رواية قطة في وادي الذئاب الفصل الثالث 3 بقلم إسراء عبد القادر
رواية قطة في وادي الذئاب الجزء الثالث
رواية قطة في وادي الذئاب البارت الثالث
رواية قطة في وادي الذئاب الحلقة الثالثة
((طفلة نسيت عمرها بقرار يسلب براءتها ، فهل تقف بمرمى المواجهة؟ ، ام تكتفى بالنظر إلى براءتها المسلوبة مكتوفة الايدى؟!))
_ جومى يا زينة شوفى البطاطس استوت ولا لا
قالتها نجاة و هى منهمكة بتحضير إحدى الطبخات على الموقد ، بينما تركت زينة السلطة التى كانت تقطعها و هى تقول إيجابا:
_ حاضر يا نجاة
ثم اتجهت إلى فرن الموقد لتطمئن على صينية البطاطس الفخارية ، و ما ان انتهت حتى أغلقت باب الفرن ثم التفتت إلى نجاة قائلة باستفهام:
_ ناس مين اللى جايين النهاردة و عاملين لهم كل الوكل ده؟!
أدارت نجاة رأسها نصف دورة باتجاه زينة و هى تقول:
_ حسنى بيجول انهم ناس كبرات جوى ، جايين من مصر على اهنه ، منهم عم ناصر اللى راح مصر من زمان و اتجوز و خلف من هناك
قطبت زينة حاجبيها و هى تقول بتعجب:
_ و ده اى اللى فكره بابويا دلوك؟
رفعت كتفيها الى الاعلى اشارة إلى عدم العلم قائلة بعبوس:
_ و الله سألت حسنى و مارضيش يجولى ، انتى عارفاه ما يطلعش الكلام إلا بطلوع الروح
_ ربنا يهديه عليكى يا نجاة ، عارفة أخويا شديد و الله
رفعت يديها أمامها قائلة بتضرع:
_ ياااارب
نظر أشرف نحو الطعام و معدته تكاد تنقلب رأسا على عقب ، حيث لا يطيق رائحة البصل الموجود بالطعام و التى ازكمت أنفه ، ابتسم مجاملة و هو ينظر إليهم بينما يقتطع لقيمة صغيرة من هذا الخبز كبير الحجم ثم غمسه ببعض البامية فى حين يقول ناصر متلذذا:
_ الله ، بجالى كتير جوى ما دوجتش الوكل الصعيدى ده ، تسلم اليد اللى عملته
علت ابتسامة فخر و حبور على شفتى كل من قاسم و حسنى بينما لكز ناصر ذراع أشرف الذى كان يكتم أنفاسه بتقزز ، لينتبه الأخير ثم يومئ برأسه بسرعة و هو يقول موافقا:
_ اه فعلا الأكل تحفة
كانت نبرته باردة بحيث تبين بسهولة مجاملتها ليغير ناصر اتجاه الحديث قائلا:
_ نخش بجى فى الموضوع
قال قاسم و هو يرمق أشرف بنظرة ثاقبة:
_ ناصر جالى ان هو اللى رشح بتى ليك ، بس عايز اسأل الأول ، أنت عايز تتجوز من الصعيد و انت عايش فى البندر لييه؟
ابتلع أشرف مضغة الطعام التى كانت بين أسنانه متبعها بقوله متصنعا:
_ انا عايش فى البندر بس صعيدى يا عمى و أبويا غرس فيا عاداتنا و تقاليدنا و شفت بنات القاهرة أشكال و الوان ، لكن ما كانوش هيوصلوا أبدا لجمال و أصالة البنت الصعيدية ، علشان كدة كنت مصمم اتجوز بنت صعيدية من قبيلتنا ، و بنت حضرتك اكتر واحدة مناسبة خصوصا من كلام بابا عليك
أماء قاسم برأسه قبل ان يقول مبتسما:
_ فهمى كان صاحبى و حبيبى الروح بالروح
ثم أردف و هو يلوح بسبابته نحو أشرف بإعجاب:
_ و الجواب باين من عنوانه اهه
تشدق ناصر متسائلا:
_ يبجى اى رأيك ياخوى؟
أجابه قاسم بجدية:
_ كتب الكتاب و الدخلة هيبجوا الخميس الجاى ، و ضيافتهم هتبجى اهنه لحد ما يسافر بيها أشرف
التمعت عينا أشرف بخبث ليردف متحمسا:
_ عظيم يا عمى ، و انا موافق ، ورونا العروسة بقى
تطاير الشرر من عينى حسنى و هو يكز على أسنانه بغضب بينما يقول قاسم بدهشة:
_ كيف تجول ابوك معلمك عاداتنا ، و انت بتسأل عالعروسة؟
ضيق أشرف حدقتا عيناه و لم يفهم بعد مقصده ليكمل ناصر:
_ ما ينفعش تشوف العروسة إلا يوم الدخلة وجت ما ينجفل عليكم باب واحد
لوى شفتيه سخرية قائلا فى نفسه بغضب:
_ حتى خلقة اللى هتجوزها مش هعرف اشوفها؟ ، ده اى القرف ده؟
نفض الأفكار المتهكمة عن رأسه و هو يقول سريعا:
_ اه طبعا بابا قالى ، بس فى ناس بتتصرف كدة و فى ناس لأ
بادر حسنى يقول بحدة:
_ إحنا بجى من الناس اللى بتتصرف اكده ، فى اعتراض؟
هز رأسه نافيا و قد أرعبته نبرة حسنى حيث يقول بسرعة:
_ لا طبعا ، مافيش خالص
قضوا امسيتهم بعد تناول الغداء و الشاى حتى استأذن أشرف للذهاب متعللا بأنه قدم بالأمس و يريد أن يستريح بينما بقى ناصر الذى تجاذب أطراف الحديث المختلفة مع قاسم و حسنى حتى ربت على ساعد صديقه و هو يقول بحزن و شفقة:
_ يااااه ياخوى ، يعنى انت هتسيب بتك تسافر عشان خايف من عيال الشهاوى؟
اماء حسنى مجيبا بالنيابة عن والده:
_ إيوة يا عمى ، شباب العيلة دى مش رجالة اصلا ، و كان اكبر دليل على اكده سليم اللى خاف من الموت و وضع كفنه تحت رجلينا و نزل من مجام عيلته
قال ناصر بحزن:
_ و انى اللى ظنيت انك عايز تبعد بتك عنك عشان الفلوس ولا حاجة ، استغفر الله العظيم
تحدث قاسم بسرعة:
_ و الله فراجها عنى عامل كأنى هملت روحى ، ربنا يصبرنى ، بس سلامتها أهم من كل حاجة
قال ذلك و بحسبانه انه قد أنقذ ابنته من الوقوع بمستنقع الهلاك الخاص بالشهاوى ، و لكنه لا يعرف انه يسلم قطته الصغيرة إلى ذئب بشرى سينهش براءتها بكل بساطة
بعد مضى الوقت استأذن ناصر أيضا و عاد إلى منزله حيث توجد بقية عائلته القاطنين بالصعيد تاركا قاسم الذى يجلس على الكرسى مستندا على عصاه و حسنى الذى عاد إلى الغرفة الكبيرة مجددا بعدما أغلق الباب خلف ناصر ، حيث يعود بالتحدث مع والده بشأن موضوع الزواج السريع هذا
كانت زينة فى طريقها إلى جوال الدقيق الموضوع بجانب باب الغرفة كى تحمله استعدادا لخبزهم فى الصباح كما تود نجاة ، أمسكت بالطرف العلوى للجوال البلاستيكى ، و قبل ان تحمله وصل الى مسمعها بدون قصد صوت حسنى الذى قال باستنكار:
_ لكن أنت متأكد من أشرف ده اللى ناوى تخليه جوز بتك يابوى؟ ، أنى شايف انه راجل توتو من اللى بيلبسوا البدل و البناطيل!
جحظت عيناها و انفرجت شفتاها عن آخرها بعدما باغتتها كلمات أخيها المفاجئة ، لتضع اذنها عند الباب محاولة التأكد بنفى ما سمعت توا حيث يكمل قاسم بحزم:
_ ما تجولش على خطيب أختك اكده يا حسنى ، ده راجل و ملو هدومه و ده لبسهم هناك ، انى واثج فيه و إلا ماكنتش سلمته بتى
يا لفاجعة قلبها! ، إذا فما سمعت لم يكن خطأ! ، بل قد تيقنت من نصل السكين الحاد الذى وضعه والدها و اخاها على رقبتها كى يذبحاها و يذبحا عشقها الدفين لفقيدها العزيز ، تركت طرف الجوال ثم ركضت بأقصى سرعتها إلى الأعلى حيث توجد غرفتها ، متجاهلة نداءات نجاة المتسائلة عن سبب هروعها بهذا الشكل و العبرات باتت مغرقة وجنتيها ، دلفت غرفتها ثم التقطت شطر الصورة الموضوع تحت وسادتها ثم احتضنه و الألم بات متوسدا بنياط قلبها ، أخذت تجهش فى البكاء بقهر بينما تأتى نجاة و هى تسرع مربتة على منكب زينة قائلة بقلق:
_ مالك يا زينة ، بتبكى ليه بس؟
لما لم تجد اجابة منها بل ازدادت شهقاتها أكثر ، عادت تسألها و قد دب الخوف بأوصالها:
_ حسنى جالك حاجة؟ ، طب عمى زعلك؟
تحدثت زينة من بين أنفاسها اللاهثة قائلة بانفعال:
_ أبوي ابوى ناوى يجوزنى من واحد عايش فى البندر ، ابوى ناوى يدفننى بالحيا و يدبح طفولتى خلاص ، ابوى ناوى يجوزنى من غير ما يشاورنى حتى!
تأكدت شكوك نجاة توا و قد أصابتها الريبة منذ يوم أمس حينما تعالى حسنى عن الإجابة على أسئلتها عن هؤلاء الضيوف ، و لم يعطها حقا او باطل بشأنهم ، تنهدت بحسرة على حال هذه الصغيرة التى ستضاف قريبا إلى عداد الأطفال المسلوبين براءتهم! ، أخذت تربت على ساعد زينة و هى تقول مواسية:
_ ما تزعليش يا زينة ابوكى عايز مصلحتك ، انتى خلاص كبرتى يا حبيبتى و لازم تبجى أم
هزت زينة رأسها نفيا و هى تقول بقتامة:
_ لا ، لا ابوى و اخوى عايزين يمشوا حياتى كيف ما هما عايزين ، حرام عليهم و الله
لفت انتباه نجاة الصورة التى تحتضنها زينة حتى كادت تدفنها بصدرها ، لتجذبها ثم تنظر نحو زينة بعتاب قائلة بنبرة ذات مغزى:
_ يبجى الزعل مش عشان هيجوزك بدرى ولا حاجة! ، انتى زعلانة عشان هتنسى فارس
لم تبد رد فعل لتتأكد إجابات الأسئلة التى أطلقتها نجاة ، لتترك الصورة جانبا ثم تقول:
_ يا زينة يا حبيبتى ، ما ينفعش تعيشى حياتك و انتى بتبكى على حياة فارس ، فارس كان حبيبك و انتى صغيرة يا زينة يعنى اصلا مالحجتيش تشوفى الوحش اللى فيه عشان تجولى بتحبيه!
هزت زينة رأسها الى كلا الجهتين نفيا و هى تقول:
_ لأ حبيته و حبيته جوى كمان ، و ماجدرش استغنى عنه ولا عن صورته واصل
تحدثت نجاة بحزم:
_ بس هو خلاص مات يا زينة ، لو وجفتى حياتك على اكده ربك هيغضب عليكى عشان فرطتى ف نفسك بسبب راجل الله يرحمه
ثم فتئت تنصحها بحنو:
_ يا حبيبتى ادعيله علطول ، ربنا يرحمه و يغفر له و يجعل مثواه الجنة ، لكن ما تموتيش نفسك فى البكا عليه اكده ، المفروض تخلصى من الصورة و ترحمى نفسك شوية ، ربنا منزل الرحمة على جلبك عشان يرتاح و انتى مش عايزاه يرتاح؟!
ظلت على حالها تنظر أرضا و الدموع منسابة على وجهها بلا توقف بينما تقف نجاة ثم تقول خاتمة حديثها:
_ انى هسيبك تفكرى ، بس اعرفى دايما يا زينة ، أن ماحدش بياخد غير نصيبه ، و هو نصيبه وجف لما مات هناك ، لكن انتى لسة جدامك المستجبل طويل ، ابوكى و اخوكى اتصرفوا صوح ، جه وجت سترك عشان تتجوزى و يبجى ليكى عيلة ، أدى لنفسك فرصة يا زينة ، و وافجى على عريس البندر و عيشى الدنيا يا بتى
لفظت بكلمتها الاخيرة و هى تتجه إلى باب الغرفة حيث تخرج متجهة الى قضاء مهمتها الأخيرة بدلا عن زينة التى التقطت الصورة مجددا تمسكها و قد وقعت دموعها على وجه فارس لتقول بحزن و حسرة:
_ بجى هو ده نصيبك اللى خدته من الدنيا يا عمرى؟! ، مت على يدهم بعد ما كنت بطل من غير رحمة حتى! ، يعنى خلاص؟ ، اتكتب عليا ابجى مرت غيرك خلاص؟!
أغمضت عينيها بألم و قد توالى إلى ذاكرتها مشهد إخبارها بموت فارس فى العام الأول من ذهابه للدراسة بكلية الهندسة هناك ، بعدما تلقى منحة للدراسة بألمانيا حينما تبين تفوقه الدراسى ، و أثناء ذهاب عدد من الطلاب بالحافلة فى معسكر كبير للدراسة عمليا ، باغتهم أحد الركاب بالوقوف مخرجا سلاحه و موجهه إليهم كى يخرجوا كل ما بحوزتهم من أموال ، ثم اتجه بعد ذلك لاختطاف زميلة منهم و الخروج بها من الحافلة حيث يريد الاحتفاظ بها بعدما أعجبه حسنها ، و هنا وقف فارس يدافع عنها ببسالة حيث استطاع افلاتها من بين براثنه ثم الدخول معه فى مشاجرة شديدة كان آخرها ان حاول هذا القاتل ان يوجه فوهة السلاح على فارس ، و لكن كان فارس يزيده قوة حيث أدار السلاح ناحية شبيه الرجل هذا و بضغطة مفاجئة اخترقت رصاصة من المسدس بمنتصف الصدر فأرداه قتيلا! ، و ما كان الأدهى من ذلك هو كون هذا القتيل أخا لأحد أكبر زعيم من زعماء المافيا ، فقام بتدبير حادث لسيارة كان يقودها فارس بعد أسبوع مباشرة ليموت الآخر شهيدا لشهامته و رجولته!
قبلت زينة وجه فارس بالصورة و هى تقول بصوت متحشرج من أثر الدموع:
_ ربنا يرحمك يا حبيبى يا بطلى يا ولد جلبى
فى الصباح ، كانت زينة تجلس مقابلة إلى والدها الذى يلقى على مسمعها خبر تزويجها من أشرف الذى كانت تعلمه مسبقا ، كانت تنظر أرضا و وجهها خاليا من اى تعبيرات ، و قد أرجع والدها ذلك إلى الخجل الذى قد يصيب أيا من تكون بمكانها و لم يشعر بمعاناة قلبها آن ذاك ، بينما كانت تجلس نجاة و قلبها أصبح يعمل كمضخات حيث تخشى و بشدة ان يكون رد زينة هو الرفض و يصبح موقف والدها العداء من جانبه
و بصدمة الجمت نجاة الجالسة بجانبها تخشى رفضها ، حدث ما لم يكن فى الحسبان حيث أجابت زينة بصوت جليدى:
_ موافجة يابوى
انفرجت اساريره سعادة بعدما أستمع إلى موافقة ابنته ليقف عن مجلسه بوقار ثم يتجه إليها أخذا إياها بعناق ابوى و هو يقول بحب:
_ مبروك يا حبيبتى ، عارف انك هتزعلى عشان هتسيبينا بس و الله ده عشان مصلحتك
_ عارفة يابوى
قالتها زينة بنبرة فرحة مصطنعة و قلب يعتصر ألما ، نجحت نجاة باكتشافها ، ابتعد قاسم عن ابنته ثم التفت إلى نجاة آمرا:
_ زغرطى لعروستنا الحلوة يا نجاة
انصاعت إلى أمره ثم أطلقت زغرودة عالية اخترقت الجدران ليسمعها القريب و البعيد ، بعدما أراد قاسم ان يعلن عن زواج ابنته الصغيرة
و بعد خروج قاسم من الدار التفتت نجاة نحو زينة و علامات التساؤل جلية على وجهها لتجيب زينة على تساؤلها دون انتظار سماعه قائلة بهدوء:
_ كان معاكى حج يا نجاة ، مش هفضل دافنة نفسى انى ، لازم أعيش
ثم أردفت بألم:
_ و احب و اتحب من جديد ، خلاص وافجت على راجل البندر
ابتسمت نجاة بحب ثم أخذت زينة بين ذراعيها فى حضن أمومى افتقدته زينة منذ صغرها ، قالت نجاة بتأييد:
_ شاطرة يا زينة ، ربنا يوفجك و يسعدك و تشوفى فى البندر اللى عمرك ما شوفتيه اهنه
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية قطة في وادي الذئاب)