روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الجزء الثامن والثلاثون

رواية صرخات أنثى البارت الثامن والثلاثون

رواية صرخات أنثى
رواية صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الثامنة والثلاثون

أزاح عنها كنزتها برفقٍ، ويدها تتشبث بكتفيه تكبت صرخاتها، دموعها تنهمر دون توقف، فهمس لها بصوته الحنون:
_تحملي قليلًا.. سأنتهي سريعًا أعدك بأن ذلك لن يؤلمك.
هزت “آديرا” رأسها إليه، ما تجهله هي بأنها أصبحت تكن له ثقة لم تضعها يومًا بعمها المخيف هذا، حمل “أيوب” القطنة البيضاء وغمسها بالمطهر ومن ثم مررها على جرحها برفقٍ، غمست أظافرها بكتفه وهي تصرخ ألمًا.
أغلق فيروزته يحتمل إلتحام أظافرها الحادة بلحم كتفه مسببة له إصابة دامية، وكأنه تود أن يشاركها ألمها ، احتمل واستكمل ما يفعله حتى عقم جرح كتفها الأيسر وفور أن انتهى وضع اللاصق الطبي ليضمن نظافة الجروح وعدم تلوثها.
جذب “أيوب” كنزتها الملقاة أرضًا ثم عاونها على ارتدائها مرة أخرى، وحملها للفراش لتحصل على راحة أكبر من بقائها على هذا المقعد، استدار ليغادر المطبخ فاعتدلت “آديرا” سريعًا حينما لاحظت بقع الدماء الخافتة المحيطة بكتف أيوب من الخلف، ما أحدثته أظافرها الحادة كان محرجًا لها للغاية، فنادته على استحياءٍ:
_أيوب.
توقف عن استكمال طريقه واستدار لها فقالت بحزنٍ:
_آسفة لم أقصد أن أؤلمك.
خطف نظرة سريعة لكتفه ثم قال وعينيه تتحاشى التطلع لها:
_لا عليكِ.. أنا بخير.
وترك الغرفة وإتجه للمطبخ يعد لها عشاءًا سريعًا، فجذب الشطائر ومرر عليها بالسكين الجُبن وصنع لها كوبًا من الحليب ومن ثم عاد إليها يضع الصينية على الكومود ومن جوارها الأدوية والمياه قائلًا:
_تناولي طعامك ولا تنسي الدواء.
جذبت الصينية إليها تلتهم ما بها بنهمٍ جعله يشعر بتأنيب الضمير، غادر أيوب غرفته وإتجه لحمامه الخاص يغتسل ومن ثم فرض سجادته وأدى صلاته بخشوعٍ تام، وحينما انهاها جلس أرضًا منهمكًا، وكل ما يجوب خاطره أخر كلمات تركها له صديقه، السر الذي وضعه بين صدره وتركه ورحل بمنتهى البساطة!
زحف بجسده حتى وصل لخزانة صغيرة موضوعة بالغرفة، جذب منها حقيبته التي يرتديها على ظهره حينما يذهب للجامعة، فتحها أيوب وأخرج منها ذاك الدفتر المدفون بكتاب صديقه الخاص وأخر ما يتردد له سماع صوته ووصيته
«أيوب حينما تشعر بأن آديرا قادرة على تقبل الحقيقة التي أخبرتك بها فسلمها ذلك الدفتر، وحينها سيكون أمامها خياران، أما أن تظل مستعمرة من قبل ذلك النَّجِسُ، وأما أن تسلك الطريق الذي سلكته أنا لألحق بمن ضحت بكل شيء لأجلي ولأجلها!.»
تشنجت يده على ما يحمله حينما فُتح الباب من أمامه وطلت آديرا منه، فدث أيوب الدفتر العتيق داخل الكتاب الخاص بصديقه وأعاده للحقيبة، بينما وضعت آديرا الصينية المتبقية بالطعام جانبًا وخطت إليه بخطواتٍ متهدجة تحتمل بها آلآم جسدها هاتفة بصوتٍ باكي:
_الكتاب الذي كنت تحمله يخص أخي! لطالما رأيته معه… أنا أريده من فضلك!
أعاد أيوب الحقيبة للخزانة وأغلقها مرددًا:
_ليس الآن.
استندت على الحائط واقتربت منه تتوسل إليه ببكاء:
_أرجوك أنا أريده.. كان أخي يكتب به باستمرار، لعله ترك لي رسالة أو أي شيء!
استدار إليها يخبرها بهدوءٍ:
_سأعيده لكِ بالوقت المناسب.. أعدك.
استسلمت أمام اصراره وهي تعلم بأنه لن يفعل الا ما يريد، فاستدارت لتغادر فإذا بها تحيط بالفراش بتعبٍ، دفعه ليمسك يدها، وعاتبها بضيق:
_ ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟
رفعت رأسها إليه وهي ترى النفور والرفض بملامسته لها باديًا بعينيه، رجفة يده التي تساندها كلما اقترب كانت تؤلمها، وأكثر ما يوجعها بأنها كانت تشعر بأنه مجبورًا على مساعدتها.
انهمرت دموعها تباعًا وسحبت كفها عن يده وهي تستند على الحائط قائلة:
_رأيتك تدخل الغرفة دون أن تتناول طعامك فجيئتك ببعض الشطائر، ولكني سأخرج الآن وأعدك بأنني لن أزعجك أبدًا.
تعلقت بالحائط وتحركت لتعود لغرفتها فكادت بالسقوط لترنح خطاها، حاصر خصرها بذراعه يمنعها من السقوط، وقال:
_دعيني أساعدك.. تحملك على جرحك سيؤلمك بالتأكيد.
ابعدته مجددًا وحاولت بمفردها وهي تهتف باكية:
_ابتعد فحسب… أنا مستعدة لتحمل الألم أهون من رؤيتك تنفر مني لتلك الدرجة.
تركته خلفها مشدوهًا، شاردًا بكلماتها وحزنها البادي على ملامح وجهها الأبيض، فأدركها تغادر الآن غرفته وتستند لتصل لغرفتها.
أسرع أيوب للخزانة، يجذب حقيبته مجددًا والتقط منها عُلبة قطيفة من اللون الأزرق، حملها وأسرع خلفها يوقفها:
_انتظري.
توقفت عن استكمال طريقها دون أن تلتفت إليه، فقال من خلفها:
_ألا تريدين الاحتفاظ بشيءٍ يُذكرك بأخيكِ؟
استدارت له بلهفةٍ، ورددت بسعادة:
_نعم بالطبع أريد ذلك.
قدم لها أيوب العُلبة، فاسندت جسدها للحائط ومدت يدها تلتقط العُلبة وتفتحها بتلهفٍ كبير، وجدت داخلها سلسال فضي اللون، ينتهي بزخرفة على شكل كلمة فشلت بالتعرف عليها، رفعتها إليها تلامس الكلمة باستغراب زوى تجاعيد جبينها وأيوب يتابعها باهتمامٍ، فتقابلت عينيها به وسألته بحيرة:
_بأي لغة كتبت تلك الكلمة؟
ابتسم وهو يجيبها:
_العربية.
رمشت بأهدابها الطويلة بدهشةٍ، فلماذا يترك لها أخيها كلمة عربية هل هي سرية ليجعلها مشفرة صعبة الفهم عليها، فماذا يقصد بكل ذلك؟
اهتدت برأسها لجنسية أيوب العربية، وسألته بنبرة رقيقة:
_هل تعرف تلك الكلمة؟
هز رأسه ببطءٍ، فقالت:
_أخبرني بها.
تمعن بالسلسال لثانيةٍ ثم قال لها:
_س… د… ن…
وبعد أن لفظ حروفها بالانجليزية نطقها لها بالعربية:
_”سدن”.
رددتها من خلفه بحروفٍ منكسرة، تجاهد لنطقها صحيحًا:
_سداان… سن… سدن!
ابتسم وهو يراها تحاول جاهدة نطق الاسم الذي تجهل بأنه اسمها الحقيقي، ومع ذلك حافظ على جموده واتزان قامته قبالتها، ليستقبل سؤالها القادم:
_وما معناه؟
سحب نفسًا مطولًا وهو يخبرها بصدمة ستستقبلها الآن:
_إسمًا معناه خادمة الكعبة الشريفة.
ضيقت عينيها بعدم فهم لما قال، فاستفاض يخبرها:
_الكعبة المشرفة هي قبلة المسلمين في صلواتهم، وحولها يطوفون أثناء أداء فريضة الحج، كما أنها أول بيت يوضع في الأرض وفق المُعتقد الإسلامي، ومن مسمياتها أيضاً البيت الحرام، وسميت بذلك لأن الله حرم القتال فيها، ويعتبرها المسلمون أقدس مكان على وجه الأرض، فقد جاء في القرآن الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ٩٦﴾
صدق الله العظيم.
سرت رعشة مخيفة بجسدها وبدأت معالمها تنكمش بانزعاجٍ، فصاحت بانفعالٍ ظاهري:
_ولماذا قد يترك لي أخي شيئًا كذلك!!
ادعى برائته الكاذبة ورفع كتفيه بحيرة:
_لا أعلم.
وبخبثٍ ماكر قال وهو يمد يده لينتشلها منها:
_إن كنتِ لا تودين الاحتفاظ بها لا بأس سأعديها للحقيبة مجددًا.
أغلقت عليها يدها وكأنه سيتنزع روحها منها، أخر ذكرى تركها أخيها تعني لها الكثير ولن يستطيع أن يأخذه منها:
_لا.. سأحتفظ بها.
ووضعتها حول رقبتها أمامه فابتسم أيوب وتنهد براحةٍ، وحينما وجدها تستدير إليه رسم الثبات والهدوء فقالت:
_لعله كتب شيئًا بمذكراته يخص السلسال، فلتقدمه لي لأرى!
ابتسم على مكرها ومحاولتها لاستمالته لطلبها المتكرر، فقال بحزمٍ تحرر بخشونة صوته:
_انتهينا آديرا.. أخبرتك بأنك ستحصلين عليها بالوقت المناسب.. والآن غادري لفراشك واستريحي.
وتركها وغادر لغرفته يغلقها من خلفه ويتجه لفراشه يجذب كيسًا من البسكويت يتناوله ليسد جوعه، متجاهلًا طعامها الموضوع لجواره، يموت جوعًا ولا يمس طعامًا لمسته يدها، نعم يفعل ما يضطر لفعله ولكن إن تركت طريقها هذا ربما حينها سيتبدد داخله ظاهرة الاشمئزاز التي تنتابه دون ارادة منه!
*********
طرق باب الغرفة قبل أن يطل بوجهه من خلفه متسائلًا ببسمة جذابة:
_حبيبة قلب أخوها صاحية ولا نايمة؟
اعتدلت شمس بفراشها وهي تخبره ببسمتها الساحرة:
_صاحية يا دكتور.. اتفضل.
ولج علي للداخل يستند على خزانتها الوردية وهو يمنحها نظرة حنونة، تتشبع من معالمها وكأنها ستفارقه غدًا.
وضعت شمس حاسوبها وكتبها على الكومود واعتدلت بجلستها تتساءل بدهشة:
_في حاجة يا علي؟
ربع يديه أمام صدره الصلب وأجابها:
_بحاول أشبع منك.. مهو انتِ هتفارقيني مرتين مرة بعد كتب كتابك ومرة تانية بعد فرحك.. بالمناسبة أنا اديت لآدهم جواز سفرك علشان يحجز تذاكر السفر للقاهرة الاسبوع اللي جاي، أنا كمان نازل بعدكم بيومين فربنا يصبرني بقى لحد ما أجيلك.. ورجوعنا هيكون مع بعض لحد ما تمتحني وننزل كلنا عشان الفرح.
ابتسامة مشرقة اتسعت على ثغرها وهي تتخيل مرورها بكل تلك الاحداث مع حبيبها الذي احتل كل ذرة داخلها، وتمكن أخيها من رؤية حبه الذي فاق حد النخاع، فتنحنح ليجعلها تنتبه إليه، فقال:
_نامي بدري علشان آدهم هيجي ياخدك الصبح يجيبلك فستان كتب الكتاب.
وقبل أن تتفوه بحرف رفع يديه باستسلام:
_قولتله إن مفيش داعي بس هو اللي مُصر.. هيكون عندك على عشرة الصبح.
واقترب إليها ينحني طابعًا قبلة عميقة على جبينها قائلًا:
_ربنا يفرحك باللي اختاره قلبك يا روح قلبي… متسهريش كتير نامي وارتاحي.
وتركها وأغلق بابها وهو يهتف:
_تصبحي على خير.
غادر علي وتمددت هي على الفراش تحتضن ذاتها بفرحةٍ، ومن ثم نهضت ترفع جسدها وتقفز على الفراش مرددة بحماسٍ:
_هشوفه بكره!!
********
انتظرته كثيرًا وقد تأخر الوقت، شيئًا ما بداخلها يخبرها بأنه ليس على ما يرام، جذبت “مايا” اسدالها ترتديه واضعة حجابها على شعرها الطويل بإهمالٍ، فصادف أن لحظة خروجها من الغرفة هي ذاتها اللحظة التي وطأت بها قدم “عمران” أخر درجات الدرج، فابتسمت فور أن رأته، أما هو فهاجمه شعورًا غريبًا ما بين الاشتياق إليها والخوف من فكرة خسارتها الأبدية.
ماذا إن لم ينقذه آدهم من مقتبل تلك الرصاصة؟ ماذا إن تمكن منه شبح الموت فقبض روحه وغادر تلك الحياة؟ بالطبع كان سيفتقدها كثيرًا بل أكثر مما يتخيل، أسرع إليها عُمران يقطع تلك المسافة المتبقية بينهما وبحركةٍ واحدة ضمها إليه، يدفن رأسه بخصلاتها المنسدلة من خلفها.
قدميه تتحرك بها للخلف حتى ولج بها لداخل غرفتهما فأغلق بابها من خلفهما، يتجه للفراش بها ومازالت رأسه تميل على كتفيها، رفعت مايا يديها تحتضنه وسألته بقلقٍ:
_عمران مالك؟
ذراعيه القويتيان يُحاوطانها بشدةٍ، فألتمست حاجته لوجودها بالقرب منه، مسدت على ظهره بحنانٍ، فأحكم من عناقه وهمس في أذنها:
_متبعديش عني خليكِ جنبي… حُضنك بيريحني يا مايا!
قالها وهو يجذبها لصدره بقوةٍ ومال بها للفراش غير عابئ بحذائه وملابسه، أغلق عمران عينيه باستسلامٍ للنوم فتسللت عنه ونهضت تنزع عنه حذائه، وجذبت الغطاء تداثره بقلقٍ يعتريها تجاهه.
تمددت جواره واستندت برأسها على صدره تردد وعينيها تتأمل ملامح وجهه الرجولية:
_لأخر يوم في عمري هكون جنبك ومش هسيبك يا عُمران!
********
دخل غرفته وهو ينزع جاكيته وجرفاته باختناقٍ، خطف نظرة للفراش فوجده مرتبًا، اندهش علي لعدم وجود زوجته فاتجه للحمام يتفحصه وناداها بقلقٍ:
_فطيمــــة!
فركت أصابعها بارتباكٍ وتمتمت بخفوتٍ وهي تختبئ بالخزانة:
_أيه اللي خلاني أمشي ورا كلام مايا وألبس اللبس المحرج ده.. أروح فين دلوقتي يا ربي!!
أسرعت للجزء الخاص بملابسها تبحث عن مئزر لترتديه فطرقت على جبهتها بتذكرٍ:
_أنا لميت هدومي كلها وبعتها مع حاجة فريدة هانم بالعربية أيه الغباء ده!
جابت عينيها خزانة علي فوجدته يحتفظ ببذلة واحدة تركها ليرتديها بالغد وهو يستعد للذهاب للمركز الطبي، جذبت فاطمة جاكيت الحلى وإرتدته سريعًا، في نفس لحظة اقتحامه للخزانة فردد بلهفة:
_انتي هنا يا فاطيما وأنا آ…
ابتلع باقي كلماته حينما وجدها تقف قبالته بجاكيت تحاول اخفاء قميصها الأبيض الظاهر من خلفه عنه، كونها أردت أن ترتدي ثيابًا تريح نومها وإن كانت مغرية هكذا جعلته سعيدًا.
طال صمته ومازال يتطلع لها، فتنحنح وهو يستعيد صوته الهارب:
_إنتِ بتعملي أيه عندك؟
توزعت نظراتها لكل مكانٍ بالخزانة الا عينيه، فحك أنفه وهو يخفي ابتسامته لرؤيتها مرتبكة، خجولة أمامه هكذا، رنا إليها “علي” يجذبها بيده لتقترب منه وانحنى ليصل لقامتها الصغيرة، هامسًا بمكرٍ:
_لابسة جاكت البدالة بتاعتي ليه يا فطيمة؟
لعقت شفتيها بارتباكٍ وقد تلون وجهها كحبات الكريز، فتلعثم قولها:
_بردانة.
ضيق رماديته بشكٍ، ولكنه أراد أن يمشي بكل خطواتها فقال:
_أفتحلك الدفاية؟
هزت رأسها تشير بالنفي، فمال عليها يخبرها:
_رجعتي في قرارك ليه؟ أنا مستهلش إنك تثقي فيا يا فاطمة؟
تعانقت المُقل ببعضها البعض، فسرى إليها رعشة احتلت وجدانها، فأجلت أحبالها الصوتية:
_أنا بحاول عشانك يا علي.
اتسعت بسمته وجذبها لصدره يهمس بحبٍ:
_وده كافي بالنسبالي يا روح علي!
تمسكت به وسحبت نفسًا مطولًا من رائحته، كأنها باتت بآدمانه كالمخدر، وقالت على استحياءٍ:
_ليه ازازة البرفان اللي بتحط منها مبتبقاش بنفس الريحة اللي بشمها أول ما بقربلك!
ضحك مصدرًا صوتًا وقال:
_لإني مش بحط من نوع واحد يا فاطمة.
وأحاطها بقوةٍ وردد لها بصوتٍ مبحوح تأثرًا بعاطفته:
_قولتلك كل ما تحبي تشمي البرفيوم بتاعي احضنيني أنا!
رفع ذقنها إليه ليقابل عينيها، وقال بمكرٍ:
_على فكرة أنا كمان بحب ريحة الشاور بتاعك بس بحاول على قد ما أقدر مبينلكيش عشان متفكرنيش برمي كلام للقرب فتغيريه!
جابهته بنظرة قوية وثبات فجأه:
_ما أنا عارفة عشان كده بأخد دُوش بيه دايمًا.
رفع حاجبه باستنكارٍ، فتعالت ضحكاتها بانتصارٍ تحققه عليه، لانت تعابير وجهه المشدود وهو يراقب ضحكتها التي زادت من جمالها جمالًا، أصبحت كالفتنة التي تستنزف كل قوة داخله للصمود.
وجدته هائمًا بها فتوقفت عن الضحك وقابلته بنظرةٍ عاشقة، رفع علي يده يحيط خدها وبحبٍ قال:
_ضحكتك تجنن! ابتسامتك تغوي القديس!
ودنى إليها يستند على جبينها وهو يستطرد بهمسٍ:
_وأنا بني آدم بيتمنى قربك يا فاطيما.
أغلقت عينيها بقوةٍ حينما سبقها على درب الغرام يطالبها بتتبعه، فحاولت أن تسرع بخطاها لتتمسك بيده، وجدته ينزع عنها جاكيته فتركته وهي تكاد تقتل من فرط الخجل.
حملها علي للفراش، وتمدد جوارها متعمدًا أن يصل عينيه بعينيها، يحاول أن يجعلها ترى نظرات العشق الخامدة داخله، أصابعها تنغمس بين أصابع يدها، عاطفته توازيها فلم يسبقها بخطوةٍ لم تستعد لها بعد!
كان عطوفًا لينًا للغاية، يبرع بقراءة تعابير وجهها باهتمامٍ حتى إذا شعر بأي شيء يبتعد، يخشى أن تنتابها نوبة قاتلة وهي بين ذراعيه يقسم أنه إذا حدث حينها لن يسامح ذاته أبدًا، ولكنه يعلم بأنها مثله تريد أن تجمعهما علاقة عادية مثل أي زوجًا وزوجة، وكونه الرجل عليه أن يسبق بخطوته تجاهها، وكونه طبيبًا يعلم خطورة ما يقدم على فعله ولكنه يتمنى أن شهور علاجه لها تجني ثمارها، نجاح علاقتهما سيحقق نجاحه كطبيبٍ خاض مرحلة علاج كانت شبه مستحيلة.
تشنج جسدها بين يديه جعله يهمس لها بعشقٍ:
_بحبك يا فاطمة… بحبك!
استرخت وعينيها المترقرقة بالدموع تندمج بنظرة عينيه الدافئة، وحينما وجدته يبتعد ليتركها وضعت يدها على صدره مستهدفة موضع قلبه، فابتسم وهو يتمم زواجه بها فعليًا وقولًا حتى باتت زوجة له بعد معاناة قضتها وقضاها هو برفقتها!
*****
صمت الليل وتخفى بظلامه خشية من ضوء الشمس النافذ، تململت بفراشها بانزعاجٍ من صوت منبه الهاتف الذي أعدته للاستعداد للذهاب للعمل، فتحت عينيها فوجدته يغفو قبالتها ويده تحيطها بتملكٍ، ابتسمت فاطمة وهي تتأمله بحبٍ لدرجة جعلتها تتناسى كل شيءٍ، إلى أن استقبل هاتفها رسالة من مايا، فتحتها
«صباح الخير يا طمطم.. يلا استعدي ربع ساعة وهنزل.»
برقت وهي تهمس بصدمة:
_هتأخر من تاني يوم!!
أبعدت الغطاء عنها وهرعت لحمام الغرفة تغتسل وفور أن انتهت طرقت على جبهتها وهي تصيح بانفعال:
_نسيت أخد لبس معايا، أنا مالي كده!!
قضمت أظافرها بعنفٍ، واتجهت تفتح باب الحمام، تتطلع تجاه الفراش فوجدته مازال يغفو بعمقٍ، نادته بخفوتٍ:
_علي… علــي!
اعتدل بنومته على ظهره وفتح عينيه يردد بنوم:
_صباح الخير يا حبيبتي.
اندهش حينما لم يجدها جواره فاتجه ببصره للحمام فوجدها تختبئ وتخبره بصوت احتقن بخجلٍ قاتلٍ:
_معلش ممكن تفتح الشنطة اللي عندك وتخرجلي منها هدوم مناسبة للشركة، أنا اتاخرت ومايا بعتتلي.
منحها ابتسامة جذابة ونهض يتجه للحقيبة قائلًا:
_انتِ تؤمري أمر حبيبتي.
رفع الحقيبة يفتحها، بحث بين محتوياتها حتى انتقى بذلة نسائية من اللون البني، وسحب أغراضها الشخصية ثم اتجه إليها يقدم لها ما بيده، فقالت من خلف الباب:
_علي.
طرق على الباب باستغراب:
_أنا هنا يا فطيمة.. افتحي خدي اللبس!
بحرجٍ عظيمٍ قالت:
_ممكن تغمض عينك؟
تمردت ضحكاته وبصعوبة يقمعها حتى لا يخجلها، فأغلق عينيه وقال:
_حصل.
اشرأبت من خلف الباب تتأكد من أنه يغلقها بالتأكيد وسحبت ما بيده وأسرعت بغلق الباب بوجهه بعنفٍ، فلم يقوى بالسيطرة على ضحكاته التي انفجرت فجأة مرددًا باستنكارٍ:
_حبك أيه في قفل الأبواب بوشي هموت وأعرف!!
واتجه لخزانته يجذب بذلته الوحيدة المتبقية، انحنى يلتقط جاكيتها الملقي أرضًا فعادت إليها ذكريات ليلة الأمس، ابتسم علي ورفع جاكيته إليه يقربه لأنفه، أغلق عينيه بتلذذٍ حينما تركت رائحتها المنعشة أثرًا عليه.
خرج للغرفة ينتظر خروجها ليغتسل ويستعد ليومه المجهد، فما أن خرجت حتى ردد بانبهارٍ:
_ما شاء الله يا فطيمة زي القمر.
ارتبكت قبالته فأسرعت بلف حجابها واتجهت لباب الغرفة تهتف بتلعثمٍ مضحك:
_اتاخرت….أنا معرفش مكان الشركة…. عمران ومايا هيمشوا ويسبوني.. عملت المنبه بس انشغلت بيك ونسيت معاد الشركة.
لطمت شفتيها برفقٍ وهي تصيح بعدم تصديق:
_أيه اللي أنا بقوله ده!
ألقت كلمتها وهرولت راكضًا من أمامه فضحك من أعماق قلبه على ارتباكها البادي أمامه، فاتبعها حتى وصل لدربزاين الدرج يتأملها وهي تركض للأسفل بنظرات حالمة، رؤيتها اليوم بتلك الحيوية والنشاط يزيد من سعادته باتخاذ عمران قرار عملها، وحينما كان شاردًا أتاه صوتًا ذكوريًا من خلفه يردد
_بقالي قرن معاك جوه البيت ده وأول مرة في حياتي أشوفك من غير قميص! بس تصدق طلع عندك عضلات بالرغم من إنك كسول ومبتلعبش رياضة!
استدار علي للخلف فوجد عمران قبالته يتمعن به وكأنه لوحة فنية عرضت على أحد الحوائط، انتبه لكلماته فتطلع لذاته بدهشةٍ، كيف اتبعها للخارج دون أن يعي بأنه لا يرتدي سوى بنطاله الأسود.
أسرع علي لغرفته بحرجٍ، ليس هو ذلك الفتى الجريء الذي يستعرض جسده طوال الوقت، حتى حينما يغفو لا يستغنى عن ملابسه العلوية تحسبًا لدخول شقيقته أو والدته أو حتى أخيه.
تعالت ضحكات عمران المشاكسة، فاتبعه وهو يصيح ساخرًا:
_بتخزى من أخوك يا دكتور!!
أغلق علي باب غرفته بوجهه وصاح به:
_وصل شمس لآدهم تحت وبطل وقاحة على الصبح يا عُمران!
اتسعت ابتسامته واتجه لغرفة شقيقته، طرق بابها وولج فصعق حينما وجد الغرفة بأكملها عبارة عن مجموعة من الأَحْجِبَة والاسكارف، ومن بين تلك الفوضى تظهر شمس بالكد وهي تعقد الحجاب من حول رقبتها بقوة جعلتها تسعل بقوةٍ وتجاهد لالتقاط أنفاسها.
ركض عمران إليها يبعد عنها الحجاب من حولها وهو يصيح بدهشة:
_يخربيتك عايزة تنتحري يا بت!!
التقطت أنفاسها اللاهثة وهي تجيبه بصعوبة:
_وحياتك أبدًا يا عمران.. بحاول أتحجب بس الطرحة مش راضية تثبت!!
جحظت عينيه صدمة، فوزع نظراته بين لبسها المحتشم والحجاب القابع بين يده ثم ردد بسخرية:
_بركاتك يا سيادة الرائد!
وتنحنح بخشونة يخبرها:
_وماله ده شيء يسعدنا كلنا بس إلبسي بعقل بذمتك عمرك شوفتي واحدة بتلف الحجاب حولين رقبتها شبه اللي لافة حبل المشنقة كده!!
هزت رأسها بنفي، واتجهت للفراش تجلس عليه بارهاق:
_هعمل أيه بحاول وفشلت.
وضع حقيبته الصغيرة على السراحة، وجاب الغرفة بعينيه حتى سقطت نظراته على اسكارف صغير أسود، فجذبه وألقاه بوجهها قائلًا:
_أعتقد ده بيتلبس الأول.. بشوف مايا بتعمل كده!
التقطته منه بابتسامة واسعة، وقفت شمس أمام المرآة ترتدي ما بيدها، مسح عُمران على وجهه بعصبية:
_صبرني يا رب.. أنا بحاول أكون محترم مع الناس بس هما اللي بيجرجروني للوقاحة ولساني الطويل.
واتجه إليها يجذبها من شعرها البني الطويل المنسدل خلف ظهرها من داخل الأسكارف هاتفًا من بين اصطكاك أسنانه:
_ده أيه يا بت ديل حصان!!
وتابع بعصبية بالغة:
_ولا يكنش حجبتي النص القدماني واللي ورا لسه مدخلش في أوكازيون التوبة!!
برقت بعينيها بدهشة:
_مش المفروض الطرحة طويلة وهتدريه.
كور يده بشكلٍ جعلها تتراجع للخلف حتى صعدت على جسد السراحة:
_اهدى يا عمران مش كده الله… إنت اللي شكلك متعرفش في أمور الحريم هروح أشوف مايا أو فاطمة إبعد.
لحق بها وهي تهرول من أمامه:
_مشوا الاتنين يا فقر… روحي لزينب هتلاقيها في أوضتها لسه.
أمأت برأسها وهي تهرول لغرفة زينب تعاونها بارتداء حجابها لأول مرة، بينما هبط عمران للأسفل ليستقبل آدهم بنفسه، فصافحه بابتسامة مشرقة:
_أهلًا يا كابتن… شرفتنا.
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ من طريقته الرسمية، فمال عليه عمران يخبره:
_عشان الرقابة بس، بره البيت هتلاقيني واحد تاني بس هنا فريدة هانم ممكن يحصلها حاجة!
ابتسم آدهم واحتل مقعده المقابل لعمران، فتسللت عينيه للدرج يود لو يلمح طيفها ليطفئ ظمأ قلبه، ابتسم عمران ساخرًا منه وصاح:
_متبصش كتير مش هتنزل الوقتي وراها معركة الله يعينها عليها.
اخفض ساقه واعتدل بجلسته يسأله:
_معركة أيه!!
هبط علي للأسفل مرددًا ببسمة جذابة:
_أهلًا وسهلًا سيادة الرائد.. نورتنا
انتصب بوقفته قبالته يبتسم في حضرة ذاك الراقي:
_بنورك يا دكتور علي.
أشار للمقعد بتهذب:
_اتفضل.. استريح.
جلس محله مجددًا بينما اختار عمران الجلوس على ذراع مقعد علي، وانحنى عليه يهمس له:
_ها مش هتقولي كنت طالق عضلاتك وخارج بيها ليه كده على الصبح؟
منحه نظرة تحذره وهو يرسم ابتسامة لآدهم الذي نجح بقراءة حركة شفاة عمران فاخفى ضحكته بتمكنٍ، وفجأة أتاته هزة شببهة بالزلزال الذي يحيط بالمبنى العتيق فلا يترك له أثر فور رؤيته لتلك الفاتنة تهبط الدرج محدثة صوتًا موسيقي بحذائها، برق لوهلة يستوعب بأنها ترتدي حجابًا لمرتها الأولى… حسنًا كانت فاتنة بكل ما تحمله معنى الكلمة، لدرجة جعلته يتساءل بارتباكٍ:
_شمس؟
ضحك علي وأكد له بإيماءة من رأسه، بينما ذم عمران شفتيه وصاح:
_اصلب طولك يا حضرة الظابط وإياك تفكر تستفرض بالبنت وهي معاك، أنا مركب Gps يعني هتلاقيني معاك في أي مكان.
لكزه علي بغضب:
_عمران الله.
كز على أسنانه وهو يخبره بضيق:
_مش موافق على الخروجة دي يا علي، معقول تسيبه ياخدها كده عادي ولوحدها.. أنا هروح معاها!
استغل انشغال آدهم بتأمل شمس ومال عليه:
_ميصحش كده يا عمران، بكره هتكون مراته وآدهم مش الشخص اللي تشكك فيه.
جذبه إليه يخبره بنفس وتيرته:
_افرض استغل الوضع وباسها ولا اتحرش بيها مهي هتبقى مراته بكره بقى!
احتقنت نظرات علي فدفعه للخلف بنفورٍ:
_مش كل الشباب وقحة زيك يا وقح!
وتركه يستشيط غيظًا وإتجه لآدهم قائلًا:
_متتأخروش يا آدهم… ولما ترجعوا أبقى تعالى على الموقع اللي هبعتهولك في رسالة، لإننا هننقل من هنا حالًا والعنوان هبعتهولك.
هز رأسه متفهمًا، بينما صعد علي للأعلى قاصدًا غرفة زينب بينما دنى هو حتى أصبح قبالتها يجلي صوته الهارب بصعوبة:
_دي أجمل مرة أشوفك فيها يا شمس… الحجاب مخليكِ جميلة بشكل مش طبيعي.
رفعت عينيها إليه تخبره بحزن:
_ده اللي كنت عايزة أقولك عليه لما صدتني بالكلام.
تسلل الضيق لمعالمه فأزاح نظارته القاتمة ومنحها نظرة جعلتها لا تود إبعاد عينيها عنه:
_أنا آسف.. صدقيني والله أنا بعمل كل ده علشانك وبسبب زعلك ده أنا خليت دكتور علي يكتب كتابنا بكره عشان أكون معاكي بطبيعتي وأقولك على كل شيء دفنته جوايا للحظة ما تكوني حلالي يا شمس.
ارتبكت أمامه للغاية، فتمسكت بحقيبة يدها ورددت بتوتر:
_مش هنتحرك؟
أشار بذراعه نحو الباب:
_اتفضلي.
كادت بأن تتبعه فأوقفها عمران حينما جذبها لاحضانه فجأة بنظرات تتحدى آدهم المبتسم لذاك الطاووس الوقح بتحد، بينما يهمس عمران لشمس:
_لو قربلك رنيلي وأنا أجيلك… أوعي يستفرض بيكِ يا شمس.
ضحكت بصوتها الانوثي، فنهرها بحدة:
_مينفعش حد يسمع صوت ضحكتك غيري يا شمس.
تطلعت له شمس بعدم استيعاب ورددت بمزح:
_عمران مالك ده هيبقى جوزي!!
قال بغيظ:
_لما يبقى بقى!!
وتابع ورماديته مازالت تتحدى عين آدهم:
_المهم متتأخريش ولو قالك حاجة كده ولا كده كلميني على طول .
اتسعت ضحكتها وهي تهز رأسها بخفة، واتبعت آدهم للخارج وعمران يلحق بها، فتح آدهم لها الباب الأمامي فلوى عمران شفتيه قائلًا بحنق:
_كنت ناوي أقعدها ورا بس يلا هسامح بس عشان الصحوبية اللي كانت بينا.
ردد آدهم بمزح:
_كانت!! لأ والله فيك الخير يا عم الطاووس!
منحه نظرة ساخطة قبل أن ينحني ويحمل طرف فستان شقيقته الأزرق الطويل، ليضعه من خلفها على المقعد والحنان والحب يلمعان بحدقتيه تجاهها مما جعل آدهم يبتسم وهو يتابعه وللحق لم يشعر بالانزعاج منه أبدًا، لإنه بطبيعة مهنته يعلم بمكنون من أمامه وهو يرى حب عمران المبالغ به تجاه شقيقته الوحيدة لذا تركه كما شاء فلكلُ حقًا عليها.. إن كان سيكون زوجها فهو أخيها!
*******
ولج علي للداخل حينما استمع لسماحها له بالدخول، فولج يردد بهدوء:
_صباح الخير يا زينب… عاملة أيه؟
انتهت من عقد حجاب اسدالها وردت عليه بابتسامة واسعة:
_صباح النور يا دكتور.. أنا بخير الحمد لله وخلاص جهزت شنطي هغير هدومي وهنزل على طول.
ضيق حاجبيه باستغراب:
_والجامعة يا زينب؟
بارتباكٍ اجابته:
_مش هروح النهاردة.. مفيش حد مع فريدة هانم كلهم خرجوا فمينفعش أنا كمان مكنش معاها.
أشار لها بالجلوس، وهو يراقب وجهها المجهد وكأنها لم تغفو منذ سنواتٍ فقال:
_زينب متحاوليش تقترحي حجج وأعذار علشان متنزليش الجامعة، إنتي من ساعة ما رسالة الحيوان ده وصلتلك وانتي بطلتي تنزلي، طيب وبعدين؟!
ابتلعت ريقها بارتباكٍ لمجرد ذكر اسمه أمامها، فردت بصوتٍ مبحوح:
_خايفة يا علي، لإني سبق وشوفت غضبه عامل ازاي، وبعدين ده تاجر سلاح مش فارق معاه لا حكومة ولا غيره.
استند بجسده على الطاولة المجوفة من أمامه وقال:
_معنى كده انك هتضيعي مستقبلك عشان خوفك منه يا زينب… طول مهو شايفك ضعيفة بالشكل ده هيستقوى عليكِ بكل ما فيه.. أنا هسيبك النهاردة براحتك بس من بكره هتنزلي جامعتك تاني.. واطمني أنكل أحمد كلم شركة حراسة وهيكون في عربية حرس معاكي في كل مكان لحد ما نوصل للبيه اللي بيهدد من بعيد وآ..
ابتلع باقي جملته، فكاد أن يخبرها بأنه تعرض لعمران ولكنه تراجع خشية من أن يحزنها، فنهض عن الأريكة وقال:
_هسيبك تغيري هدومك وهستناكي تحت متتأخريش علشان بمجرد ما فريدة هانم تنزل هنتحرك للبيت الجديد على طول.
هزت رأسها مجيبة:
_حاضر.
تركها وهبط للاسفل ينتظرهم، وأرسل رسالة لعمه يؤكد عليه أن ينتهي من أمر شركة الحرس بعدما أخبره بالأمس عن تهديدات ذاك الأرعن لزينب وقد رأى أحمد أن الحل المناسب هو وجود حرس مُسلح لحمايتها فوافقه “علي”على الفور.
******
اتجه عمران بسيارته لشركته، فولج من بابها الرئيسي فوجد أيوب بانتظاره، ضيق جفونه بنظرة مرعبة جعلت الاخير يرسم ابتسامة زائفة وهو يدنو منه:
_صباح الخير يا بشمهندس.
نزع نظارته السوداء وهو يمنحه نظرة مشتعلة، وهتف:
_نعم!
تنحنح بخفوتٍ:
_نعم أيه بقولك صباح الخير!
اقترب منه عمران وردد بنبرة منخفضة:
_عجبك كلام يوسف اللي قالهولك امبارح صح!
ارتعبت نظرات أيوب تجاهه، فابتلع ريقه الجاف وهو يدعي عدم الفهم:
_كلام أيه؟
_غيرتلها على الجرح يا ابن الشيخ مهران!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة، ورفع اصبعه يشير له بتوترٍ:
_عُمران أنا آآ…
هدر بانفعالٍ ونظراته الحادة تحيطه:
_ولا كلمة.. ورايا!
زفر أيوب حانقًا، يلعن تلك الظروف التي أوقعت آديرا بطريقه وأوقعته هو بطريق “عُمران الغرباوي” ، صعد خلفه للأعلى وولج لغرفة مكتبه.
نزع عنه جاكيته وألقاه لسكرتيره الخاص “حسام” ومن ثم ألقى إليه رابطة عنقه فتلقفها بصعوبة كادت باسقاطه فوق مكتبه، وعاد يفاجئه حينما قذف إليه ساعته الباهظة، التقطها بين يديه ولكنه فشل تلك المرة بانتصاب وقفته المذرية فسقط بها أرضًا وذراعيه تعلو بالساعة.
أشمر عُمران عن ساعديه ببسمةٍ مخيفة، فالتفت وجهه لحسام يخبره بنبرة لطالما كانت تخص القتلى المأجورين:
_كويس إنها منكسرتش والا كنت هتشرف جنب أخوك الشيخ أيوب في خارجته النهاردة.
وانتقلت رماديته لباب الغرفة يستطرد بفحيح الأشباح:
_خد الباب في إيدك وإنت خارج.. أي مقابلات أو اتصالات مهمة حولها لبشمهندسة مايا
. من الأخر مش عايز أي إزعاج يفصلنا أنا وابن الشيخ مهران عن طلعتنا.
جحظت أعين أيوب صدمة، وكأنه يستعد لتقطيع جسده بالمنشار الحاد، فمال على حسام الذي يوزع نظراته بينهما بقلقٍ، همس له أيوب يستجديه:
_متمشيش يا حسام!
رفع كتفيه بقلة حيلة وهرول للخارج، فتراجع أيوب للخلف حتى التصق بالمقعد الذي خلفه، فسقط أعلاه والاخير ينحني إليه ويصوب نظراته القاتمة تجاهه.
أجبر صوته على التحرر متسائلًا:
_في أيه يا عُمران؟ إنت هتتحول ولا أيه؟!
طرق على ذراعي المقعد وبانفعالٍ شرس قال:
_غيرتلها على الجرح يابن الشيخ مهران!! ويا ترى بقى أيه اللي نتج عن الفعل ده!! اتكلم أنا سامعك!
أبعد رأسه للخلف وهو يشير له بخوفٍ غريب:
_أقسملك بالله محصلش أي حاجة.. ولولا ان دكتور يوسف صاحبك اللي نبهني لخطورة اصابتها مكنت قربتلها نهائي!!
أخذت أسنانه شفتيه السفلية يسحقها بعنفٍ يود أن يطول ذاك القابع أمامه، ومع ذلك استكمل أسئلته الطارئة:
_عملت أيه بعدها يابن الشيخ مهران؟
رفع ركبتيه للمقعد وكأنه سيهرول به من أمام ذاك “االطاووس الوقح” وراح يردد دون توقف:
_محصلش والله العظيم محصل.. خد نفس عميق واستهدى بالله يا عمران عيب يا جدع تلميحاتك الوقحة دي.. أنا سبق وقولتلك أنا شاب جامعي جاي هنا أدرس وأمتحن وأخد الشهادة وأرجع لأبويا الحارة… معنديش أهداف تانية فبالله إقلع الوش اللي يرعب ده وسبني أمشي من هنا..
وتابع بنفس الوتيرة:
_هو كان يوم مش طبيعي يوم ما أخدني سيف أسكن معاه بشقته وهو نفسه اليوم اللي اسودت ملامحه يوم ما اتعرفت عليك مع إني اتعرفت على سيادة الرائد آدهم والبشمهندس جمال ودكتور علي بس شهادة لله ناس محترمة وزي موج البحر الهادي إنت اللي مالكش كتالوج، زي السما شوية صافية وشوية مغيمة وفجأة يضربها الرعد والبرق وكل العواصف!!
ابتسم بخبثٍ مخيف وقال بجمودٍ تام وكأن ما قال لم يهز به شعرة:
_لو مش عايز عواصفي كلها تحضر هنا هتقول اللي حصل بالحرف والا مش هرحمك يا ابن الشيخ مهران..
لعق شفتيه الجافة وهو يرفع صوته الذي تخلي عنه:
_مآآ… حص… لش…. محصلش!
صرخ به وقد تخلى عن كل هدوئه المخادع:
_انطق يا أيوب!!
دفعه أيوب للخلف بقوةٍ جعلت الاخير يسقط على المقعد المقابل إليه وهو يصيح بعصبيةٍ:
_أكلتها وأدتها دواها وغيرتلها على الجرح ورجعت أوضتي تاني ده اللي حصل تصدق أو متصدقش دي حاجة ترجعلك!!
تعالت صوت أنفاسه المنفعلة بينما ارتسمت ابتسامة تسلية على ملامح وجه عمران واتجه ليحتل مقعده باسترخاء استراب له أيوب!
سحب القلم وأخذ يوقع بآلية تامة على الأوراق من أمامه وكأن الأخر لا وجود له، فردد أيوب بنزقٍ:
_أيوه يعني أفهم أنا من برودك اللي نزل عليك ده فجأة أيـه؟!!!
رفع رماديته أيه ولف مقعده يهزه بتسلية، قائلًا:
_إني أخدت الحقيقة.
_ولا كنت برغي فيه من الصبح كان أيه؟
ترك مقعده ونهض يلهو بالقلم وهو يشير إليه:
_علميًا الإنسان لما بيتعصب بيخرج الحقيقة كلها عمليًا أنا مصدقك من أول ما اتكلمت بس كنت حابب إديك عينة بسيطة عن اللي هيحصلك لو لعبت بديلك مع العبرانية!
أطبق على يده بقوةٍ، فاحتبس غضبه داخله واستدار ليغادر، فأوقفه الاخير مردفًا:
_عايزك معايا النهاردة.. في مقابلة هتتم كمان نص ساعة هتفيدك جدًا.. خليك موجود.
عاد لمقعده بهدوءٍ زائف تحلى به، وما كاد بأن يفجر عاصفته إليه حتى وجد أحدهم يقتحم باب مكتب عمران وهو يصيح بغضب:
_بقى أنا الحيوان ده يمنعني من الدخول!!
كلماتٍ هدر بها “نعمان” غاضبًا،ومن خلفه ظهر حسام الذي ردد يدافع عن ذاته أمام تلك الأعين المحتقنة:
_مستر عمران حاولت أفهم الباشا إن حضرتك مشغول بس هو آآ..
_الطور الهايج مبيسمعش اللي قدامه عشان يفهمك يا حسام.. والخال ما شاء الله معندوش لا سمع ولا دم!
وابتسم عمران وهو يمنح ذاك البغيض نظرة ساخرة:
_خير يا خال؟ مش خلصنا من حوار الشركة وقولتلك مش عايز أشوف خلقتك هنا تاني، ولا وحشك طولة لساني ومقدرتش تحوش نفسك عن شوفتي!
اقترب نعمان من مكتبه وأيوب يراقب ما يحدث بدهشةٍ وصدمة تفوقه أضعافًا لمعرفة كناية ذلك الرجل الذي بات من كلمته يعلم بصلة القرابة بينهما.
وقف نعمان على مسافة قريبة من عمران وردد بهدوءٍ قاتل:
_قولتلك ما تلعبش بالنار لتحرقك وأديك جنيت على نفسك يابن فريدة!
رفع ساقًا فوق الاخرى وطوفه بنظرة متغطرسة، قبل أن يشدد على كلماته:
_حاسب الولاعة لتلسعك!
وتابع بنفس بروده:
_طريقك أخضر العباسية إن شاء الله يا خال… خد الباب في إيدك وخلي بالك الأُكرة تلزق!!
خرج نعمان بوجهًا مشتعل من فرط الاهانة التي تعرض لها، فما أن اغلق الباب حتى تساءل عمران:
_في أيه يا حسام؟!
رد عليه السكرتير يخبره:
_المشاريع اللي كانت هتتطبق في الشركة اللي كانت بتجمع حضرتك مع نعمان باشا الوكلاء لغوا العقود لما عرفوا إن حضرتك فسخت الشراكة، وكلهم اخدوا مواعيد عشان يقابلوا حضرتك.. فأعتقد إن الخبر وصل لنعمان باشا علشان كده اتعصب.
هز عمران مقعده وكفوف يديه تضم بعضها البعض بتفكيرٍ يستحوذ عليه، كان يحاول تخمين سبب انزعاج خاله هكذا، ولكن الأمر لم يعنيه والآن بعدما استمع لما قال، أشار لحسام:
_مش هقابل حد منهم يا حسام، إرفض التعامل مع أي حد فيهم أنا مبقطعش أرزاق حد حتى لو الحد ده الخال الملزق.
هز رأسه هاتفًا وهو يتجه للخارج:
_زي ما حضرتك تحب.
بعد خروجه شرد عمران قليلًا ليفق بعد ذلك على صوت أيوب المنبهر من شخصيته:
_بحاول أفهمك ومش عارف.. من شوية اتصدمت لما لقيتك بتكلم الشخص اللي يبقى خالك بالشكل ده، واتفاجئت من طريقة تهديده ليك كأنك عدو مش ابن أخته وبعد كده فهمت سبب عصبيته من كلام حسام وقولت يستاهل بس اندهشت أكتر بموقفك ده… عمران إنت محدد وعارف إنت عايز أيه؟!!!
سحب نفسًا طويلًا وأطلقه بتنهيدة حارة أوضحت لأيوب مدى معاناته، ترك عُمران مقعده ونهض يجلس قبالة رفيقه ثم قال مبتسمًا بألمٍ:
_اللي شوفته ده جزء بسيط أوي يا أيوب.. خالي من بعد وفاة أبويا وهو بينهش فينا، ولولا وقفة عمي أحمد ليه كان زمانه سيطر على أملاكنا كلها، عمي طول عمره واقف في وشه وبيحاربه بكل قوته وأنا مش هفضل أتدارى في ضل عمي طول العمر يا أيوب، بقيت أنا اللي في وشه.
وتابع بحزنٍ طفيف:
_علي طيب وقلبه أبيض، مالوش في المشاكل ولا في اللوع فكان لازم أنا اللي أقفله بكل قوتي وأواجهه، وزي ما أنت شايف كده مواجهتي ليه ودفاعي عن حقي وحقوق والدتي وأخواتي خلاه يزيد من حبي حبتين تلاته لدرجة إنه بيتمنى موتي النهاردة قبل بكره!
واستكمل وعينيه تتعلق بعين أيوب الذي تأثر به للغاية غير مدركًا بأنه يخوض كل ذلك بمفرده:
_كل ما بحاول ادفن العداوة بينا أنا وهو علشان خاطر فريدة هانم والدتي بيعمل حاجة أوسخ من اللي قبلها، ببساطة يا أيوب لو الشخص ده شاف حنيتي هيركبني زي ما بيقولوا وللأسف مينفعش لإني الوحيد اللي واقف في وشه وبيقاوم.
انحنى إليه أيوب يربت على ساقه بفخر:
_خليك جامد وقوي زي ما انت يا عمران.. في أشخاص ميستهلوش المعاملة الطيبة.
مازحه ليخفف من حدة الاجواء:
_زيك كده صح؟
تعالت ضحكاته الرجولية وردد:
_ميبقاش قلبك أسود بقى.
ابتسم عمران وأردف بجدية تامة:
_أيوب سامحني على معاملتي ليك بالطريقة دي صدقني ده من خوفي عليك وعلى ضياع مستقبلك، شخص محترم زي والدك ميستهلش يسمح عنك خبر كارثي زي ده، تعب وشقى عشان تأخد شهادتك من جامعة كبيرة زي دي، خوفي الاكبر من إنك تغلط معاها وفي لحظة تبعد عنك، تخيل لو حملت منك هيكون أيه مصير ابنك أو بنتك مع واحدة عبرية!
احتفظ ببقايا ابتسامته وقال بصوته الرخيم:
_عارف وفاهم كلامك ده يا عمران ومش متضايق بالعكس فرحان وحاسس بحبك الكبير ليا ويمكن ده اللي مخليني مستحملك إنت وشركتك واستاذ ممدوح!
انفجر ضاحكًا وصاح بسخرية:
_كده طيب حيلك عليا أنا هوريك اللي جاي هيكون عامل أزاي!
وأشار له وهو يتجه للمشجب ليجذب جاكيته:
_يلا استعد معاد الاجتماع.
******
صرخ بصوت جهوري مخيف:
_اللعينة نفدت من الموت وتزوجت من ذلك الإرهابي الحقير!!
وتابع وهو يشير لرجاله بجبروت سحيق:
_اذهبوا وجدوا لي صديق هذا الارهابي هو من سيوصلنا إليهما.
وردد بوعيد مخيف يهوي من عينيه العدائية المظلمة:
_إلى أين سيهربون مني، سأقتلكما معًا ولنرى من سيوقفني هذة المرة!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى