رواية بيت البنات الفصل الثاني عشر 12 بقلم أمل صالح
رواية بيت البنات الجزء الثاني عشر
رواية بيت البنات البارت الثاني عشر
رواية بيت البنات الحلقة الثانية عشر
– مرات عمك هي اللي عملتلنا العمل ونرمين محبوسة جوة.
توسعت عيناها وهي تردد من خلفها بصدمة وعدم تصديق: مرات عمي!! طنط منة!!
ولم يكن حال البقية يختلف عنها كثيرًا، وبالاخص حامد وعائلته اللذين لم يفهموا الأمر برمته، فعن أي سحرٍ يتحدثون؟! ولماذا ستفعل زوجة أخيه شيئًا كهذا؟! الكثير والكثير من الأسئلة كانت تدور في عقول جميع الواقفين بالخارج.
ازداد صوت التحطيم والصراخ وازداد معهم قلقهم على مَن بالداخل، لم يكن صراخ نرمين بل صراخ منة، نظر توفيق لحامد وتحدث وهو يبتعد عن زوجته وبناته مقتربًا منه: هنزل اجيب العدة بتاعتي من تحت ونشوف هنعرف نكسر الباب ده ولا إيه.
تركه وهبط سريعًا للأسفل بينما اقتربت شهيرة من وجيهة التي تقف أمام الباب ساهمة شاردة، تفكر لما تفعل منة بهم هذا؟؟ بماذا أجرموا كي يلاقوا كل هذا الأذى بإنسانة لم يعطوها سوى حبٍ ولطفٍ.
لكزت شهيرة – والدة الشباب – وجيهة بكتفها فالتفت لها الأخيرة، سألتها بحاجبين معقودين وهي تحاول تكذيب ما نطقت به ندى: ايه اللي حصل يا وجيهة! جبتوا الكلام ده منين؟!
ابتسمت السيدة وجيهة بشيء من الألم الناتج عن صدمتها بتلك التي كانت يومًا صديقة مقربة، أجابتها والدمع بعينِها يأبى الخروج: والله يا شهيرة أنا ما فاهمة حاجة!
أشارت لبناتِها اللاتي اجتمعن معًا على السلم بصمت وكل واحدة منهم شاردة بتلك الأحداث التي باتت جزء من حياتهم، وكأنهم قد كُتب عليهم الوجع والقهر طوال حياتهم!
تحدثت: نرمين بنتها بعتت للبنات يلحقوها فجأة وعلى ما حد من البنات قال سمعنا صوت الصريخ والتكسير ده، طلعنا كلنا جري يكون حصل حاجة هم برضو حريم ولوحدهم..
نظرت للأرض وهي تتابع وتلك الجملة التي نطقت بها منة صارخة عادت لتتكرر في أذنها من جديد: لقيناها بتزعق وبتقول أيوة عملت لعمك وعياله سحر، وأيوة عملت لفلانة وعلانة واتضح إنها عاملة حاجات كتير وحشة اللهم اعفينا.
كانت تستمع لها شهيرة بصدمة لم تقل عن صدمة الشباب اللذين استمعوا لها، زوجة عمهم!
تلك السيدة الودودة التي قلما رأوها!
بحثت عين سامر عنها بين أخوتها حتى وجدها تجلس بالنهاية السلم فوق بمفردها، كانت تخبئ وجهها بين قدميها بينما يهتز جسدها من البكاء، ود لو تخطى كل هذا الجمع وصعد ليجلس بجانبها، يعانقها ويخبرها أن كل شيء سوف يكون على ما يرام، أنا هنا لا تقلقي!
لكنه لا يستطيع حتى القيام بأي شيء، يمكنه فقط الوقوف هكذا والمشاهدة بصمت كما البقية.
تنهد بضيق وهو يبعد نظراته عنها ليقترب من الثلاثة فتيات متحدثًا بنبرة هادئة قل ظهورها مع شخصيته المرحة الضوضائية وهو يوجه حديثه لجنى التي كانت تقف مستندة على الحائط بجانب السلك: خدي أخواتِك يا جنى وانزلي، وجودكم دلوقتي ملوش لازمة وإحنا مش فاهمين إيه اللي بيحصل جوة ولقدر الله ممكن تكون طنط منة مش في وعيها فعشان محدش فيكم يتأذى انزلوا أنتوا.
رفعت بسملة وجهها فظهر احمرار عينها الناتج عن بكائها، وقفت مردفة وهي تنظر لوالدتها بجمود وثبات: أنا هنزل أكمل لَم هدومي وحاجتي أنا وبسنت.
ودون أن تستمع لرد أحد هبطت السلالم بسرعة البرق متجهة لمنزلهم بالأسفل، لحقت بها نظرات الجميع الذين لم يخفى عنهم تلك الدموع بعينيها.
نفى سامر برأسه وهو يعلم كل العلم أنها تكابر كعادتها، تكابر كي لا تُظهر ضعفها، تكابر كي لا يَظهر حزنها، تكابر في كل شيء!
لحق بها سامر لا يريد تركها بهذه الحالة التي قد تمرضها مرة أخرى وزوج من العيون تتابع ما يحدث بفضول وعدم فهم.
– بسملة!
نادى سامر ليستوقف ركضها وهروبها من الجميع، توقفت أمام البيت وقد كانت على وشك أن تدخل، التفت له دون أن تجيب فوقف أمامها عاقدًا ذراعيه أمام صدره: تاني يا بسملة؟ تاني!
اهتزت عيناها وهي لا تنظر له تردد بعدم فهم أجادت اصطناعه: تاني ايه؟
زفر وهو يوضح لها مقصده: أنا اتكلمت معاكِ قبل كده وقولتلك إن الحساسية والتعب الجسدي اللي أنتِ فيه ده سبب كتمانك وعنادك في كل حاجة في حياتِك، على الأقل عيطي لما يكون لازم تعيطي!!
كان حديثه بمثابة ضغطة فوق زر جعلها تنهار باكية ولم تعد لها القدرة على تحمل كل هذا بمفردها، نظر لها بشفقة وهو يعلم أن كل هذا البكاء ليس سببه ما حدث وإنما هناك ما هو أكبر، ولكنه رغم هذا استرسل بنبرة هادئة: الكتمان ده ممكن يأذيك بشكل أنتِ مش متخيلاه والله، مش لازم تتكلمي مع حد لو عايزة تفضفضي، وأنتِ بتصلي كلمي ربنا وصدقيني هترتاحي جِدًّا وإسال مجرب..
قال الأخيرة بنبرة يشوبها مرحه والذي تابع حديثه به وببسمة واسعة: دانا كل شوية أروح اصلي عشان بس لحظة السجود دي، بفضل بقى أدعي على طارق ومجد وأقول يارب يا تاخدهم يا تاخدهم ويارب أتجوزها عشان هموت وأحضنها….
صدق بالأخيرة فرفعت وجهها الذي أغرقته الدموع تسأله بصوتها المتحشرج: هي مين؟؟
توسعت عيناه وهو يدفعها للداخل: دا اللي لفت نظرك يا سوسة؟؟ خشي خشي أنا كدا اتأكدت إنك بقيتي تمام.
ولجت المنزل وأغلقت الباب خلفها بعد أن رسمت شبح ابتسامة على وجهها وهي تتجه لغرفتها، لطالما كانت العلاقة بينها وبين سامي أقوى بكثير من باقي أخوته، لأنه الأصغر في عائلته وكذلك هي فكانا على وفاقٍ بسبب تقارب عمريهما.
لم يجعل ذلك القرب العلاقة بينهما أكثر من مجرد أخوة أو رفاق، فلقد ربى والديّ الاثنين على أنهم السبعة ليسوا سوى أخوة، ومن يعلم! فربما يتغير هذا بالمستقبل القريب!!
التفت سامر ليصعد للأعلى مرة أخرى فرأى في وجهه مجد الذي طالعه بحاجب مرفوع وبدى وكأنه استمع للحوار بينهما، ابتسم سامر ابتسامة واسعة مغيظة فقابله الآخر بملامح جامدة وهو يقترب منه: راحة فين هي وبسنت؟؟
قطب سامر جبينه بعدم فهم وهو يكرر من بعده: هيروحوا فين؟؟
تنهد مجد بضيق وهو يعيد صياغة سؤاله بشكل آخر: يابني مش هي قالت إنها هتنزل تلم هدومها؟!! هي راجعة الكلية تاني ولا ايه؟؟
ظهرت الحيرة في عيني سامر الذي نسى تمامًا أن يسألها عن هذا، وفهم ذلك مجد الذي نفى برأسه وهو يتحدث ساخرًا: يعني وقفت تديها موشح طويل عريض عن أضرار الكتمان ومفتكرتش تسألها عن الحاجة المهمة، دانت حنين جِدًّا ياخي!
جز سامر على أسنانه لتلك السخرية الغير مبررة ورد عليه من تحت أسنانه: بقولك ايه يا مجد، أنت شاغل بالك ليه برواحهم ومجيتهم هيفيدنا بإيه نعرف حاجة زي كده، بعدين أنت مالك بالكلام اللي دار منها؟؟ المفروض لو سمعت حاجة بالخصوصية دي تعمل نفسك ماسمعتش.
رفع حاجبه وبإبتسامة مستهزئة – ليست من شيمه – ردد: بالـ إيه؟؟ خصوصية! أنت وبسملة بينكم خصوصية؟؟
حاول سامر أن يتمالك أعصابه أمام ذلك التهكم مذكرًا نفسه أن من أمامه هو شقيقه الأكبر، كما أن نظراته الغاضبة كانت تحمل شيئًا من عدم الفهم والإستغراب؛ فمجد ليس من صفاته تلك السخرية والاستهزاء ولم يسبق له أن تدخل بما يخص بنات عمه بهذا الشكل والآن وفجأة يسأل عن المكان الذي ستذهبان له!
أغمض سامر عينيه وفتحهما بعد أن زفر بقوة ليتحدث وهو يتخطاه للأعلى: خبط عليها واسألها يا مجد، طالما بتاكل في نفسك كده وهتموت وتعرف هي رايحة فين.
نظر مجد لباب شقة عمه توفيق وردد بسخرية: باكل في نفسي وهموت وأعرف هي فين؟؟ ليه إن شاء الله!
وصعد هو الآخر رغم فضوله لمعرفة ماذا جرى بينها وبين عائلتها بعدما حدث ما حدث بينهما، تُرى هل أخبرتهم؟! ماذا عن أمر لملمة ملابسها؛ أستعود لسكن الكلية؟؟ كما لو أن شيئًا لم يكن؟!
توسعت عيناه وارتفع حاجباه وقد تذكر ذلك الشاب الذي من الواضح انها كانت تلتقي به في الجامعة، هل ستعود لأجله؟!
عند تلك النقطة عاد أدراجه للأسفل مرة أخرى، قابل في طريقه عمه توفيق الذي كان يحمل بين يديه حقيبة من المعدن مخصصة لبعض الأدوات كالمفكات والمسامير وغيرها.
صعد توفيق وهبط مجد.
وقف أمام الباب، يحاول أن يلتقط أنفاسه المُهدَرَة في الركض، تنهد وهو يرفع يده ليطرق الباب..
بالداخل، جلست فوق الفراش تستند بكفيها عليه بينما تنظر للأرض بشرود بعد أن خلعت ذلك الخمار الكبير الذي كانت ترتديه، كلمات سامر عن البوح بما يجوش بالصدر لرب العالمين جعلها تشعر بغصة مؤلمة.
بعد كل هذا البعد عن الله هل سيتقبل توبتها؟؟ هي حتى الآن لم تشعر بالذنب لما فعلت! وهذا ما يقلقها!! هي فقط خائفة من والدها …. ومن مَجد.
رفعت وجهها مع طرقة الباب فوقفت وفتحته على مصرعيه ودخلت دون أن ترى الطارق ظنًا أنه أحد أفراد عائلتها، لكنها انتفضت بفزع ما إن صُفع الباب وغلق مرة أخرى!
التفت مرة أخرى فلم تجد أحد!
اقتربت من تلك الدائرة التي توجد أعلى الباب والتي توضح لها رؤية من بالخارج فصدمت بمجد!
نظرت لنفسها ولتلك المنامة البيتية التي ترتديها بصدمة وقد فهمت سبب إغلاق الباب من جديد، هرولت للداخل وهي ترتدي الخمار مرة أخرى بينما تتمتم مع نفسها: إن شاء الله ماشافش حاجة!
بالخارج، وقف يغمغم بغضب بعد أن فتحت له تلك الغبية دون أن ترى هويته: يخربيت غباءها!
فتحت له مرة أخرى والغضب مرتسم على وجهه بالكامل فتحدث بغضب لا يقل عن غضبها شيئًا: إيه! أنتِ أي حد بيخبط بتفتحي وخلاص؟!
– وأنا إش عرفني إن البيه هينزل يخبط وأنا بس اللي في البيت، أنا فكرت حد من اخواتي أو ماما، بعدين أنت مالك!
– مالي ازاي أنتِ عبيطة يا بسملة! مينفعش لا أنا ولا غيري نشوفك كده، حرام يا أمي حرام!
عقدت ذراعيها وهي توميء له بالامبالاة: ماشي، نعم! جاي تهددني إنك هتقول لبابا وتفضحني؟
رأت ارتفاع صدره فجأة قبل أن يزفر بغضب وهو يسألها من بين أسنانه: لأ جاي أقولك ده مين، وأنتِ راجعة الكلية ليه دلوقتي؟؟ عشانه؟!
قاطعته قبل أن يتابع اتهاماته الباطلة والمؤلمة: اخرس، اخرس خالص يا مجد عشان كلمة كمان مش هسمحلك..
تابعت بدموع وهي تبرر له متمنية أن يسمعها حتى النهاية: أنا مش وحشة للدرجة، أنا مقابلتوش غير مرتين بالظبط والمرتين كانوا في كافتريا الكلية وقدام الكل، عمره ما لمس ضافري حتى ولما شوفتني معاه والله والله والله ما كنت اعرف انه هيعمل كده ولا كنت أعرف ان الشارع كده..
أشارت للسلالم عاليًا بإنهيار: عايز تقول لبابا؟؟ اطلع قوله مش فارق معايا أنا كده كده عارفة هو هيعمل إيه..
تنهد بضيق وهو ينظر لها، لم يعرف أيواسيها أم يعاتبها على فعلتها الخاطئة من البداية، تحدث بثباث أجاد اصطناعه وكأنه لا يعبء بها أو بتلك الدموع التي تنهمر فوق خديها، رغم أن بداخله تحرك شيء هل تألم لبكائها؟!!!
– عايز إسمه وساكن فين، ومتسأليش ليه.
مسحت وجهها وهي تسب نفسها داخليًا على تلك الدموع التي هبطت أمامه، على ذلك الضعف الذي لم يرها أحدًا به من قبل، أجابت وهي لا تنظر له: عمر محمد عمر، ساكن في ** العمارة ٧٣.
ما كاد يجيبها حتى تفاجئ كلاهما بطارق أخيه يهبط السلالم يحمل بين يديه زوجة عمه منة الفاقدة للوعي والتي كانت الدمـ..ـاء تسقط من رأسها كقطرات المطر في بدايته.
لحق به مجد ودقيقة وكان يهبط خلفهما سامر والأخين حامد وتوفيق..
بالمشفى الحكومي، كان يسير في ممر المشفى لغرفة مكتبه بعد أن أرسل الصغيرة للبيت، توقف في مكانه فجأة عندما انقطعت الكهرباء.
قلب عينيه بضيق وملل، فها هي تعود لتقطع للمرة الثانية بنفس اليوم، بدأ العمال بالتحرك سريعًا لتشغيل ذلك الماتور الذي يعيد الكهرباء حرصًا على سلامة المرضى الذين يعيشون على الأجهزة الطبية.
وما كادوا يفعلون حتى عادت الكهرباء مرة أخرى.
ولكن ما لبث أن مرت دقيقة حتى انقطعت مرة أخرى، تكرر ذلك لأربع مرات متتالية، تنقطع وتعود بعد دقائق لتنقطع مرة أخرى!
التفت عثمان ناحية صوت صراخ القادم من إحدى غرف المشفى، صوت الصراخ كان عاليًا لدرجة عالية، وكأن شخصًا فقد لتوه حبيب غالي.
وقد كان تخمينًا صحيحًا، ماتت أحد المرضى بسبب الكهرباء، ماتت بعد أن تسرب لأهلها أمل بأنها ستبقى على قيد الحياة، فارقتهم بسبب الكهرباء!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بيت البنات)