رواية قطة في وادي الذئاب الفصل التاسع عشر 19 بقلم إسراء عبد القادر
رواية قطة في وادي الذئاب الجزء التاسع عشر
رواية قطة في وادي الذئاب البارت التاسع عشر
رواية قطة في وادي الذئاب الحلقة التاسعة عشر
_ دي فلوس سهم الشركة اللي سددتها زينة امبارح يا سفيان بيه
قالها عمار و هو ينظر إلى كلتا الحقيبتين أمامه موجها حديثه إلى هذا الرجل الثلاثيني المدير ظهره إليه ينظر عبر النافذة الزجاجية الكبيرة ، استدار ما ان انتهى عمار من الكلام و ابتسامة هادئة يغلفها الانتصار مبتسمة على وجهه حيث يضع يده بجيب بنطاله الأسود و هو يقترب بخطى ثابتة من عمار و ميرا اللذات يقفان عند المكتب باحترام يحدقان فيه ، ما أن صار مقابلهم حتى أكملت ميرا تقول:
_ و زينة كمان أخدت حقها بكل ذكاء ، هي حاليا في الصعيد و هترجع كمان أسبوعين
نطق يقول بشئ من الامتنان:
_ شكرا ليكم يا شباب لولاكم و لولا مجهودكم معاها ماكانتش وصلت للي وصلت له
ثم التفت إلى الواقف على الجهة الأخرى يزيد عنه في العمر بسنوات يرتدي ملابس رسمية مماثلة ، قال سفيان آمرا:
_ مراد
كلمة أبرك من جريدة ، حيث فهم من نطق الاسم مع نظرته ما يرمي إليه فورا ، فأمسك بحقيبتين سوداوتين ثم مدهما إليهما قائلا:
_ اتفضلوا ، عشرة مليون جنيه بعد ما نفذتوا صح
عبست ميرا بين حاجبيها بحزن و هي تقول:
_ بس يا أستاذ مراد أنا عملت اللي عليا و أكتر عشانها بعد ما أخويا غلط معاها و سبب بكل اللي حصل ده ، و لولا تعبي فترة حادثتها ماكنتش سمحت انها تقع بين إيدين أكمل و رزان!
اقترب منها سفيان أكثر حتى صار أمامها ثم أكمل ببساطة:
_ ماتحمليش نفسك ذنب اللي حصل يا آنسة ميرا ، إنتي حاولتي و راقبتيها ، و ماقدرش الومك وقت الغيبوبة اللي حصلت معاكي ربنا يشفيكي ، و اعتبري المبلغ ده هدية جوازكم مش اتفاق يا ستي
هدأت تقلصات ملامحها قليلا بعدما سرت عينيها بكلا الاتجاهين بتوتر بينما يردف عمار بنبرة جدية تخفي حنقا و ضيقا:
_ إنما انا عايز أسألك يا أستاذ سفيان ، ليه ماظهرتش إنت قدامها يوم المستشفى
التفت إليه سفيان برأسه دون حركة و قد تجهمت ملامحه بينما أكمل عمار:
_ ليه ماقلتلهاش إن انت اللي أنقذتها من الذئاب وقتها و خليتني أنا قلت كدة؟ ، ليه ما عرفتهاش إن سهم الشركة اللي اشترته ده يخصك إنت مش أنا؟ ، ليه ماتكلمتش انت معاها عن الانتقام بدل ما بعتنا احنا؟
أكملت ميرا عنه و هي تقول باستفهام:
_ خاصة و أنا كنت ناوية ارجعها لأهلها و اقنعهم انها بريئة ، لولا إنت كلمتني وقتها و قلت لي اقنعها تنتقم و أدخلها ف عالم رجال الأعمال!
أغمض سفيان عينيه بتعب بينما حدق فيه مراد بقلق و قد وجده حائرا لا يدري كيف يجيب و سيكون كلامه بمثابة كشف للمستور؟! ، بعد برهة أجاب سفيان بثبات يعكس صخبا يضج بفؤاده:
_ هيحصل ، بس كل حاجة بأوان
هب عن مجلسه واقفا و كأنما لدغته حية بعدما سمع من قولها اللاذع حيث يرمقها بنظرات شرسة و هو يزمجر غاضبا:
_ بتجولي اي يا بت؟ ، مصر اي اللي اروحها دي؟ ، مفكراني مرة هسيبك ترجعي ولا اسيب بلدي و اجي اجعد ف بيتك هناك؟ ، إنتي اتجنيتي يا بت؟
لم تهتز لها شعرة او يرمش لها جفن بعدما اكتسبت من مناعة تواكب خشونة ما حولها ، بينما ترقب نجاة المشهد عن بعد و قد دب الخوف بقلبها بينما تردف زينة بهدوء:
_ أني بحول الصوح يابوي ، أخوي انجتل و احنا مش هنستنى لحد ما تنجتل ، الطار ولع نار و هتحرجنا كلنا لازم نسيب البلد
صرخ بها و هو يلوح بسبابته أمام وجهها ساخطا:
_ مش هنروح أي حتة يا بت المركوب ، ولا انتي كمان هتروحي حتة ، كفاية بعدك كل المدة دي ، كمان عايزة تتسرمحي رايح جاي من مصر لاهنه! ، يجولوا عليا إيه؟ ، مش عارف اصرف عليكي!
_ يعني ده آخر كلام عندك؟
قالتها بوجوم متسائلة بينما أجابها قاسم بحدة:
_ و ماعنديش جول تاني
أجابت بجمود و هي ترمقه بعينين جافتين:
_ حاضر يابوي ، زي ماتحب مش هرفض أمرك
خرجت ميرا عبر بوابة الشركة الرئيسية تبعها عمار الذي يحمل حقيبتي الأموال بيده ، قبل ان تفتح باب السيارة اوقفها عمار حينما قبض على يدها بقوة جعلتها تجفل ثم تلتفت إليه بدهشة ، بينما يواجهها بنظراته المحتدة و هو يقول متهما إياها بغضب:
_ إنتي فهمتي سفيان اننا هنتجوز؟!
ظلت مثبتة بصرها عليه و لم تفهم بعد ما يريد بينما أكمل هو بزجر:
_ اوعي تكوني كدبتي الكدبة و صدقتيها يا آنسة ، إنتي بس خطيبتي أدام ابويا عشان ما يتعبش لكن غير كدة إنتي بالنسبة لي nothing (لا شئ)
نفضت يده عنها بغضب و قد انقلبت نظراتها نحوه الازدراء و الاستحقار حيث تجيبه بخشونة:
_ ماقلتش لحد حاجة يا بيه و ان كنت مضطرة امثل الدور ده فهو عشان عمي مش أكتر
ثم تشدقت متهكمة:
_ يمكن سفيان أفتكر أننا هنتجوز عشان عرفته سيادتك بخطوبتنا و ده طبعا عشان تاخد قرشين بعد ما باباك اتخانق معاك و سببت له الشركة و البيت و صرفت فلوسك عالكاباريه ، خلي بوسي تنفعك
قالت الأخيرة بشئ من السخرية ليهدر بها محذرا:
_ اتلمي يا ميرا و ماتتكلميش في اللي مايخصكيش
صرخت بطريقة مماثلة:
_ يبقى انت كمان ماتتكلمش و ماتفتكرش اني مدلوقة عليك و اوعى تتكلم معايا كدة تاني ، عشان الصبر ليه حدود
ثم فتحت باب السيارة و ولجت و قبل أن تغلق الباب اوقفه بقدمه لترفع رأسها ثم ترمقه بعينين ثائرتين بينما يقول هو:
_ خدي فلوسك الأول
أمسكت الحقيبة من يده ثم ادخلتها بجانبها ثم أغلقت الباب و قبل ان أمرك المكابح قالت بتعال:
_ بالتوفيق يا أستاذ عمار ، اقابلك لما عمو ياسر يكون رجع من السفر
ثم انطلقت بالسيارة و هي تضغط على المكابح بغضب عارم ، حيث لا يجدد جراحها و يفاقم آلامها إلا رؤيتها لهذا البغيض! ، عمار ابن عمها الذي عدته لفترة من الفترات فارس أحلامها و المعشوق الذي شيدت على اسمه قصور أحلامها ، إلى حين عرفت بكونها مصابة بالسكر فكان هو ملاذها الوحيد الذي ظنت كونه سيحتضنها ، و لكن عوضا عن ذلك فضل حياة اللهو عنها بل اتضح أنه لم يكن يلتفت إليها من الأساس ، و هنا بدأت رحلة معاناتها و ازدياد مرضها تبعا لفؤادها اليائس المحطم ، و حينما بحثت عن طريق الرثاء لحبها باغتها قرار عمها المفاجئ حينما كان مريضا بطلبه يدها لابنه ، و بالطبع كان موافقا كي لا يتضاعف مرضه و كذلك فعلت هي مجبرة!
أخذ يقتطع من الخبز أمامه ثم يخلط بها بعضا من الجبن و يقربه من فمها قائلا بحنو:
_ آخر حتة
تقلصت معالمها بتقزز و هي تردف نافية:
_ مش قادرة با باسل ، كفاية كدة أرجووك
لم يبعد يده او يمتثل لها و إنما قال محذرا:
_ لازم تاكلي يا دارين و إلا هتتعبي من تاني و الدكتور شدد على الأكل
تنهدت دارين بضجر ثم انصاعت إلى سؤاله و أكملت مضغ طعامها دون شهية تستدعي ذلك ، و اسنانها بالكاد تتحرك و قد نال منها الألم ما نال ، على مضض أنهت طعامها بعد رجاء باسل كي تكمل ثم تتناول دواءها المخصص لما بعد العشاء ليقف باسل و هو يحمل صينية الطعام مبتسما:
_ برافو يا داري ، نامي دلوقتي عشان انتي أكيد تعبانة
اماءت برأسها موافقة لينحني بجذعه ثم يلثم مقبلة رأسها ثم يبتعد عنها حتى يصل إلى باب الغرفة تحت انظارها المرتضية ، ثم يغلق المصباح و يخرج كي يضع الصينية بالمطبخ و يعيد ضبط الأشياء به ، حينما خرج تذكر محادثته الأخيرة مع سيد بعد عودته من هذا الاختطاف الغريب الذي تم بتخطيط امرأة! ، تذكر حينما أعطاه سيد المشاركة لتدمير أكمل كما أشرف ، فهو الذي يعشق زينة و يمكنه تقبيل ثرى قدميها مقابل نظرة من عينيها ، و لكنها جافته و عاملته بقسوة ، و بالتأكيد لها كل الحق بما تقوم به ، سيثأر لأجلها بعدما كل ما علم من نوايا خبيثة اضمرها كل من أشرف و أكمل لها ، كما هو حاله حيث يضمر الانتقام لكليهما ، فلا يمكنه نسيان أخته سيرينا و ذهاب روحها سدى ، و كل ذلك فقط حينما فكرت في العودة إلى الثراء من جديد بعد الإفلاس الذي قضى على مجدهم ، تزوجت أكمل عرفيا و حملت منه و حينما طالبت بحقوقها في الاعتراف بجنينه و إعلان زواجهما أبى و قتلها بكل دم بارد و حينما عرف باسل كان الأوان قد فات ، و كذلك أشرف الذي وافق على العمل عنده بطلب من سيد و ذلك لقاء مبالغ من المال حتى يعلن أشرف إفلاسه ، لأنه في أمس الحاجة إلى المال لرعاية أخته الصغيرة صاحبة مرض الكبد الذي يكاد يفتك بجسدها النحيل ، جلس باسل على الأريكة ثم مسح وجهه بارهاق قبل ان يتحدث في نفسه ببعض الألم:
_ أيوة هبهدلكم انتو الاتنين ، ماحدش أغلى عندي من اخواتي ، هدمرك يا أكمل و انتقم لسيرينا ، و ادمرك يا أشرف و أنقذ دارين
كان سفيان يجلس بغرفته الشاسعة الاتساع أرضا غير عابئ بحلته ذات السعر الغالي التي تلامس أرضية الغرفة السيراميكية ، يمسك بعنق زجاجة الكحول أمامه ثم يميله كي يسكب منه القليل داخل الكوب ، ثم يتجرعه بلحظة واحدة ، لا مذاق لها حلوا بل مذاقها حامضا معتقا و لكن لها ميزة إذهاب العقل و السفر به إلى أرض النسيان ، على خلاف حاله فقط حيث يتجرع منها بقدر ما يتجرع إلا أنها لا تنسيه ذرة من آلامه المعتملة بصدره برعونة! ، يشرب و يشرب حد الثمالة و لكن لا تختفي أوجاعه إلا مع رؤيته لصورة الصغيرة ذات الثمان سنوات التي لا تفارقه أينما ذهب ، أخرج محفظته ثم فتحها و التقط منها الصورة ثم ألقى المحفظة جانبا كي يتمتع برؤية صغيرته ذات الجدائل السوداء القصيرة ، و ابتسامتها البريئة منقوصة سنتين من الأمام ، ابتسم رغم ما يسكن بفؤاده من هموم حينما تذكر مشهد ما قبل التقاط هذه الصورة حينما كانت حزينة لأن أسنانها ليست جميلة ، و لكنه استطاع كعادته اقناعها بكونها لا زالت جميلة ، كان و لا يزال يعشق كل تفصيلة فيها فلم تغيره ألمانيا او القاهرة عن رغبته بها و ضمها إلى مملكته و عش حبهم الصغير الذي هاجمته الظروف و لم تترك به قشة جيدة!
دخل مراد الغرفة ليجدها مظلمة كعادتها و يجد سفيان الجالس هناك يتجرع من كأسه بينما عيناه الصامدتان مثبتتان على صورة زينة كما يفعل كل ليلة! ، حاول تلطيف الأجواء الليلة حيث هي من المفترض ليلة سعيدة بالنسبة لصاحبه و لكنه دوما لا ينسى الاختلاء بنفسه عدد ساعتين كي يجدد من جراحه دون رحمة ، قال مراد و هو يقترب منه مداعبا:
_ الله يرحم أيام ما كنت ترفض أي نوع خمور و تحلف مية (100) يمين ما تشربها يا فارس!
استدار برأسه نحو مصدر الصوت ليرمقه بابتسامة واثقة اتبعها بقوله:
_ و انت الله يرحم ما كنت تحلف بالطلاق عالبدل و دلوقتي ماشاء الله فاهم ف كل ماركاتها يا سليم!
عض سليم على شفتيه بحزن و قد تذكر بالفعل كونه سليم لا مراد! ، جلس على الأرض بجانب صاحبه ثم تنهد بحرارة قبل ان يردف بحزن بلغ قسماته قبل صوته:
_ الدنيا دي غريبة أوى يا صاحبي ، يعني الواحد لو نافق و عمل فيها بيحب الكل كل الناس تحبه ، و اللي يفكر ف مشاكل الناس و يحلها يتكره هو فى الآخر! ، صبلي كاس
ناوله كأسا كما طلب ثم نظر إليه متأملا حيث يتناول كأسه جرعة واحدة ثم يكمل بشئ من الحسرة:
_ الطار كان بيقضي على الكبير و الصغير ، و موت شباب بعدد شعر الراس ، و لما جه الدور عليا قلت أسلم كفني عشان اوقف نزف الدم اللي حصل ده! ، اتهموني اني جبان بخاف من الموت و البلد كلها كرهتني و أهلي طردوني و مراتي كرهتني و طلبت الطلاق و حرمتني من بناتي لحد ما وصلت لحتة الانتحار لولا ما لحقتني يا فارس!
قالها و هو يرمق فارس ممتنا بينما يتحدث الأخير بخمول:
_ وجعك صعب يابن عمي ، بس زيك انا كمان موجوع ، عارف يعني اي بعد ما اكون متفوق و اخد منحة على ألمانيا و ادرس هناك ، و بسبب شهامتي السفارة ترجعني مصر تاني و تجيب جثة و تطلعلها شهادة وفاة! ، و ابقى انا دلوقتي سفيان نوح مالك الشركات إللي معاه ثانوية! ، آه عالقهر!!
ثم التفت إلى صورة زينة بيسراه ليوجه حديثه إليها قائلا:
_ لولا صورة زينة بنت عمي مهونة عليا!
قطب سليم حاجبيه متعجبا قبل ان يتساءل:
_ يا ترى لسة فاكراك و ماسكة صورتك؟
أجابه بثقة:
_ أكيد لسة فاكراني و بتشكيلي همومها كمان
ما أن تأكدت من ذهاب الصغير في سبات عميق حتى وضعته على السرير الصغير الخاص به و دثرته بالغطاء جيدا خشية البرد ، رمقت الصغير بابتسامة هادئة تخالف الوجوم الكامن بمقلتيها حيث تعبت و آيست الكثير دون رحمة بل كان عليها ان تصير مثلهم حتى تنتزع حقها قسرا كما سلبوه خداعا! ، استقلت على السرير ثم أخرجت صورة فارس التي لا استطاعت استعادتها من جديد الآن بعد رجوعها إلى الصعيد ، عادت أخيرا إلى النظر إليه من جديد و قد افتقدت قسماته الوسيمة و عيناه السوداوتين الآسرتين ، حمقاء حينما فكرت ان تبطل تعويذة عشقه ، فحبها له لم و لن يزول مهما طال أبد الدهور! ، حدقت بكل تفصيلة بوجهه و كأنها تحفظها بينما تحدث بصوت مكتوم صورته و كأنها كائن حي أمامها:
_ انظر إلى ما آلت إليه أمور صغيرتك يا فارسي المغوار ، أنظر إلى ما بقيت عليه يا ربيع قلبي و جنتي ، انظر إلى ما اضطررت للقيام به يا حبيبي ، قطة صغيرة سارت تائهة حتى اصطدمت بوادي الذئاب ، رأوها و حاولوا الفتك بلحمها ثم إلقاء عظامها بأقرب مكب للنفايات! ، فما سكنت الرحمة بأفئدتهم و ما عرفت المهرب إلا بعد فوات الأوان! ، و لكن لكل بداية نهاية و للظالم دوما حساب ، لقد حصلت قطتك على قسوة دفعت انيابها و أظافرها للإنبات ، ردت كيدهم في نحورهم و حصلت على حقها بعد عذاب ، فما تنتظر من قطة ظنت الملجأ في وادي الذئاب؟!
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قطة في وادي الذئاب)