ان تعرف كيفيه التعبير عن ذلك، أغمضت ديمة عينيها تمنع ذرف دموعها الغزيرة من الجريان على وجهها ليمد آدم يده ويمسح فوق ظهرها بحنان.. وهو يغمغم متابع حديثه
= بصي يا ديمة ربنا سبحانه وتعالى مقسم ال٢٤ قيراط وانتٍ قيراطك كان مال وجمال وصحه وعيشه كويس غيرك كتير بيتمناها واهل بيحبوكي بس مش طول الوقت جنبك لكن للأسف مشوفتيش كل ده وركزتي اكتر في حاجه واحده كانت ممكن مع الوقت تحصلي عليها هي كمان.. انما الوضع اللي لاجاتي لي ده عمره ما كان حل، بالعكس انتٍ خسرتي واتورطتي اكتر وفقدتي حاجات كتير عرفتي قيمتها متأخر
فاضت عينها بالدموع و هي تنظر اليه بشرود
و ذكريات الماضي تتدفق داخل خاطرها يمزقها الندم والشعور بالذنب، لينظر اليها منتظر إجابتها، لاحظ عينها التي تذرف الدموع بغزارة أكثر لـ يحمحم بصوته الاجش قبل ان يربت علي كتفها بهدوء لعلها تهدئ الا ان هذا لم يزيدها إلا بكاء و نواح أكثر وهي تردف بصوت متألم
= معاك حق مش هنكر كنت عاميه وكان لازم اعرف حكمه ربنا ليا وانه مراضيني من فضله لكن اصراري على اللي كان ناقصني عماني عن اللي كان معايا وندمت اشد الندم وفوقت و بتمنى اخد فرصه اكفر بيها عن ذبي واثبت للكل اني توبت لربنا واني عاوزه اعيش حياه نظيفه وعمري ما هعمل ذنب ذي ده تاني.. انا عارفه كويس ان انا عملت ذنب صعب وخطيئه كبيره أوي و وحشه في حق نفسي وربنا مش بيغفرها بسهوله
حدق بها شارداً متمعناً النظر في عينيها
الناعِستان ولمعانهما، تلك النظرة التي يحاول
بها الدخول لِذِهنِها لفهم ما يدور هناك وفهم
مايجول من مشاعِر داخلها، فالعين مرآة الروح.. تنهد بعمق ثم صحح لها بصلابة تلك النظرية الخاطئه لديها وعينيه في عينيها
= سمعت مره حكايه أن في واحد راح لشيخ وقاله انا عملت كل الذنوب اللي ممكن تتخيل ان انسان يعملها كل حاجة ونفسي اتوب بس عارف ان ربنا مش هيقبل توبتي ابدأ !!. عارفه الشيخ رد عليه وقال له ايه؟ رد عليه الشيخ وقاله يا بختك بذنوبك دي؟ استغرب الراجل جدا وقاله إزاي يعني انت اللي بتصلي و بتصوم وعارف ربنا وبتعمل حاجات كتير ربنا امرك بيها وبتقول يابختي بالذنوب!! الشيخ قاله ربنا قال للتائبين ويبدل سيئاتهم حسنات طول ما التوبة صادقة لوجهه الله مهما كانت عن ذنب اي فربنا بيحول السيئات لحسنات، کرم ربنا ملهوش حدود واللي بيمشي لربنا بمقدار زراع ربنا بيقربله بمقدار قدم.. المهم نتوب مش لازم نتغر بكلام الشيطان ان ربنا مش هيغفرلنا ربنا بيغفر كل الذنوب
اتسعت عينها بمظهر لطيف وهي تراه يتحدث معها بذلك الشكل ويزرع فيها الإيمان والدعم دائما لـ تتناسي الماضي وتبدأ بالفعل في التخطيط لبدء حياه جديده! غير مليئه بالذنوب أو الحزن علي الأطلال.. فذلك الرجل حقا غريب وفي نفس الوقت حنون وطيب، فلو كان شخص اخر لكان عاتبها بشده على ما فعلته وظل يعايرها بذنبها الكبير، لكنه لم يفعل ذلك أبدا تركها تاخذ وقتها لاستوعب صدمتها ثم فاتحها حتى تتوب عن ذنبها.
ظلت صامته رغم أن بعض الدموع سقطت منها و هي تنظر الي وجهه تمرر عينها علي تفاصيل وجهه الوسيم و قد ثبتت عينها علي عينه الجذابة وظلت هكذا لحظات من الصمت!
اعتبره هو صدمة من ردة فعله و لكنه لم يكن
سوا تأمل له بدقة شديدة لـ يسحب يده من
يدها بهدوء و هو يتنحنح عندما اطاله النظر إليه ليضيف قائلاً موضحاً
= انا اللي عايزه افهمهلك انك لازم تخرجي من الحاله دي، ولازم في نفس الوقت تقربي من ربنا عشان يغفر لك ذنبك ومش عاوزك ثاني مره تقولي ربنا مش هيسامحني اسعي انتٍ بس وتاكدي انه هيغفر لك كل ذنوبك مهما كانت… هو ده يا ديمة دينا بيراعي نفسيتنا أوي.. يعني افتكر كلام مدرس الدين زمان في ثانوي لما كان بيقولنا إنتوا مش بتصوموا لما تكونوا على السفر ولا تعبانين جدا وربنا محللها لينا والبنات نفس الحكايه مش بتصلوا وتصوموا أيام الحيض، عشان دي مراعاة لنفسيتكم والتعب اللي بتكونوا فيه والله عمري ماهنسى الجملة دي وانتٍ كمان افتكري كل كلام ربنا طالما ناويتي تتوبي توبه نصوحه.. انتٍ بتصلي يا ديمه؟!.
أومأت له بحرج مكسو بالحزن مغمغة
= ايوه بس مش دايما متقطعه.. مع اني نفسي انتظم في الصلاه وبحاول
اعتقدت انه سيعاتبها او يشعر بالنفور تجاهها أمام ذلك فهي تراه دائما يؤدي فروده بانتظام، لكنه أبتسم بحنان قائلاً
= شاطره وافضلي حاولي وما تياسيش لحد ما في مره هتلاقي نفسك انتظمتي، وانا واثق في ربنا وفيكي انك هتتغيري عاوزك تثقي كمان ان اهلك هيتغيروا و هيعوضوكي بالخير والسعاده عن إللي فات.. وعاوزك كمان تحفظي في كل صلاتك الدعاء ده وتقولي (ربي تقبل توبتي ظلمت نفسي فاغفر فانه لا يغفر الذنوب الا أنت وارحمني برحمتك يا ارحم الراحمين)
وكان الرد منها أجابت وفي صوتها انكسار و توبة تجعلها عظيمة
= اللهم آمين .. يارب سامحني.
ربما هو يتعاطف معها لكنه لن يسمح بحدوث شيء غير لائق بالتأكيد لذلك ينتهز اي فرصه ويتحدث معها عن ذلك، أسدلت جفنيها تمنع دموعها من الانزلاق.. وكان ساقاها مرتعشتان وأنفاسها كانت مضطربة للغاية.. لكنها استطاعت أن تقول بصوتها المتذبذب
= هو ربنا بيغفر كل الذنوب فعلا؟
هز آدم رأسه بهدوء مرددا موضحاً بثقة
= ربنا بيغفر كل الذنوب الا الشرك بالله! وده طبعا في حاله واحده لما تتوبي فعلا وتندمي.. صدقيني ما فيش احلى وأعظم من شعور انك تذليلي بين ايدين ربنا ويشعر بيها المذنب ويتوب اكتر فمن رحمه الله انه يحببنا في الرجوع اليه.. اجمل احساس لما تتذللي لربني وتبكي وتترجي وتتوسلي لي بندم.. ربنا غفور رحيم بس انتٍ اعلاني توبتك وسيبيها على ربنا و اجتهدي فيها..(الله ارحمنا واغفر لنا واعصمنا من الشيطان وانفسنا ومن شر الخلق)
رغم راحه بسيطه تسللت الى قلبها لكن عند ذكر أخواتها شعرت بالخيبة والحزن من جديد فهو لم يعلم بأنهم عادوا من جديد يتجاهلوها وينشغلوا عنها في حياتهما… وذلك جعلها تشعر بالياس من تغيرهم ومن وحدتها المريرة… لكن هذه المره أخذت وعد علي نفسها لم تلفت نظرهم أو تتحدث معهم في ذلك مجدداً فقد ملت من التحدث دون فائده .
كاد أن ينهض آدم و لكنها قامت بسرعه و احتضنته من خصره نظراً لحجم جسمها القصير! فقد شعرت بحاجه لذلك بشده وبذلك الوقت بالتحديد ولم تجد غيره امامها… بينما هو تفاجأ من فعلتها إلا انه لم يقاوم فحاوطها بيديه الضخمة فكانت قصيرة جداً بالنسبة له..
ناعمة جداً بالكاد رأسها يصل لقلبه بينما جسده
الضخمة جعلها تتغلغل بتدفق وافراط بين
يديه !
فكانت جميع حواسها في حالة سكون، شعرت
بين ذراعيه أن العالم بأكمله توقف من حولهم،
وكل ما كان قلبها ينبض به هو الراحه! أما هو كان يرسم أدق التفاصيل التي بدأت تحدث بينهما في رأسه ويبتسم، فذلك بداية مبشره لتحسن علاقتهم الغير مفهومة حتى الان!
كان بطوله وضخامة جسده متبدداً مهزوماً امام دموع هذه التي لم تتجاوز الخامسه والعشرين من عمرها حتى !
= خلاص كفايه بكاء و اهدي.. انا هفضل جنبك ومش هسيبك لحد ما تعدي الازمه دي.
قالها ويديه تحاوطان خديها يمسحان دموعها
إلا انها كانت تزيد ارتجافاً فنظرت له مخترقة لجمجمته بحدقتها الدامعة لتدمع عينها
اليسرى بدمعة ثقيلة مكهلة بالاعياء والحرج!
لذلك ابتعدت بسرعه واستأذنت سریعاً لترحل نحو غرفتها… فرغم ان هيثم جعلها تكره جنس الرجال تماماً الا أن هيمنته و هیئته جعلتها تتوتر و تشعر بالارتباك أكملت خطواتها
و هي تتنهد بضيق في نفسها من فعلتها الجريئه من وجهه نظرها.. وأنها أخطأت في ذلك.
لتشعر بخفقات قلبها تزداد اضطراب و اطرافها التي اصابتها البرودة فجأة لتزفر بانزعاج من ذاتها و هي تسرع بخطواتها نحو الخارج
إلا أن صدر صوت الرعد قوياً لدرجة جعلتها تهلع وتركض تعود إليه مخبئة ملامحها بين عضلات صدره المتحجرة، شعرت بذلك الانغراس الغريب لملامحها الناعمة علي صدره رغم نعومتها إلا ان اقترابها كان قاسياً بنفس الوقت! والغريب في الامر هو انها شعرت لوهلة ما ان الامر غير حقيقي ! وان من فرط تفكيرها به خيل لها بأنها بين يده من جديد!!
وهو لم يكن الا انه احتضنها من جديد ليطمنها
وحين لف يديه حولها سرت قشعريرة في سائر جسدها.. فاذا قالت لم تشعر بالأمان إلا بين احضانه لم تكن كاذبه فهو حنون لدرجة كبيرة.. معها بالأخص! أو ربما كان كذلك من قبل مع ابنته!
أبنته! وكأنها تذكرتها فكيف لها ان تترك أب مثله يعاني من وحدتها و يشتاق لها وترحل.. حقا هي غبيه فلم تعرف قيمه هذه النعمه التي كانت تنتظرها.. بينما هي كانت تتمناها دائما ! ان تجد نفسها مرغوبه وهناك شخص يصارع ويحارب الجميع لأجلها فقط .
فلقد تعبت من سماع الكلمات المراوغة، كانت كل أمانيها سابقآ أن تسمع كلمة واحدة لتبقى على أمل وحب ولم تجد، وأدركت مؤخرا بأنها لن تجد لأن من كان سابقاً معها لم يكن سوى رجُل قضت معه أجمل أيامها وقضى عليها …
بعد الآن….
❈-❈-❈
بوقت سابقآ.
منذ الصباح وبسمة لا تطيق أي شيء أمامها بالاخص زوجها حيث غاضبة للغايه بسبب ما فعله بالامس بها، وقفت أمام منضدة زينتها تصفيف شعرها بأناقة وبدأت تضع القليل من مساحيق التجميل على وجهها تستعد للنزول الى حماتها لتستقبل ضيوف اهل ضحى الذين سياتون ليباركون لها في الصباحيه، صحيح هي لا تطيقها اليوم أيضاً لكن مجبره ان تهبط من نفسها حتى لا تتلقى أحاديث لا ترغب في سماعها فيكفي ما حدث ليله أمس وتعبها الشديد بسبب عزومه أصدقاء زوجها .
التفتت لترحل لا تلاحظ دخول زوجها الغرفة وقف مكانه يتأمل ثوبها الضيق وقدمها الرشيقة بنظرات صامتة طويلة.. يكاد أن يلتهمها بعينيه فقط بملامح لا تعبير لها عن انجذاب بلا فتور كالعادة.. وعندما انتبهت بسمة على نظراته، رفع نظره لها ليقول بجفاء
= بتتزوقي كده لمين؟
نفخت بضيق شديد فلم ينقصها في ذلك الوقت انتقاداته الغير مبررة على مظهرها ثم إجابته وهي مبتسمة بثقة وكبرياء
= نازله للست والدتك اشوفها محتاجه ايه عشان استقبل معاها ضيوف ضحى مرات اخوك.. ممكن تبعد من قدامي بقى عشان متاخرش واسمع كلمتين من امك ما لهمش لازمه .
لوي فمه بعدم رضا ثم تطلع لها بوجوم
= والهانم ناويه تنزل بالمنظر ده وبريحه البرفان اللي انتٍ حاطاها دي ومعبيه الاوضه كلها كمان، حطاها ليه؟
رفعت حاجبيها بضيق ثم هتفت ببساطه
= وفيها ايه الناس كلها تحت هتكون ستات في بعض، هو انت فاكر انا هقعد معاكوا .حتى لو عاوزنا ندخل لك حاجه هنادي عليك او على اي حد تحت
أغمض عينيه وهو ينفث نفسًا مكتومًا حانقًا ثم قال بتهديد واضح
= وحتى لو هتقعدي مع الستات تنزلي بالمنظر ده، ده على جثتي امشي غيري القرف ده والريحه كمان اللي انتٍ حاطاها دي مش عاوز اشميها عليكي ثاني.. انتٍ مش شايفه لبسك ضيق ازاي
حمحمت هاتفه بتوجس وقد بدأ الخوف يدب بقلبها من نظراته
= هو فين اللي ضيق ده بلاش مبالغه و خلاص… وبعدين قلت لك هقعد مع ستات بس
ضاقت عيناه وهو يقترب أكثر منها قائلاً بأمر وتسلط
= غيري اللي انتٍ لابساه ده بلبس محتشم مش هعيد كلامي تاني ده لو عايزه تنزلي فعلا، وكمان امسحي المكياج اللي انتٍ حاطاه على وشك لونه فاقع! والريحه دي تخلصي منها ان شاء الله تخشي تستحمي
رفرفت بعينيها في محاولة دون فائدة لتكرر عليه الأمر موضحة
= يا معاذ بقول لك هقعد مع ستات وما فيش راجل هيشوفني .
صاح معاذ بغضب شديد وهو يتطلع فيها بنظرات فاتره
= هتقول لي تاني هقعد مع ستات؟ ده انتٍ حتى قدامي ما بتلبسيش كده؟! ولا بتحطي مكياج يبقي هخليكي تخرجي بالمنظر ده!
لم تعلم من أين جاءت شجاعتها وقد اشتعل غضبها أثر حرمانها من أبسط الأشياء وقالت مستنكرة بصوتٍ أجش
= لا انا مش بلبس في البيت كده بمزاجي ده أمر منك، وبعدين اذا كنت مش هلبسه بره ولا هنا في بيتي؛ يبقي هلبس اللبس ده فين؟
احمرت عيناه بغضب دفين ثم هتف بها بحسم بنظرات حادة
= هو انتٍ ما بقتيش تسمعي الكلام من اول مره ليه؟ لازم كل كلمه تردي، طب يمين طلاق ما انتٍ نازله بالمنظر ده غير لما تغيري.. و يبقى شوفي كلام مين اللي هيمشي
اعتقد أنها ستثور عليه أو تظل تعاند بحده لكن تفاجأ برده فعل لم يتوقعها مطلقاً، رفعت يدها أعلي فمها لتطلق زغروطه بصوت عالياً تعبر عن فرحتها، وهو كان يقف مصدوم من فعلتها ولم يفهم ما الذي حدث لها.. أنزلت بسمة أناملها عن ثغرها لتقول باقتضاب
= يا اخويا كويس انها جت منك! يا الف نهار ابيض هو انت فاكرني هزعل عشان هتمنعني من النزول لامك، ابقى اشوف بقى هتقول لها ايه تحت لما تسال عني؟
اتسعت عينا أثر كلماتها، ثم استرسلت كلامها وهي تشير لوجهه بطريقه تهكمية
= ولو سالوك مراتك كانت بتزغرط ليه؟ ابقي قول لهم أصلها فرحانه من الهنا اللي معيشها فيه أنا وأهلي .
❈-❈-❈
حل المساء وكان منذر نائم في غرفة الأطفال مثل المره السابقة، لكن هذه المره كانت غير حيث زارو كابوس الماضي! وعادت من جديد تتدفق الذكريات الحزينه الى عقله بكل تفاصيلها المريره.
فتحت غاده باب الغرفة عليه وهي تقول بفتور
= ابويا قاعد بره جاي يزورني و يطمن عليا؟ ولو ما اديتنيش الفلوس اللي طلبتها منك هطلع دلوقتي اقول له على كل حاجه وشوف انت بقى هيقول لمين من اهلك ؟!.
تدلى فك منذر وعلمت غاده أن كلماتها صدمته لكن لم تهتم فاذا كانت ستعيش معه وتكمل حياتها على ذلك الأساس فسوف تسير على خاطرها هي ومثل ما تريد .. ويجب عليه التنفيذ والطاعه دون الإعتراض! وهكذا كانت تفكر وتخطط طول الوقت،صاح بغضب شديد
= بطلي طريقتك دي يا غاده معايا ومش كل شويه هتذليني بالموضوع ده لما تعوزي حاجه، ما تبقيش زيهم وتظلميني! ولو مفكراني كنت اعرف ان انا كده واتجوزتك تبقي غلطانه وانا فهمتك الموضوع وبرده مصممه تعاقبيني على حاجه ما ليش ذنب فيها
استدارت غاده نحوه بوجه صلب تقول بصرامة
= انا ما ليش دعوه بكل ده طالما خلاص حياتي هتضيع مع واحد زيك ملوش نفعه
يبقى هتمشي على مزاجي انا وكل طلباتي هتتنفذ غصب عنك.. يلا هتديني الفلوس ولا اطلع اقول لابوك وابويا عشان يعرف ابنه الحيله ما بيعرفش وما لوش في الجواز ولا المسؤوليه! وهو كده كده لما بيصدق يطيح فيك ويمسك عليك غلطه .
أطلق منذر تأوهاته في أحلامه بينما يهلوس بكلمات غير مفهومة.. فمنذ زوجه من تلك الحيه وقد انقلب حاله رأسًا على عقب.. كلماتها القاتلة تطارده في أبشع كوابيسه التي يلوم فيها نفسه بأنه كان ضعيف أمامها وهي بالمقابل استغلته.. كانت مقرفة لأبعد حدود لذلك يكره ذكر إسمها أمامه فقط! ويحمد ربه أنه انفصل عنها دون عودة.
ماضيه مع طليقته لم يفارقة ابدأ و والده وأمه وأخيه وعند زواجه من ضحي أيضاً.. التي لا يعلم اكانت ستظلمه مثلهم أما ستسانده!
رغم أن غاده والجميع وحدهما من يعرفا حقيقة أنه كان يعاني من بطش والده ويأس من أن يوقفه عن ذلك، وبسبب تلك المعامله جعل من تلك الحقيره تتمادى في افعالها الواقحه وتعايره طول الوقت مقابل ما تريد! وهو كان ينفذ وقتها بالطبع كل مطالبها مجبر!!.
لذلك لجأ إلي ضحي لعلها تكون أمله الوحيد!
فما كان منه إلا أن يستجيب داخله لتوسلاته ويلح بإصرار عليها، ورغم أن منذر تعرض للكثير من التعنيف الجسدي والمعنوي من والده بعد وحتي الآن إلا أنه لدي أمل طفيف أن تسانده ليتحمل معامله أهله مع كل فصل جديد من حياته معهم مثقل بالبرود والجفاء..
فمهما حاول أن يبني معهم جسور تواصل بينهما ويزرع الود أو القبول في حياتهما يجد صدا منهم! لكنه مع ذلك يستجاب لطلباتهم حتى على حساب نفسه، ومع وعد صادق لغاده بأنه لن يبوح لأحد بسرها حتى لو ترتب عليه أن يعيش ويكمل حياته دون أن يكشف لأحد منهم أو يصحح ظنونهم الخاطئة نحوه حفاظا على سمعتها..
لكن من جهتها لم تبذل أي جهد للحفاظ على هذه السمعة وما زالت لم تتغير بعد، لكن ذلك لم يهمه طالما هي بعيدة عنه..
كان جسد منذر يهتز أثناء نومه كأنه يصارع شيء ما حتى أن حالته ازدادت لدرجة أن ضحي شعرت به وتحركت تجاه بهلع وهي تراه يتنفس بصعوبة والعرق يتفصد من جبينه..
اقتربت أكتر منه أثناء نومه لترى صدره يعلو ويهبط وهو يهذي بكلمات غير مفهومة.. اوقات باسم غاده طلقته..واوقات باسم والده.
رغم حنقها اللاإرادي أثر إسم تلك البغيضة إلا أنها جلست جواره برفق على حافة السرير ثم مدت يدها لتلامس شعره وهي تحاول إيقاظه على مهل
= منذر اصحى انت بتحلم.. منذر
لم يستجب لها فبدأت تهزه بشكل اقوى و تناديه ليفتح عينيه أخيراً بتثاقل وهي تسمع تنهيدته الحارة هاتفا بصعوبة بالغة
= مش هتقولي لابويا حاجه صح .
عقدت حاجبيها بغرابة لا تفهم سؤاله لكنها توقعت أن يكون له علاقة بسره التي أصبحت تعلمه عنه..كما أدركت أن لم يستيقظ تماماً بل لا زال يهذي فهزته بخفة وصوتها يصطبغ بلهفة واضحة
= انت كويس؟ حاسس بحاجه بتوجعك
تطلع فيها بدهشة ثم شتت نظره لغرفة النوم من حوله بينما يستوي شبه جالس فقد
وعى على نفسه أين هو لتقول له باستفسار
= كنت بتحلم بكابوس! وحش؟
أرخى رأسه للخلف عابس الملامح مغمض العينين يتمتم
= يا ريته كابوس دي حقيقه ومش عارف اهرب منها لحد دلوقتي.
يمكن الى هنا بدأت تفهم لما كان يهتف باسم طليقته ووالده، ضيق وليس حب بهم! فمن المعقل بان اوصلوا الى تلك الحاله السيئة حقا وهو لم يكذب عليها بحرف! هزت رأسها لتفيق
ثم وضعت عدة من الوسائد وراءه ليرتاح أكثر وسارعت تسكب له كأس ماء وهي تسأله
= كنت بتحلم باي لدرجه كنت فاكر بيحصل حقيقه ومش حلم.
نظر أولا إلي كوب الماء مطولاً وهي لم تفهم سبب نظراته، لكن بالاخير تجرع من كأس الماء بهدوء فشعر بتحسن والماء يُصب بجوفه ليطفئ ظمأه ثم رد بتهرب
= هاه مش حاجه مهمه.. مش مهم! شكراً علي الميه، قلقت نومك صح
هزت رأسها بعدم مبالاة وهي تقول
= عادي ولا يهمك كنت صاحيه عشان كده سمعتك على طول.
مد يده ليحتضن كفها بينما هي نظرت لوجهه المرهق بتوتر وهو تساءل هامس
= هو انتٍ مش ناويه برده تريحيني، وتقولي لي انك هتسامحيني وهتفضلي معايا.. لو مش مصدقاني في ولا كلمه مع الوقت اللي هتقعديه هنا هتشوفي اكتر من اللي انا حكيته و وقتها هتصدقيني.. ضحي انا محتاجلك في حياتي ومش عاوز اخسرك انا بجد تعبت كتير أوي وانا لوحدي.. فرصه بس واحده وجربي وصدقيني مش هتندمي لاني هستغلها صح واخليكي تتعلقي بيا زي ما انا اتعلقت بيكي.. بس بلاش حكايه الانفصال دي .. وانا عارف ان انا غلطان و بتاسفلك
ضغطت على شفتيها بقوة ثم هتفت بعد صمت طويلاً بصوت خافت
= هحاول ..بس موعدكش
تهللت اساريره بعدم تصديق فأصبح هناك شعاع من الأمل حتي وإن كان ضئيلا ولكنه سيقويه سيفعل اي شئ لكي تسامحه
فأردف بفرحه
= وانا هساعدك صدقيني، ومش هخليكي تندمي على قرارك ده.. بس ساعديني زي ما انا هساعدك .. اتفقنا .
هزت رأسها بالايجاب بتردد ومنحته نظرات طمئنته، وبثت في روحه المزعوجة الأمل من جديد، حيث منحته فرصة للتعلق بها من جديد بعد أن تحطمت آماله.
وسرعان ما جذبها منذر إلي أحضانه بقوه كبيرة المتها بشده وصدمتها بنفس الوقت! وضع يده علي خصرها يجذبها أكثر وأكثر نحوه .. وهو يغمض عيناه براحه غريبة واستمتاع لم يحظي به من قبل..
وأخيراً استطاع تجربه العناق لأول مره طوال حياته فالسنوات التي مرت عليه لم يتذوق إياه ابدأ ولا مع أسرته ولا مع طلقته، ولا عندما كان طفل صغير ولا عندما أصبح شاب.. إنما الآن يحظى به أخيراً مع زوجته الرائعه…
أما عن ضحي فقد ظلت لحظات تستوعب ما يفعله؟ وعندما فهمت ماذا يريد استسلمت بعطف واشفاق فحقا أحيانا تشعر أنه طفل صغير يبحث عن الحنان وهذا كل ما يريده في الحياه ليس أكثر.. وعندما طلب منها أن تعانقه من قبل؟ ليعرف ما الذي يشعر به، لم يكذب حينها!
رفعت يدها ببطء وتردد لتضعها علي ظهره تمسد بحركات دائريه قشعر لها، لقد فاجئته من قوه الصدمه! فأدمعت عيناه متأثراً بما يحدث معه! فمن يراه يشعر انه يبالغ حقا لكن لو يعلم أحد الحرب التي تحدث داخله الان ليعطون ألف عذر وعذر.
لم يجد منذر منذ طفولته من يعامله بهذا
اللطف فانتابه شعور غريب بافتقاده من والدته
وعوضته ضحي عن ذلك الشعور، ثم وضعت يدها على شعره وملست عليه في نعومه.. تاركه إياه يتنفس بعمق مستمتع باحضانها الحنونه و الناعمه.
** ** **
_________________
بعد مرور أيام، فردت ضحي جسدها بوهن تريد أن تنعم ببعض الراحة والاسترخاء. كانت شاردة أغلب أوقاتها تفكر مليًا في موافقتها على عرضه بالاخير خشيت من تسرعها، لكن لم يكن أمامها بديل، فهي حتي الآن لا تصدق كيف وافقت منذر ان تظل معه بعد أن كشف خدعته لها، والاغرب في الامر أنها مازالت لا تعرف هل ستتحمل الوضع هكذا ام لأ.
هل ستتحمل أن تعيش مع رجل ضعيف الشخصيه مثل ما يلقبوا الجميع باعتراف منه؟!. هل ستتحمل أن تعيش الباقي من حياتها دون أن تنعم بالأمومة ويكون لها طفل! بحكم أنه راجل عاجز.. بينما يوجد طفل علي إسمه وليس ابنه بحق.
الأمر مريب عليها لكن حقا شعرت بشعور غريب تجاهه عندما وجدته يتألم هكذا بمفرده! و الأمر الذي جعلها تعجز عن الوصف سعادته عندما أخبرته بأنها لم تتركه. أحياناً تترجم ذلك الشعور أنه عطف وأحيانا آخري شيء آخر يتسلل ببطء داخلها لكن لا تريد ذلك. فهي تحاول الهروب من تلك المشاعر التي بدأت تقتحمها دون أن تعرف ما هي دوافعها لتشعر بذلك فجاه دون عن سابقاً .
لكن بنفس الوقت ما زالت غاضبة منه ولم تنسى خداعته وكيف ظلمها.. هو برع في استغلال ضعفها وهي كانت مضطرة لمواكبته رغمًا عنها.
ومع كل ذلك وافقت على أن تظل معه ولم تعاقبه بالرحيل. خشيت ضحي أن تعترف لنفسها بأنها تكن شيئًا لذلك الذي يجذبها إليه رغم جفاءها معه. وبأن قلبها قد تحرك ونبض لأجله. ربما هي مجرد أوهام في عقلها ليست واثقة من تفكيرها لكنها إن تركت العنان لمشاعرها و سمحت لها بالخروج بغير وتقتها سيظهر الأمر واضحًا عليها.
و بنفس الوقت كانت دومًا مجبرة أن تعقد تلك المقارنة المؤلمة! اذا تطلقت بوقت قصير بعد زواجها وعادت الى منزل أسرتها من جديد فماذا ستكون حياتها يا ترى؟ بالطبع ستكون اسوء من ما كانت آنسه تنتظر أن يدق أحدهم منزل والدها و يطلبها للزواج! بالاضافه الى أحاديث الناس التي لا تنتهي حولها.. فكيف ستنسى تلك الأيام وحياتها البائسة حينها.. بدأت تري نفسها تعيسة الحظ ولم تنعم بما حُرمت منه و من أبسط الأحلام الوردية لأي فتاة مقبلة على الزواج ..
هل ستعود وتنتظر الخطاب من جديد لكن الأمر مع اختلاف بسيط فسوف تكون مطلقه في نظرهم! فلم تستطيع إثبات أنها ما زالت آنسه؟ ولم يلمسها زوجها ولم يحدث أبدا حسب أقواله.
وهو لم يواجه صعوبة كبيرة في التأثير عليها بل كانت سهله المنال، ويا ترى اذا وجدت شاب هل القادم سيكون جيد ام سيء؟ فبدت تضيق من التفكير في ذلك الوضع.. اذا انفصلت و بحثت عن غيره واذا ظلت معه!.
شعرت بصخب كبير في رأسها المزدحمة بالأفكار نتيجة إنهاكها بالتفكير المتواصل، حتي لج إليها منذر وهو يحمل صينية طعام والتي صنعها بنفسه دخل بهدوء مفرط لكنها مع ذلك شعرت به! ليقول بلطف
= انا عملت الفطار وفنجان قهوه كمان
تفاجأت بما فعله ودنا منها وهي تتسائل بغرابة
= بنفسك!. كنت طلبت مني وعملت لك
جلس أمامها بعد أن وضع صينية الطعام وهتف مبتسماً
= على ايه يعني دي شويه جبن و مربي حاجه بسيطه، عامله ايه دلوقت؟.
ابتسمت له ابتسامة باهتة وهي ترد
= الحمدلله
تبادل الاثنان نظرات مطولة وكلاهما منتظران بترقب ما سيقال لاحقًا، تعلقت أنظاره بها، فلم يبعد عيناه عنها، وتابع عن كثب تلك الحركات المتوترة الصادرة منها. ظل يحدق في عينيها مبتسماً و بداخله يريد أن يعانقها مره ثانيه و ثالثة ورابعة أيضاً إذا أمكن حتى يعود يشعر بذلك الشعور ويحلق مثل هذا السرب المحلق في السماء، شعرت بالخجل من نظراته الثاقبة تلك فتهربت و قالت
= بابا وماما جايين النهارده على فكره يزوروني هو انت هتكون موجود ولا هتنزل الشغل خلاص
انتظر منذر لثوانٍ قبل أن يتحدث قائلاً
= لا ما تقلقيش هكون موجود أكيد، ضحي هو انتٍ فكرتي في المقابل اللي هتطلبي مني قصاد ما هتقعدي معايا وتستحملي وضعي
شعرت بالريبة من رده الغير مريح، فكان يريد أن يحسم كل شيء منذ البداية، حتى لا يضطر للمجادلة معها من جديد لكن لا يعرف بانه فسد جزء اصلحه بتلك الكلمات، فردت عليه بنرفزة
= هو انت ليه طول الوقت بتحسبها كده يا منذر لازم اي حد يعمل لك حاجه كويسة يبقى مستني مقابل منك؟ لو معتقد ان انا هطلب زي طليقتك فلوس مثلا تبقى غلطان عشان انا عمري ما هحطك في الموقف ده واستغل الوضع حتى لو انت عملت كده في الاول معايا .. انا مش كده.
انتصبت في وقفتها، وحدقت فيه بنظرات شبه صارمة تضيف مردده باقتضاب
= هو صحيح اي اتنين بيكونوا مع بعض شركه او متجوزين، لازم كل واحد يدي للتاني بس ده واجب عليهم يراعوا بعض مش يحطوا شروط وكل واحد يستغل التاني ولو ما عملش حاجه التاني ما يعملش! وابدا اساوم اذا ما عملتليش الحاجه اللي طلبتها منك همشي لاما اقول لاهلك على اللي عرفته عنك.. اظن الاسلوب ده إسمه قله احترام وتقدير والعلاقه ما بينا عن النظام ده عمرها ما هتنجح و كل واحد مستني التاني يدي عشان يدي زيه .
تحرك حلقه وهو يبتلع ريقه من الارتباك و التوتر فلم يتوقع رده فعلها هذه تلك مطلقاً كونه كان يتعايش مع اشخاص عكس ذلك! لذا
لم يتخيل منذر مطلقًا أنه يتعامل مع شخصية مثلها.. خجل منها بشدة، هي تفكر بصورة عقلانية عنه وهي التي تحكم على الأمور صحيح وليس فقط لمجرد أن تفرض رأيها عليه أو تهمش قراراته، بل لأنها تفكر في الصالح العام لهم. صمت قليلًا ثم تحدث هامسًا بحرج
= طب اهدي انا اسف والله ما كنت اقصد حاجه وحشه بس انا اتعودت على الوضع ده أعيش كده سواء كنت مع غاده ولا مع اهلي و انا وضعي صعب وانتٍ اكيد مش هترضي بواحد زيي بدون مقابل؟ يعني ده اللي قلته لنفسي عشان كده سألتك اللي هتطلبي هكون قده ولا لاء.
زفرت بحنق بائن في نبرتها وهي تقول بضيق
= هو انت ليه دايما حاطط نفسك في خانه انا الوحش وانا الشخص الضعيف؟ يعني الصفات الوحشه كنت اسمع دايما الناس بتقولها لحد مش الناس بتقولها لنفسها !.
علقت غصة في حلقه وقد تذكر قسوه أهله العنيفة معه حينما اكتشفه مرض أخيه الصغير و بدأت معاناته معهم ولم يكن بقلوبهم أي شفقة. أخفض رأسه متخاذل ليهمس بنبرة مختنقة
= ما لوش داعي اكدب و ازور الحقيقه انا كده سوا بشهادتي ولا بشهاده غيري و لما تعرفيني اكثر هتعرفي كده برده..
ضغطت ضحي على شفتيها قائلة بصدق
= طب ايه رايك بقى انا متاكده ان انت مش كده يا منذر؟ عشان انت لو كده فعلى الاقل انت معترف بكده وده اول طريق للتغيير ده لو انت كده فعلا ؟. على العموم انا مش عاوزه حاجه او ممكن هعوز بعدين بس هسميها طلبات مش شروط وانت ليك الحق تنفذ أو ترفض .
رمش بعينيه في حرج أكثر واضح من كلماتها فهو لم يفهم أهي تفعل ذلك عطف أو صدق! فلم يتعرض لموقف كذلك و أحد يتحدث عنه بالطيب! لكنه رأى في نظراتها المتطلعة إليه شيئًا غريبًا عن كل مرة. حمحم وهو يجيبها بتلعثم
= آآ ماشي تمام لو عاوزه كده ما فيش مشكله و انا لو بايدي اعمل لك الحاجه دي هعملها ..
تنهدت تنهيدة طويلة عندما رأت عدم تصدقه لترد هاتفه بجدية
= هو انت مستغربني أوي كده ليه ؟ انا مش بقول اي كلام على فكره ولا عاوزه اغير اسم المعنى وهعمل زيهم! عشان هو طبيعي اقبلك على حالك أو اسيبك؟..الأمر بسيط! عشان ما فيش حد يقدر يجبر حد على إحترام وجوده بحياته..
أخفضت نبرتها ليبدو صوتها رزينًا وهي تضيف
= وانا لو كنت عملت زي غاده وطلبت منك فلوس مقابل اقعد هنا، ما كانش هيبقى في بينا احترام وانا لحد دلوقتي بحترمك وده معناه ان انا قابلتك على وضعك يا منذر
❈-❈-❈
في منزل آدم بالتحديد في غرفه ديمة كانت تجلس شارده الذهن وهي تتذكر مقابلتها قبل أيام مع بسمة حين اخبرتها سبب إخفاء دراستها بالجامعة! عن أهلها وزوجها فكان يجب توضح ذلك الأمر لها حتى لا تسيء الظن بها.
بللت بسمة شفتيها وسحبت شهيقا عميقا وطردته بتمهل وهي تنظر لها متحدثة بقلق
= انا بس كان لازم اشرحلك الموضوع عشان الموقف السخيفه اللي حطيتك فيه ساعه فرح منذر أخو جوزي
قطبت ديمة جبينها وتحدثت بنبرة ذات معني
= انا مش عارفه بتبرريلي ليه انا ما سالتكيش ولا كنت هسالك أصلا، وحتى انشغلت ونسيت الموضوع وما حطيتش في دماغي ان اجاي واسالك ولا انتٍ تيجي وتشرحيلي… لان الموضوع خاص بيكي لوحدك ومش فارق معايا بقى اذا كنتي مضطره تكملي تعليمك من وراهم عشان هم مش راضيين ولا لأ .
ابتلعت ما في جوفها وتحدثت بما يشبه الرجاء
= انا عارفه ان انتٍ بنت حلال وكويسه من ساعه ما غطيتي عليا ساعه الفرح وما رضيتيش تكذبيني بس كان لازم برده اجي اوضحلك الوضع، و اني ليه مضطره اكذب عليهم كذبه زي دي.. انا عارفه أني غلط مش هبرر لنفسي لكن والله غصب عني
فهمت خوفها جيد الخفي منها لذلك حاولت أن تطمئنها وهتفت بنعومة
= بسمة صدقيني انتٍ مش مضطره لا تكذبي ولا تبرري ليا، لكن لو عاوزه نصيحتي حاولي تحلي الموضوع وتقولي لهم، المره دي انا اللي شفتك والحمد لله عديت على خير لكن المره الجايه محدش عارف اللي ممكن يحصل.. وانا بتكلم لمصلحتك والله .
أومأت الأخري موافقه وأجابتها فوراً
= انا فاهماكي ان شاء الله بس تجيلي فرصه كويسه واقول لهم كل حاجه انا اصلا متضايقه طول الوقت ان انا بكذب عليهم.. بس الموضوع شكله هيكون لمصلحتي وهنكون أصحاب مش كده ؟!.
تنهدت ديمة بارهاق و فاقت من شرودها… استقامت تتأمل ذاتها في مرآة الغرفة بشرود، كانت ذات بشرة بيضاء لفحتها الشمس فخطت آثارها فوقها، عينان زرقاء ورثتهما عن جدتها كان لهما الفضل في لفت بعض الأنظار إليها، كانت ملامحها جذابة تريح الناظر إليها وبذلك الجمال اوقعها في مشاكل مؤخرا، تلمست شعرها لتختنق عيناها بالعبرات، هي لا تريد نفسها هكذا ضعيفه و مستسلمه! ودائما تبكي على الأطلال ولا تعلم ماذا عليها أن تفعل..
زفرت بقله حيله قبل أن تتوجه الي فراشها لتدس نفسها بين أغطيتها مناجية نوما ينتشلها من بين أفكارها اللعينة.. فهكذا تقضي عطلتها بالهروب بالنوم والمذاكره! لا تعلم لما تذكرت حديث آدم معها من قبل حينما كان يدعمها ويقوي إيمانها حتى تخرج من تلك الحاله
فهي لا تنكر أن كلماته بالفعل اثرت بها بقوه! لكن تحتاج الى دافع قوي وعزيمة واراده لتجعلها تتخطى المستحيل وتكون افضل..
فما الذي تنتظره بالفعل؟ البكاء والندم من هنا الى آخر الحياه لم يفيد في شيء، يجب أن تنظر إلى الجزء المليء من الكأس، ولا تنظر للجزء الفارغ منها، فالتفاؤل والأمل رؤية ما تبقى في الكأس، وليس في التحسر على ما شرب أو أريق منها فائدة، في دوامات الندم و افظع شعور هو الذنب الذي جعل هيثم ذلك الحقير يطرق وجدانها.. و الخيبة أن تحب الشخص الخطأ بالطريقة الصحيحة.
وهذا ما فعلته تماماً وإدراكت مؤخراً أن هدفه الأساسي كان هو زعزعة إيمانها بقضاء الله وقدره إلا أنه ضربها بالصميم.. واستسلمت له في لحظه ضعف تدفع ثمنها الكثير من الوقت الحالي.
عادت ونهضت من جديد لتنظر حولها تريد تشغل نفسها في اي شيء يجعلها تعود و تمارس حياتها بشكل طبيعي دون التفكير في شيء يفسد يومها، لتلمح كوم الملابس المتسخه خصتها وفكرت ان تذهب وتغسلها بنفسها.. أخذت سله الغسيل بيدها ثم خرجت من غرفتها وهي تنوي الذهاب الى المطبخ! حيث كانت الغساله بالداخل.
وفي طريقها وقفت تنظر إلى غرفه آدم بصمت عده ثواني تفكر هل يجب أن تسأله اذا كان لديه ملابس متسخه حتى تساعده لو بجزء صغير مثل ما كان يفعل معها طول مده اقامتها هنا؟ فهي لم تشارك في عمل المنزل كامرأه تسكن مع شخص يدعي زوجها حتى لو كان على الورق فقط .
نظرت إلي الباب من بعيد مترددة ولكنها في النهايه تحركت إلى غرفته وهي تضع في عقلها الكثير من الحوارات في كيف سوف تسأله عن ملابسه وكأنه أمر صعب جداً عليها.. تلاشت كل الأفكار عندما أصبحت أمام باب الغرفه، نظرت مطولاً إلي يدها المرفوعه التي كانت على شكل قبضه فوق الباب ولكنها لا تتحرك ؟!.
ليس لديها الجرأة أن تطرق الباب حتى وبعد
طرق الباب كيف سوف تسأله إذا هناك لدي
ملابس متسخة ويريد غسلها وفي دوامه أفكارها لم تشعر إلا بالباب الذي أمامها تم فتحه، ليظهر آدم عاري الصدر مع قميصه الذي في يده فمن الواضح كان يريد الخروج .
ولكنه وقف وهو يلمح ديمة أمامه ترمش
عده مرات وسريعاً وجنتيها أصبحت حمراء وضغطت على شفتيها بقوة من الارتباك فلم تتوقع خروجه في نفس اللحظه.
نظر آدم إليها وهو يرفع حاجبيه وعيناه
وقعت على يدها التي كانت مازالت مرفوعه
أنزلتها ديمة سريعاً ووضعتها خلف ظهرها وهي تنظر الى الارض ثم أردفت بحرج شديد
= عندك هدوم مش نظيفه محتاجه تتغسل ؟!
صوتها كان منخفض وبصعوبة آدم سمعها ولكنه نطق بهدوء وهو يمسك قميصه الذي كان على ذراعه
= لا شكراً ، بس لو عاوزه تساعديني ممكن تركبيلي زرار القميص ده اتخلع مني
رفعت راسها إليه ثم تركت الملابس من يدها دون أن تشعر إلا عندما شعرت بقرب آدم منها وهذا جعلها تتراجع إلى الخلف قليلاً وارتعش بدنها سريعاً، استغرب الآخر من رده فعلها هو لم يفعل لها شيء لكنها مازالت تخشى الاقتراب منه.. لكن عندما انتبه الى نفسه أنه عاري الصدر عرف السبب .
بعد ربع ساعة بداخل صاله المعيشه، كانوا يجلسون فوق الأريكة الاثنين بينما آدم ارتدى قميص آخر و ديمة جانبه تخيط له الزر بالقميص
أبتسم هو علي منظرها وهي تخيط الزر بعناية فائقة أحب منظرها ذلك أمامه، النقاء البريئ المنعكس منها، كم كان منظرها نقياً! بعد دقائق هتف باهتمام
= أخبارك إيه يا ديمة.. مرتاح في سرير غير سريرك اللي متعوده عليه في بيتك ؟
رفعت راسها وهي تُحدِق بعيناه السواد
القاتمة التي يحطيها كم هائل من الرموش
السوداء، ثم أجابته بعفوية
= شويه.. يعني الواحد لما بيسيب البيت اللي كبر واتربى فيه عادةً مبيـبقاش مبسوط ولا مرتاح يعني
هز آدم رأسه بهدوء ثم هتف متسائلاً
= عارفه تنـامي !؟
مطت شفتاها بضيق شديد وهي ترد بإحباط
= ماهي دي المشكله.. لسه مش لاقي المكان اللي أعرف أنام فيه
وضع عينيه بعينيها وهو يتنفس بعمق ثم هدر قائلاً
= ومش هتلاقيه يا ديمة
عقدت حاجبيها بغرابة والحيرة تسكن وجهها
من كلماته وهي ترد باستغراب
= ليه بس كده..!! بتحاول تحبطني ليه.
استكانت أنفاسه ثم أردف بثبات عاقدًا العزم على إنهاء ما بدأه
= لا خالص الموضوع مش احباط، بس طول ما انتٍ نايمه في اي مكان وعقلك لسه شغال بالتفكير في اللي فات مش هتلاقي اللي يريحك.. حاولي تشتغلي عقلك وتوقفي عن التفكير في الحاجات الوحشه وانتٍ تلاقي المكان اللي يريحك
هزت رأسها متفهمة حديثه ثم أجابت بصوت محرج
= انا بحاول اتعود على حياتي الجديده هنا فعلا، وبدات النهارده كمان وكنت رايحه اغسل الغسيل
لاحظ آدم خجلها وتفهم السبب ليقول بجدية
= طب ومالك بتقوليها وانتٍ مكسوفه ليه؟ كويس الحاجات البسيطه دي بتفرق في نفسيتنا استمري وانتٍ كده هتشغلي نفسك،
يعني النهارده بدأتي تغسلي هدومك.. بعدها روقي اوضتك وتذكري أو اقراي كتب جديدة و مفيدة ليكي، أو شوفي ايه اللي ناقصك واي حاجه عاوزه تتعلميها جديده في حياتك ابدئيها كمان ده هيكون كويس
صمتت بتفكير ثم إبتسم ثغرُها لا اراده منها عندما تطلعت بالبيانو داخل غرفه المكتب أمامها وهو لاحظ ذلك وتفهم سبب نظراتها لكن تركها هي بنفسها تطلب منه أن يعلمها حتى تكسر الحاجز الذي بينهم! لكن مع ذلك الشغف الذي داخلها هتفت قائله بصوت هادئ
= حضرتك قلتلي قبل كده ممكن تعلمني الأكل؟ لما قلت لك طول السنين اللي فاتت حاولت اتعلم وفشلت وانت قلتلي الموضوع بسيط .. ممكن تعلمها لي دلوقتي .
رفعت يدها بالقميص عندما انتهت منه، وهو
تنهد بأسف ينظر لتحرُكاتها الصغيرة الشاردة ثم إمتدت يداهُ نَحو يدُها التي تعبث بالغطاء على الطاولة، أخذ كفها الصغير بين كفه لترفع رأسُها نحوه وفي عينيها بريق حزن يزيدُها جمالاً، شدد على إمساك كَفها يخاطبها بنبرته العميقة الجادة
= تمام ما فيش مشكله اذا كان ده هيفرحك ويغير من نفسيتك ويطلعك من الحاله اللي انتٍ فيها ما عنديش مانع اكيد، ديمة انا مش عارف لما تقفلي باب اوضتك عليكي بتقعدي تفكري في ايه؟ بس متاكد انك بتفكري بالشاب اللي غدر بيكي وظلمك لما وثقتي فيه .. لازم تتعلمي اللي يسيبك وانتٍ بتتالمي وتتعذبي
ما ينفعش تفكري فيه وتسيبي للزمن! وبالرغم من أنكِ الطرف المُتأذي في العلاقة المسمومة دي إلا أنكِ هتكوني الأقوى..
ليكمل و عيناه عليها ليجد بأن بريق عينيها
يتضاعف شغف لكلماته، إستأنف بنبرة ثابتة
= البنات الفتينات اللي زيك بيستخدموا عقلهم و ما ينفعش يحطمهم مجرد كائن إسمه ذكر… اتخلي عن كل حاجه بتسببلك أذى حتى لو كنتي بتحبيها
سحبت كفها مُنه سريعاً ثم قهقهت بصوتاً خَفيض تهتف بحرج وهي معتقدة يمزحها
= هو حضرتك شايفني من البنات الفاتنات !؟..
صمت ثواني يَنظُر لَها بعينان تتفجر منها الشغف والجُرئه هاتفا
= وأشدُّ فتنة كمان.. الحزن مش لايق علي جمالك يا ديمة عشان كده بلاش منه.
قال ذلك فرفعت بصرها بعدم استيعاب على كيفية نطقه لحديثه المعسول بهذه الطريقة السلسة الناعمة والمخيفة بنفس الوقت كما شعرت بها فقد وترها نطقه لتلك الكلمات، رغم انها لم تكن المره الاولى والوحيدة التي تسمع أحد يغازلها لكنها كانت مختلفة عن قبل!.
نظرت له فغرق في جمال زرقاوتيها الامعة فتبدلت ملامحه لاخرى كأنها متعذبة! كانت طريقتة غريبة! سلسة لكنها مثقلة.. وسرعان ما رفعت يدها تُغطي وجهها عَنهُ بِكلتا كفيها بحرج أكبر فأبتسم هو لتصرفاتها العفويه..
هو لا يعلم لما أخبرها كذلك لكن برر أنه فعل ذلك حتي يخرجها من مود الكابه، فأطباعها تختلف عن أي فتاة قد قابلها. تختلف كثيراً في زمن أصبحنُ النساء نُسخ مُقلده…
❈-❈-❈
في ذلك الوقت فتحت بسمة عينها بصعوبة بالغة أثر الشمس التي اقتحمت غرفتها دون ان تعرف مصدرها فهي تغلق الستائر جيدا كل ليله قبل النوم حتى لا تستيقظ بسببها، لكن لا تعرف السبب اليوم! فبالتاكيد معاذ لم يستيقظ من تلقائي نفسه ويفتحها.. حتى وإن استيقظ مبكراً هو لا يفعل شيء بالمنزل ابدأ.
نظرت بالغرفه وفي تلك اللحظة وقعت عينيها على مايسة كانت تقف بجانب النافذة! لم تكن تتوقع ذلك على الاطلاق فلقد فاجئتها وجودها بغرفتها ومن قوة الصدمة نهضت بسرعه بذعر وعيناها راحت تتفحص كل جزء بها، حتى لوت شفتاها الأخري وعلقت ساخرة
= هتفضلي تبصلي كتير؟ ما هو مش معقول كل ما اطلع ليكي تتخضي .
نظرت بسمة إلي الستائر المفتوحه والتي فتحها عنوة ووجودها هنا بغرفة نومها للمره التي لا تعرف عددها دون استئذان و دون ان تطرق عليها حتي، لقد يئست من كل ذلك حقا. ومن قله ذوقها. مسحت علي وجهها وهي ترد بحنق كبير
= طنط هو الباب ده عملوا ليه؟ عارفه انا لو جالي ساكته قلبيه في مره منكم محدش يلومني! ما هو بصراحه كده كتير نفسي مره اصحى زي الناس الطبيعيه مش اصحى مخضوضه والاقيكي في وشي..
لتضيف عليها بملامح قاتمة و بنبرة مغتاظة
= هو حضرتك ما زهقتيش بجد من موال كل مره ده؟ مع اني لو اتصلتي بيا هرد واصحى على طول
رفعت حماتها حاجبيها للاعلي بضيق وهي تراها ترد عليها وبالأخص موضوع صعودها إلي منزلها دون الاستئذان أولا! وهي لا تجد مانع بذلك.. اجابتها بصوتٍ فاتر
= ما تتعودي يا أختي، اديكي قلتيها بلسانك مش اول مره كفايه التتبيسه اللي انا اتدبستها لوحدي وانا بخدم على الضيوف إللي جت تبارك.. واسال عليكي جوزك يقول لي عصبتني وحلفت عليها ما تنزل! وعاوزاني اتصل بيكي على التليفون عشان ما ترديش وتعمليلي فيها مشغوله
تنهدت تنهيدة طويلة بيأس وهي ترد بنفاذ صبر
= ومين قال لك ان انا مش هرد جربي مره واحده وشوفي بدل كل يوم والتاني الاقيكي في وشي اول ما افتح عيني ولا اتلفت
أخبرتها حماتها بنفس تسلطها المستبد كالعادة
= بس بس بلاش وجع دماغ! اطلع ولا انزل ده بيت ابني براحتي فاهمه ولا لاء، المهم خمس دقائق و تحصليني انا مش هخدم النهارده كمان على الناس اللي جايه تبارك لوحدي يلا يا هانم
امتثلت بسمة لرغبة حماتها الملحة في النزول
لمساعدتها في ضيافة الأهل والجيران و الأصدقاء من طرف أهل منذر و أهل ضحي!
بعد فترة، كانت بسمة في الأسفل بمنزل منذر، تساعد ضحى ونرمين صديقتها برس الحكك و البيتي فور العروسه ومن بعيد كانت تراقب كل فتره والأخرى حماتها وهي تجلس مع اهل ضحى! دون أن تساعد بشئ وكان من ضمن الضيوف والد ضحي الذي لم يأتي إلا اليوم فقط ليطمئن على ابنته .
افاقت بسمة على صوت ضحي وهي تجفف يديها في المنشفة القديمة هاتفه بذوق
= ما تقعدي يا أم مالك وانا ونرمين هنكمل انتٍ مش ملزمه يا حبيبتي تساعديني
اعجابتها طريقه حديثها معها عكس حماتها التي تتعامل معها وكأن مساعدتها فرض عليها وليس مجرد فضل منها! ناولت ما بيدها لضحي وهي ترد بابتسامة هادية
= لا ما تقوليش كده ولا يهمك تعبك راحه.
في الخارج نظر فوزي الى زوجته نظره فهمتها جيد لتعرف بأنه يريد الرحيل فهم متواجدون هنا أكثر من ساعه، فخرجت ضحي إليهم متهادية في خطواتها، ابتسمت أمها لرؤيتها وهي تعتدل في وقفتها بعد أن كانت تجلس،
ثم اقتربت كوثر من ابنتها التي خرجت بنفس اللحظه لتقول لها بجدية
= طب يا جماعه هنستاذن احنا بقى وان شاء الله يبقى نيجي مره ثانيه نشوفك يا ضحى! خلي بالك من نفسك واتصلي طمنيني عليكي على طول.. احسن لما اتصل وما ترديش بقلق عليكي جامد و انتٍ عارفه كده كويس من ايام ما كنتي في بيت ابوكي قبل الجواز فبلاش العادة دي هنا كمان.
وقبل أن ترد ضحى ابنتها خرجت بسمة وهي تقول ببراءه ملفته للأنظار باطنها خبث
= مش محتاجه تقلقي يا طنط! بعد الجواز حاجه وفي بيتك كانت حاجه.. ولو نسيت ولا حاجه حماتي هتفكرها على طول اصل مفتاح الشقه بيبقى معاها وبتطلع كل شويه تطل على ولادها .
تغَّضن جبين كوثر بعدم تصديق لتردف بحده
= مفتاح شقه ايه اللي بيكون مع حماتها؟
ثم وجهت نظرها إلي مايسة بسرعه وقالت بحزم
= هي مرات ابنك تقصد ايه والكلام ده حقيقي فعلا ؟؟ انتٍ بتاخدي مفتاح الشقق منهم و بتطلعي كل شويه ليهم.. هيستهوى يعني و هتطلعي تغطيهم ولا ايه؟ لا معلش فهميني الحكايه دي ؟!.
تحولت في لحظات ملامح مايسة إلي صدمه لم تتوقعها، و لم تعرف ماذا تجيب وتبرر موقفها حيث تحولت الأنظار كلها حولها هي بالأخص.. بأعين نافره وضيق فالكثير من اقارب ضحى كان يجلس في تلك اللحظه بالاضافه الى اصدقائها بالعمل.. ومن ضمنهم كان منذر و زوجها شاهين أيضا الذي تطلعون إليها بعدم رضا.
ابتلعت مايسة ريقها بحرج شديد ولم تنطق بحرف وكان ذلك مؤشر جيد بان ما قالته بسمة صحيح، لتطلع إلي زوجه أبنها معاذ بغيظ شديد فهي السبب ومن وضعتها في ذلك الموقف اللعين! لتقترب منها وهي تقول بأسف مصطنع
= يقطعني وحياتك يا حماتي عندي ما كنت اقصد ونسيت!.
ثم أردفت بصوت عالٍ ببراءة زائفة
= طيب اسيبكم أنا بقا مع بعض، يعني دي أمور عائلية ميصحش أتدخل فيها.. عند اذنكم
وسرعان ما التفتت جانبها لتظهر أعلي ثغرها ابتسامه خبيثه بملامح سعيده بما حدث!. تعلم بالتأكيد ستدفع عواقب تلك اللحظه لاحقاً لكن لا يهم يكفي انها شفت غللها منها وانتقمت.
ثم تحركت تاركه إياها تواجه الموقف وتبرر موقفها، و بالطبع ستقدم على اختلاق كذبة لتداري علي اقتحامها لخصوصية أبناءها حتي بعد زواجهما.
❈-❈-❈
وقفت غاده أمام حوض المطبخ، وفتحت
صنبور المياه وبدأت تغسل الاواني وهي في أشد نوبات غضبها اللعينة ما زالت متاثره بزواج منذر بالاضافه الى معامله والدها التي بدأت تخنقها يوم بعد يوم! لم يكن هكذا قبل انفصالها، فالأمر زاد أكثر وأصبح حريص و شديد أكثر من اللازم!
وهي قد اعتادت في حياتها مع منذر أن تكون امرأه حره تفعل ما تريد ومن أمامها ينفذ دون إعتراض لكن بمنزل والدها تغير كل شيء.. و جفاءه وتجهمه يسببان لها الضيق الشديد ربما أكثر من هذه المشاعر التي تخافها هو تقييد حريتها..
فاصبح خروجها من المنزل بحساب! حتى هاتفها أخذه منها كعقاب عندما يراها تتحدث به اكثر من اللازم… ولا يعطيها المال بكثره خوفاً من أن تتمرد عليه وخوفاً من أقوال الآخرين عنها لأنها أصبحت الآن مطلقه.. هو من وجهه نظره يضيق عليها الحصار بشده حتى لا تخطئ.. لكن الخطأ حدث وانتهي منذ زمن!.
تشعر أنها مضطهدة ﻓﻲ مجتمعها وذلك يجعلها تتصرف بتهور وتريد أن تعوض ﻧﻘﺼها ﻋﻠﻰ الأضعف جسدﻳًﺎ، ﺃﻭ ﻧﻔﺴﻴًﺎ وتلك كانت طريقتها مع طلقها السابق .
فكان منذر محق حين أخبرها بهذا الندم التي ستشعر به بسبب الإنحراف وراء تصرفاتها الطائشه لفعل المستحيل.. لكنها لم تعد تطيق ذلك الوضع وليس معتاده عليه ولم تستسلم.
ألقت اواني الطهي الذي بيديها بقوة بالحوض، ثم خرجت تنهيدة فاقدة الصبر من غاده وهي تقول بحقد
= برده مش هستسلم للي انا فيه! ولو مقدميش فرصه ارجعلك يا منذر عشان اعيش على كيفي زي ما انا عاوزه، يبقي هخلق الفرصة بايدي!.
حقا لا شيء أسهل من الكراهية، أما الحب فهو يحتاج نفوساً عظيمة .
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع أو أقل طلب شاهين من منذر أن ينزل للعمل ويتحمل المسؤوليه عنه قليل كونه الوحيد الذي يفقى في تيسير الأمور جيد عنه ويجد التعامل مع الزبائن، وبحكم العمر أيضاً لم يتحمل التعامل في الوكاله وحده وبالطبع لم يطلب من إبنه معاذ مثل ما تعود.. لذلك مثل العاده طلب من منذر.
ومن جهه اخرى وجدتها مايسة فرصة مناسبة لتبدا تطلب من ضحى النزول ومساعدتها في المنزل من البدايه حتى لا ترى نفسها عليها و تعلم جيد من المسؤول هنا.. في البدايه تفاجأت ضحى من الأمر لكن عندما أخبرتها بسمة بان الطعام يتم تجهيزه هنا في منزل حماتها وبعد ذلك يتناول الجميع! وهي عاده يحاولون الحفاظ عليها حتى تجتمع الاسره مع بعضها البعض بود.. وهنا لم تجد ضحى مانع في ذلك بل رحبت بشده لتلك الفكره وبدأت تساعد بسمة في تحضير الطعام بكل براءة ثم جلست مايسة تتابعهم باعين فرحه وانتصار عليهم.
وكانت بسمة الوحيدة التي تفهم نظراتها جيد الخبيثه ولم يعجبها الأمر وتسلطها المستبد وفرد سيطرتها نحوهم.
وبعد مرور ساعات طويلاً بدأ يقترب موعد عوده الجميع من الخارج! ما عدا معاذ بالطبع
الذي كان يلهي مع أصدقائه دون التفكير في المسؤوليه او العمل! أما الجميع كان يعمل بجدية واكثرهم منذر.. وعندما اقتربت الساعه بدأت مايسة تامرهم بوضع الطعام فوق السفره والذي كان عبارة عن سمك.
الوجبه المفضله لدى معاذ واكثرها نفور لدي منذر لانه يصاب بالحساسيه عند تناوله وقد اخبارهم عده مرات بذلك الأمر .
تجمعت العائله حول مائدة الطعام وقد رحب شاهين بضحي كونها المره الأولى التي تشاركهم الطعام بعد زواجه.. والتي ابتسمت بطيبة وهدوء.
هتفت مايسة معللة وملفته الأنظار قائلة
= يلا يا ولاد كلوا، و انت يا معاذ كل كويس يا حبيبي الأكل اللي بتحبه اهو وبعد كده تاخذ الدواء ما تنساهوش اهم حاجه.
تجلّى الإحباط فوق ملامح وجه منذر كما نبرة صوته وهو يقول بيأس
= هو انتم مش عاملين غير السمك النهارده؟ هو انا قلت كام مره ان انا عندي حساسيه منه وما ينفعش أكله.
أجابته أمه بصوت محتد وهي عابسة الوجه
= يووه بقى يا منذر هو انا مخي دفتر، كل رز وسلطه حلوين.. وبكره يبقى نعمل لك الاكل اللي انتٍ عاوزه .
مسح علي وجهه بعنف شديد لكنه ضبط أعصابه كي لا يثير انفعالاته! ثم هتف قائلًا وهو ينهض من مقعده
= لا على ايه بلاش تتعبوا نفسكم ولا بكره ولا بعده انا طالع انـ..
قاطعته و ردت عليه زوجته ضحى بلا تردد وهي تنتصب في جلستها
= انا عملتلك طاجن باميه باللحمة أهو لما عرفت بالصدفه من بسمة ان انت مش بتاكل السمك وعندك حساسيه منه وبيتعبك.. بتحبها ولا اعمل لك حاجه تاني؟!.
تجمد مكانه لمده دقيقة وهو يحاول استيعاب الأمر! يمكن أن يبدوا بسيط لكن حقا صدم ولم يصدق بأن أخيرا أحدهم اهتم بما يريد! صمت للحظة ليدير أنظاره نحوها و برقت عيناه بوميض غريب وزادت ابتسامته اتساعًا مرددا
= بحبها جدآ، اقصد لا خالص كويسه شكرا جدآ.. تسلم ايدك.
استغربت ضحى كما الشكر والامتئنان من مجرد وجبه فعلتها له، ثم ردت قائلة بابتسامة مجاملة
= بالهناء والشفاء.
رمقتها مايسة بنظرات قاتمة، ولوت شفتيها بسخرية معتقدة أنها تفعل ذلك متعمده حتى يتعلق بها منذر أكثر وأكثر.. وكانت تتبعها بسمه أيضاً وهي تبتسم ابتسامة باهته.. سعيده لأجلهم و تتحسر على حالها داخلها فطوال خدمتها لزوجها سنوات طويلة لم يشكرها لمره واحده حتي.
لاحظ منذر تبدل تعابير وجه ضحي الحنونه وتوسم خيرًا أنه أختار الشخص المناسب له أخيرا… بينما بدأت ضحي تسكب له الطعام واعين منذر تتابعها بفرحه كبيرة!. وفي ذلك الأثناء أومــأ شاهين بعينيه قائلًا بجدية صلبة
= قوليلي صحيح يا ضحي منذر عامل إيه معاكي كويس؟ لو في اي حاجه كده ولا كده قوليلي انا عارفه… خايب وعديم المسؤوليه وهيتعبك
انفرجت ضحي شفتاها للأسفل مدهوشة بأنه يتحدث عن إبنه الكبير بتلك الطريقه صحيح لم تكن المره الأولى فقد حدث قبل سابقآ لكنه كان سوء ظن وانتهي وهو اثبت العكس، فلما يتحدث عليه بتلك الطريقه الآن دون ان يحدث شيء وحتى إن حدث فيجب ان يحترمه امامها بالأخص.
ولم يختلف الأمر كثيراً عن منذر الذي تجهم وجه وكتم ألمه داخله وصمت كعادته.. حاولت ضحي الثبات وأجابته بنبرة هادئة بحذر دون أن تلتفت نحوه
= لا خالص يا عمي، ليه حضرتك بتقول كده منذر كويس معايا الحمد لله وما فيش اي حاجه.. وبالعكس انا شايفه اكتر واحد ينفع يشيل المسؤوليه ويعتمد عليه .
لم يلحق أن يبتسم منذر ويفرح بحديثها،حيث
أشــار لها شاهين بيده بعدم تصديق و هتف قائلًا بتحذير
= آه تمام بكره هتشوفي بنفسك.. على العموم لو حصل حاجه تعالي قوليلي بس .
تضايق منذر أكثر وتحولت ملامحه الى التعاسه بعد أن كان سعيد بسبب وجبة الطعام التي فعلتها ضحي له مخصوص، فحديث والده اعاده الى الخلف بعد أن تقدم خطوه! فهو يستخدم معه نفس الأسلوب الذي كان يستخدمه مع غاده فهو السبب في معايرتها له وطريقتها الفظه، ولا يريد ان يعيش تلك التجربه مجدداً وتتحول ضحي إلى غاده بعد أن تجدد الأمل داخله من جديد.
حدقت ضحي في حماها باستغراب كبير مجدداً، و أدركت من تصرفات زوجها المبالغة و ارتفاع نبرة صوته المفاجئة بحذر.. أن بالفعل العيش مع تلك العائله ليس سهل! وربما بالفعل منذر عانه معهم الكثير ولم يكذب عليها فما اخبرها به من قبل.
لاحظت أيضا ضيق ملامحه وحزنه ولم تحتاج إلى تفكير طويل لتعرف السبب وأنه والده! وبدأت تفكر بكل حديثه الذي اخبرها به ليله زواجهما! بأن عائلته هي السبب بكل شيء يحدث له سيء بالفعل ؟!
حركت كفها علي يده المغلقة بحده فوق المائدة فلامست بسخونتها كف يده الخشن والمرتعش! محاوله اذابه ذلك الجليد فتبدد غضبه وتحول لارتعاشة مفرطة سببتها لتبتسم من عينها المتوترة وهي مازالت تلامس كف يده فرأى ذلك الرجاء المنبعث منها حتي يكمل طعامه! و يتجاهل حديث والده المزعج.
تنفس بعمق ليزفر بعدها ما حبسه من هواء داخل صدره ببطء، ثم نظر إلى يدها على يده فتراجعت يدها خطوة للخلف وهي ترمش بعينيها بحرج لطيف. لكنها لم تبعد عيناها المتفرستين عنه، فكانت تشعر بريبة نظراته وبشحوب وجهه المقلق لذا أرادت أن لا يتأثر بذلك الحديث ويكمل طعامه
بينما شعر منذر ببرودة مفاجئة تجتاح خلاياه من اهتمامها له، لذا هو حتى لم يصب جام غضبه المستعر بداخله أكثر.. لأنه ليس كل يوم يتم أخذ رأيه عما يفضل على وجبة الغداء… لتعلم الأخري بأنه يسعد من أقل الأمور كونه محروم منها… وبدأ بالفعل يستجيب لها.
❈-❈-❈
في اليوم التالي، لاحقاً، توجهت بسمة نحو جماعتها لحضور أي محاضرة فاتتها بسبب انشغالها. بالإضافة إلى أنها لم تكن ترغب في إثارة الشبهات حولها بسبب خروجها من المنزل كثيراً، بينما كانت تجلس أمامها صديقتها مروه تتحدث معها، شهقت مروة مدهوشة هاتفة بحنق كبير
= و وافقتي تطبخي كل كميه الأكل دي عشان تكفي أصحاب جوزك! و ما هانش عليه يساعدك هو ولا أمه؟ والله انتٍ تستاهلي اكتر من كده طالما ساكته .
رمقتها بنظرات مشتعلة وهي تتحسر داخلها علي حياتها البائسة تعيسة الحظ منذ الصغر
= معاذ مين يا اختي اللي يساعد؟؟ معاذ لو عملها اعرفي ان الدنيا جري ليها حاجه و القيامه قربت! منها لله امه بقى معوداه كل حاجه مجابه من غير ما يتحرك خطوه واحده بس ويساعد.. ده حتي كوبايه الميه مش بيقوم يجيبها لنفسه.
نفخت بضجر و عبس وجهها بحدة حينما أضافت وهي تشير بيدها
= وبعدين انتٍ فاكره الموضوع بسيط كده؟ كنت اعترضت من زمان وطفشت كمان و طلبت الطلاق! بس هقول إيه حكم القوي.. وبعدين ست مايسه تعملها وتعمل ابوها مش بتهدد وخلاص لما قالت هتصل بابوكي وهو طبعا مش هياخر لها طلب وهيجي يهد الدنيا عليا ويطلعني غلطانه من غير ما يسمعني .. وكل ده عشان ما تطلقش زي غاده واقعد جنبه
غمغمت صديقتها بغيظ مردده
= هو ابوكي شايف الطلاق حاجه وحشه اوي للدرجه دي؟
أشـــاحت بسمة بوجهها للجانب كأنها تريد ان تخفي لمعه دموعها الحزينة، و رفعت يدها تضعها أعلى خدها ثم أخفضت نبرتها قائله بصوت مقهور
= ناس زمان كده كان بالنسبه لهم خراب البيوت حاجه صعبه وكبيره ومهما يحصل نستحمل ونحط جزمه في بقنا، وانا ابويا كده مع الأسف انتٍ ناسيه ان قلت لك أنه خلفنا بعد 15 سنه جواز من أمي الله يرحمها والموضوع كمان مش حكايه الطلاق بس.. هو بالنسبه له سايبنا في عصمه راجل يبقي مطمن علينا كده إذا بعد الشر ربنا افتكره زي امي! دول كانوا اول عرسان يتقدموا ليا انا واختي و وافق على طول.. عشان كان خايف هو وامي ما يلحقوش يفرحوا بينا ويجوزونا .. ويا ريتهم حتى رجاله تستاهل نعتمد عليها ولا سألوا بدل المره عشره عليهم ولا حتى يسالونا عايشين معاهم ازاي؟ هي اختي صحيح ماتتعاشرش بس مش عاجبني موضوع ان منذر مش بيسال على ابنه، بس ليهم حق يعملوا اكتر من كده طالما لاقين ابويا مطنش ومش فارق معاه وبايعنا
ردت عليها معللة إصرارها على التفكير في الطلاق
= بس انتٍ مش الشخصيه الضعيفه يا بسمه اللي تقول حاضر ونعم، و مستغربه انتٍ لحد دلوقتي مستحمله معاذ ليه رغم ان انتٍ مش طايقاه وبتشتكي منه وبتقولي دايما ما فيهوش ميزه واحده تقدري تستحملي عشانه.. يبقى ايه اللي مصبرك
أدركت بسمة صحة كلام صديقتها ورغم شعورها بأنها تعبت منه وأن حياتها معه لا تحتمل في ظل رضاه صعب المنال بالنسبة لها.. إلا أنها رفضت فكره الطلاق.. لأنها تعلم جيد الحياة عند معاذ وأسرته أرحم من الحياة عند والدها… أو بمعني أوضح الاثنين بالنسبة لها الجحيم بذاته.
نظرت لها بنفاذ صبر موضحة بعصبية
= عشان يا حبيبتي مش هسيبه واروح لجنه، لو اتفقت معاه يطلقني زي ما منذر عمل مع غاده من غير ما ياخد راي حد من اهله ولا اهلها! واتطلقت هقعد جنبها وكل خطوه هتكون بحساب وساعتها ولا هعرف اشم هوا زي كده واكمل تعليمي من وراهم، انا شايفه بيعمل ايه مع أختي وهي بتحكيلي دايما فين وفين لما بتنزل ولو اتاخرت دقيقه واحده بيقوم الدنيا ويهدها، ولو ماسكه التليفون وبتتكلم عادي فيه يفضل فوق دماغها ولازم يعرف مين وليه؟ ده ناقص يحسبها علي النفس اللي بتتنفسه !
هزت رأسها نافية بقله حيله لتضيف بصوت متثاقل
= وانا مش دي الحياه اللي عاوزاها ولا نفسي فيها وما يجراش حاجه لما استحمل مع معاذ طالما على الاقل لي ميزه عن عيشه ابويا في بيته؟!. اللي هتكون ارحم .
تحركت صديقها ناحيتها قليلًا لتقول بتبرم
= براحتك، انا بس مش عاجبني على طول متقدره كده وعماله تشتكي، بقول لك إيه عاملين انا والبنات حفله صغيره في بيتي مش ناويه تيجي برده اهو بالمره تشمي هوا وتفكي عن نفسك وتنسي العزومه اللي دبسك فيها.
ابتلعت بسمة ريقها بتوتر تبتلع غصتها المريرة، ثم مدت يدها تسحب دفترها الذي أمامها وأجابتها بتوجس قليل
= ما تفكرنيش عشان انا كل ما افتكر الموضوع ده بتجنن والبعيد ولا على باله، هو انا نفسي بصراحه اخرج بس انا بفكر اقعد ازن على معاذ المره دي يخرجني انا وابنه كفايه القرف اللي انا شايفاه من أمه .
بعد مرور وقت نهضت صديقتها لتحضر مشروب من كافيتريا الجامعه وظلت بسمة مكانها تجلس علي المقاعد تراجع بعض الملاحظات في دفترها وعلى بعد مسافة قصيرة منهم كان يوجد شابًا في الثلاثينيات من عمره، ينظر حوله متفحصًا شيء ما، ثم اقترب منها على الفور وحمحم قائلاً
= صباح الخير ممكن خدمه
نظرت له بغرابة وأجابت بصوت خفيض
= خير في حاجه .
هز رأسه بالإيجاب متردد وتحدث محاولة شرح أسبابه لاقتحامه الى خصوصيتها
= بصراحه انا كنت بدور على اي حد معايا في نفس السنه بتاعتي انقل منه المحاضرات اللي فاتت، اصل انا داخل متاخر و مش بحضر كل المحاضرات بسبب مشغولياتي.. وفي نفس الوقت ما عنديش اي اصحاب هنا انقل منهم فانا متهيالي أن لمحتك معايا في نفس المدرج، فيعني لو ممكن انقل منك المحاضره اللي فاتتني النهارده .
أجابته بنبرة عادية وهي تهز كتفيها
= ماشي ما فيش مانع اتفضل، بس ياريت بسرعه عشان مستعجله ومش هينفع بصراحه اسلفه ليك.. لان برده مش باجي كل المحاضرات واحتمال ما شافكش ولا اعرف اخده .
هز الآخر رأسه بإيماءة ظاهرة وهو يجيبها بلهفة
= لا هنقل هوا ما تقلقيش، شكرا أنا مش عارف أقولك ايه!
أشارت بكفها قائلة بهدوء
= ماتقولش حاجة! اتفضل.
جلس أمامها بسرعه واخذ منها دفترها و بدأ أن يكتب المحضرة، ثم هز رأسه هاتفًا باستفسار
= هو انتٍ لا مؤاخذه في الكلمه يعني، شكلك زيي داخله متاخره اصل انا عندي ٣٠ سنه و انتٍ لسه قايله مش بتيجي كل المحاضرات زيي وانا فعلا مش بشوفك كتير.
ابتلعت ريقها بتوتر، لأنها لا تريد أن يعرف أحد عنها شيئًا هنا. فربما يعرف عائلتها بالصدفة ويذهب ليخبرهم. حاولت أن ترد بثياب
= ايوه فعلا اضطريت ادخل متاخر بسبب ظروف.
وضع كفه على الكف الأخـر محدقًا أمامه في دفترها بتركيز عندما توقف عن الكتابه قليلا ثم تمتم باهتمام
= انا كمان دخلت متاخر بسبب شغلي! انا أصلي بشتغل في تصليح العربيات عندي ورشه على قدي، بس بالنسبه لي برضه العلام مهم حتى لو راجل كسيب ومش محتاجه في حاجه.. ما اصل انا برده بعد التخرج مش هشتغل بالشهاده بس اهو الإسم معايا شهاده واحطها عندي في البيت وابروزها .
زاد انبهارها به وهي تسأله بفضول
= بجد! وبتعرف توفق بين الاثنين الشغل والدراسه
انعقد ما بين حاجبيه مرددًا بعبوس
= في الاول الموضوع كان صعب شويه، حتى فكرت أتراجع وكل اللي حواليا احبطوني و قالوا لي يعني بعد ما تتخرج هتعرف تطلع الفلوس اللي بتطلعها دلوقتي بصراحه كان معاهم حق بس انا برده صممت ان لازم اكمل علام.. و دلوقتي الكتب معايا ملازماني طول الوقت في الورشه اذاكر واشتغل .. برده العلام بيخلي الواحد ملوي هدومه و يفتح الدماغ
مش كده
هزت رأسها بإيماءة واضحة وهي تقول بحسرة
= هاه اه معاكي حق.. بس المشكله بقى مش كل الناس بتشوف الموضوع كده
لوي ثغره بابتسامة خفيفة، فرد بصوته الخشن
محاولة تدعيم رأيها
= معاكي حق خصوصا يعني واحد ذيي شغال في منطقه شعبيه وكل ما حد يعرف الموضوع ده بيفضل يتريق ويستخف في دمه عليا بس انا بعرف اوقفهم عند حدهم
زم فمه للجانب وأضاف متسائلاً
= هو انتٍ دخلتي متاخر ليه بتشتغلي زيي!
هزت نافية وهي تجيب بنبرة مرتبكة
= آآ لأ مش بشتغل ظروف عائليه كده اضطرتني اوقف فتره وبعد كده رجعت.. هو انت خلصت نقل .
هز رأسه هاتفًا بصوت أجش خشن مع ابتسامة لطيفة
= قربت أهو، بس ما تعرفناش محسوبك اسمي محمود رجب اجدع صنايعي في الحته عندي، وانتٍ أسمك ايه
تنهدت بسمة بإرهاق ولوت ثغرها بابتسامة تهكمية وهي تنظر إليه نظرة إعجاب لم تكن اعجاب بمظهره فكان مظهره عاديا جدا وليس وسيم بالمره حتى طريقة حديثة من الواضح بانها خشنه ولم يفقى شيء عن التحدث بطريقه لبقه، لكن لا تنكر اعجابها بطريقه تفكيره التي كانت تتمنى أن تكن نفس طريقه تفكير معاذ زوجها! افضل من ان كانت تكذب عليه وتخفي اسرارها، فا صفاته التي كانت تتمناها به! يحترم فكره التعليم مهما كان العمر والظروف؟ وفي نفس الوقت يتحمل المسؤوليه والأهم يعمل..
أبتسمت بسخرية مريرة عندما تذكرت رفض معاذ للعمل والشخص الذي امامها يعمل ويدرس في نفس الوقت!؟ فليت ذلك الشخص نفس صفاته بزوجها لكان تغير حالها الآن إلي الأفضل من أن تتزوج شخص عديم المسؤوليه. بكل شيء!
هزت رأسها بغضب عندما أدركت أنها فقدت عقلها إلى هذا الحد، ثم تمتمت مع نفسها بضجر
= وبعدين بقي! هو انا كل واحد هلاقيه كده هفكر فيه بالشكل ده واعمل مقارنه بينه وبين معاذ؟.
ثم حمحمت وهي ترد بصوت منخفض
= أسمي بسمة .
اتسعت ابتسامته وهو يعطيها دفترها قائلاً بامتنان
= عاشت الاسامي يا ست البنات اتفضلي الكشكول اهو وتشكري وليكي عندي جميله لو احتجتي حاجه يعني مني كده ولا كده.. تعالي اطلبيها مني وما تتكسفيش .. ان شاء الله حتى لو عندك عربيه بتاعه حد قريبك هاتيها وانا اصلحها لك حتى لو مشغول افضلك!. اصل ما بحبش يبقيلي جمايل عند حد من غير ما اردها .
نهضت من مكانها بتثاقل لتتحرك بخطى متريثة وهي ترد باختصار
= ربنا معاك ويعينك عند أذنك!.
❈-❈-❈
مر أسبوع آخر وكان منذر مستاء جدًّا من نفسه فهو أكد إلي ضحي بأنه سيبقى معها كما وعدها قبل الزواج وسيخرجها كل يوم ليحظيا بوقت ممتع، إلا أنه منذ ما يزيد عن أسبوعين يعجز عن إيجاد وقتا للخروج لمكان بسيط
فوالده عاد كالسابق يحمله كل مسؤوليه العمل بمفرده! فهو الوحيد الذي يعرف كيف يتعامل مع العاملين بحكمه وهدوء بالاضافه الى أن بعض الزبائن يأتون اليه دون عن غيره مخصوص. بسبب مهاراته بالعمل وأسلوبه. لكن مع ذلك لم يعترف والده بذلك.
لذلك هو لم يجد وقت يقضيه مع ضحى حتى لا تمل وتتركه و والده لا يري ذلك أيضاً بانه أصبح الآن متزوج ويحتاج ان يحظى بوقت ممتع مع عروسته، ولم يعد بمفرده كالسابق!
لكن ضحي أكدت له بأنها لا تمانع من تأجيل هذا الخروج إلى وقت أخر حتى لو بعد أشهر فهو يعود كل ليله متعباً جدًّا أمامها طول الوقت.. لذلك لا تريد ان تحمل عليه أيضاً.
لكنها شعرت بالضيق قليلاً وهي تراه يتحمل المسؤوليه كامله بمفرده دون راحه، ولا يساعده أحد؟ فمعاذ أيضا أصبحت تراه أكثر الوقت في منزل والده دون ان يفعل شيء مفيد وهذا أثر استغرابها بشدة.
عاد منذر مبكراً اليوم بصعوبه فوالده لا يرغب أن يرحل ويترك الوكالة له، فقد جرب هذا الوضع لمده أسبوع ولم يعرف يسير اموره بمهاره و بأسلوبه اللين مثل منذر، توجه إلى الداخل فوجد باب المرحاض موصدًا، وسمع هدير الماء يأتي من الداخل فتأكد من وجود ضحي به، ثم تحرك نحو المطبخ ليعد مشروبًا يروي عطشه.
وبعد دقائق انتهت ضحي من الاستحمام و كعادتها المعروفة لم تهتم بمظهرها ففتحت باب المرحاض مرتدية قميصًا منزليًا ذو حملات رفيعة من اللون الأسود يكاد يصل إلى ركبتيها وشعرها المبتل ملتفًا بمنشفة قطنية، كانت تسير بلا اكتراث نحو غرفة النوم معتقده أن منذر في العمل لتلقي نظرة خاطفة على ملابسها ولم تنتبه لوجوده بالمنزل!
أما هو لمحها وهو عاد من المطبخ وهي كانت تسير بدلال ناعم يلهب المشاعر ويؤجج العواطف، تجمد في مكانه واقفًا ليحدق فيها مدهوشًا رغم كونها ليس المرة الأولى التي ينظر لها بجرأة بعد زواجهما إلا أنه انزعج من خروجها أمامه مرتدية ثيابًا كاشفة لأجزاء من جسدها، وخصوصاً أنه اخبرها الوضع جيد وما فيه! فليس هناك داعي لما تفعله؟ فلم يعرف هل تفعل ذلك معتمده حتى تتأكد من صدق حديثه؟ أم صدفة.
التفتت ضحي عفويًا برأسها للخلف وشهقت مفزوعة و وضعت يدها على مفاتنها تخبئها صائحة بتفاجئ
= منذر انت هنا من امتى؟
جحظت عيناها بصدمة جلية عندما أدركت ذلك الموقف الحرج الذي وضعت في نفسها…
بينما ساد صمت طويلاً وملامحه كانت جامده غير مقروءه حتي جعلها تخجل من نظراته الغير مفهومة وشعرت بأنها عارية أمامه، نزعت سريعًا منشفتها القطنية عن شعرها المبتل لتغطي به كتفيها لم تعطه المزيد من الوقت ليتأملها.
لتقع عينيه على وجهها الذي غطته خصل شعرها المبتله، حيث أظلمت نظراته واشتدت قتامته بحده! ظنت ضحي أن هناك خطب ما من صمته المريب فتساءلت بتوتر
= إيه!.
تقدم خطوه للإمام ليضع كفه على القائم الخشبي للتخت، ثم تصنع ابتسامة وهو يجيبها بتماسك رغم العواصف الدائرة بداخله
= مش هقدر أو بلاش يا ضحى صدقني انا مش بكذب عليكي لما قلت لك ان انا مش هقدر المسك وما لمستش حتى مراتي الأولى. وانا ما عنديش مانع اجرب معاكي زي ما جربت مع غاده عشان تصدقيني، بس النتيجه هتكون واحده.. وانا كمان نفسيتي بتتعب أوي من الموضوع ده لما بفشل فيه .
نظرت له بعينين متسعة كاتساع ما بين السموات والأرض طالعته مصدومة، فقالت بدهشة أصابتها في مقتل
= انا ما قصدتش حاجه ولما طلعت كده عشان فكرتك مش موجود في البيت
هز رأسه بجفاء بعد أن تلاشت ابتسامته الزائفة
مردفًا بحرج شديد
= اه تمام يبقى الغلط مني عن اذنك .
تحرك منذر للرحيل من جانبها لكن تحركت هي من مكانها خطوه وشكلت دون وعي بجسدها حاجزًا أمامه لتمنعه من الانصراف، لينظر لها باستفسار لتهتف هي بارتباك كبير
= ثانيه واحده!.
دنا منها لتتقلص المسافات أكثر بينهما، ازدردت ريقها بحرج كبير وهي تتسائل بشك
= هو معنى كلامك اللي قلتهلي من شويه انك عرفت أنك مش بتعرف الـ آآ تمارس العلاقه الزوجيه يعني إلا لما جربت مع مراتك القديمة وما رحتش تكشف عن دكتور ؟!.
تجهمت قسماته فجاء بتصلب وهو يرد بانفعال ملحوظ
= انتٍ اتجننتي عاوزاني اروح اكشف عند دكتور وافضح نفسي بنفسي! مستحيل طبعاً.
** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى