روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وخمسة وعشرين 125 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وخمسة وعشرين 125 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وخمسة وعشرين

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وخمسة وعشرين

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وخمسة وعشرين

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وخمسة وعشرون :-
الجُـزء الثـانـي.
“الكابوس الحقيقي، هو أن تعيش نفس الوجع مرتين.”
____________________________________
كانت المواجهة الأصعب هي وقوفهم اليوم أمام بعضهم مرة أخرى، گالأغراب.. وكأنهم لم يعرفوا بعضهم البعض في يوم من الأيام، بصمت مريب ونظرات الترقب المتبادلة. كان هذا شكل اللقاء بينهما بعد أن ظنّ كلاهما إنهم لن يتقابلوا مرة أخرى، وإذ بالقدر يجمعهما في نفس المكان من جديد. نزع “حمزة” يديه من جيوب بنطاله ونظر حيالها يسأل ف جدية لازمت صوتهِ :
– ممكن أفهم في إيه؟!.
حاولت تجاوز تلك النقطة لكي لا تبقى في صدام معه – على الأقل الآن -، فـ بدت مرتخية أكثر من اللازم وهي تجيب :
– مفيش.. نضال قرر يرجع بلده ويرجع لشغله اللي بيحبه ، وده أمر طبيعي.
ثم نظرت نحو الأخير وسارعت بإنهاء الموقف قبل أن يتطور :
– ممكن دلوقتي أسلمك المكتب الجديد وبعدين نتكلم عن كل حاجه.
وفتحت الباب لتسبقه بالخروج وهي تتابع :
– مش قادرة أقولك كمية الشغل الكتير اللي مستنيك.
ما أن اطمئن “نضال” لإبتعاده عن “حمزة” بمسافة كافية سألها متعجبًا :
– انتي ليه معرفتيهوش قبل ما آجي!.. مكنتش المقابلة اتعقدت كده.
فـ اختصرت الجواب بعبارة واحدة :
– كده أحسن.
طرقت على الباب عدة مرات، حتى سمعت من الداخل السماح بالدخول، ففتحتهُ وكأنها فتحت باب جديد للصدمة، وقفت “رضوى” تراقب بذهولٍ رؤيتها المفاجئة لـ “نضال”، بعدما ظنت إنها لم تراه ثانيةً، وإنه قد اختار القدر البعيد عنها، أما هو فلم تقل مفاجئتهِ عنها، حتى تحولت أنظاره نحو “سُلاف” التي بررت فعلتها بـ :
– انتوا Team (فريق) ممتاز وانا مقدرتش أتخلى عن الإنسجام اللي بينكم في الشغل.. هسيبك دلوقتي وبعدين نتكلم عن تفاصيل كتير أوي يانضال.
غادرت تاركة مساحة لكليهما من أجل البدء في الحوار، فكانت المباردة من “رضوى” التي أردفت بـ :
– أنا مكنش عندي علم باللي حصل ده.
دخل “نضال” ووضع حقيبتهِ الجلدية الصغيرة على سطح مكتبها وهو يقول مبتسمًا :
– ماانا عارف مش محتاجة تقولي.. بس انا اتبسط إننا هنرجع تاني نشتغل سوا.
أراد إزالة ذلك التوتر البادي عليها بوضوح، فتغيرت تعابير وجهها بالفعل لتصبح أكثر ارتخاء وأريحية، ثم جلست في مقعدها وهي تجيب على ملاطفتهِ :
– شكرًا.
—على جانب آخر—
كان “حمزة” يحترق أثر غيرتهِ الجامحة، يشعر وكأن الدخان يتطاير من آذانهِ من فرط الغضب، وبالرغم من ذلك يجتهد ويقوم بنفسهِ بصعوبة لئلا ينخرط وراء أهواء شيطانهِ الذي وسوس له بأن ينفجر فيها بغيظهِ. كتم كل ذلك عنها بينما بقيت حُمرة عيناه أكبر دلالة على الحريق العظيم المشتعل في صدرهِ. كانت مقررة تجاهل الحديث بشأن “نضال” والتنصل من أي حوار قد يدفع بهم للعِراك؛ لكنه أبدًا لم يترك الأمر عائمًا هكذا، وبشكل مباشر كان يسألها :
– عملتي كده ليه؟!.. انا عارف إن رجوعه كانت فكرتك.
لم تنكر سعيها الدؤوب حتى تحقق ما كانت تريده، واعترفت إليه بحاجتها الماسّة إليه :
– أيوة فكرتي، نضال هيكون سبب في نجاح كبير للمكتب هنا.. خصوصًا إني لوحدي ودي أهم فترة في حياة المكتب.
تضاعف شعور الغيرة بداخلهِ أضعافًا مضاعفة وهتف بإعتراض شديد :
– ماانا جمبك أهو.. ولا انا مش كفاية!، أي حاجه كنتي هتحتاجيها انا موجود، وبعدين انتي سُـلاف.. مش محتاجة ولا هتحتاجي معاكي حد عشان تنجحي.. كان لزمتها إيه تخلي جمبك واحد انتي عارفه كويس إن جواه مشاعر ناحيتك و…..
صمت فجأة، گمن ندِم على تصريحهِ المباغت الذي كشف به كل يكنّه حيال “نضال”، أما هي فـ تناقض بداخلها شعورين مختلفين، ما بين السعادة بشعور غيرتهِ الجميلة، وبين القلق من تحقيق مخاوفهِ وأن يتأثر بها “نضال” من جديد. لم تمنع تلك البسمة المتنكّرة من الصعود على محياها، ساعية لأن تسيطر على مشاعره السلبية لكي لا تفسد زهوة اليوم :
– متقلقش ياحمزة.. لنا ونضال متربين مع بعض، وهو عارف كويس إني مش شيفاه غير أخويا وبس.. متقلقش منه أبدًا.
– أنا مش عايزه قريب منك.. مش عايز أي حاجه تجمعك بيه، انا مستعد يرجع مكتبي مقابل إنه يبعد عنك خالص.
تعجبت من قدرتهِ الغريبة على الاستعداد لتقبّل “نضال” من جديد، وأن يعود لمكانه بالقرب منه :
– يرجع مكتبك!!.. مستحيل يقبل.
أزعجه ذلك التعبير بإنه – لن يقبل -، ولم يسمح له غروره بتمرير تلك العبارة مرورًا كريمًا :
– أنا اللي مقبلش.. لولا إني عايز أبعده عن هنا عمرنا ما كنا هنتصادف مرة تانية.
بخفة ورشاقة أنثوية، وضعت يداها على كتفيهِ، وأردفت بصوتها الناعم :
– طيب.. أهدى، مفيش حاجه تستاهل كل العصبية دي، أنت نسيت النهاردة في إيه؟.
لقد تناسى حقًا؛ لكنها أعادت له ذاكرتهِ في لمح البصر، وقد تأثر فعليًا بحركتها العفوية الرقيقة، وتعلقت عيناه بالنظر إليها مشتاقًا للعِناق، لكنه مازال متأثرًا بشظايا الحريق الذي اشتعل بين حشاياه، ورأت هي ذلك في لمعة الغضب الذي يحاول السيطرة عليه لئلا يزعجها، بات يخشى عليها حتى من عيناه أن تنظر لها بنظرةٍ قد تجرحها، فـ أشعرها بشئ من تأنيب الضمير لفعلتها تلك التي لم تضع في حسبانها إنها قد تضايقه، ولأول مرة في حياتها خشيت إحزانهِ، وتوجب عليها أن تعبّر له عن حرصها حيالهِ :
– حمزة please متكونش زعلان.. وصدقني نضال جاي عشان يشتغل وبس.
بعضًا من الإرتخاء خيّم على تعابير وجهه الممتعض، وبدأ يسحب نفسه بعيدًا عن التوتر الذي تملكهُ بعدما ذكّر نفسه بحدث اليوم المنتظر. أخذ شهيقًا لصدرهِ وحررهُ في بطء قبل أن يردف :
– النهاردة بالذات مينفعش أزعل.. خصوصًا منك.
وقبل أن تلتحم شفتاه بشفتيها اللاتي تناديهِ، أبعدت وجهها على استحياءٍ وهي تذكره :
– قولنا بـ اللـيـل…
**********************************
مرت السويعات كأنها ليالٍ طوال، وأخذ يعدّ الدقائق حتى مرّت گالطيور المهاجرة، والآن يراها أمامه على طاولة عقد القران، يمسك بيد وكيلها “نضال” الذي اختاره بذاتهِ لغرضٍ ما نفسه، يقرأ وراء الشيخ كلمات عقد القران ويُعاهد الله على ألا ينقض العهد. خطفت أنظاره منذ الوهله الأولى، لقد تخلّت عن تكحيل عيناها باللون الأسود، وتركت تلك التفاصيل التي كانت تجعل من ملامحها حادة جديّة قاسية متعمدة بذلك محو تعابيرها الرقيقة الناعمة؛ ولكن الآن انكشفت كل ملامحها التي كانت تواريها بعد إضافة بعض المكملات الجمالية، والتي ازدادت جمالًا بالزيّ الأبيض البسيط والأنيق الذي اختارته لعقد القران.
أنهى الشيخ عقد القران بكلمتهِ المعهودة “بارك الله لكما.. وبارك عليكما.. وجمع بينكما في خير.”
فـ نظر “زيدان” من حوله بإستنكارٍ وهو يتمتم منزعجًا :
– مش كنت جيبت الولية والعيال كانت زغرطت ولا عملت أي منظر بدل اللي انا شايفه ده!.
بدأ الحاضرين – والذي كان عددهم لا يتجاوز الخمسة أفراد – ينسحبون من الوسط، حتى” نضال” غادر في سرعةٍ وصمت، بعد أن أجبر نفسه وتحمل تلك اللحظات العصيبة وجد إنه من المناسب الإنصراف دون إشعار أحد بوجيعة نفسه.
وقف “زيدان” أمام الباب من الخارج، ثم سأله في عبثٍ :
– لو محتاج أي حاجه، وسائل مساعدة، أو حتى آ….
أغلق “حمزة” الباب في وجهه وهو يهتف بـ :
– مع السلامة.
تنحنح “زيدان” بإحراج وهو ينظر من حوله، ثم أردف بخفوتٍ :
– إيه الكسفة دي!.. مش كنت مشيت بكرامتي أحسن بدل ماانا مهزق نفسي مع الراجل ده على طول كده!.
أخرج هاتفه من جيب بنطاله وتابع :
– اما اشوف الولية كانت متصلة عايزة إيه.. يارب ما ترد.
لم يتسع الوقت سوى لتغير الغرفة بالكامل، أثاث جديد وفرش جديد، أما عن هيئتها وألوانها ظلت على نفس الحال؛ لكنها ارتضت الأثاث الذي اختارته بنفسها. لم يكن في مقدورها ترك كل الأفكار العابثة بذهنها ومخاوفها الأنثوية والتركيز على الغرفة الجديدة، وإنما بقى عقلها لدى الليلة المنتظرة – والمُقلقة – في آن واحد، تترقب بشغفٍ – وتوتر – ما سيحدث في لقائهما الأول. تصنّعت وكأنها تستكشف غرفتها الجديدة، ولكن ذهنها يجول في رأسها ذهابًا وإيابًا :
– الأوضة أحسن بكتير من القديـ……
تجمدت الحروف على لسانها، ورمشت عيناها المرتبكة أثر أصابعهِ التي راحت تختبر ملمس جلدها في استكشافٍ لأول مرة. تهدجت الأنفاس، وعلىٰ مستوى التوتر مع الإحساس بأصابعه التي بدأت تفتح سحابها ببطءٍ متعمد لمس ظهرها لإضافة المزيد من الإثارة، واقترب بصدرهِ من ظهرها قبل أن يعانق خِصرها من الخلف، ثم ضمّها إليهِ في إنفعالٍ عاطفي لذيذ، وترك شفتيها تلمس أذنها قبل أن يهمس بـ :
– بتحبيني ياسُلاف؟.
هزت رأسها بالإيجاب وعيناها غائبة تمامًا عن الوعي، بعدما أصيب سائر بدنها بالقشعريرة، فـ أدارها لتكون في مقابلتهِ ليتابع همسهِ :
– لأ قوليها، عايز أسمعها منك.
وأحنى رقبتهِ ناحيتها يتوسد الدفء المنبعث من جسدها، حتى وصلت شفاهه لنحرها النابض بالعروق الحيّة، حتى استمع لرعشة الحروف في صوتها الضعيف :
– أيوة بحبك.. وادينا مع بعض بعد ما كل الناس قالو مستحيل يحصل.
أحست برطوبة لسانهِ الذي مسّ جلد عنقها، فـ ارتعشت بين يديه في نشوةٍ غير مسبوقة، قبل أن يحملها بين ذراعيهِ متجهًا بها نحو فراش الزوجية، لتعيش بين غرامهِ وحنانهِ، وبين عنفوانهِ ورقتهِ، بين رغبتهِ المتأججة ورفقتهِ بها، خاضت في أحضانهِ أجمل تجربة حللها الله لكُل المحبين، واختبرت بنفسها معاني جديدة للعِشق اختلفت تمامًا عن تلك القصص التي تمنت يومًا أن تعيش في خِضمها، والآن هي في خِضم أجمل المشاعر، والتي لم تكن لتعيشها سوى معه هو، هو الذي تفنن في استحضار أنوثتها واحتوى كافة مشاعرها لتحس به ملكًا استحوذ على كل مداخلها.
************************************
استيقظت باكرًا، طاقة الحُب التي لم تتسع داخلها لم تجعلها تنام لأكثر من أربعة ساعات فقط، ونهضت في كامل حيويتها ونشاطها لتركض ركضًا نحو طفلها كي تطمئن عليه. أول ما فعلتهُ “سُلاف” في صبيحة اليوم هو الذهاب لغرفة الصغير، حيث تمكث معه المربية “أم علي” طوال الوقت، منذ أن أسندت إليها “سُلاف” تلك المهمة من جديد. دخلت فوجدتها نائمة، لم تزعجها وأخذت الصغير بين أحضانها، تشممت رائحته التي أشبهت رائحة أبيهِ كثيرًا، فقط باتت بالأمس في أحضانهِ وتعبأ صدرها برائحتهِ المميزة طوال الليل، حتى حفظتها عن ظهر قلب. ضمتهُ إليها برفقٍ وهي تهمس :
– أنا كمان هبقى مامي يا زين.. بكرة أجيبلك إخت تخلي بالك منها وترعاها، مش عايزاها تكبر لوحدها أبدًا ولا تحس إنها وحيدة.. أنا عارفه إنك هتكون أحن حد عليها.
صوت ما بالخارج لفت انتباهها، وكأن الشرفة بها زائر غير مرحب به. انتبهت مداركها التي توترت على الفور، ونظرت نحو الشرفة بصمتٍ مترقب، ثم بدأت تقترب منها رويدًا رويدًا وهي تهمس بـ :
– أهدى يازين متعيطش دلوقتي أرجوك.
وهزت يداها قليلًا حتى يهدأ الصغير ولا يبدأ بالبكاء الآن، انتظرت بضع ثوانٍ وهي تقف أمام الشرفة، ثم سحبت الستار فجأة لتمدد أنظارها للخارج تستكشف من المتطفل المراقب لهما؛ لكنها وجدت المكان فارغًا، فلم يكن ذلك سبب مقنع يجعلها تعدل عن قلقها الشديد، فقد واجهت “سُلاف” الكثير من الأحداث المتوالية، ولن يكون في مقدورها سوى قضاء أعوام طويلة من القلق.
***********************************
رفع جسدهٍ برويّةٍ وهو يقصّ عليه ما رآه، ثم وضع خلف ظهره الوسادة الطريّة وهو يقول :
– ده كل اللي حصل من امبارح سعاتك.
تلوت شفتيه تعبيرًا عن مشاعر الإنهزام التي يعيشها، وغابت تعابير الضيق الشديد على وجههِ وهو يهتف بـ :
– يعني خلاص اتجوزها رسمي!!.. ابني أنا يتجوز اللي كانت سبب في كل اللي عيشناه!، عمل زي اخته ومشي ورا قلبه لحد ما جابته الأرض.
نظر “صلاح” لذراعهِ المحترق وجسدهِ الذي غرق أكثر من نصفهِ في آثار الحريق الذي اندلع وكان هو داخلهِ، ثم صرخ في غضبٍ ثائر :
– بينسى أبــوه وأمـه اللي ماتت بحسـرتها، وجـري يتجوز بنت الـ *** دي!.
ناوله الخادم كوب من الماء وهو يهدئ من روعهِ :
– روق نفسك ياصلاح بيه.. كله في إيدك وكله هيتصلح، أؤمرني انت بس وانا اعملك كل اللي تقوله.
أبعد “صلاح” الماء عنه، وأشاح بوجهه وهو يقول :
– تتحرق زي ماانا اتحرقت، تولع زي ما أهلها كلهم ولعوا.. هي دي الحاجه الوحيدة اللي ممكن تـطـفي نـاري…..
***********************************

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى