رواية سجينة جبل العامري الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ندا حسن
رواية سجينة جبل العامري الجزء الخامس والعشرون
رواية سجينة جبل العامري البارت الخامس والعشرون
رواية سجينة جبل العامري الحلقة الخامسة والعشرون
“جمعتها الصدفة به عندما دلفت جزيرة العامري التي كانت عبارة عن دماء وأسلحة وملجأ لكل من هو خارج عن القانون، الآن باتت جزيرة العامري مكان ترفع منه شعائر الهوى”
عادت “زينة” إلى الخلف لتقف في آخر بقعة في المرحاض تستند على الحائط بظهرها تنظر إلى الغرفة أمامها ترى الفراش تلتهمه النيران والستائر المعلقة على باب الشرفة، ترى سجادة الغرفة تشتعل والنيران تتصاعد بشكل مخيف يدلف الدخان بكثرة إلى المرحاض ليكتم أنفاسها ويسلب منها حياتها
لم تفعل شيء في ذلك الوقت إلا أنها تقف بعينين مُتسعة مصدومة مما يحدث لا تقوى على الحركة أو الصراخ تنتظر أن تعبر النيران إليها لتشعل المياة معها فمظهرها لا بوحي بأن هناك شيء يخمدها..
عبر شريط حياتها أمامها فلم تجد سبيل للفرحة ولو ليوم واحد ولم تجد طريق تعود منه إليه لترتمي داخل أحضانه، فلا مأوى يحتضن قلبها سوى الحزن والتعاسة..
عاشت حياتها الأولى في خديعة وكذبة مريرة لم تعبر حلقها إلا بعدما أشعرتها بمرارة العلقم ثم أكملت وحيدة ليالٍ طويلة لم يكن انيسها الوحيد سوى الذكرى الراحلة التي لم تكن إلا احتلال لقلبها المسكين، لتأتي أخيرًا إلى مذاق القسوة والجنون ترتمي في أحضان الخوف والذعر وآنات الألم وعندما أتت الفرصة لتدلف إلى عرين الذئب الذي تحول إلى صياد حنون يمسد بيده المحبة على خصلاتها ويربت بكلماته على جدران قلبها تأتي النيران المندلعة في لحظة قسوة ضارية لتأخذ منها كل شيء وأولهم حياتها فلم تدرك حينها إلا أنها خسرت كل ما ملكته ولم تكتب الفرحة يومًا لها..
استمعت إلى صرخات عنيفة في الخارج أخذت قلبها من مكانه، شعرت بالذعر والرعشة سارت في أنحاء جسدها خوفًا أن تكون شقيقتها ومستها النيران تقدمت سريعًا دون تفكير لتخرج من المرحاض تلقي بنفسها في التهلكة لأجلها ولكن قدرها اسعفها جاعلها تقف على أعتاب باب المرحاض لترى “تمارا” هي من تصرخ محاولة الخروج من الغرفة والنيران تلتهم جسدها بقسوة..
انهمرت الدمعات من عينيها وهي تراها بهذه الحالة تصارع الموت محاولة النجاة، نهش الحزن قلبها وهي تنظر إليها في هذه الحالة لتستدير “تمارا” وهي تصرخ تنظر إليها بشر ومازال الحقد يملأ قلبها ولم يزول على الرغم مما هي به وجدتها “زينة” تتقدم منها تصرخ بعنف عليها تنوي على الشر فدلفت إلى الداخل سريعًا بخطوات متعثرة تغلق الباب من خلفها بالمفتاح من الداخل..
ازدادت ضربات قلبها سرعة وهي تستمع إليها تضرب على باب المرحاض بقوة وشعرت أن قدميها لن تتحملها إلى النهاية والدخان يدلف إلى المرحاض شيء فـ شيء لتسلب أنفاسها عنوة..
تعالت صرخات “تمارا” في محاولة منها للخروج من الغرفة ولكنها تعثرت في فتح الباب..
استمع “جبل” إلى الصراخ في الأعلى فرفع بصره ليجد غرفته مشتعلة والنيران تلتهم كل ما بها يخرج الدخان إلى الخارج بكثرة ولا يظهر أي شيء بها سوى اللون الأحمر..
وقع قلبه بين قدميه هذه المرة ولم يشعر بجسده وهو يركض إلى الداخل يصارع الزمن في الوصول إليها قبل أن يحدث لها شيء ولكن صرخاتها المستغيثة كالمجنونة أوصلت إليه شيء آخر ليتشنج جسده بقوة يركض خلفه “عاصم” الذي أتى حاملًا طفاية الحريق ومن خلفه رجالة الذين فعلو مثله..
استكانت الصراخات فجأة قبل أن يفتح باب الغرفة ليشعر بأن حياته قد انتهت هنا، ذهبت إلى الجحيم وأظلمت مرة أخرى ليعود إلى عالمه في وسط غابة الذئاب الخاصة به يباشر قتل البرئ ويعذب المظلوم تحت مسمى أنه “جبل العامري” مساعد الشرطة المتنكر.. ذهبت حياته إلى الجحيم ليعود إلى دُجى الألم وعناء الحياة متناسيًا الهوى وجنونه والذي شعر به في حضرتها وغيابها، فاقدًا غمرة قلبها له وألقاء نفسه في أحضان روحها لتربت على كل جرح بسيط تمسد بيدها عليه ليشفو من كل جرح وندب وتترك هي لمسات الورد خاصتها على جسده..
فتح باب الغرفة ليجد النيران هي فقط التي تقابله تقلق عقله وتشتت روحه بمظهرها المهيب الذي أكل تقريبًا كل ما بالغرفة لتأتي الوساوس على عقله تراوده بلا هوادة أو شفقة تقدم للداخل فجذبه “عاصم” بقوة صارخًا:
-أنت بتعمل ايه استنى نطفيها
دفعه بعنف للخلف يسبه بغلظة وهو يتركهم متقدمًا للداخل بعدما حضر الجميع لتبدأ “إسراء” في الصراخ والعويل محاولة الدلوف هي الأخرى إلى الغرفة مثله ولكن “عاصم” أشار إلى والدة “جبل” بأن تمنعها عن ذلك لتقوم بأحكام قبضتها عليها هي و “فرح”
-ابعدوا عني زينة جوا
بعدما دلف جبل لحقوا به رجالة وهم يستعملون طفايات الحريق ولكنه لم يهتم بهم محاولًا إيجادها وضربات قلبه متعالية صارخة بأنه عليه إنقاذها وإلا ماتت حياته معها وزهقت روحه بأبشع الطرق..
بدأت النيران تخمد وتظهر ملامح الغرفة ولكن لا وجود لها تحت صرخات “إسراء” وخوف الجميع يخرج صوته الجهوري بعدما نفذ صبره وأرهقت روحه:
-اخرسوا البت دي
لم يكن يريد أن يستمع إلى العويل أو أي شيء يوحي بأنها ليست بخير ولكن أين الخير؟ دلف الجميع إلى الغرفة بعدما انطفأت النيران فدلف هو إلى الشرفة ولكن لا وجود لها ليستمع إلى أحد الحرس من الأسفل ينادي عليه فنظر إليهم بلهفة والذعر يسيطر على جسده ومهيب الموقف يجمد أطرافه جاعلًا عقله يقف عن التفكير وهو لا يحتاج تفكير إلا في هذه المواقف..
خرج “عاصم” ليقف جواره ينظر إلى ما ينظر إليه في الأسفل ليجد جسد ملقى على الأرض لا يظهر منه ملامح أخفاه الحراس عنه بغطاء..
ارتعش جسد “جبل” بقوة واخترقت الدمعات عيناه تقف خلف جفنيه مستعدة للفرار في أي لحظة، وقبضة قوية تعتصر قلبه تسحقه بين نيرانها المشتعلة..
رفع “عاصم” بصره إليه بصدمة ليجده واقفًا وكأنه ليس هنا، ليس معنا فقط ينظر إلى الأسفل بجسد مُتصلب في مكانه يرتعش بقوة..
دلفت “إسراء” إلى الشرفة تركض وخلفها والدته لينظروا إلى الأسفل فوقعت الصدمة على رؤوسهم، وشلت أطرافهم ليجد كل منهم طريقه للإبتعاد عن تلك الكارثة التي وقعت عليهم، أبصر “عاصم” تلك الواقفة جواره ولم يستطع بدأ ما كان يريد فعله ليجدها تصرخ بقوة عائدة للخلف ترتفع صرخاتها إلى عنان السماء ليستمع إليها كل فرض في الجزيرة تصم أذان “جبل” أول الحاضرين والمستمعين..
حاول الإقتراب منها ولكنها وقعت بين يده مغشيًا عليها تهرب من الواقع المرير الذي سلب منها حياتها عندما نال من شقيقتها الوحيدة التي كانت تجعلها تسير على دروب السعادة والصواب، الوحيدة التي انتشلتها من الغرق في كل مرة دون أن تناجيها بمحاولة إنقاذ..
كان “جبل” في عالم آخر غير الذي يعيشون به، خرج من صدمته على أقدامه الراكضة إلى الأسفل وحياته التي تتكرر أمامه بكل مشهد حب وغرام عاشه معها، حياته التي تتكرر بكل لحظة قاسية يملأها العنف والغلظة ذاقتها على يده.. أليس هناك شيء يسلب منه سوى هي؟ الوحيدة التي اكتسبها بعدما مر بأبشع الطرق إحداهما شوك والآخر جمر مشتعل والآخر ذئاب بشرية والآخر عار يلحقه من عائلته.. لم يجد إلا طريق واحد قابلها به ألا وهو العشق والوله ولم يدوم طويلًا ليشبع روحه منه فتسلب هكذا!..
وصل إليها لينحني على قدميه أمامها ترتعش يده وجسده بالكامل لتخرج الدمعات من عينه وهو يراها ساكنة لا تتحرك يأكل الغطاء كل جسدها لا يرى به شيء.. أتى خلفه عاصم بعدما ترك “إسراء” إلى والدته وشقيقته يحاولون إفاقتها من اغمائتها..
كانت المياة تحيط جسدها تغرق المكان أسفلها بعدما أطفأ الحراس النيران المشتعلة بها بالمياة..
وجد “جبل” لا يقوى على فعل شيء أو حتى رفع الغطاء عن وجهها يجلس ينظر إليها قليل الحيلة قلبه لم يعد مكانه وجسده خانه وجلس على الارض مقهور مسلوب الإرادة والفكر والروح..
مد “عاصم” يده بجراءة ليرفع الغطاء عن وجهها فأغمض “جبل” عيناه لا يريد رؤيتها رافضًا تلك الفكرة التي أتت على خلده بضراوة لا يريد إلا أن يغمرها ويشعر بها بأعماق جسده..
ظهر وجه “تمارا” المشوهة ولكنه لم يكن مدمر إلى الدرجة التي تجعل “عاصم” لا يتعرف عليها صدم مرة أخرى غير الأولى التي تلقاها في الأعلى ولكنها للحق أخف من سابقتها.. على الرغم من أنها كارثة أخرى وروح قد زهقت بطريقة بشعة وجنونية، الشفقة والرحمة مازالت هنا بالقلوب معمره ولكن هذا أفضل من أن تكون “زينة” هنا في موضعها..
ترك الغطاء ووضع يده على قدم “جبل” ناطقًا اسمه ليفتح عيناه تطل على وجه “تمارا” المحترق وجسدها الساكن أمامه، تحرك جسده وعيناه وهو ينظر إليها بصدمة كبيرة ولكن فرحته ظهرت على وجهه وهو يعود ببصره إلى “عاصم” تسأله عيناه..
دارت خيوط عقله سريعًا يرفع رأسه للأعلى ليتوصل إلى مكانها في الغرفة يقف سريعًا وقلبه يعود نبضه من جديد وقبل أن يرحل بصق على تلك الملقاة أسفل قدمه باشمئزاز ليعود إلى الأعلى ركضًا والأمل يعود داخله..
قابلتهم “إسراء” التي كانت تهبط الدرج مع والدته تساعدها والاثنين وجوههم ملطخة بالعبرات الحزينة المقهورة على “زينة” ولكن “عاصم” قابلهم صارخًا بقوة:
-مش زينة.. دي تمارا
وصل “جبل” إلى الغرفة ليحاول فتح باب المرحاض ولكنه كان موصد من الداخل فتأكد من ظنونه تقدم معه عاصم قائلًا بجدية ولهفة:
-هنكسره يلا
ابتعدوا الاثنين عن الباب ليتقدموا منه بقوة يدفعوا به بجانب جسدهم فلم يفتح ليعودوا يكررون تلك الفعله مرة وخلفها الأخرى والأخرى إلى أن فتح الباب على مصراعيه وظهرت “زينة” من خلفه ملقاه على الأرضية في الداخل برداء المرحاض..
عاد “عاصم” سريعًا إلى الخلف صائحًا على “إسراء” ووالدته:
-ساعدوه جوا أنا هطلب الدكتور
ولجت شقيقتها بلمح البصر تحاول استعادة أنفاسها وهي تنظر إليها أمامها مازالت حية ترزق موجودة بينهم لم يحدث لها شيء، تنهدت مقتربة منها تطمئن عليها تمسح عبراتها عن وجهها ولكن “جبل” لم يعطي الفرصة لأحد في الإقتراب منها وهو يدفنها بجسدها داخل أحضانه يسلب روحه منها التي أخذتها معها في لمح البصر..
ضمها إلى صدره بقسوة وجنون حتى أنه شعر أن ضلوعها تتهشم بسبب قوة ساعديه عليها، عاد للخلف تاركًا مشاعره في زاوية بعيدة عنه محاولًا إنقاذها فحملها سريعًا ليقف يخرج بها من الغرفة ذاهبًا إلى أول غرفة قابلته يضعها على الفراش محاولًا أن يعيدها إلى حياته من جديد فقد اغشى عليها بسبب كثرة الدخان الذي استنشقته..
ولكن محاولاته باءت بالفشل فأشار إلى شقيقتها سريعًا قائلًا بجدية:
-هاتيلها هدوم من عندك بسرعة
أومأت إليه برأسها وكانت في لمح البصر خارج الغرفة لتأتي والدته بزجاجة عطر من على المرآة تحاول أن تجعلها تستفيق بها تجلس جوارها ولكن لا جدوى من كل هذا..
أمسك “جبل” كف يدها بين قبضته ينظر إليها بخوف شديد ورهبته تجاهها قاتلة للحد الذي لا يتحمله فلم يكذب حينما قال أن “جبل العامري” أصبح لديه نقطة ضعف قاتلة ستؤدي بحياته إلى الجحيم وما بعده..
بقيٰ “عاصم” في الخارج بعدما طلب الطبيب لم يدلف حينما وقعت عيناه عليها في المرحاض ملقاة بتلك الملابس..
أتت “إسراء” ركضًا والملابس بيدها فأخذها منها “جبل” وأشار إليهم جميعًا بالخروج فوقفت والدته محاولة أن تبقى معه لتساعده ولكنه رفض تعريتها أمام أي أحد حتى شقيقتها ليخرج الجميع ويبقى هو فقط ليبدل لها ملابسها كي يستطيع الطبيب رؤيتها.. عندما وجدها في الداخل أدرك أنها فقط اغشيا عليها من الدخان فأطمئن قلبه واستكان..
لقد مر بدقائق قليلة كانت هي الأكثر عذاب في حياته، لم يخوض معركة ولم تنشب حرب بينه وبين أحد يتذوق بها المر بهذه الطريقة، لم يعتصر قلبه بهذه الطريقة من قبل ولم يشعر بجسده ببوادر الشلل إلا على يدها في المرة السابقة وهذه..
لم يشعر بعجزه وقلة حيلته إلا على يدها هي ليعلم تمام العلم أن حياته في يدها إن حدث لها شيء فهو هالك لا محال.. وإن بقيت معه فلن يكن هناك أحد على حال أفضل منه..
مشاعر الهوى والغرام الذي شعر بها معها لن يجدها مرة أخرى ولن يحاول أن يعثر عليها، لأنه يدرك تمامًا أن هذا الجنون في علاقتهم سويًا فريد من نوعه لدرجة أنه نشب بينهم هم فقط ولا يوجد مثيل له..
لن يجد “غزال” غيرها تشعره بأنه الأهم والأعظم، لن يجد “زينة” غيرها يذوب بين يديها عشقًا، ما حدث له لم يكن شيء مبالغ فيه بل كان رجل يعافر حتى تدوم حياته ولو قليلًا…
جلس جوارها على الفراش بعدما رحل الطبيب، أقترب منها جالسًا جوارها يأخذها بين ذراعيه شاعرًا بأنه يمتلك الحياة بين يده مطمئنًا على استمرار تنفسه..
تحدثت بصوت خافت مرهق:
-أنا كويسه يا جبل.. متقلقش عليا
قال بصوت أكثر إرهاق منها وهو يمسد بيده على خصلات شعرها:
-روحي كانت بتتسحب مني يا زينة، حسيت إني بموت قلبي كان بيتعصر
رفعت يدها على صدره بهدوء وحنان قائلة:
-بعد الشر عنك أنا والله كويسه
دلفت شقيقتها إلى الغرفة بعدما دقت على الباب تركض ووجهها ملطخ بالدموع لتتجه إلى الناحية الأخرى من الفراش تقترب منها فتركها “جبل” على مضض متأففًا..
تحدثت بحزن طاغي على ملامحها ونبرتها وهي تنظر إليها بعمق:
-أنتي كويسه صح؟
أومأت إليها برأسها بهدوء وهي تجذبها نحوها تطمئن قلبها عليها فتحدثت الأخرى ثانيةً وهي تبكي:
-زينة خلي بالك من نفسك ومتسبنيش علشان خاطري
مرة أخرى تحرك رأسها مؤكدة ثم قالت بهدوء:
-أنا معاكي أهو متخافيش.. أنا كويسه
غمرة شقيقتها داخل أحضانها محاولة أن تجعلها تهدأ ثم سألت عن ابنتها بقلق وهي تبعدها عنها:
-وعد فين؟
قالت بجدية:
-نايمة
وضعت يدها على وجنتها اليمنى تحركها بخفة وحنان وأدرفت برفق:
-طيب خليكي عندها علشان متتفزعش وخدي بالك منها أنا كويسه
حركت رأسها بالإيجاب وهي تبتعد عنها بعينان دامعة:
-حاضر.. خلي بالك من نفسك ولو أحتاجتي حاجه ناديلي
ابتسمت لها برفق وهدوء تناظرها بحب وحنان، خرجت من الغرفة تاركة إياها مع “جبل” وأغلقت الباب من خلفها، عادت مرة أخرى إلى أحضان زوجها تلقي بنفسها بين يديه ليحتضن قلقه حزنها ويربت على أحزانها..
حركت يدها على صدره قائلة بهدوء:
-أنا كويسه
مال برأسه على خصلات شعرها يستند عليها يضم ساعديه على خصرها يقربها منه بقوة وجنون الرهبة التي ولدت داخله من فقدانها تتشاجر مع عشقه لها.. قلبه أعتصر داخل أضلعه والخوف تربع على عرش اسمه..
ترقرقت الدموع بعينه بطريقة لا إرادية وهو يضمها إليه أكثر قائلًا بصوت ضعيف خافت:
-متعرفيش حصلي ايه.. مش هقدر اوصفلك
أكمل يغمض عينيه يعتصرهما شاعرًا بالضعف والعجز الشديد كلما تذكر ما حدث:
-أنا من غيرك ولا حاجه، ماليش اسم ولا ليا وجود يا زينة.. أنتي بالنسبة ليا زي النفس الللي بتنفسه من غيره مقدرش أعيش
عقبت على حديثه بنبرة خافتة رقيقة:
-أنا معاك يا جبل أهو محصليش حاجه
رفعت وجهها إليه تعتدل في جلستها بين جسده المحيط بها لتقع عيناها على عيناه الباكية، نظرت إليه مطولًا باستغراب جلي تفكر في كم يحبها إلى الدرجة التي تجعله يبكي لأجلها وهو “جبل العامري”:
-أنت بتعيط!
ذلك الطفل الذي رأته كثيرًا من المرات وُلد أمامها في لمح البصر وهو يعتدل ليواجهها يحيط وجهها بكفي يده قائلًا ببكاء:
-أنا بحبك وحياتي من غيرك مقدرش اتخيلها.. خليكي معايا يا زينة
رفعت أناملها إلى وجنته تمحي تلك الدمعات الهابطة من عينيه وقالت برفق تطمئنه:
-أنا والله معاك ومش هسيبك
ألقت نفسها بين أحضانه مرة أخرى تشدد عليه تشعره بوجودها حتى يخرج من تلك الحالة الذي هو بها، سألته بعد قليل باستفهام:
-قولي هو ده حصل إزاي، أنا فتحت باب الحمام لقيت تمارا بتصرخ والنار ماسكه فيها أول ما شافتني جريت عليا حسيت أنها عايزة تأذيني قفلت الباب ودخلت جوا الحمام ولحد ما نفسي راح من الدخان ومحستش بنفسي
قال بجمود وعيناه مثبتة عليها:
-تمارا ماتت
رفعت وجهها إليه تبتعد عنه ترمقه بقوة وصدمة شديدة فتنهد قائلًا:
-النار مسبتش فيها حاجه سليمة ووقعت من البلكونة.. فكرانها أنتي لما الحرس غطا وشها وإحنا بندور عليكي، الحمدلله
شعرت بالشفقة تجاهها وحزنت لأجل ما حدث لها ولكنها لم تفعل بها شيء إلى اليوم إنها كانت تحاول أن تأخذ ما أصبح ملك لها وهي تحاول أن تحافظ عليه:
-معقول هي اللي عملت كده
أومأ إليها برأسه يتحدث بندم شديد بعدما أعطى لها الأمان وتركها بينهم يسير خلف خوفها منه ورغبتها الشديدة في الخروج من الجزيرة ولم يصدق حدثه الذي لم يخيب يومًا:
-أكيد هي.. كانت غلطتي إني سمحتلها تفضل هنا بس أنا راعيت الدم اللي بينا لآخر مرة وحسيت بصدقها وأنها عايزة تخرج من الجزيرة بأي شكل بس تقريبًا الغل كان أقوى منها
سألته مرة أخرى:
-هتقول لأمها ايه
تنهد بصوت مسموع ينظر إليها يشبع عيناه من رؤيتها وقد شعرت بنظراته الغريبة نحوها وقال:
-هروحلها بنفسي وابلغها اللي حصل
أردفت بحزن بالغ:
-ربنا يرحمها.. قسيت على نفسها أوي
قال بقسوة وهو يتذكر كل ما فعلته إلى اليوم، حتى عندما رحلت عن عالمهم كانت بأبشع الطرق ومن تخطيطها ولم يشعر بالشفقة نحوها ولو للحظة على الرغم من أنها كانت متربعة على عرش قلبه في يوم من الأيام:
-الغل والحقد اللي ملا قلبها هو اللي عمل فيها كده.. محدش اذاها مننا
جذبها نحوه يغمرها بعناق حاد يروي ظمأ قلبه به، ويمحي قلقه ورهبته وحزنه الشديد به، يشعر ذاته بالحب ويطمئن روحه به، يزيل كل شعور سيء يبدله بأخر ليمحي عجزه وضعفه وهو يراها تبتعد عنه تأخذ حياته معها
قال بصوت مُحب خافت شغوف نحوها:
-المهم إنك في حضني كويسه
قابلته تبادلة العناق أكثر حده منه تطمئن قلبها بوجوده جوارها ومعها، السند والرفيق الوحيد في رحلة لم تكن إلا أكذوبة كبيرة باتت مغمورة بها ولم تستفيق منها إلا على يده ليصبح الكون ومن عليه يمتثل به هو..
❈-❈-❈
“بعد مرور شهر”
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
كانت هذه آخر كلمات قالها المأذون الذي كتب عقد قرآن “عاصم” و “إسراء” فلم يطيق الانتظار أكثر ليقف على قدميه تاركًا يده متقدمًا منها يجذبها أمام الجميع بحدة وقوة كبيرة يلقيها في أحضانه يضم يده الاثنين عليها بشدة لتخفي وجهها بصدره حرجًا مما فعله أمام الجميع..
شدد بيده عليها أكثر يشعر بالسعادة تغمر قلبه بعدما طال انتظاره في امتلاكها، اليوم هو أكثر المحبين سعادة وأول العاشقين انتصارًا..
كانت ترتدي فستان أبيض اللون رقيق للغاية بحملات عريضة يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل به ورود بيضاء متناثرة عليه تطلق لخصلات شعرها الصفراء العنان لا تضع أي مستحضرات تجميل فقد كانت للجمال عنوان…
ابتعدت للخلف تنظر إلى الأرضية بخجل شديد تخفي وجهها الذي تحول إلى اللون الأحمر القاني ليخرج صوته الأجش وهو يرفع وجهها إليه بأنامله:
-ألف مبروك
عقبت بحب تناظر عيناه الوقحة:
-الله يبارك فيك يا عاصم
غمزها بعينه وهو يجذبها مُبتعدًا عنهم إلى أحد زوايا الغرفة قائلًا مبتسمًا بسعادة كبيرة:
-بموت فيكي يا ايسو
كانت تبتسم بخجل يكاد يكون يقتلها وحمرة وجهها تزداد أكثر كلما تحدث معها بهذه الطريقة أمامهم فقالت باستغراب:
-ايسو؟
أومأ إليها بسعادة لا يستطيع وصفها، ولا يستطيع وصف الشعور الذي يحتل كيانه الآن، قال بصوت رخيم بمرح:
-آه ايسو.. من النهاردة أنتي ايسو
وجدها تنظر إليه باستغراب على الرغم من ابتسامتها الخجولة نحوه فسألها وهو يغمزها:
-أنا ايه بقى
تجهل ما يتحدث عنه فقطبت جبينها تطالعه باستغراب تسأله:
-ايه
قال مبتسمًا بصوت خافت:
-عاصومي
كررت ما قاله وعيونها الزرقاء تخترق سواد عيناه:
-عاصومي؟
وضع يده على قلبه عندما استمع إلى نبرة صوتها الخافتة الرقيقة ونظرة عينيها نحوه تسكره بهمساتها فقال:
-قلبه
تذمرت عندما نظرت إلى البعيد لترى معظم الأعين موجهه نحوهم فقالت بحدة وخجل في ذات الوقت:
-عاصم
مرة أخرى يكرر بدراما وهو يأخذ يدها ليضعها على قلبه:
-قلبه والله قلبه وروحه
جذبت يدها سريعًا وهي تبتعد بوجهها بخجل قائلة بامتعاض:
-بس بقى بيبصوا علينا عيب كده
أقترب منها ليمسك بيدها الاثنين بين راحتي يده متحدثًا بعقلانية:
-أنا مش عايز اسمع كلمة عيب دي تاني يا ايسو أنتي خلاص بقيتي مراتي يعني كل شيء مباح وأنا هستنى بس نعدي الفرح وده علشان خاطرك أنتي
سألته تنظر إليه باستغراب:
-هو أنت كمان مش عايز تستنى الفرح
قال بشغف وجنون اقترابه منها يدفعه إلى فعل أي شيء ليملكها:
-أنا لو عليا اخدك معايا دلوقتي ونسك على كل حاجه إلا أنتي.. بس أنا عاقل ومقدر كل حاجه
ابتسمت متهكمة عليه وتتذكر عندما قالت له شقيقتها أن والدتها لم توافق على تلك الزيجة لتجعله يغضب أكثر:
-يا سلام على العاقل.. اللي يشوفك كده مايشوفش اللي عملته لما زينة قالتلك إن ماما رفضت
تحولت ملامح وجهه إلى الجدية الخالصة وهو يقسم بجدية شديدة:
-قسمًا بالله كنت هخطفك وماحد كان هيعرفلك طريق
ابتسمت أكثر بسعادة تنظر إليه ثم إلى الأرضية والخجل يكاد يقتلها لترفع بصرها أخيرًا قائلة:
-للدرجة دي بتحبني يا عاصم
جذبها ليبتعد بها أكثر رافعًا يده إلى قلبه مرة أخرى يقول بحب واضح وبقوة:
-أنا بموت فيكي.. أنتي ساكنة جوا قلبي هنا
حاولت أن تخفي خجلها وابتسامتها المتسعة تظهر من خلفها أسنانها البيضاء تشعر بأن حرارة شديدة تخرج من وجهها تشغله بحمرة الخجل فقالت بجدية:
-طب خلاص بقى
تأفأف قائلًا:
-ما بلاش خلاص دي بقى قولتلك بقيتي مراتي
قالت تبتعد بوجهها عنه:
-أنا بتكسف
وضع أنامل يده أسفل ذقنها ليعيدها إليه مرة أخرى يغمزها بعيناه وأردف بخبث ومكر:
-هنسيكي الكسوف.. مش عايز أقولك هخليكي رقاصة على واحدة ونص
قالت بحدة:
-عاصم عيب
ابتسم باستغراب على ذلك الخجل المميت الذي يلازمها بطريقة غريبة ولكنه كفيل به ويستطيع أن يمحيه وكأنه لم يوجد من الأساس:
-بردو عيب.. شكلك مش هتنسي الكلمة دي غير لما نبقى لوحدنا
استمع إلى صوت شقيقتها الساخر الذي يأتي من خلفه:
-ايه يا عاصم هي من أولها كده.. دا إحنا أكلنا الجاتوه وشربنا العصير والمأذون مشي
استدار ينظر إليها ببغض وتحدث بكبر:
-عندك مانع؟
جلست على الأريكة ورفعت قدم فوق الأخرى تقول بقوة تنظر إليه:
-ليك حق ما خلاص بقت مراتك بس خد بالك زي ما أنا عطلت الجوازة ورجعت مشيتها أقدر افركشها
ابتسم بشر وخبث وهو يضع يده الاثنين أمام صدره يقف في مجابهتها قائلًا بشماته:
-الفركشة دي مش في ايد حد غيري أنا.. وأنا لو السيف على رقبتي مش هسيبها مهما حصل ابقي وريني شطارتك بقى
ابتعدت عنه “إسراء” متوجهة إلى شقيقتها تقول بحنق:
-عاصم كلم زينة كويس
جذبها سريعًا من معصم يدها لتستقر بين ذراعيه يحكم قبضته عليها قائلًا بصوت جاد متهكم:
-لأ قولي لزينة هي اللي تكلمني كويس
كان “جبل” قد خرج مع المأذون يوصله إلى الخارج وعاد يدلف إلى الغرفة ناظرًا إليهم باستغراب وخرج صوته:
-في ايه انتوا هتمسكوا في خناق بعض تاني
أجابه “عاصم” بجدية يضغط بيده على “إسراء” التي كانت تموت خجلًا ويضغط على حروف أخر كلماته:
-والله أنا معملتش حاجه أنا واقف مع مـــراتـــي
ضحكت “وجيدة” بقوة لتظهر تجاعيد وجهها أكثر وهي تنظر إليه وتستمع إلى حديثه وترى أفعاله الذي يحاول بها أن يشعل النيران بقلب “زينة”:
-أما أنت كياد بشكل يا عاصم.. مش طبيعي
تحدث “جبل” بقوة ينهي ما يحدث:
-خلاص خلاص كفاية كده
عادت “إسراء” إلى الخلف مبتعدة عنه بعنف فقد قاربت الأرض على ابتلاعها من كثرة الخجل فرمقها هو الآخر بقوة مهددًا إياها بعينه ليستمع إلى صوت “جبل” الصارخ:
-ذكية يا ذكية
أتت مهرولة إليه:
-نعم يا جبل بيه
قال بجدية يسألها:
-العشا
أومأت إليه برأسها قائلة بعملية:
-جاهز يا جبل بيه اتفضلوا على السفرة
أقترب إلى الداخل يأخذ “وعد” من جوار والدته قائلًا لها بحب وحنان:
-نسيب ماما تتخانق مع عاصم ونروح أنا وأنتي ناكل
نظرت إلى الأرضية ببراءة وقالت بصوتها الخافت الرقيق:
-أنا زعلانه منك
افتعل أنه تفاجأ من حديثها وصدم بشدة يقول باستغراب:
-ليه؟ عملت ايه أنا
أجابته بنبرة حزينة:
-قولتلي أنك هتاخدني بره الجزيرة ومأخدتنيش
أشار إليها بيده قائلًا بحب وصدق:
-أنا لسه عند كلمتي هاخدك وهعملك كل اللي نفسك فيه.. حلو كده
رمقته بنظراتها الحنونة الطفولية تسأله بهدوء:
-وماما وإسراء وعاصم
تحدثت “زينة” تقاطعهم تبدأ مناوشة أخرى مع “عاصم” قائلة:
-وماما وإسراء ايه لازمة عاصم
أجابها “عاصم” بقوة يضرب كف بالأخر مستغربًا مما تفعله معه فهي حقًا تبغضه بشدة:
-أنا مش فاهم أنتي مالك ومالي هو أنا عملتلك ايه
حركت رأسها له بلا مبالاة وبرود تام فتغاضى عنهم “جبل” يكمل حديثه مع “وعد” باهتمام:
-وماما وإسراء وعاصم وتيته وجيدة لو عايزة وكمان عمتو فرح
أقتربت منه سريعًا تحتضنه بقوة بذراعيها الصغيرين قائلة برقة:
-أنا بحبك
ابتسم باتساع يجيبها:
-وأنا كمان بحبك.. هناكل بقى
أومأت إليه وهي تتمسك بيده بعدما اعتدل في وقته ليتوجه إلى الخارج:
-يلا
أشار إلى “عاصم” والجميع أن يذهبوا إلى السفر ليتناولوا العشاء فخرجت “زينة” خلفه ومن بعدها “وجيدة” فاغتنم “عاصم” الفرصة يجذب “إسراء” نحوه ينظر إلى عيناها بعمق قائلًا بشغف:
-القمر ده ملكي أنا
نظرت إليه بحدة تبعده عنها بعنف تضع يدها الاثنين على صدره قائلة:
-عاصم بتعمل ايه
ضم يده الاثنين على خصرها يجذبها نحوه أكثر يخرج صوته أجش:
-ما تجيبي بوسه
صرخت عاليًا باسمه بامتعاض وهي تحاول الإبتعاد عنه والخجل يقتل ما بقيٰ منها أمامه:
-عـاصـم
استفزها وهو يقول بشغف:
-قلبه
أوشكت على التحدث وملامح وجهها عابثة خائفة من أن يراها أحد ولكن صوت “جبل” المرتفع آتاهم من الغرفة الثانية ينادي باسمه:
-عـــاصـــم
تركها لتبتعد سريعًا تخرج من الغرفة قبله فسار خلفها على مضض متأففًا يلعن ذلك الأحمق الذي يستمع إلى حديث زوجته..
صعدت “وجيدة” إلى غرفة “فرح” تناديها حتى تهبط إلى الأسفل لتأكل معهم، دلفت إلى الغرفة وجدتها تجلس في العتمة تنظر إلى باب الشرفة تطالع القمر بعينان دامعة ووجنتيها ملطخة بالدموع، ملامحها حزينة للغاية وقلبها يبكي دماء على ما أقدمت بفعله بنفسها..
دلفت والدتها لتجلس جوارها قائلة بهدوء:
-قومي يا فرح كلي معانا
أجابتها بصوت خافت حزين للغاية يؤثر البكاء عليه:
-ماليش نفس
سألتها والدتها بعدما جذبتها نحوها تربت عليها بخفه تنظر إليها بحزن:
-بتعيطي ليه دلوقتي
أبعدت وجهها إلى الناحية الأخرى ومسحت بيدها على وجهها تقول كاذبة:
-عيني دخل فيها حاجه
تهكمت والدتها تسألها:
-الاتنين يا فرح؟
قالت مرة أخرى تحاول أن تأخذها إلى الأسفل:
-قومي تعالي يلا
أجابتها رافضة الهبوط إلى الأسفل وعيناها مازالت تذرف الدموع حزنًا وقهرًا على ما حدث لها:
-مش عايزة أنزل
ربتت والدتها مرة أخرى عليها يخرج صوتها بهدوء تتحدث معها بلين:
-أنتي محضرتيش كتب الكتاب.. عارفه أنك زعلانه عليه بس كله نصيب والقلب وما يريد
اجهشت في البكاء بعدما تحدث والدتها تقول بقهر وندم لا مثيل له:
-أنا زعلانه على اللي عملته في نفسي
نظرت إليها والدتها مطولًا بعدما فعلته كانت تريد أن تقتلها وتأتي بروحها في يدها ولكنها في النهاية ابنتها لا تستطيع أن تفعل بها هكذا ولا تستطيع أن ترى الوجع يمسها ولكن ما حدث كان صعب للغاية لا تتحمله امرأة على فتاتها، تابعتها وقالت بجدية قاسية:
-ربنا يسامحك يا فرح ويحلي أيامك الجاية
وقفت على قدميها تبتعد إلى الخارج تاركة إياها وحدها فلم تستطع أن تواسيها لأن ما فعلته بنفسها ليس به مجال للمواساة، لقد أخطأت كثيرًا بحق نفسها وبحق عائلتها وشقيقها، ألقت بشرفها في أحضان حقير كان من أعوان أكبر أعداء شقيقها..
جلست “فرح” وحدها تبكي بقوة وعنف يرتفع صوت بكائها وكأنها تغسل روحها تحاول أن تنقيها بعدما دنستها ودنست شرفها بفعلتها الدنيئة مع “جلال” والأخرى مع “عاصم” عندما قامت بالقاء تهمة لم يفعلها ولم يفكر بها يومًا ونصبت له محكمة أمام الجميع كاد أن يقع بها تحت حكم الإعدام شنقًا أو الأسوأ من هذا على يد شقيقها.. الآن رحل “جلال” الذي ألقت نفسها في فراشه بورقة ليس لها أي قيمة..
وهنا “عاصم” في الأسفل يحتفل بزواجه من الفتاة الذي أحبها وأرادها تلك التي عززت كرامتها ورفعت من نفسها إلى أن نالها بعد عذاب ذاقه على يد شقيقتها على عكس ما فعلته هي ذهبت لتلقي نفسها أسفل قدميه فلم تجد منه إلا الرفض القاهر..
لن يفيد الندم ولن يفيد البكاء ولكن ربما يغفر لها الله ما فعلته، ما يحدث في الأسفل الآن جعل ضميرها يستفيق من غفله كان بها فلم تستطع أن تنظر بعينين أحد بالأخص بعد ما حدث لابنة عمها “تمارا”، تخاف من أن تكون نهايتها تماثلها فحاولت اللجوء إلى ربها نادمة على كل ما فعلته إلى اليوم..
❈-❈-❈
خرجت “زينة” من غرفة “إسراء” و “وعد” بعدما اطمئنت عليهم سويًا متوجهة إلى غرفتها حيث قام “جبل” بتغيرها بالكامل بعدما اشتعل الحريق بها..
دلفت إلى الغرفة وأغلقت الباب من خلفها لترفع بصرها إليه على الفراش ثم دلفت في نوبة ضحك يرتفع صوتها وهي تقترب منه باستغراب شديد..
وقفت أمام الفراش قائلة باستفهام تسائلة بعدما أدمعت عينيها:
-أنت عامل كده ليه
كان يجلس على الفراش مجردًا من ملابسه بالكامل إلا سروال صغير ينتظر حضورها، نظر إلى نفسه ثم أعاد بصره إليها قائلًا:
-ايه المضحك في الموضوع
اعتدل في جلسته ثم وقف على قدميه مبتعدًا عن الفراش مُقتربًا منها ليستمع إلى صوتها الضاحك:
-شكلك
جذبها نحوه بقوة يستدير بها ليلقيها على الفراش قائلًا بخبث ومكر:
-وشكلك بعد قليل
مال عليها بجسده قبل أن تعترض يهبط إلى شفتيها يقتنص منها قبلة رقيقة حنونة، ناعمة منه إليها يبث فيها كم هو عاشق محب هادي، رفعت يدها على عنقه تقربه منه تبادله تلك القبلة الرقيقة ولكنها في لمح البصر تحولت إلى أخرى عنيفة دامية..
دروب العشق صنعت للعاشقين راغبين الحب وجنونه، كان هو أول العاشقين الذي انتصر على ماض كامل وفاز بها، وأخر الخاسرين الذي خسر كل شيء لم يرغبه بحياته ليحظى بها..
درب الهوى ميال إلى قلب مرتجف بالشغف والوله ولم يكن هناك قلب كقلبها ليحظى به، تمثل إليها في العوض بعدما قالت أنه لم يشفع له الحب بعدما انتهك روحها، لم يشفع له الغرام ولم تشفع لهفة الاشتياق، لم تشفع لوعة الفراق ولم تشفع نبرته الخافتة المطالبة بالغفران الآن تقول إن كل ذلك كان يشفع له إلى أن أصبح ملاذ قلبها ومالك فؤادها..
ألم تقل انطوت صفحة غرامة بقلبها وأغلقت عليه بعدها بأصفاد حديدية فلا يوجد مكان للحب مرة أخرى، لا يوجد مكان تزهر به الورود الحمراء وإن أزهرت فلا يحدث دون وجود أشواك، قد اكتفت، يكفي ما أخذته من الحب والغرام، يكفي أنها الآن تدفع ثمن شيء لم تقم بفعله، أنها الآن “غزال” “سجينة جبل العامري”
الآن يتغير كل ما قالته، فلم تأخذ شيء من الحب، لم تكتفي من الغرام ولم تحظى بالاستمتاع به إلا معه، الآن بكامل إرادتها ترفرف الفرحة داخل قلبها تقرع الطبول به يقيم احتفالية شديدة الجمال لأجل أنها هي، التي حظيت أن تكون “غزال” “سجينة جبل العامري”
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)