روايات

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الخامس والعشرون

رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الخامس والعشرون

لا يليق بك إلا العشق
لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الخامسة والعشرون

٢٥– ” بين اليأس و الرجاء “
حاول إيجاد تفسير لرجفة يدها بين كفه ولم يجد ، فما يعنى إرتجافها بعد رؤيته ؟ هل تشعر بالصدمةٍ والحيرة لرؤيته هنا ؟ أم ماذا يعنى إرتخاء أصابعها المضمومة على ظاهر يده وهو أخذاً يدها بين كفه العريض ، فصبت البرودة بأطرافه صبا ، فسهل عليها الإنسلال من إلتحام كفيهما معاً ، فأرتطمت ذراعه بجانبه كضربة السوط ، فهو حتى لم يرى النظرات المحدقة بهما بغرابة من تيبس قدميهما وتصلب وقفتهما
أبتلع نادر ريقه كأنه نيران من جوف الجحيم ، تحوم برأسه العديد من الأسئلة والأفكار ، فما سبب مجيئهما سوياً ، أو ماذا تفعل حياء مع راسل ؟ فهو كان يعلم مدى كرهها لمجرد ذكر إسمه ، وحتى إن كان يعلم أن ميس كانت تنهى تدريبها بمشفاه ، إلا أنه لم يجد تفسير لوجوده هنا فى قصر النعمانى ، فهو ظن أن ميس لا تربط بينهما صلة ، سوى أنها أرادت العمل مع طبيب جراح ماهر مثله
فعقدت سوزانا حاجبيها وقالت بغرابة :
– فى إيه مالكم واقفين كده ليه ما تقعدوا
حدق بها راسل ببلادة بادئ الأمر ، إلا أنه وعى على حاله عندما وجد رياض يدب الأرض بعصاه ، ليسترعى إنتباهه الشارد
فحمحم يجلى صوته الرصين وقال :
– فى إيه يا راسل ما تقعد أنت ومراتك أنتوا مبسوطين بالوقفة
مراته !
أرتطمت الكلمة بأذنى نادر ، كإرتطام الرأس بسطح الأرض ، عند السقوط من مرتفع شاهق ، فكيف إجتمع هذان الإثنان بميثاق الزواج ؟ و ماذا حدث بتلك المدة القصيرة التي أختفى بها عن مصر ؟ فمن الظاهر للعيان ، أنه حدث الكثير بتلك الأونة
فهمهم نادر من بين شفتيه بصدمةٍ :
– ممراته
تبسمت ميس له وقالت كأنها تفجر مفاجأة كبرى:
– إيه رأيك فى المفاجأة دى أقدملك دكتور راسل رياض النعمانى عمى
فغر نادر فاه مما سمعه ، فلابد أن اليوم هو يوم المفاجأت ، التى لم يجرؤ على التفكير بها يوماً
عمها !! فماذا تعنى بقول تلك الكلمة ؟
أعتصر راسل عينيه وهو يقول ، كأنه لا يفقه شئ مما يحدث :
– هو دكتور نادر العريس إزاى أنا مش فاهمة حاجة وهو أنتوا عرفتوا بعض إزاى
ثلاثة فقط بتلك الجلسة ، هم من يفهمون ما يدور هنا ، أما باقى الجالسين لم يفقهوا شيئاً ، خاصة رياض فمن أين يعلم راسل إسم ومهنة الرجل ، الذى تقدم لخطبة حفيدته ؟
أرتكز بكفه على رأس عصاه وهو يستند بظهره لمقعده الوثير فقال بهدوء يشبه الهدوء قبل العاصفة :
– أنا اللى المفروض أسال فى إيه ومالك أنت ومراتك سهمتوا كده مرة واحدة وهو أنت تعرف دكتور نادر منين
سحب راسل حياء من مرفقها ، حتى أجلسها بمقعد مجاور لذلك المقعد الذى جلس عليه هو فيما بعد ، فجلس واضعاً ساق على الأخرى ، وأرتكز بمرفقه على طرف المقعد ، واستند بذقنه على ظاهر يده يحدق بنادر وهو يقول بثغر ملتوى:
– أنا أعرف دكتور نادر علشان كان شغال عندى فى المستشفى وسابها من حوالى كام شهر بس
ربتت ميس على يد جدها وهى تقول باسمة :
– هو أنت يا جدو نسيت لما حكيتلك عنه أن أنا قولتلك أتعرفت عليه فى المستشفى عند راسل ، بس هو كان جاله فرصة عمل برا بس مرتحش هناك ورجع مصر تانى
نظرت حياء لنادر ، كأنها تنظر له من مكان بعيد ، أو كأنها تحدق بالفراغ ، فهى لم تضع ببالها يوماً أنها ستراه ثانية ، ولكن أن تراه هنا وبهذا القصر ، وليس هذا فحسب ، بل تقدم لخطبة إبنة شقيق زوجها ، فربما تلك مزحة أو حلم
حاول نادر بالبداية الهرب من النظر إليها ، ولكن بالنهاية صار عيناه بمواجهة عيناها المتسعتان قليلاً ، كأنها تعبر عن دهشتها برؤيته ، ولكنه لم يغض الطرف عن شفتيها ، التى كلما حاولت الحديث ، تعود وتضمهما ثانية
ولكن كأن تلك الجالسة أمامه ليست حياء ، التى كان يعرفها بيوم ما ، فهى صارت أكثر نضجاً وبها جمال خاص ، وجنتيها المتوردتين ، وشفتيها المكتنزتين ، وعيناها كأنها تفيض بنهر من حبات البندق الفاخرة ، فهل يعود كل هذا لزواجها من راسل ؟
فهل هو من أقتنص تلك الزهرة الندية ، التى كان يمنى نفسه بها بوقت من الأوقات
أصدرت أسنانه صوت صرير منخفض ، وهو يطحنهما ببعضهما من خلف شفتيه المغلقتين كبوابة حصن منيع ، فشعور كاسح بالغيرة ملأ أوردته ، ويعلم أن لا يصح له بها ، فهو من تركها بالبداية ، ولكن لما يشعر الآن بأن راسل أخذها منه عنوة
تتبعت عينى راسل ، تلك الوجهة التى قصدتها خضراوتى نادر ، فرآه يحدق بحياء ، زوجته ، حبيبته ، معشوقته ، رفيقة لياليه الحالمة
ود لو أن يقوم من مكانه ويقتلع عيناه من محجرهما ، فأراد فض تلك الجلسة قبل بدأها ، فحمحم قائلاً ببرود :
– متأسفين يا دكتور نادر معندناش بنات للجواز
شهقت ميس بصوت منخفض من قول راسل ، وتعجب والده ، ولم يخفى عاصم وسوزانا دهشتهما ، فنادر لم يفه بكلمة بعد ، فهو أتى قبل مجيئه بخمس دقائق فقط
فدمعت عينى ميس وهى تقول بعدم فهم :
– راسل هو فى إيه أنت قولت إيه دلوقتى
قفز راسل من مقعده واقفاً على قدميه وهو يهدر بصوت غاضب :
– قولت اللى كلكم سمعتوه ، معندناش عرايس ليك يا دكتور نادر شوفلك عروسة فى حتة تانية، لكن بنت أخويا للأسف أنت متنفعلهاش وده أخر كلام ومفيش غيره
نهضت ميس هى الأخرى ، فصارا كندين بمواجهة شرسة ، فأمتلأت عيناها بغضب عارم وهى تقول:
– راسل هو أنت بتتكلم كده ليه ، هو أنت اللى بتقرر عنى ثم إحنا بنحب بعض وأنا حكيت لجدو على كل حاجة ، ولا أنت مش موافق علشان هو مش غنى زينا ، ماهى مراتك هى كمان مش غنية دى حتى ملهاش أهل
– أخرسى
قالها راسل ولم يمنع يده عن صفعها ، فوضعت ميس يدها على وجنتها وعيناها تكاد تترك محجرهما ، فهل صفعها حقاً ؟ هل هذا هو عمها ، الذى حرص على رعايتها دائماً ؟ هل هذا هو من وضعته بمكانة الأب والأخ والصديق ؟ هل هذا الذى من أجله لم تستمع لقول والدتها بالإبتعاد عنه ؟
نظر راسل لكف يده الممدود بدهشة ، فحول بصره لوجه إبنة شقيقه ، التى تفجرت الدموع بعينيها وهى مازالت واضعة يدها على وجنتها ، التى تلقت الصفعة من كفه العريض
حاول الإقتراب منها ليبدى أسفه واعتذاره على ما بدر منه وهو يقول بندم :
– ميس أنا مش قصدى اللى حصل ده أنا …
فما كان منها سوى أن رفعت يدها ، تشير له بإلتزام مكانه، وعدم تقدمه خطوة أخرى ، أو التفوه بكلمة وهى تقول بصوت كالصقيع :
– خليك مكانك أنا من النهاردة مليش أعمام ، وزى ما أنت متبرى من العيلة كلها ، أتبرى منى أنا كمان خلاص يا راسل أنسى أن أنا بنت أخوك
نهضت حياء من مكانها على وجه السرعة ، وخطت خطوتين تجاه ميس ، تحاول أن تخفف من وطأة الجو المشحون بالتوتر
فمدت يدها تربت على ذراع ميس وقالت :
– ميس معلش متزعليش من راسل هو ميقصدش هو عمك وعارف مصلحتك
نفضت ميس يد حياء عن ذراعها وهى تقول بإصرار :
– أنا قولت مليش أعمام وجدى وخالى هم اللى يقرروا مش هو ، يا خسارة
بكت ميس بقهرٍ ، فليس من السهل بمكان ، أن تنقطع أواصر العلاقة بينها وبين راسل هكذا بكل بساطة ، ولكن تلك الدماء النافرة بعروقها ، وغضبها الأعمى ، جعلها لا ترى سوى أن راسل يحاول الفراق بينها وبين نادر ، وهذا ما لا تريده
أقتربت سوزانا منها ، وأحتضنتها بين ذراعيها تمسد عليها بحنان ، ولم تخفى نظراتها المتعجبة التى تنظر بها لراسل ، فلم هو أسرع بإبداء رفضه لتلك الزيجة ؟
تلك هى فرصته ، التى جاءته على طبق من ذهب ، فهو رأى تعلق ميس به ، بل أنها ستتخلى عن رابط الدم بينها وبين راسل من أجله ، فلم يجد ضرر من إدعاء الحزن والشهامة المزيفة
فترك مقعده وهو يحنى رأسه ، وخرج صوته خافتاً بحزن :
– ميس أنا ميرضنيش أن يكون فى خلاف بينك وبين عمك أو بين أى حد من عيلتك علشان كده أنا بنسحب قبل ما يتطور الخلاف بينكم أكتر عن أذنكم وفرصة سعيدة أن قابلتكم
فتحت حياء فمها بدهشةٍ من إتقانه لدوره ببراعة ، فهى علمت أن كل ما تفوه به ما هو إلا كذبا ، فمن قبل خدعت به وبوسامته ، وبإتقانه دور العاشق المغرم
فقبل أن يترك غرفة المعيشة ، كانت ميس صارخة بإسمه بتحدى وهى تحدق براسل :
– أستنى يانادر ، أنا لسه مقولتش رأيى ولا جدو ولا خالو عاصم وأعتبر اللى سمعته من عمى مسمعتوش
كأنها قذفته بحجر فأصاب رأسه ، فظل يطالعها بحيرة ، من أنه كيف تبدل حالها هكذا بلحظة واحدة ، ومن أجل من ؟ من أجل ذلك المخادع ، فربما هو لم يسمعها صريحة من زوجته ، تلك الأسباب التى جعلته يتركها بمفردها ، ولكنه ليس بطفل ، حتى لا يستطيع أن يلاحظ أنه فعل ذلك ، لأنها أصبحت بلا مأوى أو عائلة ، أو لا تمتلك أرثاً يجعله يأمن زواجه منها
قبل أن يهم راسل بالرحيل ، خرج رياض عن صمته وهو يقول بهدوء ليضع حد فاصل لتلك المهزلة ، التى يراها بمنزله :
– أتفضل أنت دلوقتى يا دكتور نادر ولينا كلام تانى ، وأنتى يا ميس مش عايز أسمع منك كلمة تانية وأتفضلى على أوضتك
دبت ميس الأرض بقدميها وهى تقول بغيظٍ :
– حتى أنت كمان يا جدو
بإشارة من سبابته ، جعلها تبتلع باقى حديثها بجوفها ، فهى يجب أن تطيعه فى الحال ، فليس معنى أنه دائماً لا يرد لها مطلب أو أمنية ، وتستأثر بمكانة عظيمة لديه ، بأنه سيجعلها تعصى أمره ، حتى وإن كان أمر بسيط كهذا
فرحل نادر وشفتاه لا تكف عن الهمهمة والتذمر ، فمن أين جاء راسل ليفسد له تلك الزيجة ؟ التى كان يأمل أن يوفق بها ، لينعم بثراء ونعيم ، يفوق ما كان سينعم به بمال عرفان
فكل هذا يحدث ، وعاصم جالس صامتاً ، حتى أنه لا ينتبه على ما يجرى حوله ، فهو لايرى أمامه ، سوى وجه من سلبته عقله منذ زمن بعيد ، ولم ينتبه إلا على مناداة عمه لراسل ، الذى أخذ زوجته ورحل من القصر ، قبل أن يقدم تفسيراً لأبيه عن سبب رفضه لزواج نادر من ميس ، فهو أعلن راية الرفض والاعتراض ، بدون أن يقدم أسبابه الجهورية لفعله ذلك
_________________
تلك الغرفة الفسيحة ، شعر كأنها صارت جُحراً ، خاصة وهو يراها تقف أمام الفراش ، عاقدة ذراعيها وتحدق به بصمت دام قرابة العشر دقائق ، فذلك الهدوء والبرود ، الذى غلف قسمات وجهها ، يعلم أن خلفه بركان ثائر ، وستخرج حممه البركانية من فمها الآن
زاد خوفه ورهبته أكثر ، وهو يسمع صوت حذاءها ، على الأرضية ، كأنه جرس الخطر ، الذى يقترب منه ، فأنحنت وألتقطت المفتاح الخاص بالأصفاد الحديدية من على الكومود المجاور للفراش ، ومدت ذراعيها وألقت بها من نافذة الغرفة ، فنأى بجسده قليلاً عنها ، كأن الموت يحدق به
كيف يواجهها إن لم تتحرر يداه ؟
فأسرعت بسحب الملأة ، التى كانت على وشك السقوط ، وألقتها على جسده ثانية ، وسحبت قطعة القماش من على فمه ، حاول إيجاد ما يبرر به موقفه ، فتصاعدت أنفاسه بلهاث وهو يقول بإستجداء :
– قسمت والله ده ملعوب معمول فيا من جوز حياء هو اللى زق البت عليا علشان يوقع بينا صدقينى
أخرجت قسمت سكيناً ، ألتمع نصله تحت إضاءة الغرفة ، فقالت ببرود :
–وأنت مفكرنى هصدقك يا شكرى بعد الفيديو اللى شوفته ، أنت مفكرنى هبلة ، أنا جتلك علشان أشوفك مذلول وأنا بصفى دمك نقطة نقطة ، بقى أنا يا واطى أعمل اللى عملته ده كله علشانك والأخر تخونى ، دا أنت خليتى أشارك فى قتل أخويا ، كان عنده حق عرفان ميبقاش طايقك ، كان عارف أنك واطى وزبالة ، بس أنا اللى كنت متعلقة فى حبال الهوى الدايبة
أطاحت بيدها عالياً ، وهبطت بالسكين بمنتصف صدره وقالت :
– دى علشان خلتنى أطاوعك فى قتل أخويا
سحبت السكين وغرستها ثانية بصدره وهى تكمل حديثها :
– ودى علشان كنت مستغفلنى وبتصرف الفلوس على النسوان اللى تعرفها
أعادت الكرة مرة ثالثة وهى معقبة :
– ودى علشان أخلص منك خالص يا شكرى وأرتاح منك ومن عمايلك المقرفة
كلما سحبت نصل السكين من جسده ، تتصاعد أنفاسه معها ، فتعود وتعلق بحلقه بغرسها بمكان أخر ، فأنقطع صراخه وتحشرجت أنفاسه ، فهو يرى ظلام النهاية يزحف إليه ، ولم يكن بإستطاعته درأها عنه ويداه مقيدتان ، فجحظت عيناه ، وفمه مازال مفتوحاً ، كأنه يحاول أن يقول شيئاً ، ولكن جاءت اللحظة الأخيرة ، وأنتهى كل شئ ، فالدماء تناثرت بالفراش ، والملأة البيضاء إستحال لونها للون الأحمر ، كأنها غُمست بنهر من الدم
وعت قسمت على ما فعلته ، عندما رأت الدماء تقطر من السكين ، الذى مازالت تحمله بيدها ومتأهبة لطعنه من جديد ، فألقت السكين من يدها ، وسقط على جسده المغدور
فتلك الطرقات العالية والمُلحة على باب الشقة ، جعلت الخوف يسكنها ، فماذا تفعل هى الآن ؟ فربما إستمع الجيران لصوت صراخ شكرى وإستجداءه لها بعدم قتله ، فلم يدم الأمر طويلاً ، حتى وجدت عدة رجال يقتحمون الشقة ، فوصلوا لغرفة النوم ، ورآوا شكرى مقتولاً،وقسمت تقف بجوار الفراش ويدها مازالت تحمل أثار الدماء
فصاح أحد الرجال قائلاً وهو يشير إليها :
– دى قتلته قتلته بلغوا البوليس بسرعة
سمعت قسمت صياح الرجل ، فظلت قدماها ترتد للخلف ، فهى كأنها تريد الهروب من تلك الأصوات والصيحات ، فربما حالفها الحظ بأن باب الشرفة مفتوح ، كأنها أعطيت فرصة للإبتعاد عن مرمى يداهم ، فتوقفت قدميها عن الحركة بعد إصطدامها بطرف سور الشرفة المنخفض من أحد جانبيه
حاول رجل منهم الأقتراب منها ليمنع فرارها ، فرفعت يديها وهى تصرخ بهستيرية :
– لاء لاء لاء
ظلت تصرخ بكلمة الرفض ، وهى رافعة يديها ، لتمنعه من الإقتراب منها ، فلم تنتبه أن ربما طولها الفارع سيتسبب بإختلال توازنها ، فهى كلما كانت تنأى بجسدها عن يد الرجل ، تقترب أكثر من السور ، حتى طاح جسدها من الشرفة ، وسقطت أمام البناية غارقة بدماءها ، فالشقة كانت بالطابق السابع ، فإرتطامها بالأرض ، أدى لتهشم رأسها بالحال
نظر الرجل لقسمت من الأعلى وهو يقول بصدمةٍ :
– ألحقوا دى وقعت فى الشارع
أسرع أحد الرجال بإبلاغ الشرطة ، فساد الهرج والمرج بالبناية السكنية ، وخرج كل قاطنيها ، ليشهدوا تلك الواقعة ، التى أقدمت بها قسمت على قتل زوجها ، وأختلال توازنها وسقوطها من الشرفة ، فكل من الحاضرين يضع سيناريو خاص به للواقعة ، فمن لديه علم بها أو ليس لديه ، كان يبدى رأيه ، ولم تغيب كاميرات الهواتف عن تسجيل الحادث بالصوت والصورة ، ليتم تداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة
أمر الضابط العساكر بفض تجمع الناس حولهما ، حتى يتسنى لرجال الإسعاف حمل الجثمانين ، الذى فارق أحدهما الحياة وهو شكرى ، وقسمت التى مازالت على قيد الحياة ، ولكن ربما ستفارقها بين ثانية وأخرى
فأمام مشفى حكومى ، وصلت سيارة الإسعاف ، وأسرع الرجال بإدخال جسد شكرى وقسمت ، فسمع أحد الرجال صوتها الخافت وهى تقول :
– بنتى هبة عايزة أشوفها حد يجبلى هبة
قال الرجل وهو يوزع نظراته بين رفيقه وقسمت :
– دى شكلها كده بتنادى على بنتها ونجيبها منين دى دلوقتى
دفع رفيقه السرير المستلقى عليه جسد قسمت وهو يقول بهدوء :
– خلينا الأول ندخلها أوضة العمليات ونشوف مين بنتها ، دى شكلها مش هتلحق حتى تشوفها ، دى شكلها بتطلع فى الروح كمان
سمعت قسمت قول الرجل ، فهى تكاد ترى نهايتها تقترب ، فأبتلعت لعابها وبللت شفتيها قبل أن تقول بصوت بالكاد خرج من بين شفتيها :
– قولوا لهبة تخلى بالها من أخواتها هى هتربيهم أحسن منى
أسرع الرجلان بإدخالها غرفة الجراحة ، فربما الطبيب يعمل على إنقاذها ، ولكن نفذ أمر الله ، وصعدت روحها ، قبل أن يقترب الطبيب منها ، ففحصها للمرة الأخيرة
وسرعان مارفع وجهه لمن حوله قائلاً بمهنية :
– دى خلاص ماتت حطوها فى التلاجة وحد من أهلها ييجى يستلم الجثة
سحبت الممرضة طرف الملأة على وجهها ، وقامت بدفع السرير فى طريقها ليضعوا جثمانها بالغرفة المخصصة للموتى بالمشفى ، فقابلها الضابط وعلم أن ليس لديه ما يقوله ، فالجانية والمجنى عليه ، صاروا بتعداد الأموات ، ولكن عليه البحث عن أقاربهما ، فالقضية أنتهت قبل أن تبدأ ، فالطرفان أنتهت حياتهما على النحو الأبشع ، فزوج قتل مغدوراً على يد زوجته، وزوجة أنتهت حياتها بخطأ منها ، ولكن قصاص الله عادل ، فمثلما ساهما بقتل رجل وإمرأة غدراً بدون ذنب ، وطمعا بمالهما ، أنتهت أعمارهما ولم يأخذا معهما ديناراً ولا درهماً
________________
أحنى نادر جزعه العلوى ، ليتفادى إصطدام تلك القنينة برأسه ، والتى قذفها شقيقه نصر بغيظ ، رغبة منه فى تحطيمها على رأسه ، ألا يكفى أنه عاد لمصر بدون إخباره ، وليس هذا فحسب ، فهو أتى إليه الآن راغباً فى أن يقدم له يد المساعدة ، لإتمام زواجه من ميس النعمانى
فنصر ثارت ثائرته بمجرد سماع كنية تلك العروس المستقبلية ، فهو كمن يريد الدخول لعرين الأسد بقدميه ، فحتماً سيصبح فريسة سهلة الإصطياد من قبل رياض النعمانى ، وربما يتسبب فى كشف غطاءهما ، المتوارى أسفله حقيقتهما البشعة
فصرخ نصر وعروقه نافرة :
– أنت أتجننت يا نادر عايز تتجوز حفيدة رياض النعمانى مرة واحدة ، دا لو بس عرف إحنا مين هيخلينا عبرة لمن يعتبر ، وإزاى ترجع مصر من غير ما أعرف ، ودلوقتى جاى وجايبلى مصيبة فى إيدك
رفع نادر يديه يحاول أن يهدأ من ثورة شقيقه ، التى صب جام غضبها عليه منذ رؤية وجهه ، فقال بلين ولطف :
– نصر إهدى وإسمعنى صدقنى دى فرصة متتعوضش
أطاح نادر بالباقى من رصانة شقيقه نصر ، فعلى حين غرة ، كان نصر قابضاً على شعر نادر بغيظ ، فهز رأسه وهو يصرخ قريباً من أذنه:
– أه فرصة متتعوضش تفتح بيها أبواب جهنم فى وشنا صح ، أنت أهبل يا أبنى دا رياض النعمانى رياض النعمانى الله يخرب بيتك هو أنت مفكر أنه مش زمانه دلوقتى بيدور على أصلك وفصلك ، ومش بعيد كل حاجة تنكشف وألاقى نفسى مشرف فى السجن وأنت معايا ، يعنى أنا أفضل ده كله بعيد عن عينيه ، وتيجى أنتى تسلمنا ليه تسليم أهالى يا غبى
تألم نادر من جذب شقيقه لشعره ، فدفعه عنه يصيح بصوت متألم :
– بس يا أخى وبطل جنانك ده هيعمل ايه يعنى دا أنت لو فكرت فيها إحنا هنبقى أسياد البلد
قال نصر وهو يتبسم بسخرية :
– قصدك أسياد السجون لما أشرف فيه أنا وحضرتك
غرز نادر أصابعه فى شعره ، يعيد ترتيبه بعد أن عاث به نصر شداً وجذباً ، فعدل هندامه وهو يقول ببرود:
– أنت ناسى أن محدش يعرف إن إحنا أخوات ثم أنا عرفت أوقع ميس النعمانى إزاى ، دى بقت خاتم فى صباعى حتى مش هتصدق أن دكتور راسل صفى الدين طلع عمها وإسمه راسل رياض النعمانى ، إزاى أهو ده اللى هتجنن وأعرفه ، ومش بس كده لاء دا كمان أتجوز حياء
قطب نصر حاجبيه قائلاً بغرابة:
_ أتجوز حياء وهو يبقى ابن رياض النعمانى ازاى هو أنت أبديت تخرف يا نادر ، ايه علاقة كل دول ببعضهم
لم يكن لديه ما يجيبه به ، فهو لم يفهم الرابط بين كل هؤلاء ، فكأنما إجتمع إناس من المشرق مع أخرين من المغرب
فرنين هاتفه بإسم ميس ، جعله ينزوى بأحد أركان الصالة ، ووضع الهاتف على أذنيه
فجاءه صوت ميس متلهفاً :
– نادر أنت سامعنى رد عليا
رد نادر بصوت حاول أن يسكن حروفه الحزن :
– أيوة يا ميس سامعك ، إزاى يعنى مقدرش أرد عليكى ، أنتى حبيبتى يا ميس ، ولو حبنا هيبقى عقبة بينك وبين أهلك أنا على إستعداد أن أتخلى عن حبنا علشان بس سعادتك وراحتك
دمعت عيناها وقالت بغصة :
– متقولش كده يا نادر أنت عارف أنا بحبك قد إيه ومقدرش أستغنى عنك وإن كان على اللى عمله راسل كأنك مسمعتوش
– هو ليه خبيتى عليا أن راسل عمك ؟ وأنا اللى كنت مستغرب أنتى ليه بتدربى عنده وأنتى بإمكانك يبقى عندك مستشفى أكبر من المستشفى بتاعته
قالها نادر بفضول ، وأنتظر سماع إجابتها ، فاليلة أثارت فضوله ، أكثر من أى ليلة مضت بحياته
فردت ميس قائلة بصوت خفيض :
– كنت عايزة أعملهالك مفاجأة وكنت فاكرة أنه هيرحب بجوازنا طالما أنت كنت شغال فى المستشفى بتاعته وعارفك كويس بس طلعت غلطانة مش عارفة ليه هو أخد الموقف المتشدد ده ورفض حتى قبل ما حد ينطق بكلمة
ضغط نادر بأصابعه على الهاتف وهو يقول من بين أسنانه:
– تلاقى ده كله علشان حياء مراته ، أنتى عارفة أن قولتلك أن كنت خاطب واحدة قبل كده وسيبتها فخطيبتى الاولانية دى كانت حياء مرات راسل
شهقت ميس بخفوت وهى تقول بدهشةٍ:
– حياء كانت خطيبتك
مسح نادر فمه قبل أن يقول بإبتسامة ساخرة :
– أيوة حياء وكان سبب الخلاف بينا عمك راسل ، كنت حاسس أن فى حاجة بينهم ، علشان كده سيبتها محبتش أبقى مخدوع ، فشيلتها من قلبى وقابلتك أنتى وقلت أنك هتنسينى صدمتى فى حبى الأولانى ، بس طلعت الظروف ضدى ، وأكيد عمك رفض جوازنا علشان مراته ، يعنى هم الاتنين تلاقيهم أتحالفوا ضددنا وعايزين يفرقونا عن بعض ، مش مكفيهم كسرة قلبى فى الأول جايين دلوقتى وعايزين يضيعوكى منى يا ميس
أنتهى من حديثه الكاذب وهو يبتسم بخفوت لشقيقه ، فلم يكتفى بذلك ، بل أنه أخرج لسانه ليغيظه ويريه براعته بالتأثير على ميس ، وكيف حول دفة الأمور لصالحه
سحب الهاتف من على أذنه ، وفتح زر مكبر الصوت ، ليستمع نصر لرد ميس :
– وأنا مش هسمحلهم أنهم يفرقوا بينا يا نادر وجوازتنا هتم غصب عنهم ومش هنخليهم يخربوا حياتنا أنا أعرف إزاى أأثر على جدو وأخليه يوافق ثم اصلاً فى خلاف بين جدو وراسل مظنش أنه هيسمعله ، فخليك متأكد يا نادر أن أنا هفضل أحاول لحد ما أتمم جوازنا
زادت إبتسامته إتساعاً وهو يقول بإنتشاء :
– وأنا عهد عليا يا ميس إن جوازنا تم هخليكى أسعد واحدة فى الدنيا دى كلها ومش هيبقى فى أتنين أسعد مننا لأن أنا بحبك أوى يا حبيبتى
تلا وعوده وعهوده على أذنيها ، فأطمئن بالها من حديثه ، وأغلقت الهاتف ، بينما هو عقد ذراعيه وهو ينظر لشقيقه نظرة إنتصار
فقال بزهو وتفاخر :
– إيه رأيك بقى فى اللى سمعته يا نصر ، البنت فى إيدى زى حتة العجين اللى أقدر أشكلها بالطريقة اللى تعجبنى دى هتبقى الفرخة اللى هتبيض لينا بيضة دهب بس الشاطر هو اللى يعرف يستغلها كويس ، وأنت عارف أخوك شاطر فى أنه يوقع البنات فى حبه
إبتسامة ساخرة هى جل ما حصل عليه نادر من شقيقه نصر ، فجهله بمن يكون خصمه ، ومن سيبارزه بتلك اللعبة ، يجعله يظن أن الإنتصار سيكون حليفه ، و لكنه لا يعلم أن تلك هى الخطوة الأولى نحو مصيره الأسود ، الذى سيتلقاه على يد رياض النعمانى ، إذا علم بنواياه الخفية لزواجه من حفيدته ، بل الأدهى إذا علم حقيقته
فغروره بإيقاع الفتيات بحبه ووسامته ، ربما أنساه أن الحظ لن يكون حليفه بكل مرة ، فإن كان إستطاع خداع عرفان ، عندما تقدم لخطبة حياء سابقاً ، فلن يستطيع خداع كبير عائلة النعمانى ، فخيوط اللعبة تشابكت ، وأصبحت أكثر تعقيداً ، خاصة بعد علمه أن رياض النعمانى له إبن ثانٍ ولم يكن سوى طبيب ،كان يعمل هو تحت إمرته ، وزوجته الحالية كانت خطيبته السابقة ، فربما نهايته تقترب أسرع مما يظن _________________
لا يسمع صوت بتلك الغرفة ، سوى إرتطام الطابة بالجدار ، فتعود إليه ويتلقاها بالمضرب ، ليعود ويلقيها ثانية ، فلا حل أنسب لتفريغ تلك الشحنة الهائلة من الغضب ، التى ملأت جوارحه ، سوى أن يمارس رياضته المفضلة ” الإسكواش ” ، فيداه أصابها التعب ، ورغم ذلك لم يكف عن اللعب ، يعيد الكرة مراراً وتكراراً ، كأن الطابة ستصيب حظه السيئ الليلة وتعود أوضاعه لما كانت عليه قبل أن تتراكم كل تلك الهموم بفؤاده دفعة واحدة
– هو إيه اللى بيحصلى النهاردة بالظبط
غمغم بها راسل بغيظٍ ، فهو حتى لم ينسى ما فعله بشكرى ، فربما الآن وصلت الأمور إلى ما لايحمد عقباه ، ولكنه لم يجد وسيلة أخرى ليثأر لكرامته وكرامة زوجته غير تلك ، فيكفى كذبه وإفتراءه بحق حياء ، وإدعاه بالباطل والخوض بشرفها وقذفها بتهم باطلة ، فهو يثق بها ثقة عمياء ، ولم يصدق حرفاً واحداً مما قاله
ولكن بإتيانه على ذكر أنه ربما يكون زوج مخدوع ، أحيى بنفسه ذكرياته الأليمة مع زوجته الأولى ، فهو يعلم أن حياء لا تشبه صوفيا ، فشتان بين الإثنتان ، ولكن تلك الرواسب النفسية السيئة ، التى حاول دفنها بغياهب القلب والعقل ، طفت على السطح الليلة ، من أنه تم خداعه من قبل صوفيا ، فقد كان معصوب العينين بوهم الحب
لتأتى باقى الأحداث مكملة لما أعتراه ، فأن يذهب لقصر أبيه ، ويجد الزوج المستقبلى لإبنة شقيقه ، ماهو إلا خطيب زوجته الأول ، والذى يُقن أنه ما أراد الزواح من ميس إلا من أجل ثراء عائلتها المعلوم لدى القاصى والدانى بالمجتمع السكندرى بأكمله ، وأن ينشب بينه وبين ميس خلاف ، أدى لتصريحها بأنها تريد قطع أواصر العلاقة بينهما ، فلا يعلم كيف فعل هذا وأقدم على صفعها ؟ فكأنه الليلة لم يكن سوى رجل إحترق بنيران الغيرة من رجل أخر ، وأراد أن ينفث غضبه وغيرته بأى أحد
– صبرك عليا يا نادر يا أنا يا أنت
عندما هم برفع ذراعه ، للبدء باللعب من جديد ، وجد يد تتمسك بمرفقه ، فألتفت بجانبه وجد حياء تحدق به بهدوء
تهدل ذراعه ، وسقط المضرب من يده ، فأحنى رأسه للخلف وأغمض عيناه ، يسحب من الهواء المحيط به ، قدر ما سمحت له أنفه ورئتيه
فغمغم بصوت متأثر :
– هو إيه اللى أنا عملته النهاردة ده إزاى أضربها أنا عمرى ما حاولت أزعلها ومش بس كده أضربها قدام كل اللى قاعدين
شدت حياء على كتفه وبدأت عيناها تدمعان وهى تقول بتأنيب :
– كل ده بسببى أنا يا راسل
أعاد رأسه لوضعه الطبيعي ، وفتح عيناه يرمقها بهدوء ، فلما تلقى باللوم على عاتقها ، فهى ليست المذنبة ، فالمذنب الوحيد تلك الليلة هو وليست هى
طوقها بذراعيه وأدناها منه قائلاً بحنان:
– أنتى ملكيش ذنب فى حاجة يا حياء ، الذنب ذنبى أنا أن أنفعلت بسرعة ودى مش عوايدى ، بس مقدرتش أمنع نفسى من الغيرة ، لما حسيت برعشة إيدك فى إيدى وقت ما شوفتيه ، وكمان سيبتى إيدى ولما شوفت نادر بيبصلك ، وكويس أنها جت على أن طردته ، أنا كان ممكن أعمل أكتر من كده
رفعت ذراعيها الناعمتين ، ووضعتهما حول عنقه ، مما جعله ينحنى بجزعه العلوى إليها قليلاً ، فخرج صوتها مكتوماً وهى دافنة وجهها بكتفه :
– صدقنى يا راسل أنا كأن مكنتش شيفاه النهاردة إلا شيطان عرف يلعبها صح وعايز يوقع ميس فى نفس الفخ ، أنا اللى غلطانة أن مقولتلكش على كل حاجة من الأول ، وعرفتك هو إزاى واحد كداب ، دا حتى الناس اللى جابها معاه ساعة ما خطبنى أكتشفت انهم مش أهله دول ناس مأجرهم ، وكمان عرفت أن الشقة اللى كان ساكن فيها مأجرها ، ولما أنا كشفته أختفى ومشفتوش تانى إلا النهاردة
صمتت حياء بعد أن قالت ما لديها ، فما يهمها الآن أن يعلم أنها لم يعنيها رؤيته من عدمها ، فكل ما تريده أن يعلم سبب إرتجافها وقت أن وقع بصرها عليه ، فلا أحد يملك فؤادها وزمام أمورها الآن سواه هو
فأستطردت قائلة بصوت شجى :
– أنا مفيش فى قلبى إلا أنت ، أنت حبيبى وجوزى وكل دنيتى ، وكل أهلى وعزوتى
زفر أنفاسه الكامنة فى رئتيه بروية ، لعل يخرج إستياءه معها ، فيد تطوق خصرها ، ويد أخرى ملتفة حول مؤخرة عنقها ، فبات يشعر بضخ الدماء بعروقها ، وتسارع وتيرة أنفاسها ، فلا يعلمان كما طالت وقفتهما هكذا ، فحل وثاقه المفروض حولها قليلاً ، حتى يتمكن من رؤية وجهها
رفعت وجهها إليه بعينان تفيض حلاوة وعذوبة ، يترافق معها الندم ، على أنها تسببت فى حدوث خلاف بينه وبين إبنة شقيقه
إبتعدت شفتها السفلى عن العليا قسراً ، فهما كانتا مضموتان تشعر بأنهما ملتصقتان بمادة لاصقة ، ولا سبيل لفصلهما ، حاولت مراراً أن تبدى أسفها ، فلم يدعها تسلك درب الندم ، فتغوص أقدامها بطرقه المتعرجة ، وتعجز عن الخروج من متاهة الشعور بالذنب ، فهو خير من يعلم ذلك الدرب ، الذى يظل يتأكل القلب والعقل ، حتى يترك صاحبهما بالنهاية عاجزاً عن تخطى الأمر ، ويظل يشغله وقتاً طويلاً ، مثلما كان يشعر بالندم لزواجه الأول ، وأن إبنته كانت إبنة لإمرأة لعينة ، فدائماً ما كان يشعر بالندم ، لعدم إختياره لها أم صالحة
لذلك من الأفضل لها أن تحاول نسيان الأمر ، ولتتركه هو يحاول إصلاح الأمور بينه وبين ميس ، فوضع إصبعاً على شفتيها ليمنعها الحديث
قال بأمر حازم ولكنه يحمل بين طياته اللين واللطف:
– خلاص يا حياء بطلى تتأسفى وتعتذرى أنا قولتلك أنك ملكيش ذنب ، ثم ميس أنا أعرف إزاى أصلح أمورى معاها محدش يعرفها أكتر منى
فأكمل حديثه وهو يصك أسنانه بغيظ:
– اللى هاممنى دلوقتى ألاقى حل للى إسمه نادر ده ، لأنه الظاهر كده عرف يضحك على عقلها إزاى ، بس أنا مش هسمحله يقرب منها ولا أن يخليها تدمر نفسها بنفسها ، لأن لو ميس جرالها حاجة ، مش هيكفينى أن أطلع روحه فى إيدى كمان
أماءت حياء برأسها دليلاً على معرفتها الجيدة بأمور الخداع الخاصة بنادر ، فدائماً ما يستخدم وجهه اللطيف والوسيم ولسانه المعسول فى إيقاع ضحيته ، ولكن ربما هى ممتنة أنها علمت بأنها متبناة ، فأبتعد عنها ونالت من هو أحسن وأفضل منه رجولة وخُلقاً
فمسدت بيدها على لحيته ، لعلها تهدأ من بوادر تلك العاصفة الغاضبة ، التى توشك على ضرب قسمات وجهه من جديد
تبسمت إبتسامة عاشقة وقالت :
– تعرف يا راسل أن أنا دلوقتى بحمد ربنا وبشكره أنه كشفلى حقيقته ، قبل ما أتورط وأتجوزه وكمان عوضنى بيك أنت العوض الجميل
بلمسة يدها السحرية ، إستطاعت ردع جيوش اليأس الزاحفة نحو قلبه ، فخفقات قلبه التى كانت تهدر منذ قليل بأمواج الغيرة ، صارت نابضة بإشتياق لسماع المزيد ، فالكلمات تخرج من بين شفتيها كالترياق ، الذى ظل يبحث عنه منذ سنوات ، ليبرأ من ألام وأوجاع الماضى
كأنه نسى كل الهموم فجأة ، فأستند برأسه إليها قائلاً وهو مغمض العينين :
– أنتى متعرفيش بقيتى بتعملى فيا إيه يا حبيبتى ، كأن أنا وأنتى فى عالم لوحدنا ومفيش حد تانى
فعوضاً عن يد واحدة تتلمس وجنته ، صارتا يداها الإثنتان تحتضنان وجهه ، رافعة إليه عينان سكن بهما الرجاء ، من أن تظل أمورهما على ما يرام ، فخرجا من الملعب خاصته ، وصعدا إلى غرفتهما ، فالمنزل ساكناً وهادئاً ، فهما بعد عودتهما وجدا وفاء وسجود قد أخلدتا للنوم
فبعد مرور مزيد من الوقت ، كانا مازالا مسهدان ، فالنوم كأنه عاصياً على أجفانهما ، فعلى الرغم من أنهما حاولا نسيان ما حدث ، ولكن لم يستطيعان النوم ، تستمع هى لدقات قلبه أسفل أذنيها ، وهو يعيث بخصيلاتها الحريرية بشرود ، فتنزلق من بين أصابعه من منبت شعرها ، حتى يصل لنهايته ، فكأنما أنتبه على طول شعرها
فمسد على رأسها وهو يقول بإعجاب :
– شعرك حلو أوى يا حياء وطويل
مدت يدها ووضعته خلف أذنها وقالت بتفكير:
– كنت بفكر كتير أن أقصه وأخليه قصير ساعات بيضايقنى
– إياكى تعمليها يا حياء وتقصيه أنا حبيته كده
قالها راسل بتحذير ، من أن تفعل ذلك
فرفعت وجهها إليه وقالت بوداعة :
– خلاص مش هقصه عارف نفسى فى إيه يا راسل نفسى أرقص رقصة الفالس معاك بفستان ملكى وتبقى أنت الأمير
تبسم راسل بهدوء قائلاً بهمس :
– شكلك بتحبى النمط الكلاسيكى أوى ومتأثرة بقصة سندريلا
هزت رأسها بالايجاب وهى تبتسم بخفوت ، فقبل أن يعاودا الحديث ثانية ، سمع راسل رنين هاتفه ، ولكن المتصل لم يكن أحد سوى والده ، فظل ينظر للهاتف بخواء ، وعلى الرغم من أن حياء حثته على أن يجيب على هاتفه ، إلا أنه لم يستمع لها ، فهو يعلم أن المكالمة بينهما ستنتهى نهاية غير مرضية لكلا الطرفين ، فهو يخشى أن يُقدم رياض على ذكر زوجته بشئ يثير به الضيق ، فهو يعلم أنه لن يمرر له صفع ميس هكذا مرور الكرام ، خاصة أن صفعه لها كان من أجل الدفاع عن زوجته
________________
بعد مرور يومين …
أنتهى المأذون من عقد قران كرم وهند ، بعد خروج والدها مباشرة من المشفى ، فهو خرج نهاراً وبالمساء كان جالساً واضعاً يده بيد كرم لإنهاء تلك الزيجة التى جاءتها بدون سابق إنذار ، فكأن كل شئ حدث بلحظة واحدة ، فلم تنسى والدتها تدبر أمر ثوب الزفاف ، من أجل أن تذهب به لمنزل زوجها ، فكلما تتذكر رفضه إلاقامة بمنزل أبيها ، وإصراره على أن تقيم هى معه بشقته بذلك الحى الفقير ، تكاد تصاب بالجنون ، وعلى الرغم من ذلك ، لم تستطيع أن تنبس ببنت شفة ، فيكفى أنها كانت ستقضى على حياة والدها برعونتها
تركت مقعدها بعدما أشار لها كرم بضرورة الرحيل ، فلم تمنع والدتها دموعها وهى تطوقها بذراعيها من أجل وداعها ، فكم كانت ترغب بأن تقيم لها حفل زفاف ، وأن تراها تتبختر بثوب زفافها ، وتتلقى التهانى من القريب والبعيد
فقالت من بين دموعها :
– خلى بالك من نفسك يا هند
فإستدارت برأسها لكرم وهى تكمل حديثها:
– خلى بالك منها يا كرم
– متقلقيش يا خالتو
قالها كرم بهدوء ، فصافح زوج خالته ، الذى أحتضنه إمتناناً على فعله النبيل ، فأقترب من إبنته ولم يمنع دموعه هو الآخر وهو يشدد من إحتضانه لها ويقول بغصة علقت بحلقه:
– كان نفسى يوم فرحك يبقى يوم ميتنسيش يا هند
دمعت عيناها رغماً عنها وهى تربت على ظهر أبيها وقالت برجاء :
– أرجوك يا بابا سامحنى
أبتعد عنه وأخذت يده تقبلها ، فتساقطت دموعها على ظهر يده ، فرأت أنه من الأفضل لها الرحيل الآن مع من أصبح يسمى زوجها ، فمرغمة كانت تتأبط ذراعه ، فإن كانت صمتت منذ موافقة والديها على تلك الزيجة ، فهذا لا يعنى أنها مرحبة بها أو بأنها صارت تحمل إسمه
صف السائق السيارة أمام تلك البناية السكنية القديمة ، فتطلعت “هند ” حولها بفزع ، فكيف لها أن تعيش هنا ؟ كان “كرم” الأسبق بترك السيارة ، أنتظر خروجها لهنيهة ، ولكنها مازالت مكانها ، منكمشة على ذاتها ، كمن تخشى الخروج ، فدار حول السيارة ووقف بجانب الباب من جهتها ، فأنحنى ينظر لها من النافذة النصف مفتوحة
جز كرم على أنيابه قائلاً بغيظ وهمس :
– أتفضلى أنزلى يا عروسة
لم يزدها صوته المكظوم بغيظه ، سوى أن ازداد حنقها ، فعلى حين غرة فتحت باب السيارة من جانبها ، فأرتطم بوجه ” كرم ” فتبسمت بتشفى على إيذاءها له
ولكن تلك الأعين الراصدة لهما ، هى من جعلته يحجم عن جرها من السيارة ، فتصنع الابتسام وهو يساعدها على الخروج ، نظرت للأرضية الترابية
فهتفت بنزق :
– ديل فستان الفرح هيتبهدل وده مدفوع فيه فلوس كتير تشترى الحى ده كله
كبرياءها وغرورها اللعين اللذان أمرضاه ، سيحرص هو على نزعهما منها ، ولكن لكل شئ أوان ، فأنحنى يلملم طرف ثوبها حتى وصلا أمام باب البناية ، فأنطلقت الزغاريد من نساء الحى على رؤية ” كرم ” عائداً برفقة عروسه
فتبسم لهن وشكرهن ، وجعلها تتأبط ذراعه ، ومازالت تشد على شفتيها لرسم تلك الإبتسامة المصطنعة ، ففتح باب شقته المتواضعة ، ودعاها للدخول
ولجت هند تنظر حولها بتعبيرات الاشمئزاز ، التى لم تفارق وجهها منذ إجبارها على تلك الزيجة ، فلم تمنع نفسها من التفوه بتلك الكلمات :
– إيه الشقة المقرفة دى هعيش هنا إزاى
صفق ” كرم ” باب الشقة بقوة ، فأرتعدت أوصالها وظلت تزدرد لعابها مرة تلو الأخرى ، فرأته مقبلاً عليها حتى وقف أمامها
تأملها بصمت لدقيقة ، فخرج صوته مستاءاً :
– ياريت تبطلى تتريقى على كل حاجة بسلامتك وعلشان اليومين اللى هتقعديهم هنا يمروا بسلام ، لأن وقسما بالله ما هعمل إعتبار لأى حاجة وهندمك ندم عمرك يا هند
تبسمت قائلة بسخرية من حديثه :
– أنت تندمى أنا شكلك نسيت نفسك يا كرم
غامت رماديتيه بسحابة الغضب فهدر بصوت عالى :
– الظاهر أنتى اللى نسيتى نفسك يا هند ونسيتى أن اتجوزتك علشان أتستر على فضيحتك وده كله علشان خاطر خالتى وجوزها
فتأملها من رأسها لأخمص قدميها وهو يقول بإستهزاء :
– اللى زيك مش لازم تتكلم خالص وأه صحيح ياهند نسيت أسألك هو لما أنتى نسيتى نفسك وعملتى المصيبة اللى عملتيها مع الندل اللى كان معاكى ، تكونيش حامل ونسيتى تقولى ، فلو كده عرفينى
– كرم
صاحت بإسمه بإنفعال ، وهمت برفع يدها لتصفعه ، فما كان منه سوى أن ألتقط كفها الناعم بين كفه الضخم ، فأعتصره بقوة ، جعلتها تتأوه بصوت مسموع
فجذبها فجأة حتى أرتطمت بصدره ، فدمدم بأذنها بفحيح :
– فى حاجة عايزك تعرفيها وهى أن أنا دلوقتى جوزك ومش هسمحلك بأمور العجرفة بتاعتك دى وأقولك على حاجة كمان يا هند أنا قرفان منك وقرفان أن أتجوزتك وحتى قرفان أبص فى وشك وعلشان نبقى على نور من أولها لازم تلتزمى الأدب طول ما أنتى قاعدة هنا ، وإلا هتشوفى أسوء معاملة
كلماته كانت كالسياط ، التى جلدت كرامتها وكبرياءها ، فأن يدور الزمن وتصبح بهذا الموقف أمامه وتسمع منه هذا الحديث ، لهو بالشئ المهين بحقها
فأنتظرت دفعه لها بين فينة وأخرى ، ولكن ظل وضعهما المريب على حاله ، فزاغت عيناها بكل إتجاه ، فهى تشعر بملمس لحيته على وجنتها الناعمة ، كأنها أشواك مغروسة بلحم وجهها ، وكفه قابض على معصمها البض كسوار من حديد
تلك هى المرة الأولى ، التى تكتشف بها فرق الطول بينهما ، فهى ظنت أنها تفوقه طولاً حتى وهى ترتدى حذاءها ذو الكعب العالى ، ولكنها مخطئة فهو أطول منها بعدة سنتيمترات ، ومنكبيه عريضين فلو وضعت رأسها على كتفه ، وأخذها بين ذراعيه ، ستكون كالدمية الضعيفة بين يديه
فتحت عيناها بفزع من تفكيرها ، فبادرت هى بدفعه عنها ، فكأنما أعادته لرشده ، الذى كان على وشك أن يُسلب منه ، عندما أقترب منها إلى هذا الحد ، الذى مكنه بوضوح من سماع أصوات أنفاسها وإستنشاق عطرها ________________
أمسية هادئة بقصر النعمانى ، على خلاف اليومين الماضيين ، فميس كانت قد أنتابتها إحدى نوبات العصبية والبكاء ، وأعتكفت بغرفتها ، بعيداً عن باقى أفراد العائلة ، فحاولت سوزانا عدة مرات ، أن تجعلها تلج الغرفة لتتحدثان ، ولكن قابلت ميس محاولاتها المتكررة بالرفض ، فكل من بالقصر متعجباً من تصرفها ، الذى رآه جدها وخالها أنه طفولى بعض الشئ
فعلى الرغم من أن عاصم ، يعلم كم هو قاسى ذلك الشعور ، من أن يبتعد الحبيب عن محبوبه ، إلا أنه وجد أن الطرف الثانى بتلك العلاقة الغير مفهومة ، لايستحق عناء الشعور بالألم
أرتمى عاصم على الأريكة وهو يزفر بإرهاق ويرخى رابطة عنقه ، فحدق بشقيقته الجالسة وواضعة يدها على وجنتها بشرود
فعقد حاجبيه متسائلاً:
– مالك يا سوزانا قاعدة ليه كده هى ميس برضه لسه مش عايزة تخرج من اوضتها
حركت رأسها بالإيجاب وهى تقول بقلة حيلة:
– أيوة ومش عارفة على إيه ده كله خلاص يعنى الدنيا اتهدت ما جدها قالها أنه هيشوف الموضوع ده لازمته ايه بقى الإضراب اللى هى عملاه
إستند عاصم بظهره للأريكة ومط شفته السفلى وسرعان ما قال بصدق :
– مع أن عمرى أنا وراسل ما أتفقنا على حاجة بس دى أول مرة أحس أن عنده حق ، نادر ده شكله حلنجى كده ومش مريح ومرتحتلوش
– ومين سمعك يا عاصم أنا برضه حسيت كده
قالتها سوزانا بتأكيد ، فنادر لم يحوز حضوره على قبول أحد من أفراد العائلة سوى ميس ، فربما إن لم يكن أعلنها راسل صريحة أنه رافضاً تلك الزيجة ، كانت هى ستبدى رفضها لقبول نادر زوجاً لإبنتها
صمتا الإثنان بعد رؤيتهما عمهما خارجاً من غرفته ، ويبدو عليه أن يتأهب للخروج ، ولكن إلى أين هو ذاهباً بهذا الوقت ؟
فتركت سوزانا مجلسها وهى تقول باهتمام:
– أنت رايح فين يا عمى دلوقتى
نقر رياض بعصاه عدة نقرات ، فرد قائلاً بهدوء :
– عندى مشوار مهم ومش هتأخر ، وحاولى مع بنتك دى أنها تاكل مش هتفضل صايمة على طول ليجرالها حاجة
فحول بصره من وجه سوزانا لعاصم وهو يكمل حديثه:
– عملت ايه يا عاصم عرفت مين اللى أخد ملف الصفقة اللى اتهمت فيه حياء
أماء عاصم بالإيجاب وهو يقول:
– أيوة يا عمى طلع واحد شغال فى الحسابات وبلال هو اللى كشفه وحاسبته على عملته دى
– ده درس ليك علشان متبقاش تتهم حد قبل ما تتأكد ، ولولا أن قولتلك دور فى الموضوع مكنتش سألت ، مش عايز الغلطة دى تتكرر تانى يا عاصم مفهوم
أنهى رياض حديثه ، وخرج من المنزل ، فأسرع السائق بفتح الباب الخلفى للسيارة ، وبعد أن أخذ سيده مكانه بالمقعد الواسع ، دار حول تلك السيارة الفارهة ، واتخذ مكانه خلف المقود
أخبر رياض السائق بضرورة ذهابه لذلك المنزل ، الذى يقطن به ولده العنيد ، فقاد السائق السيارة تتبعه سيارة ذات دفع رباعى خاصة بالحرس
وصل للمنزل فترجل من السيارة ، رأته حياء من شرفة غرفتها ، فهى قد أنهت لتوها مكالمتها مع زوجها ، الذى أخبرها بأنه بالطريق للمنزل ، ولم يتبقى سوى عدة دقائق ويصل
ولج رياض للداخل وإصطحبته الخادمة ، حتى وصلا لغرفة المعيشة ، فأستأذنته بالذهاب لإخبار سيدة المنزل الأولى بمجيئه ، فوفاء قد عادت من متجرها وهى الآن بغرفتها
تقفز سجود بسعادة وهى تدندن بأحد الأناشيد ، التى تعلمتها حديثاً بالروضة ، فوصلت لغرفة المعيشة وهى تصفق بيدها
ولكنها كفت عن كل حركة كانت تفعلها بعد رؤية رياض ، فزوت ما بين حاجبيها وهى تقول بتساؤل :
– أنت مين ؟
إختلجت إبتسامة على فم رياض بعد أن رآها أمام عيناه ، فهى أجمل بكثير من تلك الصور ، التى كان يجلبها له الحارس
فمد يده يشير لها بالإقتراب وهو يقول بحنان :
– تعالى يا حبيبتى تعالى أنا جدو
– جدو مين أنا مش عندى جد مش عندى غير آنا وفاء أنت بتكذب وبابى ومامى قالولى مش تكلمى حد غريب
قالتها سجود بعفوية ، وعلى الرغم من أنه يعلم أنها طفلة ولا تحسب حساباً لقولها ، إلا أنه شعر بوخز بقلبه من أن حفيدته الصغرى ليس لها علم بوجوده
إلا أنه حاول إستمالتها ثانية بقوله:
– لاء يا حبيبتى أنا جدو تعالى متخافيش أنا مش حد غريب
ولكن قبل أن تقترب سجود خطوة واحدة ، كانت وفاء تلج الغرفة ، فمسدت على رأس الصغيرة وهى تقول بحزم :
– سجود يلا يا حبيبتى روحى أغسلى إيديكى بعد ما خلصتى لعب علشان إيدك تبقى نضيفة
إستمعت الصغيرة لأمرها ، فخرجت تقفز مثلما كانت تفعل ، فوقفت وفاء على عتبة الغرفة ، وهى تضم كفيها وتقول ببرود :
– خير يا رياض باشا إيه سبب الزيارة السعيدة دى ، دى أول مرة تشرفنا فى بيتنا المتواضع ، خير يا ترى
طالعها رياض بنظرات حادة ، فهو إستشعر نبرة الجفاء بصوتها لرؤيتها له هنا ، ولكنه لم يأتى إلا من أجل رؤية ولده ، ورؤية حفيدته ، التى لم يصح له أن يأخذها بين ذراعيه ، كأنه سيظل هكذا يراها ولا يقترب منها
هبطت حياء الدرج بتمهل ، فهى تفكر بأسباب مجئ والد زوجها الآن ، فعقلها لا ينفك عن التخيل بما سيحدث ، إذا تواجه راسل مع أبيه وخاصة هنا فى منزله ، فكأن قدميها عجزت عن أن تخطى خطوة أخرى وتلج غرفة المعيشة ، فوقفت بالخارج ، ولكن كان بإمكانها سماع الحديث الدائر بين وفاء ورياض
فهى سمعت صوته حاداً وهو يقول بنبرة نزقة :
– بلاش الأسلوب ده معايا يا ست وفاء علشان أنتى عرفانى
تبسمت وفاء بسخرية وقالت:
– إلا عرفاك ، عرفاك أوى يا رياض باشا عرفاك عز المعرفة ، بس ده مش موضوعنا ، من الأخر كده عايز مننا إيه
رد رياض ببرود :
– أنا مش عايز منك حاجة أنا عايز راسل وحفيدتى أظن كفاية عليهم كده ، عايز حفيدتى تتربى فى قصر النعمانى زى بنت عمها ، ومتنسيش أن راسل وريث النعمانى دلوقتى ، وأنا مش هفضل عايش العمر كله ، فلازم يتعود على الحياة اللى هسبهاله ، ويتعلم ازاى يبقى ابن رياض النعمانى
أنتفضت وفاء صارخة برفض :
– وأنا أبنى وحفيدتى مش هيبعدوا عنى ولا هسمحلك أنك تاخدهم منى
هب رياض واقفاً على قدميه ، قدر ما أمكنه جسده الهرم وعظامه الواهنة ، فرد قائلاً بصوت لا يقل إحتجاجاً عن صوتها :
– هو علشان سيبتهولك السنين اللى فاتت دى كلها خلاص أفتكرتيه أنه بقى إبنك بجد ، راسل مش إبنك علشان تدى نفسك الحق أنك تحرمينى منه

_________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى