رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سماح نجيب
رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الحادي والعشرون
رواية لا يليق بك إلا العشق البارت الحادي والعشرون
رواية لا يليق بك إلا العشق الحلقة الحادية والعشرون
٢١– ” جنباً إلى جنبٍ ”
بحزم مُزج باللين واللطف ، كان جاعلاً إياها تعود بين ذراعيه ، فلو تركها تفكر كثيراً بهذا الأمر ، ستصاب بإنفعال قوى ، ولن تقوى على مجابهة مخاوفها ، بأن ماحدث شيئاً عادياً ويمكن تجاوزه ، فهو يضع ثقته بها ، عوضاً عن أنه طبيب ، وعلى دراية بتلك الأمور ، حتى وإن كان غير مختص بالأمور النسائية ، فهو بإمكانه التفريق بين من تكون تلك هى المرة الأولى لها ، وبين التى ربما معتادة على الأمر
عملا إبهاميه على محو تلك العبرات الدافئة ، التى بدأت تتساقط من عينيها شيئاً فشيئاً ، فعلام هى تبكى الآن ؟ فلا يحق لها البكاء بليلة كتلك
أصبحت رؤيتها لوجهه مشوشة ، ويرجع ذلك لتلك الدموع التى ملأت مقلتيها ، تخشى أن يظن بها السوء ، والله أعلم بأن لم يجرأ أحداً يوم على مسها بإرداتها أو بغيرها
أرادت فتح فمها لتقول شيئاً ، فكأنما أعطت له إذناً بأن يجعلها تحلق إثر عناقه الحار ، فهى لم تكن تعلم أنه سيكون عذب المذاق ، كالماء بجدول يضفى عليه القمر نوره ، فتغرى النفس بالإرتواء منه
أراد إطلاق سراح تلك الكلمات التى علقت بحلقه ، ويرغب بها تهدئة أفكارها الثائرة ، فعلى الرغم من تجاوبها الحار معه ، إلا أنه يشعر أحياناً بأنها تتململ بين ذراعيه
فهمس لها بأذنها قائلاً بصوت دافئ :
– حبيبتى أنا قولتلك أن الموضوع عادى ومتنسيش أن أنا دكتور ومتفهم الوضع كويس بس علشان أنتى متوترة فمش قادرة تتحكمى فى أفكارك أقولك تعالى وهخليكى تقرأى مقال عن الموضوع اللى شاغلك ده
سحبها من يدها وولجا للغرفة ثانية ، فأغلق راسل باب الشرفة ، وسحب الستائر المخملية ، فلا يعلم كم قضيا من الوقت بداخل الشرفة ولم يشعران بتلك النسمات التى شابها برودة خفيفة
جعلها تجلس على حافة الفراش ، و فتح هاتفه يبحث عن مقال لأحد الأطباء مختص بذلك الأمر الذى يشغلها ، لعلها بعد قراءته تترك تفكيرها هذا جانباً
أنفتح الهاتف على ما يريد ، فوضعه بيدها وهو يقول برفق :
– خدى يا حياء أقريه يمكن تطمنى
أخذت الهاتف من يده وهى ترتجف ، ليس من الخوف فقط ولكن من الخجل أيضاً ، تصفحت الهاتف ببطئ ، فرأته يستلقى بجانبها على الفراش بإنتظارها أن تنتهى ، ولكن غلبه النعاس رغماً عنه ، فلم تكتفى بقراءة مقال واحد ، فكلما أنهت واحد بحثت عن أخر ، كأن وسواسها لن يهدأ ، قبل قراءة العشرات من المقالات
يأست من كثرة القراءة ، فهى إن بدت قنوعة بما قرأته ، فهناك جزء صغير بداخل عقلها رافضاً الإطمئنان قبل رؤية طبيبة نسائية تفحصها وتخبرها بحقيقة أمرها ، ولكنها لن تخبره بهذا الأمر ، فيكفيها أن تظهر له قناعتها ، حتى لا تثير إستياءه منها ، فماذا تريد أكثر من كونه متفهماً لما حدث ، بل أنه هو من يريدها أن تكف عن التفكير بما يفسد سعادتهما
فوضعت الهاتف على الكومود بجوار الفراش ، فإستمعت لصوت أنفاسه المنتظمة ، ولكن عصى النوم عن أن يسكن عينيها ، فظلت مسهدة تراقبه ، لا تعلم كيف تصف شعورها وهى تراه نائماً هكذا ببراءة
فتبسمت بخفوت وهى تقول بصوت هامس :
– نايم زى البيبى
– أنا كنت نايم زى البيبى ، وأنتى كنتى بتعملى ايه ده كله يا ماما لحد ما لقيت نفسى نمت
قالها راسل فجأة وهو يطل عليها بوجهه باسماً
فشهقت حياء بعد سماع قوله وقالت بتلعثم :
– ههو أنت لسه صاحى ولا أنت بتسمع وأنت نايم
عملت أنامله على إزاحة خصيلاتها التى غطت جبهتها وهو يقول بصوت متهدج من الشوق :
– لاء دا أنا اللى بقيت بحس بقربك بسهولة
آمرت عيناه عيناها بالوصال ، فلم تردها خائبة ، فكانت مثلما تمنى وأكثر ، فهى كبحر كان هو أمواجه ، كنغمة كان هو يشدو بها ، كققمر وهو سماءها ، مترابطان متشابكان كأنهما خلقا لبعضهما البعض ، أدم وحواءه ، حواء التى ظلت تبحث عنه وسط الجموع
فعلى أى حال ، لم تعد قادرة على تفادى الخضوع والرضوخ ، لتلك القوى الخفية التى تجذبها نحوه ، فكان يطوقها بذراعيه ، وكأنه لن يتركها ابداً بعد الآن ، بلغت سعادتها ذروتها خاصة أنها لاحظت أنه يحاول التصرف معها ، قدر الإمكان برقة ونعومة ، كأنه يخشى إيذاءها بدون قصد منه فهو يرى أنها كالوردة الناعمة ، التى يجب عليه أن يتعامل معها بحرص وعناية فائقة
________________
فركت ولاء عينيها وهى تستمع لصوت طرقات الباب المُلحة ، فسحبت ذراعها بهدوء من أسفل رأس سجود ، فهى تخشى أن تستيقظ من صوت الطرقات المزعج ، فمن أتى هكذا بوقت مبكر ، فاليوم يوم عطلة ، ولا يفكر أحد بالإستيقاظ مبكراً ، فسحبت حجابها بتذمر ، لترى من هذا الطارق ، وصلت لباب الشقة ، ففتحت الباب وكادت تلقى بصيحة محتجة بوجه القادم ، ولكنها قطبت حاجبيها قليلاً بغرابة من مجيئ أبيها ، فمنذ متى وهو يأتى إليهما باكراً ؟
اغلقت عينيها بتعب وزفرت من أنفها بضيق وقالت:
– خير إيه المفاجئة دى وكمان جايلنا على الصبح كده خير يا ترى
– الصراحة مجاليش نوم من أمبارح
قالها حسان وهو يخطو بخطواته للداخل ، فتنحت ولاء جانباً لتسمح بمروره ، عوضاً عن أن يصطدم بها ويطرحها أرضاً
فأغلقت الباب وعقدت ذراعيها وهى تقول بغرابة:
– ليه إيه اللى حصل
مسح حسان على شاربيه وقال بدهاء :
– أمك قالتلى أن جايلك عريس اغنى من اللى إسمه فؤاد سالم ده
أصبح الآن فؤاد نكرة بالنسبة له ، وهو من كان مستميتاً لإتمام تلك الزيجة ، غلت الدماء بعروقها ، فلما فعلت والدتها ذلك ، أو لما أخبرته بالأمر ، فهى كانت لاتريده أن يعلم بشأنه الآن ، عندما وجد صمتها قد طال ، واستحال وجهها للون الأحمر من فرط غضبها وغيظها
تبسم لها إبتسامة عريضة وهو يقول:
– طالما عملتى كده يبقى الكلام بجد تعالى بقى وقوليلى مين العريس ده وعرفتيه منين
أشار لها بالجلوس جانبه وهو يمسد على قماش الأريكة ، كأنه ينظف لها المكان قبل جلوسها ، فصاحت بوجهه:
– ملكش دعوة بالموضوع خالص مش كفاية كنت عايز تبعنى لفؤاد دلوقتى عايز تعرف مين العريس علشان تشوف هتكسب من ورايا قد إيه مش كده
لم يتحمل صوت صيحتها به ، فنهض من مكانه يقبض على شعرها من أسفل حجابها وهز رأسها بعنف قائلاً بتهديد :
– أنتى مش ناوية تحترمى نفسك بقى يا ولاء أنتى ناسية أن أنا أبوكى
تألمت ولاء من قسوة أصابعه ، فحاولت فك أسر حجابها من يده وهى تقول بألم :
– سيب شعرى حرام عليك بقى أه سيبنى
رآى حسان سجود تخرج من الغرفة ، وهى تفرك عينيها وتقول بنعاس :
– ولاء سيجو خايفة ومش عارفة تنام
أزاحت الصغيرة يديها عن زرقاوتيها ، فتفرست بوجه حسان وهى تقول:
– مين ده يا ولاء
ترك حسان ولاء وأقترب من سجود ، فأنحنى بجزعه العلوى لها وقبض على فكها بشئ من القسوة قائلاً بجفاء :
– هو أنتى بقى بنت الدكتور راسل أبو لسان طويل
تألمت الصغيرة من فعلته ، فمدت ذراعيها النحيلتان وحاولت دفعه عنها
فصرخت سجود قائلة بخوف :
– ولاء خليه يسيبنى أنا هقول لبابى أبعد أبعد عنى
سحبت ولاء يده وهى تعنفه بصوت مسموع :
– أبعد عنها علشان دى لو جرالها حاجة أبوها مش هيرحمك أنت متعرفش هى إيه بالنسباله ومتنساش كمان أنها حفيدة رياض النعمانى اللى ممكن يمحيك من على وش الدنيا وأتمنى فعلاً لو يعملها يبقى خدمنى أنا وأمى
خرجت إسعاد من غرفتها تتبعها وفاء ، بعدما أرتدت حجابها ، فرأت إسعاد زوجها يقف بمنتصف الصالة واضعاً يديه بجيبه ، وينظر لولاء وسجود
فوقفت إسعاد بالمنتصف قائلة بتساؤل وصوت مرتجف :
– هو فى إيه وبتتخانقوا ليه كده على الصبح حصل إيه
ركضت الصغيرة إلى وفاء وعيناها دامعتان ، فهى مازالت تشعر بالألم جراء قبضة حسان على ذقنها ، بل أنه ترك أثار أصابعه على بشرتها البضة
فرفعت رأسها وهى تقول بنهنهة :
– آنا وفاء يلا نروح لبابى ومامى الراجل الوحش ده وجعنى هنا
رفعت الصغيرة إصبها وأشارت لذقنها ، فأنحت إليها وفاء وحملتها بين ذراعيها تهدهدها وهى تقول بحنان :
– معلش يا حبيبتى يلا بينا علشان نمشى
– ما بدرى ياست وفاء
قالها حسان بإستهزاء واضح ، فلم تنسى وفاء أن تهديه نظرة نارية من عينيها قبل أن تقول بتهكم :
– بدرى من عمرك إن شاء الله واللى عملته مش هيعدى بالساهل
سحبت وفاء يد سجود ودخلت الغرفة ، لأخذ أغراضهما والرحيل من هنا ، فهى لا تطيق المكوث بمكان واحد مع هذا الرجل القمئ ، والذى تعلم بأفعاله القاسية مع زوجته وإبنته ، فكم من مرة بالماضى تصادما سوياً بالشجار ، أثناء دفاعها عن صديقتها ، وكان الأمر ينتهى بمزيد من الكراهية للطرفين
حاولت إسعاد وولاء الإعتذار عما بدره منه ، فسحبت إسعاد وفاء من مرفقها قبل أن تفتح باب الشقة ، فنظرت لها بأسف :
– وفاء متزعليش منى
تبسمت لها وفاء وقالت بتفهم :
– حبيبتى أنا مزعلش منك ابدا لا أنتى ولا ولاء بس لازم أمشى بقى علشان أرجع بيتى ونبقى نكمل كلامنا بعدين
إستدارت سجود برأسها ، وتطلعت لحسان بملامح وجه منكمشة وممتعضة ، فغمغمت بسخط :
– راجل وحش وشرير
أغلقت وفاء الباب خلفهما ، قبل أن تتمكن من سماع رده على ما قالته الصغيرة ، فزفرت ولاء من أنفها تحاول كبح دموعها وهى ترمقه بغضب
فقالت بصوت متحشرج :
– أنا نفسى أعرف إيه اللى أنت بتعمله ده حتى البنت الصغيرة قدرت تقولهالك ، يعنى سبحان الله محدش يشوفك ويقول كلمة حلوة
يده التى رفعها رغبة منه فى صفعها ، أسرعت إسعاد بإلتقاطها ، قبل أن يهوى بها على وجهها فنفضتها بشئ من الحدة ، فهى قد طفح كيلها وأنسكب أيضاً
فصرخت به وهى تقول :
– كفاية بقى حرام عليك أرحمنا يرحمك ربنا طلقنى وأبعد عن طريقنا وأنا مش عايزة منك حاجة بس سيبنى بقى أنا وبنتى فى حالنا
ضحك حسان بصوت عالى ، فقال ساخراً من قولها :
– أطلقك ! دا أنتى بتحلمى يا إسعاد أنا ماشى دلوقتى بس هرجع تانى ، بس دلوقتى أتأكدت أن فعلاً شكل العريس المرة دى تقيل أوى ، والعروسة الحلوة موافقة ، هنشوف بقى هيدفع مهرك قد إيه
لم ينسى أن يربت على وجه زوجته بأصابع قاسية ، كأنه يأنبها على ما فعلته وقالته منذ دقائق ، فخرج من الشقة ، وصوت صفع الباب خلفه جعلهما تنتفضان
فدمعت عيناها وهى تقول بجمود :
– الجوازة دى مش لازم تتم يا ماما أنا مش هتجوز معتصم مش هتجوزه
ظلت ولاء تصرخ بكلمة الرفض لتلك الزيجة ، وهى واضعة وجهها بين يديها ، ينتفض جسدها كاملاً من شهقاتها ونحيبها ، فهى كانت تأمل بأن راسل بإمكانه حل الأمر بدون اللجوء إليه ، أو أن يعلم هو شيئاً ، ولكن أملها قد خاب الأن
تفتت قلب إسعاد لوعة على حال وقول إبنتها ، ففرصتها بأن تحيا كأى فتاة بمثل عمرها ، ستضيع من بين يديها هباءاً ، ويرجع ذلك لتصرفات أبيها السيئة ، فصوت خطواتها الراكضة لغرفتها ، جعلتها تتهاوى بقدميها وتجلس بجوار أحد المقاعد باكية ، فكفت عن البكاء فجأة وعقلها يصور لها بأن ربما تستطيع هى حل ذلك الأمر ، ولن يكون الحل الأنسب لذلك إلا ….بقتله
__________________
لا تعرف كيف أتتها الشجاعة الكافية ، للجلوس أمام ذلك المسبح المشؤم حسب قولها دائماً ، بل أنها جلست على حافته ووضعت قدميها به ، فهل مجيئها لهنا ، محاولة منها لتجديد ذلك العهد الذى أخذته منذ أعوام ؟ والذى بدأ العمل على زعزعته عقب تلك المقابلة التى تمت بينها وبين عاصم ، فكأنها ظلت أعوام تجمع أعواد القش ، لكى تبنى محراب الإنتقام ، لتأتى الرياح وتجعله هباءا منثورا ، فهى لم تضع ببالها أن عندما تتم المواجهة بينهما ، سيخونها قلبها ثانية ، وتجده يخفق لأجله
أحنت رأسها وتساقطت دموعها ، فكأنما ترى وجوه عائلتها بأكملها على سطح الماء الرائق ، كأن بأعينهم لوماً لها على خيانة العهد
فمسحت عينيها وهى تقول بإصرار :
– لاء مش لازم أضعف لاء مش هسمحله يضحك عليا زى ما كان بيعمل زمان لازم أخد حقى منه لازم لازم
أثناء تعنيف نفسها وجدت معتصم يقترب منها ، ولم يخفى دهشته من رؤيتها لها وهى جالسة هنا بأكثر مكان ترهب الإقتراب منه ، فجلس بجانبها ووضع قدميه بالماء هو أيضاً
فلبط الماء بقدميه ليجعلها تنظر إليه ، فأتت حيلته بثمارها ، فوجدها تنظر إليه بعينان منتفختان من اثر البكاء
فقال معتصم بقلق :
– مالك يا غزل بتعيطى ليه وايه اللى مقعدك هنا ، أنا عارف ان هنا أكتر مكان بتكرهيه وبتخافى تقربى منه
نظر غزل أمامها وقالت بصوت غلب عليه الشجن :
– جيت علشان أفكر نفسى باللى راح يا معتصم
قبل أن تراه يبدأ بسؤالها عن مغزى حديثها ، تبسمت له وحاولت تغيير دفة الحديث فقالت متبسمة :
– سيبك من ده كله مقولتليش البنت اللى بتحبها كيلوباترا بتاعتك دى هنروح نقابل أهلها أمتى ونخطبها أهو حاجة تفرحنا بدل الحزن والوجع اللى إحنا عايشين فيه ده طول عمرنا
سكنت البسمة محياه وهو يرد قائلاً بحالمية :
– كنت هروح بكرة المحل بتاع مامتها وأسالها عن الميعاد بس أدعيلى مروحش ألاقيها غيرت رأيها ياغزل
تبسمت غزل على قوله ، فتلك هى المرة الأولى ،التى تراه متحمساً هكذا من أجل زواجه ، فرفعت يدها وربتت على وجهه بحنان وهى تقول:
– إن شاء الله خير يا حبيبى بس عايزين نقول لعمران هو لحد دلوقتى ميعرفش حاجة عن الموضوع
وكزها معتصم بكتفها وهو يقول بدهاء :
– هو عمران فاضيلنا هموت وأعرف إيه اللى شاغله اليومين دول ميكنش بيحب ومخبى علينا
– هو مين ده اللى بيحب يا سى معتصم
قالها عمران وهو يقترب منهما ، ويبدو متأنقاً كالعادة
فأشاحت غزل بنظرها عن وجه معتصم ونظرت إليه وهى تطلق صفير الإعجاب لرؤيته :
– واوو رايح فين كده بسلامتك بالشياكة والحلاوة دى عندك ميعاد غرامى
أنحنى عمران بحانبها وجلس القرفصاء ، فقرص وجنتها بلطافة وهو يقول:
– أنتى هتعملى زى المتخلف ده يا غزل
رفع معتصم شفته العليا قائلاً بتبرم :
– متخلف ! أقطع دراعى إما كنت بدبر لحاجة يا عمران وأنت مش عايزنا نعرف
نظر إليه عمران بطرف عيناه وهو يقول ببرود:
– إسكت أنت خالص خليك كده ماشى تحب على روحك ياسى أنطونيو مش لقيت كيلوباترا بتاعتك
نظر معتصم وغزل لبعضهما البعض ، فمن أين علم بهذا الأمر ، فهما لم يخبراه بإنتظار سماع كلمة الموافقة من ولاء
فرفع معتصم حاجبه الأيسر قائلاً بغرابة :
– وأنت عرفت منين يا عمران
تبسم عمران وأستقام بوقفته وهو يقول بثقة :
– عيب عليك دا أنا عمران برضه هو أنت مفكر أن أنا هسيبك تروح وتيجى وأنا عينى متكونش عليك أنت وغزل ، أنا مسيطر يا حبيبى ، يعنى أسيبكم يحصلكم حاجة وانا معرفش مبقاش عمران الزناتى
أحياناً تصل ثقته بنفسه حد الغرور ، فعلى الرغم من محاولة غزل التنصل من حصاره المفروض حولها هى ومعتصم ، إلا أنها لاتنكر أنها سعيدة بعنايته بهما ، وأنه يستميت بالدفاع عنهما ، فهو ورث صفات أبيها كاملة ، فعلى الرغم من ظهوره بمظهر القوة والبأس الشديد ، إلا أنها تعلم أن خلف تلك القوة ، قلب حنون وقادر على الحب كباقى البشر
______________
وصل راسل برفقة حياء وصغيرته للفندق ، الذى ينتوى قضاء وقت ممتع به برفقة زوجته وإبنته ، التى أصرت حياء على مجيئها ، فعلى الرغم من أنه كان ينوى الإستئثار بها لنفسه قليلاً بخلوة خاصة بهما ، إلا أنه شعر بالسعادة كونها تحاول أن تكون أماً لسجود
تناول مفتاح الغرفة من يد العامل ، بعد وضعه للحقائب الخاصة بهم بمنتصف الغرفة ، فوضع بيده نقوداً وبعد خروجه أغلق الباب خلفه
فقفزت سجود على الفراش الواسع وظلت تقفز وهى تصفق بيدها ، فهى لا تتخلى أبدا عن فعلتها تلك ، التى حذرها منها أبيها وحياء
فأقترب منها وحملها فجأة ، فصرخت بسعادة وهى تتعلق بعنقه ، فقضم وجنتها بمحبة وهو يقول:
– أنتى وبعدين معاكى هتجننينى يا شيخة
– بس إنت يا شيخ أنت اللى هتجننى
قالتها سجود وهى تحاول تقليد صوت أبيها بلكنتها الرقيقة
فتبسمت حياء على ما يفعلانه ، فأقتربت منهما وأخذتها منه قائلة بحنان :
– تعالى يلا علشان تغيرى هدومك وننزل البحر يا سيجو
ألقت سجود بنفسها بين ذراعى حياء ، فأخذتها وذهبت للغرفة الصغيرة الملحقة بغرفتهما ، والتى ستكون خاصة بنومها
وضعتها على الفراش وهى تقول بأمر لطيف :
– سجود أقعدى هنا وهجيب الشنطة بتاعتك بس بلاش تتنططى على السرير علشان متوقعيش ماشى يا روحى
أماءت سجود برأسها وهى تقول:
– أوك يا مامى بس سجود عايزة تنام مصدعة شوية
تبسمت حياء على قول الصغيرة ، التى تحاول أن تظهر حاجتها للنعاس بطريقة بليغة تشبه البالغين ، فوجدتها تتمدد على الفراش ووضعت يديها أسفل رأسها ، وتغلق عيناها
فجذبت حياء أحد أغطية الفراش الخفيفة ودثرتها به ، فلم تنسى وضع قبلة رقيقة على وجنتها المكتنزة ، وخرجت من الغرفة
وجدت راسل يحل أزرار قميصه وأزاحه عنه ، فعلى الرغم مما حدث بينهما ، إلا أنها لم تعتاد الأمر بعد
ولكن قبل أن تعيد أدراجها لغرفة سجود هرباً منه ، فرض حصاره حولها ، وما أن أقترب منها ، حتى وجدت نفسها تلتصق به بدون وعى منها ، تشعر بالذوبان بين ذراعيه
قال لها بصوت خافت ، بعد مرور لحظات معدودة :
– عارفة إنتى بتعملى فيا إيه لما تكونى قريبة من يا حياء ؟
هزت حياء رأسها بضعف وهى تقول:
– لاء مش عارفة
فتح عينيه فجأة ، بعدما عمل على إغلاقها بخضم عناقهما ، فإبتسم لها ، ثم أختفت البسمة من عينيه لتحل محلها نظرته الرصينة الخارقة ، وبعدما أمضى لحظات ينظر إلى عينيها تمتم قائلاً:
–بحس أن قلبى بيدق جامد وبيناديكى ، محستش بالحب ده إلا لما شوفتك وأنتى فى قصر النعمانى وبتعيطى وتقوليلى أن مخليش عاصم يضربك تانى ، أنا فى الوقت ده حسيت روحى بتروح منى
تأملت وجهه بدقة وتمعن ، وتمنت لو أنها تقدر الآن أن تعبر له عن حبها ، ولكنه كان هو الأسرع بإتباع ذلك السبيل الوحيد الذي بإمكانه أن يجعلها تشعر بصدق حديثه
فبعد مرور مزيد من الوقت ، فتحت حياء عيناها وهى تسمع صوته يناديها بإلحاح :
– حياء حياء إصحى بقى
تثائبت وهى تقول بصوت ناعس :
– إيه يا حبيبى فى إيه
– قومى يلا علشان ننزل نتغدا أنتى مش جعانة
قالها راسل وهو يجذب ذراعها بلطف ، ليجعلها تنهض من مكانها
فأعتدلت بجلستها وهى تحاول فتح جفونها بصعوبة :
– هى سجود صحيت ولا لسه هو أنا مالى عاملة زى اللى واخدة مخدر ليه كده
أنهت حديثها وألقت برأسها على صدره ، رغبة منها بإكمال نومها ، فمسد على رأسها وأقترب من أذنها هامساً بدهاء :
– أنتى هتقومى نتغدا ولا ….
رفعت رأسها بسرعة ، بل إنها قفزت من الفراش وهى تقول:
– لاء قومت أهو أنا جعانة أصلاً
ركضت إلى المرحاض ، فترك مكانه وخرج إلى شرفة الغرفة ، التى مكنته من رؤية البحر بوضوح ، فهو لم يسبح منذ وقت طويل ، بل أنه كان يقضى معظم أوقاته بالمشفى ، فبأثناء وجوده بالشرفة ، كانت حياء أنتهت من إرتداء ثيابها ، وسجود أيضاً بدت بأجمل طلة ، بعدما ألبستها حياء ثوب صيفى باللون الأحمر ، فكانت كالحلوى الشهية ، بشعرها الأشقر وزرقاوتيها الوديعة
فبالمطعم الخاص بالفندق ، جلسوا يتناولوا طعامهم بجو من الألفة والمرح ، فسجود لا تكف عن المشاغبة والضحك ، ينظر لها النزلاء بإبتسامة
فداعب أبيها طرف أنفها وهو يقول:
– كلى بقى يا شقية ووطى صوتك شوية الناس بتبص علينا
تركت سجود مقعدها وجلست على ساقه تداعب وجهه وهى تقول :
– بابى هات بوسة علشان هتجبلى أيس كريم
– لا والله وأنا قولتلك أن هجيبلك أيس كريم أمتى ده
قالها راسل وهو يتفرس بوجهها الجميل ، ولكن أمام إلحاحها وافق على مطلبها
فبعد خروجهم للشاطئ ، ذهب راسل لجلب المثلجات ، فأنتبهت حياء لسجود التى لم تكف عن الركض هنا وهناك ، فوجدت كرة بطريقها ، فأخذتها وألقتها من يدها بمرح ، ولكن إصطدام الكرة بيد غزل ، جعلها تسقط كوب المشروب من يدها
فوضعت سجود يدها على فمها وأقتربت منهما حياء و قالت :
– أنا بجد أسفة على اللى حصل
تبسمت لها غزل وأخذت محارم ورقية تعمل على مسح يدها ، فردت قائلة بتفهم :
– ولا يهمك دى طفلة ومحصلش حاجة ، ربنا يباركلك فيها أنا غزل الزناتى صاحبة الفندق
– تسلمى على ذوقك تشرفت بحضرتك
قالتها حياء وهى تمد يدها تصافح غزل ، فشدت غزل على يدها بود ، بينما داعبت وجه سجود وهى تقول بتساؤل :
– أنتوا نزلاء هنا فى الفندق أصل أول مرة أشوفكم
أماءت حياء برأسها وهى تقول:
– أيوة إحنا لسه جايين النهاردة
رآت سجود أبيها قادماً ، فركضت إليه ، فأعتذرت حياء من غزل لتغادر :
– عن إذن حضرتك علشان جوزى رجع
لوحت لها غزل بيدها وهى تبتعد ، وعادت للداخل ، بينما خطت حياء خطواتها تجاه زوجها ، الذى مد يده لها بالمثلجات ، فأخذتها منه وبدأت تناولها بتلذذ وهى تهمهم :
– أمممم طعمه جميل
– مش أطعم منك يا قلبى
قالها راسل ليشاكسها ، فقبل أن تتمكن من الرد عليه ، لمحا نادل يقترب منهما يحمل صينية بها أكواب من المشروبات
فأقترب منهما وأنحنى قائلاً بإحترام :
– أتفضلوا المدام صاحبة الفندق بعتاه لحضراتكم ترحيباً بوجودكم
أخذ كل منهم كوبه ، على الرغم من أن راسل تعجب بالبدء ، إلا أنه أنتظر أن يبتعد النادل وأبدى غرابته من الأمر ، ولكن حياء قصت عليه مقابلتها القصيرة لصاحبة الفندق ، فهز رأسه بتفهم ، وبعد قليل دعاها لأن يسيروا على الشاطئ ، فغزل إستطاعت وهى تقف بشرفة غرفة مكتبها من أن تراهم بوضوح فعيناها ترصد حياء ولا تعلم لما تفعل ذلك ؟
______________
حملت الخادمة باقة الزهور الكبيرة ، وصعدت الدرج حتى وصلت غرفة ميس ، فطرقت الباب وأدارت مقبضه وولجت للغرفة بإبتسامتها المعهودة عندما ترى أحد من قاطنى هذا القصر ، بادلتها ميس الابتسام وهى تنظر لباقة الزهور بغرابة ، فلما جاءت بها لهنا ، ولم تضعها بالمزهريات ، مثلما تفعل كل يوم ، فخطت الخادمة عدة خطوات تجاه تلك المنضدة الصغيرة الموضوعة أسفل النافذة الكبيرة
وضعت باقة الزهور من يدها وهى تقول بتهذيب:
– الورد ده وصل علشانك يا أنسة ميس
تعجبت ميس من قولها فتركت مكانها بفراشها الواسع الوثير ،وأقتربت منها وهى تقول بغرابة :
– الورد ده علشانى أنا ؟ومين اللى بعته
من جيب مريولها الأبيض النظيف ، أخرجت الخادمة مظروف أبيض وناولته إياها وقالت بإستحياء :
– الجواب ده كمان وصل مع الورد ومكتوب عليه إسم حضرتك
توترت عضلة قرب فم ميس وهى تمد يدها تأخذ منها الظرف ، فربما الخادمة الآن تفكر أن عاشق سرى قد أرسل لها الورود ولم يكتفى بذلك ، بل أرسل معها رسالة ورقية أيضاً
رفعت ميس يدها تشير لها بالإنصراف وهى تحمحم لتجلى صوتها :
– شكراً روحى أنتى شوفى شغلك
خرجت الخادمة وأغلقت باب الغرفة خلفها ، بينما أسرعت ميس بفض الرسالة الورقية لترى ما جاء بها ، فبدأت أولاً بقراءة عبارات الشعر والمديح للشاعر إبن معتز وهى تقول:
أتاكَ الوَردُ مَحبُوباً مَصُوناً
كمَعشوقٍ تكَنّفَهُ الصّدودُ
كأنّ بوَجهِهِ، لمّا تَوافَتْ
نجُومٌ في مَطالِعِها سُعُودٌ
بَياضٌ في جَوانِبِهِ احمِرارٌ
كما احمرّتْ من الخجلِ الخدودُ
الورد للورد وأنا متأكد أن جمالك هيخلى الورد اللى بعته هيخجل منك يا أميرتى
ختمت قراءتها بتلك العبارة ، فعاودت النظر للزهور ثانية ، تركت الرسالة من يدها ، وأقتربت منها تحتضنها وتدور بها بسعادة ، فلا تعلم كيف إستطاع الإستخواذ على إهتمامها وعقلها بتلك السرعة ، كأنه تسلل خيفة أثناء سهوها وتركها باب القلب موارباً فولج هو رغما عنها ، فهى مازلت تدور بباقة الزهور ، كأنها ترقص على إيقاع إحدى النغمات الحالمة ، فأساليبه وطرقه الكلاسيكية ، إستطاعت جذب إنتباهها سريعاً ، كأنها بطلة لإحدى الأفلام الغرامية ، أو أنها جولييت ويرسل إليها روميو خاصتها ورود ورسائل ورقية
فلم ينتهى الأمر إلى هذا الحد ، بل سمعت صوت رنين هاتفها ، فالتقطته سريعاً وفتحته
فتبسمت وهى تقول:
– إيه الحاجات الحلوة دى ورد ورسالة ومكتوب فيها شعر كمان
– دا أقل حاجة لأميرتى
هكذا جاءها الرد منه على الطرف الأخر ، فلم يكتفى بهذا بل أنه أكمل حديثه مهمهماً بصوت يستطيع من يستمع إليه أن يتكهن بأن من يتفوه بتلك الكلمات ماهو إلا عاشق مدله بغرامها :
– مش ناوية بقى تيجى النادى علشان أشوفك ولا أقولك إيه رأيك أجى أخطبك من جدك ونتجوز وخلاص
قهقهت ميس بصوت خافت وهى ترد قائلة بصوت خجول :
– هو إحنا لحقنا نعرف بعض علشان ناخد خطوة مهمة زى دى بسرعة كده ، لازم أخد وقتى وأفكر ، وكمان عايزة أفكر فى موضوع شغلى
– ليه أنتى ناوية تشتغلى فين
قالها بتساؤل ، فهو يعلم مدى ثراء عائلتها ، فهى بإمكانها أن تمتلك مشفى خاص بها بأى وقت تريده
فزفر ميس بخفوت وهى تقول:
– هو حالياً كنت بدرب فى مستشفى راسل، لأن أتخصصت نفس تخصصه جراحة وهو مشهور جدا فى إسكندرية وكمان جراح شاطر أوى ، فمش عارفة حاسة ان لسه عايزة أتدرب أكتر عنده وبعد كده أقرر إذا كنت هستمر عنده ولا أفتح عيادة ولا أقبل عرض خالو ويبقى عندى مستشفى
وصل لأذنيها صوت ضحكته وهو يقول:
– الظاهر كده المغريات كتير ، بس مش عايز وسط تفكيرك بكل ده تنسينى وإلا ساعتها هنتحر أنك بعدتى عنى يا أميرتى
أمطرها بوابل من عبارات الإطراء والمديح ، فلم تنتبه على فتح الباب وولوج سوزانا والدتها ، فهى كانت تولى ظهرها لباب الغرفة
أقتربت منها سوزانا بحرص تستمع لما تقوله ، فوضعت يدها على فمها وهى تستمع لميس تقول :
– وأنا كمان حبيتك أوى من أول ما شوفتك
– ميييييس
صرخت والدتها بإسمها ، فانتفضت ميس من مكانها وسقط الهاتف من يدها ، فأقتربت منها سوزانا وقبضت على ذراعيها وهى تطالعها بغضب ساحق
فهزت جسدها وهى تقول بتساؤل :
– هو مين ده اللى بتكلميه وبتقوليله أنك بتحبيه أنطقى أتكلمى مين ده ، هى دى أخرتها حفيدة رياض النعمانى تعمل زى الحرامية وتعرف واحد من ورا أهلها ناقصك إيه أنطقى
صراخ والدتها بوجهها ، جعل الدموع تنسكب من عينيها بغزارة ، فهى كانت على وشك إخبارهم بحقيقة الأمر ، ولكن أثر غضب والدتها فى هز جسدها ، جعل أسنانها تصطك ببعضها ، فتلك هى المرة الأولى ، التى ترى والدتها تعاملها بتلك القسوة ، فاظافرها الطويلة نشبت كمخالب بلحم ذراعيها ، فحاولت أن تستجديها بأن تتركها ، فكلما زادت برجاءها زادت قسوة والدتها ، فلا تعلم ما الذى دهاها إلى هذا الحد الجنونى لأفعالها معها ، كمن تلبستها شيطانة ، جعلتها لا تفرق أن تلك الفتاة بين يديها هى إبنتها
___________________
بالشطر الأول من ليل ساحر وبديع ، كان مستلقياً على الفراش ، تجلس هى بجانب رأسه تميل قليلاً إليه ، تمسد بيدها على خصيلاته السوداء ، ويده تداعب وجنتها بوله ، فإختلاط أنفاسهما سوياً من شدة قربهما ، إستطاع أن يجعل كل منهما يشعر بدفء أنفاس الأخر ، فأنفاس خجولة من فتاة ، رآت أن تتخلى عن تصلبها معه قليلاً لتظهر له مدى تعلقها به ، رغبة منها فى أن يعلم مدى سعادتها بقربه منها ، وأنفاس مشتاقة من رجل ، ظن أن قلبه لن يخفق ثانية ، ولكن تلك المرة صارت صوت خفقاته كقروع الطبول بإحدى الحروب القديمة ، التى كانت تدق من أجل إعلان الحرب ، فعشقها سطا على قلبه رغما عنه
سارت يده بكل إنش بوجهها ، كمن يريد حفر ملامحها بذاكرته ، ولكن لن تكون صورة فقط ولكنها ستنضح بالشعور عن كيفية إحساسه بملمس جلدها الناعم وبياض وجهها وإحمرار وجنتيها ، فستكون صورة حية مكتملة الشعور والإحساس
فجذب وجهها إليه بتمهل وبطئ وهو يقول:
– أنتى مبسوطة يا حبيبتى إن إحنا جينا هنا ولا تحبى نروح مكان تانى
– أى مكان أنت فيه وبنتنا هكون مبسوطة وسعيدة
قالتها حياء بصدق أرادت ترسيخ دعائمه بنفسه المشتاقة للشعور بصدق الحب ، وليس مثلما تم خداعه بالسابق
فيدها التى أرتكزت بها على صدره ، بخضم عناق أتاها رداً على قولها ، شعرت بنبضات قلبه أسفلها تصدر رنيناً بها فأنطلق بداخل عروقها وشراينيها يسير مع دماءها جنباً إلى جنب ، حتى وصل إلى قلبها لتتناغم نبضاتهما سوياً
فهمهم من خلال عناقه لها قائلاً :
– أنا بحبك يا حياء أوعى تفكرى فيوم تبعدى عنى أو تكسرى الحب اللى بينا زى ما حصل ليا قبل كده مش عايز أتوجع تانى يا حياء لأن المرة دى لو أتكسرت قلبى هيموت
فياليتها تستطيع تسكين ألامه وأن تداوى جراحه وأوجاعه ، وأن تجعل قلبه يخفق من أجلها دون قيد أو شرط ودون حدود ، مثلما تشعر بتدفق حبه بداخل قلبها
فأسرعت تطمئنه بقولها :
– عمرى ما هفكر أن أوجعك أو أكسرك يا حبيبى أنت مفيش حاجة تليق بيك غير العشق وبس
بحركة مفاجئة كان جالساً أمامها بعد إستماعه للشطر الأخير من عبارتها ، فتعجبت من نهوضه السريع ، كأنه على وشك أن يترك الفراش
فنظرت إليه وقالت بتساؤل :
– مالك قومت قعدت مرة واحدة ليه كده فى إيه
رد قائلاً وهو يضع قدميه أرضاً:
– كان فى حاجة بتاعتك معايا ونسيت أديهالك حتى يوم بعتلك الرسالة أن فى حاجة وقعت منك وأنك تيجى تاخديها منى فى المستشفى
تذكرت حياء تلك الرسالة ، التى ارسلها لها عبر الهاتف ، ولكن ما حدث لها بعد ذلك ، جعلها تنسى الأمر ولم تتذكره إلا الآن بعدما أخبرها هو
فوجدته يقترب من إحدى ستراته وأقحم يده بداخل جيبها وأخرج منها السلسال الذهبى المعلق به الخاتم
فبديهياً وضعت يدها حول جيدها تتحس مكانه ، فكيف غفلت عن فقدانه كل تلك المدة ، فهتف قائلة بغرابة :
– السلسلة ! إزاى أنا محستش أنها طول الوقت ده مش فى رقبتى
تقدم منها راسل وجلس مقابل لها على طرف الفراش ، فرفع السلسال بيده قائلاً بتساؤل :
– هى إيه السلسلة دى يا حياء وجبتيها منين
تلمست حياء الخاتم المتدلى منها وهى تقول بصوت تخلله الشجن :
– دى الحاجة اللى فاضلة من نسبى اللى معرفوش دى كانت مع حاجتى فى دار الرعاية فأخدته ولبسته بس تصدق محستش بيه أنه وقع من رقبتى إلا لما أنت قولت دلوقتى
رآها تعبث بأصبعها بالتجويف الفارغ بالخاتم ، وعيناها كأنما تبحث عن إجابات لأسئلة مستعصية الحل ، فكما رأى نظرتها الحائرة ، رأى أيضاً ماجعلها تخفض وجهها كأنها تهرب من مطالعته
مد يده الحرة ووضعها أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه ، فهو لا يريد أن يرى نظرة إنكسار بعينيها ، فهو يراها الآن أنها خلقت للدلال وللحب ، وليس لأن تشعر بالحزن أو الذل
فنظر بداخل مقلتيها بعمق وقال :
– مش عايز أشوف نظرة الإنكسار دى فى عينيكى تانى يا حياء عايزك تبقى قوية ورافعة راسك على طول
– هبقى قوية بيك وأنت أهلى وعزوتى ودنيتى كلها يا راسل
قالتها حياء وسرعان ما ألقت بنفسها بين ذراعيه ، فيداها الزاحفتان على ظهره وصلت إلى كتفيه فتعلقت بهما ، فبتلات الورد الناعمة التى نبتت على شفتيها ، تركت آثرها وعطرها على كتفيه وجانب عنقه
ضمها إليه ضمة قوية بدون إيلام ، فغاص بوجهه بين طيات شعرها الحريرى ، فأزاحه جانباً وأبعدها قليلاً عنه ، فوضع السلسال بجيدها وأحكم إغلاقه من الخلف
فتبسم لها وهو يعمل على تعديل وضع الخاتم :
– أكيد هتبقى حابة أنك تلبسيه تانى ، بس توعدينى أنك متزعليش كل ما تشوفيه وتفتكرى اللى حصلك ، وإلا هخليكى متلبسهوش تانى لأن مش عايز أشوف عيونك الحلوة دى زعلانة أو فيها دموع
قالت وهى تمسد على لحيته :
– معقولة تكون حبيتنى أوى كده يا راسل وبتخاف على زعلى
أسر يدها بكفه قريباً من فمه ، فقبل أطراف أناملها ، وعيناه تتجول على وجهها ، فهو يعلم ما تشعر به ، فخير دليل على ذلك ، صوت أنفاسها المضطربة ، وحركة صدرها صعوداً وهبوطاً ، كمن تحاول إلتقاط أنفاسها اللاهثة جراء نقصان الهواء برئتيها
– وأكتر كمان تصدقى أنك كمان فيكى شبه من أخت ولاء
تغضن جبينها وهى تقول:
– أخت ولاء ! أنا معرفش أن ليها أخت
كسا الحزن وجهه وهو يقول بصوت تخلله الألم :
– دى ماتت الله يرحمها من زمان كانت غالية عليا أوى لأنها كانت أختى فى الرضاعة وسبحان الله يخلق من الشبه أربعين وفيكى شبه منها
تبسمت حياء وقالت بهدوء :
– علشان كده حبيتنى يا راسل ؟ علشان بفكرك بحد عزيز عليك
– حبك أنتى شكل تانى يا حياء مش زى أى مشاعر مرت فى حياتى قبل كده
قالها راسل وضمها إليه ، أذهلتها رقته بتعامله معها ، فظلت تدعو الله أن تكون حياتهما سوياً يظللها الحب ، فهى لا تعلم كيف يتمكن من إنتزاع إعترافها له بعشقها مراراً وتكراراً ؟ فهى كأنها تطيعه بدون وعى منها ، فهل يرجع ذلك إلى رغبتها بأن تذوب تحت وطأة شخصيته القوية ، التى تحاول بها تعويض ضعفها وحاجتها للشعور بالأمان ، أم أن قدرته على فعل ذلك سر خاص به وحده
_______________
مدت يدها للهاتف بتردد فألتقطته ، ولكن سرعان ما ألقته ثانية بجوارها على الفراش ، لتعود وتفعل ذلك مرة أخرى ، ولكن تلك الوساوس بعقلها جعلتها تتخذ قرارها الأخير ، بأنها ستراسله على أحد مواقع التواصل الإجتماعي بحجة الإطمئنان عليه ، فأولاً وأخيراً هو معلمها ، ولن تساوره الشكوك حيالها
ففتحت الهاتف وبدأت بإرسال رسالة نصية مفاداها أنه تطمئن على أحواله ، وإذا كان له علم بموعد ظهور نتيجة إختبار نهاية العام الدراسى
فبدأت أولاً بإرسال التحية ورسالة قصيرة تنص على :
– السلام عليكم ازيك يا مستر كرم هو حضرتك متعرفش النتيجة هتظهر أمتى أصلها أتأخرت أوى
أصدر هاتف كرم رنين خافت مفاداه وصول رسالة له ، فأغلق صوت التلفاز ، وأخذ الهاتف يتصفح تلك الرسالة الواردة من سهى
بعدما كان واضعاً قدميه على المنضدة أمامه ، سحبها سريعاً واعتدل بجلسته ، فاسرع بكتابة الرد على رسالتها كالأتى :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله يا سهى أخبارك أنتى إيه ، لاء النتيجة قالوا هتظهر على أخر الأسبوع
إبتهجت سهى برده على رسالتها ، فتجاذبت معه الحديث ، حتى وجدت نفسها تهاتفه لتستمع لصوته عوضاً عن تلك الرسائل ، التى لم تفى بالغرض المطلوب لجذب إهتمامه
فتردد بادئ الأمر من أن يجيبها ، ولكن وجد إصبعه يضغط على زر الإجابة ، فجاءه صوتها خافتاً كأنها تخشى أن يسمعها أحد :
– عامل إيه يا مستر كرم تعرف أن وحشنى أوى دروس الفرنساوى دى أكتر مادة بحبها فى كل المواد كلها
صار لعابه كأنه جمر محترق ، يخشى إبتلاعه فيتسبب بحرق جوفه ، فأجابها بصوت حاول أن يطفى عليه نبرة الوقار ، الذى أعتادت أن تراه منه :
– الحمد لله كويس ، أه أنتى كنتى طالبة شاطرة أوى تقريبا أشطر بنت فى البنات كلهم وكنت مبسوط جدا بأنك مهتمة بمذاكرتك
حاولت إكساب صوتها نعومة من نوع خاص وهى تقول :
– وأنت يا مستر كرم كنت أحسن مدرس بيدرسلنا أنا لما كنت أسمع منك الشرح كان بيدخل قلبى على طول قصدى يعنى عقلى
وضع كرم يده على شعره وشد عليه قليلاً فقبل أن يجيبها لاحظ ورود إتصال أخر له ولم يكن أحد سوى خالته ، فرد قائلاً:
– معلش يا سهى هكلمك وقت تانى معايا إتصال مهم
كأن تلك المكالمة من خالته ، جاءته نجدة له من أن يتصرف برعونة أو سخافة ، فهو لا ينكر أنه لوهلة ، أغرته نفسه بأن يجاريها بحديثها ، ليعلم إلى أى مدى بإمكانه أن يصل معها ، فربما تستطيع أن تجعله ينسى تجربته البائسة بحبه الأول
فبعد إغلاقه المكالمة بينهما ، أسرع بأن يجيب خالته فرد قائلاً بإهتمام :
– خالتو أخبارك ايه وحشانى أوى
سمع كرم صوت بكاء ونهنهة ، فدب بقلبه القلق ، فلما هى تبكى ، فتسأل بلهفة :
– مالك يا خالتو فى إيه بتعيطى ليه
– تعال يا كرم على مستشفى الرحمة بتاعة دكتور راسل فى مصيبة ألحقنى
هذا ما وصل لأذنيه قبل إنقطاع الحديث بينهما ، فركض كرم لغرفة نومه وفتح خزانة الثياب الخشبية ، وأخرج بنطالاً وقميصاً إرتداهما سريعاً وأخذ هاتفه وأغراضه اللازمة وخرج من المنزل
فطوال الطريق كان يحث السائق على الإسراع ليصل للمشفى ،فبعد وصوله أخرج النقود من جيبه وناولها له ، وانطلق مهرولاً بأروقة المشفى ، وضع الهاتف على أذنه بعدما عمل على مهاتفة خالته لتخبره بمكان تواجدها
فبعد أن أخبرته أنها أمام إحدى غرف العناية الفائقة ، سأل إحدى الممرضات عن مكان وجود تلك الغرفة المشار إليها
فصعد للطابق الثانى ، ووصل إلى غرفة العناية الفائقة ، التى وجد خالته تقف أمامها وهى تنظر عبر الزجاج لذلك المستلقى بداخلها ،والذى علم على الفور أنه زوج خالته
فهتف بها بخوف وقلق :
– خالتو هو إيه اللى حصل وعمى ماله ألف سلامة عليه
كأنها كانت بإنتظاره فألقت برأسها على صدره وهى تبكى بصوت مسموع ، فربت كرم على كتفيها ليجعلها تكف عن البكاء ، فهو يكاد يجن ليعلم ماحدث ولما هى تبكى هكذا ، وهند تجلس على مقعد معدنى وتبكى بصمت هى أيضاً ولكن إستطاع أن يلاحظ بوضوح أن وجهها به كدمات وشفتيها متورمتان
– إحنا فى مصيبة يا كرم مصيبة كبيرة
قالت خالته عبارتها بقهر
فألتفتت لها هند وهى تصيح :
– ماما خلاص كفاية بقى أسكتى كفاية كفاية
وضعت هند يديها على أذنيها لا تريد سماعها وهى تخبر كرم بما حدث لهم ، فهى لا تريد أن ترى الشماتة بعينيه ، أو أن تستمع لصوته وهو يواسى خالته بشأن تلك الفاجعة
نفرت الدماء بعروقها ، فهل بعدما حدث منها مازال لديها القدرة على الحديث وأن يعلو صوتها ؟
إعتدلت بوقفتها وأقتربت منها وهى تجز على أسنانها قائلة بغيظ لم تفلح بكظمه :
– هو أنتى كمان لسه ليكى عين تتكلمى أنتى إيه
خشى كرم أن يتطور الأمر بينهما أكثر ، وربما يجد خالته تصفعها ، فعمل على جذب يد خالته وإبتعد بها عن مكان جلوس هند
فأبتعدا بحيث يتمكن من سؤالها عما حدث ، فأخذ يديها بين كفيه قائلاً بإهتمام :
– قوليلى يا خالتو إيه اللى حصل بالظبط
أغمضت عينيها بإرهاق ، ولكن عادت وفتحتهما من جديد ، وبدأت بسرد القصة كاملة ، ولم تغفل عن إخباره بكل ما حدث ، فهى لم يكن لها ولداً ليشاركها حل تلك المصيبة ، فأتخذت منه ولداً لها ، عسى أن يكون لديه حلاً ، يمكنهم من الخروج من تلك المحنة بسلام
تجمدت ملامح وجهه على الفور ، بل رجفة يداه جعلته يترك يد خالته ، كإنما إستمع الآن لقصة خرافية ، أو كتلك الأخبار التى تتناقلها الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي يومياً ، فبؤبؤ عينيه كأنه لم ينشد الراحة بوضع واحد داخل محجر عينيه ، بل صار يدور بكل إتجاه كمن يبحث عن شئ مفقود
فالجفاف الذى أصابه حلقه وانتقلت منه العدوى لشفتاه ، لن يرويه ماء نهر بأكمله ، فالصبية الحسناء التى نبض قلبه لها ، والذى رفض أن يقلع عن حبها ، صارت متاع رخيص ، وجعلت من لا عهد له يسلبها ما تفتخر به كل فتاة ، فالكلمات تساقطت على مسامعه كالجمر الحارق
_________________
أصدرت هبة صوت صفير وهى تتفحص ذلك الثوب ، الذى أخرجته من خزانة ثيابها ، فهى رأت أنه الأفضل والأنسب لتلك النزهة ، التى وعدها إياها زوجها وحيد ، فهو يفعل ما بوسعه من أجل أن يجعلها تشعر بالسعادة ، وتتجاوز تلك المحنة التى كانت تمر بها ، من أوجاع وألام نفسية بعدما أكتشفت حقيقة والديها ، وضعت الثوب على حافة الفراش ، بعدما عملت على إنتقاء الحجاب والحذاء الملائم له ، ولم تنسى أيضاً إخراج عقد طويل سيتناسب مع ثوبها الرقيق
خرجت من الغرفة ، وذهبت للمطبخ للإنتهاء من تحضير الطعام ، قبل مجئ زوجها ، فهى ستعد له طعامه المفضل ، الذى أوصاها به قبل ذهابه لعمله بالصباح ، فبدأت بوضع الأوانى على النار ، تراقبها بحرص خوفاً من أن تتسبب بإفساد محتواها
فنظرت بإعجاب شديد لما أعدته يداها وقالت :
– الله عليكى يا بت يا هبة دا وحيد هياكل صوابعه ورا الأكل ، ألف هنا وشفا على قلبه يارب حبيب قلبى
وضعت الطعام بالفرن للإبقاء عليه ساخناً ، وخرجت من المطبخ وذهبت لغرفتها وأخذت ملابس نظيفة لها لتغتسل وتزيل عنها روائح الطبخ ، فتتزين وتتعطر قبل مجيئه ، قضت ما يقرب من النصف ساعة أسفل الماء ، تشعر بإسترخاء تام ، ولكنها تذكرت أنه لم يتبقى الكثير على موعد عودته من العمل
فجففت شعرها وأرتدت ثيابها وخرجت من المرحاض ، وقفت أمام منضدة الزينة تمشط خصيلاتها ، ولكن لا تعلم لما شعرت بإنقباض مفاجئ
فأنكمشت ملامح وجهها وهى تقول:
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أيه الإحساس الغريب ده
لم تخف وطأة شعورها بالإنقباض ، بل إزداد الأمر حتى أثار غرابتها وظلت تبحث عن هاتفها ، حتى وجدته ملقى على الفراش ، فأخذته تريد أن تهاتف زوجها ، ولكن خاب أملها فى الحصول على رد منه
فزاد القلق بقلبها أكثر ، فغمغمت برجاء :
– أسترها يارب
بعدما يأست من الحصول على رد منه ، جلست على حافة الفراش تقضم أظافرها وتهز قدميها بعصبية ، ولكن رنين هاتفها بإسم زوجها ، جعلها تنتفض من مكانها وهى تضع الهاتف على أذنها قائلة بلهفة :
– أيوة يا وحيد يا حبيبى أنت فين
ولكن جاءها صوت رجل أخر عبر الهاتف وهو يقول :
– هو حضرتك المدام بتاعته
تعجبت هبة من سؤال الرجل فردت قائلة بغرابة :
– أيوة أنا بس مين حضرتك وتليفون جوزى بيعمل إيه معاك
– للأسف جوز حضرتك عمل حادثة وهو فى المستشفى دلوقتى حتى كمان عايز يشوفك ضرورى ياريت تلحقى تيجى تشوفيه
________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لا يليق بك إلا العشق)