روايات

رواية قابل للكتمان الفصل الثامن 8 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الفصل الثامن 8 بقلم خديجة السيد

رواية قابل للكتمان الجزء الثامن

رواية قابل للكتمان البارت الثامن

قابل للكتمان
قابل للكتمان

رواية قابل للكتمان الحلقة الثامنة

بعد مرور أسبوع، بدأت ديمه تعود الى جامعتها مره ثانيه مثل ما اقترح عليها آدم أن تعوض ما فات و تبدأ من جديد، لكن مازال داخلها الحزن والحسره والندم! على كل ما حدث معها و صار برغبتها من البداية وها هي تدفع الثمن… فالحياه حقا حتى بعد زواجها من آدم لم تعد الأفضل كما توقع الآخرين!.
رغم أن أخواتها هذه المره بالفعل على إتصال باستمرار يومياً للاطمئنان عليها ودائما سؤالهم يتركز على محور واحد هل آدم يعاملها جيد؟ ولم يقترب منها وما زال متمسك بوعده لهم .
في الواقع نعم، لكن لا تعلم هل هو شخص جيد أم لا لأنه لم يقضي معها الكثير من الوقت فعندما تعود من الكلية تبقي في غرفتها لفترة طويلة بين الدراسه والتفكير في حالها . ! ولم يجتمعون إلا لتناول الطعام فقط، ورغم أنه حاول التحدث معهم أحيانًا لتقليل الحواجز بينهم، إلا أنها تجيب على سؤالًا باختصار شديد وقد أثر هذا الأمر على نفسيتها بالسلبي و كأنها عادت إلى حياتها القديمة وحيده كالعادة… رغم عدم رضاها علي الوضع لكن لم تحاول أيضًا السماح له بالاقتراب منها…
لأنها كانت خائفة. فما زالت لا تعرف نواياه الحقيقية تجاهها، أو كيف ينظر إليها عندما اكتشف أنها كرست نفسها لإنسان حقير، لذلك تأخذ مسافة جدية… حتى تنتهي المده المحدده بسلام. وهكذا إستمرت الأحداث بين آدم و ديمة.
وفي يوماً ما عادت ديمة كالعاده من الخارج ودخلت غرفتها علي الفور هاربة منه ولم تشاركه الطعام اليوم وأخبرته أنها ليس لديها شهية… لكنها حقا بسبب نفسيتها السيئه لم تعد تريد أي شيء ولا طعام ولا حديث.
بينما آدم لم يعجبة ذلك الوضع ان تدفن نفسها هكذا كعقاب على ما فعلته! فقد توقع وجود تلك الشابه سيكون عوض له وفرصه جيدة عن وحدته لسنوات وابتعاد ابنته عنه رغم وجودها بالحياه… لكن لا يريد ان يضغط عليها حتى لا تسوء الفهم خطأ، لكن بنفس الوقت لا يعرف الى متى سيظل هذا الوضع؟؟ يعيشون بمنزل وأحد معا ولا يتحدثون ولا يرون بعض إلا قليل جداً.
فاق علي صوت هاتفه ليجد رقم ابنته “رنا” شعر بالفرحة والأمل وبسرعه أجاب بلهفة وشوق لكنها فاجئته كالعادة بطلبها
= لو فاضي بكره نتقابل في نفس الكافتيريا وتجيب معاك فلوس عشان محتاجاها سلام.
أغلقت الهاتف علي الفور بينما أخفض آدم رأسه بحزن شديد ويأس لا يعرف ماذا يفعل حتى تعود أبنته له وتحبه، وخالتها سيطرت على عقلها بشده ولم تسمح له بالتدخل في تربيتها وهكذا كانت النهايه تكرهه بالمعنى الحرفي وتتعامل معه وكأنه مخزون للمصاريف أو بنك !!. هذا الوضع بالفعل يؤثر عليه بشكل صعب إبنته أمامه ولا يعرف كيف يضمها الى احضانه وتناديه بابي ويمارس ابوته معها.
بقي آدم بالخارج يئن بألم شديد ..و ديمة بالدخل تفرد جسدها فوق الفراش وهي تنظر للسقف بشرود ودموعها تهبط بوجع.. فالالم دائما ما يجمع بين الاثنين .
بعد ساعات ليلا…….
تحرك نحو صديقه الرفيق للحزن حتى يخرج ما به كعادته، ثم بدأ آدم بعزف مقطوعة حزينة كئيبة يملئها شيء جريح، لامست تلك المقطوعة روح ديمة من الداخل وفضولها حيث لم تكن تعرف من أين يأتي هذا الصوت فجاءه و هذا المقطوعة الحزينه التي فجاه بدأت تواسيها الحزن…
لكن سرعان ما بدأت تفهم من أين يأتي الصوت فلم تكن تعرف عن آدم بأنه يجد عزف البيانو..
فهو أخذ دورة كاملة في الموسيقى عندما كان في الخامسة عشر، ويعرف الكثير من عزف المقاطع.. بقي هكذا لساعات يعزف المقطوعة ينهيها فيقوم بإعادتها بأستمرار حتى توقف فجأة! اعتدلت الأخري حينها فجاه بروح خاويه فوق الفراش وكأنها افتقدت ونسها بالحزن.
بقيت تتقلب لوقت طويل تنتظر ان يعود ويعزف مجدداً.. وعقلها يتسال لماذا توقف؟لماذا لم يعيدها كما فعل لمرات عدة ؟ تلك المقطوعة التي لم تعرفها لكن كانت مقطوعه حزينة تعبر عن جرح عميق لكن… اشعرتها بأرتياح بقيت تدور بعقلها هذه الأفكار حتى لم تشعر بنفسها إلا وهي تستقيم وتخرج من الغرفة كانت غرفتها مقابلة لغرفته حيث كانت هذه الغرفة لابنته، فتحت الباب ببطئ مشت متوجهة لنهاية الممر لتجد إياه مازال يجلس امام البيانه بصمت شارد الذهن حتي أنه لم يشعر بها.
شعرت بتلك اللحظة بشيء غريب نحوه.. لم تستطع ترجمته على الاطلاق…. ربما كانت وجدت نفسها وسط القفص ولا مفر منه الآن شعور مريب وغريب بنفس الوقت.. ربما كان الندم الذي صار يقوم بنهش ضميرها يوماً بعد يوماً في ذلك الوقت فليس هناك تبرير آخر يحسها سببها على تلك القشعريره.. أليس كذلك ؟!.
ظلت تقف في الخلف تنظر إلي ظهره الجامد دون حركه! تفكر لما أصبح فجاه بذلك الوضع حزين وكئيب مثلها.. فعندما عادت من الخارج كان هادئ وليس حزين لدرجه ان يخرج تلك الأجواء المشحونة داخله في مقطوعه حزينه كشعرت بدنها…..
أفاقت علي نفسها فجاه باستنكار من رده فعلها واهتمامها المفاجئ ثم ألتفتت لترحل للغرفة بسرعه قبل أن يراها وعاتبت نفسها لأنها تعطي لشخصه مساحة أكبر بعد رفضها الصريح بالاقتراب منه… لكن وضعه ذلك حرك فيها شيء ما لم تفسره بعد.
❈-❈-❈
في اليوم التالي، ذهبت بسمة إلي جامعتها بالسر مثل كل مرة وحاولت ان تلهي ابنها مع حماتها قليلاً حتى تعود قبل ان يكتشف احد تأخيرها ويبدأ ان يسألها عن السبب، فاصبحت كذبتها المعتادة هي؟ أنها تذهب لترى شقيقتها و والدها، لكن أصبحت غير مقنعة هذه الأيام لأنها دائما تخبرهم بذلك وقد مل الجميع منها لذلك حاولت هذه المره لا تترك أبنها لدي شقيقتها.. بالإضافة إلي ذلك أصبحت غاده التعامل معها صعب هذه الأيام بسبب ارتباط منذر! والتي لا تفهم الأخري حتى الآن لما أصبحت فجاه هكذا ترفض ان يرتبط بغيرها رغم انفصالهم منذ أكثر من أربع أعوام.
أما بالنسبه الى أمرها مع معاذ فقد تجاهلت الأمر بالمره هذه المره ولم تحاسبه حتى أو تفتح معه موضوع العمل مجدداً !. مما جعل الآخر يستغرب الأمر بالمره فقد توقع بانها ستثور وتغضب كالعاده وتصر عليه أن يعمل حتى يتحمل المسؤوليه، لكنها قد ملت حقا من الأمر لذلك فضلت الصمت.. رغم عدم رضاها علي أفعاله.
أتفقت بسمة بذلك الوقت مع صديقتها مروه الوحيده التي تعرف سرها وانها متزوجه و تدرس دون علم اسرتها، حيث أخبرتها قبل أن تأتي إلي هنا أن تلتقي معها في كافتيريا الجامعه حسب إتفاق مسبق للتسامر وكان اللقاء.
أشارت لها مروه بيدها هاتفه باهتمام
= بقول لك ايه ما تحاولي تزوغي من جوزك و تعالي نخرج شويه نشم هوا، هنخرج بالليل انا والدفعه نروح كافيه واحتمال كمان نروح السينما.. و هنكون بنات بس
التفتت بوجهها المتجهم نحوها، قبل أن تتحدث باعتراض مقلق
=لا طبعا ما ينفعش وحتى لو عرفت اهرب من معاذ بلاش الكدبه تكبر لحد كده انا اصلا مش راضيه عن الكذب اللي بكدبه وانا رايحه الجامعه.. وبعدين افرضي حد شفني وبلغهم هتحصل مصيبه ساعتها كفايه اللي انا فيه
حركت رأسها بالنفي قائلة بإصرار
= ما تبقيش هبله طالما هو قافل عليكي و بيشوف نفسه وبيخرج مع اصحابه انتٍ كمان شوفي نفسك، هو حرمك انك تخرجي مع اصحابك وتتفسحي ولا ايه
زمت فمها رامقة صديقتها بنظرات نافره، قائلة بصوت حزين للغاية
= يا ريته مانعني المشكله ان أنا اللي منعت نفسي اعمل ايه كنت مضطره! الاول كنت بتكسف ان لسه بكلمهم وهم بيكملوا تعليمهم وانا قعدت في البيت وبعد كده بقيت اتكسف لما فهمت اللي فيها وان معاذ مش بيشتغل وبقيت بقعد معاهم مكسوفه لما حد يسالني جوزك بيشتغل ايه وهو عوطلي وبيستنى ياخد المصروف من أمه وابوه .
تعقد وجه مروه صائحة بانزعاج
= انا مش عارفه مكبره موضوع أنه مش بيشتغل ده ليه، مش اللي انتٍ عاوزاه بتلاقيه اشتري دماغك بقى بدل ما كل يوم مشاكل وفي الآخر بيقول عليكي نكديه.. على العموم ما تخافيش ما حدش هيشوفك احنا بنروح اماكن عمر ما حد من اهلك دول هيعرفوها أصلا او ممكن حتى نكمل السهره في بيت واحده فينا.. بذمتك مش بتبقى نفسك تخرجي وتروحي زي جوزك
تنهدت بسمة بإرهاق مطولاً ثم هزت رأسها وهي تردف بحسرة شديدة علي حالها
= هكدب لو قلت لك لأ ده انا بتخنق خنقه سوداء وانا قاعده في البيت لوحدي، والبيه رايح جاي يتفسح مع اصحابه ولا اكنه عنده بيت ومتجوز لسه عايش حياه العزوبيه.. ما هو صحيح هيشيل هم ايه الفلوس وبتجيله لحد عنده من غير تعب لو بيشتغل بقى ومسؤول كان استخسرها وعرف قيمتها
شردت بنظراتها قليلاً لموقف ما بالماضي ثم أضافت قائله بسخط
= ده مره قبل كده سافر اسبوع يتفسح وما قاليش غير لما اتصلت بيه أسأله أنت فين كل ده ورجع فرحان ومبسوط وانا قاعده متكدره ما هنش عليه حتي ياخدني.. ويقول لي كلنا رجاله في بعض هاخدك تعملي ايه اقول له طب نطلع لوحدنا انا وابنك.. برده لا يقول لي ما بتبسطش لما نخرج خروج عائليه وابنك يفضل يزن ويشبط والخروجه بتتقلب نكد
عبس وجهها الأخري بعدم رضا ثم هتفت بضجر
= طب طالما الموضوع كده اخرجي انتٍ كمان وعيشي حياتك بدل ما هو كاتم على نفسك كده في كل حاجه، وانتٍ مستنيه علي أمل أنه يتغير
صمتت للحظة بتردد تفكر في الأمر لكنها هزت رأسها سريعة قائلة بتوجس
= لا برده مش عاوزه الكذبه توسع مني ومع الوقت ابتدي اكدب كذبه وراء كذبه ملهاش نهايه.. خليني بعيد احسن انا مش ناقصه مشاكل.
بعد فتره نهضت بسمة للرحيل وتحركت بخطوات سريعة بعصبية وهي تفكر في وضعها مع زوجها، حيث بدأت أن تفقد الامل به حقا، فحتي المره الوحيده التي رضخ لها و ذهب للعمل عاد بنفس اليوم! ظلت تسير دون انتباه ولم تنظر للإمام، لتجد نفسها فجاه اصطدمت بفتاه أمامها وهي تحمل بيديها كوب من النسكافيه الخاص بها، قبل أن يتناثر محتوياه عليها كله! نظرت بسمة علي ملابسها بحسرة وهي تصيح فيها بغضب
= انتٍ اتهبلتي يا بنت انتٍ كمان مش تبصي قدامك ايه اللي هبيبتي ده؟؟ أمشي انا في الشارع دلوقتي بالمنظر ده ازاي .
تفاجأت الأخري من غضبها بذلك الشكل، لأنها هي من أخطأت فكانت تسير بسرعة دون النظر أمامها.. لكن رغم ذلك هتفت باعتذار بتوتر
= والله اسفه ما كانش قصدي، بس انتٍ اللي فجاه طلعتي في وشي ومش بصه قدامك.. تعالي معايا ندخل الحمام ونظفيه جوه انا معايا مناديل بزياده.. بس صدقيني انتٍ اللي غلطانه مش انا ومع ذلك انا اسفه .
تنهدت بسمة بضيق شديد من نفسها وشعرت بمدى خطأها فغضبها والضغط التي أصبحت تتعرض له من زوجها بالاضافه الى مشاكلها التي لا تنتهي جعلتها لم تعرف كيفيه التحكم في أعصابها، هزت راسها بيأس وهي تردف بإحراج
= خلاص ما حصلش حاجه انا فعلا مش واخده بالي وانا ماشيه.. يلا مش مهم
نظرت الفتاه إلي الفوضى التي بها بسمة لتقول بارتباك مقترحه
= طب تعالي معايا نظفي البلوزه في الحمام أكيد مش هتمشي بالمنظر ده.. هو انتٍ بتدرسي هنا معايا في الجامعه مش كده؟
هزت رأسها بالإيجاب وأخبرتها بالسنه التي تدرس بها هنا بالجامعة، فأبتسمت الأخري قائله بصوت هادئ
= انا أسمي ديمة بس مش مع بعض في نفس الدفعه يا خساره انتٍ اكبر مني بكام سنه عشان كده اول مره اشوفك .. هو انتٍ اسمك ايه .
أغمضت عينيها للحظات تتحكم في أعصابها قبل أن تفتحها وهي تقول بجدية
= أسمي بسمة.. سيبك من هدومي اللي اتبهدلت دي وتعالي اجيبلك نسكافيه من الكافتيريا بدل اللي دلقتهلك، وحقك عليا انا فعلا اللي غلطانه وما كنتش مركزه .
❈-❈-❈
خلال تلك الأيام شعرت غادة بالغضب الشديد والإحباط عندما علمت من اختها بموعد زفاف منذر بغيرها، وانزعجت بأن خطتها فشلت في محاوله التفرقه بينهما! وبات تستسلم للأمر الواقع بعدم إقتناع… صدي صوت بكاء طفلها وهو ينده باسمها ورغم انها استمعت اليه لكن تجاهلت الأمر ببرود قاسي ليبدأ والدها هو الآخر يهتف باسمها وعندما لم تجيب مره اخرى نهض بخطوات بطيئه وهو يسعل بشده وتعب من المرض وكبر العمر الذي هزل جسده…
تفاجأ بها تقف أمام المرآة وهي تلف مكواه الشعر حول شعرها متغنجة بجسدها بميوعة أزعج والدها منها، وصاح بإزدراء مرددًا
= انتٍ يا بنت ما تسيبي القرف اللي في ايدك ده، مش سامعه ابنك بينده عليك وانا كمان.. بتتزوقي كده و راحه على فين
ردت عليه ببرود مستفز
= هو لازم اتزوق عشان حد و اخرج! أهو بفرح بنفسي وبشبابي اللي ضيعه ابن شاهين و خلاص هيتجوز بعد أسبوع وعمال يصرف هنا وهناك قد كده عشان يعمل دعايه لفرحه وللست هانم اللي هيتجوزها
انزعج أبيها عند ذكر أمر منذر طليقها فغاده تعيش دائما أمامهم دور المظلومه و الضحية في تلك القصه، ودائما تقص عليه اقوال و مواقف لم تحدث ضده حتى بدأ الجميع حولها يقتنع بان منذر حقا شخص ظالم! وكأنه هو المخطئ بالفعل وهي لم تخونه وانجبت طفل من شخص اخر…فرد عليها بضجر متعصب
= هم خلاص حددوا الفرح مش عارف الجدع ده ما عندوش دم! لي نفس يتجوز وهو رامي ابنه هنا وبعدين طالما معاه فلوس أوي كده ما بنشوفش حاجه منه ليه؟ مش العيل اللي جوه ده ابنه برده ومن لحمه ودمه.. هقول ايه حسبي الله ونعم الوكيل
عبست الأخري بوجهها وتركت المكواه بعصبية، ثم صاحت بنبرة متشنجة
= مش انت اللي جوزتهلي يابا دلوقتي بقى وحش عشان تعرف اخره المتمه جوزتني لواحد ما عندوش دم ولا اخلاق! ما هو لو كان لاقي إللي يقفله بجد ما كانش عمل كده فيا
أشاح والدها بوجهه بعيدًا عنها وهتف مستنكر
= وانا بايدي ايه اعمله، ما انا كل ما اشوف ابوه ولا جوز أختك… بديلهم كلمتين عشان يخلي عندهم دم ويقولوا له يجي يشوف ابنه بس اذا كان هم نفسهم مش قادرين عليه انا اللي هقدر.. بكره يجيلك اللي احسن منه روحي شوفي ابنك اللي عمال يعيط جوه ده عاوز ايه
اغتاظت غاده من ردة، فاستشاطت نظراتها وهي تتحرك للخارج هاتفه بتبرير بانفعال دون مبرر
= رايحه أشوفه هو انا بقى ليا غيره، الظاهر هيفضل مكتوب عليا الهم شايلاه على طول لوحدي
نظر لها متولي بتعجب من حالتها، بينما هي أضافت قائلة مع نفسها بصوت مغلول
= الهي ليلتك تبوز يا بعيده وما تتهني بيها.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع…..
بداخل البيوتي سنتر، وقفت أحدي الشابات المتخصصات في تزيين العرائس لتقوم بدورها في تجميل العروسه لتضع آخر اللمسات الأخيرة، ثم طلبت منها بهدوء ان تنهض حتى تظبط فستان الزفاف، نهضت ضحي بحذر من على المقعد، فأزاحته الأخري للخلف لتترك لها مساحة من الحرية لتتحرك، أبتسمت السيدة هاتفه
= انا كده خلصت تقدري تشوفي في المرايه لو في اي تعديلات قوليلي عليها قبل ما العريس يدخل.
التفتت ضحي ناحية المرآة لترى انعكاس هيئتها فيها بدت مصدومة من مظهرها، كانت تشبه الأميرات في حليتهن المبهجة، أبتسمت كوثر بسعادة رغم عنها وهي تري ابنتها بتلك الهيئة ثم اقتربت لتحتضنها بحنو أمومي زائد هاتفه دعائها الصادق لها، دخلت نرمين فجاه وهتفت بحماس
= العريس وصل! منذر جي بره.
تورد وجه ضحي، فحضوره القوي الرجولية المختلف يؤثر عليها بشكل ملحوظ، لذلك تحرجت من مجرد ذكر إسمه فقط وبأنه سيدخل ويراها الآن بتلك الهيئة وعندما دلف أنصدم صامت لترحل نرمين ووالدتها للخارج
برقت عيناه بإعجاب ونهج صدره أكثر من منظرها بسعادة و حسره غامضة بنفس الوقت ثم هتف مرددًا
= شكلك حلو أوي.. والفستان كمان جميل بس انتٍ اللي محليه
رسمت على ثغرها ابتسامة أكثر صفاءً وهي تقول بخجل
= وأنت كمان شكلك حلو
أبتسم بهدوء دون حديث، ثم أردف قائلاً بصدق
= شكراً، ربنا يقدرني وأسعدك يا ضحي
بينما ضحي بقيت تحدق به وكأنه اسرها في الدقائق الذي تحدث فيها معهما ولكن الحقيقة تقال، لقد كان رجلا وسيما وأنيقا بملابس الزفاف حقا.
تأمل منذر فستانها ببسمة فقد جعلها فاتنة، ثم اقترب وقبل رأسها لتغمض هي عينيها بلا وعي، إنه يؤثر على حواسها بشكل لذيذ ثم رفع ذراعها اليه ليلفه حول ذراعه متوجها بها بعد ذلك الى الأسفل، إلى حيث سيحتفلون بتلك اللحظات الفريدة والتي تمنت هي ألا يفسدها أحد..
وعلى الجانب الآخر كانت والدته تقف تراقب إياه، و بدت مايسة منزعجة من تجاوز ابنها للأعراف والتقاليد المتبعة في منطقتهم الشعبية وتصرفه بعقلانية قليلة مع تلك المدعوه ضحي، فقد أصر أن تزف من هنا إلي القاعة وسط زفه كبيره بالاضافه الى الزينة والانوار المعلقه في منزل والدها ومنزله.. غير اختياره لأكبر قاعه في المنطقة فلقد عزم حشد كبير من الناس..
بدأت تشعر بالغضب والحنق من تصرفات ابنها والمصاريف المبالغة… هي حقا لا تفهم لما كل ذلك، وازعاجها اكثر من تمسكه بها وكأنها أخر النساء على الأرض.
بعد ساعتين من التصوير و الزفة وصلوا إلي القاعة أخيراً….
افتتح المأذون الدفتر بعقد القران الجلسة بالصلاة على النبي الكريم بينما يسلم يد منذر في يد والد ضحي نيابة عنها رغم عمرها الذي تجاوز السن القانوني للزواج، قام المأذون بتغطية أيديهما بمنديل أبيض مزين الحواف باسم العروسين مكملًا حديثه… و وقفت نرمين صديقتها على الجانب الآخر مع الفتيات تتابعهما بسعادة واضحة .
بدأ منذر يردد خلف المأذون وهو يسترق النظر إلي ضحي الجالسة بالجانب المقابل له قرب والدها وقد ازدانت جمالاً في هذه المناسبة بثوبها الأبيض وتألقت به رغم بساطته، تهلل وجهها بفرحة وتورَّد بنظراته التي تأسرها فلم يبقي الكثير حتى تكون مُلكه ومَليكته.. و بمجرد أن أنهى المأذون عقد القران حتى انطلقت زغاريد النسوة من داخل وخارج القاعة إيذانا بتقييد وربط الأسماء وتعالت عبارات التبريك والتهاني وتمني السعادة لكلا العروسين…..
وفي أثناء ذلك استقام منذر ليلتقي التهاني و المباركات من الجميع حوله، واقترب من والدها ملقيا التحية والآخر يهنية ليرد عليه بكلمات الشكر المباركة.. ليواصل فوزي حديثه وهو يطبطب فوق ظهر زوج ابنته هاتفاً بصوتٍ وقور
= خلي بالك من اللحظة دي هعتبرك ابني مش مجرد زوج بنتي! عشان كده اتمنى تكون قد الامانه اللي اديتها لك وما تخلينيش في مره اعتبرك زوجي بنتي وتزعلني منك لما تزعلها
رسم منذر ابتسامة مهذبة رغم توتره فلقد تأثر من حديثه، ليرد على حماه
= شكراً يا عمي، و أوعدك هبذل جهدي عشان أكون عند حسن ظنكم كلكم
أشار حماه لزوجته الواقفة على الزاوية تطالعهم بوجه قاتم فمن الواضح رغم إتمام عقد الزواج ما زالت غير راضيه على تلك الزيجة، ولنفس السبب فارق العمر الذي بينهما
اتجهت كوثر نحو زوج ابنتها وباركه له بهدوء
وهو رد بلطف.
ثم اتجهت الي ابنتها وهي تبدو جميلة في طلة بهية بثوب الزفاف فمهما كانت ترفض وتعترض في النهايه سعيده بانها رأت ابنتها الصغيرة تتزوج امام عيناها، لتميل كوثر معانقة إياها وهي تردف ببشاشة مُعدية ولطف
= مبروك يا حبيبتي ربنا يسعدك ويا رب يخيب ظني ويحافظ عليكي فعلا، ويكون ده اللي يستاهلك
بادلتها ضحي ابتسامتها وردت بود يتجلى بعينيها الصافيتين
= الله يبارك فيكي يا ماما، صدقني عمرك ما هتندمي ولا أنا منذر ما فيش زيه وانا بقيت واثقه فيه .
قالتها بابتسامة راضية ومطمئنة ثم ربتت أمها فوق ظهر ابنتها بقله حيلة وانشرحت أساريره الأخري وهي تري والدها يقترب فمالت تقبل وجنة أبيها الذي انخفض لها قليلا وهو يلصقها بجانبه..
كان الحاج شاهين يقف بجوار ابنه الآخر و زوجته فتقدم منه قائلاً
= مبروك يا منذر
نظر له بجفاء لكنه حاول رسم الابتسامات
و وضع منذر يده على كتفه، استقرت في أثناء ذلك عينا والدته عليه واقتربت علي مضض تبارك له
= مبروك يا حبيبي، ربنا يسعدك وما ترجعش بعد كام يوم تندم على الجوازه اللي دبست نفسك فيها دي
تمتم شاهين في أذن زوجته بكلمات حذر وسط هذه الضوضاء الاحتفالية الصادرة من القاعه ليجعلها تصمت، بينما ردًّ منذر وهو يتبادل معهم النظرات والعهد الرجولي
= ما تقلقوش ان شاء الله ما فيش حاجه هتحصل زي كده، ولو حصلت فانا اللي هشيل الليله زي كل مره فانتم مش خسرانين حاجه في الحالتين ذي كل مره.
نظروا الي بعض يتعجب من لهجته وقبل أن يتحدث أحد منهم، ليقترب معاذ نحو اخية وهو ينظر إليه و يتحدث بود و مداعبة
= مبروك يا عريس، ربنا يرزقك بالذريه الصالحه ان شاء الله ونشوف ولادك من تاني
تجهم وجه منذر فجاه دون مقدمات بضيق غامض ثم غمغم باقتضاب
= ان شاء الله.
اقتربت بسمة أيضا وهي تمسك يد طفلها وهتفت بنبرة هادي
= مبروك يا منذر ربنا يتمم لك على خير ويسعدك.. ويجعلها جوازة الهنا
هز رأسه بالإيجاب بهدوء دون النظر لها، و هكذا استمرت هذه المناسبة السعيدة رغم أن كان البعض غير راضي عمليًا و صريحًا لكن لم يهتم بالأمر فهذه المره أصر على اختيار ما يريد هو وليس العكس.
و في لحظات انشغال الجميع، تحرك منذر متوجها لمن ملكت عقله وهي ضحي! ومن يعلم فماذا ستملك بعد؟ فقامت عند اقترابه ممسكا يدها يسندها في وقفتها فرفع عنها طرحتها مبتهجا بحسنها، مُمرًا عيناه لملامحها السعيدة رغم خجلها فدنا بوجهه يلثم جبينها لثوانٍ قبل أن يتعانقا برقي أغمضت عينيها بقوة تاركه نفسها تشعر بتلك الأحاسيس الغريبه والجديده عليها.. فلم يوجد مانع فيما سيحدث فهو زوجها بالنهايه ومن حقها وحدها.
لتنعم بين ذراعاه كانتا قويتين حتى كادت تشعر بقدميها ترتفعان فوق مستوى الأرض..
أبتعد عنها قليلا يهدر لها بصوتٍ يضج رجولة وهو ينظر في عينيها
= مبروك يا عروسه.
لم تتحدث أو تفتح ثغرها بحرف لكن لا إراديا رسمت ابتسامة بشفتيها الملتمعة بمرطبٍ ورديٍّ فاتح.. وظل يحدق فيها الآخر بصمت لكن كانت نظراته عكس نظراتها.. فكانت هي سعيده أما هو يشعر بالرهبه والخوف فيما سيحدث لاحقاً.
كانت بسمة من بعيد تجلس تضع يدها فوق خدها، و تراقب تقرب ضحي و منذر عن كثب.. كانت دومًا تعقد تلك المقارنة المؤلمة بين زوجها و منذر أو الآخرين.. تمنت لو شعر زوجها بتلك الحرقة المتأججة في نفسها من عدم اهتمامه وكلما وجدت ما تتمناه وتريده يحدث أمام أعينها مع غيرها وهو غير مهتم تشعر بالحسره.. فمؤلم أن تتألم رغمًا عنك وأقرب الأشخاص إليك لا يشعر بوجودك.
فهي بحاجة ملحة للرجل الذي يكون زوجها أن
يكون حبيبها أيضا.. قولا وفعلا !!.
اقتربوا اصدقاء وزمائل ضحى ومن ضمنهم نرمين صديقتها وسحبتها الي بعيد وهي تشبك ذراعها بذراع ضحي لتخترقا جموع النسوة اللواتي يصفقن ويزغردن ويرقصون فتزغرد نرمين معهن لترسم المزيد من الفرح والبهجة على وجه ضحي.. بينما جذب الأصدقاء والاقارب منذر و بعض الجيران الى ساحه الرقص أيضاً على الجانب الآخر.
الفرح كان قطعة من الخيال بالنسبة لضحي و بالفعل حلقت عالية تلك الليلة! غير مدركة أن كلما رفعت آمالها وطارت بعيداً كلما كان السقوط مؤلماً.
❈-❈-❈
كانت ديمة في غرفتها كعادتها و كلما اغمضت عينها تذكرت ما يحدث لها حاولت مقاومة ذلك الشئ المرير الذي يمنو داخلها لكنها فشلت بسبب الوحده و الشعور بالذنب الذي يلازمها طول الوقت، وفي ذلك الأثناء استمعت الى طرقات فوق باب غرفتها وصوت قائلا
= ديمة ممكن ادخل.
اعتدلت فوق الفراش ببطء دون حديث وهي تفكر ماذا يريد منها بهذا الوقت، بينما هو عاد يهتف باسمها ويطرق باب غرفتها وعندما لم يجد رد مره ثانيه اضطر ان يفتح الباب ويدلف
تفاجأت من مظهره حيث كان يرتدي بدله كلاسيكيه تناسبه بشدة! تنهدت بقوة وهي تدقق النظر الي ملامحه للمره الاولى بعد زواجهم تتاح لها الفرصه، حيث كان رفيع البنية فارع الطول ذا ملامح حادة لكنها جذابة، تلونت عيناه باللون الأسود فزادته وسامة… العمر حقا ليس واضح عليه من يراه يعطي ثلاثون عاماً وليس ثامنه وثلاثين .
أيضاً كان عطره طيب جدآ دخل الى جيوبها الأنفية وداعب أنوثتها… وبقت تفكر ترى اي نوع يستخدم يا ترى ليجعلها هائمة كذلك ..
و أكثر ما اعجبها فيه هو عضلاته وهذا دليل
على انه رجل رياضي عادت من شرودها عندما
سمعت صوته الخشن يقول بجدية
= انا كنت رايح فرح صديق ليا في السيده زينب مكان سكني القديم، احتمال اتاخر وكمان ممكن ابات هناك فبقول لو عاوزه تيجي معايا البسي وتعالي
صمتت كعادتها للمره الثالثه مما جعله يضيق منها بشده وهو لا يفهم هروبها وصمتها منه طوال الوقت اهو خوف منه أم بسبب نفسيتها السيئة هي من تجعلها تميل للوحده! أضاف مجدداً بنبره يلوحها فروغ الصبر والحد
= بلاش تقعدي لوحدك وقت طويل وانتٍ على طول حبسه نفسك هنا، تعالي معايا غيري جو … هستناكي بره ما تتاخريش
ظلت ديمة مكانها لحظات حتى تحركت بقلب حزين.. نحو خزانه الملابس لتخرج منها فستان طويل باللون الموف الفاتح ترتديه وتركت شعرها للخلف حر، ولم تضع إلا القليل من الأحمر فوق شفتها خرجت بعدها له وهي ترتدي ثيابها بأبهي حله وتضع الأساور الذهبيه فوق معصميها دون النظر إلى الأمام مشغوله في عقد الاسوره !
بينما هو كان شارد ينظر لها لكنه يشعر أن ملامحها مميزه عن الجميع فيها مزيج من براءه طفل في السابعه وحزن عجوز في الثمانين، و شقاوة فتاه في العشرون.. وضعف إمرأه في الخمسين.. كل شئ وعكسه بشكل غريب لكنه مميز, وعيناها التي رفعتها الآن قضت على الباقي من ثباته.. عينان بلون البحر الأزرق الرائع فيهما صفاء وحزن اختلطا ببعضهما ليعطيا بريق جميل ومحبب
صحيح طول الوقت صامته وترد على أسئلته باختصار كأنها لا ترغب بالحديث معه، لكن يتذكرها جيد عندما كانت طفله صغيره و يتذكر شقاوتها عندما كان يتردد الى منزل والدها ويزوره! لكن كل ذلك اختفى وحلت بها صفه واحده وهي الحزن واي شئ آخر يميل إلى الكابه…. أزال نظراته عنها بسرعه بحده يعاتب نفسه في حين هتف قائلاً
= يلا عشان ما نتاخرش .
بعد فتره هبطوا وركبت بجانب آدم الذي قاد بسرعة نوعاً ما رغم ان الارض تزاد وعورة كلما
اقترب إلا أنها تجاهلت ذلك ديمة ايضاً !!
حيث كانت تنظر من نافذة السيارة ونسمات الهواء البارد تلفح ارنبة انفها فتحولت الى حمراء دموية مع خدوش زهرية تتزين بها
وجنتيها النمشية الخفيفة كانت تفكر بصمت و لم تعترف لأي احد بما تفكر به حتى لنفسها ! كانت تارة تفعلها وتارة اخرى تتجاهل كل شئ ، فصمتها المخيف يسجن شخصية اخرى داخلها إلا انها لا تخرج للعلن سوا الصمت الرهيب !
كان كل شئ داخلها وخارجها هادئاً بطريقة غريبة بصراحة لم تتوقع نفسها الصاخبة القديمة ان تكون بهذا الهدوء المريب و كل شئ صامتاً !. لكن بنفس الوقت كان ذلك مؤشر خطأ توحي الى بوادر الاكتئاب الدائمه في حياتها.
بدأت تطلق أنفاس حاره دلالة على توترها مع صوت بلعومها المشير الى ابتلاع ريقها الجاف! كان ذلك الصمت يزعج الآخر الذي جانبها جدآ فليته يستطيع الصراخ بها للتوقف واللعنة وتتعامل مثل البشر والناس الطبيعين إلا أنه لا يستطيع !
بقيت الأخري تنظر للطريق شاردة كعادتها رغم انها لم تسائل عن تفاصيل الطريق واين هو بالضبط؟ وماذا يقرب له العريس.. لم تكن تعلم سوا شاردة ..سارحة بعيداً عن هنا… كأن لا تنتمي لهنا ولا شئ هنا ينتمي لها !!
❈-❈-❈
عدلت كوثر من طرحة العروس قبل أن تبتعد بحذر من جوارها، لتنسحب في إثرها باقي النساء والفتيات واحدة تلو الأخرى من الكوشة تاركين فسحة للعروسين للجلوس سويًا، فيما
مالك إبن معاذ وبسمة ظل مسند أعلي مقعد العريس متغنج بنفسه بمرح وهو يرتدي مثل عمه بدله رسميه.
بينما علي الجانب الآخر من بعيد داخل قاعة الزفاف، كان معاذ يجلس بجانب زوجته التي كانت صامتة كعادتها منذ أيام ومتجهة الملامح
وبعد فترة نهضت بملل للخارج تستنشق الهواء وتريح رأسها من الضوضاء التي بالداخل، وفي ذلك الاثناء تفاجأت بزوجها قادم خلفها بقي وقت صامت مثلها حتي تحدث قائلاً بتردد
= بسمه مش عاوزه تقولي حاجه
هزت رأسها وهي تردف بتبرير مزعوج
= حاجه زي ايه ما إحنا باركنا خلاص للعرسان
تساءل زوجها بصوت خشن مقلق
= انا مش قصدي الفرح انا قصدي اي حاجه علينا، انتٍ بالك كام يوم مشغله الوضع الصامت من ساعه موضوع الشغل أياه.. وده قلقني بصراحه غير عادتك.
نظرت إليه نظرة ضيق، ثم ردت عليه بنبرة عادية
= عادي أنا إتعودت على كده.. وسكوتي ده عشان بحاول ارضى بالامر الواقع وان خلاص هتفضل طول عمرك كده ومش هتتغير
تنهد بيأس وقد تفهم أمرها بأنها بالتأكيد مزعوجه بسبب توقفه عن العمل الذي لم يبدأ لكنه أخذ القرار في ذلك ولم يشعر بالشغف او الحماس نحو ذلك أبدا، وليس لدي رغبه في التجريب أيضا، التفت نحوها وهتف بجدية
= بصي انا اسف وعارف اني غلطان اني بوظت ترتيباتك بعد ما وعدتك واديتك امل على الفاضي.. بس انتٍ قلبك أبيض.. وبعدين والله انا حاولت قدامك اهو بس الموضوع طلع صعب وبصراحه يعني ما لوش لازمه ايه يعني لو ابويا هو اللي بيصرف على البيت ما فلوس ابويا هي فلوسي!.
هزت رأسها بإحباط كبير نحوه وقد ملت من ذلك الأمر حقا، لذلك استجمعت قوتها عن عمد
مرددة بحسرة مؤلمة
= معاذ هو أنا باجي في بالك انا وابنك! وبتفكر فينا يعني وتفكر كمان احوالنا هتكون ايه بعد كام سنه لقدام… وابوك وامك اللي معتمد عليهم طول حياتك دول بعد عمر طويل طبعا هيفضلوا طول الوقت قاعدينلك وبلاش بقى تقول لي ورث والكلام الاهبل ده لأن كل حاجه هتتغير بعدها والبنك اللي معتمد عليه طول الوقت هيتقفل.. و اول ما يروحوا.. صدقني انت هاتليس وهتبقى مش عارف تعمل حاجه وهتعرف قيمه كلامي بجد وقتها لما تلاقي نفسك لوحدك ومش عارف تصرف علينا انا وابنك.. أبقي ساعتها بقي دور على واحد غير ابوك يصرف عليك ولا تكونش هتعتمد على اخوك ولا عليا!؟. ما انت خلاص اتعودت على كده انت اللي تقعد في البيت وغيرك يصرف عليك.
اكفهر وجه معاذ قليلًا من ذكر موضوع العمل مجدداً ورد بتأفف غاضب
= تصدقي بالله انا استاهل ضرب الجزمه أن انا بتكلم معاكي واصالحك، كنت سبتك مكتومه أحسن.. هو انتٍ لازم كل مره تسممي بدني بالكلمتين دول!
ضغطت بسمة على شفتيها متمتمة بسخرية مريرة
= ويا ريتهم بيحوقوا فيك، حتى الكلام الحاجه الوحيده اللي بعملها معاك بقيت افقد الأمل فيها ومش عارفه بعد كده هعمل ايه
تقدم خطوه ليقف مقابل لها بصرامة واضحة بعد أن قست نظراته هاتفاً بحده
= طب تمام أنا غلطان! و انتٍ إيه ملاك ما بتغلطيش أبدا وما فيكيش عيوب.. مش بتشوفي نفسك وانت دائما بتكلميني زي ما يكون الغلط فيا انا بس، مش يمكن انتٍ اللي معقده كل حاجة حتي اللي بينا
ردت عليه بتجهم
= إنت هتقلب الايه ولا ايه؟
صاح مقاطعًا بتذمر بنفاذ صبر من تصرفاتها
= لا الحقيقة أنا عايز افهم آخرة الموضوع ده إيه؟ انتٍ عايزة ايه بالظبط، أنا مش مخليكي ناقصك حاجه ولا محتاجه حاجه يبقى ليه كل شويه الشكوى على قله فايده..
لمعت عيناي بسمة بوضوح بألم، وتحول وجهها للإظلام أكثر، ثم كزت على أسنانها قائلة بمرارة
= انت مش حاسس إن أنا وانت عايشين في دنيا مش بتاعتنا، حياه احنا اللي مش بنتحكم فيها من اول جوازنا. من اول البيت اللي احنا فيه كمان! كل حاجه ماشيه بمزاج اهلك لانهم هم اللي بيصرفوا، انت صدمتني فيك أوي و كتير يا معاذ.. مش قادر ليه تفهم ان الست لما تلاقي الراجل اللي مفروض امانها وسندها في الحياه ما عندوش طموح ولا بيسعى ان يكون حاجه في الحياه وحتى الشغل اللي المفروض تكون مسئوليته هو مش حد تاني مشيلها لغيره ومكبر دماغه، انا عذراك على فكره و طول السنين دي كلها بقول معلش العيب مش عليه العيب على اهلوا اللي طلعوا كده ومع الوقت المفروض يتعدل لما يفهم الحياه صح لكن انت معتمد على كده واتعودت ومش عاوز حتى تحاول تتغير وعجباك أوي عيشه العواطليه والاعتماد على الغير!.
ابتسمت لنفسها بتهكم وهي تواصل سرد مآساتها
= وده للاسف خلاك حتى مشاركتك في البيت
ومسؤوليتك تجاه ابنك سايبها لي طول الوقت لانك متعود من اول لحظه جيت على الدنيا دي وغيرك هو اللي بيشيل وراك ويتحمل مسؤولياتك.. من ابوك وامك حتى اخوك الغلبان اللي لو عمل بس ربع اللي انت بتعمله الدنيا بتتهدي عليه لكن انت لا معلش الصغير
ومريض ولازم نلاقيله عذر ونشيل من عليه لكن هنفضل نشيل لحد امتى مش عارفين
مسح على وجهه بغل مكتوم شاعراً بالغضب أثر كلماتها الموجعه له والي كرامته فمن الممكن دائما يمثل الصمود وعدم المبالاة تجاه ذلك الأمر لكن حقا مل وتعب حتى وإن كانت محقه فاسلوبها حقا يشعره بالاهانه احيانا، حاول أن يغطي على فعلته، فزفر قائلا بإحباط
= هو انتٍ مابتزهقيش ابدًا يا بسمة من الكلام!
ومن انك دايمًا شايفه نفسك معاكي حق .. من انك مابتغلطش ابدًا.. يا شيخه انا لو مكانك كنت اتمنى اغلط ولو مرة واحدة! او ابطل اشوف كل الناس حواليا وحشين وانا الضحيه
الوحيد.. اقول لك على حاجه إنتٍ دمك تقيل اوي النهاردة، وتفكيرك وكلامك عن التشاؤم والموت بقى زي ما يكون عندك ١٠٠ سنة
تنهدت بسمة بتعب وحدقت في زوجها بنظرات لامعة بقهر وتمتمت بحزن
= فعلا عمري ١٠٠ سنة، اللي شفته يسوي اكتر من ١٠٠ سنة، أنا فتحت عيني علي الدنيا بدري أوي من اول ابويا وامي اللي كانوا بيتحكموا في حياتي وعاوزين يمشوها على مزاجهم و يكبروني بدري عشان هم شايفين نفسهم كبار ومش عايشين لي طول العمر ومش هيقدروا يستنوا عليا اكتر من كده وأن الحياه تمشي بطبيعتها وكل ده عشان خلفوني انا واختي بعد 15 سنه جواز بيعاقبوني على حاجه مش بايديهم ولا بايدي، خرجت من التعليم اللي كنت حباه وبحلم طول الوقت ابقى حاجه عشان يجوزوني وبعدها الاقي نفسي فجاه بخلف طفل وبيت انا لوحدي بس اللي مسؤوله عنهم.. تنظيف وتربيه وعيل يتعب وقت متاخر وانا اللي بشيل ويوم ما اتعب واشتكي اسهل حاجه اهلك يشيلوا عنك بدل ما يقولوا لك اتحمل المسؤوليه..وفي الاخر بتقول لي مالك مش عجباكي عيشتك ليه .
حدق فيها معاذ بذهول، فقد كانت كالبركان الملتهب بحممه وانفجر فجــأة في وجهه، عجز عن الرد عليها للحظات وثاثر من كلماتها لكن سرعان ما نفي ذلك وهو يقول بانفعال طفيف
=وانتٍ شايفه بقي طريقتك دي هي اللي صح حتى مرضي إللي بايد ربنا شايفاه مشكله..
انتٍ اللي عامله وجع دماغ لنفسك مش انا، بطلي تعيشي دور الضحيه شويه وشايفه كل اللي حواليكٍ ظالمين وأنتٍ لأ! كفايه كلامك اللي كل شويه تسمي بدني بيه كل ما يجيلك فرصه
أتعب قلبها من شعورها بالخذلان وقله الحيله لكن رغم ذلك فكرت هل بالفعل اسلوبها خاطئ في التحاور معه؟ لكن حقا هو لم يلين معها ويصر علي حديثه وذلك يشعرها بالغضب والحزن بأنها تحارب بمفردها طوال الوقت! هتفت مرددة بخفوت حزين
= جايز يكون فعلا طريقتي غلط بس للاسف مش لاقيه غيرها عشان احاول اخليك تتغير
ومش لاقي حد جانبي اشتكيله ولا اهلك ولا أهلي… نفسي مره تفهم يا معاذ طالما لحد دلوقتي لسه جنبك وبحاول اخليك تتغير يبقى لسه باقيه عليك وعاوزاك وخايفه على مصلحتك .. ونفسي اشوفك احسن حد
كان مستاء جدًّا منها ومن حديثها وقد قست نظراته على الأخير، ثم نظر لها عاقدًا ما بين حاجبيه بعتاب وهو يقول بصوت قاسٍ يحمل التهديد
= ما علي يدك اهو حاولت وما عرفتش مش بالعافيه هو. مش هتغير وهبقى على مزاجك! و ده اللي لازم تفهميه وتستوعبي يا بسمه الكون مش بيتغير على مزاجك فأرضي بقى وعيشي الواقع… ويا ريت تكون دي اخر مره تفتحي الموضوع ده تاني عشان ما ترجعيش تزعلي من اللي هعمله
بالكاد استطاع معاذ أن ينهي حديثه عند هذا الحد دون أن يفرط أو ينفعل على ما قالته بسمة زوجته أكثر… ليرحل تارك إياها تصارع أفكارها المقيدة دون هدف محدد!!.
❈-❈-❈
بعد مرور ساعة…..
بداخل القاعه سارت ديمة بجوار آدم بهدوء فلقد تاخروا في الوصول بعد كتب الكتاب بسبب الطريقه المزدحم لكن المهم انهم اتوا قبل الإنتهاء من الزفاف، بدأ آدم يسلم بود على بعض المعازيم الذي كان يعرفهم بحكم الجيره القديمة، بينما التفتت ديمة حولها تنظر إلي حفل الزفاف وهي تسير بخطوات متوتره خلفه ولكن داخلها كانت شارده الذهن فتلك الحفله جعلتها تتذكر حفل زفافها البائس الذي كان بالنسبه الى أسرتها انتصار في معركه شرفها فهى لا ترى نفسها ليست إلا فتاه عديمه الاخلاق و ثقت في شخص حقير أضع أملها وآمال أسرتها و سارق سعادتها ليجعلها تبني حياتها على حياة أخرى!
فمازال وسيظل المشهد مطبوع أمام عينيها و ليس وحدها بل أخواتها أيضاً.. وآدم زوجها… الشخص الذي تزوجته وهي لا تعرف عنه شيء وهو المثل! مقابل أن يستر على شرفها المهدور تزوجت من شخص يكبرها بسنوات عديده لذلك السبب! بالتاكيد هو لا يرغب بها مثل ما هي لا ترغب به، ويراها فتاه مستهتره طائشه تتصرف بتهور دون التفكير بالعواقب.. ولتلك الأسباب هي تتهرب منه؟ ومن شعورها بالخزي من نفسها.
تحرك الآخر جانبها بهدوء يُطالع ملامحها المستكينة بألم وقد تعجب من ذلك لكن تجاهل ولم يسأل عن السبب وبخطوات هادئه وصل آدم أمام منذر الذي نهض مرحب به بحرارة وتقدم آدم ليقربه منه ويقبل جبينه داعيًا له بالبركة في زواجه.. ثم أردف بعدها يتنحنح
= ديمة مراتي!
تعجب منذر بغرابة شديدة حاول إخفائها بسبب فارق العمر الكبير الملحوظ بينهما لكن بالتأكيد لم يعلق ويحرجه فهذه بالنهايه حياته مثل ما هو لا يريد أن يتدخل أحد في حياته بسبب فارق العمر بينه وبين زوجته ضحي أيضا، أخذ آدم ديمة بعدها وجلسوا إلي بعيد على أحد الطاولات .
نظر آدم لها يراقب ملامحها التي تبدلت للحزن فقد أضاعت امالاً كثيره بذلك التصرف و فرحت أخواتها التي تبدلت الى خوف من كشف المستور! وجلب الفضائح، لم تتحمل ديمة هذا الضغط على نفسها من تأنيب نفسها بالمزيد فلو كانت فكرت بعقلانيه اكثر و أعطيتها أختها رانيا الفرصه للاستماع لها و بعدها تحدثها عن الصح والخطا وتعرفها ما ينتظرها نتيجه هذا الإختيار كونها كانت قليله الخبره في الحياه حينها.. كان بالتأكيد انتهي الأمر والآن سيكونون أكثر من سعداء وهم يراها عروساً تُزف مع من اختاره قلبها ولكن بذلك الوضع لا والف لا… فحتى وان كان آدم شخص جيد في نهايه المطاف ستصبح مطلقه بعمر صغير ولم تنسى الأمر.
حاولت تجاوز شعورها بالذنب الذي اقتحم فؤادها ولكن وجودها بذلك المكان كان مسيطره عليها، كبحت دموعها فلم تود يوماً أن يرى أحد ضعفها، بدأت تحدث نفسها بسلبية أنها وحيده بلا أم وبلا اب وأصدقاء تحبها، و بالنهاية اشقائها الإثنين أصبحت لهم حياه و سيعوده ينشغلوا عنها وهي بعد الطلاق ستظل وحيده! الحياة قاسية حقا عليها، لكن هل الحياة قاسية أم هي تتعمد أن تعيش دور سندريلا كما كان يدللها أبيها؟!.
كان آدم يرمقها بين حين وأخر وهي صامته شاردة وضائعة ثم هتف قائلًا
= مالك يا ديمة؟
تعلقت أعين ديمة به وهو يسألها عنها فقد لفتت نظره… تنحنحت بخفوت كي تخرج نبرة صوتها طبيعيه
= مفيش حاجه أنا بس مصدعة شوية
سألها مجدداً قائلًا باهتمام
= والصداع يخليكي تعيطي كده! لو في حاجه مضايقاكٍ صالحيني احسن السكوت مش هيفيدك .. اعتبريني حتى يا ستي صديق او اخوكي لو عاوزه
مسحت دموعها العالقه بعينيها، ثم تنفست بعمق وزفرت بقوة قائله بحرج
= شكراً، بس بجد ما فيش حاجه، معلش ما تشغلش بالك بيا خلينا نستمتع احسن بالاجواء
كانت الموسيقى تتعالا حولهم وحاولت تصرف ذهنها عن ماضيها المخجل! وتتمتع قليلا بالاجواء فهى لا تخرج إلا قليلاً واغلب ذهابها للجامعه فقط.
وفي ذلك الأثناء دخلت بسمة من الخارج بوجه شاحب متعب بينما تمسح دموعها الحزينة بيدها قبل أن يراها أحد…!!!
❈-❈-❈
أوشكت الأجواء الاحتفالية بالقاعة على الانتهاء بعد تلقي العروسين مجاملات من الجميع تقريباً للتعبير عن فرحتهم بتلك الزيجة الطيبة، لينهض منذر ثم مد يده أمام العروس فأخفضت نظراتها نحوه متسائلة بعدم فهم
= في حاجة؟
أبتسم لها بهدوء وهو يتحدث موضحاً
= مش المفروض نقوم! الساعه عديت إثنين نروح بقى
هزت رأسها بالإيجاب بتوتر وتحرجت كثيرًا من ردها رغم كونه طبيعيًا، إلا أنها باتت تخجل من أبسط الأمور معه بالأخص اليوم! وبأنامل مرتجفة مدت يدها نحوه ليمسك بها برفق، ثم نهض واقفًا بهدوء تبعته وهي راسمة على محياها ابتسامة مهذبة و تأبطت في ذراعه، و حدقت أمامها رامشة بعينيها لعدة مرات قبل أن تسير إلى الخارج وكانت جانبها والدتها تساندها حتى صعدت السياره معها.
ظلت الاحتفالات مستمره حتي وصلوا امام البنايه وهبط بعض الجيران والاقارب يتسابقون في الرقص وبدا اهل المنطقه بفضول يخرجون ليروا ذلك الزفاف الاسطوري الذي يحدث في منطقتهم على غير العاده.. و تعالت من حولهما أصوات الزغاريد المصحوبة بدقات الطبول والمزامير فتلك الفرقه التي اتفق معها منذر ان تستمر معهم حتى الى المنزل.
سحب الشباب منذر ليشاركهم الراقص بينما هو وقف يصفق بيده ويراقبهم بهدوء دون المشاركه، وكانت ضحي تقف على بعد مع النساء تختلس النظرات إليه بحياء مكشوف عليها، وهي تتخيل نفسها في أحضانه بعد قليلاً حيث تدفقت دمائها المتحمسة في عروقها من فرط الإنفعال و الفرح.
وفي ذلك الأثناء…. وقفت غاده على عتبة الشرفة من منزلها تراقبهما بأعين ناريـة، كادت تفقد السيطرة على نفسها بسبب فشلها في السعي الى تخريب تلك الزيجة وقد حدثت و تزوج منذر من غيرها! شعرت بالغيره والحقد وهي تري كيف اهتم بادق التفاصيل ليفعل لها زفاف أسطوري يتحاكى عنه أهالي المنطقة.. بالاضافه الى منظره المبهج كان حقا وسيم وابتسامته الجذابه تخطف الأنظار !.
كانت داخلها تشتعل من الغليان والبغض فهي تشعر بانها ترى منذر جديد عليها وليس الذي كانت تعرفه وتزوجت به، اذا كان حقا بهذه الجاذبيه والاهتمام لما لا كان يفعل ذلك معها عندما كانت زوجته! لما يفعل ذلك مع غيرها وهي لأ فكانت أحق بذلك من البدايه
نعم هي أحق به! فمنذر ملكيه خاصه بها فقط وبطفلها… حتى و أن كان ليس طفله ولم تحبه يوماً، ولم تعطف وتشفق عليه رغم معرفتها المسبقة بما يحدث معه وتعنيف اسرته له..
هي قد اعتادت ان يظل أمامها هكذا.. ملكها هي فقط !!.
في البدايه كانت حجتها حتى لا ينكشف سرها لكن الآن ايقنت بأنها لم تستطيع ترك منذر يضيع من بين يديها! كنزها الثمين.. فهي لم تجد رجل مثله أبدا في حياتها، فحتى بعد ان علم بأمر خيانتها ستر عليها ولم يكشفها بل ساعدها أيضاً بقليل في المصاريف لكن عندما شعر بجشعها وطلباتها الكثيره دون وجه أي حق.. منع هذه المساعده عنها.. بسبب انتهازها و استغلالها للوضع.
لكن ما زال يحفظ سرها فهل هناك رجل مثله في هذا العالم؟ لم تجد بالطبع لكنها للاسف اضاعته منها.
فذلك الخسيسه الذي سلمت نفسها له بكل وقاحه رحل هارب وتركها دون ان يهتم لامرها أو يستفسر عن طفله حتي.. ومن حقه يفعل ذلك واكثر فهي رخصت روحها له.
ظلت تراقب الوضع بالاسفل حتي دلفوا العروسين إلي المنزل، واختفوا من أمام عيناها التي تحجرت بدموع الحسرة والقهر.
ضغطت علي شفتيها بحقد كبير وهي تراقب سعادة الجميع بالاسفل، ثم هتفت بحسرة مريرة
= يا بنت المحظوظة، فرحك بقي أشهر فرح في الحتة كلها! هقول ايه.. بوز فقر!
سمعت صوت طفلها يبكي بالداخل وبنفس الوقت والدها وهو ينده على إسمها بصوت متعب بشدة لتحضر له الدواء بينما راقد فوق الفراش بلا حوله ولا قوه..!! وكأنه صوت انذار داخلها صدي ليخبرها بأن تلك هي الحياه التي ستصبح بداخلها طوال حياتها .
لتستند بظهرها للخلف لاطمة على صدغيها و وجهها بتحسر كبير على حياتها البائسة و الخائبه والتي كانت نوعاً ما باختيارها..!!!
في الأسفل…
تعالت دقات قلب ضحي بقوة حتي كادت تصم آذانها عندما وجدت نفسها تودع أسرتها قبل الصعود مع عريسها لكنها ظلت مكانها تستوعب الأمر، فشعرت به يربت فوق كتفها بلطف عندما طال صمتها كانت مرتبكة فرفضت الالتفات له واكتفت بإخفاض رأسها أرضاً، وفي تلك اللحظة سمعت ضحكات الفتيات عليها لتشعر بالخجل أكثر .
ليجذب كفيها نحوه لافتا جام انتباهها اليه
من جديد، رفعت ضحي عينيها إليه فابتسم
بتلقائية وهو يراقب وجهها الذي تزين بكميات
خفيفة من مساحيق التجميل التي لم تبدو
واضحة جداً، كانت عادية لكنه رآها خاطفة
للأنفاس…
دخل بها إلي البناية فكانت ضحي ترتقي درجات السلم بجانب منذر وقداماها بالكاد تحملانها من فرط التوتر من قربه ونبضها يرتعش.. فبعد قليل سيكونان لوحدهما!
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر كانت ديمة تتابع صعود العرسان بابتسامه لطيفة ورغم أنها لا تعرفهم لكن تمنت لهم السعاده، و آدم جانبها ينفخ في سيجاره بهدوء، بينما كانت تدعك يديها فألمتها كثيراً من شدة البرد نفخت بداخلهما علهما يتدفئان ولكن عبثا ما فعلت.. فلم تتوقع شده البرودة اليوم! بالإضافة الى ذلك عندما تشعر بالبر تحمر خدودها فجاه و تصقع يدها بشده.
التفت ناحيتها ليلاحظ وجنتيها محمره بطريقه لعينه وهي تحاول تدفئه يديها ليفهم الأمر… فسحب السيجارة من ثغرة ورماها أرضا بعد أن أخذ كفيها وقربهن من فمه وبدأ بالنفخ عليهن بخفوت من انفاسه الساخنة التي أرسلت قشعريرة لكامل جسدها فأرتجفت بتصدع !! تفاجأت من حركته تلك.. بينما هو تنهد يقول هامس بعتاب لطيف
= ما دفيتيش نفسك كويس ليه قبل ما تنزلي الجو مش مضمون .
زحفت الحمرة نحو وجنتيها وهي تطرق برأسها للأسفل تبدو كطفلة صغيرة هاتفه بصوت منخفض مرتبك
= ما توقعتش أن الجو هيبرد كده.. آآ دلوقتي ادفى
هز رأسه بيأس منها ثم أخذ يدها البارده التي كانت مثل الثلج و وضعها في جيب الجاكت حتى يشعرها بالدفء أكثر لتنظر إليه بدهشة كبيرة متسائلة بعينها عما يفعله، ليرد قائلاً بخفوت
= ايديكٍ متلجه أوي، كده هتدفي.
كانت قريبة جداً منه، لذلك أرادت الإعتراض لكن لسانها لم يساعدها كأنها خرسا، أخفضت رأسها بحرج شديد وهي تتمنى أن لا يكن يراقبها احد بذلك الوضع حولهما، حيث ظلوا هكذا يدها داخل جيب الجاكت وهو يفرقها برفق ليشعرها بالدفء…
لكن لا يعلم المشاحنات التي تحدث داخلها اثر تلك الحركه و الاهتمام! حاولت بكل الطرق ان لا ترفع عينها للإمام لكن خانتها مع الأسف فأستدارت مواجهة لعينه بطريقة سببت لها عقدة مريبة فألقت عيناهما معاً لاول زرقاوتاها مع سواده المظلمة! لم تستطع الرمش لوهلة ما شعرت بأن الزمن قد توقف بها شلت جميع حواسها بل ذهبت منطقه هبائاً.. وهو مستمر ببراءة غير عائب بها .
لكن تعجب منها فكانت صامته بطريقه غريبة هذا المره ولا تصدر صوت انفاسها حتي، لكن نبض قلبها بقوة يتسارع وكأنه يضرب صدرها وليس ينبض!
تركها أخيراً وابتعد لتتنفس كثيراً بسرعه كأنها كانت تكتم أنفاسها لوهله، نظر آدم الي ساعه يده وقد اشاح عيناه بعيداً عن ملامح ديمة وهو يقول باختصار
= انا بقول كفايه كده ويلا بينا
أومأت برأسها بالموافقه دون حديث، تحرك وسار أمامها وتبعته وقبل أن تركب بالسيارة وينطلق بها، استمع الى صوت احد ينادي خلف منه التفت آدم ليجد معاذ أبتسم له هاتفاً بمجامله
= ازيك يا معاذ عامل ايه؟ انا سألت عليك اخوك ووالدك بس ما عرفتش اسلم عليك من دوشه الناس في القاعه اخبارك ايه
بادله معاذ الإبتسامة وهو يقول
= الله يسلمك أنا الحمدلله كويس، ليك وحشه والله يا استاذ آدم.. انا اول ما شفتك من بعيد ناديت بسمه وقلتلها نروح نسلم عليك وبالمره نباركلك عشان عرفت بالصدفه انك اتجوزت
تطلع في وجه ديمة بصدمة طفيفة ثم تسائل بحذر
= مش هي آآ دي… المدام برده.
هز آدم رأسه بالايجاب باختصار…. وداخله شاعراً بالضيق والحنق متفهمًا سبب نظراته و صدمته جيداً…… ثم حمحم معاذ وهو يسلم علي ديمة بصوت منخفض محرج
= أهلا بحضرتك.
كانت بسمة واقفه جانب زوجها، نظرت وهي تهز رأسها مبدية ترحيبها تجاه آدم ثم التفتت براسها الى الجهه الاخرى حتى تسلم على الفتاه التي بجواره! لكن أول ما رأتها لونت الصدمة وجهها ونظرت حولها بتوتر شديد تحاول الفرار من ذلك المأزق كالذي يسحب على المشنقة من هول المفاجاه الغير متوقعه.
بينما تطلعت ديمة فيها لحظة و تذكرت ملامحها جيد ثم قالت بدهشة
= ايه ده، بسمة! مش كان أسمك كده تقريباً
ازدردت ريقها بخوف بالغ وهي لا تعرف بماذا تجيب، في حين تساءل معاذ باستغراب كبير وهو يوزع أنظاره بينهم
= ايه ده هو انتم تعرفوا بعض؟ اتقابلتوا فين قبل كده
هزت ديمة رأسها بالايجاب علي الفور وهي تجيب دون تفكير
= ايوه قابلتها مره في الجامـ..
** ** **
_________________
الحياة الغاز وكل لغز أعمق من الآخر ويستغرق
الكثير من الوقت لحله! مثل لوحة ” الموناليزا” التي حيرت البشرية باكملها وتفنن نقاد الفن في حب القصص اثر ظهور تلك اللوحة وليس هذا فحسب كل من رآها وقع في حبها .
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل
علينا التدقيق مع كل شئ صحيح؟ الإستفسار عن كل حدث و اصدقوني القول ان قلت كلما
تعمقت تألمت.. فبعض الأمور عليك المرور
عليها مرور الكرام فليس كل شئ يستحق كل
ذلك الإهتمام. الم يكن من المفترض الاستمتاع
باللوحة وبالوانها الرائعة و تجنب كل ذلك
الهوس بمعرفة الحقيقة من ورائها وهوية تلك
الجالسة هناك مريضة كانت ام بصحة جيدة .
فبعض الأمور ليست كما تبدو لنا ..
فالمظاهر خداعة لدرجة لا تصدق .. والإنسان بطبيعته يتفنن في حب القصص وراء كل شئ واللوحة هي مجرد مثال بسيط عن كيف ان عقل الإنسان!؟.
❈-❈-❈
بداخل منزل منذر……
ألقت ضحي الطرحه من فوق ثوبها الأبيض على الأريكة بينما كان يغلق منذر باب الشقة وهو يقول بتعب
= أخيراً بقينا لوحدنا وخلصنا من الدوشه، دماغي وجعتني أوي من صوت الأغاني و الرقص حواليا… بس كانت ليله جميله والحمد لله أنها عدت على خير
انفرجت منها ابتسامة حلوة وهي تتأمل عيناه الخضراء و تستمع حرصه على الاهتمام بها و تعويضها اليوم بحفل زفاف ولكن ليس أيَّ حفل فكان بالنسبه لها أكثر من الروعه…. اسطوري حقا لدرجه أنها لم تنسى ذلك اليوم من حياتها ابدأ و لم ترد سوى أن تكون معه فقط… فكل تلك الأشياء الجميله التي يفعلها
طول الوقت معها يفعلها دون أن تطلب حتى ذلك! أسعدها حقا.. لذلك يجب أن تبذل مجهود لاسعاده هو الآخر.
بعد وقت استأذنت ضحي لتدخل غرفتها وهو ظل بالخارج يصارع أفكاره……
بالداخل ارتدت ذلك القميص القصير لتبتسم بخجل شديد فستحاول أن تعوضه اليوم على كل شيء فعله معها وتنتصر على خجلها، حسنا أياً كان كنه الرهبة تلك العلاقة التي تجمعهم فهي ستتخلص منها نهائيا، ألقت نظرة نهائية على نفسها لتلتقط بعد ذلك روبها لترتديه متوجهة إلى الخارج، توجهت تبحث عنه في أنحاء الغرفة حتي وصلت إلى المطبخ لتتنهد بقوة قبل أن تدخل إليه، لتجد إياه يتناول الطعام بنهم يحاول ان يخرج شحنه به لذلك لم ينتبه لها، تحمحمت بخجل لتلفت انتباهه وما أن التفت لها حتي سعل بقوة وهو يراها تتألق في ملابسها تلك وذلك كان يزيده حسره أكثر.
اندفعت ضحي تناوله كوبا من الماء بلهفة ليتناوله منها ساكبا إياه داخل فمه دفعة واحدة، نظر إليها من جديد ليبتلع ريقه بتوتر وحاول رسم ابتسامة بصعوبة بالغة.. كانت فاتنة بحق!.. تحرك وتوجه إلى غرفته وهو يتحدث بارتباك وتهرب
= أنا هدخل اغير في الاوضه طالما خلصتي.. وانتٍ اتعشي أكيد جعانه
اختفي داخل الغرفة لتجلس هي بغرابة شديدة لكنها حاولت طرد أي أفكار سيئة بيأس … فبالتاكيد الوضع غريب ومحرج عليه هو الآخر
نظرت إلى الطعام فوق الطاولة بالمطبخ كان شهيه حقا لكن ليس لديها رغبه لذلك خرجت تنتظر في غرفه المعيشه.
❈-❈-❈
علي الجانب الآخر، أغلق منذر باب غرفته متنهداً بعدم راحة، ثم خلع ربطة عنقه وسترته وألقاه جانبًا ثم بدأ يرتدي ثيابة وهو يفكر ماذا سيفعل الآن؟ هل يخبرها في الوقت الحالي ام ينتظر حتى تكتشف الأمر من نفسها.. فبكل الحاجه ستعرف الأمر… هو فعل كل ذلك دون ان يفكر بتلك اللحظه! لم يهتم بعواقب ما قد يفعله وكيف ستكون رده فعلها ياتري؟ ماذا
يجدر به أن يفعل؟..
أراد أن ينسى كل شيء، الندم الذي بداخله
و تهوره الذي دعه إلى استغلال كل ذلك
ليحصل على فرصة البدء من جديد، ليعيش
حياته مع شخص آخر. لكنه لم يرد ذلك، أراد
فقط أن يشعر بدفء واهتمام ضحي بجانبه… ظل يفكر كثيراً كيف ستسير تلك الليله التي لم يخطط لها.. حتي جاءت الرغبة في فقدان
عقله أكثر مثل موجة و قرر فقط الذهاب لها ويحدث ما يحدث.
خرج بعد دقائق مرتدي تلك البچامه، ليجدها تجلس فوق الأريكة و أول ما رأته أبتسمت و هو شعر بالحزن والضيق من نفسه لأنه يعرف جيد تلك الابتسامة ستختفي لاحقا! ليتوجه بهدوء نحوها يطبع قبلة دافئة على جبينها وهو يقول
= مبروك علينا
تمتمت بخجل وهي تفرك يدها بتوتر
= شكراً، الله يبارك فيك
صمت دقيقه ثم نهض وسحبها من يدها ليتوجه نحو غرفة النوم قائلاً
= طيب تعالي بما اننا غيرنا هدومنا بقي واكلنا نروح ننام
اشاحت بيديها بعيداً عنه بخجل فقد ظنت أنه يريدها لأمر آخر خاص بليله زفافهم وطبيعي يحدث، لذلك صاحت باستنكار
= بس انا لسه ما اكلتش
عقد منذر حاجبيه وتمتم بتساؤل باهتمام
= بجد! طب ما اكلتيش ليه ادخل اجيبلك الأكل جعانه .
هزت رأسها برفض بأنها ليست جائعه، ليضحك بخفه وهو يقول باستفسار زائف
= طب ايه بقي طالما مش جعانه هنفضل هنا طول اليوم؟.. ولا في حاجه غلط من اللي بقولها مش عاجباكي!!
زحفت الحمرة نحو وجنتيها وهي تطرق برأسها للأسفل، تفكر كيف تخبره أنها خائفة بما سيحدث في ليلة الزفاف! لتقول هي بتلعثم
= لا بس آآ..
تلعثمت صامته وهي تري نظراته المبتسمة نحوها ثم قال وهو يغمز عيناه
= بس ايه؟ ما تفهميني هي الحاجه اللي انتٍ عاوزه تقوليها ملهاش إسم ولا إيه
عبست ملامحها باستياء ثم لكزته بخفة علي مرفقه وهي تهتف بحرج
= منذر بطل بقي.
لوي ثغره بابتسامة خفيفة حينما شرد في وجهها البشوش الذي يتورد خجلاً من أبسط الكلمات، ثم سحبها مجدداً معه بداخل الغرفة وهي لم تعترض هذه المره! أغلق الباب خلفهما وترك يدها لينظر إليها بصمت! وهي أخفضت رأسها بخجل وتوتر من نظراته الغامضة فمازال حتي تلك اللحظة غامض في تصرفاته.. و نظراته أيضا.
بينما منذر كان مستاء جدًّا من نفسه في تلك اللحظة، عندما طال الصمت دون حديث رفعت
هي رأسها وبتردد شجعت نفسها وخلعت الروب ليسقط أرضا ويري أنها مرتدية قميصًا حريري ذو حملات رفيعة من اللون الوردي، يكاد يصل إلى ركبتيها جحظ عيناه بصدمة جلية عندما أدرك ذلك الموقف الحرج الذي وضعته فيه للتو! و بتلقائية رفع عيناه ينظر لها بجرأة و رغم أنها أول مرة يراها هكذا ومن المفترض يكون سعيد! إلا أنه انزعج من مواقفها التي تخجله، وهو يراها بذلك الشكل شبه عـ.ـارية أمامه، و بأنه يخترقها بسهولة….
و يتكرر نفس السؤال في ذهنه ماذا سيفعل؟ ومن أين يبدأ حتي ينتهي الأمر! ويكشف عن سره الذي تزوجها لأجله من الأساس….!
تنهد بقله حيله وهو ينظر اليها ثم اقترب منها واحتضنها بحنان فلا أحد يعلم ما به جيداً.. لا يعلم أحد انه يبذل قصاري جهده الليلة ليبدو طبيعي! فهو وحده من يعلم انه يبذل مجهودا شديداً ليغتصب ابتسامه صغيره فقط ليطمئنها ثم تنهد بحزن و أبتعد عنها ليرفع يده يتلمس بأطراف أصابعه بشرتها الناعمة ليشعر بها ترتجف بشدة تحت أصابعه، تساءل باهتمام
= انتٍ كويسة؟
ضغطت هي على القميص الذي ترتديه بأصابع كفيها بعصبية من الارتباك والتوتر، قائلة بصدق
= أنا مرعوبة!
تصلب في مكانه محاوطًا إياها بذراعيه بحنان وهو يقول بهمس متعجب
= ليه؟!
مدت يدها لتمسك بكفه، فتفاجأ من حركتها تلك وحدق فيها مدهوشًا بصورة كبيرة، رسمت على ثغرها ابتسامة أكثر صفاءً وهي تقول بصراحة بالغة
= تعرف أن أنا فضلت أحلم باليوم ده اكتر من ١٨ سنة بحالهم.. من وانا طفله عندي ١٧ سنه وانا بتمنى اليوم ده وزاد اكتر معايا لما كل اخواتي اتجوزوا وانا فضلت لوحدي! كنت بحلم بإحساسي هيبقى إيه وقتها لما احقق احلامي والاقي انسان كويس فعلا يقدرني و يستاهلني.. تعرف ممكن في الاول كنت عاوزه اتجوز عشان مجرد اخلص من لقب انسه وكلام الناس والمجتمع ! انما بعد ما عرفتك وكل اللي عملته عشاني حسيت إحساس تاني خالص.
مسح منذر على وجهها برفق هاتفاً بجدية لطيفة
= مش حاسه انك بتبلغي انتٍ لسه ما تعرفنيش كويس..مش جايز إحساسك ده ممكن يطلع أوهام؟
ارتفعت أنظارها تلقائيًا نحوه، فالوت ملامحها بعبث للغاية مرددًة بصوت خفيض
= هو انا ساعات بحس انك غامض وممكن مش فاهماك طول الوقت، بس اللي متاكده منه انك قلبك طيب وحنين ..
ضغط منذر على شفتيه هاتفًا بصعوبة
= طيب لو طلع صح؟.. هتعملي إيه ساعتها؟
أغمضت ضحي عينيها للحظة، وابتسمت بدلال هامسة
= أظن إن دي أحلى حاجة، على الأقل هدور على حلم جديد.. لان هكون حققت الحلم الاولاني بمجرد ما بقيت معاك
أبتسم بصعوبة ثم بدأ يحرك أصابعة تجاه وجهها جزء جزء، وهو يردف قائلاً محذرًا بكلمات غامضة لها كالعادة لكنها كانت مفهومة جيدًا بالنسبة له
= ضحي إنتٍ طيبة وحنينه، ومش كل الناس تفكيرها زيك ولا قلبهم حنين و نيتك في غيرك كويسه، غير أنك بنت جميله اوي… و ملامحك البسيطة دي بتسحر بكل حاجه فيكي عيونك.. وخدودك و آآ شفايفك
خجلت كثيرًا من تلميحاته الصريحة، ونكست رأسها بحياء من مجرد التفكير في أمر كهذا، تفهم موقفها واقترب بابتسامة عذبة يخطف إياها بقبلة صغيرة من شفتيها، ارتجفت أوصالها من فعلته تلك، مشاعر غريبة انتابتها أحدثت فيها ارتباكًا محببًا إليها، أبتعد عنها بهدوء ثم أسبل عيناه نحوها بصمت لمده دقيقه وأكثر وهي تعجبت منه لكنها خجلت أن تسأله عن السبب، ثم تحرك أخيراً مبتعد عنها و أولاها ظهره وهو يقول بصوت باهت بحسرة
= بس يا خساره.. يا ألف خساره لأن ذي ما بيقول المثل كده الحلو ما بيكملش
❈-❈-❈
تعقدت تعبيرات وجه ضحي باستغراب حينما أبتعد عنها تارك إياها دون مقدمات، وبحيرة واضحة عليها قامت لتنظر إليه معلنة عن دهشة عظيمة، وهي تتسائل بقلق
= ليه بتقول كده في ايه؟ مالك
تقوس فمه بابتسامة باهتة ثم أجابها بتوتر خفيف وهو يبتلع ريقه من رده فعلها
= في أن انا ما اقدرش اعمل اكتر من كده يا ضحى! لحد هنا و ده أخري.. والعيب مش فيكي انتٍ بنت جميله وكل حاجه زي ما لسه قايل لك بس للاسف مش هتعرفي تثيري الرغبه فيا.. يعني تقدري تقولي العيب فيا انا!
مطت ضحي شفتيها بضيق بائن على محياها، وتنهدت قائلة بعدم فهم
= انا مش فاهمه حاجه.. منذر انت عاوز تقول ايه
توقف عن السير مجبر ليلتفت نحوها بوجهه العابس المتشنج، وهتف باقتضاب وهو يزفر بانزعاج
= كلامي مش واضح ولا انتٍ اللي مش عايزه تصدقي! خلاص هقولها لك بمعنى تاني واضح
انا عاجز جـ ـنـ سـيا يا ضحى
انكر عقلها ما سمعته وبشاعه الحديث، فماذا يقول ذلك بالتأكيد يمزح.. تساءلت هل تغلق عينيها و تفتحهما للتأكد انه ليس حلم أم ما الذي عليها فعله.. سألته بحدة طفيفة وقد استشاطت نظراتها
= انت بتهزر صح! اكيد اللي انت بتقوله ده ما لوش الا معنى واحد أن انت بتحاول تلعب باعصابي وتهزر وهزار سخيف كمان
جلس فوق أحد المقاعد بتثاقل قائلا بفتور
= تفتكري في راجل هيقول على نفسه حاجه زي كده حتى لو هزار؟ لا انا بقول الحقيقه انا عاجز عن العلاقة الزوجية وهو ده السر اللي كنت مخبيه عليكي وقلتلك من اول يوم جواز هتعرفي من نفسك وانا مش هبذل أي مجهود حتي عشان احاول اداري الموضوع ولا استناكٍ تعرفي لوحدك واقعد اخترعلك في حجج الأفضل أحسن تعرفي من اول يوم .
شهقت مذهولة من كلماته الصادمة، وارتخى تشابك أصابع كفيها، استغرقها الأمر لحظات لتستوعب خطورة الموقف،ثم انهارت مقاومتها سريعًا ودمعت عيناها عفويًا، فانزعج من ذلك قائلاً بارتباك
= معلش الموضوع صعب فعلا انك تستوعبي بس مع الوقت تتعودي!
رفضت تصديق اعتقادها قائلة باحتجاج قوي
= اتعود على ايه؟ هو انت مجنون هو انت لو كلامك صح فعلا جايب منين الثقه دي ان انا هفضل على ذمتك دقيقه واحده بعد ما كذبت عليا وخدعتني؟ حاجه زي كده كان لازم اعرفها من اول يوم عرفتني وانا بعد كده اللي أقرر مش تحطني قدام الامر الواقع… ايه اللي ماكد لك أن مش هسيبك وهطلب الطلاق
لم يمهلها الفرصة لتستوعب صدمه اخرى وقال بصوت جامد وكأنه يريد يزيح الاثقال من فوق صدره كلها مرة واحدة ليرتاح ولكن من اين تاتي الراحه
= لان اللي زيك يا ضحى، مستعد يعمل اي حاجه ويتنازل عشان بس يخلص من ضغوطات المجتمع وكلام الناس وترتبط… فا هتخاف برده من كلام الناس والمجتمع لما تبقى مطلقه في نظرهم !.
لتنظر له باحتقار كبير غير مصدقة وقحته و استغلاله لشخصها وأنه شخص حقير مثله زيف اهتمامه الكبير نحوها لأجل مصلحته حتي تقع في شبكة، خفق قلبها بعنف وهي تهتف غير مصدقة
= انت مين؟؟ واتجوزتني ليه؟ اشمعنا انا اللي اخترتني؟ رد عليا دلوقتي حالا بدل ما اصوت والم عليك اللي في البيت كله ايه معنى كلامك ده
صمت لثوانٍ لتُشحن الأجواء أكثر،ثم رد بجدية تامة دون أن يطرف له جفن
= انا اول مره شفتك في فرح اخو مصطفى جوز نرمين صاحبتك زي ما قلتلك ولما شفتك اعجبت بيكٍ وطلبتك للجواز، بس للاسف مش دي الحقيقه كلها؟ انا كنت سمعتك وانتٍ بتتكلمي مع نرمين صاحبتك على المدرس زميلك ده اللي كان عاوز يتجوزك بشرط انك توافقي يتجوز عليكي لو شاف واحده واعجب بيها و انتٍ ما تعترضيش.. و ساعتها صاحبتك فضلت تلومك وتزعقلك انك بتفكري توافقي على حاجه زي كده وانتٍ فضلتي تردي عليها وتشرحيلها قد ايه بتتعرضي من ضغوط من المجتمع والناس واهلك وزهقتي من ان مفيش حد بيتقدملك خالص ومش فاهمه العيب فيكي في ايه؟ انا ساعتها سمعت كلامك من هنا و فكرت في فكره واحده ان انا اتجوزك وتبقى مصلحه قدام مصلحه؟
أضاف قاصدًا الضغط على كل كلمة يهتف بها
= انتٍ تخلصي من لقب عانس وكلام الناس وانا برده اخلص من كلام الناس واختار واحده اتجوزها تستحمل عيبي!.
كانت تستمع له بعدم استيعاب هو يشرح بكل بساطة كيف كان يتلاعب بها ورسم كل ذلك حتى تثق به وتوافق على الارتباط منه، فمعنى ذلك كل الاهتمام والحنان كان مزيف! كيف لم تتوقع ذلك من البدايه؟ وحقيقته الدنيئه و الغامضة وقد بدأت الآن تترجم كل تصرفاته الغريبة نحوها تلك لماذا؟
فكان صريح معها لدرجه جعلتها تكره الصراحه وتحبذ الكذب والخداع حتى لا تنصدم فيه، ليت أكمل خداعة حتي لا يكشف حقيقه إمرة المخزي… إلا أن وخزة قوية عصفت بقلبها جعلتها تصل إلى ذروة غضبها في أقل من ثوانٍ، كونه قد تلاعب بها وهي استسلمت له بكل سهولة لأنه كان يعرف حقا نقطة ضعفها، لذلك أصابها بالجنون صائحة بانفعال كبير
= لأ لأ انا مش قادره اصدق لا مستحيل! ده اكيد كابوس وانا هصحى منه انت مستحيل تكون بالخساسه والوطيه ده وتستغلني.. مش ممكن تكون بالقذاره دي وتستغل ضعفي و الكلام اللي قلتهلك ده انا حتى لغيري ما كنتش بقوله ولا لنفسي.. مش ممكن انا فكرتك بتعمل كل ده عشان بدأت تعجب بيا وتحبني فعلا مش عشان مصلحتك
شدت علي شعرها للخلف بقوة وهي تحاول استيعاب ما وقعت به خارج عن سيطرتها، لتضيف قائلة باستياء
= يعني ايه اهتمامك بيا من اول يوم خطوبه والهدايا والشبكه الغاليه والفرح اللي ما حصلش كل ده كنت بتعمله عشان مصلحتك.. مفكر كده بتعوضني وهتخليني اسكت و استحمل غصب عني الوضع ده ! وكلامك عن الحنيه والحب ده برده كان من ضمن التمثيليه اللي كنت بتمثلها عليا.. كل حاجه كنت بتعملها من غير مقابل زي ما انا كنت فاكره؟؟ كنت مستني مني المقابل اول ما اعرف كل حاجه
توجس منذر خيفة من تهور عصبيتها الزائدة، فاستعطفها بحذر
= ضحي اهدي عشان الموضوع مش زي ما انتٍ فاكره في حاجات كتير انتٍ ما تعرفهاش عني..ولو عرفتيها مش هتصدقي انا استحملت قد ايه عذاب جايز اكون اناني فعلا زي ما انتٍ بتقولي بس ما كانش قدامي حل غير ده
لترمقه بنظرات مغتاظة، مندفعة نحوه بعصبية وهي تصيح منفعله
= انت كمان مصدق نفسك ان انت اللي مظلوم في الحكايه؟ والضحيه ما تبص حواليك انت عملت فيا ايه انت ضحكت عليا وخدعتني! انا ذنبي إيه في كل ده.. ذنبي إيه استحمل عيبك
أنك آآ كده
شعر منذر بالغضب والحزن وظن أنها تقصد السخريه والإهانة من أمره لكنها من صدمتها لا تعرف ماذا تقول وماذا يصح لا تقول! توترت أنفاسه،وسيطر الحزن على تعابير وجهه الذابل وبدأ صوته مختنقًا وهو يقول
= ضحى ممكن تكوني انتٍ الوحيده اصلا اللي ظلمتها لكن في كل حكايه ومشكله تحصل بطلع انا المظلوم! ويا ريتهم حد بيعترفوا بكده
انا اسف عارف ان كان لازم اقول لك بس انا متاكد انك كنتي هترفضي اكيد ما فيش واحده هتستحمل الوضع ده.. انا بس اللي بستحمل عشان مجبر وما عنديش اختيار! عشان كده انا حاسس بيكي دلوقتي، بس اسمعيني عشان خاطري وافهمي الحكايه ممكن صعب عليكي شويه و بلاش تظلميني زيهم.. انا والله العظيم ما كانت في نيتي ولا كنت اتوقع ان انا ممكن اعمل حاجه زي كده بس هم السبب.. كان عاوزين لثاني مره يظلموني ويجوزوني بالغصب عشان مصلحتهم! مصلحه البيه ابنهم كأن انا مش ابنهم كمان، انا ما كنتش هستحمل لتاني مره يجوزوني واحده باختيارهم واشوف العذاب والقرف اللي انا شفته مع غاده
وكأنها قد عادت إلى رشدها بعد سماعها أمر زواجة السابق يتردد بين شفتيه، فهتفت بلا وعي وجنون
= غاده! مراتك الاولانيه كانت تعرف بالوضع ده برده مش كده؟ طب ازاي؟ ازاي وهي جايبه طفل منك ولا انت ما كنتش كده وبقت كده من فتره.. انا مش فاهمه حاجه؟!.
❈-❈-❈
هز منذر رأسه برفض عده مرات بثبات زائف موضحًا بحرج كبير
= لا يا ضحى انا كده من زمان وعرفت الوضع ده من اول يوم جوازي منها! اما بخصوص الطفل اللي هي جابته فده مش ابني.. وقبل ما مخك يودي ويجيب هي للاسف خانتني وفي بيتي ولما شفتها معاه هرب وهي بكل بجاحه وقفت قدامي وقالتلي بخونك وما انكرتش… قالتلي امال كنت هعمل ايه وانت كده عاجز وضعيف الشخصيه قدام اهلك و انا استحملت إللي محدش يستحمله معاك و قلبت نفسها الضحيه، وفي اخر الكلام طلقتها وهي قالتلي لو عاوز احافظ على سرك انت كمان حافظ على سري .
نظرت إليه نظرة احتقار من صدمتها به و الكلمات تعجز عن الخروج من شفتيها، ثم همست بصوت واهن مصدوم
=و.. وافقت..وآآ… والطفل اتكتب باسمك كمان والكل مفكره إبنك..و الكلام اللي كنت بسمعه عليك انك مش بتسال عليه كان حقيقه عشان هو مش ابنك.. انت ازاي قدرت تعمل كده؟ تستحمل ان مراتك تخونك وتكتب طفل مش ابنك باسمك عادي وكل ده عشان خايف تفضحك وتعرف الناس انك عاجز
تسارعت أنفاسه بخزي فخرج صوته لاهثًا وهو يقول بصعوبة من شعور الاستحقار الذي يواجه منها
= ما تبصليش البصه دي انتٍ كمان انا فاهمه كويس انتٍ شايفاني ايه دلوقتي بس مش دي الحقيقه، مين قال لك ان انا استحملت! انا ما فيش وضع اتحطيت فيه كان برضايه بس كنت مضطره اكمل و وافقتها على الهبل ده مش عشان خايف منها ولا عشان الاتفاق اللي عملته زي ما هي فاكره برده.. أنا سكت عشان سترت عليها وعشان ابوها ما يموتهاش ولا يموت هو بالفضيحه وانا قلت لها الكلام ده في مره انتٍ لو فتحتي بقك انا مش مدان بحاجه على الأقل ما عندكيش دليل واحد لكن انا ببساطه لو قلت وعملنا تحليل للطفل هيعرف الكل انه مش ابني وكلامي صح.. انا ممكن اكون فعلا ضعيف الشخصيه زي ما هي بتقول بسبب معامله اهلي ليا من اللي شايفاه طول الوقت وهم بيقللوا مني لكن الا الموضوع ده.. والله العظيم سكوتي كان عشان استر عليها رغم انها ما تستاهلش
هزت رأسها بيأس غير مصدقة أو مقتنعة بما قاله، لأني ببساطه لقد كذب عليها مره فمن المحتمل ان يكذب عليها مجدداً ويخترع تلك القصص حتى يستعطفها وتتغاضى عن الأمر!
وذلك ألمه أكثر، تألم من كثرة الضغط عليه من كل النواحي حتى أنهكه الألم وأوجعه بدرجة ملحوظة، وهو يضيف قائلاً بلا احساس أو تعبير
= مش مصدقاني! ما ليكي حق هو انتٍ تعرفي إيه عني.. فاكره لما اتهموني ان انا بخنصر (بسرق) من فلوس الوكاله وكلهم شكوا فيا رغم أن شايل الشغل كله فوق دماغي وما شافوش مني اي حاجه وحشه قبل كده ومع ذلك اول ما جت الفرصه كلهم فتحوا عليا النار و اتهموني من غير اي دليل.. ده كان نقطه في بحر من اللي بيعملوا فيا علي طول! انا من اول يوم اخويا جه على الدنيا دي وانا عرفت الظلم الحقيقي.. من اول ما اكتشفوا ان هو مريض قلب وانا حياتي اتقلبت 180 درجه… من اول ما راحوا يكشفوا عليه ونسيوني هناك وانا كان لازم افهم أنها البدايه
شعر أنه لم يكن في وعيه كانت نظراته شـاردة في مكان أخر يبعد عنه بمسافات قليلة.. لكن يلاحق في عقله صور عشوائية لمراحل مختلفة من حياته معهما، فنهج صدره باضطراب كبير مضيفاً
= وانهم بعد كده هينسوني، كان عندي سبع سنين لما عرفوا ان معاذ مريض قلب كان عاوز اهتمام ورعايه طول الوقت، تمام تعالي على نفسك وساعدنا اديك شايف تعب اخوك، اللي في اي لحظه ممكن يموت عشان كده لازم
نديله كل اهتمامنا ونعوضه! بس للاسف وسط الاهتمام والتعويض ده نسيوني ومش مره ولا اتنين لا طول الوقت خالص.. انا متهيا لي اصلا ان هم لما حد يسألهم عندكم كام عيل بيقولوا على طول واحد وينسوا الثاني إللي مش مهم أصلا هو أنت مريض قلب ذي أخوك معاذ!
كفكف دمعاته سريعًا التي تساقطت دون أراده منه قبل أن تراها أعينها المدققة بأوجه ويشعر بالضعف والتقليل من شأنه بسبب نظراتها، وهو اكتفى من ذلك! فهو نبذ بقسوة الحزن بحقيقة، و الفاجعة أقسى في كل مرة
شعرت بخفقان قوي في قلبها وهي ترى و تسمع حالته تلك بصمت صادم، تنهد هو بألم يعصف الأفكار برأسه يشعر بصداع يكاد، يفتك به لا يدري كيفية الخروج من مأذقه هذا؟ ثم تحدث هامسا بصوت مرتعش ضعيف
= الكلمه دي كنت بسمعها طول الوقت لما احاول اشتكي ولا انبههم على اللي بيعملوا فيا! لحد ما كرهوني في المرض وفي معاذ كمان.. عارفه كمان وصلوني لدرجه إيه؟ ان انا بقيت اتمنى ان يبقى عندي مرض خطير عشان يهتموا بيا اصل انتٍ مش فاهمه كانوا بيعملوا ايه عشان يوصلوني لكده؟ كل ما كنت اكبر سنه الاقي نفسي مسؤول عنه! و كل ما يغلط ولا يعمل حاجه غلط بقصد ولا من غير قصد انا اللي اتحاسب مكانه بحجه ان انا ما خليتش بالي منه ومنعته يعمل الغلط ده.. وكنت بضرب واتعاقب مكانه ويا ريت جت على كده وبس فجاه كمان لقيت نفسي مضطره أقدم تنازلات عشان خاطر الاستاذ معاذ ما يضرش… وفي مره هو اتشاكل (اتخانق) مع واحد صاحبه وضربه في قلبه و تعب وانا اللي اتضربت و اتعاقبت مكانه كالعاده رغم ما كانش ذنبي ولا حتي سألوا مين اللي غلطان فينا بس انا اللي لازم اشيل العقاب عشان هم عمرهم ما هيقدروا يعاقبوه عشان خايفين عليه.. انما انا ما متعود ايه يعني هي كانت اول مره ولازم اشيل.. ما أنا الكبير
انخلع قلبها في صدرها من تصريحاته الظالمة هذه، فعجزت عن الرد عليه. بينما غلت الدماء في العروق المغذية لخلايا عقله فشعر بنيران متأججة تحرقه، فلم يتحمل المزيد من الضغوطات المميتة عليه من الجميع دون أي وجه حق، فصرخ بوجع حقيقي
= ومش بس كده لا قعدونا من المدرسه احنا الاتنين عشان خايفين انه يتاذي من المدرسه، ما كانتش اول مره يرجع من المدرسه متضرر! وكنت على طول في مشاكل بسببه، بس انا كنت حابب اكمل وكنت بجيب مجموعه كويس لكن طالما دي حاجه هتضر معاذ لازم اتحرم منها زيه وبلاش منها خالص.. ومحدش اهتم برايي، ومن هنا ما كانتش اول مره يجوا عليا عشان خاطر معاذ ويتطلب مني أتنازل.. لدرجه بقيت احس نفسي عايش عشان خاطر اسعد معاذ و بس، حتي شغل الوكاله انا اللي كنت بشيله كله
من صغري اصلا من ساعه ما قعدت من المدرسه انا اللي شربت الصنعه وابتدي أبويا يعلمني ويضغط عليا عشان اشيل مسؤوليه الشغل كله ومعاذ لما كان بيجي كان بيقعده ويقول له اتفرج من بعيد عشان ما تتعبش وانا لما كنت أتعب أو افكر استريح شويه كان يهد الدنيا ويفضل يشتم فيا قدام العمال ويقول لي ما تسترجل يالا وبطل نطاعه وكلام تاني مش قادر انساه كان صعب على عيل زيي يكون شخص ضعيفه و مستسلم للاهانه! كان طول الوقت بيستخدم معايا أسلوب الشده و الضغط ده والإهانة عشان يطلعني مسؤول وراجل زي ما هو عاوزه.. حتى خله كله يستقوى عليا و العمال كانوا أوقات بيعملوني بنفس الطريقه القاسية في الشغل وانا مش قادر افتح بقي عشان هو كان بيكتمني لما كنت احاول اعترض وشايف انه كده بيخليني راجل مسؤول.. وكمان عشان اشيل مسؤوليه ابنه المريض رغم اصلا في الاواني الأخيرة ابتدأ معاذ صحته تتحسن عن زمان بس فضل الوضع ده شغال معايا منهم كلهم كأنهم اتعوده خلاص يعاملوني بالطريقه دي ومش عارفين يغيروها ولا عاوزين حتى يتغيروا .
انقبض قلبها بألم كبير من كلماته القاسية تلك، كما شحب لون بشرتها بفزع صريح! قبل أن يخترق صوته القاسي شرودها وهو يكمل بجفاء
= بس لما كبرت قلت ما ينفعش اكره معاذ هو ملوش ذنب برده كل الحكايه ان ربنا أختار يبتلي بالمرض ده.. حتى اهلي كنت بطلع ليهم اعذار لحد ما تعبت وزهقت بس مضطر امشي على النظام ده واكمل ما هو انا لما احاول اشتكي بطلع انا الوحش الاناني اللي مش مقدر تعب اخوه ومش بيساعد رغم كل اللي عملته.. عرفتي ليه بقول لك ان انا عمري ما اتحطيت في وضع راضي عنه ولا كان باختياري بس مضطر اكمل فيه… حتى لما اختار لي انسانه اتجوزها اختارلي اسوء واحده في الدنيا كلها اللي جوزهالي اصلا عشان مصلحه معاذ برده ذي كل مره ما فكرش فيا ولا اخد رأيي.. ومن هنا ابتدت ماساه تانيه في حياتي!
عاد بذاكرته لفترة مضت، ظن أنه نسيها وطوي إياها مع ما يطوى من ذكريات مشينة، إنها تلك الوقحة التي سودت أيامه وجعلته يكره الزواج وكل صنف النساء بسبب معاملتها القاسية و المهينة له، فكلمه كره قليله على ما عاشه معها ولا يريد أن يعيش تلك اللحظات مجدداً مع ضحى؟ صحيح هو لا يعرف حتى الآن رده فعلها الأخيرة في ذلك الأمر لكن متاكد حتى لو بنسبه قليله بأنها غير غاده تماما، فتلك الحقيره كانت تستغل ضعفه الى صالحها!.
❈-❈-❈
بعد زواجه من غادة واكتشافه للامر الذي حاول الإنكار كثيراً، و في لحظة ما أثناء محاولاته الفاشلة معها لعله ينجح الأمر ولا يتعرض للاساءه وراء ذلك أيضا، حاول بكل الطرق أن يشعر بشيء ما عندما يلامس جسدها فانتفض لأكثر من مرة مستنكر ذلك الإحساس المرعب الذي جعل قلبه يتحول كالهلام، في البداية ظنت الأخري أنها تتوهم مما تشك به، ولكن حينما فشل للمره التي لا تعرف عددها وهو يحاول دون فائدة… باتت متاكده مما تفكر فيه.
ابتعدت غاده للخلف وهي تحسب الفراش عليها وهو أبتعد عنها بقله حيلة لا يعرف ما الذي يصيب إياه دون الشعور بالرغبة نحو زوجته، لتنظر إليه غاده بنظرات مغتاظة ليقول منذر بخوف
= انا مش عارف مالي! اكيد في حاجه غلط
نظرت غاده له بغيظ مكتوم، ووضعت يدها على وسطها وهي تقول بسخرية قاصدة إهانته
= ولا غلط ولا صح يا اخويا ما العباره بانت خلاص، انا اللي حظي على طول فقري ويوم ما اقع؟ أقع مع واحد زيك مالوش فيها
ابتلع ريقه بتوجس من كلماتها وقال بحده
= انتٍ قصدك إيه؟ و بتتكلمي معايا بالطريقة دي ليه.
قالت بثقة لتؤكد له الأمر بعدم إحساس لشخصه
= قصدي يا اخويا خليك صريح وقول انك ما بتعرفش وما لكش في الجواز… خلصت كل الحجج و الأعذار معاك وكل مره اقول معلش تلاقي تعبان من مجهود الفرح ويوم وراء يوم لحد ما العباره بانت.. أنت مش راجل!!.
اتسعت عيناه أثر إهانته الصريحة منها واكتفي بصفعها بقوة قبل أن يهرب عن أنظارها بينما هي كزت على أسنانها صارخة بانفعال
= انت بتضربني هتعمل راجل عليا، طب خليك صريح مع نفسك عشان هي دي الحقيقه انت مش راجل يا منذر ولا قدام اهلك ولا معايا.
❈-❈-❈
زادت نظراته المهينة من مجرد ذكرياته مع طليقته، ثم تابع مكملاً باشمئزاز صريح
= كان عقلي رافض استوعب ان انا ممكن اكون كده! وده عشان حاجه واحده بس مش مستحمل معايره ولا مصيبه تاني تتحط فوق دماغي وقلت لنفسي كفايه اللي انا فيه وكنت بدعي ربنا ان يطلع ده مش حقيقي لحد ما اتاكدت فعلا إني آآ… أن حياتي مع غاده اتحولت لعذاب.. مع اول مشكله تحصل معانا تفضل تعايرني بالموضوع ده واللي زاد وغطه لما أبويا هو كمان كان بيضعف من شخصيتي قدامها و كأنه بيتعمد يهني ويقلل مني لاي سبب تافه او اي غلطه اعملها ويبدا يحاسبني بطريقته قدامها وما يستناش حتى تمشي وده خلاها تتقوى عليا اكتر وتشوف نفسها اكتر لما عرفت اللي فيها ان انا ضعيف الشخصيه قدامهم.. وبقت تستقوي عليا وتعايرني اكتر وتدوس عليا زيهم وهي عارفه ان انا مش هقدر افتح بقي بحرف!
تجمدت الكلمات على طرف لسان ضحي و بقيت أنظارها مثبتة عليه هو فقط، ثم رفعت وجهها للأمام غير مصدقة ولا مستوعبه كم الآلام والاوجاع تلك التي من الممكن ان يعيشها شخص ما؟ وان يكون هناك اشخاص مثل أسرته وطلقته تلك الحقيرة! والتي كانت تتعمد ان تقلل من شأنه مقابل شيء ليس له يد فيه؟ فكان من السهل إذا لم تتحمل الوضع ان تنفصل عنه وترحل لكنها كانت تستغل تلك النقط لصالحها حتي تصل إلى ما تريد… وما كان يساعدها على ذلك مع الاسف أسرته! التي كانت هي الأخرى تتعمد التقليل من شأنه امام الآخرين…
وعادت ضحى الى تلك النقطة مجدداً ربما يكذب عليها مرة أخرى وليست تلك الحقيقه.. لكنها اذا كانت الحقيقه فحقا ما عاشة صعب للغاية وفوق مقدرة التحمل.
وضع منذر يديه على رأسه ضاغط عليها بقوة من الألم الشديد الشاعر به وبتثبيط رهيب في معنوياته فلقد استنزف مشاعر القهر والحسرة مجددًا وهو يتذكر خابت أحلامه تمامًا كلها، و كأنه سينهار كل شيء في لحظة، حيث زادت حدة الألم واشتدت قسوتها، فعجز عن الصمود، ترنح جسده للخلف وسقط جالس فوق الأريكة ليقول ببكاء متألم
= انا كنت خايف ابويا يعرف ويعايرني زيها لان عمره ما هيقف معايا و يساعدني، هو عمره ما كان معايا كده زمان عشان يبقى معايا دلوقتي كده.. وكنت طول الوقت بخاف أما تبدأ تهددني انها هتقول لابويا وكنت اعمل لها اللي هي عاوزاه علي طول… عشان اكتر حاجه كانت بتوجعني فعلا كلامه واهانته وما كنتش ناقص ولا قادر اسمع منه حاجه وهو مش هيسكت وهيقول لكل الناس لان عمره ما بيفكر في مصلحتي ولا بيخاف على شكل ابنه قدام الناس.. وهي كانت بتسحب مني فلوس كثير على الموضوع ده…. وكانت اي حاجه بتتبلى عليا فيها ابويا كان بيصدقها عرفت تدخل لهم صح وتخليهم في صفها.. او يمكن لان محدش معايا وطول الوقت شايفيني وحش فكانوا بيصدقوا عليا اي حاجه.. لحد ما أخيراً طلقتها وخلصت من قرفها وحسيت كأن روحي ردتلي شويه..
أتسعت عينيها بقوه وابتلعت ريقها بتوتر ملحوظ، وهي تراه بذلك الضعف ويبكي أمامها أيضا، فهي لم يصادفها رجل يبكي في حياتها لكن لم تشعر بالاشمئزاز ولا النفور منه مثلما توقع هو! فما يحكي حقا صعب الصمود أمامه، مسح دموعه بسرعه شاعراً بالخزي من نفسه وهي تراه بذلك الشكل لأول مرة في حياتها، بالتأكيد ستاخذ عنه أفكار كثيره غير مرغوبه! واولهم بان الرجال لا تبكي مثل ما دائما يخبره والده.
= قلت لنفسي خلاص هعيش كده لوحدي علي طول وانا كنت كده حتى لو بقعد معاهم في بيت واحد ما حدش بيهتم بيا أصلا طب والله العظيم ساعات كتير كنت بتعب وهم مش دريانين بيا وكان الغريب لما يشوفني في الشارع يسألني مالي وهم لا.. وعشان كمان مظلمش حد معايا قلت مش عاوز ادخل حياتي حد تاني.. لأني مش عارف إللي جاي ده اذا كان هيوجعني ولا هيكون معايا و يطبطب عليا بس انا عمري ما شفت الطبطبه والحنيه والاهتمام في حياتي خالص.. كنت أسمع أن المفروض تكون من الام اكثر واحده عشان هي حنينه في طبعها مع ولادها لكن امي عمرها ما كانت كده إلا مع معاذ بس، اقول لك على حاجه ممكن ما تصدقهاش انا عمر ما حد حضني فيهم! وطول الوقت ده ما اعرفش اذا كان الحضن ده فعلا بيفرق مع وجع ذي ما بيقولوا ولا لاء.
نظر منذر لها فجاه مطولاً وهو يتنفس بقوة كبيرة مشحونة بالمشاعر المهشمة بينما في تلك اللحظة جف حلقها تقريبًا وأحست بتلك الرجفة تتسرب إلى أوصالها عندما مسح علي وجهها براحتيه قائلاً بضعف يشبه الرجاء
= هو بيفرق فعلا يا ضحى، جربتي قبل كده؟
تسمرت في مكانها من سؤاله القاسي، ظل يتطلع فيها بقوة و رجاء وكأنه يستجد بها لتعطف عليه وتحضنه وتشعره بالاهتمام و الحنان الذي افتقدته و الحياه…..لكنها رفضت التحرك له فبالنهايه هي ما زالت تحت تأثير الصدمة رغم الضعف التي بدأت تشعر به تجاهه، قبل أن تستجمع نفسها وترسم الجمود الزائف .
وخـزة عنيفة عصفت بقلبه عقب رفضها الانصياع له حتى من باب الشفقة وذلك جعل حزنه وخزلانه يتزاد أكثر بيأس، إبتلع ريقه بجمود مؤلم وهو يضيف قائلاً
= انا اللي خليني اغير رأيي! لأن انا سمعت ابويا وامي أنهم ناويين يجوزوني من تاني و يختارلي واحده على مزاجه وانا ما قدرتش قلت مش هضغط على نفسي تاني و أوافق ولا استسلام واسكت واسيبهم يختاروا المره دي برده واللي هي اكيد هتكون واحده بتاذيني لانهم مش عارفين عني اي حاجه ولا بيدوروا على مصلحتي عشان كده قلت لهم ان انا في واحده في دماغي.. رغم ما كنتش لسه قابلتك لحد ما بالصدفه شفتك وسمعتك وفكرت فيكي و اتقدملك و كنت لاول مره في حياتي اقف قدامهم واصمم على حاجه من اختياري لانهم رفضوا في البدايه بحجه اني مش مسؤول و خايب وما بعرفش اختار
تنفست الصعداء بصعوبة بالغة وهي تشعر بالسخرية من أمرها فبدلاً من أن تشعر بالعطف والشفقة على نفسها شعرت بهم تجاهه لكن مع ذلك لم تظهره، ثم قالت بصوت مختنق
= وطبعا صممت عليا عشان مصلحتك زيهم واستغلتني، تمام يا منذر اللي انت قلته والله وجعني أوي باعتبار كلامك لو صح وكل ده عملوا معاك، بس انا كمان ذنبي ايه.. ما كانش ينفع تحطني في الوضع ده ولو هم ظلموك انت كمان ظلمتني
أحاط وجهها براحتيه ماسحًا عبراتها المبللة لوجنتيها، فتوسلها راجيًا بصراحة هذا المرة
= انا ولله العظيم ما كذبت في كلمه واحده عليكي، رغم أن في كلام وجعني بس قلت احكيلك كل حاجه مره واحده وخلاص طالما اتفتحت.. ولو عاوزاني اجيب مصحف واحلف لك انا مستعد .. بس اهدي و اسمعيني أنا
أبعدته عنها بالقوة ماسحة دموعها ما تبقي منها بضعف وبتحسر أكبر، لتشعر أنها فقدت أعصابها كليًا فلتت زمام الأمور من يديها ولم يعد باستطاعتها السيطرة على حالها، تحولت للشراسة والهياج من صدمة الأمر الغير متوقع
وهي تصيح بعنف شديد
=اهدائي ايه وزفت ايه انتْ فاهمه انت بتقول ايه؟ مستوعب انت عملت فيا ايه وخدعتني ازاي.. انا عملت فيك إيه عشان تعمل فيا كده وتحطيني في الوضع ده؟ انت مش بس اناني انت حقير وجبان.. عشان استغليت أن كنت محطوطه في ضغط المجتمع وبسمع لهم.. يا اخي ملعون ابو المجتمع و عليك عشان يخليك تستغلني .. انت فاهم انت عملت ايه فيا دلوقتي ولا مش فارق معاك غير نفسك
رفع منذر رأسه بحدة تطل من عينيه نظرة صارمة باعتراض علي كلماتها التي توحي بعدم تقبلها الأمر، لتمتد يده الي عينيها يمرر انامله فوقها بخفة جعلتها تغمضها دون ارادة منها تتساقط دموعها الحبيسة فوق وجنتيها مجدداً بينما جسدها يرتعش بخفقات لتشعر انامله بتلك الخفقات السريعة بجنون ليخفض راسه مقربا وجهه هاتفاً بصوت عميق
= كل اللى انا فهماه انى مقدرش اعيش من غيرك يا ضحي انا عملت حاجات عمرى ما كنت اتصور انى اعملها ساعات كنت بكره نفسى واقول انا ليه بعمل كده؟ كل ما معاد الفرح يقرب كنت بكره نفسى اكتر وانا عارف ان اليوم ده هيجي وهتعرفي الحقيقه, بس كنت بحاول افكر بانانيه شويه زيهم وأقول انا احق بيك من أي حد وليه ما اعيشه حياه زيهم هادية, ضحي إنتٍ سهل انك تلاقى واحد يحبك لكن صعب انك تلاقى واحد فهماك ويهتم بيكي
ليهتز بداخلها شيئ جعل من ضربات قلبها عالية متسارعة بقوة مؤلمة لتحاول التنفس ببطء وهدوء في محاولة منها لتهدئة تلك المشاعر الهائجة بداخلها لرؤية كل هذا الضعف في رجل يتوسل اليها أن تظل معه مقابل يفعل لها الهوائل، كان الأمر غريب و محير عليها حقا.
لذلك زاد نحيبها المتحسر علي نفسها لدرجة أتعب قلبها شعورها بالخذلان وغلفت الأجواء الاحتفالية السعيدة بسحب الحزن الكثيفة،
ثم نظرت له شزرًا وهي تهتف بغضب
= بطل تضغط عليا وتستغل عواطفي ضدك، انت استغلتني يا منذر وخليتني ابصلك بطريقه وحشه بعد ما كنت بحترمك وشايفاك حاجه كبيره في نظري.. والمشكله انت عملت كل ده عشانك..و انا زي الهبله كنت موافقه و ساكته و وضحتلك من تصرفاتي انا قد ايه عاوزه الجوازه دي عشان اخلص من كلام الناس و رخصت نفسي ليك، وبقيت حاطه في دماغك ان انا هخاف من الطلاق عشان الناس برده.. طب إيه رأيك لو قلت لك أنا مش هسكت علي ده و استسلام ذي ما انت فاكر ومش هيفرق معايا كلام الناس بعد كده و هطلق منك.. وهبوظلك ترتيباتك إللي انت فرحان بيها دي عشان تعرف ازاي تستغل بنات الناس لمصلحتك
شعر بالياس والاحباط، هامسا بضعف وصوت اجش مرتعش
= بس انا مش عاوز تسيبيني يا ضحي انا في الأول كنت بحس ان كل حاجه كانت بتمشي بتدابيري لكن بقيت بحس انها صدفه مقصوده من ربنا عشان يعوضني بيكي!. انا محتاجلك بجد .
أبتسمت بتهكم ساخط نتيجة أثر غضبها الشديد منه، ثم انهارت مجهشة ببكاء مرير بلا وعي وهي تهتف بخيبة أمل كبيرة
= محتاجلي في إيه؟ مش خلاص اتجوزتني عشان تداري اللي انت فيه، ما هو اوعي تكدب وتقول انك بتحبني عشان انت ما حبتنيش و كل اللي كنت بتعمله عشان حاجه واحده بس توصل للي انت عاوز توصل له دلوقتي.. بس يا خساره ترتيباتك هتطلع على الفاضي لانك ما فكرتش للحظة واحدة أن ممكن ارفض الوضع ده واقول لاهلي بكره على الحقيقه ويطلقوني منك وبالذات ماما اللي كانت شاكه فيكي أصلا واللي أكيد مش هيسكتوا على حاجه زي كده! واذا علي خوفي من المجتمع والناس فانا ممكن استنى شهر ولا شهرين ولا حاجه و اقول ما حصلش نصيب ومش هكون اول ولا اخر واحده تطلق يعني ايه رايك في الترتيب ده
رمش بعينه بخوف وهو يهز راسه بضعف واختناق رافضا قائلاً
= لا يا ضحى انتٍ اكيد مش هتعملي كده؟ انتٍ أصلا اللي خليتيني اتمسك بيكي اكتر بسبب اهتمامك بيا إللي لاول مره احس بيه في حياتي وخوفك عليا وعلى مشاعري.. ما تجيش بعد ما اديتيني الأمل تعملي فيا كده
نظرت له بألم مصدومة مما حدث لها، وهوى قلبها في قدميها صارخة ببكاء من صعوبة الموقف والألم
= طب ما انت كمان كسرتني واديتني امل على الفاضي ان انت انسان كويس وهتعوضني وبتعمل كل ده عشان عاوزني بجد مش عشان مصلحتك! انت ليه مش قادر تستوعب اللي انت عملته ده إنت كسرتني
قام من مجلسه وجثي امامها علي ركبتيه
واحتضن كفوفها بكفه العريض واردف بندم
= والله آسف اوعدك مش هكدب عليكي تاني وهعمل كل حاجه عشان تسامحيني بس متسبنيش انتٍ اللي نشلتيني من اللي كنت فيه، انتٍ النقطه البيضه اللي في حياتي ارجوكي حاولي تسامحيني.. على فكره احنا ممكن نعيش زي اي اثنين طبيعيين واعوضك عن الموضوع ده، في حاجات تانيه على فكره ممكن نعوضها بيه مش لازم يعني
أجابت بجمود عكس ما بداخلها فضعفه ذلك يكاد يقتلها ولم تعرف السبب
=وهتعوضني بقى ازاي ان شاء الله!
أسند رأسه عليها وهو يحاوطها أكثر بخوف شديد من فقدانها ليقول بسرعه ولهفة برجاء مستعطف إياها لدرجه ألمتها
= ان انا اعملك كويس واتقي ربنا فيكي زي ما كنت بعمل أيام الخطوبه واكتر كمان، هغرك هدايا و فسحه و خروج كل يوم لو عاوزه طلباتك كلها هتكون عندي مواجب ومش هحرمك من حاجه، اي مكان انتٍ عاوزه تروحي او اي بلد حتي هوافق على طول… هضعف شغلي عشان اجيبلك فلوس اكثر و هحققلك كل ده، طب حتى جربيني وشوفي وهتعرفي ان انا مش بكدب المره دي
هزت ضحي كتفيها بغير اقتناع ثم حدقت فيه مرة أخرى بنظرات معاتبة، هاتفه بصرامة جادة
= لسه من شويه كنت بتشتكي ان غاده كانت بتستغل الموضوع ده عشان تعمل اللي هي عاوزاه ليه مسره تعيده انا مش كده يا منذر .. مش هتشتري سكتي بالموضوع ده بالفلوس
عبس بوجهه بضيق عند ذكر أمر طليقته ثم أخفض نبرة صوته ليقول بعتاب
= هشش ما تكرنيش نفسك بيها انتٍ غيرها خالص دي كرهتني في حياتي اكتر ما انا كرهتها، انتٍ مش متخيله اصلا كانت بتعمل معايا ايه وانا ما حكيتلكيش كل حاجه! وانا عارف ان انتٍ مش ماديه والله ما اقصد كده كمان بس انا بقول لك اللي بأيدي ممكن اعمله عشان اعوضك.. بس ما تسيبنيش عشان خاطري يا ضحى! انا اناني وكل حاجه وحشه زي ما قلتي بس مش هعمل كده تاني و مش عاوزه ابقى لوحدي تاني، ولا تحرميني من الإحساس اللي انا حسيته معاكي.. هو انا ليه مش مكتوب عليا اعيش مرتاح زي غيري هو انا اتخلقت عشان العذاب واعيش عشانهم
ضاقت نظراتها حتى باتت أكثر حدة وهي تعاتبه بوجوم
= ما تروح تحسيبهم هم بتحاسبني انا ليه بدلهم، بص قدامك! انت بتخليني ادفع ثمن حاجه انا ما ليش ذنب فيها
أمسكت فجاه رأسها بألم، عقد ما بين حاجبيه متساءلًا باستغراب مقلق
= مالك انتٍ كويسه؟ ضحي ردي عليا
شعرت ضحي بثقل في رأسها، فوضعت يدها على جبينها تتحسسه هامسة بصوت واهن
= دماغي وجعتني حسيت بدوخه وصداع.. ممكن تطلع بره بقى وتسيبني في حالي عشان انا تعبت من كتر الكلام وعمالين نلف ونوصل لنفس النقطه
اعتدل منذر في وقفته ببطء، وتنحنح بصوت خشن
= طب اقعدي ارتاحي وانا هجيبلك صينيه الأكل تلاقي تعبتي عشان ما اكلتيش كمان
انتفضت بنشيج وهي ترمقه بتلك النظرات الدونية بتعب وإرهاق
= مش عاوزه منك حاجه غير انك تسيبني في حالي ممكن تطلع بره لو سمحت وتسيبني لوحدي عشان افكر في المصيبه اللي انت حطيتني فيها.. يلا شوف اوضه تاني و سيبني في حالي، مش خلصنا خناق وقلت كل الحقيقة خلاص ولا في حاجة مخيبها عليا تاني.
أتسعت عيناه بقلق وحاول التنفس عده مرات
كتأثير مهدئ لغضبه المكبوت، لكن أصًّر قائلًا
بعناد أشد
= حل إيه يا ضحي إللي تفكري فيه، هي ملهاش حل غير أنك تسامحيني وترضي تعيشي معايا وانا المره دي هوفي بوعدي.. ولو فضلتي مصممة علي الطلاق برده مش هيحصل بعد لما لاقيتكٍ.. خدي وقتك عشان تستوعبي إنما بعد لأ!.
اقتربت منه ووقفت قبالته ناظرة في عينيه بتفرس حانق مقصود حتي لا يستغل ضعفها مجدداً لصالحه. شكل الوجوم تعبيرها أساسيًا على وجهها وهي تسأله بازدراء
= طبعاً الموضوع بسيطة بالنسبة لك لما تخدع و تعشم حد بحاجة….. بس أنا قلبي مش بيتحمل، بتعب من القساوة
أشار إلى نفسه وهو يقول باستنكار واضح
=أنا قاسي!! يا ضحي؟
هزت رأسها بإيماءات متتالية مرددة موضحاً باقتضاب عابس
= بتقسى.
ازدردت ريقها لتبتلع تلك الغصه التي لم تفارق
حلقها وقت بدأت تفهم الآن فقط الأمر ولما هي اختارها بالأخص، لتضيف بنبرة منكسرة
= واحده سنها 35 وخلاص قطر الجواز عدى ذي ما غيرها بيقول! و اكبر منك في السن بسبع سنين كمان، وبتخاف من كلام الناس والمجتمع وعامله لهم حساب.. ادخل اضحك عليها بالهدايا والفسح والوعود الكذابه! وهي لما تصدق هي كانت تطول اصلا واحد زيك يبصلها.. كفايه انها مش جميله جسمها مليان ما حدش بيتقدم لها خالص! والمره الوحيده اللي حصلت كانت بشروط كمان، وهي عليها ترضخ لناس مريضه زيكم.. مش هو ده اللي فكرت فيه لما جيت اتقدمتلي وانت متاكد ان انا هوافق على طول ومش هفكر اسيبك حتى بعد ما اعرف اللي فيها، لا برافو بجد احييك يا منذر عرفت تلعبها صح عليا! وصدقتك لا حقيقي برافو! ده لو حد كان صارحني قبل الجواز باللي انت ناوي تعمله فيا ما كنتش هصدقه
شردت بنظراتها في أحلامها معه بكل شئ!
الحلم الذي حلمت به عديدة من المرات لكن لم تحلم أن يخيب ظنها بذلك الشكل؟ رمقته بنظرات ساخطة وهي تضيف بصلابة
= عارف انا لما كنت طول الوقت بفكر في كل حاجه ومستعجل عليها ليه؟ وليه انا بالذات اللي فكر فيها ومصمم كده يتجوزني كان بيجيلي احساس أن في حاجه أنا معرفهاش بس بسبب ضغط الناس والمجتمع كنت بضغط علي نفسي واطنش! واقول لنفسي بطلي تفكري في حاجات ملهاش وجود غير جواكي وافرحي شويه بقي! وخلاص الدنيا ابتدأت تضحكلك وتعوضك .. وفي الآخر طلع احساسي صح وانت كان وراك حاجه مخبيها عليا
اتسعت عينا منذر وهتف باستنكار أكبر
= ايه الكلام اللي انتٍ بتقوليه ده هو انا عمري في حياتي بصيتلك بالطريقه دي ولا كان يهمني الشكل ولا جسمك عامل ازاي؟ يا ضحى افهميني أنا لو كنت بفكر بالطريقه دي كنت…
اقتربت ناحيته وهي تهتف بصوت قاسٍ يحمل التهديد والقوة الصريحة في صوتها
=افهمني انت يا منذر انا لو في حاجه كسبتها من الجوازه دي! هي أن من هنا ورايح مش هفكر في كلام الناس والمجتمع لان هو اللي وصلني لكده.. مع أن كان قدامي كل حاجه واضحه بس غمضت عيني وكل ده عشان اتحول من عانس لمدام، بس انا السبب برده لأني كنت بسمح لشويه ناس ما لهمش اي حكم علي حياتي والمفروض اطنشهم ولا اوقفهم عند حدهم!
أضافت عليه متحديه إياه بجموح وهي ترمقه بتلك النظرات القاتلة
= بس بعد كده مش هسمع لهم ولا هخلي حد يتحكم في حياتي.. فخاف يا منذر لأن كل ترتيباتك مش هتمشي زي ما انت عاوز للاسف.
إلي هنا لم يستطيع منذر الرد اكثر من ذلك والمجادله معها، فهو حقا فكر في نفسه وتعامل مع الأمر؟ كـمصلحة متبادلة وانتهت.. أخذ ما يريده ولكن ماذا عنها؟ لم يفكر!.
خرج من الغرفة بهدوء حذر موصد الباب خلفه بعد أن رمقها بنظرة أخيرة أسفة عليها، أما عن الأخرى؟ فلم تتوقع أن تمضي ليلة زفافهم بتلك الطريقة العجيبة.. لقد تركها و ذهب لينام بالخارج مثلما طلبت منه.. عضت شفتيها بقهر وهي تنظر الي منامتها بتحسر… فلقد ذهبت أحلامها أدراج الريح، وباتت تعيسة الحظ، خائبة الرجاء.
** ** **

يتبع…

لقراْة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قابل للكتمان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى